مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة ، إماما كان أو مأموما.

______________________________________________________

وادعى عليه ابن إدريس الإجماع (١) ، لإطلاق الأمر بذلك في عدة أخبار صحيحة.

وقال الشيخ في النهاية : يومئ الإمام ويركع من خلفه ويسجد (٢). ويشهد له قول أبي الحسن عليه‌السلام في موثقة إسحاق بن عمار في العراة : « يتقدمهم إمام فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (٣).

ويظهر من المصنف في المعتبر الميل إلى العمل بهذه الرواية ، فإنه قال : وهذه حسنة لا يلتفت إلى من يدعي الإجماع على خلافها (٤). وهو جيد لو صح السند.

قوله : ( ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة ، إماما كان أو مأموما ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إني أحضر المساجد مع جيراني وغيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم ، وقد صليت قبل أن آتيهم ، فربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، وأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك ، فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله. فكتب : « صلّ بهم » (٥).

__________________

(١) السرائر : ٨٠.

(٢) النهاية : ١٣٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ٢ ، وفيهما : عن أبي عبد الله ٧.

(٤) المعتبر ٢ : ١٠٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٠ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٥ : ٤٥٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٥.

٣٤١

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج ، وإن شئت فصلّ معهم واجعلها تسبيحا » (١).

وصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : « يصلي معهم ويجعلها الفريضة » (٢) ونحوه روى هشام بن سالم في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام (٣).

والظاهر أن معنى قوله عليه‌السلام : « ويجعلها الفريضة » أنه يجعلها الصلاة التي صلاها أولا ، لا غيرها من الصلاة.

وقال الشيخ في التهذيب : إن المعنى في هذا الحديث أن من صلى ولم يفرغ بعد من صلاته ووجد جماعة فليجعلها نافلة ، ثم يصلي في جماعة ، وليس ذلك لمن فرغ من صلاته بنية الفرض ، لأن من صلى الفريضة بنية الفرض لا يمكن أن يجعلها غير فرض (٤). وهو تأويل بعيد ، وما ذكرناه أقرب.

وهنا مباحث :

الأول : يستفاد من قول المصنف رحمه‌الله : ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته ، أن من صلى الفريضة في جماعة ثم وجد جماعة أخرى لا تشرع له الإعادة. وهو كذلك ، للأصل ، وإدراك فضيلة الجماعة بالأولى.

وحكم الشهيد في الذكرى باستحباب الإعادة للمنفرد والجامع ، لعموم الأدلة (٥). وهو غير واضح ، لأن أكثر الروايات مخصوصة بمن صلى وحده ، وما‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٢ وفيه : عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام ، التهذيب ٣ : ٢٧٩ ـ ٨٢١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٩ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٦ ، الوسائل ٥ : ٤٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥١ ـ ١١٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤٥٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٠.

(٥) الذكرى : ٢٦٦.

٣٤٢

وأن يسبّح حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله.

______________________________________________________

ليس بمقيد بذلك فلا عموم فيه. ومن هنا يعلم أن الأظهر عدم تراسل الاستحباب أيضا ، وجوزه الشهيدان (١).

الثاني : لو صلى اثنان فرادى ففي استحباب إعادة الصلاة لهما جماعة إذا لم يكن معهما مفترض وجهان ، من أن أقصى ما يستفاد من الروايات مشروعية الإعادة إذا اقتدى بمفترض أو اقتدى به مفترض ، ومن عموم الترغيب في الجماعة.

الثالث : إذا أعاد من صلى صلاته جماعة ، وأراد التعرض للوجه نوى الندب ، لخروجه عن العهدة بالصلاة الأولى ، فلا تكون الثانية واجبة ، ومتى لم تكن واجبة امتنع إيقاعها على وجه الوجوب. وجوز الشهيد في الذكرى والدروس إيقاعها على وجه الوجوب (٢) ، لرواية هشام بن سالم (٣). وهو بعيد جدا والرواية لا تدل عليه بوجه.

قوله : ( وأن يسبّح حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق ، عن عمر بن أبي شعبة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته ، قال : « فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ » (٤).

وروى أيضا في الموثق ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ ، قال : « فأمسك آية ومجد الله وأثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع » (٥) والعمل بكل من الروايتين حسن‌

__________________

(١) الشهيد الأول في الدروس : ٥٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٧١ ، والمسالك ١ : ٤٤.

(٢) الذكرى : ٢٦٦ ، والدروس : ٥٦.

(٣) المتقدمة في ص ٣٤٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٣ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٥ ، المحاسن : ٣٢٦ ـ ٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ١ ، بتفاوت يسير بينها.

٣٤٣

وأن يكون في الصف الأول أهل الفضل ،

______________________________________________________

إن شاء الله.

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين من تجب القراءة خلفه كالمخالف ، أو يستحب كالجهرية مع عدم السماع ، مع احتمال اختصاص الحكم بالمخالف ، لأنه المتبادر من النص.

قوله : ( وأن يكون في الصف الأول أهل الفضل ).

هذا موضع وفاق بين العلماء. والمراد بأهل الفضل أهل المزية الكاملة من علم أو عمل أو عقل. وإنما استحب كونهم في الصف الأول لأن أفضل الصفوف أولها ، لما روي من أن الصلاة فيه كالجهاد في سبيل الله (١) ، فيكون الأفضل للأفضل.

ويدل عليه صريحا ما رواه الكليني ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ليكن الذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم والنهي ، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه » (٢).

والأحلام جمع حلم ـ بالكسر ـ وهو العقل ، ومنه قوله تعالى ( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا ) (٣) والنهي ـ بالضم ـ العقل أيضا. وتعايا أي : لم يهتد لوجه مراده ، أو عجز عنه ولم يطق إحكامه.

قال في الذكرى : وليكن يمين الصف لأفضل الصف الأول ، لما روي أن الرحمة تنتقل من الإمام إليهم ثم إلى يسار الصف ، ثم إلى الثاني (٤) والأفضل للأفضل (٥). ويشهد له أيضا ما رواه الكليني ، عن سهل بن زياد بإسناده قال ، قال : « فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٢ ـ ٧ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٧ ح ٢.

(٣) الطور : ٣٢.

(٤) في المصدر : الباقي.

(٥) الذكرى : ٢٧٣.

٣٤٤

ويكره تمكين الصبيان منه.

ويكره أن يقف المأموم وحده ، إلا أن تمتلئ الصفوف.

______________________________________________________

الفرد » (١).

قوله : ( ويكره تمكين الصبيان منه ).

بل يكره تمكين غير أهله منه ، ويكره لهم التأخر أيضا.

قوله : ( ويكره أن يقف المأموم وحده ، إلا أن تمتلئ الصفوف ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا ، ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف الأول ، وتمشي منحرفا حتى تتم الصف » (٢).

وعن السكوني ، عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تكونن في العثكل ، قلت : وما العثكل؟ قال : أن تصلي خلف الصفوف وحدك » (٣).

ولا كراهة في وقوف الرجل وحده مع امتلاء الصفوف ، لما رواه الشيخ عن أبي الصباح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده قال : « لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد » (٤).

والأولى وقوفه بحذاء الإمام ، لرواية سعيد الأعرج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال : « نعم ، لا بأس يقوم بحذاء الإمام » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٣ ـ ٨ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٦ ، الوسائل ٥ : ٤٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ـ ٧٨٦ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٣.

٣٤٥

وأن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة.

ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، على الأظهر.

______________________________________________________

ولو وجد المصلي فرجة في صف فله السعي إليها وإن كانت في غير الصف الأخير ، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف ، لأنهم قصّروا حيث تركوا تلك الفرجة. نعم لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى.

ولا كراهة في وقوف المرأة وحدها إذا لم تكن نساء ، بل يستحب لها ذلك.

قوله : ( وأن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة ).

لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح ، ولما رواه الشيخ ، عن عمر بن يزيد ، أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ، ما حد هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة » فقال له : إن الناس يختلفون في الإقامة ، فقال : « المقيم الذي تصلي معه » (١).

ونقل عن ابن حمزة (٢) ، والشيخ في النهاية (٣) أنهما منعا من التنفل بعد الإقامة. قال في الذكرى : وقد يحمل على ما لو كانت الجماعة واجبة ، وكان ذلك يؤدي إلى فواتها (٤).

قوله : ( ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، على الأظهر ).

هذا مشهور بين الأصحاب ، واستدل عليه بأن هذا اللفظ إخبار عن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٤ ح ١.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٦.

(٣) النهاية : ١١٩.

(٤) الذكرى : ٢٧٨.

٣٤٦

الطرف الثاني : يعتبر في الإمام : الإيمان ، والعدالة ، والعقل ، وطهارة المولد ، والبلوغ على الأظهر ،

______________________________________________________

الإقامة ، فتجب المبادرة للتصديق ، وقول الصادق عليه‌السلام في رواية معاوية بن شريح : « إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم » (١).

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : وقت القيام إلى الصلاة عند فراغ المؤذن من كمال الأذان (٢). ولم أقف على مأخذه.

وحكى العلامة في المختلف عن بعض علمائنا قولا بأن وقت القيام إلى الصلاة عند قوله : حي على الصلاة ، لأنه دعا إليها ، فاستحب القيام عنده (٣).

وأجيب عنه بالمعارضة بالأذان ، فإن هذا اللفظ موجود فيه ولا يستحب القيام عنده ، وبأن هذا اللفظ دعاء إلى الإقبال إلى الصلاة ، وقد قامت صيغة إخبار بمعنى الأمر بالقيام ، فكان القيام عنده أولى.

قوله : ( يعتبر في الإمام : الإيمان ، والعدالة ، والعقل ، وطهارة المولد ).

اعتبار هذه الأمور الأربعة في إمام الجماعة مقطوع به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع. نعم ذهب ابن الجنيد إلى أن كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر منه ما يزيلها (٤). وذهب آخرون إلى جواز التعويل على حسن الظاهر ، لعسر الاطلاع على البواطن. وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في صلاة الجمعة (٥) فلا نعيده.

قوله : ( والبلوغ على الأظهر ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٢ ـ ١٤٦ ، الوسائل ٥ : ٤٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٧ ، والخلاف ١ : ٢١٧.

(٣) المختلف : ١٦٠.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٥٩.

(٥) في ص ٦٦.

٣٤٧

وألا يكون قاعدا بقيام ،

______________________________________________________

هذا هو الأصح ، لأصالة عدم سقوط القراءة بفعل الغير إلا مع العلم‌ بالمسقط ، ولأن غير المكلف لا يؤمن إخلاله بواجب أو فعله لمبطل ، لعلمه بارتفاع المؤاخذة عنه ، ويؤيده ما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤم حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته ، وفسدت صلاة من خلفه » (١).

وخالف في ذلك الشيخ في الخلاف والمبسوط ، فجوز إمامة المراهق المميز العاقل في الفرائض (٢) ، واحتج عليه بإجماع الفرقة ، ورواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « قال : لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم » (٣). وفي الإجماع منع ، وفي سند الرواية ضعف.

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على من بلغ بالسن أو الإنبات ، فإنه تجوز إمامته وإن لم يحتلم (٤).

قال في المعتبر : وليس هذا التأويل بجيد ، لتوارد الروايتين على صفة واحدة مع تنافي الحكم ، لكن الأولى العمل برواية إسحاق لعدالته وضعف طلحة ، ولأن ذلك أظهر في الفتوى بين الأصحاب وهو نوع من رجحان (٥). وهو حسن.

قوله : ( وأن لا يكون قاعدا بقيام ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٣ ، الإستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧.

(٢) الخلاف ١ : ٢١٢ ، والمبسوط ١ : ١٥٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٤ ، الإستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠ ، والاستبصار ١ : ٤٢٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٣٦.

٣٤٨

ولا أميّا بمن ليس كذلك.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة (١) ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ ما رواه ابن بابويه مرسلا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بأصحابه جالسا ، فلما فرغ قال : لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسا » (٢). وما رواه الشيخ ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يؤمّن المقيد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحاء » (٣). وكذا الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص فيها الكامل.

وأطلق الشيخ في الخلاف جواز ائتمام (٤) المكتسي بالعاري (٥) ، وهو ضعيف. وقال في التذكرة : إن اقتدى بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود جاز ، لمساواته له في الأفعال (٦). وهو يتم إذا قلنا أن المانع من الاقتداء بالعاري عجزه عن الأركان ، وأما إذا علل بنقصه من حيث الستر فلا.

قوله : ( ولا أميّا بمن ليس كذلك ).

المراد بالأمي من لا يحسن القراءة الواجبة كما ذكره في المعتبر (٧). ولا ريب في عدم جواز إمامته بالقاري ، لأن القراءة واجبة مع القدرة وإنما تسقط بتحمل الإمام ، ومع عجزه لا يتحقق التحمل.

ومقتضى العبارة جواز إمامته بمثله ، وهو كذلك ، لتساويهما في الأفعال.

وينبغي التنبيه لأمور :

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٧٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٩ ـ ١١١٩ ، الوسائل ٥ : ٤١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٤ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٢ ح ١.

(٤) في جميع النسخ : إمامة ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الخلاف ١ : ٢٠٨.

(٦) التذكرة ١ : ١٧٩.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٣٧.

٣٤٩

______________________________________________________

الأول : الأصح (١) أنه يجب على الأمي الايتمام بالقاري المرضي مع الإمكان ، لأن من هذا شأنه يتمكن من الصلاة بقراءة صحيحة فيجب عليه. وبه قطع العلامة في التذكرة من غير نقل خلاف لأحد من الأصحاب (٢) (٣).

الثاني : الأخرس في معنى الأمي ، فيجوز أن يؤم مثله. وهل له أن يؤم أميا؟

قيل : لا ، لقدرته على النطق بالتكبير ، والأخرس عاجز عنه (٤). وقيل بالجواز ، وهو خيرة المعتبر (٥) ، لأن التكبير لا يتحمله الإمام وهما في القراءة سواء.

والأصح المنع ، لأصالة عدم سقوط القراءة مع إخلال الإمام بالركن ، ونقص صلاته بالنسبة إلى المأموم.

الثالث : لو أحسن أحد الأميين الفاتحة والآخر السورة جاز ائتمام من يعجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس ، للإجماع على وجوبها في الصلاة بخلاف السورة.

ولو أحسن كل منهما بعض الفاتحة فإن اتحد صح ائتمام أحدهما بالآخر ، وإلا فلا ، لأن كل واحد منهما أمي بالنسبة إلى الآخر ، مع احتمال الجواز ، لتساويهما في كونهما أميين.

الرابع : قال الشيخ في المبسوط : لو صلى أمي بقارئ بطلت صلاة القاري وحده (٦). وقيده العلامة في المختلف بكون القاري غير صالح‌

__________________

(١) في « ح » ، « م » ، « ض » : المشهور.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٨.

(٣) في « ح » ، « م » ، « ض » : زيادة : وهو أحوط وإن كان للتوقف فيه مجال.

(٤) قال به الشهيد الأول في الذكرى : ٢٦٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٣٨.

(٦) المبسوط ١ : ١٥٤.

٣٥٠

ولا يشترط الحرية على الأظهر. وتشترط الذكورة إذا كان المأموم ذكرانا ، أو ذكرانا وإناثا.

ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء.

______________________________________________________

للإمامة ، إذا لو كان صالحا لوجب على الأمي الاقتداء به ، فإذا أخل به بطلت صلاته وصلاة من خلفه (١). وهو جيد مع العلم بوجوب الاقتداء ، أما مع الجهل فلا تبعد صحة صلاته ، لعدم توجه النهي إليه المقتضي للفساد.

قوله : ( ولا يشترط الحرية على الأظهر ).

هذا هو الأصح ، للأصل ، وإطلاق الأمر ، وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا ، قال : « لا بأس » (٢).

قوله : ( وتشترط الذكورة إذا كان المأمومون ذكرانا ، أو ذكرانا وإناثا. ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء ).

أما أنه لا يجوز للمرأة أن تؤم رجلا فقال في المعتبر : إنه متفق عليه بين العلماء كافة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أخروهن من حيث أخرهن الله » (٣) ولأن المرأة مأمورة بالحياء والاستتار ، والإمامة للرجال تقتضي الظهور والاشتهار (٤).

وأما أنه يجوز لها أن تؤم النساء فهو قول معظم الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع (٥). واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم‌

__________________

(١) المختلف : ١٥٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٠ ، الإستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٢.

(٣) مستدرك الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٣٨.

(٥) التذكرة ١ : ١٧١.

٣٥١

______________________________________________________

النساء؟ قال : « لا بأس به » (١).

وعن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سأله عن المرأة تؤم النساء؟ قال : « نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن » (٢) وفي الروايتين ضعف من حيث السند.

نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ ( في الصحيح ) (٣) عن عليّ بن جعفر : أنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال : « قدر ما تسمع » (٤).

ونقل عن ابن الجنيد (٥) ، والسيد المرتضى (٦) ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنهما جوّزا إمامة النساء في النوافل دون الفرائض ، ونفى عنه البأس في المختلف (٧). وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال : « تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن » (٨).

وصحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال : « إذا كن جميعا أمتهن في النافلة فأما المكتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن » (٩).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١١ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٦١ ، الوسائل ٥ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٧.

(٥) كما في الذكرى : ٢٦٥.

(٦) كما في المختلف : ١٥٤.

(٧) المختلف : ١٥٤.

(٨) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٦٨ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٢.

٣٥٢

وكذا الخنثى. ولا تؤم المرأة رجلا ولا خنثى.

ولو كان الإمام يلحن في قراءته لم يجز إمامته بمتقن على الأظهر.

______________________________________________________

ورواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة » (١).

وأجاب المصنف في المعتبر عن روايتي سليمان بن خالد والحلبي بأنهما نادرتان لا عمل عليهما (٢). وهو غير جيد ، لوجود القائل بمضمونهما ، وموافقتهما لصحيحة هشام المتقدمة ، مع أن الصدوق أوردها في كتابه ومقتضى كلامه في أوله الإفتاء بمضمونها.

ويشهد لهذا القول أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن » (٣).

قوله : ( وكذا الخنثى ).

أي يجوز أن تؤم النساء دون الرجال. وقطع العلاّمة (٤) ومن تأخر عنه (٥) بأنه ليس لها أن تؤم بمثلها ، لاحتمال أن يكون الإمام أنثى والمأموم ذكرا. وقيل بالجواز (٦). وهو محتمل.

قوله : ( ولو كان يلحن في قراءته لم يجز إمامته بمتقن على الأظهر ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٥ ، الإستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٣.

(٤) المنتهى ١ : ٣٧٣.

(٥) وهو الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٥.

(٦) قال به ابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٥.

٣٥٣

وكذا من يبدل الحرف كالتّمتام وشبهه.

______________________________________________________

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وتدل عليه أصالة عدم سقوط القراءة‌ عن المأموم إلاّ مع العلم بالمسقط وهو منتف هنا ، وأن القراءة الواجبة إنما تسقط بتحمل الإمام ومع لحنه لا يتحقق التحمل.

وقال الشيخ في المبسوط : تكره إمامة من يلحن في قراءته سواء كان في الحمد أو في غيرها ، أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، فإن كان يحسن وتعمد اللحن فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إن علموا بذلك ، لأنه إذا لحن لم يكن قارئا للقرآن ، لأن القرآن ليس بملحون (١).

واستدل له العلاّمة في المختلف على الصحة مع تعذر الإصلاح بأن صلاة من هذا شأنه صحيحة فجاز أن يكون إماما (٢). وهو استدلال ضعيف فإنه لو تم لاقتضى جواز إمامة الأمي والأخرس ولا قائل به.

ومقتضى العبارة جواز إمامة اللاحن بمثله وهو كذلك مع اتفاقهما في موضع اللحن أو نقص المأموم وعجز الإمام عن التعلم ، وإلا لم تجز إمامته ( لفسقه ) (٣) كما هو واضح.

قوله : ( وكذا من يبدل الحرف كالتّمتام وشبهه ).

أي لا تجوز إمامته بمن ليس كذلك ، لأن من هذا شأنه كاللاحن. ومقتضى العبارة أن التمتام يبدل الحرف بغيره ، وفسره في المبسوط بأنه الذي لا يحسن أن يؤدي التاء (٤).

وقال المصنف في المعتبر : أما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه يكرر الحرف ولا يسقطه (٥).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٣.

(٢) المختلف : ١٥٥.

(٣) ليست في « ض ».

(٤) المبسوط ١ : ١٥٣.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٣٨.

٣٥٤

______________________________________________________

ومقتضى كلامه أن التمتام هو الذي لا يتيسر له النطق بالتاء إلاّ بعد ترديدها مرتين فصاعدا ، وبهذا التفسير والحكم صرح العلاّمة في التذكرة والمنتهى (١) ، لكنه حكم في التذكرة بكراهة إمامته لمكان هذه الزيادة.

والمراد بشبه التمتام بالمعنى الأول الألثغ بالثاء المثلثة ، وهو الذي يجعل الراء غينا أو لاما ، والأليغ بالياء المنقطة من تحت نقطتين ، وهو الذي لا يبين الكلام ولا يأتي بالحروف على الصحة ، وكل هؤلاء لا تجوز إمامتهم بالمتقن لما سبق ، ويجوز بالمساوي مع عجز الإمام عن الإصلاح.

قال في المنتهى : ولو كان له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدله بغيره أمكن أن يقال بجواز إمامته بالقاري (٢). ونحوه قال في التذكرة ولكنه جزم بالجواز (٣).

وقال الشهيد في الذكرى : أما من به لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولا تبلغ به تبديله بغيره فجائز إمامته للقارئ وإن كان القاري أفضل ، لأن ذلك يعد قرآنا (٤).

ويشكل بأن من لم يخلّص الحرف لا يكون آتيا بالقراءة على الوجه المعتبر فلا تكون قراءته كافية عن قراءة المأموم كالمبدل.

وهل يجب على اللاحن والمبدل للحرف بغيره مع العجز عن الإصلاح الائتمام بالمتقن مع التمكن منه؟ فيه وجهان : من توقف الواجب على الائتمام فيكون واجبا ، ومن أصالة البراءة وإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة والفضيل : « وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها » (٥) والمسألة محل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٧٨ ، المنتهى ١ : ٣٧٢.

(٢) المنتهى ١ : ٣٧٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٨.

(٤) الذكرى : ٢٦٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٢ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٢.

٣٥٥

ولا يشترط أن ينوي الإمامة.

وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولى بالتقدم.

______________________________________________________

تردد.

قوله : ( ولا يشترط أن ينوي الإمامة ).

أي في صحة الصلاة أو في انعقاد الجماعة ، وذلك لأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد فلا يعتبر تمييز أحدهما من الآخر ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولى بالتقدم ).

المراد بصاحب المسجد الإمام الراتب فيه ، وبالأمير من كانت إمارته شرعية وهو الوالي من قبل الإمام عليه‌السلام ، وبصاحب المنزل ساكنه وإن لم يكن مالكا. وهؤلاء الثلاثة أولى من غيرهم عدا الإمام الأعظم وإن كان ذلك الغير أفضل منهم ، وقد صرح بذلك جماعة منهم العلاّمة في جملة من كتبه (١).

وقال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا.

أما أن صاحب الإمارة والمنزل أولى بالتقدم فيدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية أبي عبيدة : « ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه » (٢).

وأما كراهة التقدم على إمام المسجد الراتب فلأنه يجري مجرى منزله ، ولأن تقدم غير الراتب عليه يورث وحشة وتنافرا فيكون مرجوحا. ولو أذن هؤلاء لغيرهم في التقدم فقد جزم الشهيدان بانتفاء الكراهة ، لأن أولويتهم ليست مستندة إلى فضيلة ذاتية بل إلى سياسة أدبية (٣). وهو اجتهاد في مقابلة النص.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٧٤ ، والتذكرة ١ : ١٨٠ ، ونهاية الأحكام ٢ : ١٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، الوسائل ٥ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٧٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٥.

٣٥٦

والهاشميّ أولى من غيره إذا كان بشرائط الإمامة. وإذا تشاحّ الأئمة فمن قدّمه المأمون فهو أولى.

______________________________________________________

وهل الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم أو مباشرة الإمامة؟ فيه وجهان ، وظاهر الرواية يدل على أن الأفضل لهم المباشرة ، وعلى هذا فلو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الإذن ليستقر الحق على ( أصله ) (١).

ولا تتوقف أولوية الراتب في المسجد على حضوره فلو تأخر روسل ليحضر أو يستنيب إلى أن يتضيق وقت الفضيلة.

قوله : ( والهاشمي أولى من غيره إذا كان جامعا للشرائط ).

المراد أنه أولى من غير الثلاثة المتقدمة فإنهم أولى منه ، وهذا الحكم ذكره الشيخ (٢) وجمع من الأصحاب ، واستحسنه في المنتهى مستدلا عليه بأن الهاشمي أفضل من غيره وتقديم المفضول قبيح عقلا (٣).

وقال الشهيد في الذكرى بعد اعترافه بعدم الوقوف على مستند لذلك سوى ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قدموا قريشا ولا تقدموهم » (٤) : نعم فيه إكراما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبجيله مما لا خفاء بأولويته (٥).

قوله : ( وإذا تشاحّ الأئمة فمن قدّمه المأمومون فهو أولى ).

إذا تشاح الأئمة فإما أن يكره المأمومون إمامة بعضهم بأسرهم ، وإما أن يختاروا إمامة واحد بأسرهم ، وإما أن يختلفوا في الاختيار. فإن كرهه جميعهم لم يؤم بهم. لقوله عليه‌السلام : « ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة » أحدهم من تقدم‌

__________________

(١) في « م » : أهله.

(٢) النهاية : ١١٢.

(٣) المنتهى ١ : ٣٧٥.

(٤) الجامع الصغير ٢ : ٢٥٣ ـ ٦١٠٩ ، ٦١١٠.

(٥) الذكرى : ٢٧٠.

٣٥٧

فإن اختلفوا قدّم الأقرأ ، فالأفقه ،

______________________________________________________

قوما وهم له كارهون (١).

وقال العلاّمة في التذكرة : والأقرب أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته ، والإثم على من كرهه ، وإلاّ كرهت (٢). وهو حسن.

وإن اختار الجميع واحدا فهو أولى ، لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب. وإن اختلفوا فقد أطلق المصنف وأكثر الأصحاب المصير إلى الترجيح بالقراءة والفقه وغيرهما من المرجحات.

وقال في التذكرة : إنه يقدم اختيار الأكثر ، فإن تساووا طلب الترجيح (٣). ورواية أبي عبيدة تشهد للأول (٤).

قال الشهيد في الذكرى : وفي ذلك تصريح بأنه ليس للمأمومين أن يقتسموا الأئمة ويصلي كل قوم خلف من يختارونه ، لما فيه من الاختلاف المثير للإحن (٥). وهو كذلك.

قوله : ( فإن اختلفوا قدّم الأقرأ ، فالأفقه ).

المراد بالأقرإ الأجود قراءة كما ذكره في التذكرة (٦) ، وبالأفقه الأعلم بأحكام الصلاة أو بمطلق الأحكام الشرعية ، وقد قطع المصنف وغيره (٧) بتقديم الأقرأ على الأفقه ، لما رواه الشيخ عن أبي عبيدة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان فقال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يتقدم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٠٧ ـ ٥ ، أمالي الطوسي : ١٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤١٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٧ ح ٦.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٩.

(٤) المتقدمة في ص ١٢٦٩.

(٥) الذكرى : ٢٧٠.

(٦) التذكرة ١ : ١٨٠.

(٧) كالشهيد الأول في الدروس : ٥٤.

٣٥٨

فالأقدم هجرة ،

______________________________________________________

القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ، فإن كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين » (١).

وحكى العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بتقديم الأفقه على الأقرأ (٢) ، لأن القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة وهو يحفظها وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور ، ولأن الأفقه أشرف وأعلم بأركان الصلاة وأحكامها فيكون أولى بالتقديم ، لقوله تعالى ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (٣) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة » (٤).

وتأولوا خبر أبي عبيدة بأن القراءة في زمن الصحابة كانت مستلزمة للفقه ، لأنهم كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.

ورده المصنف في المعتبر بأن اللفظ جار على إطلاقه ، ولأن ما ذكروه لو كان مرادا لما نقلهم بعد القراءة إلى الأعلم بالسنة (٥). وهو جيد لو صحت الرواية ، لكنها ضعيفة السند (٦) فالقول بترجيح الأفقه لا يخلو من قوة.

قوله : ( فالأقدم هجرة ).

يدل على ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإن كانوا في القراءة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، الوسائل ٥ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٠.

(٣) الزمر : ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٢ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٤ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ـ ٤ ، الوسائل ٥ : ٤١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ ح ١.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٤٠.

(٦) لعل وجهه هو وقوع سهل بن زياد في سندها وهو ضعيف ـ راجع رجال النجاشي : ١٨٥ ـ ٤٩٠ ، والفهرست : ٨٠ ـ ٣٢٩.

٣٥٩

فالأسن ، فالأصبح.

______________________________________________________

سواء فأقدمهم هجرة » (١) والمراد بالأقدم هجرة الأسبق من دار الحرب إلى دار الإسلام.

وقال في التذكرة : المراد بالأقدم هجرة سبق الإسلام ، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته (٢).

ونقل عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنه قال : إن المراد بالأقدم هجرة في زماننا : التقدم في التعلم قبل الآخر (٣).

وقال الشهيد في الذكرى : وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار ، لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب ، لأن أهل الأمصار أقرب إلى تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها (٤). وهذه اعتبارات حسنة إلا أن المستفاد من النص المعنى الأول.

قوله : ( فالأسن ).

أي فإن تساووا في الهجرة إما لاقترانها أو لانتفائها ممن حصل بينهم الاختلاف قدّم الأكبر سنا. وذكر الشهيد في الذكرى أن المراد علو السن في الإسلام ، فلو كان أحدهما ابن ثلاثين سنة كلها في الإسلام والآخر ابن ستين لكن إسلامه أقل من ثلاثين فالأول هو الأسن (٥). وهو اعتبار حسن إلاّ أن النص لا يدل عليه.

قوله : ( فالأصبح ).

أي الأحسن وجها ، وهذه المرتبة ذكرها عليّ بن بابويه في رسالته (٦) ،

__________________

(١) المتقدم في ص ٣٥٨.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٠.

(٣) حكاه عنه في الذكرى : ٢٧١.

(٤) الذكرى : ٢٧١.

(٥) الذكرى : ٢٧١.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٥٦.

٣٦٠