مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه شافعا فيه.

______________________________________________________

جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب ».

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإن كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن كان المستضعف بسبيل منك فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية » (١).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف مذهبه : يصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدعى للمؤمنين والمؤمنات ويقال : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ويقال في الصلاة على من لا يعرف مذهبه : اللهم هذه النفوس أنت أحييتها وأنت أمتها اللهم ولّها ما تولت واحشرها مع من أحبت » (٢).

قوله : ( وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه شافعا فيه ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام في الصلاة على الطفل أنه كان يقول : « اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا » (٣) والفرط بفتح الراء في أصل الوضع : المتقدم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه (٤) ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا فرطكم على الحوض » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٧ ـ ٣ ، الوسائل ٢ : ٧٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٥ ـ ٤٨٩ ، الوسائل ٢ : ٧٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٩ ، الوسائل ٢ : ٧٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٢ ح ١.

(٤) راجع الصحاح ٣ : ١١٤٨.

(٥) مسند أحمد ٣ : ٣٤٥ ، ٣٨٤ ، سنن النسائي ١ : ٩٤ ، الجامع الصغير ١ : ٤١٤ ـ ٢٧٠٠.

١٨١

وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة. وأن يصلّى على الجنازة في المواضع المعتادة ، ولو صلّي في المساجد جاز.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة ).

إطلاق العبارة يقتضي استحباب ذلك لكل مصل ، وبهذا التعميم صرح الشارح (١) وجماعة ، وخصه الشهيد بالإمام تبعا لابن الجنيد (٢) ، والمستند في هذا الحكم ما رواه الشيخ ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان إذا صلّى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال » (٣) والرواية مطلقة. ولو قلنا بالتعميم واتفق صلاة جميع الحاضرين استثني منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة.

قوله : ( وأن يصلّى على الجنازة في المواضع المعتادة ).

أي : للصلاة على الجنائز ، لأن السامع بموته يقصدها للصلاة عليه فيكون ذلك طريقا إلى تكثير المصلين ، وهو أمر مطلوب لرجاء مجاب الدعوة فيهم ، وقد روى الصدوق في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى : وقد أجزت شهادتكم وغفرت له ما أعلم مما لا تعلمون » (٤).

قوله : ( ولو صلّي في المساجد جاز ).

لا ريب في الجواز ، وإنما الكلام في الكراهة ، فأثبتها الأكثر في جميع المساجد إلاّ بمكة المشرفة ، لما روي عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال لأبي بكر العلوي : « يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلّى عليها في المساجد » (٥) ومقتضى الرواية‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨.

(٢) الذكرى : ٦٤.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٢ ـ ٤٧٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٦ ـ ١٠١٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٣١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ٢.

١٨٢

وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين.

______________________________________________________

كراهة الصلاة في المساجد بمكة وغيرها ، لكنها ضعيفة السند(١).

وعلل العلاّمة في المنتهى استثناء مكة المشرفة بأن مكة كلها مسجد فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع وهو خلاف الإجماع (٢). ولا يخفى ضعف هذا التعليل.

والأصح انتفاء الكراهة مطلقا ، للأصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الفضل بن عبد الملك ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل يصلّى على الميت في المسجد؟ قال : « نعم » (٣) قال الشيخ رحمه‌الله : وروى محمد بن مسلم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام مثل ذلك (٤).

قوله : ( وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال العلاّمة في المختلف : المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميت (٥). وقيد ابن إدريس الكراهة بالصلاة جماعة ، لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرادى (٦). وقال الشيخ في الخلاف : من صلّى على جنازة يكره له أن يصلّي عليها ثانيا (٧). وهو يشعر باختصاص الكراهة بالمصلّي المتحد. وربما ظهر من كلامه في الاستبصار استحباب التكرار من المصلّي الواحد وغيره (٨).

__________________

(١) الظاهر أن وجهه هو مجهولية أبي بكر العلوي إذ لم يذكر في كتب الرجال.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٢ ، الإستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٢٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٣ ، الإستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٣٠ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ١ ، وفيها : عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٥) المختلف : ١٢٠.

(٦) السرائر : ٨١.

(٧) الخلاف ١ : ٢٩٥.

(٨) الاستبصار ١ : ٤٨٥.

١٨٣

______________________________________________________

والأخبار الواردة في هذه المسألة مختلفة ، فورد في بعضها الأمر بالصلاة لمن لم يصل كموثقة عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الميت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلّي عليه » (١).

وموثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلّي عليها؟ قال : « إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ عليها » (٢).

وورد في بعض آخر النهي عن ذلك كرواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة فلما فرغ جاء ناس فقالوا : يا رسول الله لم ندرك الصلاة عليها فقال : لا يصلّى على جنازة مرتين ، ولكن ادعوا له » (٣).

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الجنازة لا يصلّى عليها مرتين ، ادعوا له وقولوا خيرا » (٤).

وهذه الروايات كلها قاصرة من حيث السند ، وجمع الأكثر بينها بحمل النهي على الكراهة ، وظاهرهم الاتفاق على الجواز.

أما تكرار الصلاة من المصلّي الواحد فلم أقف فيه على رواية سوى ما نقل‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ـ ١٠٤٥ ، الإستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ـ ١٠٤٦ ، الإستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٥ ، الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٣٢ ـ ١٠٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٥ ـ ١٨٧٩ ، قرب الإسناد : ٦٣ ، الوسائل ٢ : ٧٨٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ـ ١٠١٠ ، الإستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٣.

١٨٤

______________________________________________________

من صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف خمس مرات ، وقد روي ذلك بعدة طرق : منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ، ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى ، فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة » (١) وعن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام نحو ذلك ، وفي الرواية : أنه عليه‌السلام كان كلما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (٢).

وبذلك احتج الشيخ على استحباب الإعادة مطلقا ، وهو إنما يدل على استحباب الإعادة للإمام خاصة ، لكن قال العلاّمة في المختلف : إن حديث سهل بن حنيف مختص بذلك الشخص إظهارا لفضله (٣) ، كما خص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمه حمزة بسبعين تكبيرة (٤). وفي كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة ما يدل على ذلك (٥).

وكيف كان فينبغي القطع بكراهة التكرار من المصلّي الواحد لغير الإمام ، بل يمكن القول بعدم مشروعيته ، لعدم ثبوت التعبد به. أما الإمام فلا يبعد الحكم بأنه يستحب له الإعادة بمن لم يصلّي ، للتأسي ، وانتفاء ما ينهض حجة على اختصاص الحكم بذلك الشخص.

ومتى قلنا بمشروعية الإعادة وأريد التعرض للوجه نوى الندب ، لسقوط‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢٥ ـ ١٠١١ ، الإستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٦ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ١٠١ ـ ٤٧٠ ، التهذيب ٣ : ١٩٧ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ٢ : ٧٧٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٥.

(٣) المختلف : ١٢٠.

(٤) راجع الهامش (٢).

(٥) نهج البلاغة ( شرح صبحي الصالح ) : ٣٨٦.

١٨٥

مسائل خمس :

الأولى : من أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه ، فإذا فرغ أتمّ ما بقي عليه ولاء ، ولو رفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو على القبر.

______________________________________________________

الفرض بالأولى ، وجوز المحقق الشيخ عليّ إيقاعها بنية الوجوب اعتبارا بأصل الفعل (١). ولا وجه له.

قوله : ( الأولى ، من أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه ، فإذا فرغ أتمّ ما بقي عليه ولاء ، وإن رفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو على القبر ).

يدل على ذلك روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا » (٢).

وفي الصحيح ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة ، قال : « يتمم ما بقي » (٣).

ومقتضى الرواية الأولى أن من هذا شأنه لا يأتي بالدعاء بين التكبيرات سواء أمكنه الإتيان بذلك قبل وقوع ما ينافي الصلاة من البعد والانحراف أم لا ، وقيده العلاّمة في بعض كتبه بما إذا خاف فوت الجنازة من محل تجوز الصلاة عليها فيه اختيارا (٤) ، ولا بأس به.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٥٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٣ ، الإستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٦٥ ، الوسائل ٢ : ٧٩٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٩ ـ ٤٦١ ، الإستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦١ ، الوسائل ٢ : ٧٩٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٢.

(٤) نهاية الأحكام ٢ : ٢٧٠ ، والقواعد ١ : ٢٠.

١٨٦

الثانية : إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام.

الثالثة : يجوز أن يصلي على القبر يوما وليلة من لم يصلّ عليه ، ثم لا يصلى بعد ذلك.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية ، إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام ).

قال الشارح قدس‌سره : المراد أنه سبقه سهوا أو ظنا أنه كبّر ، أما مع العمد فيستمر متأنيا حتى يلحقه الإمام ويأتم في الأخير (١). وفي الحكمين معا إشكال ، خصوصا الثاني ، لأن التكبير الواقع على هذا الوجه منهي عنه ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، فلو قيل بوجوب الإعادة مع العمد كان جيدا إن لم تبطل الصلاة بذلك.

قوله : ( الثالثة ، يجوز أن يصلي على القبر يوما وليلة من لم يصلّ عليه ، ثم لا يصلى بعد ذلك ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخان (٢) ، وابن إدريس (٣) ، والمصنف إلى أن من لم يدرك الصلاة على الميت يجوز له أن يصلّي على قبره يوما وليلة ، فإن زاد على ذلك لم تجز الصلاة عليه ، وإطلاق كلامهم يقتضي جواز الصلاة عليه كذلك وإن كان الميت قد صلّي عليه قبل الدفن.

وقال سلاّر : يصلّى عليه إلى ثلاثة أيام (٤).

وقال ابن الجنيد : يصلّى عليه ما لم تتغير صورته (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨.

(٢) المفيد في المقنعة : ٣٨ ، والشيخ في المبسوط ١ : ١٨٥.

(٣) السرائر : ٨١.

(٤) المراسم : ٨٠.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٢٠.

١٨٧

الرابعة : الأوقات كلّها صالحة لصلاة الجنازة ، إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة.

______________________________________________________

واعترف المصنف في المعتبر ، والعلاّمة في المنتهى (١) بعدم الوقوف في هذه التقديرات على مستند.

وقال ابن بابويه : من لم يدرك الصلاة على الميت صلّى على القبر (٢). ولم يقدر لها وقتا.

وأوجب العلاّمة في المختلف الصلاة على من دفن بغير صلاة ومنع من الصلاة على غيره (٣).

وجزم المصنف في المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا قال : ولا أمنع الجواز (٤). واستدل على عدم الوجوب بأن المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا فساوى من فني في قبره ، وعلى الجواز بالأخبار الواردة بالإذن في الصلاة على القبر كصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن » (٥).

والأصح ما اختاره المصنف من عدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا ، لكن لا يبعد اختصاص الجواز بيوم الدفن.

قوله : ( الرابعة ، الأوقات كلّها صالحة لصلاة الجنازة ، إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة ).

المراد أنها صالحة لصلاة الجنازة من غير كراهة ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٥٩ ، والمنتهى ١ : ٤٥٠.

(٢) نقله عن علي بن بابويه في المختلف : ١٢٠.

(٣) المختلف : ١٢٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٦ ، الإستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٦٦ ، الوسائل ٢ : ٧٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ١.

١٨٨

ولو خيف على الميت مع سعة الوقت قدمت الصلاة عليه.

الخامسة : إذا صلي على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيّرا ، إن شاء استأنف الصلاة عليهما ، وإن شاء أتمّ الأولى على الأول‌

______________________________________________________

مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « يصلّى على الجنازة في كل ساعة إنها ليست بصلاة ركوع وسجود » (١) وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع إنما هو استغفار » (٢).

ومقتضى العبارة وجوب تقديم الحاضرة عند تضيق وقتها وإن خيف على الميت ، وهو كذلك. وقال الشيخ في المبسوط : تقدم الجنازة إذا خيف على الميت ، لأن حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا (٣). ولا ريب في ضعفه.

قوله : ( ولو خيف على الميت مع سعة الوقت قدمت الصلاة عليه ).

لا ريب في تقديم الصلاة على الميت ودفنه والحال هذه على الصلاة ، لأن ذلك واجب مضيق فلا يعارضه الموسع. ولو اتسع الوقتان فالأولى تقديم اليومية ، لقول الكاظم عليه‌السلام في صحيحة أخيه عليّ بن جعفر : « إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب ثم صلّ على الجنائز » (٤).

قوله : ( الخامسة ، إذا صلي على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيّرا ، إن شاء استأنف الصلاة عليهما ، وإن شاء أتمّ للأولى‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٢ ـ ٤٧٤ ، الإستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٤ ، الوسائل ٢ : ٧٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢١ ـ ٩٩٩ ، الإستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٥ ، الوسائل ٢ : ٧٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ١٨٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٦ ، قرب الإسناد : ٩٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ٣.

١٨٩

واستأنف للثاني.

______________________________________________________

واستأنف للثانية ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (١) ، وجمع من الأصحاب ، واحتجوا عليه بصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها أخرى قال : « إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة ، وإن شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة ، كل ذلك لا بأس به » (٢) ولا يخفى قصور هذه الرواية عن إفادة المدعى ، إذ المتبادر منها أن ما بقي من التكبير محسوب للجنازتين ، فإذا فرغوا من تكبير الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، ولا دلالة لها على إبطال الصلاة على الأولى بوجه. ويمكن أن يراد بإتمام التكبير على الأخيرة استئناف الصلاة عليها بعد إتمام الأولى. ومتى قلنا بالتشريك فينبغي إحداث النية له عند إرادته.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٠ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٢ : ٨١١ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٤ ح ١.

١٩٠

الفصل الخامس :

في الصلوات المرغبات

وهي قسمان :

النوافل اليومية وقد ذكرناها ، وما عدا ذلك وهو ينقسم :

فمنه ما لا يختص وقتا بعينه :

وهذا القسم كثير غير أنا نذكر مهمّه ، وهو صلوات :

الأولى : صلاة الاستسقاء

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس ، في الصلوات المرغبات ، وهي قسمان : النوافل اليومية وقد ذكرناها ، وما عدا ذلك وهو ينقسم ، فمنه ما لا يختص وقتا بعينه ، وهذا القسم كثير غير أنا نذكر مهمّه ، وهو صلوات ، الأولى : صلاة الاستسقاء ).

الاستسقاء طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها ، ولا خلاف بين العلماء في شرعيته ، وقد كان مشروعا في الملل السالفة ، قال الله تعالى ( وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ) (١) وروي ابن بابويه ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إن سليمان بن داود عليه‌السلام خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقي فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ، لا غنى لنا عن رزقك ، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم ، فقال سليمان‌

__________________

(١) البقرة : ٥٩.

١٩١

وهي مستحبة عند غور الأنهار ، وفتور الأمطار.

______________________________________________________

عليه‌السلام : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم » (١).

وروى الشيخ في التهذيب مرسلا ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إذا غضب الله تعالى على أمة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجارها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تعذب أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلط عليها أشرارها » (٢).

قوله : ( وهي مستحبة عند غور الأنهار ، وفتور الأمطار ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة (٣) وقال في المنتهى : أجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء عند الجدب إلاّ أبا حنيفة فإنه قال : لا تسن لها الصلاة بل الدعاء (٤). والأصل في استحباب الصلاة التأسي ، والأخبار المستفيضة كرواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى صلاة الاستسقاء ركعتين ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، وكبر سبعا وخمسا وجهر بالقراءة » (٥).

وموثقة عبد الله بن بكير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الاستسقاء ، قال : « يصلّي ركعتين ويقلب رداءه الذي على يمينه فيجعله على‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٣٣ ـ ١٤٩٣ ، الوسائل ٥ : ١٦٣ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣١٩ ، الوسائل ٥ : ١٦٨ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٧ ح ٢ ، وذكرها في الفقيه ١ : ٣٣٢ ـ ١٤٩٢.

(٣) التذكرة ١ : ١٦٦.

(٤) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٥) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٦ ، الإستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٦٦ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٥ ح ١.

١٩٢

وكيفيتها مثل كيفية صلاة العيد غير أنه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله سبحانه ، وسؤاله الرحمة بإرسال الغيث ، ويتخير من الأدعية ما تيسّر له ، وإلا فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

______________________________________________________

يساره ، والذي على يساره على يمينه ، ويدعو الله فيستسقي » (١).

قوله : ( وكيفيتها مثل كيفية صلاة العيد غير أنه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله سبحانه ، وسؤاله الرحمة بإرسال الغيث ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى (٢). ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ في الحسن ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العيدين يقرأ فيهما ويكبر فيهما ، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ويبرز معه الناس ، فيحمد الله ويمجده ويثني عليه ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلّي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك صنع » (٣) ويستفاد من هذه الرواية أن هذه الصلاة مثل صلاة العيد كيفية ووقتا وخطبة.

قوله : ( ويتخير من الأدعية ما تيسّر له ، وإلا فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣٢١ ، الوسائل ٥ : ١٦٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٣ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٢ ـ ١٧٥٠ ، وفيه صدر الحديث ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ١ ، وذكرها في الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ٢.

١٩٣

ومسنونات هذه الصلاة : أن يصوم الناس ثلاثة أيام ، ويكون خروجهم يوم الثالث. ويستحب أن يكون ذلك الثالث الاثنين ، فإن لم يتيسّر فالجمعة.

______________________________________________________

ظاهر العبارة يقتضي ترجيح ما تيسر على المنقول ، وهو خلاف ما صرح به‌ المصنف في المعتبر حيث قال : وأفضل ما يقال الأدعية المأثورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، لاختصاصهم من معرفة خطاب الله سبحانه بما لا يتحصل لغيرهم (١). واعتذر له الشارح ـ قدس‌سره ـ بأن هذا التركيب من باب صناعة القلب ، وأن النكتة فيه جواز الدعاء بما تيسر وإن أمكن المنصوص (٢). واحتمل أن يكون فعل الشرط المحذوف : يتخير ، لا : يتيسر ، والمعنى : وإلاّ يرد التخير بل يرد الأفضل فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام ، وفيه بعد.

قوله : ( ومسنونات هذه الصلاة : أن يصوم الناس ثلاثة أيام ، ويكون خروجهم يوم الثالث ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ ، عن حماد السراج ، قال : أرسلني محمد بن خالد إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أقول له : إن الناس قد أكثروا عليّ في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : « قل له : ليس الاستسقاء هكذا ، فقل له : يخرج فيخطب الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ، ويخرج بهم اليوم الثالث وهم صيام » (٣) ويؤيده ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إن دعوة الصائم لا ترد » (٤).

قوله : ( ويستحب أن يكون ذلك الثالث الاثنين ، فإن لم يتيسر فالجمعة ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٦٢.

(٢) المسالك ١ : ٣٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٤ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٢ ح ١.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٣٤٥.

١٩٤

وأن يخرجوا إلى الصحراء حفاة على سكينة ووقار ، ولا يصلوا في المساجد.

______________________________________________________

أما استحباب كونه يوم الاثنين فلأمر الصادق عليه‌السلام محمد بن خالد‌ بذلك (١) ، وأما يوم الجمعة فلشرفه وكونه محلا لإجابة الدعاء ، لما ورد : « إن العبد ليسأل الحاجة فتؤخر الإجابة إلى يوم الجمعة » (٢).

ولم يذكر المفيد في المقنعة (٣) ، وأبو الصلاح (٤) سوى الجمعة ، وكأنه لشرفه وضعف رواية الاثنين (٥). ونقل عن ابن الجنيد (٦) ، وابن أبي عقيل (٧) ، وسلاّر (٨) أنهم لم يعينوا يوما. ولا ريب في جواز الخروج في سائر الأيام.

قوله : ( وأن يخرجوا إلى الصحراء حفاة على سكينة ووقار ، ولا يصلوا في المساجد ).

أما استحباب الخروج إلى الصحراء فيدل عليه ما رواه الشيخ ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام أنه قال : « مضت السنة أنه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ، ولا يستسقى في المساجد إلاّ بمكة » (٩) قال في المعتبر : وهذه الرواية وإن ضعف سندها إلاّ أن اتفاق الأصحاب على العمل بها (١٠).

ومقتضى الرواية أن أهل مكة يستسقون في المسجد الحرام ، قال في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢.

(٢) المحاسن : ٥٨ ـ ٩٤ ، المقنعة : ٢٥ ، الوسائل ٥ : ٦٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤١ ح ١.

(٣) لم نعثر على تعيين الجمعة في المقنعة ، ونقل في المختلف : ١٢٥ ، أنه لم يعيّن يوما.

(٤) الكافي في الفقه : ١٦٢.

(٥) لعل وجهه أن راويها مرّة وهو مولى خالد لم يذكر في غير رجال الشيخ ولم يوثق فيه ـ راجع رجال الطوسي : ٣٢١ ـ ٦٥٨.

(٦) المختلف : ١٢٥.

(٧) المختلف : ١٢٥.

(٨) المراسم : ٨٣.

(٩) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٥ ، الوسائل ٥ : ١٦٦ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٤ ح ١.

(١٠) المعتبر ٢ : ٣٦٣.

١٩٥

وأن يخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز ، ولا يخرجوا ذميّا ، ويفرّقوا بين الأطفال وأمهاتهم.

______________________________________________________

المنتهى : وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم (١). وألحق به ابن الجنيد مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وأما استحباب الحفاء والخروج على السكينة والوقار فلأن ذلك من أوصاف المتذلل الخاشع وهو مطلوب في هذا المقام.

قوله : ( وأن يخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز ).

لأنهم أقرب إلى الرحمة وأسرع للإجابة ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لا أطفال رضّع ، وشيوخ ركّع ، وبهائم رتّع لصب عليكم العذاب صبا » (٣) ويتأكد ذلك في أبناء الثمانين ، لقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » (٤).

قوله : ( ويفرّقوا بين الأطفال وأمهاتهم ).

ليكثروا من البكاء والعجيج إلى الله تعالى. ويتحقق التفريق بينهم بأن يعطى الولد لغير أمه.

قوله : ( ولا يخرجوا ذميا ).

لأنهم أعداء الله فهم بعيدون من الإجابة ، قال الله تعالى ( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ ) (٥).

وروى الصدوق ـ رحمه‌الله ـ مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنه جاء أصحاب فرعون إليه فقالوا : غار ماء النيل وفيه هلاكنا فقال : انصرفوا اليوم فلما أن كان الليل توسط النيل ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إنك‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٥٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٢٦.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٤٥.

(٤) الخصال : ٥٤٤ ـ ٢١ ، البحار ٧٠ : ٣٨٨ ـ ٤.

(٥) الرعد : ١٤.

١٩٦

فإذا فرغ الإمام من صلاته حوّل رداءه ، ثم استقبل القبلة ، وكبّر مائة رافعا بها صوته ، وسبح الله إلى يمينه كذلك ، وهلل عن يساره مثل ذلك ، واستقبل الناس ، وحمد الله مائة ، وهم يتابعون في كل ذلك ،

______________________________________________________

تعلم أني أعلم أنه لا يقدر على أن يجي‌ء بالماء إلاّ أنت فجئنا به فأصبح النيل يتدفق » (١).

قال في المنتهى : فعلى هذه الرواية لو خرجوا جاز أن لا يمنعوا ، لأنهم يطلبون أرزاقهم من الله تعالى ، وقد ضمنها لهم في الدنيا فلا يمنعون من طلبها فلا تبعد إجابتهم ، وقول من قال : إنهم ربما ظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم ضعيف ، لأنه لا يبعد أن يتفق نزول الغيث يوم خروجهم بانفرادهم فيكون أعظم لفتنتهم (٢).

قوله : ( فإذا فرغ الإمام من صلاته حوّل رداءه ، ثم استقبل القبلة ، وكبّر مائة رافعا بها صوته ، وسبح إلى يمينه كذلك ، وهلل عن يساره مثل ذلك ، واستقبل الناس ، وحمد الله مائة مرة ، وهم يتابعونه في كل ذلك ).

أما استحباب تحويل الرداء للإمام بأن يقلب ما على ميامنه إلى مياسره وما على مياسره إلى ميامنه فتدل عليه روايات كثيرة : منها حسنة هشام المتقدمة حيث قال فيها : « فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر ، والذي على الأيسر على الأيمن » (٣).

وأما استحباب الذكر على الوجه المذكور فعلله في المعتبر بأن القصد به إيفاء الجهات حق الاستغفار والتضرع والابتهال ، لأنه لا يعلم إدراك الرحمة من أي جهة (٤). ويدل عليه قول الصادق عليه‌السلام لما علّم محمد بن خالد صلاة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٣٤ ـ ١٥٠٢.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٥.

(٣) في ص ١٩٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٦٥.

١٩٧

ثم يخطب ويبالغ في تضرّعاته ، فإن تأخرت الإجابة كرّروا الخروج حتى تدركهم الرحمة.

______________________________________________________

الاستسقاء بعد أن ذكر أن أنه يصلي بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة : « ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة فيكبر الله مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون فإني لأرجو أن لا يخيبوا » (١) وما ذكره المصنف من استحباب متابعتهم له في هذه الأذكار لم أقف على مأخذه.

قوله : ( ثم يخطب ويبالغ في تضرّعاته ).

استحباب الخطبة بعد الصلاة قول علمائنا أجمع قاله في التذكرة (٢) ، وهو مروي من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام (٣). وروى إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة » (٤).

قال الشيخ في التهذيب : والعمل على الرواية الأولى أولى ، لأن ما قدمناه من الأخبار تضمن أنه يصلي الاستسقاء كما يصلي العيدين ، وقد بيّنّا فيما مضى أن صلاة العيدين الخطبة بعدها فيجب أن تكون هذه الصلاة جارية مجراها.

قوله : ( وإن تأخرت الإجابة كرر الخروج حتى تدركهم الرحمة ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٦٧.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٦ ، الإستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٦٦ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٧ ، الإستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٦٧ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٥ ح ٢.

١٩٨

وكما تجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار فإنها تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.

الثانية : صلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الشكر ، وصلوات الزيارات.

ومنها ما يختص وقتا معينا ، وهي صلوات :

الأولى : نافلة شهر رمضان

والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان ، زيادة على النوافل المرتبة.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا‌ وأكثر العامة (١) ، ويدل عليه مضافا إلى وجود السبب المقتضي للاستحباب قوله عليه‌السلام : « إن الله يحب الملحّين في الدعاء » (٢) وينبغي استئناف الصوم مع عدم (٣) استمراره ، لإطلاق الأمر به قبل الصلاة.

قوله : ( الثانية ، في صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة ، وصلاة الشكر ، وصلاة الزيارات ).

قد ذكر لكل من هذه الصلوات كيفيات وآداب ودعوات خاصة تطلب من أماكنها وهي كتب الحديث والعبادات.

قوله : ( ومنها ما يختص وقتا معينا ، وهي صلوات ، الأولى : نافلة شهر رمضان ، والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة زيادة على النوافل المرتبة ).

استحباب هذه النافلة قول معظم الأصحاب ، ونقل عن الصدوق ـ رحمه‌

__________________

(١) منهم الشافعي في الأم ١ : ٢٤٧ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٩٤ ، ٢٩٦ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٩٩.

(٢) قرب الإسناد : ٥ ، الوسائل ٤ : ١١١٠ أبواب الدعاء ب ٢٠ ح ٨ ، بتفاوت.

(٣) لفظة : عدم ، ليست في « ض ».

١٩٩

______________________________________________________

الله ـ أنه قال : لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (١). وكلامه فيمن لا يحضره الفقيه لا يقتضي نفي المشروعية ، فإنه قال بعد أن أورد خبر سماعة المتضمن للنوافل : وإنما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ، ليعلم الناظر في كتابي كيف يروى ومن رواه ، وليعلم من اعتقادي فيه أني لا أرى بأسا باستعماله (٢).

والظاهر أنه لا خلاف في جواز الفعل ، وإنما الكلام في التوظيف ، والأخبار الواردة بذلك مستفيضة جدا إلاّ أنها مشتركة في ضعف السند ، وبإزائها أخبار أخر دالة على العدم كرواية محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه لا يصلي شيئا إلاّ بعد انتصاف الليل ، لا في شهر رمضان ولا في غيره » (٣).

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في شهر رمضان فقال : : « ثلاث عشرة ركعة : منها الوتر ، وركعتا الصبح قبل الفجر ، كذلك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ، وأنا كذلك أصلّي ، ولو كان خيرا لم يتركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

ومثله روى عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال في آخر الرواية : « ولو كان فضلا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعمل به وأحق » (٥).

__________________

(١) حكاه عنه في السرائر : ٦٨ ، والذكرى : ٢٥٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٦٩ ـ ٢٢٥ ، الإستبصار ١ : ٤٦٧ ـ ١٨٠٦ ، الوسائل ٥ : ١٩٠ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٩ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٨ ـ ٣٩٥ ، التهذيب ٣ : ٦٨ ـ ٢٢٣ ، الإستبصار ١ : ٤٦٦ ـ ١٨٠٤ ، الوسائل ٥ : ١٩٠ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٩ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٨٨ ـ ٣٩٦ ، التهذيب ٣ : ٦٩ ـ ٢٢٤ ، الإستبصار ١ : ٤٦٧ ـ ١٨٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٩٠ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٩ ح ٢.

٢٠٠