مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ولا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن الولي ، سواء كان بشرائط الإمامة أو لم يكن بعد أن يكون مكلّفا.

______________________________________________________

المراد بالأفقه : الأعلم بفقه الصلاة ، وبالأقرإ : الأعلم بمرجحات‌ القراءة ، وبالأسن : الأكبر سنا. وقيل : إن المراد علو السن في الإسلام (١) ، فلو كان أحدهما ابن ثلاثين سنة كلها في الإسلام والآخر ابن ستين لكن إسلامه أقل من ثلاثين فالأول هو الأسن. وبالأصبح : الأحسن وجها ، أو ذكرا بين الناس. ولم أقف على مأخذ ذلك في صلاة الجنازة على الخصوص ، وظاهر الأصحاب إلحاقها بجماعة المكتوبة ، وقد ثبت الترجيح فيها بهذه الأوصاف ، لكن المصنف جزم هناك بتقديم الأقرأ على الأفقه (٢).

واستوجه الشهيد في الذكرى تقديم الأفقه هنا ، لسقوط القراءة في صلاة الجنازة (٣).

ورد بأن مرجحات القراءة معتبرة في الدعاء ، ولو لا ذلك لسقط الترجيح بالأقرإ ، وسيجي‌ء الكلام في هذه الأوصاف في إمام الجماعة مفصلا إن شاء الله (٤).

قوله : ( ولا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن الولي ، سواء كان بشرائط الإمامة أو لم يكن بعد أن يكون مكلّفا ).

إنما قيد الوارث بكونه مكلفا ليخرج غيره فإنه لا يعتبر إذنه ، وتنتقل الولاية إلى غيره من الورثة كما لو كان معدوما.

ويندرج في قول المصنف : ولا يجوز أن يتقدم أحد ، من عدا الولي من الأقارب والأجانب حتى الموصى إليه بالصلاة على الميت فلا يجوز له التقدم إلاّ بإذن الولي ، وبه قطع العلاّمة في المختلف ، وأسنده إلى الأصحاب ، واحتج‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣١٢ ، والمسالك ١ : ٣٧.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٢٥.

(٣) الذكرى : ٥٧.

(٤) في ص ٣٥٧.

١٦١

وإمام الأصل أولى بالصلاة من كل أحد. والهاشمي أولى من غيره إذا قدّمه الوليّ وكان بشرائط الإمامة.

______________________________________________________

عليه بآية أولي الأرحام (١).

وقال ابن الجنيد : الموصى إليه بالصلاة أولى بها من القرابات ، لعموم ما دل على النهي عن تبديل الوصية (٢) ، ولاشتهار ذلك بين السلف ، ولأن الميت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه وطمعه في إجابة دعائه فمنعه من ذلك وحرمانه ما أمله غير موافق للحكمة (٣) ، ولا بأس به.

قوله : ( وإمام الأصل أولى من كل أحد ).

لا ريب في ذلك والبحث في احتياجه عليه‌السلام إلى إذن الولي وعدمه تكلف مستغنى عنه.

قوله : ( والهاشمي أولى من غيره إذا قدّمه الوليّ وكان بشرائط الإمامة ).

المراد أنه ينبغي للولي تقديمه إذا كان بشرائط الإمامة ، واستدل عليه في المعتبر بقوله : قدموا قريشا ولا تقدموهم (٤) ، وبأنه مع استكمال الشرائط يرجح بشرف النسب (٥). وبالغ المفيد ـ رحمه‌الله ـ فأوجب تقديم الهاشمي إذا حضر (٦). قال في الذكرى : وربما حمل كلامه على إمام الأصل (٧). وهو بعيد ، لأنه قال : وإن حضر رجل من فضلاء بني هاشم ، وهو صريح في كل واحد من فضلائهم.

__________________

(١) المختلف : ١٢٠.

(٢) البقرة : ١٨١ ، الوسائل ١٣ : ٤١١ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٢٠ ، والذكرى : ٥٧.

(٤) الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٥٣ ـ ٦١٠٨ ، ٦١٠٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٣٤٧.

(٦) المقنعة : ٣٨.

(٧) الذكرى : ٥٧.

١٦٢

ويجوز أن تؤم المرأة بالنساء ، ويكره أن تبرز عنهن ، بل تقف في صفّهن. وكذا الرجال العراة. وغيرهما من الأئمة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتمّ واحدا :

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز أن تؤم المرأة النساء ، ويكره أن تبرز فيهن ، بل تقف في صفهن ).

يدل على ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ علي الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبّر ويكبّرن » (١).

قوله : ( وكذا الرجال العراة ).

أي يجوز أن يؤم أحدهم الباقين ويقف في صفهم ، وظاهر العبارة أنهم لا يجلسون كاليومية ، وبه صرح في المعتبر فقال : وإنما قال في الأصل : والعاري كذلك ، لأنه يقوم في الجنازة ، ولا يقعد وينضم إلى الصف ولا يبرز (٢). والفارق اختصاص اليومية بالنص على الجلوس لا احتياجها إلى الركوع والسجود كما ذكره في الذكرى (٣) ، لأن الواجب الإيماء.

قوله : ( وغيرهما من الأئمة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتمّ واحدا ).

بخلاف غيرها من الصلوات فإن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام ، والفارق النص. فروي الكليني وابن بابويه ، عن اليسع بن عبد الله القمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي على الجنازة وحده؟ قال : « نعم » قلت : فاثنان يصلّيان عليها؟ قال : « نعم ولكن يقوم الآخر‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٧ ، الوسائل ٢ : ٨٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٤٧.

(٣) الذكرى : ٥٨.

١٦٣

وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه ، وإن كان وراءه رجال وقفن خلفهم ، وإن كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا.

الثالث : في كيفية الصلاة ، وهي خمس تكبيرات ،

______________________________________________________

خلف الآخر ولا يقوم بجنبه » (١).

قوله : ( وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه ، وإن كان وراءه رجال وقفن خلفهم ، وإن كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا ).

أما الحكم الأول فلا ريب فيه ، لأن مواقف النساء في الجماعة خلف الرجال ، ولما رواه الكليني ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير الصفوف في الصلاة المقدم ، وخير الصفوف في الجنائز المؤخر ، قيل : يا رسول الله ولم؟ قال : صار سترة للنساء » (٢).

وأما الحكم الثاني فيدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال : « نعم. ولا تقف معهم ، بل تقف منفردة » (٣).

قوله : ( وهي خمس تكبيرات ).

هذا قول علمائنا أجمع وأخبارهم به مستفيضة ، فروى ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لما مات آدم عليه‌السلام فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله لجبرائيل عليه‌السلام : تقدم يا رسول الله فصلّ على نبي الله ، فقال جبرائيل عليه‌السلام : إن الله عزّ وجلّ أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٦ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٠٣ ـ ٤٧٧ ، الوسائل ٢ : ٨٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٨ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٦ ـ ٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٤ ـ ٤٧٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ١.

١٦٤

______________________________________________________

وأنت من أبرّهم ، فتقدّم فكبّر عليه خمسا عدة الصلوات التي افترضها الله تعالى على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي السنة الجارية في ولده إلى يوم القيامة » (١).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « التكبير على الميت خمس تكبيرات » (٢).

وفي الصحيح ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميت فقال : « أما المؤمن فخمس تكبيرات ، وأما المنافق فأربع ولا سلام فيها » (٣).

وفي الصحيح ، عن حماد بن عثمان وهشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر على قوم خمسا وعلى آخرين أربعا ، فإذا كبّر على رجل أربعا اتّهم ، يعني بالنفاق » (٤). قال في الذكرى : وهذا جمع حسن بين ما رواه العامة (٥) لو كانوا يعقلون (٦).

وحيث ثبت التحديد بالخمس فلا تجوز الزيادة عليها كما لا تجوز النقيصة عنها ، لكن تبطل الصلاة مع النقصان على وجه لا يمكن تداركه لعدم تحقق الامتثال ، ولا تبطل مع الزيادة لتحقق الخروج من الصلاة بالخامسة ، نعم يأثم مع اعتقاد الشرعية.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٠ ـ ٤٦٨ ، الوسائل ٢ : ٧٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١٥ ـ ٩٧٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧٤ ـ ١٨٣٢ ، الوسائل ٢ : ٧٧٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٦.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٢ ـ ٤٣٩ ، الوسائل ٢ : ٧٧٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٧ ـ ٤٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٥ ـ ١٨٣٩ ، علل الشرائع : ٣٠٣ ـ ٢ ، الوسائل ٢ : ٧٧٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨١.

(٦) الذكرى : ٥٨.

١٦٥

والدعاء بينهن غير لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على التعيين : وأفضل ما يقال ما رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى على ميّت كبّر وتشهد ، ثم كبّر وصلى على الأنبياء ودعا ، ثم كبّر ودعا للمؤمنين ، ثم كبّر الرابعة ودعا للميّت ، ثم كبّر وانصرف.

______________________________________________________

ولو شك في عدد التكبيرات بنى على الأقل ، ولو فعله ثم ذكر سبقه لم تبطل الصلاة بذلك.

قوله : ( والدعاء بينهن غير لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على التعيين : وأفضل ما يقال ما رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى على ميّت كبّر وتشهد ، ثم كبّر وصلى على الأنبياء ودعا ، ثم كبّر ودعا للمؤمنين ، ثم كبّر الرابعة ودعا للميّت ، ثم كبّر خامسة وانصرف ).

الخلاف في هذه المسألة وقع في مواضع :

الأول : هل الدعاء بين التكبيرات واجب أو مستحب؟ قيل بالأول (١) ، وهو الأظهر ، وإليه ذهب الأكثر ، بل قال في الذكرى : إن الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة ولم يصرح أحد منهم بندبه ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب (٢). ويدل عليه الأخبار الكثيرة المتضمنة للأمر بالدعاء ، كقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة ومحمد بن مسلم ومن معهما : « تدعوا بما بدا لك » (٣) وفي رواية أبي بصير : « إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات » (٤) وغير ذلك من الأخبار ، وسنورد طرفا منها بعد ذلك.

__________________

(١) قال به العلامة في التذكرة ١ : ٤٩ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٥٨.

(٢) الذكرى : ٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٨٩ ـ ٤٢٩ ، الوسائل ١ : ٧٨٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١٨ ـ ٩٨٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧٦ ـ ١٨٤٢ ، الوسائل ٢ : ٧٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٢.

١٦٦

______________________________________________________

وقيل بالثاني ، وبه قطع المصنف في هذا الكتاب صريحا وفي النافع ظاهرا (١) ، وربما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لأن الصلاة على الميت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك (٢).

الثاني : إنه على القول بوجوب الدعاء فهل يجب فيه لفظ على التعيين أم لا؟ الأصح عدم الوجوب ، وهو خيرة الأكثر ، للأصل ، واختلاف الروايات في كيفية الدعاء كما ستقف عليه ، وما رواه الكليني في الحسن ، عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ليس في الصلاة [ على الميت قراءة ولا ] (٣) دعاء موقت ، تدعو بما بدا لك ، وأحق الموتى أن يدعى له : المؤمن ، وأن يبدأ بالصلاة على نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

وأوجب العلاّمة في جملة من كتبه (٥) ، وأكثر المتأخرين الشهادتين عقيب الأولى ، والصلاة على النبي وآله عقيب الثانية ، والدعاء للمؤمنين عقيب الثالثة ، والدعاء للميت عقيب الرابعة ، تعويلا على رواية محمد بن مهاجر (٦) ، عن أمه أمّ سلمة التي أوردها المصنف رحمه‌الله ، وهي مع ضعف سندها بجهالة أمّ سلمة الرواية للحديث لا تدل على الوجوب صريحا ، مع أنها معارضة بقوله عليه‌السلام في حسنة الفضلاء المتقدمة : « ليس في الصلاة دعاء موقت » وبما سنورده من الأخبار المعتبرة الدالة على عدم تعين ذلك.

الثالث : ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ أن أفضل ما يقال في صلاة الجنازة ما‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٤٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٧٧٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٥.

(٣) أثبتناه من « ح » والمصدر.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٥ ـ ١ ، الوسائل ٢ : ٧٨٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ١.

(٥) التذكرة ١ : ٤٩ ، والقواعد ١ : ٢٠ ، وتحرير الأحكام : ١٩.

(٦) الكافي ٣ : ١٨١ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٠ ـ ٤٦٩ ، التهذيب ٣ : ١٨٩ ـ ٤٣١ ، علل الشرائع : ٣٠٣ ـ ٣ ، الوسائل ٢ : ٧٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

١٦٧

______________________________________________________

رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وكأن وجه الدلالة على أفضلية ما تضمنته الرواية قوله عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى على ميت كبر وتشهد. » فإن لفظة : « كان » يشعر بالدوام ، وأقل مراتب مواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك الرجحان.

ومقتضى كلام ابن أبي عقيل أن الأفضل جمع الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة (١) ، ولم أقف على رواية تدل عليه.

والأولى والأفضل اعتماد ما تضمنته الروايات المعتبرة عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي ولاّد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التكبير على الميت فقال : « خمس تكبيرات تقول إذا كبرت : « أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، ثم تقول : اللهم إن هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غنيّ عن عذابه ، اللهم ولا نعلم من ظاهره إلاّ خيرا وأنت أعلم بسريرته ، اللهم إن كان محسنا فضاعف إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن إساءته ، ثم تكبير الثانية ثم تفعل ذلك في كل تكبيرة » (٢).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تكبر ثم تشهد ، ثم تقول : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة صلّ على محمد وأهل بيته ، جزى الله عنا محمدا خير الجزاء بما صنع بأمته وبما بلّغ من رسالات ربه ، ثم تقول : اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيته بيدك ، خلا من الدنيا واحتاج إلى رحمتك‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١١٩ ، والذكرى : ٥٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩١ ـ ٤٣٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧٤ ـ ١٨٣٦ ، الوسائل ٢ : ٧٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٥.

١٦٨

وان كان منافقا اقتصر المصلي على أربع ، وانصرف بالرابعة.

______________________________________________________

وأنت غنيّ عن عذابه ، اللهم إنّا لا نعلم [ منه ] (١) إلاّ خيرا وأنت تعلم ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وتقبّل منه ، وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا وإياه إلى صراطك المستقيم عفوك عفوك ، ثم تكبر الثانية وتقول مثلما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات » (٢).

وفي الحسن ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الصلاة على الميت قال : « تكبر ثم تصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تقول : اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك لا أعلم [ منه ] (٣) إلاّ خيرا وأنت أعلم ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وتقبّل منه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تكبر الثانية وتقول : اللهم إن كان زاكيا فزكّه وإن كان خاطئا فاغفر له ، ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده ، ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على عقبه في الغابرين واجعله من رفقاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم كبر الخامسة وانصرف » (٤). والعمل بكل من هذه الأخبار حسن إن شاء الله وإن كانت الرواية الأولى أولى.

قوله : ( وإن كان منافقا اقتصر المصلي على أربع ، وانصرف بالرابعة ).

المراد بالمنافق هنا المخالف كما يدل عليه ذكره في مقابلة المؤمن في الأخبار (٥) وكلام الأصحاب ، وإنما وجب الاقتصار في الصلاة عليه على أربع‌

__________________

(١) أثبتناه من « ح » والمصدر.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٤ ـ ٤ ، الوسائل ٢ : ٧٦٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٣.

(٣) أثبتناه من المصدر لاستقامة المعنى.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٣ ـ ٢ ، الوسائل ٢ : ٧٦٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٢.

(٥) الوسائل ٢ : ٧٧٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٥.

١٦٩

وتجب فيها النيّة ، واستقبال القبلة ،

______________________________________________________

تكبيرات إدانة له بمقتضى مذهبه.

قال في الذكرى : والظاهر أن الدعاء على هذا القسم غير واجب ، لأن التكبير عليه أربع وبها يخرج من الصلاة (١). وهو غير جيد ، فإن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة كما بيناه.

وقد ورد بالأمر بالدعاء على المنافق روايات : منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « مات رجل من المنافقين فخرج الحسين بن عليّ عليهما‌السلام يمشي فلقي مولى له فقال له : إلى أين تذهب؟ فقال : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلّي عليه ، فقال له الحسين عليه‌السلام : قم إلى جنبي فما سمعتني أقول فقل مثله قال : فرفع يديه فقال : اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك ، اللهم أصله أشد نارك ، اللهم أذقه حر عذابك فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك » (٢).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إن كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب » (٣).

قوله : ( وتجب فيها النيّة ، والاستقبال ).

أما وجوب النية فلا ريب فيه ، والمراد بها قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، ولا يعتبر فيها التعرض للوجه ولا للأداء والقضاء.

وأما وجوب الاستقبال من المصلّي فلا خلاف فيه أيضا ، لأن العبادة كيفية متلقاة من الشارع ، والمنقول من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام

__________________

(١) الذكرى : ٦٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٥ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٧٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٩ ـ ٥ ، الوسائل ٢ : ٧٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

١٧٠

وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي.

______________________________________________________

فعل الصلاة كذلك (١) ، فيكون خلافه تشريعا محرما. وإنما يجب مع الإمكان ويسقط مع التعذر كما في اليومية.

ومن الواجبات أيضا القيام مع القدرة إجماعا ، ومع العجز يصلي بحسب الإمكان كاليومية. ولو وجد من يمكنه القيام لم يسقط الفرض بصلاة العاجز ، لأصالة عدم سقوطه بغير الصلاة الكاملة ، مع احتمال السقوط ، لقيام العاجز بما هو فرضه.

وفي وجوب الستر مع الإمكان قولان ، وجزم العلاّمة بعدم اعتباره لأنها دعاء (٢). وأجاب عنه في الذكرى بأنها تسمى صلاة وإن اشتملت على الدعاء فتدخل تحت عموم الصلاة (٣). وهو ضعيف ، فإن الإطلاق أعم من الحقيقة.

قوله : ( وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي ).

إنما يعتبر ذلك في غير المأموم. ولا بد مع ذلك من كون الميت مستلقيا بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة ، والوجه في ذلك التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، وعدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه ، وما رواه الشيخ ، عن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن ميت صلّى عليه ، فلما سلّم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه ، قال : « يسوّى وتعاد الصلاة عليه » (٤).

ولو تعذر ذلك سقط كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله ، فقد روي أن الصادق عليه‌السلام صلّى على عمه زيد مصلوبا (٥).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢١٤ أبواب القبلة ب ١.

(٢) التذكرة ١ : ٩٣.

(٣) الذكرى : ٥٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠١ ـ ٤٧٠ ، الإستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٧٠ ، الوسائل ٢ : ٧٩٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٩ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٢١ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٢٠٠ ـ ٨ ، الوسائل ٢ : ٨١٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٥ ح ١.

١٧١

وليست الطهارة من شرطها. ولا يجوز التباعد عن الجنازة كثيرا.

______________________________________________________

قوله : ( وليست الطهارة من شرطها ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله في التذكرة (١) ، وتدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر ، قال : « فليكبر معهم » (٢).

وفي الموثق ، عن يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنازة أصلّي عليها على غير وضوء؟ فقال : « نعم ، إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء » (٣).

وفي الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال : « نعم ، ولا تقف معهم » (٤).

وكما لا تعتبر فيها الطهارة من الحدث فكذا من الخبث ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وإطلاق الإذن في صلاة الحائض مع عدم انفكاكها من النجاسة غالبا.

وهل يعتبر في هذه الصلاة ترك ما يترك في اليومية خلا ما يتعلق بالحدث والخبث؟ فيه وجهان ، أحوطهما ذلك وإن كان في تعينه نظر.

قوله : ( ولا يجوز التباعد عن الجنازة كثيرا ).

للتأسي ، وعدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه. ولا تحديد لهذا التباعد شرعا فيرجع فيه إلى العرف.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ ـ ٤ ، الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٨ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٩ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ـ ٤٧٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ١.

١٧٢

ولا يصلّي على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه. فإن لم يكن له كفن جعل في القبر ، وسترت عورته ، وصلي عليه بعد ذلك.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يصلّى على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه ).

هذا قول العلماء كافة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا فعل (١) ، وكذا الصحابة والتابعون ، فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرما ، وإنما يجب تأخير الصلاة عن الغسل والتكفين حيث يجبان كما هو واضح.

قوله : ( فإن لم يكن له كفن جعل في القبر ، وسترت عورته وصلي عليه بعد ذلك ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ وابن بابويه في الموثق ، عن عمار بن موسى الساباطي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر ، فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة ليس معهم إلاّ إزار ، فكيف يصلّون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال : « يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته ، فتستر عورته باللبن والحجر ، ويصلّى عليه ثم يدفن » (٢).

ومقتضى إطلاق الأمر بالستر وجوبه وإن لم يكن ثم ناظر ، وتباعد المصلّي بحيث لا يرى. لكن الرواية قاصرة من حيث السند عن إثبات الوجوب (٣). وذكر الشهيد في الذكرى أنه إن أمكن ستره بثوب صلّي عليه قبل الوضع في اللحد (٤). ولا ريب في الجواز ، نعم يمكن المناقشة في الوجوب.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩ ، الوسائل ٢ : ٨١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٤ ـ ٤٨٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٢٢ ، الوسائل ٢ : ٨١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ١.

(٣) لعل وجهه هو كون عمار بن موسى الساباطي فطحيا ـ راجع الفهرست : ١١٧ ـ ٥١٥.

(٤) الذكرى : ٥٣.

١٧٣

وسنن الصلاة أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ،

______________________________________________________

قوله : ( وسنن الصلاة أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ).

هذا قول معظم الأصحاب ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من صلّى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها ، وإذا صلّى على الرجل فليقم في وسطه » (١).

وعن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم من الرجل بحيال السرّة ، ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر » (٢).

وقال الشيخ في الإستبصار : إنه يقف عند رأس المرأة وصدر الرجل (٣) ، واستدل عليه بما رواه عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « إذا صلّيت على المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صلّيت على الرجل فقم عند صدره » (٤).

وهذه الروايات كلها ضعيفة ، لكن المقام مقام استحباب فالعمل بكل منها حسن إن شاء الله. قال في المنتهى : وهذه الكيفية مستحبة عندنا بلا خلاف (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٠ ـ ٤٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٨ ، الوسائل ٢ : ٨٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٠ ـ ٤٣٤ ، الإستبصار ١ : ٤٧١ ـ ١٨١٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ٣.

(٣) الاستبصار ١ : ٤٧٠.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩٠ ـ ٤٣٢ ، الإستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٧ ، الوسائل ٢ : ٨٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ٢.

(٥) المنتهى ١ : ٤٥٦.

١٧٤

وإن اتفقا جعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة وراءه ، ويجعل صدرها محاذيا لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة ،

______________________________________________________

قوله : ( وإن اتفقا جعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة من ورائه ، ويجعل صدرها محاذيا لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة ).

هذا قول العلماء كافة ، قاله في المنتهى (١). وقد ورد بترتيبهما على هذا الوجه روايات كثيرة : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة والحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل والمرأة كيف يصلّى عليهما؟ قال : « يجعل الرجل وراء المرأة ، ويكون الرجل مما يلي الإمام » (٢).

وفي الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجال والنساء كيف يصلّى عليهم؟ قال : « الرجل أمام النساء مما يلي الإمام ، يصفّ بعضهم على أثر بعض » (٣).

قال في المنتهى : وهذه الكيفية والترتيب ليس واجبا بلا خلاف (٤). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يقدم الرجل وتؤخر المرأة ، ويؤخر الرجل وتقدم المرأة » يعني في الصلاة على الميت (٥).

ويستفاد من هذه الروايات وما في معناها إجزاء الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة. وقال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا (٦).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧١ ـ ١٨٢٣ ، الوسائل ٢ : ٨١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٥ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٥ ، الإستبصار ١ : ٤٧١ ـ ١٨٢٢ ، الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ١.

(٤) المنتهى ١ : ٤٥٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ـ ١٠٠٩ ، الإستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٢٨ ، الوسائل ٢ : ٨١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٦.

(٦) المنتهى ١ : ٤٥٦.

١٧٥

ولو كان طفلا جعل من وراء المرأة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان طفلا جعل وراء المرأة ).

المراد بالطفل هنا من لا تجب الصلاة عليه كما نص عليه في المعتبر ، واستدل على استحباب جعله وراء المرأة بأن الصلاة لا تجب عليه وتجب على المرأة ، ومراعاة الواجب أولى ، فتكون مرتبة أقرب إلى الإمام (١).

وقال ابنا بابويه : يجعل الصبي إلى الإمام والمرأة إلى القبلة (٢). وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي واستحسنه ، لما رواه الشيخ عن ابن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « توضع النساء مما يلي القبلة ، والصبيان دونهن ، والرجال دون ذلك » (٣). قال : وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة لكنها سليمة من المعارض (٤). ولا بأس به.

واستشكل جمع من الأصحاب الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه ، وصرّح العلاّمة في التذكرة بعدم جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة الوجه ، ثم قال : ولو قيل بإجزاء الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن (٥). وهو مشكل ، لأن الفعل الواحد الشخصي لا يتصف بوصفين متنافيين.

وقال في الذكرى : إنه يمكن الاكتفاء بنية الوجوب ، لزيادة الندب تأكيدا (٦). وهو مشكل أيضا ، لأن الوجوب مضاد للندب فلا يكون مؤكدا له.

والحق أنه إن لم يثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا بنص أو إجماع وجب نفيه ، لأن العبادة كيفية متلقاة من الشارع فيقف إثباتها على النقل ، وإن ثبت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٥٤.

(٢) الصدوق في المقنع : ٢١ ، وحكاه عن أبيه في الفقيه ١ : ١٠٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٧ ، الإستبصار ١ : ٤٧٢ ـ ١٨٢٤ ، الوسائل ٢ : ٨٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٥٤.

(٥) التذكرة ١ : ٤٩.

(٦) الذكرى : ٦٣.

١٧٦

وأن يكون المصلي متطهرا ،

______________________________________________________

الاجتزاء بذلك كان الإشكال مندفعا بالنص كما في تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة. وعلى هذا فيكون المراد أن الغرض المطلوب من الصلاة على الطفل يتأدى بالصلاة الواجبة على هذا الوجه كما تتأدى وظيفة غسل الجمعة بإيقاع غسل الجنابة في ذلك اليوم.

قوله : ( وأن يكون المصلّي متطهرا ).

لأن الصلاة ذكر ودعاء وشفاعة للميت فاستحب في فاعلها أن يكون على أكمل أحواله وأفضلها ، ولما رواه الشيخ ، عن عبد الحميد بن سعد قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : الجنازة يخرج بها ولست على وضوء ، فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة ، أيجزيني أن أصلّي عليها وأنا على غير وضوء؟ قال : « تكون على طهر أحب إليّ » (١).

ويجوز التيمم مع وجود الماء إذا خاف فوت الجنازة إن ذهب إلى الوضوء ، لما رواه الكليني ـ رحمه‌الله تعالى ـ في الحسن ، عن الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها ، قال : « يتيمم ويصلّي » (٢).

وأطلق الشيخ (٣) وجماعة جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ، واستدلوا عليه برواية سماعة ، قال : سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال : « يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم » (٤) وفي السند ضعف (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ ـ ٢ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٦.

(٣) الخلاف ١ : ٢٩٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٨ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٧ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٥.

(٥) لعل وجهه هو اشتماله على بعض الواقفية.

١٧٧

وينزع نعليه ، ويرفع يديه في أول تكبيرة إجماعا. وفي البواقي على الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( وينزع نعليه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه ما رواه الشيخ ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يصلّي على الجنازة بحذاء ، ولا بأس بالخف » (١). وحكم المصنف في المعتبر باستحباب الحفاء لأنه موضع اتعاظ فناسب التذلل بالخفاء (٢) ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار » (٣) ولا بأس به.

قوله : ( ويرفع يديه في أول تكبيرة إجماعا ، وفي البواقي على الأظهر ).

أجمع العلماء كافة على استحباب رفع اليدين في التكبيرة الأولى ، واختلفوا في البواقي. فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمبسوط (٤) ، والمفيد (٥) ، والمرتضى (٦) ، وابن إدريس (٧) إلى أنه غير مستحب ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الموثق ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم‌السلام : « إنه كان لا يرفع يديه في الجنازة إلاّ مرة واحدة » يعني في التكبير (٨).

وعن إسماعيل بن إسحاق بن أبان الوراق ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يرفع يديه في أول التكبير‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٦ ـ ٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٦ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٥٥.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٠٢ ، صحيح البخاري ٢ : ٩ ، سنن النسائي ٦ : ١٤.

(٤) النهاية : ١٤٥ ، والمبسوط ١ : ١٨٥.

(٥) المقنعة : ٣٧.

(٦) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٤.

(٧) السرائر : ٨٠.

(٨) التهذيب ٣ : ١٩٤ ـ ٤٤٣ ، الإستبصار ١ : ٤٧٩ ـ ١٨٥٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٤.

١٧٨

______________________________________________________

على الجنازة ثم لا يعود حتى ينصرف » (١).

وقال الشيخ في كتابي الأخبار : يستحب رفع اليدين في كل تكبيرة ، واستدل بما رواه في الصحيح ، عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام على جنازة فكبر خمسا يرفع يديه في كل تكبيرة (٢).

وعن يونس ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام ، قلت : جعلت فداك إن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك ، فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يديّ في كل تكبيرة؟ فقال : « ارفع يديك في كل تكبيرة » (٣).

وأجاب عن الروايتين الأوّلتين بالحمل على التقية ، أو على أن الغرض منها بيان الجواز ورفع الوجوب. وهو حسن.

وقال المصنف في المعتبر بعد أن أورد الأخبار من الطرفين : ما دل على الزيادة أولى ، لأن رفع اليدين مراد لله في أول التكبير وهو دليل الرجحان فيسوغ في الباقي تحصيلا للأرجحية ، ولأنه فعل مستحب فجاز أن يفعل مرة ويخل به أخرى فلذلك اختلفت الروايات فيه (٤).

ولم يذكر الأصحاب هنا استحباب رفع اليدين في حالة الدعاء للميت ، ولا يبعد استحبابه ، لإطلاق الأمر برفع اليدين في الدعاء (٥) المتناول لذلك ولغيره.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٤ ـ ٤٤٤ ، الإستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥٣ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٤ ـ ٤٤٥ ، الإستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥١ ، الوسائل ٢ : ٧٨٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٤ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥٢ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٥٦.

(٥) الوسائل ٤ : ١١٠٠ أبواب الدعاء ب ١٢.

١٧٩

ويستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمنا ، وعليه إن كان منافقا ، وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك ، وإن جهله سأل الله أن يحشره مع من يتولاه ،

______________________________________________________

قوله : ( ويستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمنا ، وعليه إن كان منافقا ، وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك ، وإن جهله سأل الله أن يحشره مع من يتولاه ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن الأولى الدعاء للمؤمن عقيب كل تكبيرة ، والظاهر أن المراد بالمنافق هنا مطلق المخالف ، وفسره بعضهم بالناصب (١) ، وفي حسنة ابن مسلم : « إن كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب » (٢) وهو يتناول الناصب وغيره.

وفسر ابن إدريس المستضعف بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم (٣). وعرفه في الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه ، وحكى عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراء (٤). والتفسيرات متقاربة.

والمجهول : من لا يعلم حاله. والظاهر أن معرفة بلد الميت الذي يعلم إيمان أهلها أجمع كاف في إلحاقه بهم.

وقد أوردنا فيما سبق في كيفية الدعاء للمؤمن روايات كثيرة (٥) ، وقد ورد في كيفية دعاء المنافق والمستضعف والمجهول روايات : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إن كان‌

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٩ ـ ٥ ، الوسائل ٢ : ٧٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

(٣) السرائر : ١٣.

(٤) الذكرى : ٥٩.

(٥) راجع ص ١٦٨.

١٨٠