مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

العصر ثمّ سلم ثمّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلم ثمّ قم فصل العشاء الآخرة ، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصل الغداة وأذّن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمّ بالغداة ثمّ صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك صلاة الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ، ثمّ صلّ المغرب والعشاء ابدأ بأوّلهما لأنّهما جميعا قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس » قال ، قلت : لم ذاك؟ قال : « لأنّك لست تخاف فوته » (١) قال الشيخ في الخلاف : جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله (٢).

والجواب أما عن الإجماع فبالمنع منه في موضع النزاع ، خصوصا مع مخالفة ابني بابويه اللذين هما من أجلاء هذه الطائفة (٣) ، واحتمال وجود المشارك لهم في الفتوى.

وأما عن الاحتياط فبأنه إنّما يفيد الأولوية لا الوجوب ، مع أنّه معارض بأصالة البراءة.

وأما قولهم : إنّ الأوامر المطلقة للفور ، فممنوع ، بل الحق أنّها إنّما تدل على طلب الماهية من غير إشعار بفور ولا تراخ.

قال في المعتبر : ولو قالوا ادعى المرتضى أنّ أوامر الشرع على التضييق ، قلنا : يلزمه ما عمله ، وأما نحن فلا نعلم ما ادعاه. على أنّ القول بالتضييق‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ ، أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١ وأوردها في الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ١.

(٢) الخلاف ١ : ١٣٦.

(٣) راجع ص ٢٩٨.

٣٠١

______________________________________________________

يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة أن يأكل شبعا ، أو ينام زائدا على الضرورة ، أو يتعيش إلاّ لاكتساب قوت يومه له ولعياله ، وأنّه لو كان معه درهم ليومه حرم عليه الاكتساب حتى تخلو يده ، والتزام ذلك مكابرة صرفة ، والتزام سوفسطائي. ولو قيل : قد أشار أبو الصلاح الحلبي إلى ذلك ، قلنا : فنحن نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكره ، فإن أكثر الناس يكون عليهم صلوات كثيرة ، فإذا صلى الإنسان منهم شهرين في يومه استكثره الناس (١).

وأما الآية فلو سلم اختصاصها بالفائتة لم تدل على أزيد من الوجوب ، ونحن نقول به ، ولا يلزم منه التضييق ، مع أن الظاهر تناولها للحاضرة والفائتة ، وذلك كاف في الاستدلال بها على وجوب الفائتة.

وذكر المفسرون (٢) أن معنى قوله تعالى ( لِذِكْرِي ) أنّ الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل اللسان والقلب بذكره. وقيل : إنّ المراد لذكري خاصة ، لا ترائي بها ولا تشبها بذكر غيري (٣). وقيل : إنّ المراد لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها (٤). وهذه الوجوه كلها آتية في مطلق الصلاة الحاضرة والفائتة.

وأما عن الرواية فبالحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان المتضمنة للأمر بتقديم الحاضرة على الفوائت المتعددة (٥) ، وإعمال الدليلين أولى من اطراح أحدهما ، خصوصا مع اشتهار استعمال الأوامر في الندب.

واعلم أنّ العلامة في المختلف استدل برواية زرارة المتقدمة على وجوب تقديم فائتة اليوم ثمّ قال : لا يقال هذا الحديث يدل على وجوب الابتداء بالقضاء في اليوم الثاني ، لأنه عليه‌السلام قال : « وإن كان المغرب والعشاء قد‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٠٨.

(٢) منهم الشيخ في التبيان ٧ : ١٦٥ ، والطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٥ ، والزمخشري في الكشاف ٣ : ٥٥.

(٣) كما في الكشاف ٣ : ٥٥ ، وتفسير أبي السعود ٢ : ٨.

(٤) كما في الكشاف ٣ : ٥٥ ، وروح المعاني ١٦ : ١٧١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

٣٠٢

ولو كان عليه صلاة فنسيها وصلى الحاضرة لم يعد. ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة.

______________________________________________________

فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة » إن كان الأمر للوجوب وإلاّ سقط الاستدلال به ، لأنا نقول : جاز أن يكون للوجوب في الأول دون الثاني لدليل ، فإنه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا كونه للوجوب في كل شي‌ء (١).

وهو جيد ، لكن مقتضى قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم فيمن نسي صلاة النهار : « يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (٢) حمل الأمر بتقديم الفائتة مع التعدد إذا ذكرها في يوم الفوات على الندب أيضا ، جمعا بين الأدلة. والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة ) (٣).

وجوبا عند من قال بتقديم الفائتة ، واستحبابا عند القائل بالتوسعة. وإنما يعدل إلى السابقة مع بقاء محل العدول ، وذلك حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة.

وربما ظهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة : « إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع » (٤) تحقق العدول بعد الفراغ أيضا.

وحملها الشيخ في الخلاف على أن المراد بالفراغ ما قاربه (٥). وردّه المصنف‌

__________________

(١) المختلف : ١٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦.

(٣) بدل ما بين القوسين في « م » ، « ض » ، « ح » : ولو كان عليه. لا خلاف في صحة الحاضرة إذا أوقعها قبل الفائتة على وجه النسيان ، ومع الذكر في الأثناء يعدل إلى السابقة.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ١٣٦.

٣٠٣

ولو صلى الحاضرة مع الذكر أعاد. ولو دخل في نافلة وذكر أن عليه فريضة استأنف الفريضة.

ويقضي صلاة السفر قصرا ولو في الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو في السفر.

______________________________________________________

في المعتبر بأنه بعيد جدا ، قال : بل يلزمه العمل بالخبر إن صححه وإلاّ أطرحه (١). وهو كذلك.

قوله : ( ولو صلى الحاضرة مع الذكر أعاد ).

بناء على القول بوجوب تقديم الفائتة وإلاّ فلا إعادة.

قوله : ( ولو دخل في نافلة وذكر أن عليه فريضة استأنف الفريضة ).

الأصح جواز النافلة لمن في ذمته فريضة مطلقا. وقد بينا ذلك فيما سبق (٢).

قوله : ( ويقضي صلاة السفر قصرا ولو في الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو في السفر ).

هذا مذهب العلماء كافة إلاّ من شذ (٣). ويدل عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فليقضها كما فاتته » (٤) وما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة قال ، قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر فقال : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر » (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤١٠.

(٢) في ج ٣ ص ٨٧.

(٣) وهو الشافعي في الأم ١ : ١٨٢.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ وج ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

٣٠٤

وأما اللواحق ، فمسائل :

الأولى : من فاتته فريضة من الخمس غير معيّنة قضى صبحا ومغربا وأربعا عما في ذمّته ، وقيل يقضي صلاة يوم ، والأول مرويّ ، وهو أشبه.

______________________________________________________

وروى زرارة أيضا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، من نسي أربعا فليقض أربعا ، مسافرا كان أو مقيما ، وإن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر ، مسافرا كان أو مقيما » (١).

ولو حصل الفوات في أماكن التخيير احتمل ثبوته في القضاء لإطلاق قوله عليه‌السلام : « يقضي ما فاته كما فاته » (٢) ، وتعيّن القصر لأنه فرض المسافر ، وهو أحوط.

قوله : ( وأما اللواحق ، فمسائل ، الأولى : من فاتته فريضة من الخمس غير معيّنة قضى صبحا ومغربا وأربعا عما في ذمّته ، وقيل يقضي صلاة يوم ، والأولى مرويّ ، وهو الأشبه ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من الاكتفاء بقضاء الفرائض الثلاث لمن فاتته فريضة مجهولة من الخمس مذهب الشيخين (٣) ، وابني بابويه (٤) ، وابن الجنيد (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وحكى فيه الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٨٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٨ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلاة ب ٦ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢٤ ، والشيخ في النهاية : ١٢٧ ، والخلاف ١ : ١٠٤ ، والمبسوط ١ : ١٢٧.

(٤) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٣١ ، والمقنع : ٣٢ ، ونقله عنهما في المختلف : ١٤٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٤٨.

(٦) السرائر : ٥٩.

(٧) الخلاف ١ : ١٠٤.

٣٠٥

ولو فاته من ذلك مرات لا يعلمها قضى حتى يغلب على ظنه أنه وفى.

______________________________________________________

والقول بوجوب قضاء الخمس لأبي الصلاح (١) ، وابن حمزة (٢). والمعتمد الأول.

لنا : أن الواجب عليه صلاة واحدة لكن لما كانت غير متعينة ، والزيادة والنقيصة في الصلاة مبطلة ، وجب عليه الإتيان بالثلاث لدخول الواجب في أحدها يقينا ، والأصل براءة الذمة من الزائد. ويؤيده رواية علي بن أسباط ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من نسي صلاة من صلاة يومه ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا » (٣).

احتج القائلون بوجوب الخمس بأنه يجب عليه قضاء الفائتة ، ولا يعلم الإتيان بها إلا بقضاء الخمس ، فيجب من باب المقدمة (٤).

والجواب بالمنع من توقف الإتيان بالواجب على الخمس ، لحصوله بالثلاث كما بيناه.

قوله : ( ولو فاته من ذلك مرات لا يعلمها قضى حتى يغلب على ظنه أنه وفى ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، ولم نقف فيه على نصّ بالخصوص.

واحتج عليه في التهذيب بصحيحة عبد الله بن سنان الدالة على استحباب قضاء ما يغلب على الظن فواته من النوافل (٥).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥٠.

(٢) لم نجده في الوسيلة ، ولعله تصحيف عن ابن زهرة كما قال في المختلف : ١٤٨ ، وهو موجود في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٧ ـ ٧٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣٦٥ أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ١.

(٤) حكاه عنهم في المختلف : ١٤٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٨ ـ ٧٧٨ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٢ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٤٥٣ ـ ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ـ ١٥٧٧ ، المحاسن : ٣١٥ ـ ٣٣.

٣٠٦

الثانية : إذا فاتته صلاة معيّنة ولم يعلم كم مرّة كرّر من تلك الصلاة حتى يغلب عنده الوفاء ، ولو فاتته صلوات لا يعلم كميّتها ولا عينها صلى أياما متوالية حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة.

______________________________________________________

واعترضه جدي ـ قدس‌سره ـ بأن النوافل أدنى مرتبة من الفرائض ، فلا يلزم من الاكتفاء فيها بالظن الاكتفاء في الفرائض بذلك (١).

ويمكن الجواب عنه بأن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ إنما استدل بالرواية على وجوب القضاء إلى أن يغلب على الظن الوفاء لا على الاكتفاء بالظن ، فإنه يكفي في عدم اعتبار ما زاد عليه عدم تحقق الفوات.

نعم : يرد على هذا الاستدلال أن قضاء النوافل على هذا الوجه إنما هو على وجه الاستحباب فلا يلزم منه وجوب قضاء الفريضة كذلك.

واحتمل العلامة في التذكرة الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة (٢). وهو متجه ، لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات ، ولأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يترك الصلاة ، ويؤيده حسنة زرارة والفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلها صليتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن ، وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت » (٣).

قوله : ( الثانية ، إذا فاتته صلاة معيّنة ولم يعلم كم مرّة كرّر من تلك الصلاة حتى يغلب عنده الوفاء ، ولو فاتته صلوات لا يعلم كميّتها ولا عينها صلى أياما متوالية حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة ).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٥٩.

(٢) التذكرة ١ : ٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٥ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٣٠٧

الثالثة : من ترك الصلاة مرّة مستحلا قتل إن كان ولد مسلما ، واستتيب إن كان أسلم عن كفر ، فإن امتنع قتل. فإن ادعى الشبهة المحتملة درئ عنه الحدّ. وإن لم يكن مستحلا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد ثالثة قتل ، وقيل : بل في الرابعة ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

قد يسأل عن الوجه في اشتراط العلم هنا والاكتفاء فيما قبله بغلبة‌ الظن ، ولا يمكن الجواب عنه إلا بحمل العلم هنا على ما يتناول الظن. والبحث المتقدم آت هنا بعينه.

قوله : ( الثالثة ، من ترك الصلاة مرّة مستحلا قتل إن كان ولد مسلما ، واستتيب إن كان أسلم عن كفر ، فإن امتنع قتل ).

الوجه في ذلك أن الصلاة مما علم ثبوتها من دين الإسلام ضرورة ، فيكون إنكارها من المسلم ارتدادا ، ومن حكم المرتد أنه يقتل إن كان ولد مسلما ، ويستتاب إن أسلم عن كفر ، فإن امتنع قتل. وقد ورد في عدة أخبار صحيحة أن تارك الصلاة كافر (١) ، ذكرنا طرفا منها في أول كتاب الصلاة ، وهي خالية من قيد الاستحلال. وفي حكم ترك الصلاة ترك شرط أو جزء ضروري. كالطهارة والركوع ، أما غيره كقراءة الفاتحة والطمأنينة الواجبة فلا يقتل مستحل تركه. والحكم مختص بالذكر ، أما المرأة فلا تقتل بذلك كما لا تقتل بمطلق الارتداد ، بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.

قوله : ( فإن ادعى الشبهة المحتملة درئ عنه الحدّ ).

تتحقق الشبهة المحتملة بقرب عهده بالإسلام ، أو سكناه في بادية يمكن في حقه عدم علم وجوبها ، أو دعوى النسيان في إخباره عن الاستحلال ، أو الغفلة ، أو تأويل الصلاة بالنافلة ، ونحو ذلك.

قوله : ( وإن لم يكن مستحلا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد ثالثة قتل ، وقيل : بل في الرابعة ، وهو الأحوط ).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٨ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١١.

٣٠٨

______________________________________________________

القول للشيخ رحمه‌الله في المبسوط ، واستدل عليه بما روي عنهم‌ عليهم‌السلام : « ان أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة » (١) قال : وذلك عام في جميع الكبائر (٢). وروى أيضا في الخلاف مرسلا عنهم عليهم‌السلام : « إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة » (٣). ولا ريب أن الاحتياط يقتضي التأخير إلى الرابعة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٩.

(٢) المبسوط ١ : ١٢٩.

(٣) الخلاف ١ : ٢٧٨.

٣٠٩

الفصل الثّالث :

في الجماعة

والنظر في أطراف :

الأول : الجماعة مستحبة في الفرائض كلّها ، وتتأكد في الصلاة المرتّبة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثّالث ، في الجماعة : والنظر في أطراف ، الأول : الجماعة مستحبة في الفرائض كلّها ، وتتأكد في الصلاة المرتّبة ).

أما استحباب الجماعة في الفرائض كلها فقال في المنتهى : إنه مذهب علمائنا أجمع (١). ويندرج في الفرائض : اليومية وغيرها ، المؤداة والمقضية حتى المنذورة. وصلاة الاحتياط ، وركعتا الطواف. وفي استفادة هذا التعميم من الأخبار نظر.

وأما تأكد الاستحباب في الصلاة المرتبة ـ وهي اليومية ـ فهو من ضروريات الدين ، قال الله عزّ وجلّ في كتابه المبين ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ ) (٢).

وروينا في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفرد بأربع وعشرين درجة تكون خمسا وعشرين درجة » (٣).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٦٣.

(٢) البقرة : ٤٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٥ ، ثواب الأعمال : ٦٣ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١.

٣١٠

______________________________________________________

وفي الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة فقال : « صدقوا » فقلت : الرجلان يكونان جماعة؟ فقال : « نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الإمام » (١).

وعن محمد بن عمارة ، قال : أرسلت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرجل يصلي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال : « الصلاة في جماعة أفضل » (٢) ويستفاد من هذه الرواية أن الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأنه قد روي أن الصلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة (٣).

وقد استفاضت الروايات بالنهي الأكيد عن تركها ، فروى الشيخ في التهذيب بسند معتبر ، عن الثقة الجليل عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره ، فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته » (٤).

وعن عبد الله بن أبي يعفور أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم ولا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٢ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٢ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣ ـ ٦٣ ، كامل الزيارات : ٢٩ ـ ٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢٤ أبواب أحكام المساجد ب ٤٤ ح ١١.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٤١ ـ ٥٩٦ ، الإستبصار ٣ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١ وص ٢٨٩ ح ٢.

٣١١

______________________________________________________

يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال : يا رسول الله إني ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة » (١).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إن أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبطئوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق بيوتهم » (٢).

وروى عبد الله بن سنان أيضا في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، سمعته يقول : « صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفجر فأقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس يسميهم بأسمائهم فقال : هل حضروا الصلاة؟ فقالوا : لا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أغيّب هم؟ فقالوا : لا فقال : أما إنه ليس من صلاة أشد على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ، ولو علموا أي فضل فيهما لأتوهما ولو حبوا » (٣) والأخبار الواردة في ذلك أكثر من أن تحصى.

فائدة : يستحب حضور جماعة أهل الخلاف (٤) استحبابا مؤكدا ، فروى ابن بابويه في الصحيح ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : « يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم ، صلوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٩٧ ، التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٦ ، المحاسن : ٨٤ ـ ٢١ ، عقاب الأعمال : ٢٧٥ ـ ١ ، أمالي الصدوق : ٣٩٢ ـ ١٥ بتفاوت يسير ، الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣ ح ١.

(٤) في « ح » زيادة : للتقية.

٣١٢

ولا تجب إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط.

______________________________________________________

فافعلوا ، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية ، رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه » (١).

وفي الصحيح عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصف الأول » (٢).

وفي الصحيح عن حفص بن البختري ، عنه عليه‌السلام أنه قال : « يحسب لك إذا دخلت معهم وإن كنت لا تقتدي بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي به » (٣).

ويستحب صلاة المكتوبة في المنزل أولا ثم حضور جماعتهم والصلاة معهم نافلة أو قضاء ، لما في ذلك من تأدي التقية والإتيان بالفريضة على أكمل الأحوال ، ولما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ما من عبد يصلي في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة » (٤).

وفي الصحيح عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوض إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة ، فارغبوا في ذلك » (٥).

قوله : ( ولا تجب إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥١ ـ ١١٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٦ ، أمالي الصدوق : ٣٠٠ ـ ١٤ بتفاوت في السند ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٣ ـ ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥١ ـ ١١٢٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ـ ٧٥٢ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ١.

٣١٣

ولا تجوز في شي‌ء من النوافل ، عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب.

______________________________________________________

المراد أنها لا تجب بالأصل إلا في هذين الموضعين فلا ينافي ذلك وجوبها‌ بالعارض كالنذر وما يجري مجراه ، وكما في جاهل القراءة إذا عجز عن التعلم وأمكنه الائتمام ، وخالف في ذلك أكثر العامة ، فقال بعضهم (١) : إنها فرض على الكفاية في الصلوات الخمس ، وقال آخرون : إنها فرض على الأعيان (٢) ، وقال بعض الحنابلة (٣) : إنها شرط في الصلاة تبطل بفواتها كسائر الشروط والواجبات.

ويدل على انتفاء الوجوب مضافا إلى الأصل وإجماع الطائفة صحيحة زرارة والفضيل قالا ، قلنا له : الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال : « الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنها سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له » (٤).

قوله : ( ولا تجوز في شي‌ء من النوافل ، عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب ).

أما استحباب الجماعة في صلاة العيدين ـ مع اختلال شرائط الوجوب ـ والاستسقاء (٥) فقد تقدم الكلام فيه مفصلا (٦). وأما أنه لا تجوز الجماعة في غيرهما من النوافل فقال في المنتهى : إنه مذهب علمائنا أجمع (٧) ، واستدل بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل ، عن الصادقين‌

__________________

(١) منهم الفيروزآبادي في المهذب ١ : ٩٣.

(٢) كابن رشد في بداية المجتهد ١ : ١٤٤.

(٣) كابني قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٢ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٢.

(٥) ليست في « ض » ، « م ».

(٦) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : وأما في الاستسقاء فموضع وفاق ويدل عليه التأسي والأخبار الكثيرة ، وقد تقدم طرف منها فيما سبق.

(٧) المنتهى ١ : ٣٦٤.

٣١٤

______________________________________________________

عليهما‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة » (١).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وسماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في نافلة رمضان : أيها الناس إن هذه الصلاة نافلة ، ولن يجتمع للنافلة ، فليصل كل رجل منكم وحده وليقل ما علمه الله من كتابه ، واعلموا أنه لا جماعة في نافلة » (٢).

وفي هذا الاستدلال نظر ، لقصور الرواية الأولى عن إفادة العموم ، وضعف سند الثانية باشتماله على محمد بن سليمان الديلمي وغيره.

وربما ظهر من كلام المصنف فيما سيأتي أن في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة مطلقا. وقال في الذكرى : لو صلى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة ، أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض ، أو متنفل براتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع (٣). وهذا الكلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا.

وقد ورد بالجواز روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : « صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني أفعله » (٤).

وفي الصحيح ، عن هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٦٩ ـ ٢٢٦ ، الإستبصار ١ : ٤٦٧ ـ ١٨٠٧ ، الوسائل ٥ : ١٩١ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٦٤ ـ ٢١٧ ، الإستبصار ١ : ٤٦٤ ـ ١٨٠١ ، الوسائل ٥ : ١٨١ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٦.

(٣) الذكرى : ٢٦٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٦٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٣.

٣١٥

وتدرك الصلاة جماعة بإدراك الركوع ، وبإدراك الإمام راكعا على الأشبه. وأقل ما تنعقد باثنين ، الإمام أحدهما.

______________________________________________________

المرأة تؤم النساء فقال : « تؤمهن في النافلة ، فأما في المكتوبة فلا » (١) ونحوه روى أيضا في الصحيح ، عن الحلبي (٢) ، وسليمان بن خالد (٣) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

ومن هنا يظهر أن ما ذهب إليه بعض الأصحاب (٤) من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد. وإن لم يرد فيها نص على الخصوص ، مع أن العلامة نقل في التذكرة عن أبي الصلاح أنه روى استحباب الجماعة فيها (٥) ، ولم نقف على ما ذكره.

قوله : ( وتدرك الصلاة جماعة بإدراك الركوع ، وبإدراك الإمام راكعا على الأشبه ).

أما إدراك الركعة بإدراك الركوع فعليه اتفاق العلماء. وأما بإدراك الإمام راكعا فهو أحد القولين في المسألة وأظهرهما ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه (٦) ، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في الجمعة (٧) فلا نعيده.

قوله : ( وأقل ما تنعقد باثنين ، الإمام أحدهما ).

هذا قول فقهاء الأمصار ، قاله في المنتهى (٨) وتدل عليه حسنة زرارة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٥ ، الإستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٦٨ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٢.

(٤) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٦٠ ، والشهيد الأول في اللمعة : ٤٧.

(٥) التذكرة ١ : ٧٣.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥.

(٧) راجع ص ١٧.

(٨) المنتهى ١ : ٣٦٤.

٣١٦

ولا تصحّ مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة ،

______________________________________________________

المتقدمة (١) ، وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه » (٢).

ورواية الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن أقل ما تكون الجماعة ، قال : « رجل وامرأة ، وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة » (٣) ومعنى كون المؤمن وحده جماعة : أنه إذا طلب الجماعة فلم يجدها تكون صلاته على الانفراد مساوية لصلاته جماعة في الثواب ، تفضلا من الله تعالى ، ومعاملة له بمقتضى نيته.

قوله : ( ولا تصحّ مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، والمستند فيه ما رواه الشيخ في الحسن ، وابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة ، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب. قال : وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون ، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة » (٤).

واحترز المصنف بقوله : « ولا تصح مع حائل يمنع المشاهدة عما لا يمنع من ذلك ، كالحائل القصير الذي لا يمنع المشاهدة في حال القيام ، وكالشبابيك‌

__________________

(١) الكافي : ٣١١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٩٥ ، وفي التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٧ ، أوردا صدر الحديث.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢ ح ٢.

٣١٧

______________________________________________________

التي تمنع الاستطراق دون المشاهدة.

وقال الشيخ في الخلاف (١) : من صلى وراء الشبابيك لا تصح صلاته مقتديا بصلاة الإمام الذي يصلي داخلها ، واستدل بصحيحة زرارة (٢). وكأن موضع الدلالة فيها النهي عن الصلاة خلف المقاصير ، فإن الغالب فيها أن تكون مشبكة.

وأجاب عنه في المختلف بجواز أن تكون المقاصير المشار إليها فيها غير مخرمة (٣).

قيل : وربما كان وجه الدلالة إطلاق قوله عليه‌السلام : « إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام » فإنّ ما لا يتخطى يتناول الحائط والشبابيك التي تكون كذلك وغيرهما. وهو بعيد جدا ، لأن المراد عدم التخطي بواسطة التباعد لا باعتبار الحائل كما يدل عليه ذكر حكم الحائل بعد ذلك. ولا ريب أن الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكره الشيخ رحمه‌الله.

فروع :

الأول : لو لم يشاهد بعض المصلين الإمام وشاهد بعض المأمومين صحت صلاته ، وإلا لبطلت صلاة الصف الثاني وما بعده إذا لم يشاهدوا الإمام وهو معلوم البطلان. قال في المنتهى : ولا نعرف فيه خلافا (٤).

الثاني : لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح بحيث يشاهد الإمام أو بعض المأمومين صحت صلاته وصلاة من على يمينه وشماله ووراءه ، لأنهم يرون من يرى الإمام.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢١٤.

(٢) المتقدمة في ص ٣١٧.

(٣) المختلف : ١٥٩.

(٤) المنتهى ١ : ٣٦٥.

٣١٨

إلا أن يكون المأموم امرأة.

______________________________________________________

ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يسارها لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام : « فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب » (١) والظاهر أن الحصر إضافي بالنسبة إلى من كان عن يمين الباب ويسارها كما ذكرناه.

الثالث : منع أبو الصلاح (٢) وابن زهرة (٣) من حيلولة النهر بين الإمام والمأموم : فإن أرادا به ما لا يمكن تخطيه من ذلك كان جيدا ، لإطلاق صحيحة زرارة المتقدمة ، وإن لم يعتبرا فيه هذا القيد طولبا بالدليل على الإطلاق.

قوله : ( إلا أن يكون المأموم امرأة ).

المراد أنه لا تصح الصلاة مع وجود الحائل الذي يمنع المشاهدة بين الإمام والمأموم مطلقا ، إلا إذا كان الإمام رجلا والمأموم امرأة ، فإنه يجوز ائتمامها به مع وجود الحائل. ويدل على الجواز ـ مضافا إلى الأصل والعمومات وعدم ظهور تناول الرواية المانعة (٤) لهذه الصورة ـ رواية عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء ، هل يجوز لهنّ أنّ يصلين خلفه؟ قال : « نعم ، إن كان الإمام أسفل منهنّ » قلت : فإنّ بينهنّ وبينه حائطا أو طريقا ، قال : « لا بأس » (٥).

وقال ابن إدريس في سرائره : قد وردت رخصة للنساء أن يصلين وبينهن وبين الإمام حائط ، والأول أظهر وأصح (٦). وعنى به مساواة الرجال ولا ريب أنه أحوط.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٥ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ـ ١٨٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٩ ح ١.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٤) وهي صحيحة زرارة المتقدمة.

(٥) التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٠ ح ١.

(٦) السرائر : ٦٢.

٣١٩

ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم بما يعتدّ به كالأبنية على تردد ، ويجوز أن يقف على علوّ من أرض منحدرة ، ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم بما يعتدّ به كالأبنية على تردد ، ويجوز أن يقف على علوّ من أرض منحدرة ، ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزا ).

الأصل في هذه الأحكام ما رواه الشيخ وابن بابويه في الموثق ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه فقال : « إن كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل (١) ، فإن كانت أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس » قال : وسئل فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه ، قال : « لا بأس » وقال : « إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشي‌ء كثير » (٢).

وهذه الرواية ضعيفة السند ، متهافتة المتن ، قاصرة الدلالة ، فلا يسوغ التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل. ومن ثم تردد [ فيه ] (٣) المصنف رحمه‌الله ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى كراهة كون الإمام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية (٤) ، وهو متجه.

أما علوّ المأموم فقد قطع الأصحاب بجوازه ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا‌

__________________

(١) في الفقيه : بقطع سيل ، وفي التهذيب : بقدر شبر ، والموجود كما في الكافي والوسائل.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٥ ، الوسائل ٥ : ٤٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٣ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٣٨٦ ـ ٩.

(٣) أثبتناه من « م » ، « ح ».

(٤) الخلاف ١ : ٢١٧.

٣٢٠