مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

علي : عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع ، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه وسجوده السبع ، والسبع أمامه على غير القبلة ، فإن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه السبع كيف يصنع؟ قال : « يستقبل الأسد ويصلّي ويومئ برأسه إيماء وهو قائم وإن كان الأسد على غير القبلة » (١).

ومع إمكان الركوب والمشي تخيّر ، لظاهر الآية. وقد يرجّح الأول بالاستقرار الذاتي كالثاني بحصول القيام.

فروع :

أ : هل يجب تأخير الصلاة راكبا أو ماشيا إلى ضيق الوقت أم تجوز مع السعة؟ صرّح في الشرائع بالأول في الماشي (٢).

ويدلّ عليه فيه مرسلة المقنعة المتقدّمة ، إذ لا اضطرار إلى الصلاة قبل الضيق ، وفي الراكب رواية ابن سنان (٣) ، والرضوي وفيه : « وليس لك أن تفعل ذلك إلاّ آخر الوقت ».

وقد يستدلّ فيهما أيضا بوجوب تحصيل القبلة وسائر الشرائط المتوقّف على التأخير ، فيجب من باب المقدّمة.

وفيه ـ مضافا إلى اختصاصه بما إذا علم رفع المانع مع التأخير ـ : منع وجوب التحصيل مطلقا ، بل المسلّم وجوبه مع الإمكان حال الصلاة.

ب : لا شك في سقوط الاستقبال ولو بتكبيرة الإحرام مع تعذّره ، للضرورة ، والإجماع.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٩ الصلاة ب ٩٢ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٢٩٤ ـ ١٣٣٩ ، التهذيب ٣ : ٣٠٠ ـ ٩١٥ ، الوسائل ٨ : ٤٣٩ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٢ ( وفيه بتفاوت يسير ).

(٢) الشرائع ١ : ٦٧.

(٣) المتقدمة في ص ٤٥٥.

٤٦١

ولا في وجوبه في التكبيرة مع المكنة إجماعا ، كما صرّح به جماعة (١) ، وهو الحجة فيه ، مع الرضوي المنجبر بما ذكر : « إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف أن تنزل مع سبع أو لصّ أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك ، وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف ، وإلاّ استقبل القبلة بالافتتاح ، ثمَّ امض في طريقك التي تريد حيث توجّهت بك دابتك مشرقا ومغربا ، وتومئ للركوع والسجود ، ويكون السجود أخفض من الركوع ، وليس لك أن تفعل ذلك إلاّ آخر الوقت » (٢).

ويؤيده الرضوي المتقدّم ، وصحيحة زرارة : « الذي يخاف اللصوص والسبع يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابته [ إلى أن قال : ] ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته ، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه » (٣).

والاحتجاج له : بقوله سبحانه ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٤) و : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٥) غير تام.

وهل يجب في غيرها بقدر الإمكان كما ذكره جماعة (٦) ، أم لا كما ذكره آخرون (٧)؟ الظاهر : الأول إذا أمكن في جميع الصلاة ، لأدلّة وجوب الاستقبال فيها. والثاني إذا لم يمكن ذلك ، للأصل ، والصحيحة المذكورة المؤيّدتين بالرضوي.

__________________

(١) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٧٦ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٨ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥١٩ أبواب صلاة الخوف ب ٣ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٥ ـ ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ٤٤١ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ١٣ ح ٨.

(٤) البقرة : ١٤٤.

(٥) العوالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

(٦) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ٢٢٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٧٦ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢١.

(٧) كالصدوق في المقنع : ٣٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٨.

٤٦٢

وصرفهما إلى الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب ، مردود : بمنع الغلبة في جميع الصلاة وإن سلّمت في المجموع ، مع أنّ قوله في الصحيحة : « لا يدور » قرينة على الإمكان ، إذ يقبح النهي بدونه.

دليل الأولين : الآية ، ونحو قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ودلالتهما غير تامة.

وأمّا في حالتي الركوع والسجود وإن أمر في الرضوي بالاستقبال فيهما خاصة ، إلاّ أنّ ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الحكم بوجوبه. ولا بأس بالاستحباب ، له.

ثمَّ إنه هل يجب عليه جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة لا ينحرف عنه كما عن نهاية الفاضل (١) ، لوجوب الاستمرار على جهة واحدة لئلاّ يتوزّع فكره ، أم لا؟ الظاهر : الثاني ، للأصل ، ومنع ما ادّعاه من الوجوب.

ج : المصلّي راكبا أو ماشيا يومئ للركوع والسجود مع العجز عن فعلهما إجماعا نصّا وفتوى ، ويجب جعل السجود أخفض من الركوع ، للصحيحين المتقدّمين (٢) ، وغيرهما.

وأمّا مع عدم العجز عنهما فظاهر إطلاق بعض العبارات كالقواعد والتذكرة (٣) ، وغيرهما (٤) : الإيماء أيضا ، للإطلاقات.

وصريح بعض آخر ـ منهم الشيخ في النهاية والمحقّق الثاني في شرح القواعد (٥) ـ اختصاص الإيماء بصورة العجز ، وجعله الثاني من المعلومات.

__________________

(١) نهاية الاحكام ١ : ٤٠٥.

(٢) في ص ٤٥٩.

(٣) القواعد ١ : ٢٦ ، التذكرة ١ : ١٠٢.

(٤) كالتحرير ١ : ٢٩.

(٥) النهاية : ١٣١ ، جامع المقاصد ٢ : ٦٦.

٤٦٣

وجعل بعض مشايخنا المحقّقين التعميم مخالفا لفتوى الفقهاء (١).

وهو كذلك ، لخصوص الرضوي المتقدّم في صدر المسألة (٢) المنجبر بما ذكر ، وبه تقيّد الإطلاقات ، لاختصاصه بالفريضة وحالة الإمكان وعمومها بالنسبة إليهما ، مضافا إلى عمومات وجوب الركوع والسجود (٣). وهي وإن تعارضت مع الإطلاقات إلاّ أنه بالعموم من وجه ، لاختصاص العمومات بحالة الإمكان وعموم الإطلاقات بالنسبة إليها وإلى النوافل أيضا ، ولا شك أنّ الترجيح للعمومات بموافقة الكتاب والسنّة النبوية والشهرة رواية والأكثرية ، ولو تكافأتا وتساقطتا ، يرجع إلى أصالة الاشتغال اليقينية بنوع ركوع وسجود قطعا ، فيجب المجمع عليه ، فتأمّل.

د : لو تمكّن الراكب في أثناء الصلاة من النزول ، والماشي من الاستقرار فهل يجبان أم لا؟ فيه احتمالان ، أحوطهما بل أظهرهما : الأول.

هـ : تجوز الصلاة على الرفّ أو السرير أو نحوهما المعلّق على النخلتين أو الجدارين أو الدابتين إذا استقر وتمكّن من استيفاء الأفعال ، للأصل ، وصحيحة علي (٤) ، وغيرهما.

و : تجوز الصلاة في السفينة مع عدم إمكان الخروج إجماعا ، له ، وللنصوص المستفيضة (٥).

وكذا مع إمكانه وفاقا لنهاية الشيخ (٦) ، وللمحكي عن الصدوق وابن حمزة‌

__________________

(١) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) راجع ص ٤٥٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٠ أبواب الركوع ب ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٣ ، قرب الإسناد : ١٨٤ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ٥ : ١٧٨ أبواب مكان المصلي ب ٣٥ ح ١.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٢٠ أبواب القبلة ب ١٣.

(٦) النهاية : ١٣٢.

٤٦٤

والفاضل والمحقّق الثاني (١) ، بل الأكثر ، كما صرّح به غير واحد ممّن تأخّر (٢).

للأصل ، والعمومات.

وصحيحة جميل : أكون في سفينة قريبة من الجدد فأخرج وأصلّي؟ قال : « صلّ فيها أما ترضى بصلاة نوح » (٣).

وصحيحة مفضّل بن صالح : عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة ، فقال : « إن صلّيت فحسن وإن خرجت فحسن » (٤) ونحوها مرسلة الفقيه (٥).

والمروي في قرب الإسناد : عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في السفينة وهو يقدر على الجدّ؟ قال : « نعم لا بأس » (٦).

ومرسلة الصدوق في الهداية : عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج إلى الشط؟ فقال : « أيرغب عن صلاة نوح؟! » وقال : « صلّ في السفينة قائما ، وإن لم يتهيأ لك عن قيام صلّها قاعدا ، فإن دارت السفينة فدر معها ، وتحرّ القبلة جهدك ، فإن عطفت الريح ولم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة فصلّ إلى صدر السفينة » (٧).

والرضوي ، وفيه بعد ذكر كيفية الصلاة في السفينة : « ولا تخرج منها إلى شطّ‌

__________________

(١) المقنع : ٣٧ ، الوسيلة : ١١٥ ، التذكرة ١ : ١٠٤ ، والمنتهى ١ : ٢٢٣ ، والقواعد ١ : ٢٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٦٣.

(٢) كالبهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) وقد صرح السيّد بحر العلوم في الدرة النجفية : ٩٧ ، بأنه الأشهر.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩١ ـ ١٣٢٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٠ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ـ ٩٠٥ ، الوسائل ٤ : ٣٢٢ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٩٢ ـ ١٣٢٧.

(٦) قرب الإسناد : ٢١٦ ـ ٨٤٩ ، البحار ٨١ : ٩٣ ـ ٥ ، والجدّ : شاطئ النهر مجمع البحرين ٣ : ٢١.

(٧) الهداية : ٣٥ ( بتفاوت يسير ).

٤٦٥

من أجل الصلاة » (١). وغير ذلك.

خلافا للمحكي عن الحلبي والحلّي (٢) ، والذكرى (٣) ، فمنعوا عنه حينئذ ، لوجوب القيام والاستقرار وسائر الشرائط المنتفية بحركة السفينة غالبا.

وحسنة حمّاد : عن الصلاة في السفينة ، فقال : « إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا ، فإن لم تقدروا فصلّوا قياما ، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا وتحرّوا القبلة » (٤). ونحوه المروي في قرب الإسناد (٥).

ورواية علي بن إبراهيم : عن الصلاة في السفينة ، قال : « يصلّي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام ، ولا يصلّي في السفينة وهو يقدر على الشط » وقال : « يصلّي في السفينة يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يصلّي كيف ما دارت » (٦).

وأجابوا عن الأخبار المتقدمة : بأنها أعم مطلقا من الخبرين ، لأعميتها من السفينة المتحركة والساكنة وخصوصيتهما بالمتحرّكة ، للإجماع على عدم وجوب الخروج مع السكون وعدم الاضطراب.

وفيه : منع أعمية الجميع ، لاختصاص الأخيرين منها بالمضطربة ، وضعفهما منجبر بحكاية الشهرة ، مع أن رواية الهداية بنفسها أيضا حجة ، بل الظاهر اختصاص صحيحة جميل أيضا بها ، لأنّ صلاة نوح إنما هي مع حركة السفينة ، وأمّا غير المتحركة منها فكغير السفينة ، فهي لحمل الخبرين على الكراهة‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٦ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٨٨ أبواب القبلة ب ٩ ح ٦.

(٢) كما في الكافي في الفقه : ١٤٧ ، والسرائر ١ : ٣٣٦.

(٣) الذكرى : ١٦٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤١ الصلاة ب ٨٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٧٠ ـ ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٦١ ، الوسائل ٤ : ٣٢٣ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٤.

(٥) قرب الإسناد : ١٩ ـ ٦٤ ، الوسائل ٤ : ٣٢٣ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٤.

(٦) التهذيب ٣ : ١٧٠ ـ ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤٥٥ ـ ١٧٦٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢١ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٨.

٤٦٦

قرينة ، بل الأخير منهما لا يفيد أزيد منها البتة.

وأمّا انتفاء ما ينتفي من الشرائط فهو مع النص على الجواز غير ضائر ، فيجوز مع الاختيار وإن أوجب فوات القيام والاستقبال.

وصرّح في شرح القواعد (١) باختصاصه بحال عدم اضطراب السفينة بحيث تنتفي الشرائط وإن كانت متحركة.

ولا وجه له بعد إطلاق النص والفتاوى ، بل صريح بعض كلّ منهما كروايتي الهداية والرضوي وكلام الشيخ في النهاية (٢).

ثمَّ المصلّي في السفينة يجب عليه القيام ما أمكن ، فإن لم يمكن فليجلس كما دلّ عليه بعض ما ذكر.

وحسنة حمّاد : « يستقبل القبلة ، فإذا دارت واستطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل ، وإلاّ فليصلّ حيث توجهت به » قال : « فإن أمكنه القيام فليصلّ قائما ، وإلاّ فليقعد ثمَّ ليصلّ » (٣).

ومقتضاها وجوب تحرّي القبلة والإدارة إليها مع الإمكان ، وهو كذلك ، لها ولغيرها من المستفيضة.

ولو لم يتمكن من الاستقبال في الجميع ، استقبل في التكبيرة خاصة كما في مرسلة الفقيه : عن الصلاة المكتوبة في السفينة وهي تأخذ شرقا وغربا ، فقال : « استقبل القبلة ، ثمَّ كبّر ، ثمَّ اتبع السفينة ودر معها حيث دارت بك » (٤).

دلّ جزؤها الأول على وجوب الاستقبال بالتكبيرة فيجب ، ولا ينتفي وجوبه بانتفاء وجوب جزئه الأخير بعدم الإمكان.

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٦٣.

(٢) النهاية : ١٣٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤١ الصلاة ب ٨٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٩٧ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٢ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٢ ـ ١٣٢٨ ، الوسائل ٤ : ٣٢١ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٦.

٤٦٧

المسألة السابعة : تجوز النافلة على الراحلة اختيارا في السفر إجماعا محقّقا ، ومحكيّا مستفيضا (١) ، للصحاح المستفيضة وغيرها (٢).

وفي الحضر على الأصح الأشهر ، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٣) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٤) ، لعمومات جواز الصلاة مطلقا أو النافلة راكبا ، وخصوص صحيحتي البجلي :

إحداهما : في الرجل يصلّي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت به ، فقال : « نعم لا بأس » (٥).

وثانيتهما : عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة ، فقال : « إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم ، وإلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ » (٦).

وصحيحة حمّاد : في الرجل يصلّي النافلة على دابته في الأمصار ، قال : « لا بأس » (٧).

وكذا ماشيا فيهما ، لعدم الفصل بينه وبين الراكب فيهما كما قيل (٨) ،

__________________

(١) كالخلاف ١ : ٢٩٩ ، والمعتبر ٢ : ٧٥ ، والمنتهى ١ : ٢٢٢ ، والذكرى : ١٦٨ ، والرياض ١ : ١٢١.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٨ أبواب القبلة ب ١٥.

(٣) نسبه في الحدائق ٦ : ٤٢٤ إلى الشهرة وفي الرياض ١ : ١٢١ إلى الشهرة العظيمة.

(٤) الخلاف ١ : ٢٩٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٠ الصلاة ب ٨٧ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩١ ، الوسائل ٤ : ٣٢٨ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٥ ، الوسائل ٤ : ٣٣١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٢.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٩ ، الوسائل ٤ : ٣٣٠ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٠.

(٨) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٤٦٨

ولصحيحتي يعقوب وصحيحة حريز ، المتقدّمة (١) ، وغيرها ممّا يأتي بعضه ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الماشي في السفر أو الحضر سائرا في الطريق أو دائرا في بيته.

خلافا للحلّي (٢) ، والمحكي عن العماني (٣) فخصّا الجواز بالسفر وفيه على الراحلة ، للاقتصار ـ فيما خالف عمومات لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا ولو كانت نافلة ، وأصل توقيفية العبادة ـ على المجمع عليه وهو السفر ، وظهور بعض الصحاح المرخّصة لها في التقييد به.

ففي صحيحة ابن عمّار : « لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي ، يتوجّه إلى القبلة ثمَّ يمشي ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثمَّ مشى » (٤).

مؤيّدا بالنصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ) (٥) أنه ورد في النوافل السفرية خاصة (٦).

ويردّ ـ بعد تسليم وجوب الاستقبال في النوافل ، فإنّه ممنوع كما مرّ ـ بمنع وجوب الاقتصار على المجمع عليه ، لوجوب تخصيص العموم بالمخصّص إذا كان حجة ، وقد مرّ ، وحصول التوقيف به. ومنع ظهور الصحيح في التقييد إلاّ بمفهوم وصف ضعيف وارد مورد الغالب. ومنع دلالة النصوص على التخصيص ، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصة ، وهو لا يستلزم عدم المشروعية‌

__________________

(١) في ص ٤٥٩ و ٤٦٠.

(٢) السرائر ١ : ٢٠٨.

(٣) المختلف : ٧٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٥ ، الوسائل ٤ : ٣٣٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ١.

(٥) البقرة : ١١٥.

(٦) الوسائل ٤ : ٣٢٨ أبواب القبلة ب ١٥.

٤٦٩

في غيره ، مضافا إلى ما فيها من الضعف سندا.

والظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط الاستقبال في شي‌ء من هذه الصور في غير التكبيرة ، للأصل ، وصحيحتين : الاولى والأخيرة.

وصحيحة الحلبي : عن صلاة النافلة على البعير والدابة ، فقال : « نعم حيث كان متوجها » قال : فقلت : أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال : « لا ولكن تكبّر حيثما تكون متوجّها » (١).

ورواية الكرخي : إنّي أقدر على أن أتوجّه إلى القبلة في المحمل ، قال : « ما هذا الضيق أما لك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة؟! » (٢) إلى غير ذلك.

وهل يتعيّن الاستقبال بالتكبيرة؟ كما عن الحلّي حاكيا له عن جماعة (٣) ، لصحيحة ابن أبي نجران : عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل ، قال : « إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمَّ كبّر وصلّ حيث ذهب به بعيرك » (٤).

أم لا؟ كما عليه آخرون ، لإطلاق طائفة من النصوص ، وصريح صحيحة الحلبي التي هي كالقرينة على عدم إرادة الوجوب من الأمر ، أو معارضة للصحيحة الآمرة ، فيرجع إلى الأصل. نعم ، يستحب ، لذلك.

ويكفي في الركوع والسجود هنا الإيماء مطلقا ، لصحيحتي يعقوب المتقدّمتين (٥).

ورواية إبراهيم بن ميمون : « إن صلّيت وأنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٠ الصلاة ب ٨٧ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٢٨ ـ ٥٨١ ، الوسائل ٤ : ٣٢٩ أبواب القبلة ب ١٥ ح ٦ ، ٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٥ ـ ١٢٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٤ : ٣٢٩ أبواب القبلة ب ١٥ ح ٢.

(٣) السرائر ١ : ٣٣٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٣ ـ ٦٠٦ ، الوسائل ٤ : ٣٣١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٣.

(٥) في ص ٤٥٩.

٤٧٠

فقرأت ، وإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع ، ثمَّ أومأت بالسجود » (١).

وموثّقة سماعة : « وليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلا ، وإن كان راكبا فليصلّ على دابته وهو راكب ، ولتكن صلاته إيماء وليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه » (٢) ونحو ذلك.

والمستفاد من الأوليين والأخيرة تعيّن كون الرأس لإيماء السجود أخفض منه لإيماء الركوع ، وهو كذلك.

ولا يجب في إيماء السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، للأصل ، والصحيح.

قيل : ولو ركع وسجد مع الإمكان كان أولى (٣) ، لصحيحة ابن عمّار (٤).

وفي دلالتها على الزائد على الجواز نظر ، للتعليق على الإرادة ، وحمل المراد على الأعم من الحقيقة والمجاز والمأمور به على الحقيقة لا وجه له ، ومع أن الأمر بالإيماء في المستفيضة (٥) كالقرينة على إرادته من الركوع والسجود هنا أيضا.

نعم ، لا شك في أولوية الصلاة على الأرض مستقرّا ، لصحيحة البجلي ، الثانية (٦).

ولو انتهى الركوب أو المشي في أثناء الصلاة اضطرارا أو اختيارا ، أتمّ الباقي على الأرض مستقرّا مستقبلا راكعا ساجدا ، ذكره في المنتهى (٧).

والمستقرّ لو أراد الركوب أو المشي في الأثناء ، أتمّها كصلاة الراكب والماشي ، ذكره فيه أيضا ، ويمكن استفادتهما من بعض الإطلاقات.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٣٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٩ الصلاة ب ٨٧ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٣٣١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٤.

(٣) كما في الرياض ١ : ١٢١.

(٤) المتقدمة في ص ٤٦٩.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٢٨ أبواب القبلة ب ١٥.

(٦) المتقدمة في ص ٤٦٨.

(٧) المنتهى ١ : ٢٢٣.

٤٧١

المسألة الثامنة : يستحب أداء الصلوات في المساجد استحبابا مؤكّدا بالإجماع ، بل الضرورة الدينية ، والنصوص المتواترة (١) ، إلاّ صلاة العيدين فإنه يستحب الإصحار بها في غير مكة كما يأتي.

ويتأكّد من بين المساجد بمزية الفضل ومزيد الاختصاص المساجد المقدّسة الأربعة ، ثمَّ المسجد الأعظم ، ثمَّ مسجد المحلّة ، ثمَّ مسجد السوق ، أي ما كان لأهل السوق لا المتصل به ، إذ قد يتّصل به المسجد الجامع ، ثمَّ سائر المساجد ، كما نطقت به الأخبار (٢).

وأمّا ما في وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر كما في أمالي الطوسي : « يا أبا ذر صلاة في مسجدي تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلاّ المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، وأفضل من هذا كلّه صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلاّ الله يطلب بها وجه الله. يا أبا ذر إن صلاة النافلة تفضل في السرّ على العلانية كفضل الفريضة على النافلة » (٣).

فيجب تخصيص قوله : « صلاة يصلّيها الرجل .. » بالنافلة ، للإجماع ، بل في قوله بعد ذلك : « يا أبا ذر إنّ صلاة النافلة .. » دلالة عليه أيضا.

ولا ينافي ذلك أفضلية الفريضة على النافلة كما هو المجمع عليه ومدلول هذه الرواية ، لأنّ أفضلية شي‌ء من آخر من جهة لا ينافي أفضلية الآخر من جهة أخرى.

هذا كلّه في الفرائض وللرجال ، وأمّا الصلوات المندوبة فهي في البيت أفضل ، وفاقا للشرائع والنافع والقواعد وشرحه والإرشاد والمنتهى (٤) ، وعن النهاية‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٩٣ أبواب أحكام المساجد ب ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٨٩ أبواب أحكام المساجد ب ٦٤.

(٣) أمالي الطوسي : ٥٣٩ ، ٥٤١ ، الوسائل ٥ : ٢٧٢ أبواب أحكام المساجد ب ٥٢ ح ١٠.

(٤) الشرائع ١ : ١٢٨ ، النافع ٢٦ ، القواعد ١ : ٢٩ ، جامع المقاصد ٢ : ١٤٣ ، مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٤٤ ، المنتهى ١ : ٢٤٤.

٤٧٢

والمبسوط والمهذّب والجامع (١) ، وهو المشهور كما صرّح به جماعة (٢) ، بل في المنتهى : إنه ذهب إليه علماؤنا (٣) ، ونحوه عن المعتبر (٤).

ويدلّ عليه ـ بعد ما ذكر من الشهرة المحكية والإجماع المنقول ورواية الأمالي ـ النبويّان المنجبران :

أحدهما : « جاء رجال يصلّون بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج مغضبا فأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم » (٥).

والآخر أنه قال : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » (٦).

ولأنه أقرب إلى الخلوص وأبعد من الرياء ، مع أن المقتضي لاستحباب الصلاة في المسجد ـ وهو الجماعة ـ مفقود هنا.

وعن الكافي (٧) ، والشهيد الثاني (٨) : رجحان فعلها في المسجد أيضا ، واستحسنه في المدارك (٩) ، للعمومات. ولصحيحتي ابني وهب وعمير :

الاولى : « إن النبي كان يصلّي الليل في المسجد » (١٠).

والثانية : إني لأكره الصلاة في مساجدهم ، فقال : « لا تكره ـ إلى أن قال : ـ فأدّ فيها الفريضة والنوافل » (١١).

__________________

(١) النهاية : ١١١ ، المبسوط ١ : ١٦٢ ، المهذب ١ : ٧٧ ، الجامع : ١٠٣.

(٢) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٤٧ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ١٧ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٠ : ٣٥٤.

(٣) المنتهى ١ : ٢٤٤.

(٤) المعتبر ٢ : ١١٢.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٥٣٩ ـ ٢١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٩ ـ ١٤٤٧.

(٦) الجامع الصغير للسيوطي ١ : ١٩١ ـ ١٢٧٦ ، سنن النسائي ٣ : ١٩٧.

(٧) الكافي في الفقه : ١٥٢.

(٨) حكاه عنه في المدارك ٤ : ٤٠٧.

(٩) المدارك ٤ : ٤٠٧.

(١٠) التهذيب ٢ : ٣٣٤ ـ ١٣٧٧ ، الوسائل ٤ : ٢٦٩ أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ١.

(١١) الكافي ٣ : ٣٧٠ الصلاة ب ٥٣ ح ١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٣ ، الوسائل ٥ : ٢٢٥ أبواب أحكام المساجد ب ٢١ ح ١.

٤٧٣

ورواية هارون بن خارجة في فضل مسجد الكوفة ، وفيها : « إن النافلة فيه لتعدل خمس مائة صلاة » (١).

وفي رواية اخرى : « إنها تعدل عمرة » (٢).

ويردّ الأول : بأن صلاة الليل كانت واجبة على النبي ، مع أن الفعل لا يعارض القول ، إذ لعلّه من جهة أخرى.

والثاني : بأن الأمر فيه ليس على حقيقته ، ومجازه يمكن أن يكون الإباحة ، بل هو الأظهر بعد توهّم الكراهة حتى قيل : إنها مفاده البتة.

والأخيرتان : بأنهما لا تدلاّن على الأفضلية من البيت ، فلعلّه في البيت تعدل أزيد من خمس مائة صلاة ومن عمرة كما هو الظاهر من رواية الأمالي.

نعم ، تدلاّن على أفضلية مسجد الكوفة ممّا لم تثبت فيه هذه الزيادة كسائر المساجد والصحاري والأسواق والخانات ونحوها.

وعن السرائر اختصاص الأفضلية في البيت بصلاة الليل (٣).

قيل (٤) : ولعلّه لما دلّ على أن الأمير عليه‌السلام اتّخذ مسجدا في داره فكان إذا أراد أن يصلّي في آخر الليل يذهب إليه ويصلّي (٥).

وفيه : أنه لا يدلّ على انتفاء الأفضلية من غيره ، مع أن المتّخذ في البيت مسجدا مسجد أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٠ الصلاة ب ١٠٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٨ ، المحاسن : ٥٦ ـ ٨٦ ، الوسائل ٥ : ٢٥٢ ، ٢٥٣ أبواب أحكام المساجد ب ٤٤ ح ٣ ، ٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٢ ـ ٦٠ ، كامل الزيارات : ٢٨ ـ ٣ ، الوسائل ٥ : ٢٥٦ أبواب أحكام المساجد ب ٤٤ ح ١٤.

(٣) السرائر ١ : ٢٦٤ و ٢٨٠.

(٤) كما في الرياض ١ : ١٤٠.

(٥) المحاسن : ٦١٢ ـ ٣٠ ، قرب الإسناد : ١٦١ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٥ : ٢٩٥ أبواب أحكام المساجد ب ٦٩ ح ٣ و ٤.

٤٧٤

ثمَّ إن الكلام في رجحان فعل الفريضة أو النافلة من حيث هو هو مع قطع النظر عن الأمور الخارجة ، وأما هي فقد تقتضي العكس فيهما كخوف الرياء ، أو الاجتناب عن الوسواس ، أو اقتداء الناس ونشر الخيرات.

ومنه يظهر ما في كلام بعضهم من التفصيل في مسألة ترجيح المسجد أو البيت بضمّ بعض هذه الأمور.

وأمّا النساء فصلاتهنّ مطلقا في بيتهنّ أفضل ، ونسبه بعض المتأخّرين إلى فتوى الأصحاب (١) ، وفي الذخيرة نسبتها إليهم أيضا (٢) ، لرواية ابن ظبيان : « خير مساجد نسائكم البيوت » (٣).

ومرسلة الفقيه : « خير المساجد للنساء البيوت ، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها ، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها ، ويكره للمرأة الصلاة في سطح غير محجّر » (٤).

وتؤيّده رواية هشام بن سالم : « صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار » (٥).

ولا ينافيه تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضور هنّ المسجد والصلاة معه جماعة (٦) ، لأنّ التقرير لا يفيد الأفضلية.

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة ٢ : ١٥٩.

(٢) الذخيرة : ٢٤٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٦٩٤ ، الوسائل ب ٥ : ٢٣٧ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٤ ـ ١٠٨٨ ، وأورد صدرها في الوسائل ٥ : ٢٣٧ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٣ ، وتمامها في جامع أحاديث الشيعة ٤ : ٤٥٤ ـ ١٤٣٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٥ : ٢٣٦ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٥ ، علل الشرائع : ٣٤٤ ، الوسائل ٨ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٨.

٤٧٥

مع أنه لا يعارض القول ، إذ لعلّه لإدراك فضيلة جماعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، التي هي أفضل الفضائل.

٤٧٦

الباب الخامس :

في الأذان والإقامة

والكلام إمّا في كيفيتهما ، أو في المؤذّن ، أو ما يؤذّن له ويقام ، أو في أحكامهما ، ففيه فصول‌ :

٤٧٧

الفصل الأول :

في كيفيتهما‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا خلاف بين الشيعة في أن الأذان ثمان فقرات : التكبير ، ثمَّ الشهادة بالتوحيد ، ثمَّ بالرسالة ، ثمَّ قول : حيّ على الصلاة ، ثمَّ : حيّ على الفلاح ، ثمَّ : حيّ على خير العمل ، ثمَّ التكبير ، ثمَّ التهليل. والإقامة تسع بزيادة : قد قامت الصلاة قبل التكبير والتهليل الأخيرين.

وعلى ذلك تواترت الأخبار (١) وتطابقت كلمات علمائنا الأخيار مدّعيا كثير منهم عليه الإجماع (٢).

وأمّا رواية الحضرمي والأسدي : إنه عليه‌السلام حكي لهما الأذان ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، إلى آخر الفقرات المذكورة للأذان ، ذكر كلا منها مرّتين ، ثمَّ قال : « والإقامة كذلك » (٣) ونحوها رواية المعلّى (٤).

فالمراد منهما المماثلة في هذه الفقرات ، وهي لا تنافي اشتمال الإقامة على قول : قد قامت الصلاة.

ولو سلّمت الدلالة على المماثلة من جميع الوجوه فهي بالعموم الواجب‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٥ : ٤١٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩.

(٢) كابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، العلامة في نهاية الاحكام ١ : ٤١١ ، الشهيد في الذكرى : ١٦٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٨ ـ ٨٩٧ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ ـ ١١٣٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ ـ ١١٣٦ ، الوسائل ٥ : ٤١٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٦.

٤٧٨

تخصيصه بالإجماع القطعي والأخبار :

منها : رواية زرارة والفضيل في بيان أذان جبرئيل : فقلنا له : كيف أذّن؟ فقال : « الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله » إلى آخر فصول الأذان ، ذكر كلا مرّتين ، ثمَّ قال : « والإقامة مثلها إلاّ أن فيها : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، بين حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل ، وبين الله أكبر » (١).

وكذا لا خلاف في تكرار ما عدا التهليل الأخير في الإقامة من فقرات الأذان والإقامة ، وعليه توافر أخبار الأئمة وإجماع الطائفة.

وأمّا ما في المعتبر من رواية البزنطي : « الأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله » إلى أن قال في آخره : « لا إله إلاّ الله مرّة » ثمَّ قال : « إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خير من النوم » (٢) فهو شاذ مطروح ، وعلى التقية محمول ، لأنّ وحدة التهليل في آخر الأذان مذهب العامة كافة ، كما في المنتهى والتذكرة (٣) ، وغيرهما (٤).

وتدلّ على التقية فيه ذكر : الصلاة خير من النوم.

وأمّا صحيحة ابن وهب : « الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة » (٥) فالمراد منها أنّ الإقامة وتر لوحدة التهليل في آخرها ، لا أنّ كلّ فصل منها واحدة.

وعلى فرض إرادته فالرواية بالشذوذ مطروحة ، وللأكثر منها معارضة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤١٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٨.

(٢) المعتبر ٢ : ١٤٥.

(٣) المنتهى ١ : ٢٥٥ ، التذكرة ١ : ١٠٤.

(٤) كالمعتبر ٢ : ١٤٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ١.

٤٧٩

وبه يجاب عن صحيحة ابن سنان : « الإقامة مرّة مرّة إلاّ قول : الله أكبر فإنه مرّتان » (١).

مع أنها عامة بالنسبة إلى المسافر وذوي الحاجة وغيرهما ، فتحمل على أحد الأوّلين ، لجواز التوحيد له ، كما يأتي.

ولا في أنّ تكرير غير التكبيرات من الفقرات مرّتان لا أزيد ، وبه صرّحت الروايات وتطابقت العبارات أيضا.

ولا في أنّ تكرر التكبير في أول الأذان أربع مرّات ، وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع (٢). وفي الناصريّات : إنه إجماع الفرقة المحقّة (٣). وعن المعتبر والغنية والخلاف (٤) : الإجماع على كون الأذان ثمانية عشر فصلا بتربيع التكبير في أوله.

وما نسبه بعض المعاصرين (٥) إلى النهاية من كون الفضل في التربيع وإن جاز الأقلّ ، فلم نعثر عليه فيها ، بل صرّح فيها بخلافه (٦) ، فالإجماع حجة في المقام.

وتدلّ عليه من الأخبار الروايتان الأوليان ، وصحيحة زرارة : « تفتح الأذان بأربع تكبيرات ، وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين » (٧).

ومرسلة الفقيه المتضمّنة لما ذكره الفضل من العلل عن الرضا عليه‌السلام ، وفيها : « وإنّما جعل ـ أي الأذان ـ مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٥٤.

(٣) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢.

(٤) المعتبر ٢ : ١٣٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، الخلاف ١ : ٢٧٨.

(٥) كصاحب الرياض ١ : ١٤٩.

(٦) النهاية : ٦٩.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٣ الصلاة ب ١٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٦١ ـ ٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٤٨ ، الوسائل ٥ : ٤١٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٢.

٤٨٠