مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

هذا قول أكثر الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا ، قال : « يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ، ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم ، فإن كان صلى أربعا كانت الركعات نافلة ، وإلا تمت الأربع » (١).

وقال ابن بابويه ، وابن الجنيد : من شك بين الاثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع ويصلي ركعة من قيام وركعتين من جلوس (٢). قال في الذكرى : وهو قوي من حيث الاعتبار ، لأنهما تنضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ، ويجتزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا إلا أن النقل والأخبار يدفعه (٣). وكأنه أشار بالنقل إلى مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة ، وهي قاصرة بالإرسال ، مع أن ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ روي في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : « يصلي ركعة من قيام ثم يسلم ثم يصلي ركعتين وهو جالس » (٤).

وهذه الرواية صريحة فيما ذكره ابن بابويه وابن الجنيد. وطريق الصدوق إلى عبد الرحمن صحيح ، إلا أن ما تضمنته الرواية من سؤال الكاظم عليه‌السلام لأبيه على هذا الوجه غير معهود ( والمسألة محل إشكال ) (٥).

وعلى المشهور فيجب تقديم الركعتين من قيام ، كما تضمنته الرواية. وقيل : إنه غير متعين (٦) ، وهو ظاهر اختيار المصنف رحمه‌الله ، لعطفه الركعتين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ٥ : ٣٢٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٤.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ١٣٣.

(٣) الذكرى : ٢٢٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١.

(٥) ما بين القوسين مشطوب في « ض ».

(٦) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤١.

٢٦١

وهنا مسائل :

الأولى : لو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شك فيه بنى على الظن وكان كالعلم.

______________________________________________________

من جلوس على ما قبله بالواو المفيدة للجمع المطلق.

وهل يجوز أن يصلي بدل الركعتين جالسا ركعة قائما؟

قيل : نعم ، لتساويهما في البدلية ، بل الركعة من قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل فواتها من الركعتين من جلوس (١) ، واختاره الشهيدان (٢).

وقيل : لا ، لأن فيه خروجا عن المنصوص (٣). وحكى الشهيد في الذكرى عن ظاهر المفيد في المسائل الغرية ، وسلاّر تعين الركعة من قيام (٤) ، ولم نقف على مأخذه.

قوله : ( وهنا مسائل خمس ، الأولى ، لو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شك فيه بنى على الظن وكان كالعلم ).

الظاهر أن المراد بغلبة الظن هنا مطلق الظن ، كما صرح به الشهيد في الدروس (٥) ، لأنه أقصى ما يستفاد من النص الوارد بذلك ، كقوله عليه‌السلام : « إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه ، وإن وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف » (٦) إذ غاية ما يمكن حمل الوهم عليه هنا الطرف الراجح ، فلا وجه لاعتبار ما زاد على ذلك.

ومعنى بنائه على ما ظنه : تقدير الصلاة كأنها وقعت على ذلك الوجه ، سواء اقتضى الصحة أم الفساد. فلو شك بين الاثنتين والثلاث ـ مثلا ـ وظن الثلاث‌

__________________

(١) كما في المختلف : ١٣٤.

(٢) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤١.

(٣) قال به ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥.

(٤) الذكرى : ٢٢٦.

(٥) الدروس : ٤٧.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١ : بتفاوت‌

٢٦٢

______________________________________________________

بنى عليه من غير احتياط ، ولو شك بين الأربع والخمس فظن كونها أربعا بنى عليه ولم يجب عليه سجود السهو ، ولو ظن كونها خمسا كان كمن زاد ركعة ، فيجي‌ء فيه ما سبق من الخلاف (١).

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يتعلق الشك بأعداد الركعات وأفعالها ، ولا بين الركعتين الأولتين والأخيرتين. وبهذا التعميم جزم الشهيدان (٢).

واستدل عليه في الذكرى بأن تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال ، فاكتفى بالظن تحصيلا لليسر ودفعا للحرج.

وبما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه » (٣).

وما روي عن الصادق عليه‌السلام بعدة طرق أنه قال : « إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه ، وإن وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف » (٤).

ثم قال : ويظهر من كلام ابن إدريس أن غلبة الظن إنما تعتبر فيما عدا الأولتين ، وأن الأولتين تبطل الصلاة بالشك فيهما وإن غلب الظن. ثم رده بأن فيه مخالفة لفتوى الأصحاب وتخصيصا لعموم الأدلة (٥).

ولقائل أن يقول : إن مخالفته لفتوى المعلومين من الأصحاب لا محذور فيه إذا لم يكن الحكم إجماعيا. وما ادعاه من العموم غير ثابت ، فإن الخبر الأول عامي ، وباقي الروايات مختص بالأخيرتين.

نعم يمكن الاستدلال على اعتبار الظن في الأولتين بما رواه الكليني ، عن‌

__________________

(١) راجع ص ٢٢٠.

(٢) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٣ ـ ١٢١٢.

(٤) المتقدم ص ٢٦٢.

(٥) الذكرى : ٢٢٢.

٢٦٣

الثانية : هل يتعين في الاحتياط الفاتحة أو يكون مخيرا بينها وبين التسبيح؟ قيل بالأول ، لأنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها. وقيل بالثاني ، لأنها قائمة مقام ثالثة ورابعة ، فيثبت فيها التخيير كما ثبت في المبدل ، والأول أشبه.

______________________________________________________

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (١) وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، إذ ليس فيها من قد يتوقف في حاله سوى محمد بن خالد البرقي ، لقول النجاشي : إنه كان ضعيفا في الحديث (٢). إلا أن ذلك لا يقتضي الطعن فيه نفسه. وجزم العلامة في الخلاصة بالاعتماد على قوله ، لنص الشيخ على تعديله (٣). ولا بأس به.

ومقتضى الرواية اعتبار الظن في أعداد الأولتين ، وإذا ثبت ذلك ثبت اعتباره في أفعالهما بطريق أولى.

بقي هنا شي‌ء : وهو أن الشارح ـ قدس‌سره ـ صرح بأن من عرض له الشك في شي‌ء من أفعال الصلاة يجب عليه التروي ، فإن ترجح عنده أحد الطرفين عمل عليه ، وإن بقي الشك من غير ترجيح لزمه حكم الشاك (٤). والروايات لا تعطي ذلك ، وإنما تدل على أن من ظن أحد الطرفين عول عليه ، ومن شك في فعل ترتب عليه حكمه. ولا ريب أن اعتبار ذلك أولى وأحوط.

قوله : ( الثانية ، هل يتعين في الاحتياط الفاتحة أو يكون مخيرا بينها وبين التسبيح؟ قيل بالأول ، لأنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها. وقيل بالثاني ، لأنها قائمة مقام ثالثة ورابعة ، فيثبت فيها التخيير كما ثبت في المبدل ، والأول أشبه ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ٣٣٥ ـ ٨٩٨.

(٣) خلاصة العلامة : ١٣٩ ـ ١٤.

(٤) المسالك ١ : ٤٢.

٢٦٤

الثالثة : لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط ، قيل : تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط ، لأنها معرّضة لأن تكون تماما والحدث يمنع ذلك ، وقيل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ، وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم.

______________________________________________________

الأصح ما اختاره المصنف والأكثر من تعين قراءة الفاتحة ، لما ذكره‌ المصنف من أنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها ـ كما ورد في الخبر (١) ـ وللأمر بقراءتها في عدة أخبار صحيحة (٢) ، فلا يحصل الامتثال إلا بها. وكذا يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة من الواجبات والشرائط.

والقول بالتخيير في الاحتياط بين قراءة الفاتحة والتسبيح لابن إدريس (٣) ، واستدل بما أشار إليه المصنف من أن الاحتياط قائم مقام الركعتين الأخيرتين ، فيثبت فيه التخيير ، كما يثبت في مبدله.

والجواب بالمنع من ذلك ، والسند : ما تلوناه من الأخبار المتضمنة للأمر بقراءة الفاتحة.

قوله : ( الثالثة ، لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط ، قيل : تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط ، لأنها معرّضة لأن تكون تماما والحدث يمنع ذلك ، وقيل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ، وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم ).

القول بأن ذلك يبطل الصلاة ويسقط الاحتياط منقول عن المفيد رحمه‌الله (٤) ، واختاره العلامة في المختلف (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٧ ـ ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٣ ، الإستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ٤ : ٧٣٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٢٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ، ١١.

(٣) السرائر : ٥٤.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٣٩.

(٥) المختلف : ١٣٩.

٢٦٥

______________________________________________________

واستدل عليه بما أشار إليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ من أن الاحتياط معرّض لأن يكون تماما للصلاة ، وكما يبطل الحدث المتخلل بين الركعات المتيقنة فكذا ما هو بمنزلتها.

وبرواية ابن أبي يعفور المتضمنة لحكم الشك بين الاثنتين والأربع ، حيث قال في آخرها : « وإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو » (١).

وقوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير : « إذا لم تدر أربعا صليت أو ركعتين فقم واركع ركعتين » (٢) والفاء للتعقيب ، وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث.

وفي الكل نظر : أما الأول ، فلأن شرعية الاحتياط ليكون استدراكا للفائت لا يقتضي صيرورته جزءا من الصلاة مع انفصاله عنها بالتسليم والنية وتكبيرة الإحرام.

وأما الرواية الأولى فبالطعن في السند باشتماله على محمد بن عيسى عن يونس ، وبأنها لا تدل على المطلوب صريحا ، لاحتمال أن يكون المراد بالكلام الموجب للسجود ما يقع منه في أثناء الصلاة ، لا ما يقع بينهما. ثم لو كانت صريحة في ذلك لم يلزم منه بطلان الصلاة بذلك ، وإنما اللازم منه التحريم.

وأما الرواية الثانية ، فبأنها ـ بعد تسليم السند ودلالة هذه الفاء على الفورية ـ إنما تدل على وجوب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة ، وقال في الذكرى : إنه لا خلاف فيه (٣). ولا يلزم من ذلك بطلان الصلاة بتخلل الحدث الذي هو المدعى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٣٩ ، الإستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٣١٥ الوسائل ٥ : ٣٢٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ٥ : ٣٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٨.

(٣) الذكرى : ٢٢٧.

٢٦٦

الرابعة : من سها في سهو لم يلتفت وبنى على صلاته.

______________________________________________________

والأصح ما اختاره ابن إدريس من أن ذلك غير مبطل للصلاة ، للأصل ، ولما ذكره المصنف من أنها صلاة منفردة ، وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم.

وأورد العلامة في المختلف على ابن إدريس التناقض بين فتواه بعدم البطلان بالحدث المتخلل وبجواز التسبيح ، لأن الأول يقتضي كونها صلاة منفردة ، والثاني يقتضي كونها جزءا (١).

قال في الذكرى : ويمكن دفعه بأن التسليم جعل لهما حكما مغايرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة ، ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في بعض الأحكام (٢). وهو جيد لو ثبتت التبعية بدليل من خارج ، لكنه غير ثابت ، بل الدليل قائم على خلافه.

والكلام في تخلل المنافي بين الصلاة والأجزاء المنسية كما في تخلله بين الصلاة والاحتياط وربما قيل بالبطلان هنا وإن قلنا ثم بالصحة ، للحكم بالجزئية هنا (٣). وهو ضعيف ، إذ لا ريب في خروجها عن محض الجزئية ، ولو لا ذلك لبطلت الصلاة بتخلل الأركان بين محلها وتلافيها. ووجوب الإتيان بها بعد الصلاة حكم آخر.

قوله : ( الرابعة ، من سها في سهو لم يلتفت وبنى على صلاته ).

هذه العبارة لا تخلو من إجمال ، والأصل فيها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (٤).

__________________

(١) المختلف : ١٣٩.

(٢) الذكرى : ٢٢٧.

(٣) قال به العلامة في نهاية الأحكام ١ : ٥٤٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ١.

٢٦٧

______________________________________________________

قال في المنتهى : ومعنى قول الفقهاء لا سهو في السهو ، أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو ، كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه يصلي ركعتين احتياطا على ما يأتي ، فلو سها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك. وقيل : معناه أن من سها ، فلم يدر هل سها أم لا ، لا يعتد به ولا يجب عليه شي‌ء ، والأول أقرب (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

والظاهر أن مراده بعدم الالتفات إلى ذلك : البناء على فعل المشكوك فيه كما هو ظاهر المعتبر ، فإنه قال : ولا حكم للسهو في السهو ، لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا ولا يتخلص من ورطة السهو ، ولأن ذلك حرج فيسقط اعتباره ، ولأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته (٢).

وذكر المتأخرون أنه يمكن أن يراد بالسهو في كل من الموضعين معناه المتعارف ، وهو نسيان بعض الأفعال أو الشك (٣) ، فيتحصل من ذلك أربع صور :

الأولى : أن يستعمل كل منهما في معناه المتعارف ، ومعناه أنه لا سهو فيما أوجبه السهو ، وذلك بأن يسهو في سجدتي السهو عما يوجب سجود السهو ، أو في السجدة المنسية ، فإنه لا يوجب سجود السهو.

الثانية : أن يسهو في شك أي في فعل ما أوجبه الشك ، بأن يسهو في صلاة الاحتياط عما يوجب سجود السهو في الفريضة ، فإنه لا يوجب سجود السهو فيه أيضا.

الثالثة : أن يشك في سهو أي في وقوع السهو منه ، وحكمه أنه لا يلتفت ، أو في موجب السهو ـ بفتح الجيم ـ كأن يشك في عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما قبل تجاوز المحل ، فإنه يبني على وقوع الفعل المشكوك فيه ، إلا أن‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١١.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٩٤.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٢.

٢٦٨

وكذا إذا سها المأموم عوّل على صلاة الإمام ، ولا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه.

______________________________________________________

يستلزم الزيادة كما لو شك أنه سجد اثنتين أو ثلاثا ، فإنه يبني على المصحح.

الرابعة : أن يشك في شك ، ومعناه أن يشك هل حصل له شك في الصلاة أم لا ، وحكمه أنه لا يلتفت ، لأصالة العدم. أو يشك فيما أوجبه الشك ، كما لو شك في ركعتي الاحتياط في عدد أو في فعل في محله ، فإنه يبني على وقوعه ، إلاّ أن يستلزم الزيادة فيبني على المصحح.

وأكثر هذه الأحكام مطابق لمقتضى الأصل. نعم ، يمكن المناقشة في الحكم بالبناء على وقوع الفعل المشكوك فيه إذا كان في محله ، لعدم صراحة الرواية في ذلك ، وأصالة عدم فعل ما تعلق به الشك ، وإن كان المصير إلى ما ذكروه غير بعيد ، إذ لا يبعد حمل السهو على ما يتناول الشك لكونه سببا فيه ، ولأن الظاهر أن المراد بالسهو المتعلق بالإمام والمأموم الشك ، والمتبادر من نفي حكم الشك فيما أوجبه الشك عدم وجوب تداركه كما ذكره في المعتبر (١).

قوله : ( وكذا إذا سها المأموم عوّل على صلاة الإمام ، ولا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه ).

المراد أن الشاك من الإمام أو المأموم في فعل أو عدد يرجع إلى حفظ الآخر. ولا يظهر لتغيير العبارة في المسألتين وجه يعتد به.

وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في حسنة حفص المتقدمة (٢) : « ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام سهو ».

واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الإمام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٩٥.

(٢) في ص ٢٦٧.

٢٦٩

______________________________________________________

فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثة ، ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعة ، يقول هؤلاء : قوموا ، ويقول هؤلاء : اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام » (١).

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يصلي خلف إمام لا يدري كم صلى ، هل عليه سهو؟ قال : « لا » (٢).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المأموم بين الذكر والأنثى ، ولا بين العدل والفاسق ، ولا بين المتحد والمتعدد. ولا يتعدى الحكم إلى غير المأموم وإن كان عدلا ، إلا أن يفيد قوله الظن فيرجع إليه لذلك.

وكما يرجع الشاك من الإمام أو المأموم إلى المتيقن ، كذا يرجع الظان إلى المتيقن والشاك إلى الظان. ولو اشتركا في الشك واتحد لزمهما حكمه. وإن اختلف فإن جمعتهما رابطة رجعا إليها ، كما لو شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ، فيرجعان إلى الثلاث ، لتيقن الأول عدم الزيادة عليها والثاني عدم النقيصة عنها.

وإن لم تجمعهما رابطة تعين الانفراد ولزم كلا منهما حكم شكه ، كما لو شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس.

واعلم أن مقتضى قول المصنف : ولا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه ، أنه يعتبر حفظ الجميع ، فلو اختلفوا لم يجز التعويل على أحدهم بل يرجع إلى أحكام الشك. وهو غير بعيد ، لعدم الوثوق بخبرهم مع الاختلاف. ولو حصل الظن بقول أحدهم خاصة اتجه اعتباره لذلك في موضع‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٩ ـ ٨١٨ ، الوسائل ٥ : ٣٣٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ١.

٢٧٠

ولا حكم للسهو مع كثرته.

______________________________________________________

يسوغ فيه التعويل على الظن.

قوله : ( ولا حكم للسهو مع كثرته ).

المراد بالسهو هنا الشك ، كما صرح به المصنف في المعتبر (١). والمراد أن من كثر شكه لا يلتفت إلى الشك ، بل يبني على وقوع الفعل المشكوك فيه وإن كان في محله ، ما لم يستلزم الزيادة ، فيبني على المصحح.

وقد ورد بعدم الالتفات إلى الشك مع الكثرة روايات كثيرة ، كصحيحة زرارة وأبي بصير ، قالا ، قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه ، قال : « يعيد » قلنا : فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك ، قال : « يمضي على شكه » ثم قال : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطعموه ، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة ، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك » قال زرارة ، ثم قال : « إنما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان » (٣).

وصحيحة ابن سنان ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ـ ٧٤٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٤ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٩ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٨٩ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٣.

٢٧١

ويرجع في الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيرا ، وقيل : أن يسهو ثلاثا في فريضة ، وقيل : أن يسهو مرة في ثلاث فرائض ، والأول أظهر.

______________________________________________________

( وهذه الروايات كالصريحة في عدم وجوب الإتيان بالفعل المشكوك فيه مع الكثرة ) (١).

ولو أتى بما شك فيه فالظاهر بطلان صلاته ، لأنه في حكم الزيادة في الصلاة متعمدا. ولو تعلقت الكثرة بفعل بعينه بنى على فعله ، ولو شك في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضا لصدق الكثرة كما نبه عليه في الذكرى (٢).

ولو كثر السهو ( عن ركن فلا بد من الإعادة وكذا ) (٣) عن واجب يستدرك إما في محله أو في غير محله ، ( لتوقف الامتثال عليه ) (٤).

وهل تؤثر الكثرة في سقوط سجدات السهو؟ قيل : نعم ، وهي خيرة الذكرى (٥) ، دفعا للحرج.

وقيل : لا (٦) ، وهو الأظهر ، لأن أقصى ما تدل عليه الروايات المتقدمة وجوب المضي في الصلاة وعدم الالتفات إلى الشك ، فتبقى الأوامر المتضمنة للسجود بفعل موجبه سالمة من المعارض.

قوله : ( ويرجع في الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيرا ، وقيل : أن يسهو ثلاثا في فريضة ، وقيل : أن يسهو مرة في ثلاث فرائض ).

اختلف الأصحاب فيما تتحقق به الكثرة المقتضية لعدم الالتفات إلى‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ح » ، « ض » : ومعنى المضي على الشك والمضي في الصلاة عدم الالتفات إلى الشك والبناء على وقوع الفعل المشكوك فيه ، إلاّ أن يستلزم ذلك للزيادة فيبني على المصحح.

(٢) الذكرى : ٢٢٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ح ».

(٤) بدل ما بين القوسين في « ح » : وجب الإتيان به ، ولو كان عن ركن وتجاوز محله فلا بد من الإعادة تمسكا بعموم ما دل على الحكمين المتناول لكثير السهو وغيره السالم من المعارض.

(٥) الذكرى : ٢٢٣.

(٦) كما في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٤٥.

٢٧٢

______________________________________________________

الشك ، فقال الشيخ في المبسوط : قيل : حده أن يسهو ثلاث مرات متوالية (١). وبه قال ابن حمزة (٢).

وقال ابن إدريس : حده أن يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس أعني ثلاث صلوات من الخمس ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة (٣).

وأنكر المصنف في المعتبر هذا القول ، وقال : إنه يجب أن يطالب هذا القائل بمأخذ دعواه ، فإنا لا نعلم لذلك أصلا في لغة ولا شرع ، والدعوى من غير دلالة تحكّم (٤).

والأصح ما اختاره المصنف من الرجوع في ذلك إلى العادة ، لأنها المحكّمة فيما لم يرد فيه تقدير من الشارع.

لا يقال : قد روى ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « وإذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو » (٥) وليس المراد ب « كل » الدوام قطعا ، وإلا لم يتحقق الحكم بالكثرة ، لأن الصلوات المتعاقبة داخلة في حيز « كل » إلى انقضاء تكليف المصلي ، بل المراد أنه لا يسلم للمصلي ثلاث بغير سهو ، فيكون ذلك تقديرا شرعيا للكثرة ، فلا يتجه الرجوع فيها إلى العادة.

لأنا نقول : أقصى ما تدل عليه الرواية تحقق الكثرة بذلك ، وهو مطابق للعرف ، لا حصر الكثرة في هذا المعنى.

قال في الذكرى : ويظهر من قوله عليه‌السلام في حسنة حفص بن‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٢.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٥.

(٣) السرائر : ٥٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٩٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٩٠ ، الوسائل ٥ : ٣٣٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٧.

٢٧٣

الخامسة : من شك في عدد النافلة بني على الأكثر ، وإن بنى على الأقل كان أفضل.

______________________________________________________

البختري : « ولا على الإعادة إعادة » (١) أن السهو يكثر بالثانية ، إلا أن يقال يختص بموضع وجوب الإعادة (٢). وهو كذلك ، إلا أني لا أعلم بمضمونها قائلا.

قوله : ( الخامسة ، من شك في النافلة بنى على الأكثر ، وإن بنى على الأقل كان أفضل ).

لا ريب في أفضلية البناء على الأقل لأنه المتيقن.

وأما جواز البناء على الأكثر فقال المصنف في المعتبر : إنه متفق عليه بين الأصحاب ، واستدل عليه بأن النافلة لا تجب بالشروع فكان للمكلف الاقتصار على ما أراد (٣). وهو استدلال ضعيف ، إذ ليس الكلام في جواز القطع ، وإنما هو في تحقق الامتثال بذلك ، وهو يتوقف على الدليل ، إذ مقتضى الأصل عدم وقوع ما تعلق به الشك.

واعلم أنه لا فرق في مسائل السهو والشك بين الفريضة والنافلة ، إلا في الشك بين الأعداد ، فإن الثنائية من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة ، وفي لزوم سجود السهو ، فإن النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في الفريضة ، للأصل ، وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن السهو في النافلة فقال : « ليس عليك سهو » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٢٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٩٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ١ وفيهما : ليس عليك شي‌ء.

٢٧٤

خاتمة : في سجدتي السهو

وهما واجبتان حيث ذكرتا. وفي من تكلم ساهيا ، أو سلم في غير موضعه ، أو شك بين الأربع والخمس.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة ، في سجدتي السهو : وهما واجبتان حيث ذكرتا. وفي من تكلم ساهيا ، أو سلم في غير موضعه ، أو شك بين الأربع والخمس ).

الذي ذكره فيما سبق هو نسيان السجدة والتشهد إلى أن يركع ، وبيّنا هناك أن وجوب السجود بنسيان التشهد على هذا الوجه لا إشكال فيه ، لصحة مستنده وصراحته. وأما وجوبه بنسيان السجدة فمشكل إن لم يكن إجماعيا (١).

وقد ذكر المصنف هنا ثلاثة أشياء :

أحدها : التكلم في الصلاة ساهيا ، وقد نقل العلامة في المنتهى اتفاق أصحابنا على أنه موجب للسجود (٢).

وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتم صلاته ثم يسجد سجدتين » فقلت : سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال : « بعد » (٣).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، فقال : « يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ، ولا شي‌ء عليه » (٤) لأنا نجيب عنه بالحمل على أن‌

__________________

(١) راجع ص ٢٤٢.

(٢) المنتهى ١ : ٤١٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٥ ، الإستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٦ ، الإستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٥.

٢٧٥

______________________________________________________

المنفي الإثم أو الإعادة جمعا بين الأدلة.

وثانيها : التسليم في غير موضعه نسيانا ، وقد نقل العلامة في المنتهى الاتفاق على كونه موجبا للسجود أيضا (١) واستدل عليه بصحيحة سعيد الأعرج الواردة في حكاية تسليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الركعتين في الرباعية وتكلمه مع ذي الشمالين في ذلك ، حيث قال في آخرها : « وسجد سجدتين لمكان الكلام » (٢) وفي الدلالة نظر ، إذ من المحتمل أن يكون الموجب للسجود التكلم الواقع بعد التسليم لا نفس التسليم ، كما هو مذهب الكليني رضي‌الله‌عنه (٣).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ، ثم ذكر أنه لم يصل الركعتين ، قال : « يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (٤) لأنا نجيب عنه بالحمل على نفي الإثم أو الإعادة كما تقدم.

ولو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن الجمع بين الروايتين بحمل الأولى على الاستحباب.

وثالثها : الشك بين الأربع والخمس. والأصح أنه موجب للسجود ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٧ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

٢٧٦

______________________________________________________

السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما » (١).

وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » (٢).

وحكى الشهيد في الدروس ، عن الصدوق ـ رحمه‌الله ـ أنه أوجب في هذه الصورة الاحتياط بركعتين جالسا (٣). وهو بعيد جدا ، وأوّل كلامه بالشك قبل الركوع.

واعلم أن الشك بين الأربع والخمس إما أن يقع بعد السجدتين ، أو بينهما ، أو قبلهما بعد الركوع ، أو قبله ، فالصور أربع :

الأولى : أن يقع الشك بعد السجدتين ، وقد تقدم حكمها.

الثانية : أن يقع بين السجدتين ، وحكمها كالأولى ، واحتمل في الذكرى البطلان في هذه الصورة ، لعدم الإكمال وتجويز الزيادة (٤). وهو ضعيف.

الثالثة : أن يقع الشك بين الركوع والسجود. وقد قطع العلامة في جملة من كتبه في هذه الصورة بالبطلان ، لتردده بين محذورين : الإكمال المعرّض للزيادة ، والهدم المعرّض للنقيصة (٥).

وحكى الشهيد في الذكرى ، عن المصنف في الفتاوى أنه قطع بالصحة ، لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصالة ، إذ الأصل عدم الزيادة ، ولأن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣٢٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٩ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٣) الدروس : ٤٨.

(٤) الذكرى : ٢٢٧.

(٥) المنتهى ١ : ٤١٦ ، والتذكرة ١ : ١٣٩.

٢٧٧

وقيل : في كل زيادة ونقيصة إذا لم يكن مبطلا.

______________________________________________________

تجويز الزيادة لو منع لأثّر في جميع صورة (١). وهو قوي متين ، ومتى قلنا بالصحة وجبت السجدتان تمسكا بالإطلاق.

الرابعة : أن يقع الشك قبل الركوع ، سواء كان قبل القراءة أو في أثنائها أو بعدها. ويجب عليه أن يرسل نفسه ويحتاط بركعتين جالسا ، لأنه شك بين الثلاث والأربع.

قوله : ( وقيل ، في كل زيادة ونقيصة إذا لم يكن مبطلا ).

هذا القول حكاه الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا (٢). قال في الدروس : ولم نظفر بقائله ولا بمأخذه (٣).

وربما كان مستنده ما رواه الشيخ ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن سفيان بن السمط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » (٤). لكن الرواية ضعيفة السند بالإرسال وجهالة الراوي.

واستدل عليه أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » (٥).

قيل : وإذا وجب للشك في الزيادة والنقيصة فوجوبه لتيقنهما أولى (٦).

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٧.

(٢) الخلاف ١ : ١٦٩.

(٣) الدروس : ٤٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٥ ـ ٦٠٨ ، الإستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٦) كما في المهذب البارع ١ : ٤٤٦.

٢٧٨

______________________________________________________

وفي هذه الأولوية نظر تقدم تقريره مرارا.

نعم ، يمكن أن يستدل برواية الحلبي على ما ذكره المفيد ـ رحمه‌الله ـ من وجوبهما على من لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعا أو نقص ركوعا ، وكان الذكر بعد تجاوز محله. لكنها غير صريحة في ذلك ، لاحتمالها الشك في زيادة ركعة أو نقصانها ، كما ذكره في الدروس (١).

ويدل على ذلك أيضا ما رواه الكليني في الحسن ، عن زرارة قال ، سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص ، فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسماهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرغمتين » (٢).

وما رواه الشيخ (٣) في الصحيح ، عن الفضيل بن يسار أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السهو ، فقال : « من يحفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص منها ».

ونقل عن السيد المرتضى (٤) ، وابن بابويه (٥) ، أنهما أوجبا السجود للقعود في موضع قيام وعكسه. ويدل عليه ما رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألته عن الرجل يسهو فيقوم في موضع قعود أو يقعد في حال قيام ، قال : « يسجد سجدتين بعد التسليم ، وهما المرغمتان يرغمان الشيطان » (٦) وفي هذا السند‌

__________________

(١) الدروس : ٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٣) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، لكنها موجودة في الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٨ ، وعنه في الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٦.

(٤) جمل العلم والعمل : ٦٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٧ ـ ٩ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ١.

٢٧٩

ويسجد المأموم مع الإمام واجبا إذا عرض له السبب ، ولو انفرد أحدهما كان له حكم نفسه.

______________________________________________________

كلام (١) ، ولا ريب أن العمل بمقتضى الرواية طريق الاحتياط.

قوله : ( ويسجد المأموم مع الإمام واجبا إذا عرض له السبب ، ولو انفرد أحدهما كان له حكم نفسه ).

المراد أن المأموم يجب عليه سجدتا السهو مع الإمام إذا اشتركا في السهو المقتضي لذلك ، ولو انفرد أحدهما بالسبب تعلق الوجوب به خاصة.

أما وجوب السجود عليهما مع عروض السهو لهما فظاهر ، لاشتراكهما في الموجب. وأما وجوب السجود على المنفرد منهما بالسهو خاصة ، فلأصالة عدم تعلق الوجوب بمن لم يعرض له السبب. وفي المسألة قولان آخران :

أحدهما : إنه لا سجود على المأموم مطلقا وإن عرض له السبب. ذهب إليه الشيخ في الخلاف (٢) ، وادعى عليه إجماع الفرقة ، واستدل عليه بما رواه عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « وليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (٣) وضعفها يمنع من العمل بها.

والثاني : إنه متى عرض للإمام السبب وجب على المأموم متابعته في ذلك ، اختاره الشيخ في المبسوط (٤) ، واستدل له في المختلف بأن الإمام متبوع فيجب على المأموم اتباعه (٥) ، لقوله عليه‌السلام : « إنما جعل الإمام إماما‌

__________________

(١) قال النجاشي في رجاله : ٣٣٣ : ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنه قال : ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه.

(٢) الخلاف ١ : ١٧١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٤ ـ ١٢٠٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧٨ ـ ٨١٧ ، الوسائل ٥ : ٣٣٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٥.

(٤) المبسوط ١ : ١٢٤.

(٥) المختلف : ١٤٣.

٢٨٠