مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

ـ إلى أن قال ـ : فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أول الأذان أربعا ، لأنّ أول الأذان إنّما يبدو غفلة » (١) الحديث.

والرضوي : « الأذان ثماني عشرة كلمة ، والإقامة تسع عشرة كلمة ، والأذان أن يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ـ إلى آخر الأذان ـ إلى أن قال : ـ والإقامة أن يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ـ إلى أن قال : ـ لا إله إلاّ الله مرّة واحدة » (٢).

وموثّقة الجعفي المعيّنة للعدد المثبتة للمطلوب بالإجماع المركّب : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا » فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا ، الأذان ثمانية عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا (٣).

ولا تنافيها الأخبار المصرّحة بأنّ الأذان ، أو مع الإقامة مثنى مثنى ، كصحيحة الجمّال (٤) ، ورواية أبي همام (٥) ، والدعائم (٦) فيهما ، وصحيحة ابن وهب في الأذان : « أنّه مثنى مثنى والإقامة واحدة » (٧) ، إذ لم يثبت أنّ معنى : « مثنى » مرّتين ، بل فسّره بعض اللغويين بالمكرر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٥ ـ ٩١٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٦ وفي المصدر الموجود بأيدينا : سبع عشرة ، بدل ، تسع عشرة ، وذكر فيه تكبيران في أول الإقامة بدل أربع تكبيرات ، وكذا عنه في المستدرك ٤ : ٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٨ ح ١ ، ولكن في الحدائق ٧ : ٤ عن فقه الرضا كما في المتن ، وفي البحار ٨١ : ١٤٩ : تسع عشرة ، وذكر فيه تكبيران في أول الإقامة.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٢ الصلاة ب ١٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤١٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٣ الصلاة ب ١٨ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤١ ، الوسائل ٥ : ٤١٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١١ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٠ ح ١.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٨ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ١.

٤٨١

ففي القاموس : ثنى الشي‌ء : ردّ بعضه على بعض ، ومثنى الأيادي : إعادة المعروف مرّتين أو أكثر (١).

وفي الصحاح : ثنيت الشي‌ء ، أي : عطفته (٢).

ولذا ترى الرضوي بعد أن عدّ فصول الأذان والإقامة وجعل التكبير في أولهما أربعا قال : « الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك ».

ومرسلة الفقيه المتقدّمة حيث قال : « الأذان مثنى مثنى » ثمَّ صرّح بكون التكبير أربعا. ولو سلّم إرادة التكرار مرّتين فيكون لبيان أغلب الفصول ، أو ردّا على ابن الخطّاب حيث جعله واحدة واحدة ، ومع قطع النظر عن ذلك كلّه فالإجماع يردّها.

وبه يجاب عمّا دلّ على تثنية التكبير في أوله ، كصحيحة ابن سنان : عن الأذان ، [ فقال : ] « تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله » إلى آخر الأذان (٣) ونحوها رواية زرارة والفضيل (٤) ، فإنها شاذّة وللإجماع مخالفة ، فعن عرصة الحجية خارجة ، مع احتمال كون المقصود إفهام السائل فقرات الأذان لا بيان تمام عدده كما ذكره الشيخ (٥) ، وإن بعد.

وإنّما الخلاف في التكبير في آخر الأذان ، وأول الإقامة ، وآخرها ، والتهليل في آخر الإقامة.

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣١٠ و ٣١١.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٢٩٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٣ ، الوسائل ٥ : ٤١٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٤) المتقدمة في ص ٤٧٩.

(٥) الاستبصار ١ : ٣٠٧.

٤٨٢

أمّا الثلاثة الأولى : فالمشهور فيها التثنية ، وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة (١).

وجوّز الشيخ في النهاية التربيع في كلّ منها مضيفا له إلى الرواية (٢).

ونسب التربيع في الثانيين في التذكرة إلى ورود استحبابه عندنا (٣) ، فهما روايتان مرسلتان.

وصرّح بالتربيع في الثاني الرضوي ، وجعل فصول الإقامة تسعة عشر.

وعن الخلاف والمبسوط حكايته عن بعض أصحابنا (٤).

فإن أريد استحباب ذلك في الأذان والإقامة كما صرّح في التذكرة ، فلا بأس به ، للتسامح في دليله.

وإن أريد غيره ، فمردود بضعف المستند ، ومعارضته مع أصح منه بحسب السند وأكثر في العدد.

وأمّا الأخيرة : فالأكثر على التوحيد فيه ، وفي المنتهى : إنه ذهب إليه علماؤنا أجمع (٥) ، وعن الخلاف والغنية والمعتبر : الإجماع عليه (٦).

ويدلّ عليه من الروايات : موثّقة الجعفي بالضميمة المتقدّمة.

ورواية الدعائم : « الأذان والإقامة مثنى مثنى ، ويفرد التهليل في آخر الإقامة » (٧).

والرضوي : « لا إله إلاّ الله مرّتين في آخر الأذان ، وفي آخر الإقامة مرّة واحدة » (٨).

__________________

(١) انظر الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١.

(٢) النهاية : ٦٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٠٥.

(٤) الخلاف ١ : ٢٧٩ ، المبسوط ١ : ٩٩.

(٥) المنتهى ١ : ٢٥٥.

(٦) الخلاف ١ : ٢٨٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، المعتبر ٢ : ١٤٠.

(٧) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٨ ح ٤.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٨ ح ٢.

٤٨٣

وضعفهما بما مرّ منجبر.

بل تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن وهب ، المتقدّمة ، وصحيحة ابن سنان : « الإقامة مرّة مرّة إلاّ قول : الله أكبر ، فإنّه مرّتان » (١) خرج منهما غير التهليل بالدليل وبقي هو.

وعن الخلاف والمبسوط : جعل بعضهم فصول الإقامة كالأذان (٢) ، فيكون التهليل فيها مرّتين.

وجوّزه في النهاية أيضا (٣).

وعن الإسكافي تكريره مع انفراد الإقامة عن الأذان (٤).

ولعلّ مستند الأولين ما دلّ على أنّ الإقامة مثنى مثنى ، وعلى أنّ الإقامة مثل الأذان.

ويجاب عنهما بوجوب تخصيصهما بغير التهليل ، لما مرّ.

مضافا إلى أنه قد عرفت إمكان إرادة مطلق التكرار من الأثناء ، فيراد به تكرير كلمة التوحيد المقول أولا مع الشهادة.

ولذا ترى السيد في الناصريّات بعد ما قال : الأذان كالإقامة مثنى مثنى ، ونسبه إلى أصحابنا قال : ويأتي بجميع الإقامة وترا ، لأنها سبع عشرة كلمة وذلك وتر (٥).

وممّا ذكر هنا وسبق في معنى مثنى مثنى يعلم عدم مخالفة الصدوق في أماليه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٣.

(٢) الخلاف ١ : ٢٧٩ ، المبسوط ١ : ٩٩.

(٣) النهاية : ٦٩.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٩٠.

(٥) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢.

٤٨٤

في شي‌ء ممّا ذكر بقوله : من دين الإماميّة أنّ الأذان والإقامة مثنى مثنى (١).

وأمّا الأخير : فلم أعثر له على مستند تام.

فروع :

أ : يجوز توحيد كلّ فصل منهما في السفر وعند الحاجة والاستعجال.

أمّا الأول فنسبه في الذخيرة إلى الأصحاب (٢) ، وتدلّ عليه صحيحة ابن وهب : « الأذان يقصّر في السفر كما يقصّر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة واحدة » (٣).

ورواية نعمان الرازي : « يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر » (٤).

وأمّا الثاني فذكره جملة من الأصحاب أيضا (٥) ، وتدلّ عليه صحيحة الحذاء : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلا » (٦).

وعلى أحدهما تحمل صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة ، كما مرّ.

والإتيان بالإقامة وحدها في الصورتين تامة أفضل من إفراد فصولهما ، كما نصّ عليه مرسلة يزيد مولى الحكم : « لأن أقيم مثنى مثنى أحب إليّ من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا » (٧).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١١.

(٢) الذخيرة : ٢٥٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٢ ، وفي المصادر : بريد بن معاوية.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٥.

(٥) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ١٤٠ ، العلامة في التذكرة ١ : ١٠٥ ، المنتهى ١ : ٢٥٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب الأذان

٤٨٥

ب : صرّح جماعة ـ منهم الصدوق (١) ، والشيخ في المبسوط (٢) ـ بأنّ الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبة.

وكرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيتها للأذان وحرّمها معه (٣) ومنهم من حرّمها مطلقا ، لخلوّ كيفيتهما المنقولة (٤).

وصرّح في المبسوط بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء (٥) ، ومفاده الجواز.

ونفى المحدّث المجلسي في البحار البعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان (٦).

واستحسنه بعض من تأخّر عنه (٧).

أقول : أمّا القول بالتحريم مطلقا فهو ممّا لا وجه له أصلا ، والأصل ينفيه ، وعمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه.

وليس من كيفيتهما اشتراط التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتى يخالفها الشهادة ، كيف؟! ولا يحرم الكلام اللغو بينها فضلا عن الحق.

وتوهّم الجاهل الجزئية غير صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينها من الدعاء ، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم.

بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعية ، إذ لا يتصوّر اعتقاد إلاّ مع دليل ،

__________________

والإقامة ب ٢٠ ح ٢.

(١) الفقيه ١ : ١٨٩.

(٢) المبسوط ١ : ٩٩.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٨.

(٤) الذخيرة : ٢٥٤.

(٥) المبسوط ١ : ٩٩ ، وفيه التصريح بأنه لو فعله الإنسان يأثم به ، ولكن الظاهر أن الصحيح : لم يأثم به بقرينة ما بعده ، وقال في البحار ٨١ : ١١١ نقلا عن المبسوط : ولو فعله الإنسان لم يأثم به.

(٦) البحار ٨١ : ١١١.

(٧) كصاحب الحدائق ٧ : ٤٠٤ حيث قال بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار : وهو جيد.

٤٨٦

ومعه لا إثم ، إذ لا تكليف فوق العلم ، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول ولا يكون ذلك القول تشريعا وبدعة كما حقّقنا في موضعه.

وأمّا القول بكراهتها : فإن أريد بخصوصها ، فلا وجه لها أيضا.

وإن أريد من حيث دخولها في التكلّم المنهي عنه في خلالهما ، فلها وجه لو لا المعارض ، ولكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقا ، والأمر بها بعد ذكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام ، رواه في الاحتجاج عن الصادق عليه‌السلام : قال : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام » (١) بالعموم من وجه ، فيبقى أصل الإباحة سليما عن المزيل ، بل الظاهر من شهادة الشيخ والفاضل والشهيد (٢) ـ كما صرّح به في البحار (٣) ـ ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضا.

قال في المبسوط : وأمّا قول : أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.

وقال في النهاية قريبا من ذلك.

وعلى هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه ، للتسامح في أدلّته. وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها ، كيف؟! وتراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار بالشذوذ ، فيحملونها على الاستحباب.

ج : يشترط الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصول كلّ منهما ، للإجماع ، وتوقيفية العبادة ، والنصوص المستفيضة.

كصحيحة زرارة : « من سها في الأذان فقدّم وأخّر أعاد على الأول الذي‌

__________________

(١) الاحتجاج : ١٥٨.

(٢) الشيخ في النهاية : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٩٩ ، الفاضل في المنتهى ١ : ٢٥٥ ، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى : ١٧٠ ، البيان : ١٤٤.

(٣) البحار ٨١ : ١١١.

٤٨٧

أخّره [ حتى ] يمضي على آخره » (١).

ومرسله الفقيه : « تابع بين الوضوء ، وكذلك الأذان والإقامة وابدأ بالأول فالأول ، فإن قلت : حيّ على الصلاة قبل الشهادتين تشهّدت ثمَّ قلت : حي على الصلاة » (٢).

وموثّقة الساباطي : عن الرجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة ، قال : « يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ، ولا يعيد الأذان كلّه ولا الإقامة » (٣).

والمستفاد من هذه الرواية : أنه يعيد ما يوجب تحصيل الترتيب في الأذان لو دخل في الإقامة ، بل فرغ منها أيضا ، ولا يعيد الإقامة ، وهو وإن كان مخالفا لمقتضى الترتيب بين الأذان والإقامة إلاّ أنّ النص جوّزه ، فهو إمّا من قبيل قضاء تتمّة الأذان ، أو من باب الرخصة.

كما أنّ مقتضى موثّقة الأخرى : « إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة وليس عليه شي‌ء ، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ، ثمَّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة » (٤) أيضا رخصة اخرى ، فيكون الناسي لحرف من الأذان الداخل في الإقامة مخيّرا بين المضي والرجوع إلى الموضع المنسي.

د : لو شك في شي‌ء من فصولهما أو عدده ، أتى بما شكّ فيه إن لم ينتقل عن محلّه ، للأصل ، والإجماع ، ومفهوم الشرط في ذيل صحيحة زرارة : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : « يمضي » قلت : رجل شك في الأذان والإقامة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ الصلاة ب ١٨ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٥ ، الوسائل ٥ : ٤٤١ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ١. وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٤٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٢.

٤٨٨

ثمَّ كبّر ، قال : « يمضي .. » ثمَّ قال : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » (١).

وإن انتقل عنه فلا يلتفت إلى الشك ويبني على أنه أتى به ، لمنطوقه ، وصدرها ، وموثّقة محمّد : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (٢).

وفي الصحيح : « كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (٣).

والمستفاد من هذه الأخبار أنّ الانتقال من محل كلّ فعل الدخول في غيره ، فلو شكّ في شي‌ء من الأذان أو الإقامة بعد الدخول في الصلاة أو فعل آخر قبلها ، لم يلتفت إليه.

وكذا لو شكّ في شي‌ء من الأذان بعد الدخول في الإقامة ، أو في شي‌ء من فصول أحدهما من إعراب أو عدد بعد الدخول في فصل آخر.

بل وكذا لو شك في أصل الفصل بعد الدخول في غيره ، أو في نفس الأذان بعد الدخول في الإقامة ، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين (٤) ، وإن كان في صدق الخروج منه كما في الصحيحة الأولى ، أو المضي كما في الثانية ، أو تجاوزه كما في الصحيحة الأخيرة محلّ نظر ، إذ لا خروج ولا مضيّ ولا تجاوز عن شي‌ء إلاّ مع العلم بالدخول فيه ، فلا يصدق إلاّ إذا شكّ في جزء ممّا قد خرج عنه ، ولكن المستفاد من مورد الأحاديث ـ حيث ذكر فيها الشك في الركوع بعد الدخول في السجود ونحو ذلك ـ أنّ المراد الخروج والمضي والتجاوز عن موضعه ، فتأمّل.

المسألة الثانية : يستحب في الأذان والإقامة أمور :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ أبواب السجود ب ١٥ ح ٤.

(٤) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٤٨٩

منها : جزم أواخر فصولهما وإسكانها بترك الإعراب إجماعا محقّقا ومحكيّا عن المعتبر والمنتهى والذكرى وروض الجنان والمدارك (١) ، وغيرها (٢) ، له ، ولمرسلة خالد : « الأذان والإقامة مجزومان ».

وفي خبر آخر : « موقوفان » (٣).

وفي روايته : « التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف » (٤).

وفي حسنة زرارة : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٥).

والجزم هو الإسكان ، ذكره في النهاية الأثيرية (٦).

وفي الصحاح : ومنه جزم الحرف وهو في الإعراب كالسكون في البناء (٧).

وفي القاموس : جزم الحرف أسكنه (٨).

وهو المراد بالوقف هنا في كلام الأصحاب كما فسّروه به.

قال الشيخ في النهاية : الأذان والإقامة موقوفان لا يبيّن فيهما الإعراب (٩).

وفي السرائر : لا يعرب أواخر الكلم ، بل تكون موقوفة بغير إعراب (١٠).

وفي المنتهى : ويستحب الوقوف في فصولهما لا يظهر في أواخرها الإعراب (١١).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٤١ ، المنتهى ١ : ٢٥٦ ، الذكرى : ١٧٠ ، روض الجنان : ٢٤٤ ، المدارك ٣ : ٢٨٤.

(٢) كالحدائق ٧ : ٤٠٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ٤ ، ٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ٢.

(٦) النهاية الأثيرية ١ : ٢٧٠.

(٧) الصحاح ٥ : ١٨٨٧.

(٨) القاموس المحيط ٤ : ٩١.

(٩) النهاية : ٦٧.

(١٠) السرائر ١ : ٢١٣.

(١١) المنتهى ١ : ٢٥٦.

٤٩٠

وفي شرح القواعد : ويراعى في الإقامة مع الحدر ترك الإعراب والوقوف على فصولها فيكره الإعراب فيها (١).

وفي شرح الإرشاد للأردبيلي : والوقف هنا بمعنى إسكان أواخر الفصول على ما قالوه (٢).

وقال بعض مشايخنا : والسنّة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها إجماعا (٣).

وأمّا الوقف بمعنى قطع النفس والسكوت فلا دليل على استحبابه ، لأنّ الإجماع بل الشهرة لم يثبت إلاّ على الإسكان كما عرفت ، والخبر يتضمّن الجزم.

وأمّا قوله في خبر آخر : « موقوفان » فهو غير دالّ على استحباب السكوت أو قطع النفس ، لعدم كون الوقف ـ سيما إذا نسب إلى الحرف ويقال إنّه موقوف ـ في ذلك المعنى.

وأمّا اشتراطه مع ترك الحركة فلا دليل عليه أيضا ، كما يأتي في بحث القراءة ، وإنّما هو شي‌ء ذكره ( بعض ) (٤) القرّاء ، ولذا قال في شرح الإرشاد : وفي الخبر إشارة إلى جواز الوقف بمجرد [ حذف ] الحركة ، ويشترط القرّاء السكوت مع قطع النفس (٥) انتهى.

ولا حجية في قولهم أصلا.

وقال في الروضة : ولو ترك الوقف أصلا فالتسكين أولى من الإعراب (٦).

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ١٨٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٧٢.

(٣) الرياض ١ : ١٥٠.

(٤) ليس في « ق ».

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٧٢. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الروضة ١ : ٢٤٧.

٤٩١

وفي روض الجنان : ولو ترك الوقف أصلا ، سكن أواخر الفصول أيضا (١).

ومنها : التأنّي في الأذان والإسراع في الإقامة بالإجماع ، حكاه في المنتهى (٢) ، وغيره (٣) ، وهو الدليل عليه.

مضافا إلى الخبر : « الأذان ترتيل والإقامة حدر » (٤).

والترتيل وإن فسّر بمعنى آخر أيضا إلاّ أنّ مقابلته مع الحدر الذي هو الإسراع تدلّ على إرادة التأني منه.

وفي صحيحة ابن وهب : « واحدر بإقامتك جدّا » (٥).

ومنها : الإفصاح بالألف والهاء ، للروايتين المتقدّمتين.

ولصحيحة زرارة : « إذا أذّنت فأفصح بالألف والهاء » (٦).

والأخرى : « وأفصح بالألف والهاء » (٧).

والمراد بالإفصاح التبيين والإظهار.

والظاهر أنّ المراد بالألف والهاء ـ كما صرّح به في البحار (٨) ، وبعض آخر (٩) ـ كلّ ألف وهمزة وهاء ، لإطلاق الأخبار.

وتخصيصهما بالذكر ، لأن كثيرا من المؤذّنين لا يظهرون الهمزات ولا الهاءات‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٤٤.

(٢) المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٣) كالمعتبر ٢ : ١٤١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٦ الصلاة ب ١٨ ح ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٤ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٤ ح ١. وفي المصدر : حدرا بدل جدا.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٣ الصلاة ب ١٨ ح ٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ٦.

(٨) البحار ٨١ : ١٥٩.

(٩) كالفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ١١٧.

٤٩٢

سيّما الاولى في الأوائل والأخيرة في الأواخر.

والتخصيص بهاء : « إله » كما عن الحلّي (١) ، أو في لفظي : « الله والصلاة » كما عن المنتهى (٢) ، أو ألف : « الله » الأخيرة غير المكتوبة ، وهاء آخر الشهادتين ، والألف والهاء في : « الصلاة » كما عن الذكرى (٣) ، لا وجه له ، وإدغام كثير من الناس أو إدراجهم في البعض جار في البواقي أيضا.

ونهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أذان من يدغم الهاء في الشهادتين (٤) ، لا يفيد التخصيص.

والأخبار وإن كانت مخصوصة بالأذان ولكن تعدّى بعضهم إلى الإقامة أيضا (٥) ، إمّا لإرادتهما منه ، أو لجريان العلّة.

ومنها : الفصل بين الأذان والإقامة إجماعا فتوى ونصّا ، إمّا بركعتين أو سجدة أو جلسة أو خطوة أو سكتة أو تسبيحة أو كلام أو تحميد ، على المشهور بين الأصحاب في غير الأخير (٦).

وعن المعتبر وفي المنتهى والتذكرة (٧) : الإجماع عليه ، ولكن في الأول على أحد الأولين في غير المغرب وعلى الرابع والخامس فيه ، وفي الثاني على أحد الأربعة الاولى في غيره وعلى الرابع أو الخامس أو السادس فيه ، وفي الثالث على أحد الخمسة الاولى في غيره وعلى أحد الثلاثة المتعقبة للثالث فيه مع تخصيص الركعتين بالظهرين.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٤.

(٢) المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٣) الذكرى : ١٧٠.

(٤) المنتهى ١ : ٢٥٩ ، البحار ٨١ : ١٥٩.

(٥) انظر الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ وكذا الدرة النجفية : ١١١.

(٦) وأما ما قبل الأخير فقد صرّح بعض المتأخّرين في شرحه على المفاتيح كونه مشهورا أيضا. منه رحمه الله تعالى.

(٧) المعتبر ٢ : ١٤٢ ، المنتهى ١ : ٢٥٦ ، التذكرة ١ : ١٠٦.

٤٩٣

وبالأخير بملاحظة التسامح في أدلّة الاستحباب ، وعدم استلزام عدم الذكر لذكر العدم (١) يظهر وجه الحكم في الخمسة في غير المغرب والثلاثة فيه.

مضافا في الأول إلى صحيحة الجعفري : « فرّق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين » (٢).

ومقتضى إطلاقها ـ كالفتاوى ـ استحباب الفصل بالركعتين ولو بغير الرواتب في أوقات الفرائض.

وعن البعض التخصيص بالرواتب في أوقاتها (٣) ، لظواهر جملة من النصوص ، كصحيحة ابن سنان : « السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان » (٤).

والبزنطي : « القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلّها إذا لم تكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها » (٥).

وأبي علي : « يؤذّن للظهر على ستّ ركعات ويؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر » (٦).

والمروي في أمالي الطوسي : « ومن السنّة أن يتنفّل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر » (٧).

وفي الدعائم : « لا بدّ من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك ،

__________________

(١) إشارة إلى أن عدم ذكر البعض في بعض الإجماعات المنقولة غير ضائر. منه رحمه الله تعالى.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٢.

(٣) كما في الحدائق ٧ : ٤١٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٣ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ الصلاة ب ١٨ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ٥ : ٤٤٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٩ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٩ ح ٥.

(٧) أمالي الطوسي : ٧٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٣.

٤٩٤

وأقلّ ما يجزي في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة فيها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض بيده » إلى أن قال : « إنّ الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب أن يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة وإقامتها » (١).

وفي قرب الإسناد : عن القعدة بين الأذان والإقامة ، قال : « القعدة بينهما إذا لم تكن بينهما نافلة » (٢).

ولا يخفى عدم ظهور شي‌ء منها فيما رامه.

أمّا الأولى : فلعدم تعيّن كون الركعتين بركعتي الفجر ، لجواز كونهما ركعتي الفصل.

وأمّا الثانية : فظاهرة ، إذ غاية ما تدلّ عليه اختصاص استحباب القعود بما إذا لم تكن راتبة ، وجواز الفصل بالراتبة ، وأمّا عدم جوازه بغيرها فلا.

ومنه يظهر الوجه في البواقي ، مع ضعف الثلاثة الأخيرة المانع عن صلاحيّة التخصيص وإن صلحت لإثبات الاستحباب.

وقد يستند في التخصيص إلى حرمة غير الرواتب في وقت الفريضة لعموماتها.

وفيه : منع الحرمة كما مرّ ، مع الجواب عن العمومات (٣).

مع أنّها معارضة مع إطلاق الصحيحة ، فتخصيص إحداهما يحتاج إلى دليل.

ومنه يظهر عدم اختصاص الركعتين بالظهرين ولا بغير المغرب ، بل يستحب في الجميع كما هو مقتضى إطلاق كثير من الفتاوى.

وفي الحدائق : إنّ المشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين‌

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٤٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ٣٦٠ ـ ١٢٨٨ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٢.

(٣) راجع ص ١٠٢ إلى ١١٢.

٤٩٥

مطلقا ، ولعلّهم يحملون هذه الروايات على تأكّد الفصل بالركعتين في هذه المواضع (١).

قوله : « هذه الروايات » إشارة إلى صحيحتي ابن سنان وأبي علي ، وروايتي الدعائم والأمالي.

خلافا لجماعة ، فخصّوهما بغير المغرب (٢) ، وللتذكرة والدروس (٣) فبالظهرين ، لبعض ما ظهر جوابه.

وأمّا دعوى الإجماع في التذكرة والمنتهى فمع عدم كونها مقبولة في تخصيص الأخبار إنّما هي على استحباب ما ذكراه في غير المغرب لا على عدم استحبابه فيه.

وللسرائر فبصلاة الجماعة في غير المغرب (٤) ، ولعلّه لصحيحة الحلبي : عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال : « إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما ، وإذا كنت وحدك فلا يضرّك قبلهما أذّنت أو بعدهما » (٥).

ولا دلالة لها على التخصيص ، وإنّما تدلّ على أفضلية الفصل بركعتي الفجر للإمام مع تقييده بانتظاره الجماعة ، وهو لم يقيّد بذلك أيضا.

وفي الثاني (٦) إلى المرويين في فلاح السائل.

أحدهما : « من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده : ربّ سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا ، يقول الله : ملائكتي ، وعزّتي وجلالي لأجعلنّ محبّته في قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين » (٧).

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٤١٤.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٩٦ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٧٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٣) التذكرة ١ : ١٠٦ ، الدروس ١ : ١٦٣.

(٤) السرائر ١ : ٢١٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٩ ح ١.

(٦) أي مضافا في الثاني ـ وهو استحباب الفعل بسجدة ـ إلى ..

(٧) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٤.

٤٩٦

والآخر : رأيته أذّن ثمَّ أهوى للسجود ثمَّ سجد بين الأذان والإقامة ، فلمّا رفع رأسه قال : « يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلّها » وقال : « من أذّن ثمَّ سجد فقال : لا إله إلاّ أنت سجدت لك خاضعا خاشعا ، غفر الله له ذنوبه » (١).

وفي الثالث إلى الصحيحين المتقدّمين (٢) ، وموثّقة الساباطي : « افصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح » (٣).

ورواية ابن شهاب : « لا بدّ من قعود بين الأذان والإقامة » (٤).

ومقتضى إطلاقاتها : استحبابه مطلقا ولو في المغرب ، كما في النهاية والسرائر (٥) ، وبعض عبارات المتأخّرين (٦) ، ولكن الأول قيّده بالخفيف ، والثاني بالسريع.

وتدلّ عليه أيضا موثّقة الساباطي ، المتقدّمة ، ورواية قرب الإسناد بالعموم بل الخصوص ، كما يدلّ عليه خاصة : رواية الدعائم السابقة.

ورواية الجريري : « من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله » (٧).

والمروي في أمالي الطوسي : « من السنّة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة‌

__________________

(١) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٥.

(٢) في ص ٤٩٤ و ٤٧٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٧ ، التهذيب ٢ : ٤٩ ـ ١٦٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١.

(٥) النهاية : ٦٧ ، السرائر ١ : ٢١٤.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ١٧١ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٨٦ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١١٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٥١ ، المحاسن : ٥٠ ـ ٧٠ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٠.

٤٩٧

الغداة والمغرب وصلاة العشاء » (١).

وفي فلاح السائل : دخلت على أبي عبد الله وقت المغرب فإذا هو قد أذّن وجلس فسمعته يدعو بدعاء ـ إلى أن قال ـ : وهو : « يا من ليس معه ربّ يدعى ، يا من ليس فوقه خالق يخشى ، يا من ليس دونه إله يتّقى ، يا من ليس له وزير يغشى ، يا من ليس له بوّاب ينادى ، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلاّ كرما وجودا ، يا من لا يزداد على عظيم الجرم إلاّ رحمة وعفوا ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وافعل بي ما أنت أهله فإنّك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير والكرم » (٢).

خلافا للمشهور ، بل المدّعى عليه الإجماع (٣) ـ وإن كان فيه كلام مرّت إليه الإشارة ـ فخصّوه بغير المغرب ، وظاهر الدروس : التردّد (٤).

لرواية سيف بن عميرة : « بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب فإن بينهما نفسا » (٥) ولعلّ المراد به السكتة.

والمروي في فلاح السائل بقوله : وقد رويت روايات : الأفضل أن لا يجلس بين الأذان والإقامة في المغرب (٦).

وضعفهما مجبور بما مرّ من الشهرة والإجماع المنقول.

قيل : وبذلك يترجّحان على الأخبار المعارضة لهما (٧) ، مع أنّ الصريح منها‌

__________________

(١) الأمالي : ٧٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٣.

(٢) فلاح السائل : ٢٢٨ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٤٢.

(٤) الدروس ١ : ١٦٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٧.

(٦) فلاح السائل : ٢٢٨.

(٧) رياض المسائل ١ : ١٥٠.

٤٩٨

غير معتبر ، والمعتبر غير صريح ، للإطلاق القابل للتقيد ، ومع ذلك فهي بإطلاقها شاذّة غير معروفة القائل ، لما عرفت من تقييد النهاية والسرائر بما ليس فيها.

مضافا إلى أنّ ظاهر الأخير تخصيص استحباب الجلسة ، بل غيرها ممّا ذكر سوى الركعتين بالمنفرد (١).

أقول‌ : هما وإن انجبرا بما ذكر إلاّ أنه لا يوجب ترجيحهما على المعارض المشتمل على الصحيح والموثّق.

وعدم اعتبار الصريح منها ممنوع ، فإنّ خبر الجريري معتبر وإن لم يكن صحيحا باصطلاح من تأخّر ، مع أنّ كلّ خبر في مقام السنن معتبر ، وإطلاق المعتبر وقبوله التقييد إنّما هو إذا كان هناك مقيّد معتبر ، وهو وإن كان في المقام إلاّ أنّه بمثله معارض ، ولأجله عن التقييد قاصر ، لبقاء المطلق بلا مقيّد معلوم.

وشذوذ المطلقات لو سلّم لم يضرّ في مقام الاستحباب ، لثبوته بالأخبار الشاذّة ما لم يكن نفيه مجمعا عليه ، وليس كذلك في المقام ، ولذا أفتى جماعة من المتأخّرين باستحباب الجلوس في المغرب أيضا ، فالقول به متّجه جدّا فعليه الفتوى.

ويحمل الخبران على قلّة الفضيلة وأفضلية غيره ، كما تحمل صحيحة البزنطي ورواية قرب الإسناد على أفضلية التنفّل فيما قبله نافلة على القعدة.

ويحمل الرضوي : « وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فإنّ فيه فضلا كثيرا ، وإنّما ذلك على الإمام ، وأمّا المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى » الحديث (٢) على نوع من الأفضلية أيضا ، لعدم صلاحيته للتخصيص.

ومنه يظهر مستند آخر للرابع ، ولكنه في المنفرد خاصة ، فتعميمه بما مرّ من الشهرة والإجماعات المحكية.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٧ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٢.

٤٩٩

وفي الخامس إلى مرسلة ابن عميرة ، ولكنها مخصوصة بالمغرب ، فهو في التعميم كالسابق ، ويمكن إثباته كالبواقي بعموم قوله : « أو بغير ذلك » في رواية الدعائم ، السابقة.

وفي السادس والسابع إلى موثّقة الساباطي ، إلاّ أنه روى الصدوق في مجالسه أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة ، ونهى عنه » (١) ولم يذكره الأكثر وإنّما ذكروا كراهته في خلالهما (٢).

نعم بمضمونه أفتى في الجامع يحيى بن سعيد ، وفي النفلية الشهيد (٣) ، وليس ببعيد.

وتدلّ على الثامن موثّقته الأخرى : عن الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان والإقامة ، قال : « يقول : الحمد لله » (٤).

وممّا ذكرنا ظهر استحباب كلّ واحد ممّا ذكر في كلّ صلاة سوى الكلام في صلاة الغداة ، وإن كانت الركعتان فيما له نافلة سيّما من رواتبه سيّما في الظهرين سيّما للإمام سيّما المنتظر للجماعة أفضل ، وأنّ الجلسة في غير المغرب أولى منها فيه ، كما أنّ السكتة فيه آكد منها في غيره.

ثمَّ كما أنه لا شك في استحباب واحد منها للفصل لا ريب في جواز جمع الجميع أو أقلّ له.

وهل يستحب الأزيد من واحد أو الجميع له أم لا؟ ظاهر أكثر العبارات اختصاص الاستحباب بواحد ، ولكن المستفاد من الأخبار استحباب كلّ من‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٤٨ ـ ٣ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٤.

(٢) المحقق في المختصر النافع : ٢٨ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٥٦ ، وصاحب الرياض ١ : ١٥٠.

(٣) الجامع للشرائع : ٧٣ ، النفلية : ١٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٥.

٥٠٠