مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وأن تجعل طريقا.

ويستحب أن تجنّب البيع والشراء والمجانين ، وإنفاذ الأحكام ،

______________________________________________________

الكسر. وذكر الشارح أن المراد بالمحاريب الداخلة في الحائط الداخلة كثيرا (١). ولم أقف على نص يتضمن كراهة المحاريب الداخلة بهذا المعنى مطلقا.

قوله : ( وأن تجعل طريقا ).

إنما يكره إذا استطرقت على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد وإلاّ حرم كما مر (٢).

قوله : ( ويستحب أن تجنب البيع والشراء والمجانين ).

وكذا الصبيان الذين لا يوثق بهم في التحفظ من النجاسات ، لقوله عليه‌السلام في مرسلة عليّ بن أسباط : « جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت » (٣).

قوله : ( وإنفاذ الأحكام ).

للنهي عنه في مرسلة عليّ بن أسباط المتقدمة. وقال الشيخ في الخلاف (٤) ، وابن إدريس (٥) : إنه غير مكروه ، واستقربه في المختلف ، واستدل عليه بأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة للطاعات ، وبأن أمير المؤمنين عليه‌السلام حكم في جامع الكوفة وقضى فيه بين الناس قال : ودكة القضاء مشهورة إلى الآن. وأجاب عن الرواية الأولى بالطعن في السند ، واحتمال أن يكون متعلق النهي إنفاذ الأحكام كالحبس على الحقوق والملازمة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٧.

(٢) في ص ٣٩٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٢ ، الخصال : ٤١٠ ـ ١٣ ، علل الشرائع : ٣١٩ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ٥٠٧ أبواب أحكام المساجد ب ٢٧ ح ١.

(٤) الخلاف ٢ : ٥٨٩.

(٥) السرائر : ٦٠.

٤٠١

وتعريف الضوالّ ، وإقامة الحدود ، وإنشاد الشعر ،

______________________________________________________

عليها في المساجد (١). وهو حسن.

قوله : ( وتعريف الضوال ).

للنهي عنه في مرسلة عليّ بن أسباط المتقدمة. وكذا يكره السؤال عنها أيضا ، لما رواه ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه مرسلا : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال : « قولوا : لا رد الله عليك فإنها لغير هذا بنيت » (٢).

قوله : ( وإنشاد الشعر ).

لما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن جعفر بن إبراهيم ولعله الجعفري ، عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له : فض الله فاك ، إنما نصبت المساجد للقرآن » (٣).

واستثنى الشهيد في الذكرى من ذلك ما يقلّ منه وتكثر منفعته ، كبيت حكمة ، أو شاهد على لغة في كتاب الله تعالى ، أو سنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤). وألحق به المحقق الشيخ علي مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراثي الحسين عليه‌السلام (٥). ولا بأس بذلك كله ، لصحيحة علي بن يقطين : إنه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن إنشاد الشعر في الطواف فقال : « ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به » (٦).

__________________

(١) المختلف : ٦٩٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٥ ، الوسائل ٣ : ٥٠٨ أبواب أحكام المساجد ب ٢٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٥ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب أحكام المساجد ب ١٤ ح ١.

(٤) الذكرى : ١٥٦.

(٥) جامع المقاصد ١ : ٩٧.

(٦) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٧ ـ ٧٨٤ ، الوسائل ٩ : ٤٦٤ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ١ ، بتفاوت في المتن.

٤٠٢

ورفع الصوت ، وعمل الصنائع ، والنوم.

______________________________________________________

قوله : ( ورفع الصوت إذا تجاوز المعتاد ).

إذا تجاوز المعتاد ، لمنافاته الخشوع المطلوب في المساجد ، وللنهي عنه في مرسلة عليّ بن أسباط.

قوله : ( وعمل الصنائع ).

لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سل السيف في المسجد وبري النبل في المسجد وقال : إنما بني لغير ذلك » (١) ويستفاد من هذا التعليل كراهة عمل جميع الصناعات. ولو لزم من ذلك تعطيل (٢) المصلين حرم قطعا.

قوله : ( والنوم ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر (٣) بما رواه الشيخ ، عن أبي أسامة زيد الشحام قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزّ وجلّ ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٤) قال : « سكر النوم » (٥) وهي ضعيفة السند (٦) ، قاصرة الدلالة.

والأجود قصر الكراهة على النوم في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، للأصل ، وما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبي‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٤ ، الوسائل ٣ : ٤٩٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٧ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٨.

(٢) في « ح » : تغليط.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٥٣.

(٤) النساء : ٤٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٨٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٣٥ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٣٧١ ـ ١٥.

(٦) وجه الضعف هو وقوع الحسين بن المختار في طريقها وهو واقفي ( راجع رجال الشيخ : ٣٤٦ ـ ٣ ).

٤٠٣

ويكره دخول من في فمه رائحة بصل أو ثوم ،

______________________________________________________

جعفر عليه‌السلام : ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ في المسجدين : مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسجد الحرام » قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام فقلت له في ذلك فقال : « إنما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس » (١).

قوله : ( ويكره دخول من في فمه رائحة بصل أو ثوم ).

وكذا غيرهما من الروائح المؤذية ، لأنه يؤذي المجاور ، ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربنّ المسجد » (٢).

وتتأكد الكراهة في الثوم ، لاستفاضة الروايات بالنهي لآكله عن دخول المساجد ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الثوم فقال : « إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه لريحه ، وقال : من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا ، فأما من أكله ولم يأت المسجد فلا بأس » (٣).

قال الشيخ في الإستبصار : فأما ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، قال : حدثني من أصدق من أصحابنا ، قال : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن الثوم فقال : « أعد كل صلاة صليتها ما دمت تأكله » (٤) فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من التغليظ في‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ٢ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٣٧٠ ـ ١١.

(٢) الخصال : ٦٣٠ ، الوسائل ٣ : ٥٠٢ أبواب أحكام المساجد ب ٢٢ ح ٦.

(٣) الكافي ٦ : ٣٧٤ ـ ١ ، علل الشرائع : ٥١٩ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٥٠١ أبواب أحكام المساجد ب ٢٢ ح ١.

(٤) الإستبصار ٤ : ٩٢ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٢٨ ح ٨ ، وأوردها في التهذيب ٩ : ٩٦ ـ ٤١٩.

٤٠٤

والتنخم ، والبصاق ، وقتل القمل فإن فعل ستره بالتراب ، وكشف العورة ،

______________________________________________________

كراهته ، دون الحظر الذي يكون من أكل ذلك يقتضي استحقاقه الذم والعقاب ، بدلالة الأخبار الأولة ، والإجماع الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب إعادة الصلاة.

قوله : ( والتنخم والبصاق ، وقتل القمل ، فإن فعل ستره بالتراب ).

الضمير يرجع إلى كل واحد من الثلاثة. أما كراهة التنخم والبصاق واستحباب سترهما بالتراب فيدل عليه ما رواه الشيخ ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « إن عليا عليه‌السلام قال : البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنه » (١).

وعن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته » (٢).

وأما كراهة قتل القمل واستحباب ستره بالتراب فلم أقف فيه على نص ، وأسنده في الذكرى إلى الجماعة (٣) ، ولا بأس به ، لأن فيه استقذارا تكرهه النفس ، فينبغي تركه وتغطيته بالتراب مع فعله.

قوله : ( وكشف العورة ).

علله في المعتبر بأن ذلك استخفاف بالمسجد وهو محل وقار (٤) ، ثم قال : وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٩ أبواب أحكام المساجد ب ١٩ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٤ ، ثواب الأعمال : ٤١ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ٥٠٠ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٥٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٥٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ٣ : ٥١٥ أبواب أحكام المساجد ب ٣٧ ح ١.

٤٠٥

والرمي بالحصى.

مسائل ثلاث :

الأولى : إذا انهدمت الكنائس والبيع ، فإن كان لأهلها ذمّة لم يجز التعرض لها ، وإن كانت في أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها في المساجد.

الثانية : الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ،

______________________________________________________

قوله : ( والرمي بالحصى ).

لما فيه من العبث ، ولما رواه الشيخ ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال : ما زالت تلعنه حتى وقعت » (١).

قوله : ( الأولى ، إذا انهدمت الكنائس والبيع ، فإن كان لأهلها ذمّة لم يجز التعرض لها ، وإن كانت في أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها في المساجد ).

أما أنه لا يجوز التعرض لهما إذا كان لأهلهما ذمة فظاهر ، لإطلاق النهي عن التعرض لما في أيديهم ، المتناول لذلك وغيره.

وأما جواز جعلهما مساجد واستعمال آلتهما فيها إذا كانت في أرض الحرب ، أو باد أهلها فيدل عليه مضافا إلى عموم ما دل على جواز التصرف في هذين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البيع والكنائس ، هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال : « نعم » (٢).

قوله : ( الثانية ، الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ـ ٧٤١ ، الوسائل ٣ : ٥١٤ أبواب أحكام المساجد ب ٣٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٠ ـ ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب أحكام المساجد ب ١٢ ح ٢ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٣.

٤٠٦

والنافلة بالعكس.

______________________________________________________

والنافلة بالعكس ).

أما أن الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل فهو موضع وفاق بين المسلمين ، بل الظاهر أنه من ضروريات الدين ، والأخبار الواردة بذلك أكثر من أن تحصى ، فروى الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، سمعته يقول : « إن أناسا كانوا على عهد رسول الله أبطئوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم فتحرق عليهم بيوتهم » (١).

وأما أن صلاة النافلة في المنزل أفضل من المسجد فهو قول أكثر الأصحاب ، لأن فعلها في السرّ أبلغ في الإخلاص وأبعد من وساوس الشيطان ، ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » (٢).

ورجح جدي ـ قدس‌سره ـ في بعض فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضا كالفريضة. وهو حسن ، خصوصا إذا أمن على نفسه الرياء ورجا اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير ، وتدل عليه روايات كثيرة ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي صلاة الليل في المسجد » (٣).

وفي الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني لأكره الصلاة في مساجدهم فقال : « لا تكره ، فما من مسجد بني إلاّ على أثر نبي قتل فأصاب تلك البقعة رشّة من دمه فأحب الله أن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٧ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ٢.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٤٩٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٤ ـ ١٣٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ١.

٤٠٧

______________________________________________________

يذكر فيها ، فأدّ فيها الفريضة والنوافل ، واقض فيها ما فاتك » (١).

وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصلاة في مسجدي كألف في غيره ، إلاّ المسجد الحرام ، فإن صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي » (٢).

وعن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في مسجد الكوفة : « إن الصلاة المكتوبة فيه تعدل ألف صلاة ، وإن النافلة لتعدل خمس مائة » (٣).

وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في مسجد الكوفة أيضا : « أن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة » (٤).

وما رواه ابن بابويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ في كتابه من لا يحضره الفقيه بعدة أسانيد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال له : « المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد الكوفة ، يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة ، والنافلة تعدل عمرة » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٠ ـ ١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٣ ، الوسائل ٣ : ٥٠١ أبواب أحكام المساجد ب ٢١ ح ١. وفيها : قبر نبي أو وصي نبي.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٧ ـ ٦٨١ ، الوسائل ٣ : ٥٣٦ أبواب أحكام المساجد ب ٥٢ ح ٣ ، مرسلا.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٠ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب أحكام المساجد ب ٤٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٩١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ ـ ٦٨٩ ، الوسائل ٣ : ٥٢٨ أبواب أحكام المساجد ب ٤٥ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٤٨ ـ ٦٨٣ ، الوسائل ٣ : ٥٥٠ أبواب أحكام المساجد ب ٦٤ ح ١.

٤٠٨

الثالثة : الصلاة في الجامع بمائة ، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين ، وفي السوق باثنتي عشرة صلاة.

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، الصلاة في الجامع بمائة ، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين ، وفي السوق باثنتي عشرة صلاة ).

المستند في ذلك ما رواه ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه مرسلا ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : « صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته صلاة واحدة » (١).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٣ : ٥٥١ أبواب أحكام المساجد ب ٦٤ ح ٢.

٤٠٩

الفصل الرّابع :

في صلاة الخوف والمطاردة.

صلاة الخوف مقصورة سفرا ، وفي الحضر إذا صليت جماعة ، فإن صليت فرادى قيل : تقصر ، وقيل : لا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الرابع ، في صلاة الخوف والمطاردة : صلاة الخوف مقصورة سفرا ، وفي الحضر إذا صليت جماعة ، فإن صليت فرادى قيل : تقصر ، وقيل : لا ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في وجوب التقصير في صلاة الخوف إذا وقعت في الحضر بعد اتفاقهم على وجوب تقصيرها سفرا ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في الخلاف (١) ، والمرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وابن الجنيد (٤) ، وابن أبي عقيل (٥) ، وابن البراج (٦) ، وغيرهم إلى وجوب التقصير حضرا وسفرا ، جماعة وفرادى. وقال الشيخ في المبسوط : إنها إنما تقصر في الحضر بشرط الجماعة (٧). وحكى المصنف في المعتبر عن بعض الأصحاب قولا بأنها إنما تقصر في السفر خاصة (٨). والمعتمد الأول.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٥٣.

(٢) جمل العلم والعمل : ٧٨.

(٣) السرائر : ٧٨.

(٤) نقله عنهما في المختلف : ١٥٠.

(٥) نقله عنهما في المختلف : ١٥٠.

(٦) المهذب ١ : ١١٢ ، وشرح الجمل : ١٤٣.

(٧) المبسوط ١ : ١٦٥.

(٨) المعتبر ٢ : ٤٥٤.

٤١٠

______________________________________________________

لنا : قوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) (١) وهي مطلقة في الاقتصار على ركعتين من غير تفصيل.

( وأيضا قوله عزّ وجلّ ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (٢) ولا جائز أن يكون المراد بالضرب سفر القصر وإلاّ لكان اشتراط الخوف لغوا ) (٣).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه » (٤).

وهذا التقصير كقصر المسافر ، ترد الرباعية إلى ركعتين وتبقى الثلاثية والثنائية على حالهما ، كما تدل عليه الأخبار المستفيضة المتضمنة لكيفية صلاة الخوف (٥).

وقال ابن بابويه في كتابه : سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول : رويت أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) النساء : ١٠١.

(٣) ما بين القوسين مشطوبة في « ض ».

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٤ ـ ١٣٤٢ ، الوسائل ٥ : ٤٧٨ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ١ ح ١ ، وأوردها في التهذيب ٣ : ٣٠٢ ـ ٩٢١.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٧٨ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ١.

٤١١

وإذا صليت جماعة فالإمام بالخيار ، إن شاء صلى بطائفة ثم بأخرى ، وكانت الثانية له ندبا على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ،

______________________________________________________

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقال : « هذا تقصير ثان وهو أن يردّ الرجل الركعتين إلى الركعة » (١).

وقد روى ذلك الشيخ في الصحيح ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزّ وجلّ ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال : « في الركعتين ينقص منهما واحدة » (٢).

ونقل عن ابن الجنيد أنه قال بهذا المذهب (٣). وهو نادر ، والرواية به وإن كانت صحيحة لكنها معارضة بأشهر منها ، ويمكن حملها على التقية ، أو على أن كل طائفة إنما تصلي مع الإمام ركعة فكأن صلاتها ردت إليها.

قوله : ( وإذا صليت جماعة فالإمام بالخيار ، إن شاء صلى بطائفة ثم بأخرى ، وكانت الثانية له ندبا على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ).

هذه هي الصلاة المسماة بصلاة بطن النخل ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّها بأصحابه بهذا الموضع (٤) ، وليس فيها مخالفة لصلاة المختار إن جوزنا الإعادة لمن صلى جماعة ، ومن ثم جزم العلاّمة في القواعد بعدم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٥ ـ ١٣٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٧٨ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٥ : ٤٧٨ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ١ ح ٣.

(٣) حكاه عنه في الذكرى : ٢٦١.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٢٥٩.

٤١٢

وإن شاء أن يصلي كما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذات الرقاع.

ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها ، وكيفيتها ،

______________________________________________________

اعتبار الخوف في هذه الصلاة (١). وعلى القول بالمنع من إعادة الجامع يشكل إثبات مشروعية هذه الصلاة ، لأنها غير منقولة في أخبارنا.

وقول المصنف : على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ، غير جيد ، إذ لا خلاف في جواز الإعادة للمنفرد ، واقتداء المفترض بالمتنفل على هذا الوجه كما ذكره ـ رحمه‌الله ـ هو (٢) وغيره (٣).

قوله : ( وإن شاء يصلي كما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذات الرقاع ).

اختلف العلماء في سبب التسمية بذلك فقيل : لأن القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر كالرقاع (٤).

وقيل : كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق (٥).

وقيل : سميت برقاع كانت في ألويتهم (٦).

وقيل : الرقاع اسم شجرة كانت في موضع الغزوة (٧).

وقيل : مر بذلك الموضع ثمانية حفاة فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم فكانوا يلفون عليها الخرق (٨).

قوله : ( ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها وكيفيتها ،

__________________

(١) القواعد ١ : ٤٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢٥.

(٣) كالعلامة في المنتهى ١ : ٣٦٧.

(٤) كما في الروضة البهية ١ : ٣٦٤.

(٥) كما في الروضة البهية ١ : ٣٦٤.

(٦) كما في الروضة البهية ١ : ٣٦٤.

(٧) كما في الروضة البهية ١ : ٣٦٤.

(٨) كما في الروضة البهية ١ : ٣٦٤.

٤١٣

وأحكامها.

أما الشروط : فأن يكون الخصم في غير جهة القبلة ، وأن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين ، وأن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين تكفل كل طائفة بمقاومة الخصم ، وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين.

______________________________________________________

وأحكامها. أما الشروط ، فأن يكون الخصم في غير جهة القبلة ).

هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما صلاّها كذلك فتجب متابعته (١). واستوجه العلاّمة في التذكرة عدم اعتباره لعدم المانع من فعلها بدونه ، قال : وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقع اتفاقا لا أنه كان شرطا (٢).

قوله : ( وأن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين في حال الصلاة ، فلو ضعف بحيث يؤمن هذا الهجوم انتفت هذه الصلاة ).

لا ريب في اعتبار هذا الشرط ، لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة بدونه.

قوله : ( وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين ).

اشتراط ذلك في الثنائية واضح لتعذر التوزيع بدونه ، أما في الثلاثية فقد قطع الشهيدان بجواز تفريقهم ثلاث فرق وتخصيص كل فرقة بركعة (٣). وهو إنما يتم إذا جوزنا الانفراد اختيارا وإلا اتجه المنع منه ، لأن المروي أنه يصلي في الثلاثية ركعة بقوم وركعتين بآخرين (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٦ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٣ ـ ١٣٣٧ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ٥ : ٤٧٩ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ١٩٥.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٤١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠١ ـ ٩١٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٠ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ٢.

٤١٤

وأما كيفيتها : فإن كانت الصلاة ثنائية صلى بالأولى ركعة وقام إلى الثانية ، فينوي من خلفه الانفراد واجبا ، ويتمّون ثم يستقبلون العدو ، وتأتي الفرقة الأخرى فيحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهي أولاهم ، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتمّوا وجلسوا ، فتشهّد بهم وسلم.

______________________________________________________

قوله : ( وأما كيفيتها ، فإن كانت الصلاة ثنائية صلى بالأولى ركعة وقام إلى الثانية ، ونوى من خلفه الانفراد واجبا ، ويتمّون ثم يستقبلون العدو. وتأتي الفرقة الأخرى فيحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهي أولاهم ، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتمّوا وجلسوا ، فتشهّد بهم وسلم ).

هذه الكيفية متفق عليها بين الأصحاب ، والأخبار الواردة بها كثيرة ، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتين ، أقام فرقة بإزاء العدوّ وفرقة خلفه ، فكبر وكبروا فقرأ وأنصتوا فركع وركعوا وسجد وسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائما فصلوا لأنفسهم ركعة ، ثم سلم بعضهم على بعض ، ثم خرجوا إلى أصحابهم ، وأقاموا بإزاء العدوّ وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض » (١).

وحسنة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الخوف ، قال : « يقوم الإمام وتجي‌ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدوّ فيصلي بهم الإمام ركعة ، ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ، ويجي‌ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٦ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٣ ـ ١٣٣٧ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ٥ : ٤٧٩ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ١.

٤١٥

فتحصل المخالفة في ثلاثة أشياء : انفراد المؤتم ، وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم ، وإمامة القاعد بالقائم.

______________________________________________________

ثم يجلس الإمام ويقومون هم فيصلون ركعة أخرى ، ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمة ـ قال ـ : وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإمام وتجي‌ء طائفة فيقومون خلفه فيصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما ويصلون الركعتين ويتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجي‌ء الآخرون فيقومون موقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس ويتشهد ويقوم ويقومون معه فيصلي بهم ركعة أخرى ثم يسلم عليهم » (١).

واعلم أن ما ذكره المصنف من وجوب نية الفرقة الأولى الانفراد عند مفارقة الإمام إنما يتم مع إطلاق نية الاقتداء ، أما إذا تعلقت بالركعة الأولى خاصة فلا حاجة إلى ذلك ، لانقضاء ما تعلق به الائتمام.

ويستحب تخفيف الإمام القراءة في الأولى ، والتطويل في الثانية لانتظار الفرقة المتأخرة. قال في الذكرى : ولو انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزا فحينئذ يشتغل بذكر الله تعالى إلى حين حضورهم ، والأول أجود ، لأن فيه تخفيفا للصلاة ، وقراءته كافية في اقتدائهم به وإن لم يحضروها ، كغيرهم من المؤتمين (٢). وهو حسن.

قوله : ( فتحصل المخالفة في ثلاثة أشياء : انفراد المؤتم ، وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم ، وإمامة القاعد بالقائم ).

لا يخفى أن انفراد المؤتم إنما تحصل به المخالفة على قول الشيخ من المنع من المفارقة في حال الاختيار (٣) ، أما إن سوغناها مطلقا كما هو المشهور فلا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٧١ ـ ٣٧٩ ، الوسائل ٥ : ٤٨٠ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ٤.

(٢) الذكرى : ٢٦٢.

(٣) المبسوط ١ : ١٥٧.

٤١٦

______________________________________________________

تتحقق المخالفة بذلك لصلاة المختار ، اللهم إلاّ أن يقال بوجوب الانفراد هنا فتحصل المخالفة بذلك.

وكذا الكلام في توقع الإمام المؤتم حتى يتم فإنه جائز مع الاختيار ، مع أنه غير لازم في هذه الصلاة ، كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (١) حيث وقع التصريح فيها بأن الإمام يتشهد ويسلم على الفرقة الثانية ثم يقومون بعد ذلك ويتمون صلاتهم.

وأما إمامة القاعد بالقائم فإنما تتحقق إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانية في الركعة الثانية حكما وإن اشتغلوا بالقراءة والأفعال ، كما صرح به العلامة في المختلف محتجا بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم » (٢) قال : ومع الانفراد لا يحصل لهم ذلك (٣). وهو احتجاج ضعيف للتصريح في تلك الرواية بعينها بأن الإمام يوقع السلام بعد فراغه من التشهد من غير انتظارهم ، وعلى هذا فيكون قوله عليه‌السلام : « وللآخرين التسليم » أنهم حضروه مع الإمام.

والأصح انفراد الفرقة الثانية عند مفارقة الإمام كالأولى كما هو ظاهر الشيخ في المبسوط (٤) ، وصريح ابن حمزة في الوسيلة (٥) ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة : « ثم تشهّد وسلم عليهم فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض » (٦) ولأنه لا معنى للقدوة مع الاستقلال بالقراءة والأفعال إلاّ حصول ثواب الائتمام وسقوط السهو عنهم في الركعة الثانية إن قلنا‌

__________________

(١) في ص ٤١٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠١ ـ ٩١٧ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ ـ ٢٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٠ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ٢.

(٣) المختلف : ١٥٢.

(٤) المبسوط ١ : ١٦٣.

(٥) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٧.

(٦) في ص ٤١٥.

٤١٧

وإن كانت ثلاثية فهو بالخيار ، إن شاء صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وإن شاء بالعكس.

______________________________________________________

بسقوطه عن المأموم ، وليس في الأدلة النقلية ما يدل عليه فكان منفيا بالأصل.

ومما حررناه يعلم أنه ليس في هذه الصلاة مخالفة لصلاة المختار عند أكثر الأصحاب ، فيجوز فعلها مع الاختيار ، وإنما تظهر المخالفة على القول بالمنع من الانفراد في أثناء الصلاة اختيارا ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( وإن كانت ثلاثية فهو بالخيار ، إن شاء صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وإن شاء بالعكس ).

الوجه في التخيير أن فيه جمعا بين حسنة الحلبي المتضمنة لاختصاص الأولى بركعة والثانية باثنتين (١) ، وبين صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام المتضمنة للعكس ، فإنه قال فيها : « إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين فيصلي بفرقة ركعتين ثم جلس بهم ثم أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فصلى ركعة ، ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة وقام الإمام فصلى بهم ركعة ثم سلم ، ثم قام كل رجل منهم فيصلي ركعة يشفعها بالتي صلى مع الإمام ، ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة ، فتمت للإمام ثلاث ركعات وللأولين ركعتان في جماعة وللآخرين واحدة ، فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم » (٢).

والحديثان معتبرا الإسناد فيثبت التخيير ، نعم قيل : إن الأول أفضل (٣) إما لكونه مرويا عن علي عليه‌السلام فيترجح التأسي به ، وإما لفوز الفرقة الثانية‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٤١٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠١ ـ ٩١٧ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ ـ ٢٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٠ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ٢.

(٣) كما في الخلاف ١ : ٢٥٥ ، والتذكرة ١ : ١٩٤.

٤١٨

ويجوز أن يكون كل فرقة واحدا.

وأما أحكامها ، ففيها مسائل :

الأولى : كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له ، وفي حال الانفراد يكون الحكم ما قدمنا في باب السهو.

الثانية : أخذ السلاح واجب في الصلاة ،

______________________________________________________

بالقراءة المتعينة وبما يوازي فضيلة تكبيرة الإحرام والتقدم ، وذلك يحصل بإدراك الركعتين.

وقيل : إن الثاني أفضل (١) ، لئلا تكلّف الثانية زيادة جلوس في التشهد له ، وهي مبنية على التخفيف. والاقتصار على التخيير طريق اليقين.

قوله : ( الأولى ، كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له ، وفي حال الانفراد يكون الحكم ما قدمنا في باب السهو ).

هذا مبني على قول الشيخ من تحمّل الإمام أوهام من خلفه (٢) ، والمصنف لا يقول به ، ولا خصوصية لصلاة الخوف بحيث تخالف غيرها من الصلوات ، والذي أفتى به المصنف فيما سبق أن كلا من الإمام والمأموم إذا انفرد بالسهو كان له حكم نفسه (٣). وهو المعتمد. واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ حمل السهو هنا على الشك وأن المعنى : لا حكم لشك المأموم حال متابعته إمامه إذا حفظ عليه الإمام ، فيتم الحكم على مذهبه (٤).

قوله : ( الثانية ، أخذ السلاح واجب في الصلاة ).

هذا قول الشيخ (٥) وأكثر الأصحاب ، تمسكا بقوله تعالى :

__________________

(١) كما في القواعد ١ : ٤٨.

(٢) الخلاف ١ : ١٧١.

(٣) الشرائع ١ : ١١٩.

(٤) المسالك ١ : ٤٨.

(٥) المبسوط ١ : ١٦٤ ، والخلاف ١ : ٢٥٦.

٤١٩

ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على قول ، والجواز أشبه. ولو كان ثقيلا يمنع شيئا من واجبات الصلاة لم يجز.

الثالثة : إذا سها الإمام سهوا يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه فإذا سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه.

______________________________________________________

( وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) (١) والأمر المطلق للوجوب. وقال ابن الجنيد : يستحب أخذ السلاح ، حملا للأمر على الإرشاد ، لما في أخذ السلاح من الاستظهار في التحفظ من العدوّ (٢). وهو غير بعيد ، ومن ثم تردد في الوجوب المصنف في النافع والمعتبر (٣). وعلى القول بالوجوب لم تبطل الصلاة بالإخلال به ، لأنه ليس جزءا من الصلاة ولا شرطا فيها فلم يكن فواته مؤثرا في الصحة.

قوله : ( ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على قول ، والجواز أشبه ).

إنما كان الجواز أشبه لمطابقته لمقتضى الأصل ، وإطلاق العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه ، وانتفاء الدليل على اعتبار طهارة المحمول. ولو تعدت نجاسته إلى الثوب وجب نزعه إلاّ مع الضرورة المسوغة له.

قوله : ( ولو كان ثقيلا يمنع شيئا من واجبات الصلاة لم يجز ).

هذا إذا لم يضطر إلى أخذه في الصلاة ، وإلاّ وجب أخذه والصلاة بحسب الإمكان ولو بالإيماء.

قوله : ( الثالثة ، إذا سها الإمام سهوا يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه فإذا سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه ).

إنما لم يجب على الثانية السجود لأنها لم تكن مؤتمة وقت سهو الإمام ، مع‌

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٥٢.

(٣) المختصر النافع : ٥٠ ، والمعتبر ٢ : ٤٥٩.

٤٢٠