مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

لاختصاص الدليل ، وعدم إيجاب استحباب صلاة في خلف قبره استحبابها في خلف قبر سائر الأئمة عليهم‌السلام ، بخلاف ما إذا ثبت استحباب جعل محل الصلوات خلف قبره ، فيتعدّى بعدم القول بالفصل.

وأمّا المحاذاة له عند رأسه أو رجليه فهي أيضا جائزة على الأظهر الأشهر ، بل وفاقا لغير شاذّ من متأخّري من تأخّر ، للأصل ، وصحيحة الحميري.

ودليل المانع : رواية الاحتجاج.

وهي مردودة بعدم صلاحيتها لإثبات الحرمة ، لمخالفتها الشهرة بل إجماع الطائفة.

مضافا إلى معارضتها للصحيحة التي هي له كالقرينة ، بل لنصوص أخر كثيرة مصرّحة بجوازها في زيارة الحسين عليه‌السلام وغيره من الأئمة عليهم‌السلام.

كالمروي في العيون : من أنّ الرضا عليه‌السلام ألزق منكبه الأيسر بالمنبر قريبا من الأسطوانة التي عند رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى ستّ ركعات (١).

ورواية ابن ناجية : « صلّ عند رأس قبر الحسين عليه‌السلام » (٢).

ورواية الثمالي : « ثمَّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين عليه‌السلام وصلّ عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى » إلى أن قال : « وإن شئت صلّيت خلف القبر وعند رأسه أفضل » (٣).

وفي رواية صفوان : « ثمَّ قم فصلّ ركعتين عند الرأس » (٤) إلى غير ذلك.

__________________

(١) العيون ٢ : ١٦ ـ ٤٠ ، الوسائل ٥ : ١٦١ أبواب مكان المصلّي ب ٢٦ ح ٤.

(٢) كامل الزيارات : ٢٤٥ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٥١٩ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٩ ح ٥.

(٣) كامل الزيارات : ٢٤٠ ، المستدرك ١٠ : ٣٢٧ أبواب المزار وما يناسبه ب ٥٢ ح ٣.

(٤) مصباح المتهجد : ٦٦٥.

٤٤١

نعم ، تكره لهذه الرواية. ولا تنافيها الصحيحة ، إذ غايتها الجواز. ولا الأخبار المذكورة ، إذ غايتها استحباب صلاة عند الرأس ، وهو لا ينافي كراهة غيرها ، فالرواية بها مخصوصة.

والخلف أفضل من جانب الرأس في غير المنصوصة ، لهذه الرواية ، بل يشعر به الصحيحة.

ولا تنافيه رواية الثمالي ، إذ مدلولها أفضلية صلاة خاصة عند رأس الحسين عليه‌السلام ، وهي مسلّمة.

ويحصل ممّا ذكر أنّ المحاذاة عند الرأس أو الرجلين أفضل من التقدّم والخلف منها ، وغير الثلاثة منه ، إلاّ فيما ورد في موضع مخصوص.

فروع :

أ : ما ذكر في حكم قبر غير الإمام من كراهة الصلاة إليه وعليه يعمّ القبر الواحد والمتعدّد.

وأمّا كراهتها بين القبور فإنما هي مع تعدّدها ، لا لما قيل من أن مورد الأخبار القبور (١) ، لأنّها جمع محلّى مفيد للعموم الأفرادي ، ولذا لو قال : لا يجوز نبش القبور ، يحكم به في كلّ فرد فرد ، ولا يشترط فيه الجمعيّة.

بل لأنّ النهي إنّما هو عن الصلاة بين القبور وفي خلالها ، ولا يصدق ذلك إلاّ مع التعدّد.

بل نقول : إنّ المنهي عنه الصلاة بين القبور لا القبر والقبرين أيضا.

ولا يفيد حديث المناهي الناهي عن الصلاة في المقابر ولو بملاحظة إفادة الجمع للعموم الأفرادي كما في قوله فيه : « ونهى أن يجصّص المقابر » (٢) لأنه لا يثبت‌

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٢٢٧.

(٢) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلّي ب ٢٥ ح ٢.

٤٤٢

منه ـ بحسب المعنى اللغوي الذي الأصل فيه عدم النقل ، ومع ثبوته تأخّره ـ إلاّ مرجوحية الصلاة في المقبرة التي هي موضع القبر لا في حواليها كما هو المطلوب ، فيكون هو بعينه الصلاة على القبر ، فتأمّل.

إلاّ أن يقال بإلحاق القبر والقبرين بالقبور ، لادّعاء الاشتهار عليه في كلام بعض مشايخنا المحقّقين (١) ، وفتوى جماعة به (٢) ، وهما كافيان في المقام لكونه مقام المسامحة.

ب : صرّح جماعة ـ منهم المقنعة والشرائع والنافع والجامع والقواعد والنهاية (٣) ـ بزوال الكراهة بالحائل ، بل في بعضها ولو عنزة منصوبة ، أو قدر لبنة ، أو ثوب موضوع. واخرى ـ منهم المقنعة (٤) ، والنزهة والنهاية والمبسوط والمهذب والوسيلة والجامع والإصباح ونهاية الإحكام والتذكرة (٥) ـ بزوالها ببعد عشرة أذرع من كلّ جانب كما في الأوّلين ، أو ما سوى الخلف كما في البواقي.

أقول‌ : الكلام إمّا في الصلاة بين القبور أو إليها أو عند كلّ قبر قبر.

فإن كان الأول ، فلا شك في زوال الكراهة ببعد عشرة أذرع من الجوانب الأربع ، وأمّا بوجود الحائل ولو بمثل ما ذكر فلا دليل عليه ، والإجماع فيه غير ثابت‌

__________________

(١) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٤٥ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٣٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٥ ، والروضة ١ : ٢٢٣.

(٣) المقنعة : ١٥١ ، الشرائع ١ : ٧٢ ، والنافع : ٢٦ ، الجامع للشرائع : ٦٨ ، القواعد ١ : ٢٨ ، نهاية الاحكام ١ : ٣٤٦.

(٤) كذا في النسخ ومثله في كشف اللثام ١ : ١٩٨ ، ونسبه في الرياض ١ : ١٤١ ، إلى المحكي عن المقنعة ، ولم نعثر عليه ولعل الصحيح : الفقيه ووقع التصحيف في نسخة كشف اللثام فصار منشأ للنسبة ، لاحظ : الفقيه ١ : ١٥٦. ويؤيده أن في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١٥ ، لم ينقله عن المقنعة بل نقله عن الفقيه.

(٥) النزهة : ٢٦ ، النهاية : ٩٩ ، المبسوط ١ : ٨٥ ، المهذب ١ : ٧٦ ، الوسيلة : ٩٠ ، الجامع للشرائع : ٦٨ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٤٦ ، التذكرة ١ : ٨٨.

٤٤٣

وإن ادّعاه بعضهم (١) ، وإزالة الكراهة لا تتحمّل ما يتحمّله إثباتها من المسامحة ، إلاّ أن يكون الحائل جدارا مرتفعا أو جدرانا بحيث ينتفي صدق بين القبور عرفا.

وإن كان الأخيران ، فالظاهر انتفاء الكراهة مع الحائل مطلقا أو البعد المذكور ، إذ قد عرفت أن المستند فيهما ليس إلاّ الفتاوى أو الشهرة ، وكلاهما مخصوصان بالخالي عن الحائل والبعد.

هذا في غير قبر المعصوم ، وأمّا فيه فإن ثبت الإجماع المركّب فالحكم كذلك أيضا ، وإلاّ فالحكم بالزوال إلاّ مع وجود جدار أو تفاحش بعد يزيل صدق الصلاة أمامه أو خلفه أو جانبه مشكل جدّا.

ج : هل الحكم يتوقّف على العلم بعدم صيرورة المقبور رميما أو ترابا ولو استصحابا ، أو يجري ولو مع صيرورته أحدهما؟ الظاهر : الثاني ، لصدق القبر.

د : لا فرق في الحكم بين كون المقبرة مسجدا كما إذا أوصى أحد بدفنه في بيت ثمَّ جعله مسجدا ، أم لا ، للإطلاقات.

ومنها : أن تكون بين يديه نار ، وفاقا لغير شاذّ ، لصحيحة علي : عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة ، فقال : « لا يصلح له أن يستقبل النار » (٢).

وموثّقة عمّار : « لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد » قلت : أله أن يصلّي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال : « نعم فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتى ينحّيها عن قبلته » وعن الرجل يصلّي وفي قبلته قنديل معلّق وفيه نار إلاّ أنه بحياله ، قال : « إذا ارتفع كان شرّا ، لا يصلّي بحياله » (٣).

__________________

(١) الرياض ١ : ١٤١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩١ الصلاة ب ٦٣ ح ١٦ ، الفقيه ١ : ١٦٢ ـ ٧٦٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٦ ـ ١٥١١ ، قرب الإسناد : ١٨٧ ـ ٧٠٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٦ أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٠ الصلاة ب ٦٣ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ١٦٥ ـ ٧٧٦ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩٦ ـ ١٥١٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٦ أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ٢.

والشبه : ضرب من النحاس. الصحاح ٦ : ٢٢٣٦.

٤٤٤

وخلافا للحلبي فحرّم ، لظاهر الخبرين.

وفيه أوّلا : منع الظهور.

وثانيا : المعارضة مع ما دلّ على الجواز مطلقا ، كمرفوعة الهمداني : « لا بأس أن يصلّي الرجل والسراج والصورة بين يديه ، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه » (١).

أو لغير أولاد عبدة الأوثان والنيران الموجب لجوازه لغيرهم أيضا بالإجماع المركّب ، كالمروي في الاحتجاج وإكمال الدين من التوقيع ، وفيه : « أمّا ما سألت عنه من المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك ، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان والنيران أن يصلّي والسراج بين يديه ، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران » (٢).

وثالثا : المخالفة للشهرة بل الإجماع الموجبة للخروج عن الحجية.

ثمَّ مقتضى الإطلاقات : كراهة استقبال النار مطلقا ولو لم تكن مضرمة.

وقيّدها بعضهم بالمضرمة (٣) ، ولا وجه له.

كما أنّ مقتضى الموثّقة : أشدّية الكراهة مع ارتفاع النار.

والمستفاد من التوقيع أشدّيّتها لأولاد عبدة الأوثان والنيران ، والحكم بالأشدية في غير أولاد الرسول غير سديد.

ومنها : بيوت المجوس ، والبيع ، والكنائس ، وبيت فيه مجوسي وإن لم يكن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٢ ـ ٧٦٤ ، التهذيب ٢ : ٢٢٦ ـ ٨٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٦ ـ ١٥١٢ ، علل الشرائع : ٣٤٢ ـ ١ ، المقنع : ٢٥ ، الوسائل ٥ : ١٦٧ أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ٤.

(٢) الاحتجاج : ٤٨٠ ، كمال الدين ٥٢١ ـ ٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٦٨ أبواب مكان المصلّي ب ٣٠ ح ٥.

(٣) كابن إدريس في السرائر ١ : ٢٧٠ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٧٢ ، والنافع : ٢٦ ، والمعتبر ٢ : ١١٢ ، والعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٤٧ ، والتحرير ١ : ٣٣.

٤٤٥

بيته ، لعدم الخلاف في المرجوحية في الأول ، كما صرّح به بعضهم (١).

ولفتوى جماعة من الفحول منهم الحلّي والديلمي والقاضي (٢) ، والغنية والإصباح والإشارة والنزهة (٣) ، مضافا إلى ادّعاء الرابع الإجماع عليه في الثانيين.

ولرواية أبي أسامة : « لا تصلّ في بيت فيه مجوسي ، ولا بأس بأن تصلّي وفيه يهودي أو نصراني » (٤) في الأخير.

والاستدلال بصريحها أو فحواها للأول ضعيف. كالاستدلال له وللبيع والكنائس بالأمر بالرشّ والصلاة (٥) ، لعدم الدلالة ، والاحتجاج لانتفاء الكراهة فيهما بما دلّ على جواز الصلاة أو عدم البأس فيهما (٦) ، إذ لا يثبت منهما إلاّ نفي الحرمة.

ولا كراهة في بيوت اليهود والنصارى ، للأصل.

وقد يقال فيها بالكراهة أيضا ، لخبرين لا دلالة لهما عليه (٧).

ثمَّ إنه هل يشترط إذن أهل الذمة في الصلاة في البيع والكنائس أم لا؟ قال بعض مشايخنا المحدّثين : مقتضى كلام الأصحاب وإطلاق النصوص النافية للبأس عن الصلاة فيهما هو الثاني.

واحتمل في الذكرى الأول ، تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرينة.

والظاهر ضعفه ، لإطلاق الأخبار المذكورة وما دلّ عليه بعضها من جواز‌

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٢٣٣.

(٢) السرائر ١ : ٢٧٠ ، المراسم : ٦٥ ، المهذب ١ : ٧٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، الإشارة : ٨٨ ، النزهة : ٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٩ الصلاة ب ٦٣ ح ٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب مكان المصلي ب ١٦ ح ١.

(٥) الوسائل ٥ : ١٣٨ أبواب مكان المصلي ب ١٣.

(٦) الوسائل ٥ : ١٣٨ أبواب مكان المصلي ب ١٣.

(٧) أحدهما ما رواه في الكافي عن عامر بن نعيم ( الكافي ٣ : ٣٩٢ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٥ ). والآخر ما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : عن بواري اليهود والنصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أن يصلي عليها قال : « لا » قرب الإسناد : ١٨٤ ـ ٦٨٥. منه رحمه‌الله.

٤٤٦

نقضها مسجدا (١).

قال : وقال بعض مشايخنا ـ رحمهم‌الله ـ : بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها ، كان شرطهم فاسدا ، وكذا الكلام في مساجد المخالفين وصلاة الشيعة فيها (٢). انتهى.

أقول‌ : الحقّ جواز الصلاة فيهما وفي سائر معابد الكفّار ومساجد المخالفين ، لا لما ذكره من إطلاق الأخبار المذكورة ، لكونه محل كلام ، وكذا فساد الشرط المذكور. ولا لما قيل من أنّ الواقف لمّا علم بعد موته حقّية مذهبنا يرضى قطعا (٣) ، أو لأنه لو علم الواقع لكان راضيا ، إذ لا مدخلية لرضا الواقف وعدمه بعد تحقّق الوقف ولزومه أصلا سيما الواقف الميت ، ولا للرضا الفرضي.

بل لما تقدّم ذكره من أنّ الأصل جواز هذا النوع من التصرّف الغير المتلف ولا المضرّ في كلّ موضع ، وأن الظاهر أنه كالاستظلال بالحائط أو الاستضاءة بالسراج أو وضع اليد على جدار الغير ، ولا دليل على حرمة أمثال هذه التصرّفات بدون الإذن بل مع المنع ، بل ولا على حرمة الجلوس في ملك الغير من غير إضرار به ولو منع عنه إلاّ الإجماع أو بعض الأخبار الضعيفة (٤) الموقوفة حجّيتها على الانجبار ، وكلاهما مفقودان في المقام ، مع أنّ المذكور فيها التصرّف ، وكون نحو ذلك تصرّفا لغة محل كلام.

ومنها : بيوت الخمور والنيران ، بلا خلاف في المرجوحية فيهما إلاّ لنادر من المتأخّرين في الثاني (٥) ، وهو الحجّة فيهما.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٢ ـ ٨٧٤ ، الوسائل ٥ : ١٣٨ أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ١.

(٢) الحدائق ٧ : ٢٣٤.

(٣) انظر : الوسائل ٩ : ٥٣٨ ، ٥٤٠ أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام ب ٣ ح ٢ و ٧ ، وقد تقدما في ص ٣٦١.

(٤) لم نعثر على قائله.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٤٤.

٤٤٧

مضافا في الأول إلى الموثّق : « لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر » (١).

والرضوي : « لا تصلّ في بيت فيه خمر محصور » (٢).

ومقتضاهما وإن كان تحريم الصلاة في الأول ـ كما حكي عن المقنع والفقيه والمقنعة والنهاية (٣) ، والديلمي (٤) ـ إلاّ أنّهما معارضان بالرواية المرسلة في المقنع ، قال : « وروي أنها تجوز » المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، المعتضدة بالأصل والعمومات ، فلا يصلحان لإثبات التحريم ، فالقول به ضعيف.

وأضعف منه : القول به في الثاني ، كما عن الثلاثة الأخيرة (٥) ، لعدم ورود نصّ فيها بالكلّية ، وإنّما علّلوا المنع فيها : بأنّ في الصلاة فيها تشبّها بعبّادها.

وهو كما ترى لا يفيد المنع قطعا ، بل الكراهة أيضا كما هو ظاهر المدارك والذخيرة (٦) ، حيث إنّ فيهما ـ بعد تضعيف التعليل ـ احتمال اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران ، لأنّها ليست موضع رحمة ، فلا تصلح لعبادة الله سبحانه.

ثمَّ المعبّر عنه في كلام جماعة وإن كان بيوت الخمر الظاهرة في نوع اختصاص لها به ، إلاّ أنّ مقتضى الموثّق ثبوت الكراهة في كلّ بيت فيه خمر ، كما أنّ مقتضى فتوى الجماعة في الثاني ثبوتها في كلّ بيت معدّ للنيران كالفرن والأتّون (٧) وإن لم يكن موضع عبادتها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٢ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ و ٣٧٧ ـ ٨٦٤ و ١٥٦٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ ـ ٦٦٠ ، الوسائل ٥ : ١٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢١ ح ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٨١ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٣٤١ أبواب مكان المصلّي ب ١٦ ح ١.

(٣) المقنع : ٢٥ ، الفقيه ١ : ١٥٩ ، المقنعة : ١٥١ ، النهاية : ١٠٠.

(٤) المراسم : ٦٥.

(٥) المقنعة : ١٥١ ، النهاية : ١٠٠ ، المراسم : ٦٥.

(٦) المدارك ٣ : ٢٣٢ ، الذخيرة : ٢٤٥.

(٧) الفرن : الذي يخبز عليه الفرني وهو خبز غليظ نسب إلى موضعه وهو غير التنور. الصحاح ٦ : ٢١٧٦. والأتّون بالتشديد : الموقد ، والجمع الأتاتين. الصحاح ٥ : ٢٠٦٧.

٤٤٨

وأمّا البيوت التي توقد فيها النيران مع عدم كونها معدّة له فلا كراهة فيها أصلا ، للأصل.

ومنها : أن يكون بين يديه مصحف مفتوح ، لرواية عمّار ، في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال : « لا » قلت : فإن كان في غلاف؟ قال : « نعم » (١).

وألحق بعضهم به كلّ مكتوب ومنقوش (٢) ، وعلّل بالمروي في قرب الإسناد : عن الرجل هل له أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في مصحف أو كتاب في القبلة؟ قال : « ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها » (٣).

ولا دلالة له إلاّ على أنّ النظر في الكتابة كأنّه يقرؤها نقص في الصلاة سواء كانت بين يديها أو لا كما في خاتمه ، وهو غير المسألة ، لأنّها إنما هي في المكتوب الواقع في القبلة سواء نظر إليه كأنه يقرؤه أم لا ، فلا دليل على الإلحاق إلاّ ما ذكره بعضهم من خوف التشاغل (٤) ، ولكنه لا يصلح دليلا ، فبقي غير المصحف خاليا عن الدليل ، والأصل عدم الكراهة فيه ، ويكون النظر إلى المكتوب مطلقا كأنه يقرؤه مكروها آخر أيضا ، ويختص ذلك بمن يرى النقش بل يعلم القراءة ، بخلاف الأول ، فيعمّ الأعمى والممنوع عن القراءة لظلمة أو نوع بعد.

وكذا يكره أن يكون بين يديه إنسان ، للمرويين في قرب الإسناد والدعائم :

الأول : عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن يكون امرأة مقبلة بوجهها عليه قاعدة أو قائمة؟ قال : « يدرؤها عنه ، فإن لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ الصلاة ب ٦٣ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ٥ : ١٦٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٧ ح ١.

(٢) كالعلامة في المنتهى ١ : ٢٤٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٤٨.

(٣) قرب الإسناد : ١٩٠ ـ ٧١٥ ، الوسائل ٥ : ١٦٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٧ ح ٢.

(٤) كالعلامة في المنتهى ١ : ٢٤٩.

(٥) قرب الإسناد : ٢٠٤ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٥ : ١٨٩ أبواب مكان المصلّي ب ٤٣ ح ٣.

٤٤٩

والثاني : « كره أن يصلّي الرجل ورجل بين يديه قائم » (١). ولا تنافيه الأخبار النافية للبأس عن كون إنسان في قبلة (٢) ، لأن البأس هو العذاب. ولا الأخبار الدالّة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى ويمرّ في قبلته قوم (٣) ، لأنّ مرور شخص غير كونه في قبلته ، مع أنّهم قد يرتكبون المكروه بيانا للجواز.

أو باب مفتوح على ما حكي عن الحلبي (٤). ولا دليل عليه إلاّ أن يسامح فيه ، فيثبت بفتوى الفقيه ، ولا بأس به.

أو حديد ، لموثّقة عمّار ، المتقدّمة في النار (٥).

أو تماثيل ، لصحيحة محمّد (٦).

وتزول الكراهة بطرح نحو ثوب عليها ، لتلك الصحيحة.

ولا كراهة مع كونها في غير القبلة كما صرّح به فيها أيضا.

المسألة الخامسة : يستحب للمصلّي السترة (٧) بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل (٨) ، له ، وللنصوص المستفيضة.

منها : صحيحة ابن وهب : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى » (٩).

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٥٠ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٣٣٢ أبواب مكان المصلّي ب ٤ ح ٢.

(٢) انظر : الوسائل ٥ : ١٣٢ أبواب مكان المصلّي ب ١١.

(٣) انظر : مسند أحمد ٦ : ٥٠ و ٩٤ ، وسنن ابن ماجه ١ : ٣٠٧.

(٤) نقله عنه في التذكرة ١ : ٨٨.

(٥) في ص ٤٤٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٢٦ و ٣٧٠ ـ ٨٩١ و ١٥٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٤ ـ ١٥٠٢ ، المحاسن : ٦١٧ ـ ٥٠ ، الوسائل ٥ : ١٧٠ أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ١.

(٧) ما ينصبه المصلي قدامه علامة لمصلاّه من عصا وتسنيم تراب وغيره ، لأنه يستر المارّ من المرور أي يحجبه. المصباح المنير : ٢٦٦.

(٨) الحدائق ٧ : ٢٣٨.

(٩) الكافي ٣ : ٢٩٦ الصلاة ب ١٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٣٦ أبواب مكان المصلّي ب ١٢ ح ١.

٤٥٠

ورواية أبي بصير : « كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا ، وكان إذا صلّى وضعه بين يديه يستتر به ممّن يمرّ بين يديه » (١).

وصحيحته : « لا يقطع الصلاة شي‌ء لا كلب ولا حمار ولا امرأة ، ولكن استتروا بشي‌ء ، وإن كان بين يديك قدر ذراع مرتفع من الأرض فقد استترت » (٢).

ورواية السكوني : « إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرحل ، فإن لم يجد فحجرا ، وإن لم يجد فسهما ، وإن لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه » (٣).

[ ورواية محمّد بن إسماعيل : في الرجل يصلي ، قال : « يكون بين يديه ] (٤) كومة من تراب ، أو يخطّ بين يديه بخطّ » (٥).

وظاهر بعض هذه الأخبار استحبابها مطلقا سواء كان هناك مارّ بين بيديه أم لا ، وسواء كان قد يتشاغل في الصلاة بغيره سبحانه أم لا ، وسواء كان في الفلاة أو غيرها.

ومنهم من قيّد بالأول (٦) ، لدلالة بعضها ـ كرواية أبي بصير وصحيحته ـ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٦ الصلاة ب ١٤ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٣٦ أبواب مكان المصلّي ب ١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٧ الصلاة ب ١٤ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٥١ ، الوسائل ٥ : ١٣٤ أبواب مكان المصلّي ب ١١ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٨ ـ ١٥٧٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ ـ ١٥٥٦ ، الوسائل ٥ : ١٣٧ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٤.

(٤) أضفنا ما بين المعقوفين لأنها رواية أخرى. والموجود في النسخ بعد ذكر « بين يديه » في رواية السكوني : « كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ » ، وهي موجودة في رواية محمّد بن إسماعيل لا رواية السكوني.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٧٨ ـ ١٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ ـ ١٥٥٥ ، الوسائل ٥ : ١٣٧ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٣.

(٧) انظر : الحدائق ٧ : ٢٤٣ ، والدرة النجفية : ٩٥.

٤٥١

على أنها لدفع المارّة.

ومنهم من قيّد بالثاني (١) ، لما ورد في بعض الأخبار من مرور المارّة بين يدي الإمام وعدم منعه إيّاهم قائلا بأن الذي أصلّي له أقرب إليّ منهم (٢).

وقد يستفاد التقييد بالثالث ، لمفهوم الرواية الأخيرة (٣).

ويردّ الأول : بأنّ الروايتين غير دالّتين على تقييد المطلقات ، لعدم التنافي بين استحباب الاستتار مطلقا ولأجل الاستتار عن المارّة أيضا.

نعم يمكن أن تكون شرعيّتها لأجل احتمال مرور المارّة.

والثاني : بأنه ليس في الأخبار عدم استتار الإمام ، بل عدم نهيه الناس عن المرور ، فلعلّه لا يلزم بعد وضع السترة.

مع أنه لو فرض عدم استتاره مرّة أو أكثر لم يدل على عدم استحبابه.

والثالث : بأنه مفهوم لقب لا حجية فيه ، وأمّا مفهومه الشرطي فهو أنه : إذا لم يصلّ أحدكم بأرض فلاة ، والظاهر منه انتفاء الصلاة مطلقا.

ولو سلّم عمومه للصلاة في غير الفلاة أيضا فليس بظاهر يخصّص به عموم غيره ، مع أن هذا التخصيص ممّا لم يقل به قائل.

ثمَّ أقلّ ارتفاع السترة مع الإمكان ـ كما دلّ عليه صحيحة أبي بصير ـ ذراع ، فإن لم يمكن فيستتر بحجر ، أو سهم ينصبه كالشاخص ، أو كومة ، إلى أن ينتهي إلى خطّ ، بالترتيب.

ويستحب الدنوّ منها ، للمروي في الدعائم : « إذا قام أحدكم في الصلاة إلى سترة فليدن منها » (٤) ونحوه روي في الذكرى (٥).

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٢٤٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٧ الصلاة ب ١٤ ح ٤ ، الوسائل ٥ : ١٣٥ أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١١.

(٣) بعد ملاحظة الهامش )٤( من الصفحة السابقة يظهر أن التقييد موجود في رواية السكوني.

(٤) الدعائم ١ : ١٥٠ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٣٣٥ أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٥.

(٥) الذكرى : ١٥٣.

٤٥٢

وقدّره الإسكافي : بمربض شاة (١) ، لخبر الساعدي : « كان بين مصلّى النبي وبين الجدار ممرّ الشاة » (٢).

وبعض الأصحاب : بمربض عنز إلى مربض فرس (٣) ، ونسبه في المدارك إلى الأصحاب (٤) ، ومستنده صحيحة ابن سنان : « أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز وأكثر ما يكون مربض فرس » (٥).

ومقتضى الخبرين : كون ذلك التقدير من محل القدم لا مسجد الجبهة ، وهو كذلك.

ولو زاد البعد عن مربض الفرس بل تفاحش البعد ، فهل ترك الدنوّ المستحب أو السترة المستحبة أيضا؟ مقتضى الصحيحة : الثاني.

ولا يشترط في السترة وضعها حين الصلاة. فلو كانت موجودة قبلها كجدار ونحوه وصلّى قريبا منها فقد استتر إذا قصد السترة كما هو صريح صحيحة أبي بصير.

ولا يستحب فيها انحرافها يمينا كما عن الإسكافي (٦) ، أو يمينا أو شمالا كما عن بعض العامة (٧) ، لعدم دليل ، بل ظاهر الأخبار استحباب التوسّط.

وهل يشترط إباحتها أم لا؟ صرّح الفاضل بالأول ، لعدم الإتيان بالمأمور به على الغصبية (٨).

واستشكله في الذكرى بأنّ المأمور به الصلاة إلى السترة وقد حصل ،

__________________

(١) نسبه إليه في الذكرى : ١٥٣.

(٢) الذكرى : ١٥٣ ، المستدرك ٣ : ٣٣٦ أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٧.

(٣) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٤٨ ، والتحرير ١ : ٣٣ ، والشهيد في البيان : ١٣٣.

(٤) المدارك ٣ : ٢٣٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٥ ، الوسائل ٥ : ١٣٧ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٦.

(٦) نقله عنه في الذكرى : ١٥٣.

(٧) المغني ٢ : ٧٢.

(٨) المنتهى ١ : ٢٤٨ ، التحرير ١ : ٣٣.

٤٥٣

وغصبها أمر خارج عن الصلاة ، كالوضوء من الإناء المغصوب (١).

أقول‌ : نظر الفاضل إلى أن المستحب هو الاستتار ، أي وضع السترة ، لأن الأصل في الأوامر كونها أصلية ، فإذا كانت مغصوبة يكون وضعها منهيا عنه فلا يكون مأمورا به ، ونظر الشهيد إلى أن المستحب الصلاة إلى السترة ، والأمر بوضعها وجعلها من باب المقدمة ، وتحصل الصلاة إلى السترة ولو كانت مغصوبة.

والتحقيق : أنه قد عرفت حصول الاستتار بقصده مع وجود السترة أيضا كما هو مقتضى صحيحة أبي بصير وخبر الساعدي ، فالمستحب أصلا هو الاستتار دون إحداث السترة ، والمنهي عنه مع الغصبية هو التصرّف فيه بالوضع والإحداث ، وهو غير مأمور به الأصلي ، فلو قصد الاستتار بعد الوضع المحرّم ، أتى بالمأمور به من غير ارتكاب محرّم.

والظاهر اختصاص استحباب السترة لغير المأموم ، لعدم معهوديته له ، وعدم أمره بها.

ثمَّ إنه قد عرفت استحباب الاستتار من المارّة أيضا ، فلو استتر ومرّ مارّ وراء السترة ، لم يضرّ ، بل لو لم يستتر وصلّى مع مرور مارّ ، لم تكن صلاته مكروهة ، إذ لا دلالة للأمر بالسترة عن المارة على كراهة الصلاة بدونها.

وأمّا موثّقة ابن أبي يعفور : عن الرجل هل يقطع صلاته شي‌ء مما يمرّ به؟

قال : « لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء ولكن ادرؤوا ما استطعتم » (٢) فلا تدلّ إلاّ على استحباب دفع المارّ بالمصلّي ، وكون المارّ في قبلته ـ سيما مع نوع بعد ـ مارّا به ممنوع ، فتأمّل.

المسألة السادسة : لا يجوز أن يصلّي الفريضة على الراحلة ولو في المحمل‌

__________________

(١) الذكرى : ١٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٧ الصلاة ب ١٤ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٥٢ ، الوسائل ٥ : ١٣٤ أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ٩.

٤٥٤

اختيارا إذا استلزم فوات شي‌ء من الشرائط أو الأجزاء ، إجماعا محقّقا ومحكيا (١).

وهو الحجة فيه ، مع الأصول المتكثرة ، وموثّقة ابن سنان : « لا تصلّ شيئا من المفروض راكبا » قال النضر في حديثه : « إلاّ أن يكون مريضا » (٢).

والرضوي : « وإن صلّيت على ظهر دابتك تستقبل القبلة بتكبير الافتتاح ، ثمَّ امض حيث توجّهت دابتك تقرأ ، فإذا أردت الركوع والسجود استقبل القبلة واركع واسجد على شي‌ء يكون معك ممّا يجوز عليه السجود ، ولا تصلّها إلاّ في حال الاضطرار جدّا » (٣).

ورواية ابن سنان : أيصلّي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال : « لا ، إلاّ من ضرورة » (٤).

وظاهر أن السؤال بقوله : « أيصلّي » ليس إلاّ عن الجواز ، لأنّه الظاهر ، بل لا يتصور السؤال عن غيره هنا ، فمقتضى الجواب نفيه.

ومنه تظهر دلالة رواية ابن حازم : أصلّي في محملي وأنا مريض؟ فقال : « أمّا النافلة فنعم ، وأما الفريضة فلا » الحديث (٥). مضافا فيها إلى أنّ الثابت في النافلة ليس غير الجواز.

وتؤيّده صحيحة البصري : « لا يصلّي على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل القبلة ، وتجزئه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما يمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة إيماء » (٦).

وصحيحة الحميري ، وفيها بعد السؤال عمّا روي أن رسول الله صلّى الله‌

__________________

(١) كما حكاه في الرياض ١ : ١٢٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣١ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٧.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٣ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٧ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

٤٥٥

عليه وآله صلّى الفريضة على راحلته في يوم مطر ، وأنه هل يجوز لنا أن نصلّي في هذه الحال على محاملنا أو دوابنا : « يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة » (١).

والاحتجاج بهما لا يتمّ إلاّ بثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب ، وحجية مفهوم الوصف بل اللقب.

وكذا إذا لم يستلزمه ، كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب والحركة ، على الأشهر ، كما صرّح به بعض من تأخّر (٢) ، واختاره في شرح القواعد والدروس (٣) ، لعموم بعض ما مرّ.

خلافا للمحكي عن الفاضل (٤) ، وجماعة (٥) فاختاروا الجواز حينئذ ، للأصل الخالي عن معارضة ما مرّ من العموم ، لاختصاصه بالصورة الأولى بحكم القرينة الحالية من ندرة الثانية.

ولا يخلو من قوة ، لما ذكر ، مضافا إلى اختصاص الموثّق بالراكب وصدقه على الثانية محل تأمّل ، والرضوي بالسائر ، والاستلزام معه ظاهر ، وغيرهما عن إفادة المنع قاصر.

ثمَّ المستفاد من إطلاق النصوص والفتاوى عدم الفرق في الفريضة بين اليوميّة وغيرها ، ولا بين الواجب بالأصالة والعارض ، وبه صرّح في المنتهى والتحرير (٦) ، وحكي عن المبسوط والذكرى (٧) ، بل عن الأخير أنه قال : ولا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا ، لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣١ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٥.

(٢) كصاحب البحار ٨١ : ٩٥.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٦٣ ، الدروس ١ : ١٦١.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٤٠٤.

(٥) منهم صاحب المدارك ٣ : ١٤٣ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٠.

(٦) المنتهى ١ : ٢٢٣ ، التحرير ١ : ٢٩.

(٧) المبسوط ١ : ٨٠ ، الذكرى : ١٦٧.

٤٥٦

خلافا للمحكي عن الإسكافي (١) ، فجوّز صلاة الآيات على الراحلة اختيارا ، لرواية الواسطي : إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، قال : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » (٢).

والمروي في قرب الإسناد : كتبت إليه عليه‌السلام : كسفت الشمس والقمر وأنا راكب ، فكتب إليّ : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » (٣).

والأول مردود بكونه مقيّدا بالاضطرار ، والثاني بالضعف الخالي عن الانجبار.

ولجماعة من المتأخّرين في الواجب بالعارض (٤) ، خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية ، للأصل ، وعمومات الوفاء بالنذر (٥) ، ورواية علي : عن رجل جعل لله تعالى أن يصلّي كذا وكذا ، هل يجزئه أن يصلّي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال : « نعم » (٦).

وردّ الأول : بعمومات المنع ، وكذا الثاني بملاحظة كون أدلّة المنع أخص من عمومات النذر ، والثالث : بالضعف مع عمومه بالنسبة إلى حالتي الاختيار والاضطرار ، فيخصّص بالأخيرة ، جمعا بين الأدلة.

ويمكن أن يقال : إنّ أدلّة المنع وإن اختصّت بالصلاة ولكن عمومات النذر أيضا تختص بالنذر ، فالتعارض بالعموم من وجه الموجب للرجوع إلى الأصل.

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١١٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٥ الصلاة ب ٩٥ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٨ ، الوسائل ٧ : ٥٠٢ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١١ ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ٣٩٣ ـ ١٣٧٧ ، الوسائل ٧ : ٥٠٢ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١١ ملحق بالحديث ١.

(٤) منهم صاحب المدارك ٣ : ١٣٩ ، والمجلسي في البحار ٨١ : ٩٣.

(٥) انظر الوسائل ٢٣ : ٣٢٦ أبواب النذر والعهد ب ٢٥.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٣١ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٦.

٤٥٧

مع أنها معارضة مع رواية علي بالعموم من وجه ، لكونها مخصوصة بالنذر ، فلا دافع للأصل ولا مخصّص لعمومات النذر ولا لرواية علي.

مضافا إلى ما قيل من انصراف الفريضة في أدلّة المنع بحكم التبادر والشيوع إلى اليومية ، واختصاصها بحكم الاستعمال كثيرا في النصوص بما استفيد وجوبه من الكتاب والسنّة (١) ، وإن كانت المقدّمتان محلّي نظر.

وعلى هذا فالقول بالجواز في المنذور ولو مطلقا في غاية القوّة ، سيما مع النذر بهذه الكيفية ، لثبوت وجوبه من الكتاب أيضا ، بل المنع حينئذ وإيجابها على الأرض لا وجه له.

هذا مع الاختيار ، وأمّا في حالة الاضطرار فتجوز الصلاة على الدابة والمحمل إجماعا أيضا ، وصرّح به في المعتبر والمنتهى (٢) ، وغيرهما (٣).

وتدلّ عليه النصوص المستفيضة ، منها : كثير ممّا تقدم.

ومنها : رواية ابن عذافر : الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل ، أيجوز له أن يصلّي الفريضة في المحمل؟ قال : « نعم هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما وإلاّ قاعدا » (٤).

ومنها : الأخبار الكثيرة المصرّحة بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى الفريضة على الراحلة أو المحمل في يوم مطر ووحل (٥).

ولا تضرّ رواية ابن حازم (٦) ، لعموم المرض فيها بالنسبة إلى الموجب‌

__________________

(١) الحدائق ٦ : ٤١٠ ، الرياض ١ : ١٢٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٥ ، المنتهى ١ : ٢٢٢.

(٣) كالخلاف ١ : ١٠٠ ، وكشف اللثام ١ : ١٧٦ ، والرياض ١ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٢.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤.

(٦) المتقدمة في ص ٤٥٥.

٤٥٨

للاضطرار وغيره.

وكما لا تجوز على الراحلة بدون الاضطرار وتجوز معه ، كذا لا تجوز بدونه ماشيا ، للإجماع ، ومفهوم قوله سبحانه ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (١).

وقوله عليه‌السلام فيمن يرى حيّة بحياله : « إن كان بينها وبينه خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلاّ فلا » (٢).

وقوله : « وليكن على سكون ووقار » (٣) ونحو ذلك.

وتجوز معه ، كما صرّح به جماعة (٤) ، وحكي عن الأصحاب كافة (٥) ، وعن المنتهى إجماعهم عليه (٦) ، لبعض الأصول ، وكثير من النصوص كصحيحتي يعقوب :

إحداهما : عن الرجل يصلّي على راحلته؟ قال : « يومئ إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع » قلت : يصلّي وهو يمشي؟ قال : « نعم يومئ إيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع » (٧).

والأخرى : عن الصلاة في السفر وأنا أمشي ، قال : « أوم إيماء واجعل السجود أخفض من الركوع » (٨).

__________________

(١) البقرة : ٢٣٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤١ ـ ١٠٧٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ح ٤.

(٣) ورد مؤداه في فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠١ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ٧٨ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

(٤) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٢٣ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٦٧ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢١ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٤١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٧٦.

(٥) الحدائق ٦ : ٤١٢.

(٦) المنتهى ١ : ٢٢٣.

(٧) الكافي ٣ : ٤٤٠ الصلاة ب ٨٧ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٣٣٢ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٥.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ٤ : ٣٣٥ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٣.

٤٥٩

وصحيحة حريز : إنه عليه‌السلام لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل (١).

والرضوي : وفيه بعد ما سبق منه : « وتفعل ذلك مثله إذا صلّيت ماشيا إلاّ أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض » (٢).

ومرسلة المقنعة : عن الرجل يجدّ به السير أيصلّي على راحلته؟ قال : « لا بأس بذلك يومئ إيماء ، وكذلك الماشي إذا اضطرّ إلى الصلاة » (٣).

وهذه الروايات وإن كانت عامة بالنسبة إلى الفريضة والنافلة ولكن عمومها يكفي للمطلوب ، لعدم جريان أدلّة الاستقرار والتمكن واستيفاء الأجزاء والشرائط في حال الاضطرار ، لانتفاء العسر والحرج ، فتبقى هذه العمومات خالية عن المعارض.

مع أن التقييد بالاضطرار في الرواية الأخيرة قرينة على إرادة الفريضة ، لانتفائه في النافلة إجماعا.

مضافا إلى التعليل في بعض الأخبار المرخّصة للفريضة على الراحلة حال الضرورة بقوله : « فالله تعالى أولى بالعذر » (٤).

وقد يقال بدلالة الرضوي أيضا على الفريضة خصوصا ، وهو سهو ظاهر.

كالاستدلال له بصحيحة عبد الرحمن : عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟ قال : « يكبّر ويومئ رأسه » (٥) فإنّه لا دلالة فيها على المشي بوجه ، وغايتها الصلاة في حال الخوف من السبع بالإيماء وإن كان واقفا ، كما في صحيحة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤١ الصلاة ب ٨٧ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٨٩ ـ ١٣١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣٣٥ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٤ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب القبلة ب ١٢ ح ١.

(٣) المقنعة : ٤٥٠ ، الوسائل ٤ : ٣٣٦ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ٨ : ٤٤٢ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٩.

٤٦٠