مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

الدالّة عليه في الصبح والمغرب (١).

وفيه ما فيه ، إلاّ أن لكون المقام مقام الاستحباب يكفي فيه الشهرة وفتوى الأصحاب.

المسألة الثانية : لا يؤذّن لشي‌ء من النوافل ولا غير الخمس من الفرائض ، قال في المعتبر : إنه مذهب علماء الإسلام (٢). ونحوه في المنتهى (٣) ، وكذا الإقامة ، لأنّهما وظيفتان شرعيّتان موقوفتان على التوقيف ، وليس في غير ما ذكر.

إلاّ أن الأصحاب ذكروا أنه يقول المؤذّن في سائر الفرائض : « الصلاة » ثلاثا ، والظاهر أنّ مرادهم فيما يصلّي جماعة خاصة.

وذكر جماعة (٤) أنهم لم يقفوا على دليل عليه في غير صلاة العيدين. وهو كذلك ، إلاّ أن فتواهم تكفي لإثبات الاستحباب.

المسألة الثالثة : ذكروا سقوط الأذان أو مع الإقامة في مواضع :

منها : إذا جمع بين الصلاتين ، فيسقط أذان الثانية ، ذكره العماني والشيخ والفاضل (٥) ، وجماعة (٦) ، بل نسب إلى المشهور (٧) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٨).

__________________

(١) انظر الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٦.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٥.

(٣) المنتهى ١ : ٢٦٠.

(٤) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٤ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٣٦٥.

(٥) حكاه عن العماني في الذكرى : ١٧٤ ، الشيخ في الخلاف ١ : ٢٨٤ ، الفاضل في التذكرة ١ : ١٠٦.

(٦) منهم القاضي في المهذب ١ : ٩٠ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٧٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤٠.

(٧) لم نعثر على من نسب إلى المشهور صريحا ، وقال البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) : والمذكور في كلام غير واحد من الفقهاء أن الجامع المذكور يسقط عنه الأذان في الثانية.

(٨) الخلاف ١ : ٢٨٤‌

٥٢١

لأنّ الأذان إعلام وقد حصل بالأول.

ولصحيحة الفضيل وزرارة : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين » (١).

ونحوها صحيحة ابن سنان بزيادة قوله : « في الحضر من غير علّة » بعد لفظ : « العشاء » (٢).

ورواية صفوان : إن الصادق عليه‌السلام جمع بين الظهرين بأذان وإقامتين ، ثمَّ قال : « إنّي على حاجة فتنفّلوا » (٣).

ويضعّف التعليل : بأنّه يجزئ في الأذان الإعلامي والمطلوب غيره.

والأخبار ـ مع ما فيها من الإجمال ، حيث لم يتعيّن أنّ المراد هل هو الجمع في الوقت ، أو بترك النافلة ، أو مطلق الفصل ، وإن دلّ بعض الأخبار على حصول الجمع بالثاني (٤) ، ولكنّه غير كاف ـ : بأنّه لا دلالة لها على السقوط أصلا ، لأنّهم قد يتركون المستحب.

ومع التسليم لا تدلّ على استناد السقوط إلى الجمع ، فلعلّه لحاجة أو علّة أخرى ، فتبقى عمومات الأذان في صورة الجمع خالية عن المخصّص.

فالحقّ ـ كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين (٥) ـ عدم السقوط.

ومنها : صلاة العصر من يوم الجمعة ، فإنّ في سقوط أذانها مطلقا ، كما عن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٥ ، التهذيب ٣ : ١٨ ـ ٦٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ٢ ، ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٢٠ أبواب المواقيت ب ٣٢ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٧ الصلاة ب ٩ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٤ : ٢١٩ أبواب المواقيت ب ٣١ ح ٢.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ٢٢٤ أبواب المواقيت ب ٣٣.

(٥) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( المخطوط ).

٥٢٢

المبسوط والنهاية والمقنعة (١). أو عمّن صلّى الجمعة ، كما عن السرائر (٢) والكامل ، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه ، أو مع الجمع المستحب فيه ، كما هو ظاهر المحقّق والمنتهى (٣) ، بل نسبه فيه إلى علمائنا ، أو عدم السقوط مطلقا ، كما عن الأركان ، بل المقنعة (٤) ، والقاضي (٥) أيضا ، واختاره الأردبيلي وصاحب المدارك (٦).

أقوالا ، أصحّها : الأخير ، للعمومات ، والإطلاقات الخالية عن المخصّص والمقيّد.

واحتجّ الأول برواية حفص : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (٧).

ويردّ بعدم الدلالة ، إذ في المراد من الأذان الثالث احتمالات عديدة (٨).

والثاني بالإجماع على السقوط عمّن صلّى الجمعة.

ويردّ بعدم الثبوت.

والثالث : بما مرّ من السقوط مع الجمع. وقد عرفت ضعفه.

ومنها : صلاة العصر من يوم عرفة ، والعشاء بمزدلفة ، كما يأتي في كتاب‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥١ ، النهاية : ١٠٧ ، ولم نعثر في المقنعة على السقوط مطلقا ، وقال في المدارك ٣ : ٢٦٤ : ان الشيخ في التهذيب نقل عن المقنعة سقوط الأذان مطلقا. انظر التهذيب ٣ : ١٨.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٥.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ١٣٦ ، المنتهى ١ : ٢٦١.

(٤) المقنعة : ١٢٦.

(٥) قال الفيض في المفاتيح ١ : ١١٦ : والأصح عدم السقوط فيه مطلقا إلاّ حالة الجمع وفاقا للمفيد والقاضي .. لكن المستفاد من صريح كلامه في المهذب ١ : ١٠٢ و ١٠٤ أنه لا يسقط الأذان عمن صلى الظهر ويسقط عمن صلى الجمعة.

(٦) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٦٥ ، المدارك ٣ : ٢٦٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٢١ الصلاة ب ٧٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٧ ، الوسائل ٧ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤٩ ح ١ و ٢.

(٨) قيل : المراد بالأذان الثالث هو الذي أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف القولين قبل الوقت ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّع للصلاة أذانا وإقامة فالزائد ثالث ، ولعلّ الأول أذان الصبح ، والثاني الظهر ، والثالث العصر ، ويحتمل غيرهما أيضا. منه رحمه الله تعالى.

٥٢٣

الحجّ إن شاء الله.

ومنها : قضاء الصلاة ، فيسقط أذان غير الاولى منها ويكتفى فيه بالإقامة بالإجماع على الظاهر ، له ، ولصحيحة محمّد : عن رجل صلّى الصلاة وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثمَّ ذكر بعد ذلك ، قال : « يتطهّر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ ، ثمَّ يصلّي ويقيم بعد ذلك في كلّ صلاة بغير أذان حتى يقضي صلاته » (١).

وصحيحة زرارة : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهنّ فأذّن لها وأقم ، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة ، [ إقامة ] لكلّ صلاة » (٢).

وظاهرهما ـ كظاهر عبارات جماعة ـ سقوطه عن غير الاولى مطلقا ، سواء أدّاها في مجلس واحد أو أزيد ، ولا يختص بالأولى ـ كما هو الظاهر ممّن قيّده بغير الاولى من ورده ـ لعدم المخصّص ، ولذا حمل بعض مشايخنا المحقّقين الورد في كلماتهم على جميع عدد ما فات (٣).

ثمَّ السقوط هنا هل هو بمعنى عدم المشروعية؟ كما هو ظاهر المدارك (٤) ، وغيره (٥) ، وهو القول المحكي في الذكرى (٦) أيضا عن بعضهم أنه بمعنى أفضلية الترك ، إذ لا معنى لها هنا إلاّ عدم الأمر به الذي هو معنى عدم التوقيف.

أو بمعنى خفّة الاستحباب بالنسبة إلى سائر الصلوات؟ كما هو المشهور ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٩ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٥٤ أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ الصلاة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٥ : ٤٤٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٧ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٤) المدارك ٣ : ٢٦٣.

(٥) كالبحار ٨١ : ١٦٦.

(٦) الذكرى : ١٧٤.

٥٢٤

بل عليه الإجماع في الناصريات (١) ، وعن الخلاف (٢) ، وهي المراد بقولهم : إنه لو أذّن لكل فائتة كان أفضل (٣) ، إذ هذا المعنى ثابت للجميع ، فيكون الفرق بالخفّة والشدّة ، بل هي بعينها معنى الرخصة في سقوط الأذان على القول باستحبابه في كل موضع يقولون بالسقوط رخصة.

الأقرب : الثاني ، للشهرة والإجماع المنقول الكافيين في المقام ، وإطلاق أكثر الأخبار الواردة في استحباب الأذان والإقامة ، بل عموم بعضها المعتضدة جميعا بالصحيح : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (٤).

وخبر الساباطي : عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : « نعم » (٥) لو لا المعارض.

دليل الأول : الأصل ، وظاهر الصحيحين ، فإنّ أقلّهما رجحان ترك الأذان ، وهو يستلزم عدم الأمر به ، وبهما تقيّد الإطلاقات وتخصّص العمومات.

ويجاب عن الأصل : بوجود الدافع.

وعن الصحيحين : بالمعارضة مع الشهرة والإجماع المحكي ، فتبقى الإطلاقات والعمومات خالية عن المخصّص المعلوم ، وهي كافية للمطلوب وإن لم تتمّ دلالة الصحيح المذكور ، من حيث إنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : « كما فاتته » أي : بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها ، ومنع ذلك مكابرة صرفة ، ولا الخبر المتعقّب له من حيث معارضته مع رواية موسى بن عيسى : كتبت إليه : رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨٢ ـ ٢٨٤.

(٣) كما في المختصر النافع : ٢٧ ، الدروس ١ : ١٦٥ ، وقال في البحار ٨١ : ١٦٦ إنه المشهور بين الأصحاب.

(٤) غوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٧٠ أبواب قضاء الصلوات ب ٨ ح ٢.

٥٢٥

وإقامة؟ فكتب : « يعيدها بإقامة » (١).

ومنها : السفر ، فيسقط فيه الأذان عند أكثر أهل العلم ، كما في المنتهى (٢) ، للمستفيضة المتقدّمة المصرّحة بإجزاء الإقامة فيه (٣).

وظاهر الأصحاب كون السقوط هنا رخصة ، فيكون الأذان ثابتا فيه ، بل الظاهر أنه المجمع عليه.

وتدلّ عليه صحيحة الحلبي : « إذا أذّنت في أرض فلاة وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة » الحديث (٤).

ورواية بريد بن معاوية : « الأذان يقصر في السفر كما يقصر الصلاة ، والأذان واحدة واحدة » الخبر (٥).

وقد يستظهر له بلفظ الإجزاء.

وفيه نظر.

وعلى هذا فالمراد بسقوطه فيه خفّة الاستحباب بالنسبة إلى الحضر ، كما مرّ.

ومنها : السامع أذان الغير وإقامته ، فيسقطان عن المصلّي إذا كان إماما بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل (٦) ، لرواية أبي مريم : صلّى بنا أبو جعفر بلا أذان ولا إقامة ، فقلت له في ذلك ، فقال : « إني مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك » (٧).

ورواية عمرو بن خالد : عن أبي جعفر عليه‌السلام [ قال ] : كنّا معه فسمع‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٧ ح ٢.

(٢) المنتهى ١ : ٢٦٢.

(٣) راجع ص ٥١٧ ، ٥١٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٢ ـ ١٧٣ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٢.

(٦) انظر الرياض ١ : ١٥٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

٥٢٦

أذان جار له بالصلاة ، فقال : « قوموا » ، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : « يجزئكم أذان جاركم » (١).

وصحيحة ابن سنان : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه » (٢).

ومقتضى هذه النصوص ـ كصريح كثير من العبارات ـ عدم الفرق في المؤذّن بين مؤذّن المصر أو المسجد أو المنفرد ، بل قيل : إنّ ظاهر الخبرين الأوّلين كونه منفردا (٣) ، فتخصيص المسالك بالأوّلين (٤) ، لا وجه له.

وكذا إذا كان المصلّي منفردا على الأظهر بل الأشهر ـ كما قيل ـ وإن أنكره بعض من تأخّر (٥) ، لإطلاق الصحيحة ، بل إطلاق قوله : « يجزئكم أذان جاركم » في رواية ابن خالد. وكونهم جامعين حينئذ غير موجب لتقييده به. إلاّ أنهما مخصوصان بالأذان ، فالتعدّي في المنفرد إلى الإقامة أيضا ـ كما ذكره من ذكره (٦) ـ مشكل.

والاستدلال بالأولوية من الجامع فاسد ، لمنعها سيّما مع عدم معلومية العلّة ، والإجماع المركّب غير معلوم ، فالاقتصار فيه على سقوط الأذان خاصة أولى.

وكذا إذا تكلّم بعد الإقامة ، فلا تسقط حينئذ ، بل تستحب إعادتها ، لما مرّ من استحبابها بعد التكلّم ، ولعدم دليل على سقوطها حينئذ ، لاختصاص‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ١.

(٣) الرياض ١ : ١٥٢.

(٤) المسالك ١ : ٢٨.

(٥) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٦) صاحب المدارك ٣ : ٣٠٠.

٥٢٧

الصحيحة بالأذان ، وعدم عموم ولا إطلاق في الأوليين ، لورودهما في واقعة خاصة ، بل في أولاهما التصريح بعدم التكلّم ، وبأنه العلّة في الإجزاء ، فتبقى أصالة عدم سقوطها حينئذ خالية عن الدافع ، بخلاف الأذان ، فإنّ إطلاق الأخيرتين كاف في دفعها ، ولا يعارضه التقييد بعدم التكلّم في الأولى ، إذ لعلّه لسقوطهما معا.

ثمَّ إنّ سقوطهما حينئذ هل هو رخصة ، فتستحب إعادتهما أيضا أم عزيمة؟ الظاهر : الثاني وإن اتّسع الوقت بين السماع والصلاة ، وفاقا للمحكي عن المبسوط (١) ، ومحتمل الذكرى (٢) ، لأنّه مقتضى لفظ الإجزاء ، إذ معناه كفايته عن الأذان أو الإقامة المأمور به ، فإذا اكتفى عنه فلا يبقى أمر آخر.

وأيضا : مقتضى استحباب الإعادة عدم إجزاء المسموع ، وهو مخالف مدلول النصوص.

وخلافا لجماعة من المتأخّرين (٣) فقالوا بالأول ، وإليه يميل كلام المدارك والذخيرة (٤) ، للعمومات ، وعدم منافاة الإجزاء لها ، وظاهر الصحيحة ، فإنّ ظاهر قوله : « وأنت تريد أن تصلّي بأذانه » التخيير بين الصلاة به وعدمها ، وللأمر بإعادتهما للمنفرد إذا أذّن وأقام ثمَّ أراد الجماعة (٥).

ويردّ الأول : بتخصيص العمومات بما مرّ ، إذ لولاه وبقاء ما أمر به بالعموم فما الذي أجزأ عنه السماع؟! والثاني : بأن مقتضاه التخيير بين الصلاة بأذانه وعدم الصلاة ، لا بينها‌

__________________

(١) لم نجده في المبسوط ولم نعثر على حاكيه عنه.

(٢) الذكرى : ١٧٣.

(٣) كالكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٩٣ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١١٦ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٤٣٠.

(٤) المدارك ٣ : ٣٠٠ ، الذخيرة : ٢٥٨.

(٥) تقدم في ص ٥٢٠ ويأتي أيضا في ص ٥٣٣.

٥٢٨

والصلاة بأذان نفسه ، وسبب التقييد بذلك أنّ استحباب إتمام ما نقص إنّما هو على من أراد الصلاة بذلك الأذان دون غيره ممّن صلّى أو لا يريد الصلاة.

هذا إذا لم يكن المسموع أذان الجماعة وإقامتها ، والسامع إمام هذه الجماعة أو مأمومها. وأمّا فيه فالظاهر عدم الخلاف في عدم استحباب الإعادة وكون السقوط عزيمة ، بل قيل : إنّ على تركهما حينئذ إطباق المسلمين كافة (١). وهو كذلك.

كما أنّ الظاهر أن الكلام في الأذان للصلاة دون الأذان المستحب للإعلام وإعلاء شعائر الإسلام ، فلا يسقط ذلك بسماع غيره ، للأصل ، واختصاص الأخبار بالأوّل.

وعلى هذا فلا منافاة بين السقوط بالسماع وبين ما مرّ من جواز أذان جمع في محل ، مع أن السقوط بالسماع إنّما هو بعد سماع تمام الأذان ، فلا يسقط بسماع البعض ولا بشروع الغير ، فيمكن اجتماع جمع على الأذان للصلاة قبل إتمام واحد منهم.

ومنها : من جاء مسجدا صلّيت فيه جماعة ولمّا تتفرّق صفوف الجماعة ، فيسقط عنه الأذان والإقامة ، ويكتفي بأذانهم وإقامتهم ، سواء فرغوا من صلاتهم أم لا ، للمستفيضة من النصوص ، المنجبر ضعف ما فيه ضعف منها بالشهرة المحقّقة والمحكيّة.

منها : رواية عمرو بن خالد : « دخل رجلان المسجد وقد صلّى عليّ عليه‌السلام بالناس فقال لهما : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (٢).

والسكوني : « إذا دخل الرجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذّننّ ولا يقيمنّ » ‌

__________________

(١) كما في المدارك ٣ : ٣٠٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨١ ـ ١١١٩ وج ٣ : ٥٦ ـ ١٩١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٣.

٥٢٩

الحديث (١).

وإطلاقهما وإن اقتضى سقوط الأذان والإقامة مطلقا إلاّ أنه مقيّد ببقاء الصفوف بالإجماع والأخبار : كموثقة أبي بصير : الرجل يدخل في المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : « إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام » (٢).

وروايته : عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم ، فقال : « ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم ، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان » (٣).

والمراد ببقاء الصفوف هنا بقاء بعض المصلّين ولو كان واحدا ، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني (٤) ، لرواية أبي علي : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ أتاه رجل فقال : جعلت فداك ، صلّينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض بالتسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أحسنت ، ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع » الحديث (٥) ، فإنّ البعض يصدق على الواحد أيضا ولو كان إماما.

وبها يقيّد إطلاق التفرّق في روايتي أبي بصير ، الشامل لذهاب البعض أو الأكثر أيضا ، لعمومهما بالنسبة إليها.

ويشترط كون البعض جالسا في مقام صلاته ، فلو انصرف عنه الجميع لم‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٥ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨١ ـ ١١٢٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ الصلاة ب ١٨ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ٢٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٦ ١٢١٥ ، التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٩٠ ، الوسائل ٨ : ٤١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٢.

٥٣٠

يسقط ولو بقي بعضهم في المسجد.

وهل يكفي بقاؤهم وجلوسهم كلا أو بعضا مطلقا كما هو مقتضى إطلاق بعض العبارات ، أم يشترط اشتغالهم بالصلاة أو التعقيب؟ الظاهر : الأول ، لإطلاق الروايتين ، وهما وإن اختصّتا بصورة عدم تفرّق الصفوف المختصّ ببقاء الجميع إلاّ أنّه يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب.

ولا تعارضهما رواية أبي علي حيث قيّد فيها الجلوس بالتسبيح ، لأنّه إنّما هو في السؤال.

والأظهر الموافق لظاهر أكثر كلمات الأصحاب كما قاله بعضهم ، بل عدا ابن حمزة كما ذكره الآخر (١) : شمول الحكم بالسقوط للجامع والمنفرد.

لا لأجل اقتضاء ثبوته في الأول الذي يتأكّد فيه الأذان والإقامة ـ حتى قيل بالوجوب فيه (٢) ـ ثبوته في الثاني بالطريق الأولى ، لمنع الأولويّة ، لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الاجتماع ثانيا ، وهي مفقودة في المنفرد.

بل لإطلاق غير الاولى من الروايات.

وعدم صحّتها سندا عندنا غير ضائر ، مع أنّ منها الموثّق وهو كالصحيح عندهم حجّة ، سيّما مع انجبارها بما مرّ من الشهرة المحكية.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة ، فخصّه بالجماعة (٣) ، للأصل والعمومات.

وكذا الظاهر شموله للجائي بقصد درك الجماعة أو غيره ، واتّحاد صلاته مع صلاتهم أو اختلافها ، كلّ ذلك للإطلاق. وكون ذلك في المسجد أو غيره ، لإطلاق رواية أبي بصير.

__________________

(١) الرياض ١ : ١٤٨.

(٢) راجع ص ٥١٩ الرقم ٦.

(٣) حكاه عنه في الذخيرة : ٢٥٣.

٥٣١

وفي الكلّ خلاف يندفع بما ذكر من الإطلاق ، وصرفه إلى الغالب ـ وهو وقوع الجماعة في المسجد واتّحاد الصلاتين ـ مردود : بمنع الغلبة بحيث يتبادر من الإطلاق جدّا.

ولو صلّى الجاءون جماعة بلا أذان وإقامة ، فدخل ثالث فيؤذّن ويقيم ، إلاّ أن يبقى واحد من الجماعة الأولى جالسا في محلّه.

نعم ، يشترط كون الإمام ممّن يقتدي به المصلّي ، فلو كان غيره أذّن وأقام ، لرواية ابن عذافر : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (١).

ورواية معاذ : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : .. » الحديث (٢).

ثمَّ السقوط هنا هل هو عزيمة فلا يستحبّان أصلا ، أو رخصة فيستحبّان وإن خفّ؟ فيه قولان ، كلّ منهما لجماعة (٣). أصحّهما : الأول ، للأمر بتركهما في الأخبار المتقدّمة ، وأقلّه الرجحان المنافي للتوقيف.

مضافا إلى الأمر بالمنع الشديد بل الأشدّ في رواية أبي علي.

احتجّ الثاني : بالأصل ، والعمومات.

وموثّقة عمّار : عن الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال : « عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة » (٤).

ورواية ابن شريح ، وفيها : « ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥١ ـ ١١٣٠ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ الصلاة ب ١٨ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ ـ ١١١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ١.

(٣) من الجماعة الأولى : الشيخ في التهذيب ٣ : ٥٥ ، والبهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) ، ومن الجماعة الثانية : الفيض في المفاتيح ١ : ١١٦ ، والمجلسي في البحار ٨١ : ١٧٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٥.

٥٣٢

والإقامة » (١).

والأول مدفوع بما مرّ ، والثاني مخصوص به ، والأخيرتان محمولتان على صورة التفرق ، كما هو صريح التفصيل في رواية أبي بصير.

واستبعاده لا وجه له أصلا ، إذ لا شك أنّ بعد التسليم يعمّ صورتي التفرّق وعدمه ، فيجب تخصيصه بعد وجود الخاص.

فائدة : قد عرفت اختلافهم في بعض مواضع السقوط في أنه هل هو عزيمة أو رخصة ، ومرجع الرخصة على القول بوجوب الأذان والإقامة إلى الاستحباب.

وأمّا على القول باستحبابهما فلا يظهر لها من الأخبار الدالّة على السقوط سوى خفّة الاستحباب ، كما أشرنا إليه ، وتأويلها إلى أنه تكون الصلاة بدونهما في هذه المواضع كالصلاة معهما في غيرها فضيلة وثوابا أو غير ذلك ممّا لا دليل عليه.

وعلى هذا فتخصيصهم السقوط رخصة ببعض المواضع مع تفاوت مراتب الاستحباب في مواضع أخر أيضا كما ذكر ، والتعبير هنا بالرخصة وفيها بالخفّة ، لا وجه له ، ولعلّه ممّا ذكره الموجبون فتبعهم غيرهم فيه ، فتأمّل.

المسألة الرابعة : لو أذّن وأقام بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحبّ الاستئناف لهما ، وفاقا للمشهور ، بل قيل : الظاهر عدم الخلاف فيه بين الأصحاب (٢).

لموثّقة عمّار : عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة ، هل يجوز أن يصلّيها بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ولكن يؤذّن ويقيم » (٣).

وضعفها ـ لو كان ـ منجبر بالشهرتين بل الإجماعين ، فردّ الحكم لضعف سندها فاسد.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٤ ، الوسائل ٨ : ٤١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٤.

(٢) كما في الحدائق ٧ : ٣٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ الصلاة ب ١٨ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ـ ١١٠١ وج ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

٥٣٣

الفصل الرابع :

في بيان بقية أحكامهما‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لو ترك الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، فإن كان ساهيا ، استحب التدارك ، واستئناف الصلاة إن تذكّر قبل الركوع ، ويتمّ الصلاة إن تذكّر بعده.

وإن كان متعمّدا ، أتمّها مطلقا ولم يجز الرجوع ، وفاقا للسيد في المصباح (١) ، والشيخ في الخلاف (٢) ، والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة والقواعد وشرحه والمدارك (٣) ، بل الأكثر ، بل كافّة من تأخّر ، كما صرّح به غير من شذّ وندر (٤).

ويدلّ على الأوّلين صحيحة الحلبي : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك » (٥).

والأمر بالانصراف فيها محمول على الندب بقرينة قوله : « وأذّن » المحمول عليه ، ودلالة الصحيحة النافية لوجوب شي‌ء عليه ، وهي صحيحة داود : في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٦).

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٢٩.

(٢) لم نعثر عليه في الخلاف ولكن حكاه عنه صاحب المدارك ٣ : ٢٧٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٥٨ ، وحكى خلافه عنه المحقق في المعتبر ٢ : ١٢٩.

(٣) الشرائع ١ : ٧٥ ، المختصر النافع : ٢٧ ، المنتهى ١ : ١٦ ، التذكرة ١ : ١٠٩ ، القواعد ١ : ٣٠ ، جامع المقاصد ٢ : ١٩٨ ، المدارك ٣ : ٢٧٣.

(٤) منهم صاحب الرياض ١ : ١٤٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ـ ١١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ـ ١١٢٧ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان

٥٣٤

وعلى بعض أفراد الثاني : رواية الكناني : عن رجل نسي الأذان حتى صلّى قال : « لا يعيد » (١) ونحوها إحدى روايتي أبي بصير (٢) ، وقريبة منها الأخرى (٣).

وعلى الثالث : دليل تحريم إبطال الصلاة ، ومفهوم صدر الصحيحة ، فإنّ ما يعطف على ما بعد حرف الشرط ثمَّ يذكر بعده الجزاء يكون جزءا من الشرط ، فإذا فقد فقد المشروط ، كما صرّح به فخر المحقّقين (٤).

خلافا للنهاية والسرائر (٥) ، فقالا بالعكس ، فينصرف ويتدارك مع العمد قبل الركوع ويتمّ بعده ، ومع النسيان مطلقا.

ولعلّ حجّتهما على الجزء الأول مفهوم رواية نعمان الرازي : رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : « إن كان دخل المسجد ومن نيّته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف » (٦).

دلّ على أنه إن لم يكن من نيته ذلك ينصرف وهو معنى التعمّد ، ولا ينافيه اختصاص السؤال بالناسي بعد التفصيل في الجواب.

وعلى الثاني : الأصل ، والإجماع ، واختصاص ما دلّ على جواز الانصراف بما قبل الركوع.

وعلى الثالث : صحيحة زرارة : عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل‌

__________________

والإقامة ب ٢٩ ح ٢.

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ـ ١١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ـ ١١٢٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ـ ١١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ـ ١١٢٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ٢.

(٣) لم نعثر على رواية أخرى لأبي بصير.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٥) النهاية : ٦٥ ، السرائر ١ : ٢٠٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ـ ١١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ـ ١١٢٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٨.

٥٣٥

في الصلاة ، قال : « فليمض في صلاته إنّما الأذان سنّة » (١) وقريبة منها الأخرى (٢).

ويجاب عنه ـ بعد تسليم دليل الثاني ـ أمّا عن دليل الأول : فبعدم استلزام عدم نية الأذان والإقامة حين دخول المسجد تعمّد تركهما ، غايته شمولها له أيضا ، فتكون دلالتها عليه بالعموم ، فيعارض مفهوم صدر صحيحة الحلبي ، ويرجع إلى أصل تحريم إبطال العمل ، مضافا إلى المخالفة للشهرة المخرجة له عن الحجية.

وأمّا عن دليل الثالث : فبمعارضته مع منطوق الصحيحة وهي أخصّ مطلقا منه ، لاختصاصها بما قبل الركوع ، وعمومه له ولما بعده ، فيجب تخصيصه بها.

مضافا إلى ما قيل من عدم دلالته إلاّ على عدم الرجوع لا حرمته (٣).

ولكن فيه نظر ، لأنّ الأمر بالإمضاء إيجاب له وتحريم لضدّه.

وللمحكي عن المبسوط (٤) ، فأطلق جواز الرجوع قبل الركوع ، وحجته في الصورتين حجة الفريقين فيهما ، وجوابه يظهر ممّا مرّ.

ولطائفة أخرى ، فقالوا في المسألة بأقوال شاذة يدفعها شذوذها ، كروايات أخر واردة في المسألة دالّة على التفرقة بين قبل الشروع في القراءة وبعده (٥) ، أو على جواز الرجوع في الإقامة ما لم يفرغ من صلاته (٦) ، حيث إنّ عدم القائل بمضمونها أو ندرتها يمنع عن العمل بها.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ـ ١١٣٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ـ ١١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ـ ١١٢١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٧.

(٣) كما في الرياض ١ : ١٤٦.

(٤) حكاه عنه في الحدائق ٧ : ٣٦٧.

(٥) انظر : الوسائل ٥ : ٤٣٥ ، ٤٣٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٥ و ٩.

(٦) انظر : الوسائل ٥ : ٤٣٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ٣.

٥٣٦

ثمَّ إنّ جواز الرجوع هل يختص بترك الأذان والإقامة معا ، كما هو ظاهر بعض العبارات (١) ومفاد الصحيحة الأولى ، أو يجوز لترك الأذان خاصة أيضا كبعض آخر (٢) ، أو لترك الإقامة خاصة كثالث (٣)؟ الأحوط : الأول.

وغاية الاحتياط عدم الرجوع لترك شي‌ء منهما ، إذ غايته الاستحباب المعارض لاحتمال التحريم.

المسألة الثانية : يستحب حكاية الأذان عند سماعه بلا خلاف ، كما قيل (٤) ، بل بالإجماع كما استفاض به النقل (٥) ، له ، وللمستفيضة من النصوص :كصحيحة محمد : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقول في كلّ شي‌ء » (٦).

ومرسلة الفقيه : « ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزّ وجلّ وقل كما يقول المؤذّن » (٧).

وفي أخرى : « من سمع الأذان وقال كما يقول المؤذّن زيد في رزقه » (٨).

وفي المرويين في العلل والخصال أيضا : أنه يزيد في الرزق (٩).

وظاهر هذه الأخبار استحباب حكاية جميع الفصول حتى الحيّعلات.

__________________

(١) انظر : المهذب ١ : ٨٩.

(٢) انظر : الشرائع ١ : ٧٥ ، المسالك ١ : ٢٧.

(٣) الرياض ١ : ١٤٦.

(٤) انظر : المدارك ٣ : ٢٩٣.

(٥) كما في الخلاف ١ : ٢٨٥ ، الذكرى : ١٧٠ ، الرياض ١ : ١٥٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٧ الصلاة ب ١٨ ح ٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٥٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٥٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٢.

(٨) الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٥٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٤.

(٩) علل الشرائع : ٢٨٤ ـ ٤ ، الخصال : ٥٠٤ ـ ٢ ، الوسائل ١ : ٣١٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ٣.

٥٣٧

ويجوز الحولقة بعد الحيّعلات كما في أكثر نسخ الدروس (١) ، للمروي مرسلا في المبسوط : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعل كذلك » (٢).

وكونه عاميا على الظاهر ـ لرواية مسلم نحوه في صحيحه (٣) ـ لا ينافي جوازه مع كونه ذكرا حسنا في كلّ حال ، بل تعليل استحباب حكاية الأذان به في بعض الروايات (٤) يثبت استحبابه ، بل الرواية مثبتة له وإن كانت عامية ، للتسامح في أدلّة السنّة. وذلك غير مناف لاستحباب الحكاية أيضا.

فجعل قول الدروس خروجا عن ظواهر النصوص ، والاستشكال فيه بمجرد هذه الرواية ، غير جيّد ، مع أنّ في بعض نسخه : ويجوز في الصلاة إلاّ الحيّعلات فيحولق. وحينئذ لا غبار عليه ، كما ذكره جمع من الأصحاب (٥) حيث أبطلوا الصلاة بحكاية الحيّعلات ، وبدّلوها فيها بالحولقة منضمّة إلى سائر الفصول جوازا لا استحبابا ، بل خصّوا استحباب الحكاية مطلقا بغير حال الصلاة تقديما للإقبال المطلوب في الصلاة ، واقتصارا على ما تيقّن شمول عموم الأخبار له ، وهو لحال الصلاة غير متيقّن.

ولعلّ وجهه ـ مع كونها أخفى الحالات ـ أنّ شموله لها يستلزم تخصيص المحكي حينئذ بغير الحيّعلات ، وهو ليس بأولى من تخصيص الحكاية بغير حال الصلاة. إلاّ أن يمنع التخصيص الأوّل إمّا باعتبار كون الحيّعلات أيضا ذكرا جائزا في الصلاة ، كما يدلّ عليه تعليل الحكاية في بعض الروايات بكون ذكر الله حسنا في كلّ حال ، أو باعتبار شمول الأمر بالحكاية لها فيستثنى بها من الكلام‌

__________________

(١) الدروس ١ : ١٦٣.

(٢) المبسوط ١ : ٩٧.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٨٩ ـ ١٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٥٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٢.

(٥) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٩٧ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٩١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٧.

٥٣٨

الممنوع في الصلاة.

ولكن في الاعتبارين نظر.

أمّا الأول : فلأن إطلاق ذكر الله على الحيّعلات لو سلّم مجاز قطعا ، والثابت جوازه في الصلاة ليس إلاّ الذكر الحقيقي.

وأمّا الثاني : فلمنع شمول الأخبار لحال الصلاة ، كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

ثمَّ إنه لا شك في استحباب الحكاية مع كلّ فصل ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه.

وهل يستحب بعد تمام الفصول لو لم يحكها معها؟ صرّح جملة من الأصحاب بالعدم ، لفوات المحل (١).

وعن المبسوط والخلاف ، والتذكرة : الاستحباب (٢) ، وهو مقتضى عموم بعض الروايات.

وهل يختص الحكم بالأذان أم يعمّ الإقامة أيضا؟ مقتضى الأصل واختصاص النصوص وأكثر الفتاوى : الأول (٣).

والمحكي عن المبسوط والمهذّب والنهاية : الثاني (٤) ، ووجّه بعموم التعليل في بعض الأخبار بأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال.

وعمومه ممنوع كما لا يخفى على الناظر فيه.

__________________

(١) انظر : الذكرى : ١٧٠ ، والذخيرة : ٢٥٦.

(٢) قال في المبسوط ١ : ٩٧ : .. كان مخيرا إن شاء قاله وإن شاء لم يقله ليس لأحدهما مزية على الآخر إلاّ من حيث كان تسبيحا أو تكبيرا ، لا من حيث كان أذانا.

وأمّا الخلاف فلم نعثر عليه فيه ، وحكى عنه في الحدائق ٧ : ٤٢٥ مثل ما قاله في المبسوط.

وقال في التذكرة ١ : ١٠٩ : كان مخيرا بين الحكاية وعدمها.

(٣) انظر : جامع المقاصد ٢ : ١٩٢ ، والمسالك ١ : ٢٧ ، وروض الجنان : ٢٤٦ ، وكشف اللثام ١ : ٢٠٩.

(٤) المبسوط ١ : ٩٧ ، المهذب ١ : ٩٠ ، النهاية : ٦٧.

٥٣٩

وذكر جماعة اختصاص الاستحباب حكايته بالأذان المشروع (١).

وللنظر فيه مجال ، لإطلاق الأخبار.

ويستحب لحاكي الشهادتين أن يضمّ معهما ما في رواية ابن المغيرة : « من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، فقال مصدّقا محتسبا ـ أي حال كونه كذلك ـ : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدا رسول الله أكتفي بهما عمّن أبى وجحد وأعين بهما من أقرّ وشهد ، كان له من الأجر » الحديث (٢).

ويستحب أيضا لسامع أذان الصبح والمغرب أن يقول ما في المروي في المجالس وثواب الأعمال : « من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلاتك وأصوات دعاتك وتسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم ، وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ، ثمَّ مات عن يومه أو ليلته تلك كان تائبا » (٣).

المسألة الثالثة : إذا أراد أن يصلّي أحد بأذان مؤذّن انفرادا أو جماعة يتمّ ما يخلّ به منه فصلا أو حرفا أو حركة ، كما صرّح به في الصحيحة : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه » (٤).

ولو لم يرد الصلاة به بل حكاه استحبابا فهل يستحب إتمام ناقصه؟ ظاهر إطلاق بعض العبارات ذلك (٥) ، ولا بأس به.

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٢ : ١٩١ ، والمسالك ١ : ٢٧ ، والرياض ١ : ١٥٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٧ الصلاة ب ١٨ ح ٣٠ ، الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٢١٩ ـ ٩ ، ثواب الأعمال : ١٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٥٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ١.

(٥) انظر : التذكرة ١ : ١٠٩ ، والدروس ١ : ١٦٣ ، والبيان : ١٤٥.

٥٤٠