مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيرا في العادة إذا لم يكن بينهما صفوف متصلة ، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.

______________________________________________________

مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، واحتج عليه بإطلاق الأمر ، وموثقة عمار المتقدمة (١). وهو جيد ، لكن روى الشيخ في التهذيب ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن محمد بن عبد الله ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « سألته عن الإمام يصلي في موضع والذين خلفه يصلون في موضع أسفل منه ، أو يصلي في موضع والذين يصلون خلفه في موضع أرفع منه فقال : « يكون مكانهم مستويا » (٢) وهي ضعيفة بجهالة الراوي ، لكن العمل بما تضمنته أحوط.

فروع :

الأول : قال في التذكرة : لو كان العلو يسيرا جاز إجماعا ، وهل يتقدر بشبر؟ أو بما لا يتخطى؟ الأقرب الثاني (٣). ولعله أخذ من رواية زرارة السالفة (٤) ، أو لأنه قضية العرف.

الثاني : لو صلى الإمام في مكان أعلى بشبر أو بما لا يتخطى أو بما يعتد به ـ على الخلاف ـ بطلت صلاة المأمومين ، للنهي المقتضي للفساد ، دون صلاة الإمام ، لعدم المقتضي لذلك. وقال بعض العامة : تبطل صلاة الإمام أيضا ، لأنه منهي عن القيام في مكان أعلى من مكان المأمومين (٥). وهو ممنوع.

الثالث : لو صلى الإمام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق صح مع عدم التباعد وعلو سطح الإمام.

قوله : ( ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيرا في العادة إذا لم يكن بينهما صفوف متصلة ، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس ).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٦٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ٥ : ٤٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٣ ح ٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٤.

(٤) في ص ٣١٧.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٤٢ ، ٧٩.

٣٢١

______________________________________________________

أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أنه يشترط في الجماعة عدم التباعد بين‌ الإمام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف. وإنما الخلاف في حدّه. فذهب الأكثر إلى أن المرجع فيه إلى العادة. وقال في الخلاف : حدّه مع عدم اتصال الصفوف ما يمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله (١). ويظهر منه في المبسوط جواز البعد بثلاث مائة ذراع (٢).

وقال أبو الصلاح (٣) وابن زهرة (٤) : لا يجوز أن يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة » (٥).

وأجاب عنها المصنف في المعتبر بأن اشتراط ذلك مستبعد فيحمل على الأفضل (٦). ولا يخفى ما فيه.

ويجاب عنها في المختلف باحتمال أن يكون المراد ما لا يتخطى من الحائل لا من المسافة (٧). وهو مشكل ، لوقوع التصريح في الرواية بعد ذلك بذكر حكم الحائل : مع أن اللازم من حمله على الحائل المنع من الصلاة خلف الشبابيك والحائل القصير الذي يمنع من الاستطراق دون المشاهدة ، وهو لا يقول به.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢١٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٦.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٥) المتقدمة في ص ٣١٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٤١٩.

(٧) المختلف : ١٥٩.

٣٢٢

ويكره أن يقرأ المأموم خلف الإمام ، إلا إذا كانت الصلاة جهريّة ثم لا يسمع ولا همهمة ، وقيل : يحرم ، وقيل : يستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه ، والأول أشبه.

______________________________________________________

حتى يحرم قبله من المتقدم من يزول معه التباعد.

ولو خرجت الصفوف المتخللة بين الإمام والمأموم عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو نية الانفراد وحصل البعد ، قيل : تنفسخ القدوة ، ولا تعود بانتقاله إلى محل القرب (١). ويحتمل جواز تجديد القدوة مع القرب إذا لم يكن فعلا كثيرا ، بناء على جواز تجديد المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة الإمام. والأصح أن عدم التباعد إنما يعتبر في ابتداء الصلاة خاصة دون استدامتها ، كالجماعة والعدد في الجمعة ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ويكره أن يقرأ المأموم خلف الإمام ، إلا إذا كانت الصلاة جهريّة ثم لا يسمع ولا همهمة ، وقيل : يحرم ، وقيل : يستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة على أقوال منتشرة حتى ذكر جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان أنه لم يقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ ما في هذه المسألة من الأقوال (٢) ، وليس في التعرض لها كثير فائدة لضعف أدلتها.

والأصح تحريم القراءة على المأموم مطلقا إلا إذا كانت الصلاة جهرية ولم يسمع ولا همهمة ، فإنه تستحب له القراءة حينئذ.

لنا : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، إلا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ » (٣).

__________________

(١) قال به الشهيد الأول في البيان : ١٣٦.

(٢) روض الجنان : ٣٧٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٥ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١.

٣٢٣

ولو كان الإمام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة.

______________________________________________________

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ فقال : « أما ما يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » (١).

وفي الحسن عن قتيبة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » (٢).

وإنما حملنا الأمر بالقراءة في الجهرية مع عدم السماع على الاستحباب لما رواه علي بن يقطين في الصحيح ، قال : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ » (٣).

وذكر جمع من الأصحاب أنه يستحب للمأموم التسبيح في الإخفاتية ، ولا بأس به ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إني أكره للمرء أن يصلي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار » قال ، قلت : جعلت فداك فيصنع ماذا؟ قال : « يسبح » (٤).

قوله : ( ولو كان الإمام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢ ـ ١١٤ ، الإستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥ ، وجاء في صدرها : أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٧ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١١٧ ، الإستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٤ ـ ١٢٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢٩ ـ ١٦٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦١ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ١.

٣٢٤

______________________________________________________

لا ريب في وجوب القراءة والحال هذه ، لانتفاء القدوة وكونه منفردا في‌ نفس الأمر وإن تابعه ظاهرا. ولا يجب الجهر بها في الجهرية قطعا ، للأصل ، وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة فقال : « اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس » (١).

وتجزئه الفاتحة وحدها مع تعذر قراءة السورة إجماعا.

ولو ركع الإمام قبل إكمال الفاتحة قيل : قرأ في ركوعه (٢) ، وقيل : تسقط القراءة للضرورة ، وبه قطع الشيخ في التهذيب حتى قال : إن الإنسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع (٣). واستدل بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر فقال لي : « فإذا كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها فإنها من أفضل ركعاتك » قال إسحاق : فلما سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغلام : انظر أقيمت الصلاة ، فجاءني فقال : نعم ، فقمت مبادرا فدخلت المسجد فوجدت الناس قد ركعوا ، فركعت مع أول صف أدركت واعتددت بها ، ثم صليت بعد الانصراف أربع ركعات ، ثم انصرفت ، فإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا إليّ من المخزوميين والأمويين فاقعدوني ثم قالوا : يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك خيرا فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك. فقلت : وأي شي‌ء ذاك؟ فقالوا : تبعناك حتى قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا ، فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصليت بصلاتنا ، فرضي الله عنك وجزاك خيرا. قال ، فقلت لهم : سبحان‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٦ ـ ١٢٩ ، الإستبصار ١ : ٤٣٠ ـ ١٦٦٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ١.

(٢) كما في الذكرى : ٢٧٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٧.

٣٢٥

وتجب متابعة الإمام ،

______________________________________________________

الله ألمثلي يقال هذا؟! قال : فعلمت أن أبا عبد الله عليه‌السلام لم يأمرني إلا وهو يخاف عليّ هذا وشبهه (١). وهذه الرواية وإن كانت واضحة المتن لكنها قاصرة من حيث السند. والمسألة محل إشكال ، ولا ريب أن الإعادة مع عدم التمكن من قراءة الفاتحة طريق الاحتياط.

قوله : ( وتجب متابعة الإمام ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال المصنف في المعتبر : تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة ، وعليه اتفاق العلماء (٢). واستدل عليه بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » (٣).

( وفسرت المتابعة هنا بعدم ) (٤) تقدم المأموم على الإمام ، بل إما أن يتأخر عنه أو يقارنه. وهو جيد ، لأصالة عدم وجوب التأخر السالمة من المعارض.

وقال ابن بابويه : إن من المأمومين من لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة ، وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له أربع وعشرون ركعة ، وهو الذي يتبع الإمام في كل شي‌ء ، فيركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده (٥) (٦). وإنما تجب المتابعة في الأفعال دون الأقوال ، لأصالة البراءة من هذا التكليف ، ولأنه لو وجبت المتابعة فيها لوجب على الإمام الجهر بها ، ليتمكن المأموم من متابعته ، والتالي منتف‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤٣١ ـ ١٦٦٦ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢١.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٧٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ـ ٨٤٦.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ض » ، « ح » : وظاهر العبارة وصريح غيرها أن المراد بالمتابعة هنا عدم.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٢٧٩.

(٦) في « ض » ، « ح » زيادة : ومقتضى ذلك جواز المقارنة.

٣٢٦

فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر ،

______________________________________________________

بالإجماع فالمقدم مثله. وتكليف المأموم بتأخير الذكر إلى أن يعلم وقوعه من الإمام بعيد جدا ، بل ربما كان مفوتا للقدوة.

وأوجب الشهيد في جملة من كتبه المتابعة في الأقوال أيضا (١). وربما كان مستنده عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنما جعل الإمام ليؤتم به » (٢) وهو أحوط.

هذا كله في غير تكبيرة الإحرام ، أما فيها فيعتبر تأخر المأموم بها ، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد الصلاة.

قوله : ( فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الرفع من الركوع والسجود ، والحكم بوجوب الاستمرار مع العمد مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفا صريحا. نعم قال المفيد في المقنعة : ومن صلى مع إمام يأتم به ، فرفع رأسه قبل الإمام فليعد إلى الركوع حتى يرفع رأسه معه ، وكذلك إذا رفع رأسه من السجود قبل الإمام فليعد إلى سجوده ، ليكون ارتفاعه عنه مع الإمام (٣).

وإطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الناسي والعامد.

احتج القائلون (٤) بوجوب الاستمرار بما رواه الشيخ في الموثق ، عن غياث بن إبراهيم ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه؟ قال : « لا » (٥).

وبأنه لو عاد إلى الركوع أو السجود بعد الرفع منه يكون قد زاد ما ليس‌

__________________

(١) الدروس : ٥٥ ، البيان : ١٣٨.

(٢) المتقدم في ص ٣٢٦.

(٣) لم نجدها في المقنعة ، ووجدناها في التهذيب ٣ : ٤٧.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٤٢٢ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٧٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٧ ـ ١٦٤ ، الإستبصار ١ : ٤٣٨ ـ ١٦٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٤٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٦.

٣٢٧

وإن كان ناسيا أعاد ،

______________________________________________________

من الصلاة ، وهو مبطل ، إذ لا عذر يسقط معه اعتبار الزيادة.

ويشكل بضعف الرواية من حيث السند (١) ، وعدم دلالتها على أن الرفع وقع على سبيل العمد.

وبأن الفعل المتقدم على فعل الإمام وقع منهيا عنه كما هو المفروض ، لترتب الإثم عليه إجماعا ، فلا يكون مبرئا للذمة ولا مخرجا من العهدة ، وإعادته تستلزم زيادة الواجب وهو مبطل عندهم ، فيحتمل بطلان الصلاة لذلك ، ويحتمل وجوب الإعادة هنا كما هو في الناسي ، إن لم يثبت بطلان الصلاة بمثل هذه الزيادة ، كما هو ظاهر عبارة المقنعة ، لإطلاق الروايات المتضمنة للإعادة.

قوله : ( وإن كان ناسيا أعاد ).

المشهور بين الأصحاب أن الإعادة على سبيل الوجوب ، لورود الأمر بها في عدة روايات ، كصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ، ثم يرفع رأسه قبل الإمام ، فقال : « يعيد ركوعه معه » (٢).

وصحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : سألناه عن رجل صلى مع إمام يأتم به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : « فليسجد » (٣).

ورواية محمد بن سهل الأشعري ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عمن ركع مع إمام يقتدي به ، ثم رفع رأسه قبل الإمام ، قال : « يعيد ركوعه معه » (٤) (٥).

__________________

(١) ووجه الضعف هو أن راويها بتري ـ راجع رجال الشيخ : ١٣٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ ـ ٨١٠ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧٢ ، التهذيب ٣ : ٤٧ ـ ١٦٣ ، الإستبصار ١ : ٤٣٨ ـ ١٦٨٨ الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٢.

(٥) في « ض » ، « ح » زيادة : وهذه الروايات كما ترى مطلقة.

٣٢٨

وكذا لو أهوى إلى سجود أو ركوع.

______________________________________________________

وحملها الشيخ رحمه‌الله (١) ومن تأخر عنه (٢) على الناسي ، جمعا بينها وبين رواية غياث المتقدمة.

وهو مشكل ، أما أولا : فلعدم تكافؤ السند ، فإن غياثا قيل : إنه بتري (٣). فلا تترك لأجل روايته الأخبار السليمة. وأما ثانيا : فلأنه لا إشعار في شي‌ء من الروايات بهذا الجمع ، ولو صحت الرواية لكان الأولى في الجمع حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب ، كما هو اختيار العلامة في التذكرة والنهاية (٤).

ولو ترك الناسي الرجوع على القول بالوجوب ، ففي بطلان صلاته وجهان : أحدهما : نعم ، لعدم صدق الامتثال حيث إنه مأمور بالإعادة ولم يأت بها ، فيبقى تحت العهدة. والثاني : لا ، لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة ، لا لكونه جزءا من الصلاة. ولأنه بترك الرجوع يصير في حكم المتعمد الذي عليه الإثم لا غير. والأول أظهر.

قوله : ( وكذا لو هوى إلى ركوع أو سجود ).

أي يستمر مع العمد ويرجع مع النسيان. أما الاستمرار مع العمد فيتوجه عليه ما سبق من الإشكال (٥). وأما الرجوع مع النسيان فيدل عليه ما رواه الشيخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن علي بن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨.

(٢) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٤٢٢ ، والشهيد الأول في الذكرى : ٢٧٥ ، والشهيد الثاني في الروض : ٣٧٤.

(٣) كما في رجال الشيخ : ١٣٢.

(٤) التذكرة ١ : ١٨٥ ، نهاية الأحكام ٢ : ١٣٦.

(٥) في نسخة في الأصل و « ح » زيادة : ويجب أن يقيد الحكم بالصحة هنا بما إذا كان ركوعه بعد تمام قراءة الإمام وإلا تبطل قطعا.

٣٢٩

ولا يجوز أن يقف المأموم قدّام الإمام.

______________________________________________________

فضال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في رجل كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع ، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب : « يتم صلاته ولا تفسد بما صنع صلاته » (١) وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح ، إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في شأنه إلا الحسن بن فضال ، وقد قال الشيخ : إنه كان جليل القدر ، عظيم المنزلة ، زاهدا ورعا ، ثقة في رواياته ، وكان خصيصا بالرضا عليه‌السلام (٢). وأثنى عليه النجاشي وقال : إنه كان فطحيا ثم رجع إلى الحق رضي‌الله‌عنه (٣).

واستوجه العلامة في المنتهى أولا الاستمرار هنا مطلقا ، حذرا من وقوع الزيادة المبطلة ثم قال : لا يقال ينتقض بالرفع ، لأنا نقول إن ذلك هو الأصل إلا أنا صرنا إلى ذلك للنص. ثم قوى الرجوع إلى القيام لموثقة ابن فضال (٤). والمسألة محل إشكال وإن كان القول بالرجوع مع النسيان لا يخلو من قرب.

قوله : ( ولا يجوز أن يقف المأموم قدّام الإمام ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ووافقنا عليه أكثر العامة (٥) ، لأن المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام : إما تقدم الإمام أو تساوي الموقفين ، فيكون الإتيان بخلافه خروجا عن المشروع. ولأن المأموم يحتاج مع التقدم إلى استعلام حال الإمام بالالتفات إلى ما وراءه ، وذلك مبطل.

ومقتضى العبارة جواز المساواة بينهما في الموقف ، وبه قطع أكثر‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٣ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٢) الفهرست : ٤٨.

(٣) رجال النجاشي : ٣٥.

(٤) المنتهى ١ : ٣٧٩.

(٥) منهم الشافعي في كتاب الأم ١ : ١٦٩ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٤٤ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٧١.

٣٣٠

______________________________________________________

الأصحاب ، وحكى فيه العلامة في التذكرة الإجماع (١). ونقل عن ظاهر ابن إدريس أنه اعتبر تأخر المأموم ولم يكتف بالتساوي (٢). وهو مدفوع بالأصل السالم من المعارض ، وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه » (٣) ونحوه روى زرارة في الحسن ، عن الصادق عليه‌السلام (٤). دلت الروايتان على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام أو وجوبه ، ولو وجب التأخر لذكره إذ المقام مقام البيان.

وقد نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي بالأعقاب ، فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه. ولو تقدم بعقبة على الإمام لم ينفعه تأخره عنه بأصابعه أو رأسه.

واستقرب العلامة في النهاية اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا ، وصرح بأنه لا يقدح في التساوي تقدم رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود ومقاديم الركبتين أو الأعجاز في حال التشهد (٥). والنص خال من ذلك كله ، ولو قيل أن المرجع في التقدم المبطل إلى العرف كان وجها قويا.

تنبيه : اختلف الأصحاب في جواز استدارة المأمومين في المسجد الحرام حول الكعبة ، فجوزه ابن الجنيد بشرط أن لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة من الإمام (٦). وبه قطع في الذكرى محتجا بالإجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة (٧). ومنعه العلامة في جملة من كتبه ، وأوجب وقوف المأموم خلف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٧١.

(٢) السرائر : ٦١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٢ ، الوسائل ٥ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ١.

(٥) نهاية الأحكام ٢ : ١١٧.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٦٠.

(٧) الذكرى : ١٦٢.

٣٣١

ولا بدّ من نيّة الائتمام

______________________________________________________

الإمام أو إلى أحد جانبيه كما في غير المسجد الحرام (١) ، واحتج عليه في المنتهى بأن موقف المأموم خلف الإمام أو إلى أحد جانبيه ، وهو إنما يحصل في جهة واحدة ، فصلاة من غايرها باطلة ، وبأن المأموم مع الاستدارة إذا لم يكن واقفا في جهة الإمام يكون واقفا بين يديه فتبطل صلاته. ولم أقف في ذلك على رواية من طرق الأصحاب. والمسألة محل تردد ، ولا ريب أن الوقوف في جهة الإمام أولى وأحوط.

قوله : ( ولا بدّ من نيّة الائتمام ).

لأنه بدون ذلك منفرد فيجب عليه ما يجب على المنفرد ، قال في المنتهى : وهو قول كل من يحفظ عنه العلم (٢).

ومقتضى العبارة عدم اعتبار نية الإمام الإمامة (٣) ، وبه قطع المصنف والعلامة في جملة من كتبه (٤) ، حتى إنه قال في التذكرة : لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به صح عند علمائنا ، لأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد في الكيفية والأحكام فلا وجه لاعتبار تمييز أحدهما عن الآخر. وهو حسن وإن كان الثواب لا يترتب على فعل الإمام إلا مع النية ، لكن لو تحققت القدوة به وهو لا يعلم حتى فرغ من الصلاة أمكن أن ينال الثواب ، لأنه لم يقع منه إهمال النية وإنما نال المأمومون الثواب بسببه فيبعد في كرم الله وفضله حرمانه.

وفي اعتبار نية الإمامة في الجماعة الواجبة وجهان ، أظهرهما العدم ، إذ المعتبر فيها تحقق القدوة في نفس الأمر. وجزم الشهيدان بالوجوب ، لوجوب نية الواجب (٥). وهو ممنوع.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٧٧ ، المختلف : ١٦٠ ، التذكرة ١ : ١٧١.

(٢) المنتهى ١ : ٣٦٥.

(٣) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : وسيجي‌ء في كلام الصنف التصريح بذلك.

(٤) التذكرة ١ : ١٧٣ ، القواعد ١ : ٤٦ ، التحرير ١ : ٥٢.

(٥) الشهيد الأول في الدروس : ٥٤ ، والبيان : ١٣٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٤ ، وروض الجنان : ٣٧٦.

٣٣٢

والقصد إلى إمام معين ، فلو كان بين يديه اثنان فنوى الائتمام بهما أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد. ولو صلى اثنان فقال كل منهما كنت إماما صحّت صلاتهما. ولو قال : كنت مأموما لم تصحّ صلاتهما.

______________________________________________________

قوله : ( والقصد إلى إمام معين ).

بالاسم ، أو الصفة ، أو بكونه هذا الحاضر وإن لم يعلم باسمه أو صفته إذا علم استجماعه لشرائط الإمامة.

ولو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا ، ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصح ، أو العكس فيبطل ، نظر.

ولو شك بعد النية في إمامة وجب الانفراد إن سوغناه ، وحينئذ يعدل إلى من شاء إن جوزنا عدول المنفرد. ولو علم ما قام إليه وجب البناء عليه قطعا.

قوله : ( ولو صلى اثنان ، فقال كل منهما كنت إماما صحت صلاتهما ، ولو قال : كنت مأموما لم تصحّ صلاتهما ).

إنما صحت الصلاتان إذا نوى كل منهما الإمامة لإتيان كل منهما بجميع الأفعال الواجبة من القراءة وغيرها ، فلم تلزمه الإعادة. ونية الإمامة ليست منافية لصلاة المنفرد ، فلم تقدح في الصلاة. بخلاف صورة الائتمام ، لإخلال كل منهما بالقراءة الواجبة فتبطل.

ويدل على الحكمين أيضا ما رواه الشيخ ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام أنه قال في رجلين اختلفا فقال أحدهما : كنت إمامك ، وقال الآخر : كنت إمامك « إن صلاتهما تامة » قال ، قلت : فإن قال كل واحد منهما : كنت أأتم بك ، قال : « فصلاتهما فاسدة ليستأنفا » (١).

واستشكل المحقق الشيخ علي البطلان في الصورة الثانية ، لأن إخبار كل‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٥ : ٤٢٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٣.

٣٣٣

وكذا لو شكّا فيما أضمراه.

______________________________________________________

منهما بالائتمام بالآخر يتضمن الإقرار على الغير ، فلا يقبل كما لو أخبر الإمام بعد الصلاة بفسادها بغير ذلك (١).

وأجيب عنه بأن ذلك غير مسموع في مقابلة النص الدال على البطلان (٢) ، وهو جيد لو كانت الرواية صالحة لإثبات هذا الحكم ، لكنها ضعيفة جدا (٣).

ويمكن أن يقال : إن من شرائط الائتمام أن يظن المأموم قيام الإمام بوظائف الصلاة التي من جملتها القراءة وسبقه بتكبيرة الإحرام ، فإن دخل كل منهما في الصلاة على هذا الوجه كان دخولهما مشروعا واتجه عدم قبول إخبار كل منهما بما ينافي ذلك ، كما في صورة الإخبار بالحدث ، وإن انتفى ذلك تعين الحكم بالبطلان وإن لم يحصل الإخبار. وعلى هذا الوجه يمكن تنزيل الرواية وكلام الأصحاب.

ولا يخفى أن وقوع الاختلاف على [ هذا الوجه نادر جدا ] (٤) فإنه لا يكاد يتحقق إلاّ في حال التقية والائتمام بثالث ظاهرا.

قوله : ( وكذا لو شكّا فيما أضمراه ).

أي : وكذا لا تصح صلاتهما لو شكّا فيما أضمرا من الإمامة أو الائتمام. لأن الشك إن كان في أثناء الصلاة لم يمكنهما المضي على الائتمام وهو ظاهر ، ولا على الانفراد أو الإمامة ، لجواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل النية من رأس ويمتنع العدول. وإن كان بعد الفراغ لم يحصل منهما اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٤٧.

(٢) أجاب عنه الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣١٩.

(٣) ووجه الضعف هو أن راويها عامي كما في عدة الأصول : ٣٨٠ ، وأن في طريقها النوفلي وقد نسب إليه الغلو كما في رجال النجاشي : ٣٨ ـ ٧٧.

(٤) ما بين القوسين أثبتناه من « ض » ، « م » ، « ح ».

٣٣٤

ويجوز أن يأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان ،

______________________________________________________

قال الشهيد في الذكرى : ويمكن أن يقال إن كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال بالصحة نوى الانفراد وصحت الصلاة ، لأنه إن كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد ، وإن كان نوى الائتمام فالعدول عنه جائز. وإن كان بعد مضي محل القراءة فإن علم أنه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم نية الندب انفرد أيضا ، لحصول الواجب عليه. وإن علم ترك القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان للإخلال بالواجب (١).

ويشكل بما ذكرناه من جواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه ، فتبطل الصلاتان ويمتنع العدول.

وفصّل العلامة في التذكرة ، فقطع بالبطلان إن عرض الشك في أثناء الصلاة ، وتردد فيما إذا شكا بعد الفراغ من أنه شك بعد الانتقال ، ومن عدم اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة (٢).

وقوى المحقق الشيخ علي عدم الالتفات إلى الشك في هذه الصورة (٣).

ولا بأس به إذا كان كل منهما قد دخل في الصلاة دخولا مشروعا.

قوله : ( ويجوز أن يأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال العلامة في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع ، واستدل عليه بأن المباينة بين صلاة الفرض والنفل مع الاتحاد ـ كالظهر إذا صلاها مرة ثانية ـ أكثر من المباينة بين الظهر والعصر الواجبتين ، وقد صح الائتمام في الأول فيصح في الثاني (٤).

ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٥.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٤٨.

(٤) المنتهى ١ : ٣٦٧.

٣٣٥

______________________________________________________

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل إمام قوم يصلي العصر وهي لهم الظهر ، قال : « أجزأت عنه وأجزأت عنهم » (١).

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن رجل أمّ قوما في العصر ، فذكر وهو يصلي بهم أنه لم يكن صلى الأولى ، قال : « فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم » (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر » (٣).

ونقل عن الصدوق ـ رحمه‌الله ـ أنه قال : لا بأس أن يصلي الرجل الظهر خلف من يصلي العصر ، ولا يصلي العصر خلف من يصلي الظهر إلا أن يتوهمهما العصر فيصلي معه (٤) العصر ، ثم يعلم أنها كانت الظهر فتجزي عنه (٥).

قال في الذكرى : ولا نعلم مأخذه ، إلا أن يكون نظر إلى أن العصر لا تصح إلا بعد الظهر ، فإذا صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع أنها بعدها (٦). وهو خيال ضعيف ، لأن عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه لا على ظهر إمامه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٢ ، الإستبصار ١ : ٤٣٩ ـ ١٦٩١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٢ ، الوسائل ٣ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٧ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١.

(٤) في « ض » : بنية ، بدل معه.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٦٠.

(٦) الذكرى : ٢٦٦.

٣٣٦

والمتنفّل بالمفترض ، والمتنفل والمفترض بالمتنفل في أماكن ، وقيل : مطلقا.

______________________________________________________

وربما استدل له بصحيحة علي بن جعفر : إنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي معه وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال : « لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها » (١).

وهو غير جيد ، لأن مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق ، ومع ذلك فلا يمكن الاستدلال بها على المنع من الائتمام في صلاة العصر بمن يصلي الظهر ، لجواز أن يكون لاعتقاد المرأة خلاف الواقع مدخل في الإعادة. بل يحتمل استناد الأمر بالإعادة إلى المحاذاة وإن كان الأصح أنها مكروهة. وقد ورد في مواضع استحباب إعادة الفرض لإيقاعه على الوجه الأكمل ، كاستحباب إعادة الجمعة لمن صلاها بغير الجمعة والمنافقين كما تضمنته صحيحة عمر بن يزيد (٢) ، واستحباب إعادة الإحرام لناسي الغسل والصلاة قبله وغير ذلك. والله أعلم.

وإنما يجوز اقتداء المفترض بالمفترض مع اختلاف الفرضين إذا لم تختلف الكيفية ، فلو اختلفت لم يصح لعدم إمكان المتابعة.

واستثنى الشهيد في الدروس أيضا صلاة الاحتياط ، فمنع من الاقتداء فيها وبها ، إلا في الشك المشترك بين الإمام والمأموم (٣). وكأنه لاحتمال كونها نافلة. ولعل المنع مطلقا أحوط.

قوله : ( والمتنفّل بالمفترض ، والمتنفل والمفترض بالمتنفل في أماكن ، وقيل : مطلقا ).

الجار متعلق بالفعل المتقدم وهو « يجوز » فيكون قيدا في الصور الأربع.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٦ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٧ ـ ٢١ ، الوسائل ٤ : ٨١٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٢ ح ١.

(٣) الدروس : ٤٨.

٣٣٧

ويستحب أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا ، وخلفه إن كانوا جماعة

______________________________________________________

فمكان جواز اقتداء المفترض بالمفترض : الفرضان المتفقان في الكيفية كاليومية بعضها ببعض ، دون المختلفين كاليومية والكسوف. ومكان اقتداء المتنفل بالمفترض : اقتداء الصبي بالبالغ ، ومعيد صلاته بمن لم يصلّ. وعكسه كاقتداء مبتدء الصلاة بالمعيد. وأماكن اقتداء المتنفل بالمتنفل : صلاة المعيد خلف المعيد ، والاقتداء في صلاة العيد على بعض الوجوه ، والاستسقاء ، والغدير.

والقول بجواز الاقتداء في النافلة مطلقا مجهول القائل ، وفي الأخبار دلالة عليه ، وقد أوردنا طرفا منها فيما سبق (١).

قوله : ( ويستحب أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا ، وخلفه إن كانوا جماعة ).

المراد بالجماعة ما فوق الواحد ، والمستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه » (٢).

قال في المنتهى : وهذا الموقف سنة ، فلو خالف بأن وقف الواحد على يسار الإمام أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع (٣). وحكى في المختلف عن ابن الجنيد القول بالبطلان مع المخالفة (٤) ، وهو ضعيف.

وروى الشيخ في التهذيب ، عن الحسين بن يسار المدائني : أنه سمع من يسأل الرضا عليه‌السلام عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا‌

__________________

(١) راجع ص ٣١٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٣٧٦.

(٤) المختلف : ١٦٠.

٣٣٨

أو امرأة.

______________________________________________________

يعلم ، كيف يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال : « يحوله عن يمينه » (١).

قوله : ( أو امرأة ).

المراد أنه يستحب للمرأة فما فوقها التأخر عن الإمام إذا كان رجلا. ولو قلنا بتحريم المحاذاة وجب التأخر ، لكنا قد بينا ضعفه فيما سبق (٢).

وتدل على الاستحباب روايات ، منها : ما رواه الشيخ ، عن أبي العباس ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم المرأة في بيته ، قال : « نعم ، تقوم وراءه » (٣).

وعن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يؤم المرأة ، قال : « نعم تكون خلفه » وعن المرأة تؤم النساء ، قال : « نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن » (٤).

وعن القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد معهما النساء ، قال : « يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما » (٥).

وينبغي للمرأة الواحدة مع التأخر الوقوف إلى جهة يمين الإمام ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الفضيل بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلي المكتوبة بأم علي؟ قال : « نعم ، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩٠ ، الوسائل ٥ : ٤١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٤ ح ٢.

(٢) في ج ٣ ص ٢٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٥٨ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٢.

٣٣٩

ولو كان الإمام امرأة وقفت النساء إلى جانبها وكذا إذا صلى العاري بالعراة جلس وجلسوا في سمته لا يبرز إلا بركبتيه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان الإمام امرأة وقفت النساء إلى جانبها ).

بمعنى أن لا يتأخرن عنها ، ولو احتجن إلى أزيد من صفّ وقفت التي تؤم وسط الصف الأول غير بارزة عنه. قال في المعتبر : وعلى ذلك اتفاق القائلين بإمامة النساء (١).

وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء ، فقال : « إذا كن جميعا أمّتهن في النافلة فأما المكتوبة فلا ، ولا تقدمهن ، ولكن تقوم وسطا منهن » (٢).

قوله : ( وكذا لو صلى العاري بالعراة جلس وجلسوا في سمته لا يبرز إلا بركبتيه ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : « يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس » (٣).

وإطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي تعين الجلوس عليهم مع أمن المطلع وبدونه. وقيل بوجوب القيام مع أمن المطلع ، واختاره الشارح (٤). وهو ضعيف.

والأصح أنه يجب على الجميع الإيماء للركوع والسجود ، كما اختاره الأكثر‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٣ ، وج ٣ : ١٧٨ ـ ٤٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ٤٤.

٣٤٠