مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) وهما بإطلاقهما يتناولان زيادة الركعة وغيرها.

وقال في المبسوط : من زاد ركعة في صلاته أعاد ، ومن أصحابنا من قال : إن كانت الصلاة رباعية وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا إعادة عليه. والأول هو الصحيح ، لأن هذا قول من يقول أن الذكر في التشهد ليس بواجب (٢).

وهذا الذي نقله الشيخ عن بعض الأصحاب هو مذهب ابن الجنيد (٣) ، واختاره المصنف في المعتبر (٤) ، والعلامة في المختلف (٥). واستدل عليه في المعتبر بأن نسيان التشهد غير مبطل ، فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل بين الفرض والزيادة ، وبما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلى خمسا ، فقال : « إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته » (٦).

وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل استيقن بعد ما صلى الظهر أنه صلى خمسا ، فقال : « كيف استيقن؟ » قلت : علم ، قال : « إن كان علم أنه كان جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامة » (٧).

ويتوجه على الأول : أن تحقق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٤ ، الإستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٢١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٣٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٨٠.

(٥) المختلف : ١٣٥.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٦ ، الإستبصار ١ : ٣٧٧ ـ ١٤٣١ ، الوسائل ٥ : ٣٣٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ ـ ١٤٣٠ ، المقنع : ٣١ ، الوسائل ٥ : ٣٣٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٥.

٢٢١

______________________________________________________

الزيادة في أثناء الصلاة.

وعلى الروايتين : أن الظاهر أن المراد فيهما من الجلوس بقدر التشهد : التشهد ، لشيوع مثل هذا الإطلاق وندور تحقق الجلوس بقدر التشهد من دون الإتيان به ، وبذلك صرح الشيخ في الاستبصار. فقال : إن هذين الخبرين لا ينافيان الخبرين الأولين ، يعني : روايتي أبي بصير وابني أعين ، لأن من جلس في الرابعة وتشهد ثم قام صلى ركعة لم يخلّ بركن من أركان الصلاة ، وإنما أخلّ بالتسليم ، والإخلال بالتسليم لا يوجب إعادة الصلاة حسب ما قدمناه (١).

واستحسن هذا الحمل الشهيد في الذكرى ، قال : ويكون في هذه الأخبار دلالة على ندب التسليم (٢).

وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس في سرائره فقال : من صلى الظهر ـ مثلا ـ أربع ركعات ، وجلس في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله ، ثم قام ساهيا عن التسليم فصلى ركعة خامسة فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة ، وعلى مذهب من لم يوجبه فالأولى أن يقال : إن الصلاة صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة ، لأنه بقيامه خرج من صلاته. وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره ونعم ما قال (٣). انتهى كلامه رحمه‌الله ، وهو في محله. ومن ذلك يظهر عدم الفرق في الصلاة بين الرباعية وغيرها.

ولو ذكر الزيادة قبل الركوع صحت صلاته مطلقا بغير إشكال ، لأن زيادة القيام سهوا غير مبطلة.

الثانية : إن من زاد في صلاته ركوعا أو سجدتين بطلت صلاته ، وهو‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٧٧.

(٢) الذكرى : ٢١٩.

(٣) السرائر : ٥٢.

٢٢٢

وقيل : لو شك في الركوع فركع ثم ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه ، ذكره الشيخ وعلم الهدى ، والأشبه البطلان.

______________________________________________________

مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا. واستدل عليه في المعتبر (١) بأن فيه تغييرا لهيئة الصلاة وخروجا عن الترتيب الموظف ، فتبطل معه الصلاة ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في حسنة زرارة وبكير المتقدمة : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا » (٢) وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم في رجل صلى وذكر أنه زاد سجدة : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » (٣) والظاهر أن المراد بالركعة الركوع ، كما يظهر من مقابلته بالسجدة.

قوله : ( وقيل : لو شك في الركوع فركع ثم ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه ، ذكره الشيخ وعلم الهدى ، والأشبه البطلان ).

إنما كان الأشبه البطلان لأنه زاد ركوعا ، إذ ليس رفع الرأس جزءا من الركوع ، وإنما هو انفصال عنه.

والقول بالصحة وإرسال نفسه للسجود للشيخ (٤) ، والمرتضى (٥) ، وابن إدريس (٦) ، واختاره شيخنا المتقدم محمد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي (٧). قال في الذكرى : وهو قوي ، لأن ذلك وإن كان بصورة الركوع إلاّ أنه في الحقيقة ليس بركوع ، لتبين خلافه ، والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدى الهوي إلى السجود به ، فلا تتحقق الزيادة حينئذ ، بخلاف ما لو‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٧٩.

(٢) في ص ٢٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦١٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٤) المبسوط ١ : ١٢٢.

(٥) جمل العلم والعمل : ٦٥.

(٦) السرائر : ٥٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٠.

٢٢٣

وإن نقص [ ركعة ] فإن ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة أتم ولو كانت ثنائية ، وإن ذكر بعد أن فعل ما يبطلها عمدا أو سهوا أعاد. وإن كان يبطلها عمدا لا سهوا كالكلام فيه تردد ، والأشبه الصّحة.

______________________________________________________

ذكر بعد رفع رأسه من الركوع ، فإن الزيادة حينئذ متحققة لافتقاره إلى هوي السجود (١). ولا يخفى ضعف هذا التوجيه.

نعم يمكن توجيهه بأن هذه الزيادة لم تقتض تغييرا لهيئة الصلاة ولا خروجا عن الترتيب الموظف ، فلا تكون مبطلة وإن تحقق مسمى الركوع ، لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نصّ أو إجماع. ولا يشكل ذلك بوجوب إعادة الهوي للسجود حيث لم يقع بقصده وإنما وقع بقصد الركوع ، لأن الأظهر أن ذلك لا يقتضي وجوب إعادته ، كما يدل عليه فحوى صحيحة حريز المتضمنة لأن من سها في فريضة فأتمها على أنها نافلة لا يضره (٢).

وقد ظهر بذلك قوة هذا القول ، وإن كان الإتمام ثم الإعادة طريق الاحتياط.

قوله : ( وإن نقص [ ركعة ] فإن ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة أتمّ ولو كانت ثنائية ، وإن ذكر بعد أن فعل ما يبطلها عمدا أو سهوا أعاد ، وإن كان يبطلها عمدا لا سهوا ـ كالكلام ـ فيه تردد ، والأشبه الصّحة ).

إذا نقص المصلي من صلاته ركعة فما زاد فإما أن يذكر بعد التسليم وقبل فعل المنافي أو بعده ، وعلى الثاني فإما أن يكون المنافي مما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا كالكلام ، أو يبطلها عمدا وسهوا كالحدث والفعل الكثير. فهنا مسائل ثلاث :

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٢ ـ ١٤١٨ ، الوسائل ٤ : ٧١١ أبواب النية ب ٢ ح ١ ، ولكن فيهما : أن عبد الله بن المغيرة رواها عن كتاب حريز.

٢٢٤

______________________________________________________

الأولى : أن يذكر النقص بعد التسليم وقبل الإتيان بغيره من المنافيات ، فيجب إتمام الصلاة ولو كانت ثنائية دون الإعادة ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النضري قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا صلينا المغرب فسها الإمام فسلم في الركعتين فأعدنا الصلاة ، قال : « ولم أعدتم؟ أليس قد انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ركعتين فأتم بركعتين؟ ألا أتممتم؟! » (١) والظاهر عدم تحقق الخلاف في هذه الصورة مطلقا.

الثانية : أن يذكر بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا كالكلام.

وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقال الشيخ في النهاية : يجب عليه الإعادة (٢) ، وتبعه ابن أبي عقيل (٣) وأبو الصلاح الحلبي (٤) ، وقوى في المبسوط عدم الإعادة وحكى عن بعض أصحابنا قولا بوجوب الإعادة في غير الرباعية (٥). والأصح أنه لا يعيد مطلقا.

لنا : التمسك بمقتضى الأصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : « يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه » (٦).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ، ثم ذكر أنه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٠ ـ ٧٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٧٠ ـ ١٤١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٠٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٢) النهاية : ٩٠.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٣٦.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٨.

(٥) المبسوط ١ : ١٢١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٦ ، الإستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٥.

٢٢٥

______________________________________________________

لم يصل غير ركعتين فقال : « يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (١).

وفي الصحيح عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه : يا رسول الله أحدث في الصلاة شي‌ء؟ قال : وما ذاك؟ قالوا : إنما صليت ركعتين ، فقال : أكذاك يا ذا اليدين؟ وكان يدعى ذا الشمالين ، فقال : نعم ، فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا » وقال : « إن الله عزّ وجلّ هو الذي أنساه رحمة للأمة ، ألا ترى لو أن رجلا صنع هذا لعيّر وقيل : ما تقبل صلاتك ، فمن دخل عليه اليوم ذلك قال : قد سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصارت أسوة ، وسجد سجدتين لمكان الكلام » (٢).

الثالثة : أن يذكر بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا ، كالحدث والفعل الكثير الذي تنمحي به صورة الصلاة ، وقد ذهب الأكثر إلى أنه موجب للإعادة.

وقال ابن بابويه في كتابه المقنع : إن صليت ركعتين من الفريضة ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأضف إلى صلاتك ما نقص ولو بلغت الصين ولا تعد الصلاة ، فإن إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن (٣).

احتج القائلون بوجوب الإعادة بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ركعتين ثم قام ، قال : « يستقبل » قلت : فما يروي الناس؟ فذكر له حديث ذي الشمالين ، فقال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٧ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٣٦ ، والموجود في المقنع : ٣١. وإن صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على الركعتين.

٢٢٦

______________________________________________________

« إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبرح من مكانه ، ولو برح استقبل » (١).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثم ذكر أنه قد فاتته ركعة ، قال : « يعيد ركعة واحدة ، يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا » (٢).

وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته ، قال : « يستقبل الصلاة » قلت : فما بال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينتقل من موضعه » (٣).

وقد ورد بعدم الإعادة بذلك روايات كثيرة ، كصحيحة محمد ـ وهو ابن مسلم ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثم ذكر بعد ذلك أنه فاتته ركعة ، قال : « يعيدها ركعة واحدة » (٤).

وصحيحة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ركعة من الغداة ، ثم انصرف وخرج في حوائجه ، ثم ذكر أنه صلى ركعة ، قال : « يتم ما بقي » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠١ ، الوسائل ٥ : ٣١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٦ ـ ١٤٣٥ ، المقنع : ٣١ ، الوسائل ٥ : ٣٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢٠ ، التهذيب ٢ : ٣٤٦ ـ ١٤٣٦ ، الإستبصار ١ : ٣٦٧ ـ ١٣٩٨ ، الوسائل ٥ : ٣١٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٤٧ ـ ١٤٣٩ ، الإستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠٢ ، الوسائل ٥ : ٣١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٣.

٢٢٧

______________________________________________________

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه صلى ركعتين ، قال : « يصلي ركعتين » (١).

وموثقة عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه أنه إنما صلى ركعتين من الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : « يبني على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين » (٢).

وبمضمون هذه الروايات أفتى ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في كتابه المقنع ، فإن عادته ـ رحمه‌الله ـ في ذلك الكتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها (٣).

وأجاب الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في كتابي الأخبار عن هذه الرواية بالحمل على النافلة أو على أنه لم يتيقن الترك (٤) ، وهو بعيد جدا. ويمكن الجمع بينها بحمل هذه على الجواز ، وما تضمن الاستئناف على الاستحباب. والله أعلم.

بقي هنا شي‌ء : وهو أن المحقق الشيخ علي ذكر في حواشيه أن المراد بقول المصنف : « وإن نقص » ما يتناول نقص الركعة فما زاد ونقص الركوع ، وهو غير جيد ، لأن نقص الركوع قد ذكر حكمه منفردا وأن من أخل به حتى سجد بطلت صلاته ، ومن ذكره قبل السجود أتى به ، فلا وجه لحمل العبارة عليه. وأيضا : فإن ما ذكره المصنف من الأحكام في هذه المسألة لا يجري فيه كما هو واضح. وقد أتى المصنف بنحو هذه العبارة في النافع ، وصرح بأن المنقوص الركعة فما زاد ، فقال : ولو نقص من عدد الصلاة ثم ذكر أتم (٥). ونحوه قال‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٧ ـ ١٤٤٠ وفيه : عن حريز عن أبي جعفر ٧ ، الإستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠٣ ، الوسائل ٥ : ٣١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٢ ـ ٧٥٨ ، الإستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٧ ، الوسائل ٥ : ٣١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢٠.

(٣) لم نجده في المقنع ، لكنه أورد في الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٢ رواية عن عمار وهي تدل على عدم الإعادة.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٧ ، والاستبصار ١ : ٣٦٨.

(٥) المختصر النافع : ٤٣.

٢٢٨

وكذا لو ترك التسليم ثم ذكر.

______________________________________________________

في المعتبر (١).

قوله : ( وكذا لو ترك التسليم ثم ذكر ).

أي : وكذا لا تبطل الصلاة بترك التسليم إلاّ أن يذكره بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا ، لأن المنافي حينئذ واقع في أثناء الصلاة بناء على القول بوجوب التسليم ، كما هو مذهب المصنف رحمه‌الله.

واستشكله الشارح بأن التسليم ليس بركن ، فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا وإن فعل المنافي قال : اللهم إلا أن يقال بانحصار الخروج من الصلاة فيه ، وهو في حيز المنع (٢).

ويمكن دفعه بأن المقتضي للبطلان على هذا التقدير ليس هو الإخلال بالتسليم ، وإنما هو وقوع المنافي في أثناء الصلاة ، فإن ذلك يتحقق بفعله قبل الفراغ من الأفعال الواجبة وإن لم يتعقبه ركن ، كما في حالة التشهد.

ومع ذلك فالأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وإن قلنا بوجوبه ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم ، قال : « تمت صلاته » (٣).

وفي الصحيح ، عن زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد ، قال : « ينصرف فيتوضأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٨١.

(٢) المسالك ١ : ٤١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠١ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

٢٢٩

ولو ترك سجدتين ولم يدر أنهما من ركعتين أو ركعة رجّحنا جانب الاحتياط. ولو كانتا من ركعتين ولم يدر أيهما هي قيل : يعيد ، لأنه لم تسلم له الأولتان يقينا ، والأظهر أنه لا إعادة ، وعليه سجدتا السهو.

______________________________________________________

صلاته » (١). وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٢).

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا ، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد » (٣).

قوله : ( ولو ترك سجدتين ولم يدر أنهما من ركعة أو ركعتين رجّحنا جانب الاحتياط ).

وهو بطلان الصلاة لإمكان كونهما من ركعة ، فلا يحصل يقين البراءة بدون الإعادة. ويحتمل الصحة لعدم تحقق المبطل ، ولأن نسيان السجدتين من ركعة واحدة خلاف الظاهر.

قوله : ( ولو كانتا من ركعتين ولم يدر أيهما هي قيل : يعيد ، لأنه لم تسلم له الأولتان يقينا ، والأظهر أنه لا إعادة ، وعليه سجدتا السهو ).

القول بالإعادة للشيخ (٤) وجماعة ، تفريعا على أن كل سهو يلحق الأولتين يبطل الصلاة ، وسيأتي ما فيه (٥) ، مع أن الأصل عدم التقدم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٧ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ـ ١٣٠١ ، الإستبصار ١ : ٣٤٣ ـ ١٢٩١ ، الوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهد ب ١٣ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ ـ ١٠ وفيه ذيل الحديث ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٤) المبسوط ١ : ١٢١.

(٥) في ص ٢٤٦.

٢٣٠

وإن أخلّ بواجب غير ركن ، فمنه ما يتمّ معه الصلاة من غير تدارك ، ومنه ما يتدارك من غير سجود ، ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو.

فالأول : من نسي القراءة أو الجهر أو الإخفات في مواضعه ، أو قراءة الحمد أو قراءة السورة حتى ركع ،

______________________________________________________

قوله : ( وإن أخلّ بواجب غير ركن ، فمنه ما يتمّ معه الصلاة من غير تدارك ، ومنه ما يتدارك من غير سجود ، ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو. فالأول : من نسي القراءة أو الجهر أو الإخفات في مواضعه أو قراءة الحمد أو قراءة السهو حتى ركع ).

لا خلاف في وجوب الإتمام في جميع هذه الصور من غير تدارك ، ويدل عليه مضافا إلى الإجماع ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الركوع والسجود ، وجعل القراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شي‌ء عليه » (١).

وفي الموثق ، عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها ، فقال : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » قلت : بلى ، قال : « تمت صلاتك إذا كان نسيانا » (٢).

ومقتضى العبارة وجوب الرجوع إلى جميع ذلك قبل الركوع. وهو في القراءة وأبعاضها ظاهر ، لإطلاق الأمر ، وبقاء المحل ، وخصوص موثقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل يقوم فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٦٩ ، الإستبصار ١ : ٣٥٣ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٢ ، وفي الجميع : عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٨ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٠ ، الإستبصار ١ : ٣٥٣ ـ ١٣٣٦ ، الوسائل ٤ : ٧٦٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٢.

٢٣١

أو الذكر في الركوع أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه ، أو رفع رأسه أو الطمأنينة [ فيه ] حتى سجد ،

______________________________________________________

أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ، ثم ليقرأها ما دام لم يركع » (١).

أما الجهر والإخفات فالأصح عدم وجوب تداركهما مطلقا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « وإن فعل ذلك ـ يعني الجهر ـ في موضع الإخفات أو عكسه ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه » (٢).

قوله : ( أو الذكر في الركوع ، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه ، أو رفع رأسه ، أو الطمأنينة فيه حتى سجد ).

لا خلاف في ذلك كله ، ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أنه قال : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٣).

وما رواه الشيخ ، عن عبد الله القداح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا ، قال : تمت صلاته » (٤).

وعن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده ، قال : « لا بأس بذلك » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الإستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٣ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٧ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ ١١٦٣ ، الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩١ ، الوسائل ٤. ٧٧٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٣ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٤ ، الوسائل ٤ : ٩٣٩ أبواب الركوع ب ١٥ ح ٢.

٢٣٢

أو الذكر في السجود ، أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه ، أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانيا ، أو الذكر في السجود الثاني أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه منه.

______________________________________________________

قوله : ( أو الذكر في السجود ، أو السجود على الأعضاء السبعة ، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه ).

يستثنى من ذلك الجبهة ، إذ لا يتحقق السجود بدون وضعها ، فيكون الإخلال به في السجدتين مبطلا ، لفوات الركن ، وقد نبه على ذلك في البيان (١).

قوله : ( أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانيا ).

الظاهر أن المراد بنسيان الرفع نسيان إكماله ، كما ذكره العلامة في القواعد (٢) ، والشهيد في البيان (٣) ، وذلك بأن يرتفع على وجه يتحقق الفصل بين السجدتين وينسى الباقي ، وإلا لم يتحقق تعدد السجود وتكون هذه المسألة من القسم الثالث ، وهو ما يتدارك مع سجود السهو.

واحتمل الشارح تحقق التثنية بمجرد النية حتى أنه لو سجد بنية الأولى ، ثم توهم الرفع والعود ، أو ذهل عن ذلك بحيث توهم أنه سجد ثانيا وذكر بنية الثانية أو لم يذكر يكون قد سجد سجدتين وإنما نسي الرفع بينهما (٤). وهو بعيد جدا ، فإن من هذا شأنه لا يصدق عليه أنه أتى بالسجدتين قطعا.

__________________

(١) البيان : ١٤٦.

(٢) القواعد ١ : ٤٣.

(٣) البيان : ١٤٦.

(٤) المسالك ١ : ٤١.

٢٣٣

والثاني : من نسي قراءة الحمد حتى قرأ سورة استأنف الحمد وسورة. وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قام فركع ثم سجد.

______________________________________________________

قوله : ( والثاني ، من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة استأنف الحمد وسورة ).

إنما نكّر المصنف السورة للتنبيه على أنه لا يتعين قراءة السورة التي قرأها أولا ، بل يتخير بعد الحمد أيّ سورة شاء.

قوله : ( وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قام فركع ثم سجد ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى إطلاق الأمر به روايات ، منها : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » (١).

وعلى ما ذكره الشيخ من حذف الزائد يرجع إليه بعد ذلك أيضا كما تقدم (٢).

واعلم أن مقتضى العبارة وجوب القيام أولا ثم الركوع ، وكأنه لاستدراك الهويّ إليه ، فإنه من جملة الواجبات ولم يقع بقصد الركوع فلا يكون مجزئا عنه. وهو (٣) إنما يتم مع نسيان الركوع في حال القيام ، أما مع تجدده بعد الوصول إلى حد الراكع فلا ، بل يقوم منحنيا إلى حد الراكع.

ولو تحققت صورة الركوع قبل النسيان أشكل العود إليه ، لاستلزامه زيادة الركن ، فإنّ حقيقة الركوع هو الانحناء المخصوص ، وأما الذكر والطمأنينة والرفع منه فإنها واجبات فيه خارجة عن حقيقته.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٢) في ص ٢١٦.

(٣) في « ح » زيادة : مع تسليمه.

٢٣٤

وكذا من ترك السجدتين أو إحداهما أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ، ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع. ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو ، وقيل. يجب ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ولا يخفى أن ذكر نسيان الركوع والسجدتين هنا وقع في غير محله ، لأن الكلام في نسيان الواجب الذي ليس بركن.

قوله : ( وكذا من ترك السجدتين أو إحداهما أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ، ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ، ثم ركع ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن من نسي السجدتين أو إحداهما ثم ذكر قبل أن يركع وجب عليه تلافيهما أو إحداهما ، ثم القيام والإتيان بما يلزمه من القراءة أو التسبيح ( والركوع ) (١) وهذا في السجدة الواحدة موضع وفاق بين العلماء ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام ، فذكر وهو قائم أنه لم يسجد ، قال : « فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ، ثم يسجدها فإنها قضاء » (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، والظاهر أنه ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : « يسجدها إذا ذكرها ولم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو » (٣).

__________________

(١) ما بين القوسين مشطوب في « ض ».

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ٤ : ٩٦٩ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

٢٣٥

______________________________________________________

وإنما الخلاف في نسيان السجدتين فذهب الأكثر إلى أنه كذلك ، لأن القيام إن كان انتقالا عن المحل لم يعد إلى السجدة الواحدة ، وإلا عاد إلى السجدتين. ويؤيده إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدمة (١) ، ورواية محمد بن مسلم الصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (٢) ، فإذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى.

وقال المفيد رحمه‌الله : إن ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال ، وإن نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام (٣). وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس (٤). ولم أقف على نصّ يقتضي التفرقة بين المسألتين والخروج عن مقتضى الأصل.

واعلم أنه متى كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما ، وإن كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى واطمأن بنية أنه الجلوس الواجب لم تجب إعادته قطعا. وإن لم يكن جلس كذلك فالأظهر وجوب الجلوس لأنه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع بقاء محله ، فيجب تداركه.

ومتى رجع لتدارك السجود أتى به ، ثم يأتي بما يلزم من تشهد أو قراءة أو تسبيح. ولو كان قد تشهد قبل القيام أعاده ( وجوبا ) (٥) رعاية للترتيب.

الثانية : أن من نسي التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ، ثم أتى بما يلزمه كذلك. وهو موضع وفاق ، ويدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ‌

__________________

(١) في ص ٢٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٥ ، الإستبصار ١ : ٣٥٦ ـ ١٣٤٨ ، الوسائل ٤ : ٩٣٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٣) المقنعة : ٢٢.

(٤) السرائر : ٥٠ ، ٥٣.

(٥) ليست في « ح ».

٢٣٦

______________________________________________________

في الصحيح ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما ، فقال : « إذا ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس ، وإن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته (١) ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم » (٢).

وفي الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : « إن ذكره قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ويسجد سجدتي السهو » (٣).

وفي الحسن ، عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قمت في الركعتين من الظهر أو من غيرها ولم تتشهد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتك ، وإن أنت لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلم » (٤).

واعلم أنه ليس في كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ ما يدل على حكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة والتشهد الأخير. والأجود تدارك الجميع إذا ذكر قبل التسليم وإن قلنا باستحبابه ، لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما.

ولو لم يذكر إلاّ بعد التسليم بطلت الصلاة إن كان المنسي السجدتين ، لفوات الركن ، وقضى السجدة الواحدة والتشهد ، لإطلاق قوله عليه‌السلام في‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : حتى إذا فرغ فليسلم.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٩ ـ ٦٢٤ ، الإستبصار ١ : ٣٦٣ ـ ١٣٧٥ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهد ب ٧ ح ٤ ، وأوردها في الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٨ ـ ٦١٨ ، الإستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٤ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٧ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٩ ، الوسائل ٤ : ٩٩٨ أبواب التشهد ب ٩ ح ٣.

٢٣٧

______________________________________________________

صحيحة ابن سنان : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » (١).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف ، فقال : « إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه » (٢).

ولا فرق في ذلك بين أن يتخلل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا.

وقال ابن إدريس : لو أخل بالتشهد الأخير حتى سلم وأحدث أعاد الصلاة لأنه أحدث في الصلاة لوقوع التسليم في غير موضعه (٣).

قال في المعتبر (٤) : وليس بوجه ، لأن التسليم مع السهو مشروع فيقع ويقضي التشهد ، لما روى حكم بن حكيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثم يذكر بعد ذلك ، قال : « يقضي ذلك بعينه » قلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : « لا » (٥). وهو حسن ، والظاهر أن المراد بالركعة مجموعها لا نفس الركوع خاصة ، وبالشي‌ء منها القنوت والتشهد ونحو ذلك مما لم يقم دليل على سقوط تداركه. وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، وقال الشهيد في الذكرى ـ بعد أن أوردها وأورد ما في معناها ـ وابن طاوس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٧ ، التهذيب ٢ : ٣٥٠ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٣) السرائر : ٥٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٨٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٦) الذكرى : ٢٢٠.

٢٣٨

ولو ترك الصلاة على النبي وعلى آله عليهم‌السلام حتى سلّم قضاهما بعد التسليم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ترك الصلاة على النبي وعلى آله عليهم‌السلام قضاها بعد التسليم ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (١) وجمع من الأصحاب. واستدل عليه في المختلف بأنه مأمور بالصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ولم يأت به فيبقى في عهدة التكليف إلى أن يخرج منه بفعله فتعين فعله ، وبأن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه ، تسوية بين الكل والجزء (٢).

ويتوجه على الأول أن الصلاة على النبي وآله إنما تجب في التشهد وقد فات ، والقضاء فرض مستأنف ، فيتوقف على الدليل وهو منتف. على أن في وجوب الأداء خلافا بين الأصحاب كما تقدم تحقيقه (٣).

وعلى الثاني منع الملازمة ، مع أنه لا يقول بالتسوية بين الكل والجزء مطلقا.

وقال ابن إدريس : لا يجب قضاء الصلاة على محمد وآله ، لأن حمله على التشهد قياس لا نقول به (٤). وأنكر العلامة في المختلف ذلك ، وقال بعد استدلاله بما حكيناه. وليس في هذه الأدلة قياس ، وإنما هو لقصور قوته المميزة حيث لم يجد نصا صريحا حكم بأن إيجاب القضاء مستند إلى القياس خاصة. هذا كلامه رحمه‌الله ، ولا يخفى ما فيه.

وإنما ذكر المصنف هذه المسألة في هذا القسم لعدم وجوب سجدتي السهو فيها ، فيكون هذا الجزء مما يتدارك بغير سجود. ويستفاد من ذلك أن مراده بالتدارك ما يشمل فعله في أثناء الصلاة وخارجها.

__________________

(١) النهاية : ٨٩ ، والخلاف ١ : ١٢٩ ، والمبسوط ١ : ١١٦.

(٢) المختلف : ١٣٩.

(٣) في ج ٣ ص ٤٢٦.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٣٩ ، ووجدنا خلافه في السرائر : ٤٨ ، ٥١.

٢٣٩

الثالث : من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى ركع قضاهما أو أحدهما ، وسجد سجدتي السهو.

______________________________________________________

قوله : ( والثالث ، من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى ركع قضاهما أو أحدهما ، وسجد سجدتي السهو ).

تضمنت هذه العبارة مسألتين :

إحداهما : أن من ترك سجدة من صلاته ولم يذكر حتى ركع قضاها وسجد سجدتي السهو.

أما وجوب القضاء فيدل عليه روايات كثيرة ، منها : روايتا إسماعيل بن جابر وأبي بصير المتقدمتان (١) ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم » (٢).

وفي الموثق ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سأله عن الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع ، قال : « يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلم ، فإذا سلم سجد مثل ما فاته » (٣).

وإطلاق هذه الروايات يقتضي عدم الفرق بين أن تكون السجدة من الركعتين الأولتين أو الأخيرتين.

وقال الشيخ في التهذيب : إن كان الإخلال من الركعتين الأولتين أعاد. واستدل بما رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل صلى ركعتين ، ثم ذكر في الثانية ـ وهو راكع ـ أنه ترك سجدة في الأولى ، قال : « كان أبو الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) في ص ٢٣٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ٩٧٢ أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٤ ، الإستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦٢ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

٢٤٠