مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وإطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف ،

______________________________________________________

الاحتراق ، ولقد أحسن الشهيد في الذكرى حيث قال : إنهما إن أرادا نفي تأكد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق ، وإن أرادا نفي استحباب الجماعة وترجيح الفرادى طولبا بدليل المنع (١).

وصرح الشهيد في البيان بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة وبالعكس كاليومية (٢) ، وهو حسن.

فرع : لو أدرك المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه أدرك الركعة بغير إشكال ، ولو لم يدركه حتى رفع رأسه من الركوع الأول فالأصح فوات تلك الركعة كما نص عليه المصنف في المعتبر (٣) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٤) ، لأصالة عدم سقوط فرض مكلف بفعل غيره إلاّ فيما دل عليه الدليل ، وهو منتف هنا ، ولأن الدخول معه والحال هذه مستلزم لأحد محذورين : إمّا تخلف المأموم عن الإمام إن تدارك الركوع بعد سجود الإمام ، وإمّا تحمل الإمام الركوع إن رفض الركوعات وسجد لسجود الإمام.

واحتمل العلاّمة في التذكرة جواز الدخول معه في هذه الحالة ، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو ، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم ، فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق الإمام ويتم الركعات قبل سجود الثانية (٥).

ويشكل بأن فيه تخلف المأموم عن الإمام في ركن وهو السجدتان من غير ضرورة ، ولا دليل على جوازه.

قوله : ( وإطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف ).

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٦.

(٢) البيان : ١١٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٣٦.

(٤) التذكرة ١ : ١٦٤ ، وتحرير الأحكام : ٤٧.

(٥) التذكرة ١ : ١٦٥.

١٤١

وأن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ،

______________________________________________________

هذا موضع وفاق بين العلماء‌ قاله في المعتبر (١) ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الرهط : « إن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس خلفه في كسوف الشمس ، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » (٢).

وما رواه الشيخ ، عن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صليت الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر ، وتطوّل في صلاتك فإن ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز » (٣).

ولا يخفى أن استحباب الإطالة بمقدار زمان الكسوف إنما يتم مع العلم بذلك أو الظن الحاصل من إخبار الرصدي أو غيره ، أما بدونه فربما كان التخفيف ثم الإعادة مع عدم الانجلاء أولى ، لما في التطويل من التعرض لخروج الوقت قبل الإتمام.

قوله : ( وأن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ).

هذا قول أكثر الأصحاب ، ونقل عن ظاهر المرتضى (٤) ، وأبي الصلاح (٥) وجوب الإعادة. ومنع ابن إدريس من الإعادة وجوبا واستحبابا (٦). والمعتمد الأول.

لنا على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٣٦.

(٢) المتقدمة في ص ١٣٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٥ : ١٥٣ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٨ ح ٢.

(٤) جمل العلم والعمل : ٧٦.

(٥) الكافي في الفقه : ١٥٦.

(٦) السرائر : ٧٢.

١٤٢

وأن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته ، وأن يقرأ السور الطوال مع سعة الوقت ،

______________________________________________________

قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد » (١).

ولنا على انتفاء الوجوب قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم : « فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي » (٢).

وقد يقال : إن الجمع بين الروايتين يقتضي القول بوجوب الإعادة أو الدعاء تخييرا ، إلاّ أني لا أعلم به قائلا.

قوله : ( وأن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته ، ويقرأ السور الطوال مع سعة الوقت ).

يدل على ذلك مضافا إلى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير قال : سألته عن صلاة الكسوف فقال : « عشر ركعات وأربع سجدات ، يقرأ في كل ركعة مثل يس والنور ، ويكون ركوعك مثل قراءتك ، وسجودك مثل ركوعك » قلت : فمن لم يحسن يس وأشباهها؟ قال : « فليقرأ ستين آية في كل ركعة » (٣) وفي طريق هذه الرواية ضعف (٤).

ومقتضى صحيحة زرارة وابن مسلم المتقدمة أن قراءة السور الطوال إنما يستحب إذا لم يكن إماما يشق على من خلفه ، وإلاّ كان التخفيف أولى ، ولا بأس به.

واحترز المصنف بقوله : مع سعة الوقت ، عما إذا ضاق عن ذلك فإنه لا تجوز الإطالة المقتضية لخروجه قبل الإكمال ، كما لا يجوز في الفرائض الموقتة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٤ ، الوسائل ٥ : ١٥٣ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٨ ح ١.

(٢) المتقدمة في ١٣٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٤ ـ ٨٩٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ٢.

(٤) الظاهر أن وجه الضعف هو وقوع علي بن أبي حمزة البطائني في طريقها وهو واقفي ـ راجع رجال النجاشي : ٢٤٩ ـ ٤٥٦ ، ورجال الطوسي : ٣٥٣ ، والفهرست : ٩٦ ـ ٤٠٨.

١٤٣

وأن يكبّر عند كل رفع من كل ركوع ، إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول : سمع الله لمن حمده ، وأن يقنت خمس قنوتات.

وأما حكمها فمسائله ثلاث :

الأولى : إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيّرا في الإتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى ، وقيل : الحاضرة أولى ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وأن يكبّر عند كل رفع من كل ركوع ، إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول : سمع الله لمن حمده ، وأن يقنت خمس قنوتات ).

يدل على ذلك قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم : « تفتتح الصلاة بتكبيرة ، وتركع بتكبيرة ، وترفع رأسك بتكبيرة إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها ، وتقول : « سمع الله لمن حمده » فيها ، وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع » (١). وفي صحيحة الرهط : « والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ، ثم تقنت في الرابعة مثل ذلك ، ثم في السادسة ، ثم في الثامنة ، ثم في العاشرة » (٢).

وذكر الشهيد في البيان أنه يجزي القنوت على الخامس والعاشر ، وأقله على العاشر (٣). ولم نقف على مأخذه.

قوله : ( الأولى ، إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيّرا في الإتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى ، وقيل : الحاضرة أولى ، والأول أشبه ).

إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة ، فإن تضيق وقت إحداهما تعينت للأداء إجماعا ثم تصلّى بعدها ما اتسع وقتها ، وإن تضيقتا قدمت‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٣٨.

(٢) المتقدمة في ص ١٣٧.

(٣) البيان : ١١٨.

١٤٤

______________________________________________________

الحاضرة لأنها أهم في نظر الشرع ، وقال في الذكرى : إنه لا خلاف فيه (١).

وإن اتسع الوقتان كان مخيرا في الإتيان بأيهما شاء عند أكثر الأصحاب ، وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز أن يصلّيها في وقت فريضة حتى يصلّي الفريضة (٢). وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٣). والمعتمد الأول.

لنا : أنهما واجبان اجتمعا ووقتها موسع فيتخير المكلف بينهما ، ولنا أيضا أن فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بتقديم الفريضة كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال : « ابدأ بالفريضة » (٤) وبين ما تضمن الأمر بتقديم الكسوف كصحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى » (٥).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : لو خشي فوات الحاضرة قدمها على الكسوف ، ولو دخل في الكسوف قبل تضيّق الحاضرة وخشي لو أتم فوات الحاضرة قطع إجماعا وصلّى الحاضرة ، ثم أتم صلاة الكسوف من حيث قطع على ما نص عليه‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٦.

(٢) الفقيه ١ : ٣٤٧.

(٣) النهاية : ١٣٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٥ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٨ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٤.

١٤٥

______________________________________________________

الشيخان (١) ، والمرتضى (٢) ، وابن بابويه (٣) ، وأتباعهم (٤) ، لصحيحة بريد ومحمد بن مسلم المتقدمة ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة ، فإن صلّيت الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة فقال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ، ثم عد فيها » (٥).

وفي الصحيح ، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ونخشى فوت الفريضة فقال : « اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم » (٦).

وذهب الشيخ في المبسوط إلى أن من قطع صلاة الكسوف لخوف فوات الفريضة يجب عليه استئنافها من رأس (٧) ، واختاره في الذكرى قال : لأن البناء بعد تخلل الصلاة الأجنبية لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع ، والاعتذار بأن الفعل الكثير مغتفر هنا لعدم منافاته الصلاة بعيد ، فإنا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشرع بالإبطال والشروع في الحاضرة ، فإذا فرغ منها فقد أتى بما يخل بنظم صلاة الكسوف فتجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين البراءة (٨).

هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو مدفوع بالنصوص الصحيحة ، المتضمنة للبناء ، المسألة من المعارض.

الثاني : قال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ فيمن لا يحضره الفقيه : وإذا كان في‌

__________________

(١) نقله عن المفيد في الذكرى : ٢٤٦ ، والشيخ في النهاية : ١٣٧.

(٢) جمل العلم والعمل : ٦٦ ، ٧٥.

(٣) الفقيه ١ : ٣٤٧.

(٤) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ١٢٥ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٥٦.

(٥) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٣.

(٧) المبسوط ١ : ١٧٢.

(٨) الذكرى : ٢٤٧.

١٤٦

______________________________________________________

صلاة الكسوف فيدخل عليه وقت الفريضة فليقطعها وليصل الفريضة ، ثم يبني على ما مضى من صلاة الكسوف (١).

ومقتضاه جواز القطع ، بل وجوبه إذا دخل وقت الفريضة ، وهو بعيد جدا ، فإن الرواية التي أوردها في كتابه في هذا المعنى عن بريد ومحمد بن مسلم صريحة في الأمر بصلاة الكسوف ما لم يتخوف أن يذهب وقت الفريضة (٢) ، وإذا جاز ابتداء صلاة الكسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب قطعها بدخول الوقت ، بل ولا لجوازه. نعم ربما لاح من رواية ابن مسلم جواز القطع لخوف فوات وقت الفضيلة حيث قال فيها : ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صليت الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة فقال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك » (٣) فإن صلاة الكسوف الواقع قبل العشاء الآخرة لا يقتضي خوف خروج وقت الإجزاء ، وكيف كان فالأجود عدم جواز القطع إلاّ إذا خشي فوات الحاضرة.

الثالث : لو اشتغل بالحاضرة مع ضيق وقتها فانجلى الكسوف ولم يكن فرّط فيها ولا في تأخير الحاضرة فلا قضاء ، لعدم استقرار الوجوب. وإن فرّط فيها إلى أن يضيق وقت الحاضرة وجب قضاؤها مع استيعاب الاحتراق قطعا ، أو مطلقا على ما سبق. وإن فرط في فعل الحاضرة أول الوقت قيل : وجب قضاء الكسوف ، لاستناد إهمالها إلى ما تقدم من تقصيره (٤). وقيل : لا يجب ، وهو ظاهر المعتبر (٥) ، لأن التأخير كان مباحا إلى ذلك الوقت ، ثم تعيّن عليه الفعل بسبب التضيّق ، واقتضى ذلك الفوات ، فهو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف ، فلا يجب الأداء لعدم التمكن ، ولا القضاء لعدم الاستقرار. وهو حسن.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٤٧.

(٢) المتقدمة في ص ١٤٥.

(٣) المتقدمة في ص ١٤٦.

(٤) كما في الذكرى : ٢٤٧ ، والبيان : ١١٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٣٤١.

١٤٧

الثانية : إذا اتفق الكسوف في وقت نافلة الليل فالكسوف أولى ولو خرج وقت النافلة ، ثم يقضي النافلة.

الثالثة : يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا ، وقيل : لا يجوز ذلك إلا مع العذر ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية : إذا اتفق الكسوف في وقت نافلة الليل فالكسوف أولى ولو خرج وقت النافلة ، ثم يقضي النافلة ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله في المنتهى (١) ، ويدل عليه صريحا ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال : « ابدأ بالفريضة » فقيل له : في وقت صلاة الليل؟ فقال : « صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل » (٢).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلّينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيتهما نبدأ؟ فقال : « صلّ صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح » (٣) وفي معنى صلاة الليل غيرها من النوافل الموقتة.

قوله : ( الثالثة ، يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا ، وقيل : لا يجوز ذلك إلا مع العذر ، وهو الأشبه ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ أشهر القولين في المسألة وأظهرهما ، لأن هذه الصلاة صلاة مفروضة فيعتبر فيها الاستقرار مع الاختيار كغيرها من الفرائض ، تمسكا بمقتضى العمومات الدالة على ذلك ، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله [ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ] (٤) قال : « لا يصلي‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٥ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٢.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٤٨

______________________________________________________

على الدابة الفريضة إلاّ مريض » (١) ورواية عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ فقال : « لا ، إلاّ من ضرورة » (٢).

ويدل على جواز هذه الصلاة على ظهر الدابة مع الضرورة على الخصوص ما رواه الشيخ ، عن عليّ بن الفضل الواسطي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام : إذا انكسفت الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، فكتب إليّ : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » (٣).

والقول بالجواز لابن الجنيد (٤) ، وهو قول الجمهور ، ولا ريب في ضعفه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٣٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٤ ، الوسائل ٣ : ٢٣٧ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٨ ، الوسائل ٥ : ١٥٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١١ ح ١.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١١٨.

١٤٩

الفصل الرّابع :

في الصلاة على الأموات

وفيه أقسام :

الأول : من يصلى عليه ، وهو من كان مظهرا للشهادتين ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الرابع ، في الصلاة على الأموات ، وفيه أقسام ، الأول : من يصلى عليه ، وهو كل من كان مظهرا للشهادتين ).

لا بد من تقييده بأن لا يعتقد خلاف ما يعلم من الدين ضرورة ، ليخرج الخوارج والنواصب والغلاة والمرتد.

أما وجوب الصلاة على المؤمن وهو المسلم الذي يعتقد إمامة الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام فهو موضع نص ووفاق ، وإنما الخلاف في غيره من المسلمين فقال الشيخ في جملة من كتبه (١) ، وابن الجنيد (٢) ، والمصنف (٣) ، وجمع من الأصحاب بالوجوب ، لإطلاق قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه السكوني : « لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة » (٤) وقول الصادق عليه‌السلام في رواية طلحة بن زيد : « صلّ على من مات من أهل القبلة ، وحسابه على‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٦٩ ، والنهاية : ١٤٣ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٤.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٥٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٤٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٣ ـ ٤٨٠ ، التهذيب ٣ : ٣٢٨ ـ ١٠٢٦ ، الإستبصار ١ : ٤٦٨ ـ ١٨١٠ ، الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٣.

١٥٠

______________________________________________________

الله » (١).

وصحيحة هشام بن سالم : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن شارب الخمر والزاني والسارق أيصلّي عليهم إذا ماتوا؟ فقال : « نعم » (٢).

وقال المفيد في المقنعة : ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلّي عليه إلاّ أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية (٣).

واحتج له في التهذيب بأن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلاّ ما خرج بدليل ، وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف أيضا غير جائز ، وأما الصلاة عليه فيكون على حد ما كان يصلّي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام على المنافقين (٤).

وهذا الاحتجاج غير معهود من مذهبه ـ رحمه‌الله ـ وإلى هذا القول ذهب أبو الصلاح (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وهو غير بعيد ، لأن الإجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على المؤمن ، والروايات التي استدل بها على العموم لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل إلى أن يقوم على الوجوب دليل يعتد به.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢٨ ـ ١٠٢٥ ، الإستبصار ١ : ٤٦٨ ـ ١٨٠٩ ، الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٣ ـ ٤٨١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٨ ـ ١٠٢٤ ، الإستبصار ١ : ٤٦٨ ـ ١٨٠٨ ، الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ١.

(٣) المقنعة : ١٣.

(٤) التهذيب ١ : ٣٣٥.

(٥) الكافي في الفقه : ١٥٧.

(٦) السرائر : ٨٠.

١٥١

أو طفلا له ست سنين ممن له حكم الإسلام.

______________________________________________________

قوله : ( أو طفلا له ست سنين ممن له حكم الإسلام ).

المراد بمن له حكم الإسلام من تولد من مسلم ، أو مسلمة ، أو كان مسبيا لمسلم ، أو ملقوطا في دار الإسلام.

واختلف الأصحاب في حكم الصلاة على الطفل ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ (١) ، والمرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) إلى أنه يشترط في وجوب الصلاة عليه بلوغ الحد الذي يمرّن فيه على الصلاة وهو ست سنين. وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة : لا تصلّ على الصبي حتى يعقل الصلاة (٤). وقال ابن الجنيد : تجب على المستهل (٥). وقال ابن أبي عقيل : لا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ (٦). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الكليني والشيخ في الحسن ، وابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة وعبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » فقلت : متى تجب الصلاة عليه؟ فقال : « إذا كان ابن ست سنين ، والصيام إذا أطاقه » (٧).

والمراد بالوجوب هنا مطلق الثبوت ، والمعنى أنه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟ فقال : « إذا كان ابن ست سنين » والذي يكشف عن هذا المعنى ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام في الصبي متى يصلّي عليه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » قلت : متى يعقل الصلاة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٠.

(٢) الانتصار : ٥٩.

(٣) السرائر : ٨٠.

(٤) المقنعة : ٣٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١١٩.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١١٩.

(٧) الكافي ٣ : ٢٠٦ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ١٠٤ ـ ٤٨٦ ، التهذيب ٣ : ١٩٨ ـ ٤٥٦ ، الإستبصار ١ : ٤٧٩ ـ ١٨٥٥ ، الوسائل ٢ : ٧٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ١.

١٥٢

ويتساوى الذكر في ذلك والأنثى ، والحر والعبد.

______________________________________________________

وتجب عليه؟ قال : « لست سنين » (١).

احتج ابن الجنيد بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يصلّى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ، ولم يورث من الدية ولا من غيرها ، فإذا استهل فصلّ عليه وورّثه » (٢).

وأجاب عنه الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على الاستحباب أو التقية.

احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه بأن الصلاة استغفار للميت ودعاء له ومن لم يبلغ لا حاجة له إلى ذلك ، وما رواه الشيخ ، عن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟ قال : « لا ، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » (٣).

وأجيب عن الأول بالمنع من كون الصلاة لأجل الدعاء للميت ، أو لحاجته إلى الشفاعة ، لوجوبها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ونحن محتاجون إلى شفاعتهم ، وعن الرواية بالطعن في السند باشتماله على جماعة من الفطحية فلا تنهض حجة في معارضة الأخبار الصحيحة (٤).

قال في الذكرى : ويمكن أن يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي ، والتمرين خطاب شرعي (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨١ ـ ١٥٨٩ ، الإستبصار ١ : ٤٠٨ ـ ١٥٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٩ ـ ٤٥٩ ، الإستبصار ١ : ٤٨٠ ـ ١٨٥٧ ، الوسائل ٢ : ٧٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٩ ـ ٤٦٠ ، الإستبصار ١ : ٤٨٠ ـ ١٨٥٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٥.

(٤) كما في المختلف : ١١٩.

(٥) الذكرى : ٥٤.

١٥٣

وتستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك إذا ولد حيّا ، فإن وقع سقطا لم يصلّ عليه ولو ولجته الروح.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك إذا ولد حيّا ، وإن وقع ميتا لم يصلّ عليه ولو ولجته الروح ).

يدل على ذلك ـ مضافا إلى ما سبق ـ ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين. قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام لكم يصلّى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال : « يصلّى عليه على كل حال إلاّ أن يسقط لغير تمام » (١).

وقال الشيخ في الاستبصار : الوجه في هذا الخبر ما قلناه في خبر عبد الله بن سنان من الحمل على التقية أو ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب (٢).

وأقول : إن مقتضى كثير من الروايات تعيّن الحمل على التقية ، فمن ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن زرارة ، قال : مات ابن لأبي جعفر عليه‌السلام فأخبر بموته فأمر به فغسّل وكفّن ومشى معه وصلّى عليه وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ، ثم انصرف وانصرفت معه حتى إني لأمشي معه فقال : « أما إنه لم يكن يصلّى على مثل هذا » وكان ابن ثلاث سنين « كان عليّ عليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلّى عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله » قال ، قلت : فمتى تجب الصلاة عليه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة وكان ابن ستّ سنين » (٣).

وعن عليّ بن عبد الله ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : « إنه لمّا قبض إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جرت فيه‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٣١ ـ ١٠٣٧ ، الإستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦٠ ، الوسائل ٢ : ٧٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الإستبصار ١ : ٤٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٧ ـ ٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٣.

١٥٤

الثاني : في المصلي ، وأحق الناس بالصلاة أولاهم بميراثه.

______________________________________________________

ثلاث سنن » والرواية طويلة قال في أثنائها : « فقام عليّ عليه‌السلام فغسّل إبراهيم وحنّطه وكفّنه ثم خرج به ، ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسي أن يصلّي على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه ، فانتصب قائما ثم قال : يا أيها الناس أتاني جبرائيل بما قلتم ، زعمتم أني نسيت أن أصلّي على ابني لما دخلني من الجزع ، ألا وإنه ليس كما ظننتم ، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات ، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا أصلّي إلاّ على من صلّي » (١).

والمسألة محل إشكال إلاّ أن المقام مقام استحباب فالأمر فيه هيّن.

قوله : ( الثاني ، في المصلي : وأحق الناس بالصلاة عليه أولاهم بميراثه ).

ذكر العلاّمة في المنتهى أن المراد بالأولى هنا المستحق للميراث (٢) ، فيكون المراد أن من يرث أولى بالصلاة ممن لم يرث ، وأما تقديم بعض الورثة على بعض فيستفاد من قوله : « والأب أولى من الابن » إلى آخره.

وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم أنه مجمع عليه ، واستدلوا عليه بقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٣) وما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحبّ » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٨ ـ ٧ ، المحاسن : ٣١٣ ـ ٣١ ، الوسائل ٢ : ٧٩٠ أبواب صلاة الجنازة ب ١٥ ح ٢.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥٠.

(٣) الأنفال : ٧٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٧ ـ ١ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

١٥٥

______________________________________________________

وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحبّ » (١).

وفي الجميع نظر : أما الآية الشريفة فلانتفاء العموم فيها على وجه يتناول موضع النزاع.

وأما الروايتان فضعيفتا السند بالإرسال ، واشتمال سند الثانية على سهل بن زياد وهو عامي (٢) ، ومع ذلك فليس فيهما تصريح بأن المراد الأولوية في الميراث ، مع أن مقتضى ما ذكروه من تقديم بعض الورّاث على بعض ـ كالأب على الابن وإن كان أقل نصيبا منه ـ كون المراد بالأولى ذلك البعض لا مطلق الوارث.

ولو قيل : إن المراد بالأولى هنا أمسّ الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة من غير اعتبار لجانب الميراث لم يكن بعيدا.

قال جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان : واعلم أن ظاهر الأصحاب أن إذن الولي إنما يتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة ، لوجوبها على الكفاية فلا يناط برأي أحد من المكلفين ، فلو صلّوا فرادى بغير إذن أجزأ (٣).

وقد يقال : إنه لا منافاة بين كون الوجوب كفائيا وبين إناطته برأي بعض المكلفين على معنى أنه إن قام به سقط الفرض عن غيره ، وكذا إن أذن لغيره وقام به ذلك الغير ، وإلا سقط اعتباره وانعقدت الصلاة جماعة وفرادى بغير إذنه. ومع ذلك فلا بأس بالمصير إلى ما ذكره ، قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمّ ، وحملا للصلاة في قوله عليه‌السلام : « يصلي على الجنازة أولى الناس بها » على الجماعة ، لأنه المتبادر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٧ ـ ٥ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ٢.

(٢) لم نجد من نسب إلى سهل أنه عامي سواه.

(٣) روض الجنان : ٣١١.

١٥٦

والأب أولى من الابن. وكذا الولد أولى من الجدّ والأخ والعم. والأخ من الأب والأم أولى ممّن يمتّ بأحدهما.

______________________________________________________

قوله : ( والأب أولى من الابن ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه بأن الأب أشفق على الميت من الابن وأرق عليه فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة (١). ويشكل بأن ذلك إنما يصلح توجيها للنص الدال على الحكم لا دليلا برأسه ، وعلى ما احتملناه من معنى الأولوية فلا إشكال في تقديم الأب.

قوله : ( وكذا الولد أولى من الجد والأخ والعم ).

هذا الحكم قد علم من الأولوية المتقدمة ، إذ لا إرث لواحد من الثلاثة مع وجود الولد عندنا. ونقل عن ابن الجنيد أنه جعل الجد أولى من الأب والابن محتجا بأن منصب الإمامة أليق بالأب من الولد والجد أب الأب فكان أولى من الأب (٢). ورده في المختلف بأن الأولى بالميراث أولى ، لعموم الآية (٣). وقد عرفت ما فيه ، وعلى ما احتملناه من معنى الأولوية يقرب ما ذكره ابن الجنيد.

قوله : ( والأخ من الأب والأم أولى ممّن يمتّ بأحدهما ).

أما تقديم الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب خاصة فلا ريب فيه ، لأنه لا يرث معه. وأما على الأخ من الأم فعلله في المنتهى بأنه أكثر نصيبا في الميراث ، وبأن الأم لا ولاية لها في الصلاة فمن يتقرب بها أولى (٤). ولا بأس به.

ولم يتعرض المصنف لحال اجتماع الجد مع الأخ ولا لحكم باقي الوراث. وحكى في المعتبر عن الشيخ في المبسوط أنه قال : الأب أولى الأقارب ، ثم‌

__________________

(١) كما في المنتهى ١ : ٤٥٠.

(٢) حكاه عنه العلامة في المختلف : ١٢٠.

(٣) المختلف : ١٢٠.

(٤) المنتهى ١ : ٤٥١.

١٥٧

والزوج أولى بالمرأة من عصباتها وإن قربوا.

______________________________________________________

الولد ، ثم الجد من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأب والأم ، ثم الأخ من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأم ، ثم العم ، ثم الخال ، ثم ابن العم ، ثم ابن الخال ، قال : وبالجملة من كان أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه (١).

ومقتضى ذلك أن ترتب الأولياء على هذا الوجه لأولوية الإرث وهو مشكل ، فإنه إن أراد بالأولوية أن من يرث أولى ممن لم يرث لم يلزم منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب على الابن ، والجد على الأخ ، والعم على الخال. وإن أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب فإنه أولى من الابن مع أنه أقل نصيبا منه ، وكذا الجد فإنه أولى من الأخ مع تساويهما في الاستحقاق إلاّ أن يقال : إن التخلف في هاتين الصورتين لعارض وهو قوة جانب الأب والجد باختصاصهما بزيادة الحنوّ والشفقة وحصول النسل منهما ، لكن في ذلك خروج عن اعتبار الإرث. ولو حمل الأولى في الصلاة على المعنى الذي ذكرناه وجب الرجوع في تحققه إلى العرف وسقط اعتبار جانب الإرث مطلقا.

قوله : ( والزوج أولى بالمرأة من عصباتها وإن قربوا ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : المرأة تموت ، من أحق الناس بالصلاة عليها؟ قال : « زوجها » قلت : الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ فقال : « نعم ، ويغسلها » (٢).

ومقتضى الرواية أن الزوج أولى من جميع الأقارب ، العصبات وغيرهم ، لكنها ضعيفة السند جدا باشتراك راويها بين الثقة والضعيف ، بل الظاهر أنه هنا الضعيف بقرينة كون الراوي عنه قائده ، وهو عليّ بن أبي حمزة البطائني ، وقال النجاشي : إنه كان أحد عمد الواقفة (٣). وفي الطريق : القاسم بن محمد وهو‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٤٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٤ ، الإستبصار ١ : ٤٨٦ ـ ١٨٨٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٢.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٩ ـ ٦٥٦.

١٥٨

وإذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى ، والحر أولى من العبد.

______________________________________________________

واقفي أيضا (١) ، والعجب من حكم المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر مع ذلك بأن هذه الرواية سليمة السند (٢).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيّهما يصلّي عليها؟ فقال : « أخوها أحق بالصلاة عليها » (٣).

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة على المرأة ، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال : « الأخ » (٤). ثم أجاب عنهما بالحمل على التقية ، وهو يتوقف على وجود المعارض.

ولا يلحق بالزوج الزوجة في هذا الحكم ، لعدم النص. وقيل بالمساواة (٥) لشمول اسم الزوج لهما لغة (٦) وهو ضعيف ، فإن ذلك إنما يتم مع إطلاق ولاية الزوج ، لا مع التصريح بأنه أحق بامرأته كما وقع في الرواية التي استند إليها الأصحاب في إثبات هذا الحكم.

قوله : ( وإذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى ، والحر أولى من العبد ).

المراد أنه إذا تعددت إحدى المراتب السابقة وكانوا ذكورا وإناثا ، وأحرارا وعبيدا ، فالذكر أولى من الأنثى ، والحر أولى من العبد. أما أن الحر أولى من العبد فظاهر ، لأن العبد لا يرث معه ، ولأنه محجور عليه في التصرف في نفسه‌

__________________

(١) راجع رجال الكشي ٢ : ٧٤٨ ـ ٨٥٣ ، ورجال الطوسي : ٣٥٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٤٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٦ ، الإستبصار ١ : ٤٨٦ ـ ١٨٨٥ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٥ ، الإستبصار ١ : ٤٨٦ ـ ١٨٨٤ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٥.

(٥) كما في روض الجنان : ٣١١.

(٦) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : وعرفا. وهي مشطوية في نسخة الأصل.

١٥٩

ولا يتقدم الوليّ إلا إذا استكملت فيه شرائط الإمامة ، وإلا قدّم غيره. وإذا تساوى الأولياء قدّم الأفقه ، فالأقرأ ، فالأسن ، فالأصبح.

______________________________________________________

فلا يكون له ولاية التصرف في غيره.

وأما أن الذكر أولى من الأنثى فقال العلاّمة في المنتهى : إنه لا خلاف فيه (١). وربما كان مستنده قوله عليه‌السلام : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها » (٢) ومع وجود الذكر يصدق كونه أولى فيتعلق به الحكم.

وحكى بعض مشايخنا المعاصرين قولا باشتراك الورثة في الولاية. ولا ريب في ضعفه ، مع أنه مجهول القائل.

ويدل على ثبوت الولاية للأنثى إذا لم يكن في مرتبتها ذكر ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن في الصف فتكبّر ويكبّرون » (٣).

قوله : ( ولا يتقدم الولي إلا إذا استكملت فيه شرائط الإمامة ، وإلا قدّم غيره ).

يعتبر في الغير أيضا كونه جامعا لشرائط الإمامة. ويجوز للولي الاستنابة مع الصلاحية أيضا ، ولو وجد الأكمل استحب استنابته ، لأن كماله قد يكون سببا في إجابة دعائه. ويحتمل ترجيح مباشرة الولي ، لاختصاصه بمزيد الرقة التي هي مظنة الإجابة.

قوله : ( وإذا تساوي الأولياء قدّم الأفقه ، فالأقرأ ، فالأسن ، فالأصبح ).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥١.

(٢) المتقدم في ص ١٥٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٦ ـ ٤٨٨ ، الإستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٨ ، الوسائل ٢ : ٨٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ١.

١٦٠