مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

والشيخ (١) ، وسلاّر (٢) ، وابن البراج (٣) ، والمصنف في هذا الكتاب ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٤) ، وعلله في المختلف بأن في حسن الوجه دلالة على عناية الله تعالى بصاحبه فاستحق التقدم بذلك.

وأنكر المصنف في المعتبر الترجيح بذلك فقال : وهل يرجح بالأصبح؟ قال الشيخان : نعم ، ورواه المرتضى في المصباح رواية ، ولا أرى لها أثرا في الأولوية ولا وجها في شرف الرجال (٥).

وحكى العلاّمة في التذكرة عن الشافعية اعتبار ذلك وأنهم اختلفوا في تفسيره فقال بعضهم : المراد أحسنهم صورة لأن ذلك فضيلة كالنسب. وقال آخرون : المراد أحسنهم ذكرا بين الناس لدلالته على حسن الحال عند الله تعال (٦).

وفي كلام عليّ عليه‌السلام في عهده للأشتر دلالة على هذا المعنى حيث قال : « وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده » (٧).

قال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة : فإن استووا في ذلك كله قدّم أشرفهم ، أي أعلاهم نسبا وأفضلهم في نفسه ، فإن استووا في هذه الخصال قدّم أتقاهم وأورعهم لأنه أشرف في الدين وأقرب إلى الإجابة ، فإن استووا في ذلك كله فالأقرب القرعة ، ثم قال : وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب ، فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافا (٨).

__________________

(١) النهاية : ١١١.

(٢) المراسم : ٨٧.

(٣) المهذب ١ : ٨١.

(٤) المختلف : ١٥٦ ، والمنتهى ١ : ٣٧٥ ، والتذكرة ١ : ١٨٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٤٠.

(٦) التذكرة ١ : ١٨٠.

(٧) نهج البلاغة ( محمد عبده ) ٣ : ٦٣.

(٨) التذكرة ١ : ١٨٠.

٣٦١

ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين.

وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم الصلاة.

______________________________________________________

قوله : ( ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ).

يدل على ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه هم شيئا يعني التشهد ، ويسمعهم أيضا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (١) وما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول » (٢).

ويستفاد من هذه الرواية أنه يستحب للإمام إسماع من خلفه جميع الأذكار ، وأنه يكره للمأموم أن يسمع الإمام شيئا من ذلك.

قوله : ( وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة ).

المستنيب هنا هم المأمومون ، وقد أجمع الأصحاب على أن الإمام إذا مات أو أغمي عليه يستحب للمأمومين استنابة من يتم بهم الصلاة كما نقله جماعة منهم العلاّمة في التذكرة (٣) ، وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أمّ قوما فصلى بهم ركعة ثم مات ، قال : « يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه » (٤).

وإطلاق العبارة يقتضي جواز استنابة المؤتم وغيره ، وبهذا التعميم قطع في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٤٨ ، الوسائل ٥ : ٤٤٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٣ ح ١.

٣٦٢

وكذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن يستنيب ، ولو فعل ذلك اختيارا جاز أيضا.

______________________________________________________

المنتهى وقال : إنه يجوز استنابة من جاء بعد حدث الإمام ، للأصل ، ولأنه يجوز استنابة التابع فغيره أولى (١). وهو غير بعيد وإن كان الأولى استنابة المأموم خاصة ، لأنه المتبادر من النص.

ومقتضى العبارة وجوب الإتمام من موضع القطع سواء حصل العارض قبل الشروع في القراءة أو بعدها أو في أثنائها ، وقيل : يجب الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها (٢). ولعله أحوط.

قوله : ( وكذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن يستنيب ، ولو فعل ذلك اختيارا جاز أيضا ).

هذا الحكم إجماعي أيضا منصوص في عدة روايات ، كصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال : « لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه » (٣).

ولو لم يستنب الإمام استناب المأمومون من يتم بهم الصلاة كما في صورة الموت والإغماء ، لصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : إنه سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام ، فليقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم » (٤).

ومقتضى الرواية وجوب الاستنابة ، إلاّ أن العلاّمة في التذكرة نقل إجماع‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٨١.

(٢) كما في روض الجنان : ٣٦٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٢ ـ ١٤٧ ، الإستبصار ١ : ٤٣٤ ـ ١٦٧٥ ، الوسائل ٥ : ٤٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

٣٦٣

ويكره أن يأتمّ حاضر بمسافر.

______________________________________________________

علمائنا على انتفاء الوجوب (١). وعلى هذا فيمكن حمل الرواية على أن المنفي فيها الكمال والفضيلة لا الصحة ، والمسألة محل تردد.

وردّ المصنف بقوله : ولو فعل ذلك ـ يعني المبطل ـ اختيارا جاز أيضا ، على أبي حنيفة ، حيث منع من استخلاف الإمام إذا تعمد فعل المبطل ، وأوجب على المأمومين الإتمام فرادى ، وبنى ذلك على أصل فاسد ذكره وهو أنّ سبق الحدث لا يبطل الصلاة ، وإذا بقي حكمها بقي حكمها على الجماعة في جواز الاستخلاف بخلاف ما إذا أحدث متعمدا فإن الصلاة تبطل بذلك فيبطل حكمها وهو جواز الاستخلاف (٢). والأصل عندنا باطل فالفرع أوضح بطلانا.

قوله : ( ويكره أن يأتمّ حاضر بمسافر ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل ظاهر المصنف في المعتبر (٣) والعلاّمة في جملة من كتبه (٤) أنه موضع وفاق. ونقل عن عليّ بن بابويه أنه قال : لا تجوز إمامة المتمم للمقصر ولا بالعكس (٥). والمعتمد الكراهة.

( لنا على الجواز الأصل والعمومات ، وربما أرشد إليه الأخبار الكثيرة المتضمنة لجواز استنابة المسبوق (٦) ، لاقتضائها عدم تأثير المفارقة في المنع. وعلى الكراهة ) (٧) ما رواه الشيخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأمّ قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلّم‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨١.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٠٥ ، اللباب ١ : ١٠٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٤١.

(٤) المنتهى ١ : ٣٧٣ ، التذكرة ١ : ١٧٩ ، القواعد ١ : ٤٧.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٥٥.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠.

(٧) بدل ما بين القوسين في « ح » : والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار.

٣٦٤

______________________________________________________

ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى بقوم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر » (١).

وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، إذ ليس في طريقها مطعون فيه سوى داود بن الحصين ، وقد وثقه النجاشي وقال : إنه كان يصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملك وإن له كتابا يرويه عدة من أصحابنا (٢). لكن قال الشيخ (٣) وابن عقدة (٤) إنه كان واقفيا. ولا يبعد أن يكون الأصل في هذا الطعن من الشيخ كلام ابن عقدة ، وهو غير ملتفت إليه ، لنص الشيخ (٥) والنجاشي (٦) على أنه كان زيديا جاروديا وأنه مات على ذلك. ( وهذه الرواية كالصريحة في جواز الائتمام ) (٧).

ولم يذكر المصنف في هذا الكتاب أنه يكره ائتمام المسافر بالحاضر وقد حكم المصنف في المعتبر بكراهته كالعكس ، واحتج عليه برواية الفضل المتقدمة ، وبأن كل واحد منهما يفارق إمامه اختيارا ، والمفارقة مكروهة للمختار (٨).

وقد ورد بجواز ائتمام المسافر بالحاضر روايات كثيرة ، كصحيحة حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسافر يصلي خلف المقيم ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٨٠ ، التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٥ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦ ، بتفاوت.

(٢) رجال النجاشي : ١٥٩ ـ ٤٢١.

(٣) رجال الطوسي : ٣٤٩.

(٤) نقله عنه العلامة في الخلاصة : ٢٢١.

(٥) الفهرست : ٢٨.

(٦) رجال النجاشي : ٩٤ ـ ٢٣٣.

(٧) بدل ما بين القوسين في « ض » ، « م » ، « ح » : وهي صريحة في الكراهة ، وتشهد للجواز أيضا العمومات المتضمنة لمشروعية الجماعة السالمة عما يصلح للمعارضة.

(٨) المعتبر ٢ : ٤٤١.

٣٦٥

______________________________________________________

قال : « يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر » (٢).

وصحيحة عبد الله بن مسكان ومحمد بن النعمان الأحول ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوّلتين ، وإن كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة » (٣).

وإنما يكره ائتمام المسافر بالمقيم وعكسه مع اختلاف الفرضين ، أما مع تساويهما فلا كراهة كما صرح به المصنف في المعتبر حيث قال : وبموجب التعليل الذي ذكرناه ـ يعني تحقق المفارقة اختيارا ـ تزول الكراهة إن تساوى فرضاهما ، كالائتمام في المغرب والغداة (٤).

ومتى اقتدى الحاضر بالمسافر في الصلاة المقصورة وجب على المأموم إتمام صلاته بعد تسليم الإمام منفردا أو مقتديا بمن صاحبه في الاقتداء ، كما في صورة الاستخلاف مع عروض المبطل.

وربما ظهر من كلام العلاّمة في التحرير التوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه حيث قال : ولو سبق الإمام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسليم الإمام إشكال (٥). وكأن منشأ الإشكال عدم ورود النص بذلك على‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٩ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٦٥ ـ ٣٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٤١.

(٥) التحرير ١ : ٥٢.

٣٦٦

وأن يستناب المسبوق.

______________________________________________________

الخصوص ، إلاّ أن الظاهر مساواته لحالة الاستخلاف (١).

قوله : ( وأن يستناب المسبوق ).

أي ويكره للإمام والمأمومين استنابة المسبوق وهو الذي لم يلحق أول ركعة مع الإمام إذا عرض للإمام مانع من الإكمال. ويدل على الكراهة ورود النهي عن استنابته في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة (٢) ، وقوله عليه‌السلام في رواية معاوية بن ميسرة : « لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة » (٣).

ويدل على جواز استنابة المسبوق صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه فقال : « يتم الصلاة بالقوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال فكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه » (٤).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في المسبوق : « إذا أتم صلاته بهم فليوم إليهم يمينا وشمالا فلينصرفوا ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته » (٥).

وفي الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أمّ قوما على غير وضوء فانصرف وقدّم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الإمام‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : وكيف كان فالظاهر جواز الائتمام هنا كما في حال الاستخلاف.

(٢) في ص ٣٦٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤١ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٢ ـ ٧ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧١ ، التهذيب ٣ : ٤١ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ١ : ٤٣٣ ـ ١٦٧٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ١.

٣٦٧

وأن يؤمّ الأجذم ، والأبرص ،

______________________________________________________

قبله ، قال : « يذكره من خلفه » (١).

قوله : ( وأن يؤم الأجذم والأبرص ).

اختلف الأصحاب في إمامة الأجذم والأبرص ، فذهب الشيخ في المبسوط والخلاف (٢) ، والمرتضى في بعض رسائله (٣) ، وأتباعهما (٤) إلى المنع من إمامتهما ، لورود النهي عنها في عدة أخبار كحسنة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا ، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين » (٥).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي » (٦) ونحوه روى ابن بابويه ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (٧).

وذهب الشيخ في كتابي الأخبار (٨) ، والمفيد (٩) ، والمرتضى في الانتصار (١٠) ، وابن إدريس (١١) ، والمصنف ، وأكثر المتأخرين (١٢) إلى الكراهة ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٥ ، والخلاف ١ : ٢١٦.

(٣) رسائل السيد المرتضى ١ : ٢٢٣.

(٤) كالقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٨٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٥.

(٧) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٣.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٧ ، والاستبصار ١ : ٤٢٣.

(٩) المقنعة : ٢٧.

(١٠) الانتصار : ٥٠.

(١١) السرائر : ٦٠.

(١٢) منهم العلامة في القواعد ١ : ٤٧ ، والشهيد الأول في البيان : ١٣٣ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٨ ، والروضة البهية ١ : ٣٨٦.

٣٦٨

والمحدود بعد توبته ، والأغلف ،

______________________________________________________

جمعا بين هذه الروايات وبين ما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ قال : « نعم » فقلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ فقال : « نعم ، وهل كتب الله البلاء إلاّ على المؤمن؟! » (١).

وهذا الجمع جيد لو تكافأ السندان ، لكن رواية زرارة معتبرة الإسناد ومعتضدة بما في معناها من الأخبار ، وهذه الرواية ضعيفة بجهالة الراوي فيشكل الخروج بها عن ظاهر النهي المتقدم.

قوله : ( والمحدود بعد توبته ).

علله المصنف في المعتبر بنقص مرتبته بذلك عن منصب الإمامة وإن زال فسقه بالتوبة (٢) ونقل عن أبي الصلاح أنه منع من إمامة المحدود بعد التوبة إلاّ بمثله (٣). وردّه الأكثر بأن المحدود ليس أسوأ حالا من الكافر ، وبالتوبة واستجماع الشرائط تصح إمامته. وهو جيد ، لكن ورد في حسنة زرارة المتقدمة وغيرها النهي عن إمامة المحدود ، وهو يتناول التائب وغيره.

قوله : ( والأغلف ).

الحكم بكراهة إمامة الأغلف مشكل على إطلاقه ، لأن من أخل بالختان مع التمكن منه يكون فاسقا فلا تصح إمامته. وأطلق الأكثر المنع من إمامته ، وهو مشكل أيضا.

قال المصنف في المعتبر : والوجه أن المنع مشروط بالفسق وهو التفريط في الاختتان مع التمكن لا مع العجز.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٣ ، الإستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٤٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٤.

٣٦٩

وإمامة من يكرهه المأموم.

______________________________________________________

وبالجملة ليست الغلفة مانعة باعتبارها ما لم ينضم إليها الفسوق بالإهمال ، ونطالب المانعين بالعلة ، فإن احتجوا بما رواه أبو الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن عليّ عليه‌السلام قال : « الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه ضيّع من السنة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه » (١) فالجواب من وجهين : أحدهما الطعن في سند الرواية فإنهم بأجمعهم زيدية مجهولو الحال. والثاني : أن نسلّم الخبر ونقول بموجبه فإنه تضمن ما يدل على إهمال الاختتان مع وجوبه فلا يكون المنع معلقا على الغلفة ، فإن ادعى مدع الإجماع فذاك يلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو في غاية الجودة.

واعلم أن المنع من إمامة الأغلف مع القدرة على الاختتان لا يقتضي بطلان صلاته ، لعدم توجه النهي إلى حقيقة العبادة ، إلاّ أن نقول باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد الخاص ، وجزم الشارح بالبطلان (٣) ، ولم نقف على مأخذه.

قوله : ( وإمامة من يكرهه المأموم ).

لقوله عليه‌السلام : « ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة » أحدهم من تقدم قوما وهم له كارهون (٤). واستقرب العلامة في التذكرة أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته ، ويكون الإثم على من كرهه (٥). وهو حسن.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١٠٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٨ ، علل الشرائع : ٣٢٧ ـ ١ ، المقنع : ٣٥ ، الوسائل ٥ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٣ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٤٢.

(٣) المسالك ١ : ٤٥.

(٤) الكافي ٥ : ٥٠٧ ـ ٥ ، أمالي الطوسي : ١٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤١٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٧ ح ٦.

(٥) التذكرة ١ : ١٧٩.

٣٧٠

وأن يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين ، والمتيمّم بالمتطهرين.

______________________________________________________

قوله : ( وأن يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين ).

الأعرابي منسوب إلى الأعراب ، وهم سكان البادية ، وقد ورد النهي عن إمامته في عدة روايات (١). وبظاهر النهي وهو المنع أخذ الشيخ (٢) وجماعة (٣) ، واقتصر آخرون على الكراهة (٤). وفصل المصنف في المعتبر في ذلك تفصيلا حسنا فقال : والذي نختاره أنه إن كان ممن لا يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر كما ذكروه ، وإن كان وصل إليه ما يكفيه اعتماده ويدين به ولم يكن ممن تلزمه المهاجرة وجوبا جاز أن يؤم ، لقوله عليه‌السلام : « يؤمكم أقرؤكم » (٥) ، وقول الصادق عليه‌السلام : « لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه » (٦) (٧). انتهى. وعلى هذا فيمكن حمل النهي على من وجبت عليه المهاجرة ولم يهاجر أو على غير المتصف بشرائط الإمامة.

قوله : ( والمتيمم بالمتوضئين ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا نعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك (٨).

واستدل عليه الشيخ في كتابي الأخبار بما رواه عن عباد بن صهيب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا يصلي المتيمم بقوم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ١ ، ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٥ ، ١١٠٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٣ ، ٥ ، ٦.

(٢) النهاية : ١١٢ ، والمبسوط ١ : ١٥٥ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩١.

(٣) منهم الصدوق في المقنع : ٣٥ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٧٨.

(٤) منهم الشهيد الأول في الدروس : ٥٤ ، والبيان : ١٣٣ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٢٧٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ـ ٢ ، الوسائل ٥ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٤٣.

(٨) المنتهى ١ : ٣٧٣.

٣٧١

الطرف الثالث : في أحكام الجماعة ، وفيه مسائل :

الأولى : إذا ثبت أن الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتمّ ، ولو كان عالما أعاد.

______________________________________________________

متوضئين » (١). وعن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين ، ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء » (٢). وفي الروايتين ضعف من حيث السند (٣).

ولو لا ما يتخيل من انعقاد الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بجواز الإمامة على هذا الوجه من غير كراهة ، للأصل ، وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن جميل بن دراج : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن إمام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ومعهم ما يتوضئون به ، أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال : « لا ، ولكن يتيمم الإمام ويؤمهم ، فإن الله عزّ وجلّ جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا » (٤).

قوله : ( الأولى ، إذا ثبت أن الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة لم تبطل صلاة المؤتمّ ، ولو كان عالما أعاد ).

أما أنه تجب على المأموم الإعادة إذا كان عالما بفسق الإمام أو كفره أو حدثه فلا ريب فيه ، لأنه صلى صلاة منهيا عنها فتقع فاسدة.

وأما أنه لا تجب عليه الإعادة إذا تبين ذلك بعد الصلاة فهو أشهر القولين في المسألة وأظهرهما.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٦ ـ ٣٦١ ، الإستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٦ ـ ٣٦٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٥.

(٣) أما. الأولى فوجهه هو كون راويها عامي ـ راجع رجال الطوسي : ١٣١. وأما الثانية فلأن راويها عامي ضعيف ـ راجع عدة الأصول : ٣٨٠ ، وخلاصة العلامة : ١٩٩.

(٤) الفقيه ١ : ٦٠ ـ ٢٢٣ ، التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٥ ، الإستبصار ١ : ٤٢٥ ـ ١٦٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٠١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ١.

٣٧٢

______________________________________________________

ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه (١) ـ وابن الجنيد (٢) أنهما أوجبا الإعادة.

وحكى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه عن جماعة من مشايخه ، أنه سمعهم يقولون : ليس عليهم إعادة شي‌ء مما جهر فيه ، وعليهم إعادة ما صلي بهم مما لم يجهر فيه (٣).

لنا : أنه صلى صلاة مأمورا بها فكانت مجزئة ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته ، قال : « يعيد ، ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على غير طهر » (٤).

وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر ، أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ قال : « لا إعادة عليهم ، تمت صلاتهم ، وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع » (٥).

وفي الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي ، قال : « لا يعيدون » (٦).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن عبد الرحمن بن العرزمي ، عن أبيه ،

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٥٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٧ ، الإستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٦٨ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٩ ، الإستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٨ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ١.

٣٧٣

ولو علم في أثناء الصلاة ، قيل : يستأنف ، وقيل : ينوي الانفراد ويتم ، وهو أشبه.

الثانية : إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ركع ،

______________________________________________________

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صلى علي عليه‌السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ، ثم دخل ، فخرج مناديه أن أمير المؤمنين صلى على غير طهر فأعيدوا ، وليبلغ الشاهد الغائب » (١) لأنا نجيب عنه بالطعن في السند بجهالة الراوي.

وقال الشيخ في التهذيب : هذا خبر شاذ ، مخالف للأحاديث كلها ، وما هذا حكمه لا يجوز العمل به ، على أن فيه ما يبطله ، وهو أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أدى فريضة على غير طهر وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته عليه‌السلام (٢).

احتج السيد المرتضى ـ على ما نقل عنه ـ بأنها صلاة تبين فسادها ، لاختلال بعض شرائطها فتجب إعادتها ، وبأنها صلاة منهي عنها فتقع فاسدة (٣). وضعف الدليلين ظاهر.

قوله : ( ولو علم في أثناء الصلاة ، قيل : يستأنف ، وقيل : ينوي الانفراد ، وهو أشبه ).

الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى الخلاف في المسألة السابقة ، فعلى الإعادة يستأنف ، وعلى القول بالعدم ينوي الانفراد ويتم. ويحتمل الاستئناف على القولين إن قلنا بعدم جواز المفارقة في أثناء الصلاة ، وهو ضعيف.

قوله : ( الثانية ، إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ركع ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤٠ ، الإستبصار ١ : ٤٣٣ ـ ١٦٧١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٠.

(٣) كما في المختلف : ١٥٦.

٣٧٤

ويجوز أن يمشي في ركوعه حتى يلحق بالصف.

الثالثة : إذا اجتمع خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف الإمام ، والمرأة‌

______________________________________________________

ويجوز أن يمشي في ركوعه حتى يلحق بالصف ).

المراد أنه إذا دخل المصلي موضعا تقام فيه الجماعة ، وقد ركع الإمام ، وخاف أن يفوته الركوع إذا لحق بالصف ، نوى وكبر في موضعه ، وركع محافظة على إدراك الركعة ، إذا لم يكن هناك مانع شرعي ، ثم يمشي في ركوعه حتى يلحق بالصف.

ويدل على ذلك صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : أنه سئل عن الرجل ، يدخل المسجد ، فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : « يركع قبل أن يبلغ إلى القوم ، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم » (١).

ويجوز له السجود في مكانه ، ثم الالتحاق به إذا قام ، لما رواه الشيخ في الصحيح أيضا ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد ، والإمام راكع ، فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه ، فكبر واركع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف » (٢).

قال ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ بعد أن أورد هذه الرواية في كتابه : وروي أنه إذا مشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى (٣).

قوله : ( الثالثة ، إذا اجتمع خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٤ ، الإستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨١ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٤ أبواب الجماعة ب ٤٦ ح ٤.

٣٧٥

وراءه وجوبا على القول بتحريم المحاذاة ، وإلا على الندب.

الرابعة : إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية ، دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف الأول ، لأنهم يشاهدون من يشاهده.

الخامسة : لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر ، فإن نوى الانفراد جاز.

______________________________________________________

الإمام ، والمرأة وراءه وجوبا على القول بتحريم المحاذاة ، وإلا على الندب ).

قد تقدم أن الأظهر كراهة المحاذاة (١) ، فيكون التأخير مستحبا ، ونقل عن ابن حمزة : أنه منع محاذاة المرأة للرجل ، وجوّز محاذاة الخنثى لكل منهما (٢). ولا بأس به.

قوله : ( الرابعة ، إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية ، دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف الأول ، لأنهم يشاهدون من يشاهده ).

المراد بالمحراب : الداخل في المسجد أو في الحائط على وجه يكون إذا وقف الإمام فيه لا يراه من على جانبيه ، وحينئذ تبطل صلاتهم ، لعدم المشاهدة ، أما من قابل الإمام فصلاته صحيحة ، وكذا صلاة من إلى جانبيه ، ومن خلفهم من الصفوف ، لأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام.

قوله : ( الخامسة ، لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر ، فإن نوى الانفراد جاز ).

أما أنه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد لغير عذر فلا ريب‌

__________________

(١) في ج ٣ ص ٢٢٠.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٦.

٣٧٦

______________________________________________________

فيه ، للتأسي ، وعموم قوله عليه‌السلام : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به » (١).

ومن العذر ائتمام المسبوق ، حيث يكون تشهده في غير موضع تشهد الإمام ، فإنه يفارقه ويتشهد ، ثم يلحقه.

وأما أنه يجوز للمأموم الانفراد عن الإمام ، ومفارقته في أثناء الصلاة ، فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل فيه العلامة في النهاية الإجماع (٢). وقال الشيخ في المبسوط : من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته ، وإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته (٣).

احتج القائلون بجواز المفارقة (٤) ، بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ، ثم خرجت من صلاته ، وأتمت منفردة. وبأن الجماعة ليست واجبة ابتداء ، فكذا استدامة. وبأن الائتمام إنما يفيد الفضيلة فتبطل بفواته دون الصحة.

وبما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام ، فيطول في التشهد ، فيأخذه البول ، أو يخاف على شي‌ء أن يفوت ، أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلم وينصرف ، ويدع الإمام » (٥).

وفي الصحيح عن أبي المعزى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصلي خلف إمام ، فيسلم قبل الإمام ، قال : « ليس بذلك بأس » (٦).

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٢٥ ـ ٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٧٧.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ١٢٨.

(٣) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٤) كالعلامة في المنتهى ١ : ٣٨٥ ، ونهاية الأحكام ٢ : ١٢٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٦ ، الوسائل ٥ : ٤٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٤.

٣٧٧

______________________________________________________

ويتوجه على الأول : أنه إنما يدل على جواز المفارقة للعذر ، ولا نزاع فيه.

وعلى الثاني : أنه لا يلزم من عدم وجوب الجماعة ابتداء ، عدم وجوبها استدامة.

وعلى الثالث : أن نية الائتمام كما تفيد الفضيلة كذا تفيد صحة الصلاة على هذا الوجه ، فيجب فواتها بنية المفارقة والانفراد إلى أن يأتي بها على وجه آخر معلوم من الشرع.

وعلى الروايتين بالقول بالموجب ، ومنع التعدي عن موضع النص.

احتج الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه (١) : بقوله تعالى ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٢) ، وقوله عليه‌السلام : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به » (٣). وهو احتجاج ضعيف.

نعم يمكن أن يحتج له بأصالة عدم سقوط القراءة ، إلا مع العلم بالمسقط ، وإنما يعلم مع استمرار القدوة لا مع المفارقة ، فيجب قصر الحكم عليه ، إلى أن يقوم على السقوط مع المفارقة دليل يعتد به.

وتشهد له صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : إنه سأله عن إمام أحدث ، فانصرف ، ولم يقدم أحدا ، ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلا بإمام » (٤) والمسألة محل إشكال ، والاحتياط يقتضي استمرار القدوة إلى انتهاء الصلاة.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٥٧.

(٢) محمد : ٣٣.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٢٥ ـ ٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٧٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

٣٧٨

السادسة : الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدّة ، سواء اتصلت السفن أو انفصلت.

______________________________________________________

هذا كله في غير الجماعة الواجبة ، أما فيها فلا يجوز الانفراد قطعا.

والأصح عدم جواز عدول المنفرد إلى الائتمام في أثناء الصلاة ، لعدم ثبوت التعبد بذلك ، وجوزه الشيخ في الخلاف ، مدعيا عليه الإجماع (١). ونفى عنه البأس في التذكرة ، ثم قال : ولو كان يصلي مع جماعة ، فحضرت طائفة أخرى يصلون جماعة ، فأخرج نفسه من متابعة إمامه ، ووصل صلاته بصلاة الإمام الآخر ، فالوجه الجواز (٢).

ويشكل بما أشرنا إليه من توقف العبادة على النقل ، وعدم ثبوت التعبد بذلك. نعم لو زادت صلاة المأموم على صلاة الإمام ، كما في ائتمام الحاضر بالمسافر ، كان له الاقتداء في التتمة بآخر من المؤتمين. وفي جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان.

واعلم أنه متى سوغنا للمأموم الانفراد عن الإمام ، وجب عليه إتمام الصلاة ، فإن فارقه قبل القراءة ، قرأ لنفسه ، وإن كان بعدها ، اجتزأ بها وركع ، وإن كان في أثنائها ، قرأ من موضع القطع ، وأوجب الشارح الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها (٣) ، واستوجه الشهيد في الذكرى الاستئناف مطلقا ، لأنه في محل القراءة ، وقد نوى الانفراد (٤) ، ولعله أحوط.

قوله : ( السادسة ، الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدّة ، سواء اتصلت السفن أو انفصلت ).

لا ريب في الجواز مع استجماع الشرائط المعتبرة في الجماعة ، للأصل ، والعمومات ، وخصوص صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢١٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٥.

(٣) روض الجنان : ٣٦٨.

(٤) الذكرى : ٢٧٢.

٣٧٩

السابعة : إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشي الفوات ، وإلا أتم ركعتين استحبابا. وإن كانت فريضة نقل نيّته إلى النفل على الأفضل وأتمّ ركعتين.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة في جماعة في السفينة » (١).

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة ، أين يقوم الإمام؟ وإن كان معهم نساء كيف يصنعون؟ أقياما يصلون أم جلوسا؟ قال : « يصلون قياما ، فإن لم يقدروا على القيام صلوا جلوسا هم ، ويقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم ، وإن ضاقت السفينة قعدن النساء وصلى الرجال ، ولا بأس أن تكون النساء بحيالهم » (٢).

ونبه المصنف بقوله : سواء اتصلت السفن أو انفصلت ، على خلاف بعض العامة ، حيث منع من الجماعة في السفن المتعددة مع الانفصال ، ولا وجه له. نعم يعتبر الأمن من فوات بعض شرائط الجماعة في أثناء الصلاة.

قوله : ( السابعة ، إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشي الفوات ، وإلا أتم ركعتين استحبابا ).

أما إتمام الركعتين مع عدم خوف الفوات فظاهر ، لما فيه من الجمع بين الوظيفتين. وأما استحباب القطع واستئناف الفريضة مع خوف الفوات ، فلأن الجماعة أهم في نظر الشرع من النافلة.

والظاهر أن المراد بخوف الفوات فوات الركعة ، ويمكن أن يريد به فوات الصلاة بأسرها ، وهو بعيد.

قوله : ( وإن كانت فريضة نقل نيّته إلى النفل على الأفضل وأتمّ ركعتين ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٦ ـ ٨٩٩ ، الوسائل ٥ : ٤٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٦ ـ ٩٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ ـ ١٦٩٧ ، قرب الاسناد : ٩٨ ، الوسائل ٥ : ٤٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٣ ح ٣ ، البحار ١٠ : ٢٧٤.

٣٨٠