مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

يقول : إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت حتى يصح لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة أو الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود » (١).

وهذه الرواية صحيحة السند ، إلاّ أن الظاهر من قوله : « فلم تدر واحدة أو اثنتين » كون المراد من الترك توهم الترك ، وأن الاستقبال مع الشك في ذلك.

وأجاب عنها العلامة في المختلف بأن المراد بالاستقبال الإتيان بالسجود المشكوك فيه لا استقبال الصلاة ، قال : ويكون قوله عليه‌السلام : « وإذا كان في الثالثة أو الرابعة فتركت سجدة » راجعا إلى من تيقن ترك السجدة في الأولتين ، فإنّ عليه إعادة السجدة لفوات محلها ، ولا شي‌ء عليه لو شك ، بخلاف ما لو كان الشك في الأولى لأنه لم ينتقل عن محل السجود فيأتي بالمشكوك فيه (٢).

وفي هذا الجواب بعد (٣). والمسألة محل إشكال ، وطريق الاحتياط واضح.

وأما أن ذلك موجب لسجدتي السهو ، فقال في التذكرة : إنه مجمع عليه بين الأصحاب (٤). ولم أقف فيه على نصّ بالخصوص.

واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن سفيان بن السمط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤ ـ ٦٠٥ ، الإستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ٣.

(٢) المختلف : ١٣٠.

(٣) في « ح » زيادة : وتكلّف.

(٤) التذكرة ١ : ١٣٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٥ ـ ٦٠٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

٢٤١

______________________________________________________

وهذه الرواية ـ مع ضعف سندها ـ معارضة برواية أبي بصير المتضمنة لسقوط سجدتي السهو في ذلك صريحا (٢) ، والترجيح مع تلك باعتبار السند والمطابقة لمقتضى الأصل.

الثانية : أن من نسي التشهد ولم يذكر حتى ركع قضاه ، وسجد سجدتي السهو.

أما وجوب السجود فلا خلاف فيه ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه (٣). وأما أنه يجب قضاؤه فهو قول الأكثر ، واستدلوا عليه بصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال : « إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه » (٤).

ورواية علي بن أبي حمزة قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد ، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثم تشهد التشهد الذي فاتك » (٥).

وقال المفيد (٦) ، وابنا بابويه (٧) : يجزي التشهد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهد المنسي ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ ظاهر الأخبار الكثيرة‌

__________________

(١) ووجهه الإرسال أن سفيان بن السمط غير موثق في كتب الرجال.

(٢) المتقدمة في ص ٢٣٥.

(٣) راجع ص ٢٣٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٧ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٣٠ ، الوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٦) الموجود في المقنعة : ٢٤. قوله : ومن نسي التشهد الأول ثم ذكره بعد ركوعه في الثالثة مضى في صلاته فإذا سلم قضاه وتشهد ثم سجد سجدتي السهو.

(٧) المقنع : ٣٢.

٢٤٢

______________________________________________________

المتضمنة لأن ناسي التشهد إلى أن يركع يجب عليه سجدتا السهو من غير ذكر لقضاء التشهد (١). وهذا القول لا يخلو من قوة وإن كان ما عليه الأكثر أولى وأحوط.

واعلم أنه ليس في كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ تعرض لبيان محل الإتيان بالسجود والتشهد المنسيين. والظاهر أنه لا خلاف بين القائلين بوجوب قضاء التشهد في أن محله بعد التسليم ، وإنما الخلاف في محل السجدة ، فذهب الأكثر إلى أن محلها بعد التسليم كالتشهد ، ويدل عليه الروايات المتقدمة (٢) ، ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن أبي يعفور : « إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم » (٣) لما بيناه فيما سبق من أن الظاهر استحباب التسليم (٤) ، فيكون الإتيان بالسجود بعد التشهد قضاء بعد الفراغ من الصلاة. وحمله في المختلف على الذكر قبل الركوع (٥) ، وهو بعيد جدا.

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ : إذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات ، واحدة منها قضاء (٦).

وقال علي بن بابويه : إن السجدة المنسية من الركعة الأولى إذا ذكرت بعد ركوع الثانية تقضى في الركعة الثالثة ، وسجود الثانية إذا ذكر بعد ركوع الثالثة يقضى في الركعة الرابعة ، وسجود الثالثة يقضى بعد التسليم (٧). ولم نقف لهما‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٩٩٦ أبواب التشهد ب ٧.

(٢) في ص ٢٤٠.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ٩٧٢ أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٤) في ج ٣ ص ٤٢٩.

(٥) المختلف : ١٣١.

(٦) المقنعة : ٢٤.

(٧) حكاه عنه في الذكرى : ٢٢٢.

٢٤٣

وأما الشك : ففيه مسائل :

الأولى : من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد ، كالصبح ، وصلاة السفر ، وصلاة العيدين إذا كانت فريضة ، والكسوف ، وكذا المغرب.

______________________________________________________

على مستند. قال في الذكرى : وكأنهما عوّلا على خبر لم يصل إلينا (١).

قوله : ( الأولى ، من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد ، كالصبح ، وصلاة السفر ، وصلاة العيدين إذا كانت فريضة ، والكسوف ، وكذا المغرب ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال العلامة في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن بابويه ، فإنه جوز له البناء على الأقل والإعادة (٢). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي وحفص بن البختري وغير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد » (٣).

وفي الصحيح ، عن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألت عن الرجل يشك في الفجر ، قال : « يعيد » قلت : المغرب؟ قال : « نعم ، والوتر ، والجمعة » من غير أن أسأله (٤).

وفي الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي ولا يدري واحدة صلى أم اثنتين ، قال : « يستقبل حتى‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٢.

(٢) المنتهى ١ : ٤١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ١٨٠ ـ ٧٢٣ ، الإستبصار ١ : ٣٦٦ ـ ١٣٩٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٠ ـ ٧٢٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦٦ ـ ١٣٩٥ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٧.

٢٤٤

______________________________________________________

يستيقن أنه قد أتم ، وفي الجمعة ، وفي المغرب ، وفي الصلاة في السفر » (١).

وفي الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن السهو في المغرب ، قال : « يعيد حتى يحفظ ، إنها ليست مثل الشفع » (٢) والظاهر أن المراد بالشفع الأربع ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة ، قال : « يتشهد وينصرف ، ثم يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا ، وإن كان صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة » (٣).

وعن عمار أيضا قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في المغرب فلم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثة ، قال : « يسلم ثم يضيف إليها ركعة » (٤).

لأنا نجيب عنهما بالطعن في السند بضعف الراوي (٥).

وقال الشيخ في الاستبصار : إن هذين الخبرين شاذان مخالفان للأخبار كلها ، وإن الطائفة قد أجمعت على ترك العمل بهما ، ثم احتمل حملهما على نافلتي الفجر والمغرب (٦). وهو بعيد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥١ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٩ ـ ٧١٥ ، الإستبصار ١ : ٣٦٥ ـ ١٣٩١ ، الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٩ ـ ٧١٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٠ ـ ١٤٠٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٨٢ ـ ٧٢٨ ، الإستبصار ١ : ٣٦٦ ـ ١٣٩٧ ، الوسائل ٥ : ٣٠٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ١٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٢ ـ ٧٢٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧١ ـ ١٤١٢ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ١١.

(٥) لأنه فطحي ـ راجع رجال الكشي ٢ : ٢٥٣ ـ ٤٧١ ، والفهرست : ١١٧ ـ ٥١٥.

(٦) الإستبصار ١ : ٣٧٢.

٢٤٥

الثانية : إذا شك في شي‌ء من أفعال الصلاة ، فإن كان في موضعه أتى به وأتمّ ، وإن انتقل مضى في صلاته ، سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره ، وسواء كان في الأوليين أو الأخيرتين على الأظهر.

______________________________________________________

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في بطلان الصلاة بالشك في عدد الثنائية أو الثلاثية بين أن يتعلق بالزيادة أو النقيصة.

ولا يخفى أن الشك في الكسوف إنما يبطل الصلاة إذا تعلق بعدد الركعات ، أما لو تعلق بالركوعات فإنه يجب البناء على الأقل ، إلا أن يستلزم الشك في الركعتين ، كما لو شك أنه في الركوع الخامس أو السادس على معنى أنه إن كان في الخامس فهو في الركعة الأولى ، وإن كان في السادس فهو في الثانية فتبطل الصلاة حينئذ ، لأنه شك في عدد الثنائية.

قوله : ( الثانية ، إذا شك في شي‌ء من أفعال الصلاة ، فإن كان في موضعه أتى به ، وأتمّ ، وإن انتقل مضى في صلاته ، سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره ، وسواء كان في الأوليين أو الأخيرتين على الأظهر ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من وجوب الإتيان بالفعل المشكوك فيه إن كان محله باقيا ، والاستمرار إن تجاوز محله ، من غير فرق بين الركن وغيره ولا بين الأولتين والأخيرتين ، قول معظم الأصحاب.

وقال المفيد في المقنعة : وكل سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأولتين من فرائضه فعليه إعادة الصلاة (١). وحكى المصنف في المعتبر عن الشيخ قولا بوجوب الإعادة بكل شك يتعلق بكيفية الأولتين كأعدادهما (٢). والمعتمد الأول.

لنا على وجوب الإتيان بالفعل المشكوك فيه في محله : إطلاق الأمر بفعله فيجب ، لأن الأصل عدم الإتيان به ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن‌

__________________

(١) المقنعة : ٢٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٨٨.

٢٤٦

______________________________________________________

عمران الحلبي ، قال ، قلت : الرجل يشك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا ، قال : « فليركع » (١).

وفي الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده ، فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » (٢).

ولنا على وجوب الاستمرار إذا عرض الشك في الفعل بعد تجاوز محله : روايات كثيرة ، كصحيحة حماد بن عثمان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشك وأنا ساجد فلا أدري أركعت أم لا ، قال : « امض » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع ، قال : « يمضي في صلاته » (٤).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : « قد ركع » (٥).

وصحيحة إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٨٩ ، الإستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥١ ، الوسائل ٤ : ٩٣٥ أبواب الركوع ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٣ ، الإستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٧١ ، الوسائل ٤ : ٩٧٢ أبواب الركوع ب ١٥ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٣ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٥ ، الوسائل ٤ : ٩٣٦ أبواب الركوع ب ١٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٧ ، الوسائل ٤ : ٩٣٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٦ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٨ ، الوسائل ٤ : ٩٣٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

٢٤٧

______________________________________________________

فليمض ، كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (١).

وصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : « يمضي » قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر ، قال : « يمضي » قلت : رجل شك في التكبيرة وقد قرأ ، قال : « يمضي » قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع ، قال : « يمضي » قلت : رجل شك في الركوع وقد سجد ، قال : « يمضي على صلاته » ثم قال : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٢).

وإطلاق هذه الروايات (٣) يقتضي عدم الفرق بين الأولتين والأخيرتين ، ولا بين الشك في الركن وغيره. لكن العلامة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة استقرب البطلان إن تعلق الشك بركن من الأولتين ، قال : لأن ترك الركن سهوا مبطل كعمده ، فالشك فيه في الحقيقة شك في الركعة إذ لا فرق بين الشك في فعلها وعدمه وبين الشك في فعلها على وجه الصحة والبطلان (٤). وحاصل ما ذكره أن الشك في الركن على هذا الوجه شك في أعداد الأولتين ، وهو ممنوع.

احتج القائلون بالإعادة إذا تعلق الشك بكيفية الأولتين بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الفضل بن عبد الملك قال ، قال لي : « إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك » (٥) وعن الوشاء قال ، قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : « الإعادة في الركعتين الأولتين ، والسهو في الركعتين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٤ : ٩٣٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٣) في « م » ، « ض » زيادة : بل عمومها المستفاد من ترك الاستفصال في جواب السؤال ، وكذا في « ح » بإضافة : وصريح صحيحة زرارة.

(٤) التذكرة ١ : ١٣٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣.

٢٤٨

______________________________________________________

الأخيرتين » (١).

والجواب عن الروايتين بالمنع من الدلالة ، إذ يحتمل أن يكون المراد حفظهما عن الشك في العدد ولزوم الإعادة بذلك. نعم ، مقتضى صحيحة البزنطي لزوم الإعادة بالشك في السجدة من الأولتين ، إلاّ أن في متنها إجمالا كما بيناه (٢).

إذا تقرر ذلك فنقول : إذا شك في النية وقد كبر ، أو في التكبير وقد قرأ ، أو في القراءة وقد قنت ، أو في القنوت وقد ركع ، أو في الركوع وقد سجد ، أو في السجود وقد قام أو تشهد ، أو في التشهد وقد انتصب مضى في صلاته ، إذ يصدق في جميع هذه الصور التجاوز عن المحل والدخول في غيره. وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في مواضع :

الأول : أن يشك في قراءة الفاتحة وهو في السورة والأظهر وجوب الإعادة ، لعدم تحقق التجاوز عن محل القراءة.

وقال ابن إدريس : لا يلتفت ، ونقله عن المفيد في رسالته إلى ولده (٣) ، ويظهر من المصنف في المعتبر اختيار ذلك ، فإنه قال بعد أن نقل عن الشيخ القول بوجوب الإعادة : ولعله بناء على أن محل القراءتين واحد ، وبظاهر الأخبار يسقط هذا الاعتبار (٤). وهو غير جيد ، فإن الأخبار لا تدل على ما ذكره ، بل ربما لاح من قوله : قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع (٥) ، أنه لو لم يركع لم يمض.

الثاني : أن يشك في الركوع وقد هوى إلى السجود. والأظهر عدم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٢) راجع ص ٢٤٠.

(٣) السرائر : ٥٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٩٠.

(٥) راجع ص ٢٤٨.

٢٤٩

______________________________________________________

وجوب تداركه ، لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع أم لم يركع ، قال : « قد ركع » (١).

وقوى الشارح وجوب العود ما لم يصر إلى حد السجود (٢) ، وهو ضعيف.

الثالث : أن يشك في السجود وهو يتشهد ، أو في التشهد وقد قام. والأصح أنه لا يلتفت ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٣).

وقال الشيخ في المبسوط : يرجع إلى السجود والتشهد ما لم يركع (٤). وهو بعيد جدا.

الرابع : أن يشك في السجود وقد أخذ في القيام ولما يستكمله ، والأقرب وجوب الإتيان به كما اختاره الشهيدان (٥) ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا ، فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما ، فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » (٦).

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٤٧.

(٢) المسالك ١ : ٤١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٤) المبسوط ١ : ١٢٢. وفيه خلاف ما نسب إليه حيث قال : فإن شك في السجود في حال القيام ، أو في التشهد في الأول وقد قام إلى الثالثة فإنه لا يلتفت إليه ويمضي.

(٥) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٤ ، والبيان : ١٤٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٨.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٣ ، الإستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٧١ ، الوسائل ٤ : ٩٧٢ أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.

٢٥٠

تفريع :

إذا تحقق نيّة الصلاة وشك هل نوى ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف.

الثالثة : إذا شك في أعداد الرباعية ، فإن كان في الأوليين أعاد.

______________________________________________________

فرع : لو تلافى ما شك فيه في محله ، ثم ذكر فعله ، أعاد إن كان ركنا وإلاّ فلا إعادة.

وقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ : إن شك في سجدة فأتى بها ، ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة (١). ويدفعه الأصل ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : « لا تعد الصلاة من سجدة وتعيدها من ركعة » (٢).

ولو تلافى ما شك فيه بعد الانتقال ، فالظاهر البطلان إن تعمد ، سواء كان ركنا أو غيره ، للإخلال بنظم الصلاة ، ولأن المأتي به ليس من أفعال الصلاة فيبطلها. واحتمل الشهيد في الذكرى العدم ، بناء على أن ترك الرجوع رخصة ، وأنه غير قاطع بالزيادة (٣).

قوله : ( تفريع ، إذا تحقق نيّة الصلاة وشك هل نوى ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف ).

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : إنما يستأنف إذا لم يدر ما قام إليه وكان في أثناء الصلاة ، فلو علم ما قام إليه بنى عليه ، ولو كان بعد الفراغ من الرباعية بنى على كونها الظهر ، عملا بالظاهر في الموضعين (٤). وهو حسن.

قوله : ( الثالثة ، إذا شك في أعداد الرباعية ، فإن كان في الأوليين أعاد ).

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ٢٢٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦١٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٣) الذكرى : ٢٢٤.

(٤) المسالك ١ : ٤١.

٢٥١

______________________________________________________

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال العلامة في المنتهى ، والشهيد في‌ الذكرى : إنه قول علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن بابويه ، فإنه قال : لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الأقل (١).

احتج الأولون بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت له : رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين ، قال : « يعيد » (٢).

وفي الصحيح ، عن الفضل بن عبد الملك قال ، قال لي : « إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك » (٣).

وفي الصحيح عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لا يدري أركعة صلى أم اثنتين ، قال : « يعيد » (٤). وفي معنى هذه الروايات روايات كثيرة.

وفي مقابلها أخبار أخر دالة بظاهرها على البناء على الأقل ، كرواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة ، قال : « يتم » (٥).

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : في‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١٠ ، والذكرى : ٢٢٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٨ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٥ ، الوسائل ٥ : ٣٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٥ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٢ ، الوسائل ٥ : ٣٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٠.

٢٥٢

وكذا إذا لم يدر كم صلى.

______________________________________________________

الرجل لا يدري ركعة صلى أم اثنتين قال : « يبني على الركعة » (١).

ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة ، قال : « يتم بركعة » (٢).

وأجاب عنها الشيخ في الإستبصار أولا : بأنها أخبار قليلة ، وما تضمن الإعادة كثير جدا ، ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقل.

وثانيا : بالحمل على النافلة ، إذ لا تصريح فيها بكون الشك في الفريضة (٣). وهذا الحمل وإن كان بعيدا إلا أنه لا بأس بالمصير إليه ، لضعف هذه الروايات من حيث السند. ولو صح سندها لأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأقل والاستئناف ، كما اختاره ابن بابويه رحمه‌الله (٤).

قوله : ( وكذا إذا لم يدر كم صلى ).

أي : تجب عليه الإعادة من رأس. ومقتضى كلام ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه جواز البناء على الأقل في هذه المسألة أيضا (٥).

ويدل على الإعادة ـ مضافا إلى ما سبق ـ ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد الصلاة ، ولا تمض على الشك » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧١١ ، الإستبصار ١ : ٣٦٥ ـ ١٣٨٨ ، الوسائل ٥ : ٣٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٨ ـ ٧١٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٩ ، الوسائل ٥ : ٣٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٢.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٦٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٣ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٨ ، الوسائل ٥ : ٣٢٨ أبواب أحكام الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٢.

٢٥٣

وإن تيقّن الأولتين وشك في الزائد وجب عليه الاحتياط ،

ومسائله أربع :

______________________________________________________

وما رواه الكليني في الصحيح ، عن صفوان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (١).

وتدل على البناء على الأقل روايات منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يدري صلى واحدة أم اثنتين أم ثلاثا ، قال : « يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا » (٢).

وتأولها الشيخ في الاستبصار بأن المراد بالجزم استئناف الصلاة ، وحمل الأمر بالسجود على الاستحباب (٣). وهو بعيد جدا ، إذ لا وجه للجمع بين إعادة الصلاة وسجدتي السهو وجوبا ولا استحبابا.

وأجاب عنها في المختلف بالحمل على من كثر سهوه. وهو أبعد من الأول ، مع أن البناء على الجزم لا يطابق حكم كثير السهو. وكيف كان فلا ريب أن الاستئناف أولى وأحوط.

قوله : ( وإن تيقّن الأولتين وشك في الزائد وجب عليه الاحتياط ، ومسائله أربع ).

أي المسائل التي تعم بها البلوى ، وإلاّ فصور الشك أزيد من ذلك. وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن الوجه في تخصيص هذه المسائل الأربع بالذكر وجوبها (٤) عينا ، بخلاف غيرها من مسائل الشك والسهو ، فإن معرفتها إنما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٥ ، الإستبصار ١ : ٣٧٤ ـ ١٤٢٠ ، الوسائل ٥ : ٣٢٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٦.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٧٤.

(٤) كذا في جميع النسخ ، والأنسب : وجوب معرفتها.

٢٥٤

الأولى : من شك بين الاثنين والثلاث. بنى على الثلاث وأتمّ وتشهد وسلّم ، ثم استأنف ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس.

______________________________________________________

تجب كفاية (١). وهو مشكل ، لانتفاء ما يدل على التفرقة بينها وبين غيرها من الأحكام.

وربما قيل بأن معرفة هذه المسائل شرط في صحة الصلاة. وهو بعيد جدا.

قوله : ( الأولى ، من شك بين الاثنين والثلاث بنى على الثلاث وأتمّ وتشهد [ وسلم ] ، ثم استأنف ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب. واعترف الشهيد في الذكرى بأنه لم يقف على رواية صريحة فيه ، مع أن ابن أبي عقيل ادعى فيه تواتر الأخبار (٢).

واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه في الحسن ، عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت له : رجل لا يدري أواحدة صلى أم اثنتين ، قال : « يعيد » قلت : رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا ، قال : « إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثم صلى الأخرى ولا شي‌ء عليه ويسلم » (٣).

وعن عمار بن موسى الساباطي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر » قال : « فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنك نقصت » (٤).

__________________

(١) المسالك ١ : ٤١. قال : إنما خص هذه الأربع بالذكر من بين مسائل الشك لعموم البلوى بها وكثرة وقوعها فمعرفة أحكامها واجبة عينا.

(٢) الذكرى : ٢٢٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٢ ـ ٧٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٦ ، وأوردها في الاستبصار ١ : ٣٧٥ ـ ١٤٢٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٣ ـ ٧٦٢ ، الإستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣١٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٤.

٢٥٥

______________________________________________________

ويتوجه عليه : أن الرواية الثانية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية ، فلا تنهض حجة. والرواية الأولى غير دالة على المطلوب ، وإنما تدل على البناء على الأقل إذا وقع الشك بعد الدخول في الثالثة وهي الركعة المترددة بين الثالثة والرابعة ، حيث قال : « مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شي‌ء عليه » ولا يجوز حمل الثالثة على الركعة المترددة بين الثانية والثالثة ، لأن ذلك شك في الأولتين وهو مبطل.

وربما ظهر من هذه الرواية بطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث إذا عرض الشك قبل الدخول في الثالثة. ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا ، قال : « يعيد » قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال : « إنما ذلك في الثلاث والأربع » (١) وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن بابويه في كتابه المقنع (٢).

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل على صلاة المغرب. ويدفعه الحصر المستفاد من قوله : « إنما ذلك في الثلاث والأربع ».

ونقل على السيد المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في المسائل الناصرية أنه جوز البناء على الأقل في جميع هذه الصور (٣). وهو الظاهر من كلام ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٤).

ويدل عليه : ما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار قال ، قال لي أبو الحسن الأول عليه‌السلام : « إذا شككت فابن على اليقين » قال ، قلت : هذا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٣ ـ ٧٦٠ ، الإستبصار ١ : ٣٧٥ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣.

(٢) المقنع : ٣١.

(٣) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠.

٢٥٦

______________________________________________________

أصل؟ قال : « نعم » (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلي ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في السهو في الصلاة قال : « يبني على اليقين ويأخذ بالجزم ويحتاط بالصلوات كلها » (٢).

وقال علي بن بابويه في رسالته : إذا شككت بين الاثنتين والثلاث وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها رابعة ، فإذا سلّمت صليت ركعة بالحمد وحدها. وإن ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد للسهو. وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة وإن شئت بنيت على الأكثر وعملت بما وصفناه (٣). قال في الذكرى : ولم نقف على مأخذه (٤).

والمسألة قوية الإشكال ، ولا ريب أن الإتمام والاحتياط مع الإعادة إذا عرض الشك قبل الدخول في الثالثة طريق الاحتياط.

واعلم أن ظاهر الأصحاب أن كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط فيه إكمال السجدتين ، محافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأولتين. ونقل عن بعض الأصحاب الاكتفاء بالركوع ، لصدق مسمى الركعة (٥). وهو غير واضح.

قال في الذكرى : نعم ، لو كان ساجدا في الثانية ولما يرفع رأسه وتعلق الشك لم أستبعد صحته ، لحصول مسمى الركعة (٦). وهو غير بعيد.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٥ ، الوسائل ٥ : ٣١٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٧ ، الوسائل ٥ : ٣١٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٣٣.

(٤) الذكرى : ٢٢٦.

(٥) حكاه عن الشيخ في المختلف : ١٢٩.

(٦) الذكرى : ٢٢٧.

٢٥٧

الثانية : من شك بين الثلاث والأربع. بنى على الأربع وتشهّد وسلّم واحتاط كالأولى.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية ، من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وتشهّد وسلّم واحتاط كالأولى ).

لا خلاف في جواز البناء على الأربع في هذه الصورة والاحتياط. والمشهور أن ذلك على سبيل الوجوب. وقال ابن بابويه (١) ، وابن الجنيد (٢) : يتخير الشاك بين الثلاث والأربع بين البناء على الأقل ولا احتياط ، أو الأكثر مع الاحتياط. والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث. وإن وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف. وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس » (٣).

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « وإن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم وصلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب. وإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو وإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو » (٤).

وعن جميل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : في من لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء ، فقال : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (٥).

__________________

(١) نقله عنهما في المختلف : ١٣٣.

(٢) نقله عنهما في المختلف : ١٣٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٧ ، الوسائل ٥ : ٣١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٨ ، الوسائل ٥ : ٣٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٢.

٢٥٨

الثالثة : من شك بين الاثنين والأربع. بنى على الأربع وأتى بركعتين من قيام.

______________________________________________________

وبهذه الرواية احتج القائلون بالتخيير في الاحتياط بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس. وهي ضعيفة بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها علي بن حديد ، وهو مطعون فيه (١). فالأصح تعين الركعتين من جلوس ، كما هو ظاهر اختيار ابن أبي عقيل (٢) ، والجعفي (٣) ، لصحة مستنده.

احتج القائلون بالتخيير بأن فيه جمعا بين ما تضمن البناء على الأكثر وبين ما تضمن البناء على الأقل ، كصحيحة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها أخرى ولا شي‌ء عليه » (٤).

وهذا القول لا يخلو من رجحان ، إلا أن الأول أجود.

قوله : ( الثالثة ، من شك بين الاثنين والأربع بنى على الأربع واحتاط بركعتين من قيام ).

هذا قول معظم الأصحاب ، وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع ، قال : « يسلم ويقوم ، فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف ، وليس عليه شي‌ء (٥).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهد وسلم ، ثم صلّ‌

__________________

(١) طعن به الشيخ في التهذيب ٧ : ١٠١ ، والاستبصار ١ : ٤٠.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٣٣ ، والذكرى : ٢٢٧.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ٢٢٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥١ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤٠ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ٥ : ٣٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٣١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٦.

٢٥٩

الرابعة : من شك بين الاثنين والثلاث والأربع. بنى على الأربع وتشهد وسلّم ، ثم أتى بركعتين من قيام وركعتين من جلوس.

______________________________________________________

ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم ، فإن كنت إنما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة » (١). وهما نصّ في المطلوب.

ويحتمل قويا التخيير في هذه المسألة بين ذلك وبين البناء على الأقل ولا احتياط ، جمعا بين هذه الروايات وبين ما رواه الكليني في الصحيح ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين ، قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شي‌ء عليه. وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليه أخرى ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات » (٢).

ونقل عن الصدوق في المقنع أنه حكم بالإعادة في هذه الصورة (٣). وربما كان مستنده ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد ـ وهو ابن مسلم ـ قال : سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أو أربعا ، قال : « يعيد الصلاة » (٤).

وأجاب عنها الشيخ في كتابيه بالحمل على صلاة المغرب أو الغداة ، وهو محتمل. ويمكن حملها على الاستحباب.

قوله : ( الرابعة ، من شك بين الاثنين والثلاث والأربع بنى على الأربع وتشهد وسلّم ، ثم أتى بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٥ : ٣٢٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥١ ـ ٣ ، الوسائل ٥ : ٣٢٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣.

(٣) المقنع : ٣١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤١ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٧ ، الوسائل ٥ : ٣٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٧.

٢٦٠