مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ولا يجب استماعهما بل يستحب.

______________________________________________________

الصلاة قام الناس ليرجعوا فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة » (١).

وروى معاوية ـ وهو ابن عمار ـ قال : سألته عن صلاة العيدين فقال : « ركعتان » ثم قال : « والخطبة بعد الصلاة ، وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان ، وإذا خطب الإمام فليقعد بين الخطبتين قليلا » (٢).

وروى سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « والخطبة بعد الصلاة » (٣).

ولم يتعرض المصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذا الكتاب لبيان حال الخطبتين من حيث الوجوب أو الاستحباب ، ونقل عنه في المعتبر أنه جزم بالاستحباب وادعى عليه الإجماع (٤). وقال العلامة في جملة من كتبه بالوجوب (٥) ، واحتج عليه في التذكرة بورود الأمر بهما ، وهو حقيقة في الوجوب. وكأنه أراد بالأمر ما يستفاد من الجمل الخبرية ، فإنا لم نقف في ذلك على أمر صريح ، والمسألة محل تردد. وكيف كان فيجب القطع بسقوطهما مع الانفراد للأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ولا يجب استماعهما بل يستحب ).

هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين ، حكاه في التذكرة والمنتهى ، مع تصريحه في الكتابين بوجوب الخطبتين. وهو دليل قوي على الاستحباب.

وروى العامة عن عبد الله بن السائب ، قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العيد فلما قضى الصلاة قال : « إنا نخطب فمن أحب‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٧ ـ ٨٦٠ ، الوسائل ٥ : ١١٠ أبواب صلاة العيد ب ١١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٠ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ ـ ٢٧٨ ، المقنعة : ٣٣ ، الوسائل ٥ : ١١٠ أبواب صلاة العيد ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٣٠ ـ ٢٨١ ، الوسائل ٥ : ١٠٧ أبواب صلاة العيد ب ١٠ ح ٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٢٤.

(٥) المنتهى ١ : ٣٤٥ ، والتذكرة ١ : ١٥٩ ، ونهاية الأحكام ٢ : ٦١ ، وتحرير الأحكام : ٤٦.

١٢١

الرابعة : لا ينقل المنبر من الجامع ، بل يعمل شبه المنبر من طين استحبابا.

الخامسة : إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد إن كان ممن تجب عليه. وفي خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز.

______________________________________________________

أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب » (١).

قوله : ( الرابعة ، لا ينقل المنبر من الجامع ، بل يعمل شبه المنبر من طين استحبابا ).

هذان الحكمان إجماعيان منصوصان في عدة روايات ، كصحيحة إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أرأيت صلاة العيدين ، هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : « ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكن ينادى : الصلاة ثلاث مرات ، وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع الإمام شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب بالناس ثم ينزل » (٢).

قوله : ( الخامسة ، إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد إن كان ممن تجب عليه ).

المراد بالسفر : المستلزم لترك الصلاة سواء كان إلى مسافة أم لا. وقد قطع الأصحاب بتحريمه ، لاستلزامه الإخلال بالواجب ، والكلام المتقدم في السفر يوم الجمعة بعد الزوال آت هنا.

قوله : ( وفي خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز ).

منشأ التردد أصالة الجواز المسألة من معارضة الإخلال بالواجب ، وقوله‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٠ ـ ١٢٩٠.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٢ ـ ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ ـ ٨٧٣ ، الوسائل ٥ : ١٣٧ أبواب صلاة العيد ب ٣٣ ح ١.

١٢٢

______________________________________________________

عليه‌السلام في رواية أبي بصير : « إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد » (١).

قال في الذكرى : ولما لم يثبت الوجوب حمل النهي عن السفر على الكراهة (٢).

ويشكل بعدم المنافاة بين الأمرين حتى يتوجه الحمل. لكن الراوي وهو أبو بصير مشترك بين الثقة والضعيف ، فلا يصح التعلق بروايته والخروج بها عن مقتضى الأصل. أما الخروج قبل الفجر فقال في التذكرة إنه جائز إجماعا (٣).

تم الجزء الأول من كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ، مع اشتغال البال وضيق المجال ، ضحى يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة الحرام من شهور سنة تسع وثمانين وتسعمائة ، على يد مصنفه العبد المفتقر إلى عفو الله تعالى : محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني ، حامدا مصليا مسلما. ونسأل الله تعالى بعد المغفرة إتمام هذا الكتاب وجعله خالصا لوجهه الكريم بمنه وكرمه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٣ ـ ١٤٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٦ ـ ٨٥٣ ، الوسائل ٥ : ١٣٣ أبواب صلاة العيد ب ٢٧ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٣٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٦٢.

١٢٣

الفصل الثّالث

في صلاة الكسوف

والكلام في : سببها ، وكيفيتها ، وحكمها.

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

في صلاة الكسوف

الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

قوله : ( الفصل الثالث : في صلاة الكسوف ، والكلام في سببها وكيفيتها وأحكامها ).

قال في القاموس : يقال : كسف الشمس والقمر كسوفا احتجبا كانكسفا ، والله إياهما حجبهما ، والأحسن في القمر خسف وفي الشمس كسفت (١). ونحوه قال الجوهري إلاّ أنه جعل انكسفت الشمس من كلام العامة (٢). وهو وهم ، فإن الأخبار مملوءة بلفظ الانكساف.

وإنما عنون المصنف الفصل بصلاة الكسوف الشامل لاحتجاب القمرين مع أنه معقود لصلاة الآيات الشاملة للكسوف والزلازل وغيرهما ، لكثرة وقوعهما بالنسبة إلى غيرهما من الآيات ، ولانعقاد الإجماع على شرعيتهما ، واختصاص أكثر النصوص بهما (٣).

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ١٩٦.

(٢) الصحاح ٤ : ١٤٢١.

(٣) الوسائل ٥ : ١٤٢ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١.

١٢٤

أما الأول : فتجب عند كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة.

______________________________________________________

ويمكن أن يكون المراد بصلاة الكسوف : الصلاة المخصوصة التي من شأنها أن تصلّى للكسوف ، كما يدل عليه ذكر الزلزلة وغيرها في بيان سببها ، وقد وقع نحو ذلك في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام حيث قال فيها : « كل أخاويف السماء من ظلمة أو فزع أو ريح فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن » (١).

وروى ابن بابويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ في كتاب علل الشرائع والأحكام بسنده إلى الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « إنما جعل للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تبارك وتعالى لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تتضرع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله عزّ وجلّ » (٢).

قوله : ( أما الأول ، فتجب عند كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة ).

أجمع علماؤنا كافة على وجوب الصلاة بكسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة على الأعيان ، حكاه في التذكرة (٣). والأصل فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » قال ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « هي فريضة » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٢٦٩ ، الوسائل ٥ : ١٤٢ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ح ٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٦٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٢.

١٢٥

وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل : نعم ، وهو المروي. وقيل : لا ، بل يستحب. وقيل : تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب.

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن عمر بن أذينة ، عن رهط وهم الفضيل بن يسار وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم ، عن كليهما عليهما‌السلام ، ومنهم من رواه عن أحدهما عليهما‌السلام : « إن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » ورووا أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء (١). وإطلاق التسوية يقتضي بظاهره الاشتراك في الوجوب.

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن جميل ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « صلاة العيدين فريضة ، وصلاة الكسوف فريضة » (٢).

وعن سليمان الديلمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أراد الله أن يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرّك عروقها فتتحرك بأهلها » قلت : فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال : « صل صلاة الكسوف » (٣) وهذه الرواية ضعيفة السند (٤).

قوله : ( وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ، بل يستحب ، وقيل : تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٠ ـ ١٤٥٧ ، الوسائل ٥ : ١٤٢ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٣٤٣ ـ ١٥١٧ ، علل الشرائع : ٥٥٦ ـ ٧ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٣ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٤) لعل وجه الضعف هو ما قيل من أن راويها من الغلاة الكبار ، وأيضا طريق الصدوق إليه ضعيف بمحمد بن سليمان ـ راجع رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ ، ورجال النجاشي : ١٨٢ ـ ٤٨٢ ، ومعجم رجال الحديث ٨ : ٢٨٦ ـ ٥٥٢٦.

١٢٦

______________________________________________________

القول بوجوب الصلاة لأخاويف السماء كلها كالظلمة العارضة ، والحمرة‌ الشديدة ، والرياح العاصفة ، والصاعقة الخارجة عن قانون العادة مذهب الأكثر ، كالشيخ في الخلاف (١) ، والمفيد (٢) ، والمرتضى (٣) ، وابن الجنيد (٤) ، وابن أبي عقيل (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وغيرهم (٧). وقال في النهاية : صلاة الكسوف ، والزلازل ، والرياح المخوفة ، والظلمة الشديدة فرض واجب لا يجوز تركها على حال (٨). وقال في الجمل : صلاة الكسوف فريضة في أربعة مواضع : عند كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلازل ، والرياح السود المظلمة (٩). ونقل عن أبي الصلاح أنه لم يتعرض لذكر غير الكسوفين (١٠).

والمعتمد الأول ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا ، قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال : « كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن » (١١).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف ، فقال عليه‌السلام : « صلاتهما سواء » (١٢).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٧٤.

(٢) المقنعة : ٣٥.

(٣) جمل العلم والعمل : ٧٦.

(٤) نقله عنهما في المختلف : ١١٦.

(٥) نقله عنهما في المختلف : ١١٦.

(٦) السرائر : ٧١.

(٧) كالقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ١٢٤.

(٨) النهاية : ١٣٦.

(٩) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٣.

(١٠) الكافي في الفقه : ١٥٥.

(١١) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ١.

(١٢) الفقيه ١ : ٣٤١ ـ ١٥١٢ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ٢.

١٢٧

ووقتها ، في الكسوف من حين ابتدائه إلى حين انجلائه ،

______________________________________________________

وصحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة » (١).

ومقتضى الرواية الأولى وجوب الصلاة لأخاويف السماء كلها ، والظاهر أن المراد به ما يحصل منه الخوف لعامة الناس.

ولو كسف بعض الكواكب ، أو كسف بعض الكواكب لأحد النيرين ـ كما نقل أن الزهرة رئيت في جرم الشمس كاسفة لها ـ فقد استقرب العلاّمة في التذكرة (٢) ، والشهيد في البيان (٣) عدم وجوب الصلاة بذلك ، لأن الموجب لها الآية المخوفة لعامة الناس وأغلبهم لا يشعرون بذلك. واحتمل في الذكرى الوجوب ، لأنها من الأخاويف (٤).

والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية.

قوله : ( ووقتها في الكسوف من حين ابتدائه إلى حين انجلائه ).

أما أن أول وقتها في الكسوف من حين ابتدائه ، فقال العلاّمة في المنتهى : إنه قول علماء الإسلام (٥) ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا رأيتم ذلك فصلّوا » (٦) وقول الصادق عليه‌السلام : « وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٨ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ١٦٦.

(٣) البيان : ١١٥.

(٤) الذكرى : ٢٤٧.

(٥) المنتهى ١ : ٣٥٢.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ ـ ٦٢٠ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، وسنن النسائي ٣ : ١٣٠ ـ ١٣٢ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ ح ١٢٦٣. باختلاف يسير في ألفاظ الحديث بين المصادر.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٢.

١٢٨

______________________________________________________

وإنما الخلاف في آخره ، فذهب جماعة منهم المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا ظاهرا ، وفي المعتبر صريحا إلى أنه تمام الانجلاء (١). وقال الشيخان (٢) ، وابن حمزة (٣) ، وابن إدريس (٤) ، والمصنف في النافع : إنه الأخذ في الانجلاء (٥). والأصح الأول.

لنا : أن وجوب الصلاة بالكسوف متحقق ، ولا دليل على انتهاء وقته بالأخذ في الانجلاء فيستمر إلى آخره ، ويدل عليه أيضا قول الصادق عليه‌السلام في موثقة عمّار : « إن صلّيت الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف » (٦) والذهاب إنما يكون بالانجلاء التام.

وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد » (٧) ولو خرج الوقت بالأخذ في الانجلاء لما استحبت الإعادة بعده كما لا تستحب بعد الانجلاء التام. ولم نقف للقائلين بانتهاء الوقت بالأخذ في الانجلاء على دليل يعتد به.

قال في المعتبر : فإن احتج الشيخ بما رواه حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ذكروا عنده انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته فقال : « إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى » (٨) فلا حجة في ذلك ، لاحتمال أن يكون أراد تساوي الحالين في زوال الشدة ، لا بيان الوقت (٩).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٣٠.

(٢) المفيد في المقنعة : ٣٥ ، والشيخ في النهاية : ١٣٧ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ): ١٩٤.

(٣) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٧.

(٤) السرائر : ٧٢.

(٥) المختصر النافع : ٣٩.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٥.

(٧) التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٤ ، الوسائل ٥ : ١٥٣ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٨ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ٣٤٧ ـ ١٥٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٧ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٣.

(٩) المعتبر ٢ : ٣٣٠.

١٢٩

فإن لم يتّسع لها لم تجب.

______________________________________________________

وتظهر الفائدة في نية القضاء أو الأداء لو شرع في الانجلاء ، وكذا في ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة.

ولو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الانجلاء وجبت الصلاة أداء إلى أن يتحقق الانجلاء. وكذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس على القمر ، لإطلاق الأمر ، وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضي لفوات الأداء.

قال في الذكرى : ولو اتفق إخبار رصديين عدلين بمدة المكث أمكن العود إليهما ، ولو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم ، وكذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن (١).

ولا ريب في الوجوب حيث يحصل العلم للسامع ، أو يستند إخبار العدلين إليه.

قوله : ( فإن لم يتسع لها لم تجب ).

المراد أن وقت الكسوف إذا لم يتسع لأخف الصلاة لم تجب ، لاستحالة التكليف بعبادة موقتة في وقت لا يسعها. ومقتضى ذلك أن المكلف لو اتفق شروعه في الصلاة في ابتداء الوقت فتبيّن ضيقه عنها وجب القطع ، لانكشاف عدم الوجوب.

ويظهر من المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر التوقف في ذلك فإنه قال : لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب ، وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد (٢). وكأن منشأ التردد مما ذكرناه ، ومن عدم صراحة الروايات في التوقيت ، لكن فرقه بين ما إذا ضاق الوقت عن إدراك ركعة وبين ما إذا وسع الوقت ركعة وقصر عن أخف الصلاة غير واضح.

واستوجه العلاّمة في المنتهى وجوب الصلاة مع إدراك ركعة ، نظرا إلى أن‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٤١.

١٣٠

وكذا الرياح والأخاويف إن قلنا بالوجوب.

______________________________________________________

إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصلاة (١). وهو ضعيف جدا ، فإن ذلك إنما ثبت في اليومية إذا أدرك ركعة من الوقت ، ومع قصور الوقت عن أخف الصلاة لا يتحقق التوقيت. والعجب أنه ـ رحمه‌الله ـ قال بعد ذلك بغير فصل : السادس لو قصر الوقت عن أقل صلاة يمكن لم تجب على إشكال. وهو رجوع من الجزم إلى التردد.

والحق أن الكسوف إن كان من قبيل السبب كالزلزلة وجب القول بوجوب الصلاة وإن قصر وقته عن الركعة ، وإن كان من قبيل الوقت ـ كما هو الظاهر ـ تعيّن القول بعدم الوجوب إذا قصر الوقت عن أدائها ، لاستحالة التكليف بعبادة موقتة في وقت لا يسعها ، فالفرق بين سعة الوقت لإدراك الركعة وعدمه لا يظهر له وجه.

قوله : ( وكذا الرياح والأخاويف إن قلنا بالوجوب ).

أي وكذا يمتد وقت الصلاة في الرياح والأخاويف ـ إن قلنا بوجوبها ـ من الابتداء إلى الانتهاء ، فإن لم يتسع لها لم تجب. وهذا أحد القولين في المسألة ، وأسنده في الذكرى إلى الأصحاب (٢) ، مع أنه جزم في الدروس بعدم اعتبار سعة وقتها كالزلزلة (٣) ، واختاره العلاّمة في جملة من كتبه نظرا إلى إطلاق الأمر (٤).

والأصح الأول ، لقوله عليه‌السلام : « كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن » (٥).

وجه الدلالة أن « حتى » إما أن تكون لانتهاء الغاية أو التعليل ، وعلى‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٢) الذكرى : ٢٤٤.

(٣) الدروس : ٤٥.

(٤) المنتهى ١ : ٣٥٢ ، وتحرير الأحكام ١ : ٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٤ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ١.

١٣١

وفي الزلزلة تجب وان لم يطل المكث ، ويصلي بنيّة الأداء وإن سكنت.

______________________________________________________

الأول يثبت التوقيت صريحا ، وكذا على الثاني ، لأن انتفاء العلة يقتضي انتفاء المعلول.

قوله : ( وفي الزلزلة تجب وإن لم يطل المكث ، ويصلي بنيّة الأداء وإن سكنت ).

هذا قول معظم الأصحاب ، لإطلاق الأمر الخالي من التقييد. وحكى الشهيد في البيان قولا بأنها تصلى بنية القضاء (١) ، ولم نظفر بقائله. وألحق العلامة في التذكرة بالزلزلة الصيحة ، ثم قال : وبالجملة كل آية يقصر وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما ، أما ما ينقص عن فعلها وقتا دون وقت فإن وقتها مدة الفعل فإن قصر لم تصل (٢).

ويشكل بأنه لا يلزم من عدم قصور زمان الآية عن مقدار الصلاة كونها موقتة ، بل الحق أن التوقيت إنما يثبت إذا ورد الشرع بتحديد زمان الفعل وبدونه يكون وقته العمر.

وأورد على العبارة ونظائرها أن الأداء والقضاء من توابع الوقت المضروب ، فإذا كان وقت الزلزلة يمتد بامتداد العمر لم يوصف فعلها بأداء ولا قضاء ، فلا وجه لقولهم : إنها تصلى بنية الأداء وإن سكنت.

وأجاب عنه المحقق الشيخ عليّ ـ رحمه‌الله ـ في بعض حواشيه فقال : إنما كانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة ، والتوقيت يوجب نية الأداء ، ولما كان وقتها لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحا لإيقاعها فيه حذرا من التكليف بالمحال ، وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه ، وروعي فيها الفورية من حيث إن فعلها خارج وقت السبب إنما كان بحسب الضرورة فاقتصر في التأخير على قدرها ، وفي ذلك جمع بين القواعد المتضادة وهي توقيت هذه الصلاة مع قصر‌

__________________

(١) البيان : ١١٦.

(٢) التذكرة ١ : ١٦٣.

١٣٢

ومن لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت لم يجب القضاء ، إلا أن يكون القرص قد احترق كله.

______________________________________________________

وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة. هذا كلامه رحمه‌الله.

ولا يخفى ما فيه من التكلف المستغنى عنه. ومن العجب ادعاؤه الإجماع على توقيت هذه الصلاة مع تصريحهم بأنها تمتد بامتداد العمر. نعم ذكر الشهيد في الذكرى أنّ حكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا يريدون به التوسعة فإن الظاهر كون الأمر هنا على الفور ، بل على معنى أنها تفعل بنية الأداء وإن أخل بالفورية لعذر وغيره (١).

وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ أحوط وإن أمكن المناقشة فيه بانتفاء ما يدل على ثبوت الفورية هنا على الخصوص ، والأمر المطلق لا يقتضي الفورية كما بيناه مرارا.

قوله : ( ومن لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت لم يجب القضاء ، إلا أن يكون القرص قد احترق كله ).

هذا قول معظم الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه مذهب الأصحاب عدا المفيد (٢). ويدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلها فليس عليك قضاء » (٣).

وما رواه ابن بابويه ، عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار أنهما قالا ، قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال : « إن كان القرصان احترقا كلهما قضيت ، وإن كان إنما‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٤.

(٢) التذكرة ١ : ١٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٥ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٩ ، الإستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٥٩ ، الوسائل ٥ : ١٥٥ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٢.

١٣٣

وفي غير الكسوف لا يجب القضاء.

______________________________________________________

احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه (١) » (٢) وهما نص في المطلوب.

وقال المفيد في المقنعة : إذا احترق القرص كله ولم تكن علمت به حتى أصبحت صلّيت صلاة الكسوف جماعة ، وإن احترق بعضه ولم تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى (٣). ولم نقف له في هذا التفصيل على مستند.

قوله : ( وفي غير الكسوف لا يجب القضاء ).

المراد أن من لم يعلم بالآية المخوفة حتى خرج وقتها لا يجب عليه القضاء ، وهذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا. ويدل عليه ما أسلفناه مرارا من أن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وبدونه يكون منفيا بالأصل (٤) ، وتشهد له الروايات المتضمنة لسقوط القضاء في الكسوف إذا لم يستوعب الاحتراق ، مع أنه أقوى ، للإجماع على أنه موجب للصلاة واستفاضة النصوص به (٥).

واحتمل جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان وجوب القضاء هنا ، لوجود السبب (٦) ، وعموم قوله عليه‌السلام : « من فاتته فريضة. » (٧) وهو ضعيف ، لأن السبب إنما وجد في الأداء خاصة وقد سقط بفوات محله ، والفريضة لا عموم فيها بحيث يتناول موضع النزاع بل المتبادر منها اليومية.

واعلم أنه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة إذا لم يعلم المكلف بحصولها حتى انقضت ، وقد صرح العلاّمة في التذكرة بسقوطها فقال : أما جاهل غير الكسوف مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة فالوجه سقوطها‌

__________________

(١) كذا في النسخ والمصادر.

(٢) الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣٢ ، الوسائل ٥ : ١٥٤ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١.

(٣) المقنعة : ٣٥.

(٤) راجع ج ٣ ص ٩٢.

(٥) الوسائل ٥ : ١٤٢ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١.

(٦) روض الجنان : ٣٠٤.

(٧) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣.

١٣٤

ومع العلم والتفريط أو النسيان يجب القضاء في الجميع.

______________________________________________________

عنه ، عملا بالأصل السالم من المعارض (١). وهو غير بعيد وإن كان الإتيان بالصلاة هنا أحوط.

قوله : ( ومع العلم والتفريط أو النسيان يجب القضاء في الجميع ).

المراد أن من علم بحصول الآية المخوفة وأخل بالصلاة يجب عليه القضاء في الجميع وإن احترق بعض القرص ، سواء أخل بالصلاة عمدا أو نسيانا ، وهذا قول الأكثر.

وقال الشيخ في النهاية والمبسوط : لا يقضي الناسي ما لم يستوعب الاحتراق (٢). وظاهر المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في المصباح عدم وجوب القضاء ما لم يستوعب وإن تعمد الترك (٣).

احتج الأولون (٤) بقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « أربع صلوات يصلّيها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها » (٥) الحديث.

وقوله عليه‌السلام في صحيحة أخرى لزرارة وقد سأله عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها : « يقضيها إذا ذكرها » (٦).

وما رواه الشيخ ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل فليغتسل من‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٦٣.

(٢) النهاية : ١٣٦ ، والمبسوط ١ : ١٧٢.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٣٣١.

(٤) منهم المحقق الحلي في المعتبر ٢ : ٣٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٨ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب قضاء الصلاة ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٢ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ ـ ٦٨٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب قضاء الصلاة ب ٢ ح ٣.

١٣٥

______________________________________________________

غد وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء بغير غسل » (١).

وعن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عيناك فلم تصل فعليك قضاؤها » (٢).

وفي الجميع نظر : أما أخبار قضاء الفوائت فلا عموم لها على وجه يتناول صورة النزاع ، ولهذا لم يحتج بها الأصحاب على وجوب القضاء مع انتفاء العلم بالسبب.

وأما رواية حريز فقاصرة بالإرسال ، وإطباق الأكثر على ترك العمل بظاهرها.

وأما رواية عمار فباشتمال سندها على جماعة من الفطحية.

ومن ذلك تظهر قوة ما ذهب إليه الشيخ من عدم وجوب القضاء على الناسي إذا لم يستوعب الاحتراق ، بل رجحان ما ذهب إليه المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ من عدم وجوب القضاء مطلقا إلاّ مع الاستيعاب ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر أنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال : « إذا فاتتك فليس عليك قضاء » (٣) دلت الرواية على سقوط قضاء صلاة الكسوف مع الفوات مطلقا ، خرج من ذلك ما إذا استوعب الاحتراق فإنه يجب القضاء‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٧ ، الإستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٨ ، الوسائل ٥ : ١٥٥ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٦ ، الإستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٦٠ ، الوسائل ٥ : ١٥٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٦ ، قرب الإسناد : ٩٩ ، الوسائل ٥ : ١٥٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٧.

١٣٦

وأما كيفيتها : فهو أن يحرم ، ثم يقرأ الحمد وسورة ، ثم يركع ، ثم يرفع ، فإن كان لم يتمّ السورة قرأ من حيث قطع ، وإن كان أتمّ قرأ الحمد ثانيا ، ثم قرأ سورة حتى يتمّ خمسا على هذا الترتيب ، ثم يركع ويسجد اثنتين ثم يقوم ويقرأ الحمد وسورة معتمدا ترتيبه الأول ، ويتشهّد ، ويسلّم.

______________________________________________________

بالنصوص الصحيحة (١) فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق.

ولا ريب أن ما اختاره الأكثر من القضاء مع العلم والتفريط والنسيان في الجميع طريق الاحتياط.

قوله : ( وأما كيفيتها فهو أن يحرم ، ثم يقرأ الحمد وسورة ، ثم يركع ، ثم يرفع رأسه ، فإن كان لم يتمّ السورة قرأ من حيث قطع ، وإن كان أتمّ قرأ الحمد ثانيا ، ثم قرأ سورة حتى يتمّ خمسا على هذا الترتيب ، ثم يركع ويسجد سجدتين ، ثم يقوم ويقرأ الحمد وسورة معتمدا ترتيبه الأول ، ويتشهّد ، ويسلّم ).

الأصل في هذه الكيفية النصوص الواردة عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن أذينة ، عن رهط ، عن كليهما ، ومنهم من رواه عن أحدهما : « إن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس خلفه في كسوف الشمس ، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » ورووا « أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء ، وأشدها وأطولها كسوف الشمس تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الثانية ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الثالثة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الرابعة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الخامسة ، فإذا رفعت رأسك قلت : « سمع‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٥٤ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠.

١٣٧

______________________________________________________

الله لمن حمده » ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى » قال ، قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرّقها بينها؟ قال : « أجزأه أمّ القرآن في أول مرة ، وإن قرأ خمس سور [ قرأ ] (١) مع كل سورة أمّ الكتاب ، والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ، ثم تقنت في الرابعة مثل ذلك ، ثم في السادسة ، ثم في الثامنة ، ثم في العاشرة » (٢) قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم.

وفي الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن صلاة الكسوف كم هي ركعة؟ وكيف نصلّيها؟ فقال : « هي عشر ركعات وأربع سجدات ، تفتتح الصلاة بتكبيرة ، وتركع بتكبيرة ، وترفع رأسك بتكبيرة إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها وتقول : « سمع الله لمن حمده » فيها ، وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع ، وتطوّل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود ، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي ، فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي وتجهر بالقراءة » قال ، قلت : كيف القراءة فيها؟ فقال : « إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب » قال ، وقال : « يستحب أن يقرأ فيها بالكهف والحجر إلاّ أن يكون إماما يشق على من خلفه ، فإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك بيت فافعل ، وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر ، وهما سواء في القراءة والركوع والسجود » (٣).

ويستفاد من هاتين الروايتين التخيير بين قراءة سورة كاملة بعد الحمد في‌

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٠ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ٦.

١٣٨

______________________________________________________

كل قيام ، وبين تفريق سورتين على العشر في كل خمس سورة ، وأنه متى أتم السورة وجب قراءة الحمد.

وقال ابن إدريس : إذا أكمل السورة استحب له قراءة الحمد ، محتجا بأن الركعات كركعة واحدة (١). ورده المصنف في المعتبر بأنه خلاف فتوى الأصحاب والمنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام (٢). وهو كذلك.

وربما ظهر من إطلاق الرواية الثانية جواز التفريق بأن يبعض سورة في إحدى الركعتين ويقرأ في الأخرى خمسا ، والجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام والتبعيض بأن يتم السورة في القيام الأول مثلا ويبعض السورة (٣) في الأربع البواقي.

وفي جواز الركوع قبل إتمامها والحال هذه وجهان ، وكذا الوجهان في جواز إتمامها بعد القيام من السجود لكن لا بد من قراءة الحمد.

وذكر الشهيدان أنه متى ركع عن بعض سورة تخير في القيام بعده بين القراءة من موضع القطع ، وبين القراءة من أيّ موضع شاء من السورة متقدما أو متأخرا ، وبين رفضها وقراءة غيرها (٤).

واحتمل في الذكرى أمرا رابعا وهو أن له إعادة البعض الذي قرأه من السورة بعينه قال : فحينئذ هل تجب قراءة الحمد؟ يحتمل ذلك لابتدائه بسورة ، ويحتمل عدمه لأن قراءة بعضها مجزية فقراءة جميعها أولى ، هذا إن قرأ جميعها ، وإن قرأ بعضها فأشد إشكالا (٥).

__________________

(١) السرائر : ٧٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٣٥.

(٣) في « ض » : سورة.

(٤) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٤٥ ، والبيان : ١١٨ ، واللمعة : ٣٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٠٣ ، والمسالك ١ : ٣٧ ، والروضة البهية ١ : ٣١٢.

(٥) الذكرى : ٢٤٥.

١٣٩

ويستحب فيها الجماعة ،

______________________________________________________

وأقول : إن في أكثر هذه الصور إشكالا ، فإن مقتضى قوله عليه‌السلام : « فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت » (١) تعين القراءة من موضع القطع فلا يكون العدول إلى غيره من السورة ومن غيرها جائزا ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي الاقتصار على قراءة خمس سور في كل ركعة ، أو تفريق سورة على الخمس ، والله تعالى أعلم.

قوله : ( ويستحب فيها الجماعة ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله في التذكرة (٢) ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الرهط المتقدمة : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بأصحابه صلاة الكسوف » (٣) وأقل مراتب ذلك الاستحباب.

ويدل على جواز الانفراد ما رواه الشيخ ، عن روح بن عبد الرحيم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ قال : « جماعة وغير جماعة » (٤).

ويتأكد استحباب الجماعة إذا استوعب الاحتراق ، لما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا انكسفت الشمس والقمر [ فانكسف كلها ] (٥) فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام ليصلّي بهم ، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلّي وحده » (٦).

وقال الصدوقان : إذا احترق القرص كله فصلّها في جماعة ، وإن احترق بعضه فصلّها فرادى (٧). ولعل مرادهما عدم تأكد الجماعة إذا لم يستوعب‌

__________________

(١) المتقدم في ص ١٣٨.

(٢) التذكرة ١ : ١٦٤.

(٣) في ص ١٣٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨٢ ، الوسائل ٥ : ١٥٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٢ ح ١.

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨١ ، الوسائل ٥ : ١٥٧ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٢ ح ٢.

(٧) الصدوق في المقنع : ٤٤ ، ونقله عنهما في المختلف : ١١٨.

١٤٠