مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ولو كان إمام الأصل قطع واستأنف معه.

______________________________________________________

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده في التذكرة إلى‌ علمائنا (١) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد ، فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة. قال : « فليصل ركعتين ، ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتكن الركعتان تطوعا » (٢).

وعن سماعة ، قال : سألته عن رجل كان يصلي ، فخرج الإمام ، وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة. فقال : « إن كان إماما عدلا فليصل أخرى ، وينصرف ويجعلهما تطوعا ، وليدخل مع الإمام في صلاته » (٣).

ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط أنه جوّز قطع الفريضة مع خوف الفوات ، من غير احتياج إلى النفل (٤). وقواه في الذكرى ، نظرا إلى ما فيه من تحصيل فضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان ، والتفاتا إلى أن العدول إلى النفل قطع للفريضة أيضا ، أو مستلزم لجوازه (٥). وهو حسن.

وعلى اعتبار النفل ، فلو لم يحرم الإمام إلا بعد تجاوز المصلي الركعتين ، فقد استقرب في التذكرة وجوب الإتمام ، ثم إعادة الفريضة مع الإمام نافلة (٦) ، ولا بأس به.

قوله : ( ولو كان إمام الأصل قطع واستأنف معه ).

علله في المعتبر بما له من المزية الموجبة للاهتمام بمتابعته ، ثم قال : وعندي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٩ ـ ٣ ، الوسائل ٥ : ٤٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٠ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٤٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٤) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٥) الذكرى : ٢٧٧.

(٦) التذكرة ١ : ١٨٤.

٣٨١

الثامنة : إذا فاته مع الإمام شي‌ء صلى ما يدركه وجعله أول صلاته ، وأتمّ ما بقي عليه.

______________________________________________________

فيه تردد (١). وكأن وجهه إطلاق الروايتين بالعدول إلى النافلة. ولا ريب أن اتباع المنقول أولى.

قوله : ( الثامنة ، إذا فاته مع الإمام شي‌ء صلى ما يدركه وجعله أول صلاته ، وأتمّ ما بقي عليه ).

هذا مذهب علمائنا كافة ، قاله في المعتبر (٢) ، وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال : « إذا فاتك شي‌ء مع الإمام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرك أول صلاته ، إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين ، وفاتته ركعتان ، قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلم الإمام قام ، فقرأ بأم الكتاب وسورة ، ثم قعد فتشهد ، ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة » (٤).

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام ، وهي له‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٤٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٤٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٣ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ٥ : ٤٤٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٨ ، الإستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

٣٨٢

______________________________________________________

الأولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال : « يتجافى ولا يتمكن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية ، فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ، ثم يلحق الإمام » قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة ، كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ، فلا تجعل أول صلاتك آخرها » (١).

ومقتضى الروايتين أن المأموم يقرأ خلف الإمام [ إذا أدركه ] (٢) في الركعتين الأخيرتين ، وكلام أكثر الأصحاب خال من التعرض لذلك.

وقال العلامة رحمه‌الله في المنتهى : الأقرب عندي أن القراءة مستحبة ، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب ، لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، إذا هو مخير في التسبيح في الأخيرتين ، وليس بشي‌ء. فإن احتج بحديث زرارة ، وعبد الرحمن ، حملنا الأمر فيهما على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم (٣). هذا كلامه رحمه‌الله ، ولا يخلو من نظر ، لأن ما تضمن سقوط القراءة بإطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين ، لوجوب حمل الإطلاق عليهما ، وإن كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ، لأن النهي في الرواية الأولى عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعا ، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكن من القعود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب أو النهي في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيها من الأوامر على الوجوب أو المناهي على التحريم ، مع أن مقتضى الرواية الأولى كون القراءة في النفس ، وهو لا يدل صريحا على وجوب التلفظ بهما ، وكيف كان فالروايتان قاصرتان عن إثبات الوجوب.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٥٩ ، الإستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢.

(٢) أثبتناه من « م » ، « ح » ، « ض ».

(٣) المنتهى ١ : ٣٨٤.

٣٨٣

ولو أدركه في الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه ، ويقرأ في الثانية بالحمد وسورة ، وفي الاثنتين الأخيرتين بالحمد ، وإن شاء سبّح.

التاسعة : إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة كبّر وسجد معه ، فإذا سلم قام فاستأنف بتكبير مستأنف ، وقيل : يبني على التكبير الأول ، والأول أشبه. ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبّر وجلس معه ، فإذا سلم قام فاستقبل ، ولا يحتاج إلى استئناف تكبير.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أدركه في الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه ، ويقرأ في الثانية بالحمد وسورة ، وفي الاثنتين الأخيرتين بالحمد وإن شاء سبّح ).

لا خلاف في التخيير بين قراءة الفاتحة والتسبيح في الأخيرتين في هذه الصورة ، وإنما الخلاف فيما إذا أدرك معه الركعتين الأخيرتين وسبح الإمام فيهما ، فقيل : يبقى التخيير بحاله للعموم (١) ، وقيل : تتعين القراءة لئلا تخلو الصلاة من فاتحة الكتاب (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( التاسعة ، إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة كبّر وسجد معه ، فإذا سلم قام فاستأنف بتكبير مستأنف ، وقيل : يبني على التكبير الأول ، والأول أشبه. ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبّر وجلس معه ، فإذا سلم قام فاستقبل ، ولا يحتاج إلى استئناف تكبير ).

للمأموم بالنظر إلى وقت دخوله مع الإمام أحوال :

الحالة الأولى : أن يدركه قبل الركوع ، فيحتسب بتلك الركعة إجماعا.

__________________

(١) قال به العلامة في التذكرة ١ : ١٨٢.

(٢) قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٤٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

٣٨٤

______________________________________________________

الحالة الثانية : أن يدركه في حال ركوعه ، والأصح إدراك الركعة بذلك ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه (١) ، فيكبر المأموم تكبيرة للافتتاح ، وأخرى مستحبة للركوع ، ثم يركع. قال في المنتهى : ولو خاف الفوات أجزأته تكبيرة الافتتاح عن تكبيرة الركوع إجماعا (٢).

الحالة الثالثة : أن يدركه بعد رفع رأسه من الركوع ، ولا خلاف في فوات الركعة بذلك ، لكن استحب أكثر علمائنا للمأموم التكبير ومتابعة الإمام في السجدتين ، وإن لم يعتد بهما.

واختلفوا في وجوب استئناف النية وتكبيرة الإحرام بعد ذلك ، فقال الشيخ : لا يجب ، لأن زيادة الركن مغتفرة في متابعة الإمام (٣). وقطع أكثر الأصحاب بالوجوب ، لأن زيادة السجدتين مبطلة للصلاة ، ولقوله عليه‌السلام في رواية معلى بن خنيس : « إذا سبقك الإمام بركعة ، وأدركته وقد رفع رأسه ، فاسجد معه ولا تعتد بها » (٤) وهي غير صريحة في وجوب الاستئناف.

ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في هذا الحكم من أصله ، للنهي عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها في رواية محمد بن مسلم الصحيحة ، عن الباقر عليه‌السلام (٥) (٦). وهو في محله ، لا لما ذكره من النهي فإنه محمول على الكراهة ، بل لعدم ثبوت التعبد بذلك.

ثم إن قلنا باستحباب المتابعة وعدم وجوب استئناف النية كانت التكبيرة المأتي بها تكبيرة الإحرام ، ووجب إيقاع النية قبلها. وإن قلنا بوجوب استئناف‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥.

(٢) المنتهى ١ : ٣٨٣.

(٣) المبسوط ١ : ١٥٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٤٩ ، الإستبصار ١ : ٤٣٤ ـ ١٦٧٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٢.

(٦) المختلف : ١٥٨.

٣٨٥

______________________________________________________

النية ، كان التكبير المأتي به أولا مستحبا كما هو ظاهر.

الحالة الرابعة : أن يدركه وقد سجد سجدة واحدة ، وحكمه كالسابق ، فعلى المشهور يكبر ويسجد معه الأخرى ، وفي الاعتداد بالتكبير الوجهان ، وهنا أولى بالاعتداد ، لأن المزيد ليس ركنا. والوجه الاستئناف كالأول ، لأن الزيادة عمدا مبطلة وإن لم تكن ركنا.

الحالة الخامسة : أن يدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، وقد قطع المصنف ، وغيره (١) بأنه يكبر ويجلس معه ، فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته ، ولا يحتاج إلى استئناف التكبير.

ونصّ المصنف في المعتبر على أنه مخير بين الإتيان بالتشهد وعدمه (٢). واستدل عليه برواية عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد ، وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه ، قال : « لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته » (٣) وهي ضعيفة السند.

ومقتضى جواز الدخول معه في التشهد إدراك فضيلة الجماعة بذلك ، لكن صرح العلامة في التذكرة بخلاف ذلك ، فقال بعد حكمه بجواز الدخول مع الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة : والأقرب أنه لا تحصل فضيلة الجماعة فيما إذا أدركه بعد رفع رأسه من الركوع الأخير ، ( ويحتمل الإدراك لصحيحة ) (٤) محمد بن مسلم ، قال ، قلت له : متى يكون مدرك الصلاة مع الإمام؟

__________________

(١) كالعلامة في المنتهى ١ : ٣٨٤ ، والشهيد الأول في الذكرى : ٢٧٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٤٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ٥ : ٤٤٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ح » : وهو مشكل ، والأجود إدراك فضيلة الجماعة بإدراك السجدة الأخيرة مع الإمام لما رواه الشيخ في الصحيح عن. ، وبدله في « ض » : ويشكل بما رواه الشيخ في الصحيح عن.

٣٨٦

العاشرة : يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وغيرها.

______________________________________________________

قال : « إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته » (١) (٢).

( وهذا الاحتمال لا يخلو من قوة ، لصحة سند الرواية ، ووضوح دلالتها ، وعدم تطرق القدح إليها بالإضمار كما بيناه مرارا ، لكن ينبغي القول بعدم جواز الدخول مع الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، لأنه عليه‌السلام جعل غاية ما يدرك به الجماعة إدراك الإمام ) (٣) في السجدة الأخيرة. وليس في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود. والظاهر أن الاقتصار على الجلوس أولى.

قوله : ( العاشرة ، يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وغيرها ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب حتى في كلام القائلين بوجوب التسليم ، وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي المعزى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصلي خلف إمام ، فيسلم قبل الإمام ، قال : « ليس عليه بذلك بأس » (٤).

وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يكون خلف الإمام ، فيطيل الإمام التشهد ، فقال : « يسلم من خلفه ، ويمضي في حاجته إن أحب » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٧ ـ ١٩٧ ، الوسائل ٥ : ٤٤٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٢.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ح » ، « ض » : إذ مقتضى الرواية إدراك الجماعة بإدراك الإمام في السجدة الأخيرة ، ويستفاد منها عدم جواز الدخول بعد ذلك ، لأن الظاهر أن السؤال إنما وقع عن غاية ما يدرك به الجماعة وقد ناطه بإدراكه.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٣ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٥ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

٣٨٧

الحادية عشرة : إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال وجب أن يتأخرن ، إذا لم يكن للرجال موقف أمامهن.

الثانية عشرة : إذا استنيب المسبوق ، فإذا انتهت صلاة المأموم ، أومأ إليهم ليسلّموا ، ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه.

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون خلف إمام ، فيطول في التشهد ، فيأخذه البول ، أو يخاف على شي‌ء أن يفوت ، أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلم وينصرف ويدع الإمام » (١).

قوله : ( الحادية عشرة ، إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال وجب أن يتأخرن ، إذا لم يكن للرجال موقف أمامهن ).

الظاهر أن المراد بالوجوب هنا توقف صلاة الرجال على ذلك ، لا الوجوب بالمعنى المصطلح عليه فإنه بعيد ، خصوصا إذا كانت الأرض مباحة ، أو ملكا للنساء ، ومع ذلك فتوقف صلاة الرجال على تأخر النساء مبني على تحريم المحاذاة أو تقديم النساء ، وقد تقدم الكلام فيه.

قوله : ( الثانية عشرة ، إذا استنيب المسبوق ، فإذا انتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم ليسلّموا ، ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدل عليه روايات ، منها :

صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال في استنابة المسبوق : « يتم الصلاة بالقوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال ، فكان الذي أومأ بيده إليهم التسليم وانقضاء صلاتهم » (٢).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٦ ، قرب الإسناد : ٩٥ ، الوسائل ٥ : ٤٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٢ ـ ٧ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧١ ، التهذيب ٣ : ٤١ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ١ : ٤٣٣ ـ ١٦٧٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٣.

٣٨٨

______________________________________________________

قال الشيخ في التهذيب بعد أن أورد هذه الرواية : وقد روي أنه يقدم رجلا آخر يسلم بهم ، ويتم هو ما بقي. وهذا هو الأحوط (١). روى ذلك محمد بن أحمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن ابن مسكان ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما ، فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين ، فقدم رجلا ممن فاتته ركعة أو ركعتان ، قال : « يتم بهم الصلاة ، ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ، ويقوم هو فيتم بقية صلاته » (٢) وهذه الرواية ضعيفة السند ، فإن راويها ـ وهو طلحة بن زيد ـ عاميّ على ما نصّ عليه النجاشي (٣) وغيره (٤).

وقال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى بعد أن ذكر استحباب الاستنابة في التسليم : ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلّم بهم لم استبعد جوازه ، إذ قد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف (٥). وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ غير بعيد ، وإن كان الأولى فعل ما ورد به النقل.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤١ ـ ١٤٥ ، الإستبصار ١ : ٤٣٣ ـ ١٦٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٥.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٦.

(٤) وهو الشيخ في الفهرست : ٨٦.

(٥) المنتهى ١ : ٣٨١.

٣٨٩

خاتمة تتعلق بالمساجد :

ويستحب اتخاذ المساجد مكشوفة غير مسقّفة.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة ، تتعلق بالمساجد : ويستحب اتخاذ المساجد مكشوفة غير مسقّفة ).

أما استحباب اتخاذ المساجد فهو من ضروريات الدين ، وفضله متفق عليه بين المسلمين ، قال الله تعالى ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الآية (١).

وروى الكليني في الحسن ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة » قال أبو عبيدة : فمرّ بي أبو عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة وقد سوّيت بأحجار مسجدا فقلت له : جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك ، قال : « نعم » (٢).

وفي بعض الروايات عن الصادق عليه‌السلام : « من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة » (٣) والمفحص كمقعد هو الموضع الذي‌

__________________

(١) التوبة : ١٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٥ أبواب أحكام المساجد ب ٨ ح ١.

(٣) المحاسن : ٥٥ ـ ٨٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب أحكام المساجد ب ٨ ح ٦.

٣٩٠

______________________________________________________

تكشفه القطاة في الأرض وتلينه بجؤجؤها فتبيض فيه. وهذا التشبيه مبالغة في الصغر ، ويمكن أن يكون وجهه عدم الاحتياج في حصول المسجدية إلى بناء الجدران بل يكفي رسمه كما نبه عليه فعل أبي عبيدة.

وأما استحباب كونها مكشوفة أعني غير مسقفة فتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الحسن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، سمعته يقول : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى مسجده بالسميط ، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال : نعم فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة ، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال : نعم فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر ، ثم اشتد عليهم الحرّ فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقال : نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطيّن فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، عريش كعريش موسى عليه‌السلام ، فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكان جداره قبل أن يظلل قامة ، فكان إذا كان الفي‌ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلّى الظهر ، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر.

وقال : السميط لبنة لبنة ، والسعيدة لبنة ونصف ، والأنثى والذكر لبنتان متخالفتان » (١).

ويستفاد من هذه الرواية كراهة التسقيف خاصة دون التظليل بغيره ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦١ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٧ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.

٣٩١

______________________________________________________

وأنها لا تزول بالاحتياج إلى التسقيف ، ويؤكد هذا الاختصاص ما رواه ابن بابويه في كتابه مرسلا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها ، ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه‌السلام » (١).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألته عن المساجد المظللة يكره القيام فيها؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٢) لأن المتبادر من التظليل ما هو المتعارف منه وهو ما كان على وجه التسقيف ، ولو كانت مطلقة لوجب حملها على هذا المعنى.

قال الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى بعد أن ذكر كراهة التظليل : وقد سلف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظلل مسجده ، ولعل المراد به تظليل جميع المسجد ، أو تظليل خاص ، أو في بعض البلاد ، وإلاّ فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحرّ والقرّ (٣).

وأقول : إنا قد بيّنّا أن المكروه التظليل بالتسقيف خاصة ، وأن الكراهة لا تزول بالحاجة إلى ذلك ، ولعل الوجه فيه أن هذا القدر من التظليل يدفع أذى الحرارة والبرودة.

ومع المطر لا يتأكد استحباب التردد إلى المساجد كما يدل عليه إطلاق‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧٠٧ ، الوسائل ٣ : ٤٨٨ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٨ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ٢.

(٣) الذكرى : ١٥٦.

٣٩٢

وأن تكون الميضاة على أبوابها.

______________________________________________________

النهي عن التسقيف (١) ، وما اشتهر من قوله عليه‌السلام : « إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال » (٢) والنعال : وجه الأرض الصلبة ، قاله الهروي في الغريبين. وقال الجوهري : النعل : الأرض الغليظة تبرق حصاها لا تنبت شيئا (٣).

قوله : ( وأن تكون الميضاة على أبوابها ).

المراد بالميضاة هنا المطهرة ، وإنما استحب جعلها على أبواب المساجد ، لما فيه من المصلحة للمترددين إليها ، ولرواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشراءكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم » (٤).

ونقل عن ابن إدريس أنه منع من جعل الميضاة في وسط المسجد (٥). وهو جيد إن سبقت مسجدية محلها.

ولم يتعرض المصنف لحكم الوضوء في المسجد ، وقد قطع العلاّمة (٦) ، ومن تأخر عنه (٧) بكراهته من البول والغائط ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط والبول (٨). ويمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء ، أو على ما يتناوله‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٧ أبواب أحكام المساجد ب ٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ٤.

(٣) الصحاح ٥ : ١٨٣٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٢ ، الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب أحكام المساجد ب ٢٥ ح ٣ وص ٥٠٧ ب ٢٧ ح ٢.

(٥) السرائر : ٦٠.

(٦) المنتهى ١ : ٣٨٨.

(٧) كالشهيد الأول في الدروس : ٢٩.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٥٧ ـ ٧١٩.

٣٩٣

وأن تكون المنارة مع الحائط لا في وسطها. وأن يقدّم الداخل إليها رجله اليمنى ، والخارج رجله اليسرى. وأن يتعاهد نعله.

______________________________________________________

كما أومأ إليه في المعتبر (١).

قوله : ( وأن تكون المنارة مع الحائط لا في وسطها ).

علله العلاّمة في النهاية بما فيه من التوسعة ورفع الحجاب بين المصلين (٢). وأطلق الشيخ في النهاية المنع من جعل المنارة في وسط المسجد (٣). وهو حق إن تقدمت المسجدية على بنائها.

ونص الشيخ (٤) ، والمصنف في المعتبر (٥) ، وأكثر الأصحاب على كراهة تطويل المنارة زيادة عن سطح المسجد ، لئلا يشرف المؤذّن على الجيران ، ولما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال : لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد » (٦).

قوله : ( وأن يقدّم الداخل إليها رجله اليمنى ، والخارج رجله اليسرى ).

علله في المعتبر بأن اليمنى أشرف فيدخل بها إلى الموضع الشريف وبعكسه الخروج (٧).

قوله : ( وأن يتعاهد نعله ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٥١.

(٢) نهاية الأحكام ١ : ٣٥٢.

(٣) النهاية : ١٠٩.

(٤) المبسوط ١ : ١٦٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٤٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٠ ، الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب أحكام المساجد ب ٢٥ ح ٢.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٤٩.

٣٩٤

وأن يدعو عند دخوله وعند خروجه.

ويجوز نقض ما استهدم دون غيره. ويستحب إعادته.

______________________________________________________

أي : يستعلم حاله عند الدخول إلى المسجد ، استظهارا للطهارة ، ولما‌ رواه الشيخ ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم » (١) والتعهد أفصح من التعاهد ، قال الجوهري : التعهد التحفظ بالشي‌ء وتجديد العهد به ، وهو أفصح من قولك : تعاهدت ، لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين (٢).

قوله : ( وأن يدعو عند دخوله وعند خروجه ).

لأن المساجد مظنة الإجابة ، ولما رواه الشيخ في الموثق ، عن سماعة ، قال : إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله وبالله والسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلى الله وملائكته على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ، وإذا خرجت فقل مثل ذلك (٣).

وروى ابن بابويه في الحسن ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، وصلى الله على محمد وآله ، عدلت حجة مبرورة » (٤).

قوله : ( ويجوز نقض ما استهدم دون غيره ، ويستحب إعادته ).

استهدم ـ بفتح التاء والدال ـ : أشرف على الانهدام. ولا ريب في جواز‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٩ ، الوسائل ٣ : ٥٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ١.

(٢) الصحاح ٢ : ٥١٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٤ ، الوسائل ٣ : ٥١٦ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٤ بتفاوت.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٤ ـ ٥٤١ ، الوسائل ١٢ : ٣٠١ أبواب آداب التجارة ب ١٨ ح ٣.

٣٩٥

ويجوز استعمال آلته في غيره.

______________________________________________________

نقض المستهدم ، بل قد يجب إذا خيف من انهدامه على أحد من المترددين ، وتستحب إعادته للعموم. ويجوز النقض للتوسعة أيضا مع الحاجة إليها ، لأنه إحسان محض فيتناوله عموم قوله تعالى ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١).

ولا ينقض إلاّ مع الظن الغالب بالتمكن من العمارة.

وكذا يجوز إحداث باب في المسجد لمصلحة عامة كازدحام المصلين في الدخول والخروج ، ولو كان لمصلحة خاصة كقرب المسافة على بعض المصلين لم يبعد جوازه أيضا مع انتفاء الضرر ، لما فيه من الإعانة على القربة وفعل الخير. وكذا الكلام في فتح الروزنة والشباك.

قوله : ( ويجوز استعمال آلته في غيره ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين ما إذا كانت تلك الآلة فاضلة عن ذلك المسجد أو غير فاضلة. وقيده الشارح باستغنائه عنها ، أو تعذر استعمالها فيه لاستيلاء الخراب عليه ، أو كون الآخر أحوج إليها منه لكثرة المصلين ، ونحو ذلك ، ثم قال : وأولى بالجواز صرف وقفه ونذره على غيره بالشروط ، وليس كذلك المشهد فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ولا مسجد ، ولا صرف مال المسجد إليه مطلقا (٢). هذا كلامه رحمه‌الله.

وللنظر في هذا الحكم من أصله مجال ، والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا كالمشهد ، لتعلق النذر أو الوقف بذلك المحل المعين فيجب الاقتصار عليه ، نعم لو تعذر صرفه فيه ، أو علم استغناؤه عنه في الحال والمآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد والمشاهد ، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القرب ، لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا محضا ، وما على المحسنين من سبيل.

__________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢) المسالك ١ : ٤٧.

٣٩٦

ويستحب كنس المساجد والإسراج فيها.

______________________________________________________

قوله : ( ويستحب كنس المساجد ).

هو جمع كناستها ـ بضم الكاف ـ وإخراجها منها ، وإنما استحب ذلك لأن فيه تعظيما لشعائر الله وترغيبا للمترددين إلى المسجد فيؤمن الخراب عليه.

ويتأكد استحباب ذلك يوم الخميس وليلة الجمعة ، لما رواه الشيخ عن عبد الحميد ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذرّ في العين غفر الله له » (١) والظاهر أن الواو بمعنى أو ، والتقدير بكون التراب مما يذرّ في العين مبالغة في المحافظة على كنسها وإن كانت نظيفة ، أو على فعل ما تيسر من ذلك.

قوله : ( والإسراج فيها ).

لأنه قد لا يستغني من يصلي في المسجد عن الاستعانة بالضوء ، ولما رواه الشيخ ، عن أنس قال ، قال رسول الله : « من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج » (٢).

ولا يشترط في شرعية الإسراج تردد أحد من المصلين إليه بل يستحب مطلقا ، للعموم.

ولا يتوقف ذلك على إذن الناظر إذا كان ما يسرج به من مال المسرج ، ولو كان من مال المسجد اعتبر ذلك ، ولو لم يكن للمسجد ناظر معين وتعذر استئذان الحاكم لم يبعد جواز تعاطي ذلك لآحاد (٣) المسلمين.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٣ : ٥١١ أبواب أحكام المساجد ب ٣٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦١ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥١٣ أبواب أحكام المساجد ب ٣٤ ح ١.

(٣) في « ح » زيادة : ثقات.

٣٩٧

ويحرم زخرفتها ، ونقشها بالصور ، وبيع آلتها ، وأن يؤخذ منها في الطرق أو الأملاك ، ومن أخذ منها شيئا وجب أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر ، وإذا زالت آثار المسجد لم يحل تملكه ،

______________________________________________________

قوله : ( ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور ).

الزخرفة : النقش بالزخرف ، وهو الذهب ، والصور تعم ذوات الأرواح وغيرها. وأطلق المصنف في المعتبر تحريم النقش ، واستدل عليه بأن ذلك لم يفعل في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة (١) ، وبما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في المساجد المصوّرة فقال : « أكره ذلك ، ولكن لا يضركم ذلك اليوم ، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٢) وهذه الرواية ضعيفة السند جدا باشتماله على عدة من المجاهيل والضعفاء ، والتعليل الأول لا يعطى أزيد من الكراهة.

قوله : ( وبيع آلتها ).

هذا الحكم مشكل على إطلاقه ، فإن التحريم إنما يثبت مع انتفاء المصلحة في البيع وإلاّ جاز قطعا ، بل قد يجب ، ويتولاه الناظر.

قوله : ( وأن يؤخذ منها في الطرق أو الأملاك ، ومن أخذ منها شيئا وجب أن يعيده إليها ، أو إلى مسجد آخر ).

أي ويحرم تملك بعضها أو جعله طريقا بحيث لا تبقى صورة المسجدية ، إنما حرم ذلك لما فيه من تغيير الوقف وتخريب مواضع العبادة ، ومتى فعل ذلك وجب إعادتها إلى المسجدية. ولا يختص الوجوب بالمتغير بل يعمه وغيره.

قوله : ( وإذا زالت آثار المسجد لم يحل تملكه ).

لا ريب في ذلك ، لأن العرصة داخلة في الوقف بل هي المقصودة منه.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٥١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١.

٣٩٨

ولا يجوز إدخال النجاسة إليها ، ولا إزالة النجاسة فيها ، ولا إخراج الحصى منها ، وإن فعل أعاده إليها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجوز إدخال النجاسة إليها ).

الأصح أن ذلك إنما يحرم إذا استلزم تنجيس المسجد أو آلاته التي جرت العادة بتنزيهها من النجاسة ، وقد تقدم الكلام في ذلك (١).

قوله : ( ولا إزالة النجاسة فيها ).

علله في المعتبر بأن ذلك يعود إليها بالتنجيس (٢) ، ومقتضاه اختصاص التحريم بما إذا استلزمت الإزالة تنجيس المسجد. واستقرب المحقق الشيخ عليّ عموم المنع وإن كانت الإزالة فيما لا ينفعل كالكثير (٣) ، لما فيه من الامتهان المنافي لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جنبوا مساجدكم النجاسة » (٤) وهو بعيد.

قوله : ( ولا إخراج الحصى منها ).

إنما يحرم إخراج الحصى منها إذا كانت بحيث تعد جزءا من المسجد أو من آلاته ، أما لو كانت قمامة كان إخراجها مستحبا كالتراب. وحكم المصنف في المعتبر بالكراهة (٥) ، واستدل عليه برواية وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح » (٦) وهذه الرواية ضعيفة السند جدا ، فإن راويها وهو وهب بن وهب قال النجاشي : إنه كان كذابا (٧). وقال الشيخ : إنه‌

__________________

(١) راجع ج ٢ ص ٣٠٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٥١.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٩٧.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٥٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١١ ، علل الشرائع : ٣٢٠ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٥٠٦ أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ٤.

(٧) رجال النجاشي : ٤٣٠ ـ ١١٥٥.

٣٩٩

ويكره تعليتها ، وأن يعمل لها شرف أو محاريب داخلة في الحائط ،

______________________________________________________

كان قاضيا عاميا (١). فلا تعويل على روايته.

قوله : ( ويكره تعليتها ).

لأنه مخالف لسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده فقد روي أنه كان قامة (٢).

قوله : ( وأن يعمل لها شرف ).

بضم الشين وفتح الراء جمع شرفة بسكون الراء ، والمراد بها ما يجعل في أعلى الجدران. وإنما كان ذلك مكروها لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليه‌السلام : « إنه رأى مسجدا بالكوفة وقد شرف فقال : كأنه بيعة وقال : إن المساجد لا تشرف بل تبنى جما » (٣).

قوله : ( أو محاريب داخلة في الحائط ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٤) ، وجمع من الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر (٥) بما رواه الشيخ ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام : « إنه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول : كأنها مذابح اليهود » (٦) وهذه الرواية غير صريحة في كراهة المحاريب الداخلة في الحائط ، بل الظاهر منها كراهة المحاريب الداخلة في المسجد لأنها التي تقبل‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٢٧ ـ ١٩ ، والفهرست : ١٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٧ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٧ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ٢.

(٤) النهاية : ١٠٩ ، والمبسوط ١ : ١٦٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٥٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٦ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣١ ح ١ ، وأوردها في الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧٠٨ ، وعلل الشرائع : ٣٢٠ ـ ١.

٤٠٠