مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط :

الأول : السلطان العادل أو من ينصبه.

______________________________________________________

إلى أن يتحقق الامتثال.

قوله : ( ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط ، الأول : السلطان العادل أو من ينصبه ).

هذا الشرط مشهور في كلام الأصحاب خصوصا المتأخرين (١) ، وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. واحتج عليه بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه كان يعيّن لإمامة الجمعة ـ وكذا الخلفاء بعده ـ كما يعيّن للقضاء ، فكما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام ، فكذا إمام الجمعة ، قال : وليس هذا قياسا بل استدلالا بالعمل المستمر في الأعصار ، فمخالفته خرق للإجماع ، ثم قال : ويؤيد ذلك ما روي عن أهل البيت عليهم‌السلام بعدة طرق ، منها : رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم : الإمام ، وقاضيه ، والمدعي حقا ، والمدعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام » (٢) (٣).

ويتوجه على الأول منع دلالة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الشرطية ، فإنه أعم منها ، والعام لا يدل على الخاص ، مع أن الظاهر أن التعيين إنما هو لحسم مادة النزاع في هذه المرتبة ، ورد الناس إليه من غير تردد ، كما أنهم كانوا يعيّنون لإمامة الجماعة والأذان مع عدم توقفهما على إذن الإمام إجماعا.

وعلى الرواية أولا : بالطعن فيها من حيث السند ، فإن من جملة رجالها‌

__________________

(١) منهم العلامة في القواعد ١ : ٣٦ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٣٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٨ ، الوسائل ٥ : ٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٧٩.

٢١

______________________________________________________

الحكم بن مسكين ، وهو مجهول ، فلا يسوغ العمل بروايته.

وثانيا : إطباق المسلمين كافة على ترك العمل بظاهرها كما اعترف به المصنف في المعتبر ، حيث قال : إن هذه الرواية خصّت السبعة بمن ليس حضورهم شرطا فسقط اعتبارها (١).

وثالثا : أنها معارضة بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن أناس في قرية ، هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب » (٢) وهي كالنص في الدلالة على عدم اعتبار الإمام أو نائبه ، إذ إرادة ذلك ممن يخطب غير جائز ، لأنه يعد من قبيل الألغاز المنافي للحكمة (٣).

ورابعا : أن الظاهر أن ذكر هذه السبعة كناية عن اجتماع هذا العدد وإن لم يكونوا عين المذكورين ، فيسقط الاحتجاج بها رأسا.

واستدل العلامة في المنتهى (٤) على هذا الشرط بحسنة زرارة ، قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (٥).

وحسنة محمد بن مسلم ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر » (٦) الحديث.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٨٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٣ ، الوسائل ٥ : ١٠ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٣ ح ١.

(٣) في « م » : للحكم.

(٤) المنتهى ١ : ٣١٧.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤٠ ، الإستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٢ ، الوسائل ٥ : ٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٤ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٦ ح ٧.

٢٢

______________________________________________________

ورواية سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال : « أما مع الإمام فركعتان ، وأما من صلى وحده فهي أربع ركعات » (١).

ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال لقصور هذه الروايات عن إفادة المطلوب ، إذ من المعلوم أن المراد من الإمام فيها إمام الجماعة (٢) قطعا ، مع أنه لا إشعار فيها بالنائب بوجه من الوجوه ، واعتبار حضوره عليه‌السلام مما لم يقل به أحد.

وهنا أمران ينبغي التنبيه لهما :

الأول : الظاهر أن هذه المسألة ليست إجماعية ، فإن كلام أكثر المتقدمين خال من ذكر هذا الشرط.

قال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في كتاب الإشراف : باب عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة الجمعة ، عدد ذلك ثماني عشرة خصلة : الحرية ، والبلوغ ، والتذكير ، وسلامة العقل ، وصحة الجسم ، والسلامة من العمى ، وحضور المصر ، والشهادة للنداء ، وتخلية السرب ، ووجود أربعة نفر بما تقدم ذكره من هذه الصفات (٣) ، ووجود خامس يؤمهم له صفات يختص بها على الإيجاب : ظاهر الإيمان ، والطهارة في المولد من السفاح ، والسلامة من ثلاثة أدواء : البرص ، والجذام والمعرة بالحدود المشينة لمن أقيمت عليه في الإسلام ، والمعرفة بفقه الصلاة ، والإفصاح بالخطبة والقرآن ، وإقامة فرض الصلاة في وقتها من غير تقديم ولا تأخير عنه بحال ، والخطبة بما يصدق فيه من الكلام ، فإذا اجتمعت هذه الثماني عشرة خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرنا ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٧٠ ، الوسائل ٥ : ١٣ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٥ ح ٣.

(٢) في « س » : الجمعة.

(٣) في المصدر : بما يأتي ذكره من هذه الصفات.

٢٣

______________________________________________________

وكان فرضها على النصف من فرض الظهر للحاضر في سائر الأيام (١). انتهى كلامه رحمه‌الله ، وظاهره عدم الفرق في ذلك بين الأزمان وأن الوجوب مع اجتماع هذه الخصال عيني على كافة الأنام.

وقال أبو الصلاح التقي بن نجم الحلبي ـ رحمه‌الله ـ : ولا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة ، أو منصوب من قبله ، أو من يتكامل له صفة إمام الجماعة عند تعذر الأمرين (٢). وهي صريحة في الاكتفاء ـ عند تعذر الأمرين ـ بصلاة العدد المعيّن مع إمام يجوز الاقتداء به ، وهذا الشرط معتبر عنده في مطلق الجماعة ، فإنه قال في بابها : وأولى الناس بها إمام الملة ، أو من ينصبه ، فإن تعذر الأمران لم تنعقد إلا بإمام عدل. (٣) فيكون حكم الجماعة عنده في الصلاتين على حد سواء ، وظاهره أن الوجوب عيني ، فإنه قال بعد ذلك : وإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع ركعات إلى ركعتين بعد الخطبة ، وتعين فرض الحضور على كل رجل. (٤).

وقال القاضي أبو الفتح الكراجكي ـ رحمه‌الله ـ في كتابه المسمّى بتهذيب المسترشدين ما هذا لفظه : وإذا حضرت العدة التي يصح أن تنعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة وكان إمامهم مرضيا متمكنا من إقامة الصلاة في وقتها وإيراد الخطبة على وجهها ، وكانوا حاضرين آمنين ذكورا بالغين كاملي العقول أصحاء وجبت عليهم فريضة الجمعة ، وكان على الإمام أن يخطب بهم خطبتين ويصلي بهم بعدها ركعتين (٥). انتهى. وهو كالسابق في الدلالة على الوجوب العيني وعدم التوقف على الإمام أو نائبه.

فعلم من ذلك أن هذه المسألة ليست إجماعية ، وأن دعوى الإجماع فيها‌

__________________

(١) الإشراف ( رسائل المفيد ) : ٩ ، ١٠.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٥) نقله عنه الشهيد الثاني في رسائله : ٨٠.

٢٤

______________________________________________________

غير جيدة كما اتفق لهم في كثير من المسائل.

الثاني : إنّ من ادعى الإجماع على اشتراط الإمام أو نائبه فإنما أراد اعتبار ذلك في الوجوب العيني ، أو مع حضور الإمام عليه‌السلام لا مطلقا.

وممن صرح بذلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف ، فإنه قال ـ بعد أن اشتراط في الجمعة إذن الإمام أو نائبه ونقل فيه الإجماع ـ : فإن قيل : أليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم أنه يجوز لأهل القرايا والسواد من المؤمنين إذا اجتمع العدد الذي تنعقد بهم أن يصلوا جمعة؟ قلنا : ذلك مأذون فيه مرغّب فيه ، فجرى ذلك مجرى أن ينصب الإمام من يصلي بهم (١).

وقال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : السلطان العادل أو نائبه شرط في وجوب الجمعة عند علمائنا (٢). ثم قال : لا يقال لو لزم ما ذكرتم لما انعقدت ندبا مع عدمه ، لانسحاب العلة في الموضعين ، وقد أجزتم ذلك إذا أمكنت الخطبة ، لأنا نجيب : بأن الندب لا تتوفر الدواعي على اعتماده فلا يحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا (٣). وقال في موضع آخر : لو كان السلطان جائرا فنصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة (٤). هذا كلامه رحمه‌الله ، وهو صريح فيما ذكرناه.

وقال الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى ـ بعد أن ادعى الإجماع على اشتراط ذلك ـ : هذا مع حضور الإمام عليه‌السلام ، وأما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان ، أصحهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان ، ثم قال : ويعلل بأمرين ، أحدهما : إن الإذن حاصل من الأئمة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٤٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٧٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٠. وقال قبلها مستدلا لاعتبار السلطان العادل : وموضع النظر أن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا والحكمة موجبة حسم مادة الهرج وقطع نائرة الاختلاف ولن يستمر إلا مع السلطان.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٠٧.

٢٥

فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل الجمعة وجاز أن تقدّم الجماعة من يتم بهم الصلاة. وكذا لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من إغماء أو حدث.

______________________________________________________

الماضين فهو كالإذن من إمام الوقت. والثاني : إن الإذن إنما يعتبر مع إمكانه ، أما مع عدمه فيسقط اعتباره ويبقى عموم القرآن خاليا عن المعارض. قال : والتعليلان حسنان ، والاعتماد على الثاني (١).

ومن هنا يعلم أن ما اعتمده المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله (٢) ـ من الإجماع على اشتراط الإمام أو نائبه ، حتى منع من فعلها في زمن الغيبة بدون الفقيه الذي هو نائب على العموم غير جيد. والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( فلو مات في أثناء الصلاة لم تبطل. وجاز أن تقدّم الجماعة من يتم بهم الصلاة وكذا ، لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من إغماء أو حدث ).

أما عدم بطلان الصلاة بموت الإمام في أثناء الصلاة أو عروض ما يبطلها من إغماء أو حدث فظاهر لأن إبطال الصلاة حكم شرعي فيتوقف على الدلالة ولا دلالة ، وهو إجماع.

وأما جواز تقديم الجماعة من يتم بهم الصلاة والحال هذه فلثبوت ذلك في مطلق الجماعة على ما سيجي‌ء بيانه (٣).

وجزم العلامة في المنتهى بوجوب الاستخلاف هنا وبطلان الصلاة مع عدمه ، محافظة على اعتبار الجماعة فيها استدامة كما تعتبر ابتداء (٤). ولا ريب أنّ الاستخلاف أحوط وإن كان الأصح عدم تعيّنه ، لأن الجماعة إنما تعتبر ابتداء لا استدامة كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الذكرى : ٢٣١.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٣١.

(٣) في ص ٣٦٣.

(٤) المنتهى ١ : ٣٣٥.

٢٦

الثاني : العدد ، وهو خمسة ، الإمام أحدهم ، وقيل : سبعة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

واستشكل العلامة في التذكرة جواز الاستخلاف هنا نظرا إلى أن الجمعة مشروطة بالإمام أو نائبه ، واحتمال كون الاشتراط مختصا بابتداء الجماعة فلا يثبت بعد انعقادها كالجماعة (١). ولا يخفى قوة الوجه. الثاني من طرفي الإشكال.

ولو لم يتفق من هو بالصفات المعتبرة في الإمام وجب الإتمام فرادى جمعة لا ظهرا.

وهل يشترط مع الاستخلاف استئناف نية القدوة؟ الأظهر ذلك ، لانقطاع القدوة بخروج الإمام من الصلاة ، وقيل : لا ، لتنزيل الخليفة منزلة الأول (٢). وضعفه ظاهر ، لتعلق النية بالأول خاصة لما سيجي‌ء من وجوب تعيين الإمام.

قوله : ( الثاني ، العدد : وهو خمسة ، الإمام أحدهم ، وقيل : سبعة ، والأول أشبه ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في اشتراط العدد في صحة الجمعة ، وإنما الخلاف في أقله ، وللأصحاب فيه قولان :

أحدهما ـ وهو اختيار المفيد رحمه‌الله (٣) ، والسيد المرتضى (٤) ، وابن الجنيد (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وأكثر الأصحاب ـ : إنه خمسة نفر أحدهم الإمام ، اقتصارا في تقييد الآية الشريفة على موضع الوفاق ، وتمسكا بمقتضى الأخبار الصحيحة الدالة على ذلك ، كصحيحة منصور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد ، وإن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٤٦.

(٢) كما في التذكرة ١ : ١٤٦.

(٣) المقنعة : ٢٧.

(٤) جمل العلم والعمل : ٧١ ، رسائل السيد المرتضى ١ : ٢٢٢.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٠٣.

(٦) السرائر : ٦٣.

٢٧

______________________________________________________

كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم » (١).

وصحيحة زرارة ، قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (٢).

وصحيحة أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » (٣).

وثانيهما : أنه سبعة في الوجوب العيني ، وخمسة في الوجوب التخييري. ذهب إليه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في جملة من كتبه (٤) ، وابن البراج (٥) ، وابن زهرة (٦) ، جمعا بين الأخبار المتضمنة لاعتبار الخمسة ، وبين ما دل على اعتبار السبعة ، كصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة » (٧).

ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقل منهم : الإمام ، وقاضيه ، والمدعي حقا ، والمدعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ـ ٦٣٦ ، الإستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٠ ، الوسائل ٥ : ٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤٠ ، الإستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٢ ، الوسائل ٥ : ٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٦ ، الإستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦٠٩ ، الوسائل ٥ : ٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ١.

(٤) النهاية : ١٠٣ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٠ ، الخلاف ١ : ٢٣٥.

(٥) المهذب ١ : ١٠٠.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الإستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٧ ، الوسائل ٥ : ٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ١٠.

(٨) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٨ ، الوسائل ٥ : ٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٩.

٢٨

ولو انفضّوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبّس بالصلاة سقط الوجوب.

وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد.

______________________________________________________

وصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : على من تجب الجمعة؟ قال : « على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم » (١).

وبهذا الجمع يرتفع التنافي عن ظاهر هذه الرواية ، فإن المنفي في قوله : « ولا جمعة لأقل من خمسة » مطلق الوجوب المتناول للعيني والتخييري ، والثابت مع السبعة الوجوب العيني ، وهي كالصريحة في عدم اعتبار حضور الإمام أو نائبه.

قوله : ( ولو انفضوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب ).

لا يخفى أن الوجوب إنما يسقط سقوطا مراعى بعدم عودهم أو حصول من تنعقد به الجمعة ، فلو عادوا بعد انفضاضهم بنى الإمام على الخطبة إذا لم يطل الفصل قطعا ، ومعه في أحد الوجهين ، لحصول مسمّى الخطبة ، وأصالة عدم اشتراط الموالاة. ولو أتى غيرهم ممن لم يسمع الخطبة أعادها من رأس.

قوله : ( وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد ).

المراد بقاء واحد من العدد سواء كان الإمام أم غيره من المأمومين. وهذا الحكم أعني وجوب الإتمام مع تلبس العدد المعتبر بالصلاة ولو بالتكبير مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، للنهي عن قطع العمل. ولأن اشتراط استدامة العدد منفي بالأصل. ولا يلزم من اشتراطه ابتداء اشتراطه استدامة كالجماعة ، وكما في عدم الماء في حق المتيمم. وربما حملت العبارة على أن المراد بقاء واحد‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢١٨ ، الوسائل ٥ : ٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٤.

٢٩

الثالث : الخطبتان ،

______________________________________________________

مع الإمام ، لتحقق شرط الجماعة ، وهو قول لبعض العامة (١) ، واعتبر بعضهم بقاء اثنين ، لأن الثلاثة أقل الجمع (٢) ، واشترط آخرون (٣) انفضاضهم بعد صلاة ركعة تامة ، لقوله عليه‌السلام : « من أدرك ركعة من الجماعة فليضف إليها أخرى » (٤) ونفى عن هذا القول البأس في التذكرة (٥). وهو ضعيف ، إذ لا دلالة في الخبر على أن من لم يدرك ركعة قبل انفضاض العدد يقطع الصلاة.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف هنا تقتضي أن الإتمام إنما يثبت مع تلبس العدد المعتبر بالصلاة ، وظاهر المعتبر عدم اعتبار ذلك ، فإنه قال : لو أحرم فانفض العدد المعتبر أتم جمعة لا ظهرا ، ثم استدل بأن الصلاة انعقدت فوجب الإتمام لتحقق شرائط الوجوب ، ومنع اشتراط استدامة العدد (٦). ومقتضى ذلك وجوب الإتمام متى كان الدخول مشروعا ، وهو متجه.

قوله : ( الثالث : الخطبتان ).

أجمع الأصحاب على أن الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة ، وعليه العامة (٧) إلاّ من شذ (٨) ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب خطبتين امتثالا للأمر المطلق فيكون بيانا له ، وقد ثبت في الأصول أن بيان الواجب واجب ، ولما روي عن الصادق عليه‌السلام بعدة طرق أنه قال : « وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » (٩).

__________________

(١) منهم الفيروزآبادي في المهذب ١ : ١١.

(٢) منهم الفيروزآبادي في المهذب ١ : ١١.

(٣) كالمزني في المختصر : ٢٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٦ ـ ١١٢١ ، الجامع الصغير ٢ : ٥٦٠ ـ ٨٣٦٦.

(٥) التذكرة ١ : ١٤٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٨٢.

(٧) منهم الشافعي في الأم ١ : ١٩٩ ، والفيروزآبادي في المهذب ١ : ١١١ ، وابن قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٥١ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٨٧.

(٨) منهم ابن حزم في المحلى ٥ : ٥٩ ، وابن قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٥٠ ، والنووي في المجموع ٤ : ٥١٤.

(٩) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣٤ ، الإستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٤ ، الوسائل ٥ : ٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٦.

٣٠

ويجب في كل واحدة منهما الحمد لله ، والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة ، وقيل : يجزي ولو آية واحدة مما يتم بها فائدتها.

وفي رواية سماعة : يحمد الله ويثني عليه ، ثم يوصي بتقوى الله ، ويقرأ سورة خفيفة من القرآن ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

______________________________________________________

قوله : ( ويجب في كل واحدة منهما الحمد لله ، والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة ، وقيل : يجزي ولو آية واحدة مما يتم بها فائدتها ، وفي رواية سماعة : يحمد الله ويثني عليه ، إلى آخره ).

اختلف الأصحاب فيما يجب اشتمال كل من الخطبتين عليه ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط : أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف : حمد الله تعالى ، والصلاة على النبي وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن (١). ونحوه قال ابن حمزة (٢) ، وابن إدريس (٣).

وقال في الخلاف : أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف : أن يحمد الله ويثني عليه ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقرأ شيئا من القرآن ، ويعظ الناس (٤).

وقال في الاقتصاد : أقل ما يخطب به أربعة أشياء : الحمد لله ، والصلاة على النبي وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين (٥).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٥.

(٣) السرائر : ٦٣.

(٤) الخلاف ١ : ٢٤٤.

(٥) الاقتصاد : ٢٦٧.

٣١

______________________________________________________

وقال المرتضى في المصباح : يحمد الله ، ويمجده ويثني عليه ، ويشهد لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ويوشح الخطبة بالقرآن ، ثم يفتتح الثانية بالحمد والاستغفار والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدعاء لأئمة المسلمين (١).

وربما ظهر من كلام أبي الصلاح عدم وجوب القراءة في شي‌ء من الخطبتين (٢).

أما وجوب الحمد والصلاة على النبي وآله والوعظ فظاهر المصنف في المعتبر (٣) ، والعلامة في جملة من كتبه (٤) أنه موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة (٥) ، وذلك لعدم تحقق الخطبة بدونه عرفا. واستدل عليه في المنتهى بأمور واهية ليس في التعرض لها كثير فائدة.

وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في مواضع :

الأول : إن القراءة فيهما هل هي واجبة أم لا؟ وعلى القول بالوجوب كما هو المشهور فهل الواجب سورة خفيفة فيهما ، أو في الأولى خاصة ، أو بين الخطبتين كما قاله في الاقتصاد (٦)؟ ولعل مراده أن يكون بعد إتمام الأولى وقبل الجلوس فيطابق المشهور ، أو آية تامة الفائدة في الخطبتين كما هو ظاهر الخلاف (٧)؟ أو في الأولى خاصة كما هو ظاهر المصباح (٨)؟

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٣) ليس في المعتبر وكتب العلامة تصريح ولا ظهور في الإجماع ، وقال في مفتاح الكرامة ٣ : ١١٣ : واستظهره صاحب المدارك من الفاضلين. ولعل موارد الاستظهار : المعتبر ٢ : ٢٨٤ ، والمنتهى ١ : ٣٢٦ ، والتذكرة ١ : ١٥٠.

(٤) ليس في المعتبر وكتب العلامة تصريح ولا ظهور في الإجماع ، وقال في مفتاح الكرامة ٣ : ١١٣ : واستظهره صاحب المدارك من الفاضلين. ولعل موارد الاستظهار : المعتبر ٢ : ٢٨٤ ، والمنتهى ١ : ٣٢٦ ، والتذكرة ١ : ١٥٠.

(٥) منهم الشافعي في الأم ١ : ٢٠٠ ، والكاساني في بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٨٧.

(٦) الاقتصاد : ٢٦٧.

(٧) الخلاف ١ : ٢٤٤.

(٨) نقله عنه في التذكرة ١ : ١٤٩.

٣٢

______________________________________________________

الثاني : وجوب الشهادة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة في الأولى كما هو ظاهر المصباح (١) ، ولم أقف على مصرح بوجوب الشهادة بالتوحيد هنا.

الثالث : وجوب الاستغفار للمؤمنين في الثانية والدعاء لأئمة المسلمين كما هو ظاهر المرتضى أيضا (٢).

والمرجع في ذلك كله إلى النقل الوارد عن النبي والأئمة عليهم‌السلام ، والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ، ويتردى ببرد يمنية أو عدني ، ويخطب وهو قائم ، يحمد الله ويثني عليه ، ثم يوصي بتقوى الله ، ثم يقرأ سورة من القرآن قصيرة ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإذا فرغ من هذا قام المؤذن فأقام فصلى بالناس ركعتين ، يقرأ في الأولى بسورة الجمعة ، وفي الثانية بسورة المنافقين » (٣) وعلى هذه الرواية اعتمد في المعتبر (٤) ، ولا ريب أن العمل بمضمونها يحصل معه الامتثال ، إنما الكلام في وجوب ما تضمنته مما يزيد على مسمّى الخطبتين ، فإنها قاصرة عن إفادة ذلك متنا وسندا.

وروى الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الكافي ، عن محمد بن مسلم في الصحيح : إن أبا جعفر عليه‌السلام خطب خطبتين في الجمعة ، تضمنت الأولى منهما حمد الله والشهادتين والصلاة على النبي وآله والوعظ قال : « ثم اقرأ سورة من القرآن ، وادع ربك ، وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وادع للمؤمنين والمؤمنات ، ثم تجلس ».

__________________

(١) نقله عنه في التذكرة ١ : ١٤٩ ، والذكرى : ٢٣٦.

(٢) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ٥ : ٣٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٤ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٨٤.

٣٣

______________________________________________________

وتضمنت الثانية الحمد والشهادتين والوعظ والصلاة على محمد وآله ، قال : « ثم تقول : اللهم صل على أمير المؤمنين ووصيّ رسول رب العالمين ، ثم تسمي الأئمة حتى تنتهي إلى صاحبك ، ثم تقول : اللهم افتح له فتحا يسيرا ، وانصره نصرا عزيزا ـ قال ـ : ويكون آخر كلامه أن يقول ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) ثم يقول : اللهم اجعلنا ممن يذّكر فتنفعه الذكرى ثم ينزل » (٢).

والظاهر أن هذه الرواية متضمنة لكثير من المستحبات ، إلا أن العمل بمضمونها أولى ، لاعتبار سندها.

ومن هنا يظهر أن القول بوجوب قراءة السورة في الأولى محتمل ، لدلالة ظاهر الروايتين عليه.

أما وجوب السورة في الثانية فلا وجه له ، لانتفاء ما يدل عليه رأسا ، بل مقتضى رواية سماعة عدم توظيف القراءة في الثانية مطلقا ، ومقتضى رواية ابن مسلم أن يكون آخر كلامه ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ) الآية.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : ذكر جمع من الأصحاب أنه يجب في الخطبتين التحميد بصيغة : الحمد لله ، وفي تعيّنه نظر ، لصدق مسمّى الخطبة مع الإتيان بالتحميد كيف اتفق.

الثاني : الأقرب أنه لا ينحصر الوعظ في لفظ ، بل يجزي كل ما اشتمل على الوصية بتقوى الله ، والحث على الطاعات والتحذير على المعاصي والاغترار بالدنيا وما شاكل ذلك.

__________________

(١) النحل : ٩٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٢ ـ ٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٥ ح ١.

٣٤

ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت ، وقيل : لا يصحّ إلا بعد الزوال ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وفي الاجتزاء بالآية المشتملة على الوعظ عنهما وجهان ، أقربهما ذلك. وكذا الكلام في الآية المشتملة على التحميد ونحوه من أجزاء الخطبة.

الثالث : ذكر جمع من الأصحاب أنه يجب الترتيب بين أجزاء الخطبة بتقديم الحمد ، ثم الصلاة ، ثم الوعظ ، ثم القراءة ، فلو خالف أعاد على ما يحصل معه الترتيب. وهو أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر.

الرابع : منع أكثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغير العربية ، للتأسي ، وهو حسن. ولو لم يفهم العدد العربية ، ولا أمكن التعلم قيل : تجب العجمية ، لأن مقصود الخطبة لا يتم بدون فهم معانيها (١). ويحتمل سقوط الجمعة ، لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه.

قوله : ( ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت ، وقيل : لا يصح إلا بعد الزوال ، والأول أظهر ).

اختلف الأصحاب في وقت الخطبة. فقال السيد المرتضى في المصباح : إنه بعد الزوال فلا يجوز تقديمها عليه (٢). وبه قال ابن أبي عقيل (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ، ونسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب (٥).

وقال الشيخ في الخلاف : يجوز أن يخطب عند وقوف الشمس ، فإذا زالت صلى الفرض (٦). وقال في النهاية والمبسوط : يجوز إيقاعهما قبل الزوال (٧). والمعتمد الأول.

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١٣٤.

(٢) نقله عنه في السرائر : ٦٤.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٠٥.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٥) الذكرى : ٢٣٦.

(٦) الخلاف ١ : ٢٤٦.

(٧) النهاية : ١٠٥ ، والمبسوط ١ : ١٥١.

٣٥

______________________________________________________

لنا : قوله تعالى ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) أوجب السعي بعد النداء الذي هو الأذان ، فلا يجب قبله. وما رواه محمد بن مسلم في الحسن ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ، ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ، ثم يقوم فيفتتح خطبته ثم ينزل فيصلي بالناس ، يقرأ بهم في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين » (١).

ويؤيده أن الخطبتين بدل من الركعتين ، فكما لا يجوز إيقاع المبدل قبل الزوال فكذا البدل تحقيقا للبدلية. وأنه يستحب صلاة ركعتين عند الزوال على ما سيجي‌ء بيانه ، وإنما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد الزوال ، لأن الجمعة عقيب الخطبة ، فلو وقعت الخطبة قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة فينتفي استحباب صلاة الركعتين والحال هذه.

احتج الشيخ في الخلاف (٢) بإجماع الفرقة ، وبما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظل الأول ، فيقول جبرائيل : يا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل » (٣).

وأجاب العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المختلف عن الإجماع بالمنع منه مع تحقق الخلاف ، وعن الرواية بالمنع من الدلالة على صورة النزاع. قال : لاحتمال أن يكون المراد بالظل الأول هو الفي‌ء الزائد على ظل المقياس ، فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظل الأول ، وهو أن يصير ظل كل شي‌ء مثله وهو الظل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢٤ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٦ ح ٧.

(٢) الخلاف ١ : ٢٤٦.

(٣) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢ ، الوسائل ٥ : ١٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٨ ح ٤.

٣٦

ويجب أن تكون مقدّمة على الصلاة ، فلو بدأ بالصلاة لم تصحّ الجمعة.

______________________________________________________

الأول نزل فصلى بالناس ، ويصدق عليه أن الشمس قد زالت حينئذ ، لأنها قد زالت عن الظل الأول (١).

ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد والمخالفة لمقتضى الظاهر ، واستلزامه وقوع الجمعة عنده بعد خروج وقتها ، لموافقته على أن وقتها يخرج بصيرورة ظل كل شي‌ء مثله ، وهو معلوم البطلان.

نعم يمكن القدح فيها بأن الأولية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه ، فيمكن أن يراد به أول الظل وهو الفي‌ء الحاصل بعد الزوال بغير فصل كما يدل عليه قوله عليه‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك » فإن إتيانه عليه‌السلام بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراك يستدعي وقوع الخطبة أو شي‌ء منها بعد الزوال. ويكون معنى قول جبرائيل عليه‌السلام : يا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل. أنها قد زالت قدر شراك فانزل وصل. وكيف كان فهذه الرواية مجملة المتن فلا تصلح معارضا لظاهر القرآن والأخبار المعتبرة.

قوله : ( ويجب أن تكون مقدمة على الصلاة ، فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه مخالفا (٢). والمستند فيه فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام والصحابة والتابعين والأخبار المستفيضة الواردة بذلك ، كرواية أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقبل الصلاة أو بعد؟ فقال : « قبل الصلاة ثم‌

__________________

(١) المختلف : ١٠٤.

(٢) المنتهى ١ : ٣٢٧.

٣٧

ويجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراده مع القدرة.

______________________________________________________

يصلي » (١).

قوله : ( ويجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراده مع القدرة ).

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل عليه في التذكرة الإجماع (٢) ، والمستند فيه فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان الواجب ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب : « إن أول من خطب وهو جالس معاوية ، واستأذن الناس في ذلك من وجع كان في ركبته ـ ثم قال ـ الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين » (٣).

ولو منعه مانع من القيام فالظاهر جواز الجلوس مع تعذر الاستنابة كما في الصلاة.

ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم به من المأمومين ، أما من لم يعلم بحاله فقد قطع الأصحاب بصحة صلاتهم وإن رأوه جالسا ، بناء على الظاهر من أن قعوده للعجز ، وإن تجدد العلم بعد الصلاة ، كما لو بان أن الإمام محدث. وهو مشكل ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وخروج المحدث بنص خاص لا يقتضي إلحاق غيره به.

ويجب في القيام الطمأنينة ، للتأسي ، ولأنهما بدل من الركعتين.

وهل يجب اتحاد الخطيب والإمام؟

قيل : نعم ، وهو اختيار الراوندي في كتابه أحكام القرآن (٤) ، وقواه العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى (٥). ولا بأس به ، لأن الوظائف الشرعية‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٢ ، الوسائل ٥ : ٣٠ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٥ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣١ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٦ ح ١.

(٤) فقه القرآن ١ : ١٣٥.

(٥) المنتهى ١ : ٣٢٤ ، والذكرى : ٢٣٤.

٣٨

ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة.

______________________________________________________

إنما تستفاد من صاحب الشرع ، والمنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام الاتحاد.

وقيل : لا يجب ، بل يجوز اختلافهما ، وهو اختيار العلامة في النهاية (١) ، لانفصال كل من العبادتين عن الأخرى ، ولأن غاية الخطبتين أن تكونا كركعتين ، ويجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة.

ويتوجه على الأول : منع الانفصال شرعا ، سلمنا الانفصال لكن ذلك لا يقتضي جواز الاختلاف إذا لم يرد فيه نقل على الخصوص ، لعدم تيقن البراءة مع الإتيان به.

وعلى الثاني : بعد تسليم الأصل أنه قياس محض. والاحتياط يقتضي المصير إلى الأول.

قوله : ( ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، والمستند فيه التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه فعل ذلك ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب : « الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها » (٢).

واحتمل المصنف في المعتبر الاستحباب ، لأن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه للاستراحة (٣). وهو ضعيف.

ويجب في الجلوس الطمأنينة لما تقدم. وهل يجب السكوت؟ ظاهر الخبر ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد النهي عن التكلم حالة الجلوس بشي‌ء من الخطبة.

وينبغي أن تكون الجلسة بقدر قراءة قل هو الله أحد ، لقوله عليه‌السلام

__________________

(١) نهاية الأحكام ٢ : ١٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣١ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٦ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٥.

٣٩

وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد ، والأشبه أنها غير شرط.

______________________________________________________

في حسنة محمد بن مسلم : « يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ، ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، ثم يقوم فيفتتح خطبته » (١).

ولو عجز عن القيام في الخطبتين فخطب جالسا فصل بينهما بسكتة ، واحتمل العلامة في التذكرة الفصل بالاضطجاع (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد ، والأشبه أنها غير شرط ).

اختلف الأصحاب في اشتراط طهارة الخطيب من الحدث وقت إيراد الخطبتين بعد اتفاقهم على الرجحان المتناول للوجوب والندب ، فقال الشيخ في المبسوط والخلاف بالاشتراط (٣) ، ومنعه ابن إدريس (٤) والمصنف (٥) والعلامة (٦).

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بأنه أحوط ، إذ مع الطهارة تبرأ الذمة بيقين ، وبدونها لا يحصل يقين البراءة ، وبأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتطهر قبل الخطبة فيجب اتباعه في ذلك لأدلة التأسي (٧) ، ويؤيده ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، فهي صلاة حتى ينزل الإمام » (٨) والاتحاد لا معنى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢٤ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٦ ح ٧.

(٢) التذكرة ١ : ١٥١.

(٣) المبسوط ١ : ١٤٧ ، والخلاف ١ : ٢٤٥.

(٤) السرائر : ٦٣.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٨٥ ، والشرائع ١ : ٩٥ ، والمختصر النافع : ٣٥.

(٦) المختلف : ١٠٣ ، والقواعد ١ : ٣٧ ، والتبصرة : ٣١.

(٧) الخلاف ١ : ٢٤٥.

(٨) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٦ ح ٤.

٤٠