مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

الخمسة الاولى ، فلو جمعها أحد ، كان حسنا.

ويستحب للفاصل بالسجدة أن يدعو فيها بما مرّ في روايتي فلاح السائل مخيّرا بينهما.

وبالجلسة أن يدعو فيها بما مرّ في روايته الأخيرة ، أو بما في مرفوعة جعفر بن محمّد بن يقطين : « يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبي بارّا ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر نبيّك قرارا ومستقرّا » (١) ولو قرأهما ، كان أحسن.

وقد ذكر الشيخ في المصباح الدعاء الأخير للسجدة (٢) ، ولكن بتبديل : « رزقي دارّا » بقوله : « وعيشي قارّا » وفي البلد الأمين جمع الفقرتين (٣) ، وفي بعض الكتب زاد عليهما : « وعملي سارّا ». (٤) والكل جائز.

وبالخطوة أن يخطو برجله اليمنى تجاه القبلة ، كما في الرضوي المتقدّم ، ويدعو فيها بما ذكره فيه بعد ما مرّ بقوله : « ثمَّ يقول : بالله أستفتح ، وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أستنجح وأتوجّه ، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ، واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ».

وروى في فلاح السائل دعاء آخر بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات يدعو به قائما أو جالسا أو ساجدا ، وكذا في الرضوي ، وفيه آخر مخصوص بالفجر (٥).

ومنها : أن يكون المؤذّن متطهّرا من الحدثين ، مستقبلا قائما حال الأذان ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ الصلاة ب ١٨ ح ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ٥ : ٤٠١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٢ ح ١.

(٢) المصباح : ٢٨.

(٣) البلد الأمين : ٦.

(٤) راجع البحار ٨١ : ١٨٢.

(٥) أمّا الدعاء المروي في فلاح السائل : ١٥٢ ، فهو : سبحان من لا يبيد معالمه ، سبحان من لا ينسى

٥٠١

بالإجماع المصرّح به في المعتبر والتذكرة والمنتهى (١) ، وغيرها (٢) ، وهو الحجة فيه ، مضافا إلى النصوص العامية (٣) والخاصية (٤) ، ومنها ما يشعر بعدم وجوبه أيضا ، كما يصرّح به في المعتبرة المستفيضة المجوّزة للأذان للجنب والمحدث والجالس وأينما توجّهت (٥).

وكذا حال الإقامة على الأظهر الأشهر ، فيرجّح فيها الثلاثة بالإجماع والنصوص. ولا تجب ، للأصل الخالي عن المعارض كما يأتي.

خلافا للمنتهى (٦) ، والمحكي عن جماعة من القدماء (٧) ، واختاره جماعة من مشايخنا (٨) ، فقالوا بوجوبها ، لروايات بين غير دالّة على الزائد عن الرجحان ،

__________________

من ذكره ، سبحان من لا يخيب سائله ، سبحان من ليس له صاحب يغشى ولا بوّاب يرشى ولا ترجمان يناجي ، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء ، سبحان من فلق البحر لموسى ، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلاّ كرما وجودا ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره. وأما المروي في فقه الرضا : ٩٧ ، لجميع الصلوات فهو هكذا : اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صلّ على محمّد وآل محمّد وأعط محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة سؤله ، آمين رب العالمين ، اللهمّ إنّي أتوجه إليك بنبيّك نبي الرحمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقدّمهم بين يدي حوائجي كلّها فصلّ عليهم واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، واجعل صلواتي بهم مقبولة ودعائي بهم مستجابا وامنن عليّ بطاعتهم يا أرحم الراحمين. وأما المروي فيه لما بعد أذان الفجر فهو هذا : اللهمّ إنّي أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك وتسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم. منه أعلى الله في الخلد مقامه.

(١) المعتبر ٢ : ١٢٧ ، التذكرة ١ : ١٠٧ ، المنتهى ١ : ٢٥٧.

(٢) كالفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ١١٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦.

(٣) كنز العمال ٧ : ٦٩٤ و ٧٩٦ ـ ٢٠٩٦٥ و ٢٠٩٧٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٩١ أبواب الأذان والإقامة ب ٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٩١ أبواب الأذان والإقامة ب ٩ وص ٤٠١ ب ١٣.

(٦) المنتهى ١ : ٢٥٨.

(٧) كالمفيد في المقنعة : ٩٨ ، والسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٠ ، والشيخ في النهاية : ٦٦ ، والقاضي في المهذب ١ : ٩١.

(٨) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) ، وصاحب الحدائق ٧ : ٣٤٠ ، وصاحب الرياض

٥٠٢

لورودها بالجمل الخبرية ، وبين ضعيفة وإن تضمّنت الأمر ، كالمروي في قرب الإسناد في التطهّر (١).

مع أن الدالّ على الوجوب لو تحقّق في المقام ، لم يكن على حقيقته ، لعدم تعقّل وجوب الكيفية مع استحباب ذي الكيفية.

وجعل مجازه الوجوب الشرطي ليس أولى من الاستحباب أو تأكّده ، كما هو ثابت في الإقامة بملاحظة الأخبار.

ولدلالة بعض الأخبار على أنها من الصلاة.

ويجب الحمل على التجوّز ، لعدم كونها منها إجماعا ، ولذا يجوز التكلّم بعدها وخلالها.

وفي صحيحة زرارة : « إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة » (٢) وهي صريحة في عدم كونها من الصلاة.

ويتأكّد الاستقبال في الشهادتين ، لشهادة بعض الصحاح (٣).

ومنها : رفع الصوت بالأذان من غير إتعاب ، للمستفيضة ، كصحيحة البصري : « إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك ، فإنّ الله يأجرك مدّ صوتك فيه » (٤).

وابن وهب : عن الأذان ، قال : « ارفع به صوتك ، فإذا أقمت فدون ذلك » (٥).

وفي رواية هشام بن إبراهيم : أنه شكا إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام

__________________

١ : ٤٥.

(١) قرب الإسناد : ١٨٢ ـ ٦٧٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٣ ـ ٨٦٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩١ أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ١.

(٣) انظر : الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ١.

٥٠٣

سقمه وأنه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله. الحديث (١).

وفي رواية محمد بن مروان : « المؤذّن يغفر الله له مدّ صوته ، ويشهد له كلّ شي‌ء سمعه » (٢).

وصحيحة زرارة : « كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم » (٣).

وتلك الأخبار كما ترى تشمل بإطلاقها الأذان الإعلامي وغيره ، فالتخصيص بالأول كبعض من تأخّر (٤) غير جيّد.

نعم ، الظاهر الاختصاص بالرجال. لا لما قيل من عدم جواز إسماع النساء صوتهنّ للأجانب (٥) ، لمنع ذلك على إطلاقه ، مع أنه لا يفيد تمام المطلوب. بل لاختصاص الأخبار بهم ، والتعدّي إليهنّ فيما لا يشملهنّ إنّما هو بالإجماع المنتفي هنا.

بل يستحب لهنّ الإسرار به ، لفتوى بعضهم (٦) ، ولأنه أنسب إلى الحياء والستر المطلوبين منهنّ.

ومنها : وضع المؤذّن إصبعيه في الأذنين ، لصحيحة الحسن [ بن ] السريّ (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ الصلاة ب ١٨ ح ٣٣ ، الكافي ٦ : ٩ العقيقة ب ٤ ح ٩ ، الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ٥ : ٤١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١٨ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٧ الصلاة ب ١٨ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٥٢ ـ ١٧٥ ، الوسائل ٥ : ٣٧٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ١١.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٢.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٣٧.

(٥) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٦) كالمحقق في المعتبر ٢ : ١٢٦ ، والعلامة في التحرير ١ : ٣٥.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٧ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٥٠٤

ومنها : إعادة الإقامة لمن تكلّم بعدها ، لصحيحة محمد بن مسلم (١).

المسألة الثالثة : يكره فيهما أمور :

منها : التكلّم في خلال كلّ منهما لا سيّما في الإقامة وبعدها.

أمّا الكراهة في الأذان : فلشهرتها بين الأعيان ، بل بلا خلاف إلاّ من شاذّ.

ومفهوم رواية سماعة على أكثر النسخ : عن المؤذّن أيتكلم وهو يؤذّن؟ فقال : « لا بأس حين يفرغ من أذانه » (٢) وفي بعضها : « حتى يفرغ » فلا دلالة فيها على المطلوب.

خلافا للمحكي عن القاضي ، فلم يكرهه فيه (٣) ، وهو ظاهر المنتهى والكفاية (٤) ، لنفي البأس عنه فيه في المعتبرة.

ويضعّف بأن البأس : العذاب ، فهو ينفي الحرمة.

وأمّا في الإقامة : فلما ذكر ، بل في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين أهل العلم (٥).

مضافا إلى صحيحة ابن أبي نصر : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : « لا بأس » قلت : في الإقامة؟ قال : « لا » (٦).

ومنها بملاحظة ثبوت الكراهة في الأذان أيضا تثبت الشدّة المذكورة.

خلافا للمفيد والسيّد فحرّماه فيها مطلقا (٧) ، للصحيحة المذكورة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٦.

(٣) المهذب ١ : ٩٠.

(٤) المنتهى ١ : ٢٥٦ ، الكفاية : ١٧.

(٥) المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٤ الصلاة ب ١٨ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٤.

(٧) المفيد في المقنعة : ٩٨ ، والسيّد في جمل العلم والعمل ( المنقول في شرحه للقاضي ) : ٧٩.

٥٠٥

ورواية أبي هارون : « فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك » (١).

وصحيحة محمّد : « لا تكلّم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة » (٢).

ويدفع بالحمل على الكراهة بقرينة المستفيضة ، كصحيحة ابن أبي عمير : عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال : « نعم ، فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان » (٣).

ورواية الحلبي : عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ فقال : « لا بأس » (٤).

ورواية ابن شهاب : « لا بأس بأن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء » (٥).

والمروي في الدعائم : « إنه لم ير بأسا بالكلام في أثناء الأذان والإقامة » (٦).

مضافا إلى عدم دلالة الأولى على الحرمة ، لمكان الجملة الخبرية.

وكذا الأخيرتين ، لاحتمالها ، مع أن ظاهرهما النهي بعد الإقامة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ الصلاة ب ١٨ ح ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١١ ، الوسائل ٥ : ٣٩٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٥ ، مستطرفات السرائر ٩٤ ـ ٥ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٠.

(٦) الدعائم ١ : ١٤٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ١.

٥٠٦

ولهما ، وللشيخ والإسكافي (١) ، وشاذّ من المتأخّرين (٢) فحرّموه بعد قول المؤذّن : « قد قامت الصلاة » إلاّ ما يتعلّق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك ، لصحيحة ابن أبي عمير ، بل الروايتين المتقدّمتين عليها ، لأنه الظاهر من قوله : « إذا أقمت الصلاة ».

وصحيحة زرارة : « إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلاّ في تقديم إمام » (٣).

وموثّقة سماعة : « إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام » (٤).

ودفع (٥) بمعارضة إطلاق رواية ابن شهاب السابقة ، وصحيحة حمّاد بن عثمان : عن الرجل أيتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : « نعم » (٦) بل عمومهما الناشئ عن ترك الاستفصال ، فيرجع إلى الأصل.

وقريب منهما المرويّان في مستطرفات السرائر : أيتكلّم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال : « لا بأس » (٧).

وفيه : أن الخاص لا يدفع بمعارضة العام ، فإنّ الروايات الأخيرة عامة بالنسبة إلى التكلّم بما يتعلّق بالصلاة وغيره ، والمحرّم خاص بالأوّل ، فيجب التخصيص به.

فالصواب أن يدفع بما مرّ من انتفاء الحرمة الحقيقية ، بالإجماع ، وعدم تعقّل‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٦٦ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٩٠.

(٢) كالفيض في المفاتيح ١ : ١١٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٩ ، الوسائل ٥ : ٣٩٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ـ ١١١٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٥.

(٥) كما في الرياض ١ : ١٥١.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٩.

(٧) مستطرفات السرائر : ٩٤ ـ ٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٣.

٥٠٧

الحرمة مع جواز ترك الإقامة في الأثناء بالمرّة ، والتجوّز بالوجوب الشرطي ليس أولى من الكراهة سيّما الشديدة.

ومن المتأخّرين من خصّ الحرمة بالجماعة (١).

ويدفعه إطلاق أكثر الأخبار المحرّمة ، وفقد ما يوجب التخصيص.

ومنها : الترجيع.

وهو إمّا : تكرار الشهادتين مرّتين آخرتين ، كما عن الخلاف والجامع والمنتهى والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام (٢).

أو : تكريرهما مع التكبير في أول الأذان زائدا على الموظف ، كما عن المبسوط والمهذّب والدروس (٣).

أو : تكرار الفصل زيادة على الموظّف ، كما عن الذكرى (٤).

أو : تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما ، كما عن جماعة من أهل اللغة منهم : صاحب القاموس والمغرب (٥).

أو : ترجيع الصوت وترديده على جهة الغناء ، كما ذكره بعض مشايخنا المحدّثين (٦).

ولا دليل على كراهته من الأخبار إلاّ الرضوي ، وفيه بعد ذكر فصولهما : « ليس فيها ترجيع ولا ترديد » (٧).

ولا دلالة فيها على الكراهة ، بل ينفي التوقيفية ، ولا على تحريمه ولو اعتقد‌

__________________

(١) كالفيض في المفاتيح ١ : ١١٨.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨٨ ، الجامع للشرائع : ٧١ ، المنتهى ١ : ٢٥٤ ، التذكرة ١ : ١٠٥ ، التحرير ١ : ٣٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٤١٤.

(٣) المبسوط ١ : ٩٥ ، المهذب ١ : ٨٩ ، الدروس ١ : ١٦٢.

(٤) الذكرى : ١٦٩.

(٥) القاموس ٣ : ٢٩ ، المغرب ١ : ٢٠٣.

(٦) البحار ٨١ : ١٥٠.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١.

٥٠٨

المشروعيّة ، لما أشير إليه غير مرّة من عدم تحقّق الاعتقاد إلاّ مع الحجة ، ومعها لا وجه للحرمة ، مع أنه على فرض حرمة الاعتقاد لا يحرم اللفظ ، وعدّه من البدعة غير صحيح.

مع أنه على فرض الدلالة لم تترتّب عليه فائدة ، للإجمال في معناه.

مع أن في كتاب زيد النرسي : عن الصادق عليه‌السلام : « من السنّة الترجيع في أذان الفجر وأذان العشاء الآخرة ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا أن يرجّع في أذان الغداة وأذان العشاء ، إذا فرغ أشهد أنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاد ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، حتى يعيد الشهادتين ، ثمَّ يمضي في أذانه » (١).

نعم ، الظاهر كراهته بالمعنى الأول ، لفتوى الأجلّة ، بل دعوى المنتهى الإجماع على كراهة الترجيع وتفسيره بذلك ، مضافا إلى فتوى الحلّي وابن حمزة (٢) بحرمة هذا المعنى ، ودعوى الأول الإجماع عليها وإن جعله تفسيرا للتثويب.

قال في السرائر : ولا يجوز التثويب في الأذان ، اختلف أصحابنا في التثويب ما هو؟ فقال قوم منهم : هو تكرار الشهادتين دفعتين ، وهذا هو الأظهر ـ إلى أن قال ـ : والدليل على أنّ فعله لا يجوز : إجماع طائفتنا بغير خلاف بينهم.

مضافا إلى مفهوم رواية أبي بصير : « لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادتين أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح مرّتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (٣).

ومقتضاها كراهة تكرير الحيّعلتين أيضا ، بل قيل : كلّ فصل ، كما عن‌

__________________

(١) الأصول الستة عشر : ٥٣.

(٢) الحلي في السرائر ١ : ٢١٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٨ الصلاة ب ١٨ ح ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ـ ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٤٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٣ ح ١.

٥٠٩

الذكرى (١) ، وجعل التخصيص من باب التمثيل ، ولا بأس به سيّما مع فتوى العالم به ، ولو لا اشتمالها على غير الشهادتين المجمع على عدم تحريمه الموجب لعدم الحرمة فيهما أيضا لكانت الرواية دليلا لمذهب الحلّي ، ولكن ما ذكر يردّه.

ثمَّ مقتضى منطوقها : انتفاء الكراهة مع إرادة الإشعار والتنبيه. وهو كذلك ، لذلك ، وعن المختلف والمنتهى (٢) : الاتفاق عليه.

ومنها : الإقامة ماشيا أو راكبا ، للمستفيضة (٣). ولا كراهة في أذان الماشي والراكب ، للأصل الخالي عن المعارض.

__________________

(١) الذكرى : ١٦٩.

(٢) المختلف : ٨٩ ، المنتهى ١ : ٢٥٤.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ٤٠١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣.

٥١٠

الفصل الثاني :

في المؤذّن.

والمراد به هنا الذي يتّخذ للأذان في بلدة أو محلّة أو مسجد أو جماعة في غير مسجد ، ليعتدّ بأذانه المسلمون ويكتفون به.

ويشترط في صحة أذانه والاعتداد به : العقل والتميز والإسلام وفاقا ، والإيمان على الأصح ، للإجماع ، ومنافاة انتفائها للأمانة ـ الثابتة للمؤذّن بالنصوص العامية (١) والخاصية (٢) ـ في الثلاثة الاولى ، والأصل ، وموثّقة الساباطي : « لا يستقيم ولا يجوز أن يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به » وفي بعض النسخ : « ولا يعتدّ به » (٣).

ولا ينافيه الصحيح : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنهم أشدّ مواظبة على الوقت » (٤) ، لجواز أن يكون المراد الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت دون الاكتفاء.

والذكورة أو المحرميّة على الأشهر في الأذان لغير النساء ، للأصل ، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير ـ بحكم التبادر وغيره ـ بغير أذانها.

وظاهر الموثّقة السابقة : « إلاّ رجل مسلم عارف ».

وعدم بقائها على عمومها ـ لجواز أذان الصبي ، وأذانها لهنّ وللمحارم إذا لم‌

__________________

(١) انظر سنن الترمذي ١ : ١٣٣ ، كنز العمال ٧ : ٦٨١.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ الصلاة ب ١٨ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ـ ١١٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٦ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٨٩٩ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٦ ، الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ١.

٥١١

يسمعه الأجانب ـ غير ضائر ، لأنّ العام المخصّص حجة في الباقي (١).

ولا يشترط فيه البلوغ ولا الحرّيّة ، إجماعا على الظاهر المصرّح به في الخلاف والمعتبر والتذكرة وشرح القواعد (١) في الأول خاصة ، والمنتهى والذكرى (٢) فيهما معا ، وهو الحجة مع العمومات ، والمروي في الدعائم المنجبر بما مرّ : « لا بأس أن يؤذّن العبد والغلام الذي لم يحتلم » (٣) فيهما.

مضافا إلى الصحيح والموثّق ـ : « لا بأس أن يؤذّن الذي لم يحتلم » (٤) كما في الأول ، أو : « قبل أن يحتلم » (٥) كما في الثاني ـ في الأول ، وإلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته (٦) في الثاني ، وبها يخصّ ما دلّ على اعتبار الرجولية (٧) أو الحرّيّة.

ويستحب كونه عدلا ، للإجماع على رجحانه ، والنبوي : « يؤذّن لكم خياركم » (٨).

ولا يجب بالإجماع ، كما عن صريح المنتهى (٩) ، وظاهر الذكرى وشرح‌

__________________

(١) وقد يستدل أيضا بأنها إن أسرّت الأذان لم يسمعوه ولا اعتداد بما لا يسمع وإن جهرت كان أذانا منهيّا عنه فيفسد للنهي فكيف يعتدّ به. وضعف بمنع النهي ، ثمَّ كونه في الكيفية وهو لا يقتضي الفساد ، ثمَّ عدم تماميته فيما إذا جهرت وهي لا تعلم سماع الأجانب ، ثمَّ منع اشتراط السماع في الاعتداد وإلاّ لم يكره للجماعة الثانية ما لم يعرف الاولى ، وفي الوجه الثاني نظر. منه رحمه الله تعالى.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨١ ، المعتبر ٢ : ١٢٥ ، التذكرة ١ : ١٠٧ ، جامع المقاصد ٢ : ١٧٥.

(٣) المنتهى ١ : ٢٥٧ ، الذكرى : ١٧٢.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٧ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٨ ـ ٨٩٦ ، التهذيب ٢ : ٥٣ ـ ١٨١ ، وج ٣ : ٢٩ ـ ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ٢.

(٧) انظر الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦.

(٨) انظر الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤.

(٩) سنن ابن ماجه ١ : ٢٤٠ ـ ٧٢٦.

(١٠) المنتهى ١ : ٢٥٧.

٥١٢

القواعد (١) ، للأصل الخالي عن المعارض ، وعدم تعقّل اتّصاف الصبي ـ الجائز أذانه بالنصوص ـ بالعدالة.

خلافا للمحكي عن الإسكافي (٢) ، فأوجبه لبعض ما لا يدلّ عليه.

صيّتا رفيع الصوت ، لفتوى الجماعة (٣) ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « القه على بلال فإنه أندى منك صوتا » (٤).

مبصرا ، ليتمكّن من معرفة الوقت.

بصيرا بالأوقات التي يؤذّن لها.

متطهّرا مستقبلا قائما كما مرّت.

على موضع مرتفع بلا خلاف حتى من المبسوط (٥) ، بل عن التذكرة ونهاية الفاضل (٦) : الإجماع عليه ، وهو الحجة فيه ، مضافا إلى الرواية : « كان يقول إذا دخل الوقت : يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان » (٧).

ويكره له الالتفات يمينا وشمالا ، لمنافاته الاستقبال المأمور به. خلافا‌

__________________

(١) الذكرى : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٧٦.

(٢) نقله عنه في جامع المقاصد ٢ : ١٧٦.

(٣) كالشيخ في المبسوط ١ : ٩٧ ، الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٧٦ ، الفيض في المفاتيح ١ : ١١٧.

(٤) جامع الأصول لابن الأثير ٦ : ١٩٠ ، كنز العمال ٧ : ٦٩٢.

(٥) حيث قال : ويستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع ( المبسوط ١ : ٩٨ ) وأما قوله : ولا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض ، فالظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء ، أو الاستحباب ، أو المراد من الأرض مقابل المنارة كما في رواية علي بن جعفر ( التهذيب ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٦ ) « قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الأذان في المنارة ، أسنّة هو؟ فقال : إنما كان يؤذن للنبي في الأرض ولم تكن يومئذ منارة » مع أن الأذان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق الجدار. منه رحمه الله تعالى.

(٦) التذكرة ١ : ١٠٧ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٢٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٧ الصلاة ب ١٨ ح ٣١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٦ ، المحاسن : ٤٨ ـ ٦٧ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٧.

٥١٣

لبعض العامة (١).

ويجوز اجتماع جماعة في محلّ واحد على الأذان دفعة واحدة ، كما صرّح به جماعة منهم الفاضلان (٢) ، للأصل والإطلاقات.

وعن المبسوط أنه لا ينبغي الزيادة على الاثنين ، لكون الأذان الثالث بدعة بإجماع الفرقة (٣).

وهو ضعيف ، إذ ليس المراد من الأذان الثالث نحو ذلك.

ومن مشايخنا المحدّثين من كره الاجتماع في محلّ على الأذان مطلقا ، سواء كان دفعة أو ترتيبا ، لعدم توقيف مثل ذلك من الشرع (٤).

ويردّ بكفاية المطلقات في توقيفه.

نعم ، لو قيل بعدم مشروعية التراسل في الأذان بأن يبني كلّ واحد على فصول الآخر كان جيّدا جدّا.

وعلى ما ذكرنا لا تظهر ثمرة لمسألة تشاحّ المؤذّنين ، إذ لا تشاحّ فيما يمكن الاجتماع.

نعم ، تظهر ثمرتها في ما إذا كان للمؤذّن الواحد في مقام رزق من بيت المال أو الموقوفات ، والظاهر حينئذ تقديم من جمعت فيه الشرائط المعتبرة ، ومع التساوي يتخيّر متولّي بيت المال أو الموقوف.

__________________

(١) انظر المغني ١ : ٤٧٢.

(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ١٣٣ ، العلامة في المنتهى ١ : ٢٥٩.

(٣) ادعاء الإجماع لا يوجد في المبسوط بل موجود في الخلاف ١ : ٢٩٠ ويشهد له ما في مفتاح الكرامة ١ : ٩٦ وج ٢ : ٢٧٧.

(٤) انظر : الحدائق ٧ : ٣٤٩.

٥١٤

الفصل الثالث :

فيما يؤذّن له ويقام ، وما يتعلّق بهما.

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا ريب في مشروعيتهما ومطلوبيتهما لكلّ من الفرائض الخمس اليومية ومنها الجمعة ـ إلاّ فيما يأتي الكلام فيه ـ للرجال والنساء ، فرادى وجماعة ، أداء وقضاء ، حضرا وسفرا ، بل هي إجماع المسلمين ، بل ضروري الدين.

وأمّا بعض الأخبار المصرّحة بأنه ليس على النساء أذان ولا إقامة (١) فلا ينفي إلاّ الوجوب ، ولو سلّم فيجب حملها عليه ، للإجماع.

وصحيحة ابن سنان : عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : « حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله » (٢).

ومرسلة الفقيه : « ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة وتكفيها الشهادتان ، ولكن إذا أذّنت وأقامت فهو أفضل » (٣).

وهذا مراد الفاضل في المنتهى حيث قال : وليس على النساء أذان ولا إقامة ، ولا نعرف فيه خلافا ، لأنّهما عبادة شرعية يتوقّف توجّه التكليف بهما على الشرع.

ويجوز أن تؤذّن المرأة للنساء ويعتددن به ، ذهب إليه علماؤنا ـ إلى أن قال ـ : وقال علماؤنا : إذا أذّنت المرأة أسرّت بصوتها لئلاّ يسمعها الرجال ، قال الشيخ : يعتدّ بأذانهن [ للرجال ] وهو ضعيف ، لأنها إذا جهرت ارتكبت معصية وإلاّ فلا‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٤ ـ ٩٠٩ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٥.

٥١٥

اجتزاء به ، لعدم السماع (١).

فإنّ الاستدلال بنفي التكليف ، ثمَّ التصريح باعتدادهن بأذانها ، ثمَّ التصريح بالإسرار إذا أذّنت صريح في إرادة نفي الوجوب.

ويحتمل إرادة نفي الأذان والإقامة لجماعة الرجال واعتدادهم بهما كما يدل عليه بعض كلماته.

وهل هي على جهة الاستحباب أو الوجوب؟ الحقّ : الأول مطلقا ، وفاقا للخلاف والناصريات والمبسوط (٢) ، والحلّي والديلمي (٣) ، وأكثر المتأخّرين (٤) ، بل كما قيل : جمهورهم ، بل كافّتهم (٥) ، بل عليه دعوى الشهرة المطلقة في كلام طائفة من الطائفة (٦) ، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة كما يأتي.

مضافا في الأذان للمنفرد إلى صحيحة الحلبي : « إنه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذّن » (٧).

والأخرى : « يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » (٨).

وللجامع إلى رواية [ الحسن ] : « إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة » (٩).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٥٧ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨٤ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١ ، المبسوط ١ : ٩٥.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٢٠٨ ، الديلمي في المراسم : ٦٧.

(٤) كالمحقق في المعتبر ٢ : ١٢١ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٠٤ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١١٥.

(٥) انظر البحار ٨١ : ١٠٨ ، وقال في الرياض ١ : ١٤٦ : على الأظهر الأشهر بل لعلّه عليه عامة من تأخر.

(٦) كما في التنقيح الرائع ١ : ١٨٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ١٦٧ ، ومجمع الفائدة ٢ : ١٦٣ ، والذخيرة : ٢٥١.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٠ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٦.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٠ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٤.

(٩) التهذيب ٢ : ٥٠ ـ ١٦٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٨ ، وفي النسخ : الحسين ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

٥١٦

ولغير المغرب والغداة مطلقا إلى رواية ابن سيابة : « لا تدع الأذان في الصلاة كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر » (١).

وموثّقة سماعة : « لا تصلّ الغداة والمغرب إلاّ بأذان وإقامة ، ورخّص في سائر الصلوات بالإقامة ، والأذان أفضل » (٢).

وصحيحة ابن سنان : « يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب » (٣) إلى غير ذلك.

وللمغرب إلى صحيحة عمر بن يزيد : عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، قال : « ليس به بأس ، وما أحبّ أن يعتاد » (٤).

وللمسافر إلى صحيحة محمّد والفضيل : « يجزئك إقامة في السفر » (٥).

وصحيحة البصري : « يجزئ في السفر إقامة واحدة بغير أذان » (٦).

والأخرى : « يقصر الأذان في السفر كما يقصر الصلاة ، يجزئ إقامة واحدة » (٧).

ومطلقا إلى صحيحة الحلبي : عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٩ ـ ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٢ ـ ١٧٢ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٧.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٠ ، الوسائل ٥ : ٣٨٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٩.

٥١٧

ليس معها أذان؟ قال : « نعم لا بأس به » (١).

وصحيحة محمد : « إذا أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة ، وإذا أقمت صلّى خلفك صفّ من الملائكة » (٢).

والمروي في قرب الإسناد : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد يجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال : « نعم » (٣).

وفي الإقامة للنساء إلى صحيحة جميل : عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال : « لا » (٤).

والمرويين في الخصال : « ليس على النساء أذان ولا إقامة » (٥) ونحوهما في الدعائم (٦).

وفي العلل : المرأة عليها أذان وإقامة؟ فقال : « إن كانت تسمع أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين » (٧).

وفي صحيحة زرارة : « إذا شهدت الشهادتان حسبها » (٨).

وللمنفرد إلى المروي في الدعائم ـ المنجبر بما مرّ ـ عن علي عليه‌السلام : « لا بأس أن يصلّي الرجل بنفسه بلا أذان وإقامة » (٩).

والاستدلال لعدم وجوبهما بالإجماع المركّب ، وجعلهما في الرضوي من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٧١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٢ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٢.

(٣) قرب الإسناد : ١٦٣ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٥ الصلاة ب ١٨ ح ١٨ ، التهذيب ٢ : ٥٧ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٣.

(٥) الخصال ٥١١ ـ ٢ و ٥٨٥ ـ ١٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٢.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ١٤٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١.

(٧) علل الشرائع : ٣٥٥ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٤٠٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٨.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٢.

(٩) دعائم الإسلام ١ : ١٤٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ١.

٥١٨

السنن اللازمة وأنّهما ليستا بفريضة (١) ، وقوله في بعض الصحاح بعد التصريح بجواز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة : بأنّ الأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل (٢) ، ضعيف ، لعدم ثبوت الأول ، وعدم صراحة السنّة في الاستحباب ، لجواز كونها مقابل الفرض بمعنى الثابت بالكتاب ، وجواز كون المفضّل عليه الإقامة فقط.

خلافا للمحكي عن العماني (٣) ، فأوجبهما مطلقا في المغرب والغداة وصلاة الجمعة ، والإقامة في باقي الصلوات.

والإسكافي (٤) ، فكذلك على الرجال.

وعن جمل السيّد (٥) ، فأوجبهما في الثلاثة على الرجال والنساء مطلقا ، وعلى الرجال خاصة في كلّ صلاة جماعة ، والإقامة عليهم خاصة في كلّ صلاة.

وعن الشيخين والقاضي وابن حمزة (٦) ، فأوجبوهما في الجماعة خاصة.

كلّ ذلك لروايات قاصرة من حيث الدلالة ، لحصرها بكثرتها بين مشتمل على ذكر عدم الإجزاء المحتمل لإرادة الإجزاء عن الواجب وفي الصحة ، أو عن الاستحباب وفي الفضيلة ، وحاصله الإجزاء عن المطلوب ، بل هو حقيقة الإجزاء من غير مدخلية للوجوب أو الاستحباب ، فعدّ الأخير خلاف الظاهر خلاف الواقع ، مع إشعار بل دلالة في بعض ما يتضمّنه على الاستحباب (٧) ، وبين‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٨.

(٢) علل الشرائع : ٣٣٧ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٨٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٨٧.

(٥) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩.

(٦) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في النهاية : ٦٤ ، القاضي في المهذب ١ : ٨٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩١.

(٧) وهو رواية أبي بصير المذيلة بقوله : « فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم » فإن قوله : « ينبغي » ظاهر في الاستحباب بل بمعناه بالنسبة إلى الأذان فكذا بالنسبة إلى الإقامة لوحدة السياق. منه رحمه‌الله

٥١٩

متضمّن للجملة الخبرية أو المردّدة بين الخبرية والإنشائية ، وهما لا تفيدان أزيد من المطلوبية.

نعم ، في موثّقة [ عمار : ] عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة ، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ولكن يؤذّن ويقيم » (١).

وصحيحة صفوان ، المروية في العلل : « ولا بدّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر » (٢).

ولكنهما لا تكافئان ما مرّ ، مع أنهما على فرض التكافؤ يكون تعارضهما مع بعض ما مرّ في الأذان بالتباين ، ومع بعض منه أيضا بالعموم من وجه ، فيرجع في الأذان إلى أصل عدم الوجوب ، ويلزمه القول به في الإقامة أيضا لئلاّ يلزم استعمال لفظتي : « لا يجوز » و « لا بدّ » في المعنيين ، هذا.

ثمَّ إنه على المختار من القول فيهما بالاستحباب يحمل ما في الأخبار من التفصيل بإثبات أحدهما أو كليهما في بعض الصلوات أو الحالات أو لبعض دون البعض على تأكد الاستحباب.

وعلى هذا فيكونان للرجال آكد منهما للنّساء ، وللجامع من المنفرد ، وللحاضر من المسافر ، والأذان في الصبح والمغرب منه في غيرهما ، والإقامة في الجميع من الأذان.

والمشهور تأكّدهما فيما يجهر فيه بالقراءة أيضا ، واستند فيه إلى المستفيضة‌

__________________

تعالى. الكافي ٣ : ٣٠٣ الصلاة ب ١٨ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ ـ ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٧.

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ الصلاة ب ١٨ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٦٨ ، التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١ ، وفي جميع النسخ : سماعة ، والصحيح ما أثبتناه كما سينقلها عنه في ص ٥٣٣ أيضا.

(٢) علل الشرائع : ٣٣٧ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٢.

٥٢٠