مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وموضعهما بعد التسليم للزيادة والنقصان ، وقيل : قبله ، وقيل : بالتفصيل ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ليتبعوه » (١).

والجواب أولا : بالطعن في السند ، وثانيا : بمنع الدلالة ، فإنه متبوع في أفعال الصلاة دون غيرها.

قوله : ( وموضعهما بعد التسليم للزيادة والنقصان ، وقيل : قبله ، وقيل : بالتفصيل ، والأول أظهر ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من أنّ موضع سجدتي السهو بعد التسليم للزيادة والنقصان قول معظم الأصحاب ، وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة ابن أبي يعفور الواردة في نسيان التشهد ، حيث قال فيها : « وإن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم » (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلّم بعدهما » (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتم صلاته ، ثمّ يسجد سجدتين » فقلت : سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال : « بعد » (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٠١ ، ١٧٧ ، وج ٢ : ٥٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ـ ٤١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ـ ٨٤٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٦ ، التهذيب ٢ : ١٥٩ ـ ٦٢٤ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهد ب ٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٦ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٥ ، الإستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ١.

٢٨١

وصورتهما أن يكبّر مستحبا ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ، ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ويتشهد تشهدا خفيفا ثم يسلّم.

______________________________________________________

ورواية عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : « سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام » (١).

والقول بأنهما قبل التسليم منقول عن بعض علمائنا ، ولم نظفر بقائله. وربما كان مستنده ما رواه الشيخ ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : متى أسجد سجدتي السهو؟ قال : « قبل التسليم ، فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك » (٢) وضعف هذه الرواية يمنع من العمل بها (٣).

والقول بالتفصيل وأن محله للنقصان قبل التسليم وللزيادة بعده لابن الجنيد (٤). ويدل عليه ما رواه الشيخ عن سعد بن سعد الأشعري قال ، قال الرضا عليه‌السلام في سجدتي السهو : « إذا نقصت قبل التسليم ، وإذا زدت بعده » (٥).

وأجاب الشيخ في الاستبصار عن هاتين الروايتين بالحمل على ضرب من التقية ، لأنهما موافقتان لمذاهب كثير من العامة. وهو حسن.

قوله : ( وصورتهما ، أن يكبّر مستحبا ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ويتشهد تشهدا خفيفا ثم يسلّم ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٨ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٣٨ ، الوسائل ٥ : ٣١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٧٠ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤٠ ، الوسائل ٥ : ٣١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٥.

(٣) وجهه أن زياد بن المنذر الذي يكنى بأبي الجارود زيدي المذهب ، وإليه تنسب الزيدية الجارودية ـ راجع الفهرست : ٧٢ ، وأن محمد بن سنان ضعيف.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٤٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٩ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٣٩ ، الوسائل ٥ : ٣١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٤.

٢٨٢

______________________________________________________

أما استحباب التكبير قبل السجود فذكره الشيخ (١) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه ابن بابويه في الموثق ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : « لا ، إنما هما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ، ليعلم من خلفه أنه قد سها. وليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين » (٢) وهي إنما تدل على اختصاص الاستحباب بالإمام ، مع أنها ضعيفة السند.

وأما وجوب التشهد والتسليم فقال المصنف في المعتبر (٣) ، والعلامة في المنتهى (٤) : إنه قول علمائنا أجمع ، واستدلا على وجوب التشهد بقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تشهد فيهما تشهدا خفيفا » (٥) وعلى وجوب التسليم بقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما » (٦).

وقال العلامة في المختلف : الأقرب عندي أن ذلك كله للاستحباب ، بل الواجب فيه النية لا غير ، واستدل بأصالة البراءة ، ورواية عمار المتقدمة (٧).

ويؤيده انتفاء الأمر بالتسليم في الرواية الأولى ، والتشهد في الثانية ، مع ورودهما في مقام البيان.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ٩٩٦ ، الوسائل ٥ : ٣٣٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٠١.

(٤) المنتهى ١ : ٤١٨.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٩ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٥ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٢.

(٧) المختلف : ١٤٣.

٢٨٣

وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد. ولو وجب هل يتعين لفظ؟ الأشبه لا.

______________________________________________________

ويجب فيهما السجود على الأعضاء السبعة ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، لأنه المعهود من لفظ السجود في الشرع فينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق. وفي وجوب الطهارة والستر والاستقبال قولان ، أحوطهما الوجوب.

قوله : ( وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد. ولو وجب هل يتعين لفظ؟ الأشبه لا ).

منشأ التردد من إطلاق قوله عليه‌السلام : « فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما » وقوله عليه‌السلام : « واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » وغير ذلك من الأخبار الكثيرة المتضمنة لإطلاق الأمر بالسجود من غير تعرّض للذكر ، ولو كان واجبا لذكر في مقام البيان. إلا أن يقال : الواجب الذكر المعهود في مطلق السجود ، فأطلق اعتمادا على ذلك.

ويدل على عدم الوجوب صريحا رواية عمار المتقدمة (١) حيث قال فيها : « وليس عليه أن يسبح فيهما ».

ومن رواية الحلبي الصحيحة ، عن الصادق عليه‌السلام الدالة بظاهرها على الوجوب ، فإنه قال : « يقول في سجدتي السهو : بسم الله وبالله اللهم صلّ على محمد وآل محمد » قال : وسمعته مرة أخرى يقول : « بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته » (٢).

كذا في من لا يحضره الفقيه ، ورواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ بطريق حسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن عبيد الله الحلبي ، قال : سمعت أبا‌

__________________

(١) في ص ٢٨٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ٩٩٧ ، الوسائل ٥ : ٣٣٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٦ ـ ٥.

٢٨٤

ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، وعليه الإتيان بهما ولو طالت المدّة.

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام يقول في سجدتي السهو : « بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وعلى آل محمد » قال : وسمعته مرة أخرى يقول فيهما : « بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته » (١).

وضعف المصنف في النافع والمعتبر هذه الرواية بأنها منافية للمذهب من حيث تضمنها وقوع السهو من الإمام (٢) ، قال في المعتبر : ثم لو سلمناه لما وجب فيهما ما سمعه ، لاحتمال أن يكون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم.

ويمكن دفعه بأن سماع ذلك من الإمام لا يستلزم وقوع السهو منه لجواز كونه إخبارا عما يقال فيهما ، بل الظاهر أن ذلك هو المراد من الرواية ، كما تدل عليه العبارة المنقولة في الكافي ومن لا يحضره الفقيه.

وجزم المصنف في (٣) المعتبر (٤) بعدم وجوب الذكر مطلقا ، وهو غير بعيد ، وإن كان العمل بمضمون هذه الرواية أولى وأحوط.

قوله : ( ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، وعليه الإتيان بهما ولو طالت المدّة ).

هذا قول معظم الأصحاب. أما أنه لا تبطل الصلاة مع إهمالهما عمدا فظاهر ، لأن أقصى ما يستفاد من الأخبار وجوبهما ، ولا يلزم من ذلك بطلان الصلاة بالإخلال بهما.

وأما وجوب الإتيان بهما ولو طالت المدة ، فلأنه مأمور بهما مطلقا فيتوقف الامتثال على الإتيان بهما كذلك. وتدل عليه رواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل ينسى سجدتي السهو ، قال : « يسجدهما متى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٣.

(٢) المختصر النافع : ٤٥ ، والمعتبر ٢ : ٤٠١.

(٣) في « ح » ، « م » ، « ض » زيادة : النافع و.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٠٠.

٢٨٥

______________________________________________________

ذكر » (١).

وقال الشيخ في الخلاف : وهما ـ يعني السجدتين ـ واجبتان وشرط في صحة الصلاة (٢). قال في الذكرى : فعل قوله تركهما يقدح في الصحة (٣) ، وهو قول بعض العامة (٤) ، ولا ريب في ضعفه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٠.

(٣) الذكرى : ٢٣٠.

(٤) كابن رشد في بداية المجتهد ١ : ١٩١.

٢٨٦

الفصل الثاني

في قضاء الصلوات

والكلام في : سبب الفوات ، والقضاء ، ولواحقه.

أما السبب : فمنه ما يسقط معه القضاء وهو سبعة : الصغر ، والجنون ، والإغماء على الأظهر ،

______________________________________________________

قوله : ( أما السبب ، فمنه ما يسقط معه القضاء وهو سبعة : الصغر. والجنون. والإغماء على الأشهر ).

أما سقوط القضاء عن الصغير والمجنون بعد البلوغ والإفاقة فمتفق عليه بين المسلمين ، وإنما الخلاف في المغمى عليه ، فذهب الأكثر إلى أنه لا يجب عليه القضاء إذا استوعب الإغماء الوقت ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كصحيحة أبي أيوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل أغمي عليه أياما لم يصلّ ، ثم أفاق ، أيصلي ما فاته؟ قال : « لا شي‌ء عليه » (١).

وصحيحة أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر ، هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » (٢).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال : « لا ، إلاّ الصلاة التي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤١ ، التهذيب ٣ : ٣٠٣ ـ ٩٢٨ ، الإستبصار ١ : ٤٥٨ ـ ١٧٧٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٢ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٢ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ـ ٩٢٤ ، الإستبصار ١ : ٤٥٧ ـ ١٧٧١ ، الوسائل ٥ : ٣٥٤ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٤.

٢٨٧

والحيض ، والنفاس ، والكفر الأصلي.

______________________________________________________

أفاق فيها » (١).

وفي مقابل هذه الروايات روايات أخر وردت بالأمر بالقضاء مطلقا ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يغمى عليه ثم يفيق ، قال : « يقضي ما فاته ، يؤذّن في الأول ، ويقيم في البقية » (٢) وبمضمونها أفتى ابن بابويه في المقنع (٣). وورد في بعض آخر الأمر بقضاء صلاة ثلاثة أيام (٤). وفي بعض الأمر بقضاء صلاة يوم (٥).

والجواب عن الجميع بالحمل على الاستحباب ، كما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار (٦) ، وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٧) ، توفيقا بين الأدلة.

قوله : ( والحيض. والنفاس. والكفر الأصلي ).

أما سقوط القضاء عن الحائض والنفساء فلا خلاف فيه ، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٤٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ ـ ٩٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٢ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٤ ـ ٩٣٦ ، الإستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٤ ح ٢.

(٣) المقنع : ٣٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٧١٥ ، و ٢٤٤ ـ ٧٢٣ ، الوسائل ٥ : ٣٥٧ أبواب قضاء الصلوات ب ٤ ح ٧ ، ١١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٣ ـ ٩٣٠ ، وج ٤ : ٢٤٤ ـ ٧١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨ ـ ١٧٧٧ ، و ٤٥٩ ـ ١٧٨٦ ، الوسائل ٥ : ٣٥٥ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٢٢ ، وص ٣٥ ب ٤ ح ٩ ، ١٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٠٤ ، وج ٤ : ٢٤٤ ، والاستبصار ١ : ٤٦٠.

(٧) الفقيه ١ : ٢٣٧.

(٨) في ج ١ ص ٣٦٢.

٢٨٨

______________________________________________________

وأما سقوطه عن الكافر الأصلي فموضع وفاق أيضا ، وفي الأخبار دلالة عليه ، ويستفاد من ذلك أنه لا يخاطب بالقضاء وإن كان مخاطبا بغيره من التكاليف ، لامتناع وقوعه منه في حال كفره وسقوطه بإسلامه.

واحترز بالكافر الأصلي عن المرتد ، فإنه يجب عليه قضاء زمان ردته كما سيذكره.

( ولا يلحق بالكافر الأصلي غيره من الفرق المحكوم بكفرها من المسلمين ، بل )(١) حكمهم حكم غيرهم من المخالفين في أنهم إذا استبصروا يجب عليهم قضاء الفائت دون ما أوقعوه صحيحا بحسب معتقدهم. أما وجوب قضاء الفوائت ، فلعموم الأدلة الدالة على ذلك ، المتناولة للمؤمن والمخالف (٢). وأما أنه لا يجب عليهم إعادة ما فعلوه في تلك الحال فتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متديّن ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال : « يقضي أحب إليّ » وقال : « كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » (٣).

واستشكل العلامة في التذكرة الحكم بسقوط القضاء عمن صلى منهم أو‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » : ويجب تقييد الكافر الأصلي بمن لم ينتحل الإسلام من الفرق المحكوم بكفرها ، أما من انتحله فإن.

(٢) في « ح » ، « م » زيادة : السالمة عن المعارض.

(٣) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٥ ـ ٤٧٢ ، الوسائل ١ : ٩٧ أبواب مقدمة العبادات ب ٣١ ح ١ وفيه ذيل الحديث ، وأورد صدره في ج ٨ : ٤٢ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٣ ح ١.

٢٨٩

وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم ، وقيل : يقضي عند التمكن ، والأول أشبه.

وما عداه يجب معه القضاء ، كالإخلال بالفريضة عمدا وسهوا ، عدا الجمعة والعيدين ، وكذا النوم لو استوعب الوقت.

______________________________________________________

صام ، لاختلال الشرائط والأركان (١) ، وهو مدفوع بالأخبار المستفيضة الواردة بذلك (٢) ، وإن كان الحق بطلان عباداتهم بأسرها وإن وقعت مستجمعة للشرائط المعتبرة عدا الولاية ، للأخبار الصحيحة الدالة عليه (٣). ولتفصيل الكلام في ذلك محل آخر.

قوله : ( وعدم التمكن مما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم ، وقيل : يقضي عند التمكن ، والأول أشبه ).

قد تقدم الكلام في هذه المسألة ، وأن القول بوجوب القضاء لا يخلو من قوة (٤).

قوله : ( وما عداه يجب معه القضاء ، كالإخلال بالفريضة عمدا وسهوا ، عدا الجمعة والعيدين ، وكذا النوم لو استوعب الوقت ).

أجمع العلماء كافة على أن من ترك الصلاة الواجبة مع استكمال الشرائط أو أخل بها لنوم أو نسيان يلزمه القضاء. والأصل فيه ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من نام عن صلاة نسيها فليقضها إذا ذكرها » (٥).

__________________

(١) لم نعثر عليه في باب الصلاة ولكن ذكر ذلك في باب الحج فقال : المخالف إذا حج ثم استبصر فإن لم يخلّ بشي‌ء من أركان الحج صح حجه. وإن كان قد أخلّ وجب عليه إعادة الحج ـ إلى أن قال ـ : ومع الإخلال لم يأت بالمأمور به على وجهه فبقي في عهدة التكليف. وذكر الرواية المتقدمة كدليل ـ التذكرة ١ : ٣٨٤.

(٢) الوسائل ١ : ٩٧ أبواب مقدمة العبادات ب ٣١.

(٣) الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٤) في ج ٢ ص ٢٤٣.

(٥) سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ ـ ٦٩٨ ، سنن أبي داود ١ : ١١٨ ـ ٤٣٥ ، وفي الجميع : بتفاوت يسير.

٢٩٠

ولو زال عقل المكلف بشي‌ء من قبله كالسكر وشرب المرقد وجب القضاء ، لأنه سبب في زوال العقل غالبا ،

______________________________________________________

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلى ركعتين بغير طهور ، أو نسي صلاة لم يصلها ، أو نام عنها ، قال : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار » (١).

وفي الصحيح ، عن حماد بن عثمان أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، قال : « فليصل حين يذكر » (٢).

وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها » (٣) الحديث.

وأما استثناء الجمعة والعيدين من ذلك فقد تقدم الكلام فيه مستوفى في محلهما (٤).

قوله : ( ولو زال عقل المكلف بشي‌ء من قبله كالسكر وشرب المرقد وجب القضاء ، لأنه سبب في زوال العقل غالبا ).

المراد أنه إذا زال عقل المكلف بشي‌ء من قبله ، كتناول الشي‌ء الذي يقتضي الإسكار أو النوم غالبا ، فأخل بشي‌ء من الصلوات الواجبة وجب قضاؤها ، وأسنده في الذكرى إلى الأصحاب ، واستدل عليه بأنه مسبب عن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ ، الإستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٥ : ٣٤٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٥ ـ ١٠٣٢ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٨ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الخصال : ٢٤٧ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

(٤) ص ١٥ ، ١٠٠.

٢٩١

ولو أكل غذاءا مؤذيا فآل إلى الإغماء لم يقض. وإذا ارتدّ المسلم أو أسلم الكافر ثم كفر وجب عليه قضاء زمان ردّته.

______________________________________________________

فعله (١). والاعتماد في ذلك على النصوص المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت (٢) ، المتناولة بعمومها لهذه الصورة.

قوله : ( ولو أكل غذاءا مؤذيا فآل إلى الإغماء لم يقض ).

المراد أنه إذا أكل غذاءا لم يعلم كونه مقتضيا للإغماء فاتفق أنه آل إلى ذلك لم يجب عليه قضاء ما يفوته من الصلاة في حال الإغماء. والوجه فيه إطلاق النصوص المتضمنة لسقوط القضاء عن المغمى عليه (٣).

ولو علم بكون الغذاء موجبا للإغماء قيل : وجب القضاء (٤). كتناول المسكر.

ولو شربت المرأة دواء لتحيض أو ليسقط الولد فتصير نفساء لم يجب عليها القضاء للعموم ، وبه قطع الشهيدان. وفرقا بين ذلك وبين تناول الغذاء المقتضي للإغماء بأن سقوط القضاء عنهما عزيمة لا رخصة وتخفيف ، بخلاف المغمى عليه (٥). وفي هذا الفرق نظر.

قوله : ( وإذا ارتدّ المسلم ، أو أسلم الكافر ثم كفر وجب عليه قضاء زمان ردّته ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حكاه في المنتهى (٦) ، تمسكا بمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت السالمة من المعارض. وقد يحصل التوقف في‌

__________________

(١) الذكرى : ١٣٥.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٥٢ أبواب قضاء الصلوات ب ٣.

(٤) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٢.

(٥) الشهيد الأولى في الذكرى : ١٣٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٥٥ ، والمسالك ١ : ٤٢ ، والروضة البهية ١ : ٣٤٣.

(٦) المنتهى ١ : ٤٢١.

٢٩٢

وأما القضاء : فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة ، ويستحب إذا كانت نافلة موقتة استحبابا مؤكدا ، فإن فاتت بمرض لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب.

______________________________________________________

وجوب القضاء على المرتد عن فطرة ، بل وفي غيره من العبادات إن قلنا بعده قبول توبته باطنا ، لكنه بعيد.

قوله : ( وأما القضاء ، فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة ، ويستحب إذا كانت نافلة موقتة استحبابا مؤكدا ، فإن فاتت بمرض لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب ).

أما وجوب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة فقد تقدم الكلام فيه (١).

قال في الدروس : والأصح شرعية قضاء فريضة فعلت على غير الوجه الأكمل ، إذا تخيل فيها فوات شرط أو عروض مانع (٢). وربما كان مستنده إطلاق الأوامر الواردة بالاحتياط في الدين وتوقي الشبهات (٣) ، ولا بأس به.

وأما تأكد استحباب قضاء النافلة الموقتة إذا فاتت بغير المرض فتدل عليه روايات. منها : ما رواه الكليني والشيخ في الحسن ، عن مرازم ، قال : سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : أصلحك الله إنّ عليّ نوافل كثيرة فكيف أصنع؟ قال : « اقضها » فقال : إنها أكثر من ذلك فقال : « اقضها » قال : لا أحصيها ، قال : « توخّ » قال مرازم : وكنت قد مرضت أربعة أشهر لم أتنفّل فيها ، فقلت : أصلحك الله أو جعلت فداك ، مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة ، فقال : « ليس عليك قضاء ، إن المريض ليس كالصحيح ، كما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه » (٤).

__________________

(١) في ج ٣ ص ٩٠.

(٢) الدروس : ٢٥.

(٣) الوسائل ١٨ : ١١١ أبواب صفات القاضي ب ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥١ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ١٢ ـ ٢٦ ، الوسائل ٣ : ٥٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٩ ح ١.

٢٩٣

ويستحب أن يتصدق عن كل ركعتين بمدّ ، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ.

______________________________________________________

والظاهر أنّ المنفي بقوله : « ليس عليك قضاء » تأكد الاستحباب لا أصل المشروعية ، كما تدل عليه حسنة محمد بن مسلم قال ، قلت له : رجل مرض فترك النافلة فقال : « يا محمد ليست بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله ، وإن لم يفعل فلا شي‌ء عليه » (١).

قوله : ( ويستحب أن يتصدق عن كل ركعتين بمدّ ، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ ).

الأصل في هذه المسألة ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها ، كيف يصنع؟ قال : « فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها ، فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك » ثم قال ، قلت له : فإنه لا يقدر على القضاء ، فقال : « إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلا لقي الله عزّ وجلّ وهو مستخف متهاون مضيّع لحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » قلت : فإنّه لا يقدر على القضاء ، فهل يجزئ أن يتصدق؟ فسكت مليا ثم قال : « فليتصدق بصدقة » قلت : فيما يتصدق؟ قال : « بقدر طوله وأدنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة » قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال : « لكل ركعتين من صلاة الليل ، ولكل ركعتين من صلاة النهار مد » فقلت : لا يقدر ، فقال : « مد إذن لكل أربع ركعات من صلاة النهار » قلت : « لا يقدر ، قال : « فمد إذن لصلاة الليل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٢ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣٠٦ ـ ٩٤٧ ، وفي الفقيه ١ : ٣١٦ ـ ١٤٣٥ ، الوسائل ٣ : ٥٨ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٠ ح ١ ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٢٩٤

ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيق وقت حاضرة ، وتترتب السابقة على اللاحقة ، كالظهر على العصر ، والعصر على المغرب ، والمغرب على العشاء ، سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت.

______________________________________________________

والصلاة أفضل والصلاة أفضل » (١) ولا يخفى قصور العبارة عن تأدية ما تضمنته الرواية.

قوله : ( ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيق وقت حاضرة ).

المراد أن الفائتة الواحدة يجب قضاؤها وقت الذكر مقدما على الحاضرة ما لم يتضيق وقت الحاضرة ، دون المتعددة ، فإنه لا يجب تقديمها على الحاضرة عنده. وقد صرح بهذا التفصيل في النافع والمعتبر (٢). وسيجي‌ء الكلام في المسألتين مفصلا (٣).

قوله : ( وتترتب السابقة على اللاحقة ، كالظهر على العصر ، والعصر على المغرب ، والمغرب على العشاء ، سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت ).

المراد أنه يجب تقديم السابقة على اللاحقة في الفوائت والحواضر. وبهذا المعنى صرح المصنف في النافع فقال : وتترتب الفوائت والحواضر ، والفائتة على الحاضرة.

وأورد على العبارة أنّ المترتب على الشي‌ء يكون متأخرا عنه ، فكان حق العبارة أن يقول : وتترتب اللاحقة على السابقة (٤).

وأجيب عنه إما بجعل العبارة من باب القلب ، وهو باب شائع ، أو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٥٩ ـ ١٥٧٧ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٢.

(٢) المختصر النافع : ٤٦ ، والمعتبر ٢ : ٤٠٥.

(٣) في ص ٢٩٨.

(٤) كما في المسالك ١ : ٤٣.

٢٩٥

______________________________________________________

بتضمين لفظ الترتب التقدم ، والمعنى : وتتقدم السابقة على اللاحقة ، أو بأن يكون المراد من الترتيب كون كل شي‌ء في مرتبته ، ومرتبة السابقة التقدم واللاحقة التأخر (١). والأمر في ذلك هين.

إذا تقرر ذلك فنقول : إنه لا خلاف بين علماء الإسلام في ترتب الحواضر بعضها على بعض.

وأما الفوائت فقال في المعتبر : إن الأصحاب متفقون على وجوب ترتيبها بحسب الفوائت (٢). وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الأصحاب ممّن صنف في المضايقة والمواسعة القول بالاستحباب (٣). وهو ضعيف جدا.

لنا : أنها فاتت مرتبة فيجب قضاؤها كذلك ، لقوله عليه‌السلام : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (٤) وهو يعم الفريضة وكيفيتها ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك صلوات فابدأ بأولهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لكل صلاة » (٥).

ولو جهل ترتيب الفوائت فالأصح سقوطه ، لأن الروايات المتضمنة لوجوب الترتيب لا تتناول الجاهل نصا ولا ظاهرا فيكون منفيا بالأصل. وبه قطع العلامة في التحرير (٦) ، وولده في الشرح (٧) ، والشهيدان (٨) ، واستدل‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٤٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٣) الذكرى : ١٣٦.

(٤) غوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ وج ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٥) التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٦) تحرير الأحكام : ٥١.

(٧) إيضاح الفوائد ١ : ١٤٧.

(٨) الشهيد الأول في الذكرى : ١٣٦ ، والبيان : ١٥٢ ، واللمعة : ٤٤ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٠ ، والروضة البهية ١ : ٣٤٥.

٢٩٦

______________________________________________________

عليه في الذكرى بامتناع التكليف بالمحال ، واستلزام التكرار المحصل له الحرج المنفي.

وقيل بالوجوب ، لإمكان الامتثال بالتكرار المحصّل له (١). وعلى هذا فيجب على من فاتته الظهر والعصر من يومين وجهل السابق أن يصلي ظهرا بين عصرين ، أو عصرا بين ظهرين ، ليحصل الترتيب بينهما على تقدير سبق كل منهما ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها ، ولو كان معها عشاء فعل السبع قبلها وبعدها ، ولو انضم إليها صبح فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها.

والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات ، وهي اثنان في الأول ، وستة في الثاني ، وأربعة وعشرون في الثالث ، ومائة وعشرون في الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا من الاحتمالات في عدد الفرائض المطلوبة.

ويمكن حصول الترتيب بوجه أخصر مما ذكر وأسهل ، وهو أن يصلي الفوائت المذكورة بأي ترتيب أراد ، ويكررها كذلك ناقصة عن عدد آحاد تلك الصلوات بواحدة ، ثم يختم بما بدأ به.

فيصلي في الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر ، أو بالعكس.

وفي الثاني الظهر والعصر ثم المغرب ، ثم يكرره مرة أخرى ، ثم يصلي الظهر. وفي هذين لا فرق بين الضابطين من حيث العدد.

وفي الثالث يصلي الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ويكرره ثلاث مرات ، ثم يصلي الظهر ، فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة.

وفي الرابع يصلي أربعة أيام متوالية ، ثم يختم بالصبح. ولا يتعين في هذا الضابط ترتيب مخصوص.

__________________

(١) إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة والبرهان ٣ ) : ٢٣٢.

٢٩٧

فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة ، وقيل : تترتب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ولو فاتته صلوات سفر وحضر وجهل الأول فعلى السقوط يتخير ، وعلى اعتبار الترتيب يقضي الرباعيات من كل يوم مرتين تماما وقصرا.

قوله : ( فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة ، وقيل : تترتب ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة ، فذهب جماعة منهم المرتضى (١) وابن إدريس (٢) إلى الوجوب ما لم يتضيق وقت الحاضرة ، وصرحوا ببطلان الحاضرة لو قدمها مع ذكر الفوائت.

وذهب ابنا بابويه ـ رضي الله عنهما ـ إلى المواسعة المحضة ، حتى أنّهما استحبا تقديم الحاضرة على الفائتة مع السعة (٣).

قال في المختلف بعد حكاية ذلك : وهو مذهب والدي رحمه‌الله ، وأكثر من عاصرناه من المشايخ (٤).

وذهب المصنف في كتبه الثلاثة إلى وجوب تقديم الفائتة المتحدة دون المتعددة (٥).

واستقرب العلامة في المختلف وجوب تقديم الفائتة إن ذكرها في يوم الفوات ، سواء اتحدت أو تعددت ، قال : فإن لم يذكرها حتى يمضي ذلك اليوم جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها ، ثم يشتغل بالقضاء سواء اتحدت الفائتة أو تعددت (٦). وكأنّه أراد باليوم ما يتناول النهار والليلة المستقبلة ، وإلا لم يتحقق تعدد الفائت مع ذكره في يوم الفوات وسعة وقت الحاضرة ، والمعتمد ما اختاره المصنف.

__________________

(١) رسائل السيد المرتضى ٢ : ٣٦٤.

(٢) السرائر : ٥٨.

(٣) الصدوق في المقنع : ٣٢ ، والفقيه ١ : ٢٣٣ ، وحكاه عن والده في المختلف : ١٤٤.

(٤) المختلف : ١٤٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٠٥ ، والمختصر النافع : ٤٦.

(٦) المختلف : ١٤٤.

٢٩٨

______________________________________________________

لنا على وجوب تقديم الفائتة المتحدة : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس ، وقد كان صلى العصر فقال : « كان أبو جعفر أو كان أبي عليهما‌السلام يقول : إذا أمكنه أنّ يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلى المغرب ثمّ صلاها » (١).

وعلى جواز تقديم الحاضرة على الفوائت مع التعدد : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصليهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس » (٢) وهذه الرواية مع صحتها صريحة في المطلوب ، فإنّ أقلّ مراتب الأمر الإباحة ، وثمّ للترتيب ، ولا يمكن حمله على ضيق الوقت لدفعه بقبلية طلوع الشمس.

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « يصليها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (٣).

وتؤيّده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة في قضاء الفوائت (٤) ، والروايات المتضمنة لجواز النافلة ممّن عليه فريضة ، كصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ، ثمّ استيقظ فركع ركعتين ثمّ صلّي الصبح وقال : يا بلال ما لك؟! قال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله » قال : « وكره المقام ، وقال : نمتم بوادي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦.

(٤) الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان ب ٣٧ وج ٥ : ٣٦١ أبواب قضاء الصلوات ب ٨.

٢٩٩

______________________________________________________

شيطان » (١) والظاهر أنّ الركعتين اللتين صلاهما أولا ركعتا الفجر كما وقع التصريح به في صحيحة زرارة (٢) وغيرها (٣).

احتج القائلون بالتضييق (٤) بالإجماع ، والاحتياط ، وأنّه مأمور بالقضاء على الإطلاق ، والأوامر المطلقة للفور ، وقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٥) والمراد بها الفائتة ، لقوله عليه‌السلام في رواية (٦) زرارة : « ابدأ بالتي فاتتك فإنّ الله تعالى يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » (٧) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن فأذّن لها وأقم ثمّ صلها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لكل صلاة » قال : « وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ، ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها » وقال : إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمّ صلّ العصر فإنما هي أربع مكان أربع ، وإن ذكرت أنّك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر فقد صليت منها ركعتين فصل الركعتين الباقيتين ثمّ قم فصل العصر ، وإن كنت ذكرت أنّك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صلّ المغرب ، وإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر ، وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٨ ، الإستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٧ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ١٤١ ، مستدرك الوسائل ١ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ١.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ١٣٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٨٩.

(٥) طه : ١٤.

(٦) في « ح » : صحيحة.

(٧) الكافي ٣ : ٢٩٣ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٦ وفيه : عن عبيد بن زرارة ، الإستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٢.

٣٠٠