مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.

ويضعّف : بإطلاق الفتاوى والنصوص كما صرّح في روض الجنان (١). والتبادر ممنوع. وجواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة لأجل انتفاء حرمة التصرّف التي هي سبب بطلان الصلاة فيه حينئذ ، لبطلان التكليف بما لا يطاق ، ومثله غير جار في المقام.

والتحقيق : لا تنافي بين الكراهة بمعنى المرجوحيّة الإضافية أو أقليّة الثواب ـ اللتين هما معناها في العبادات ـ وبين الاضطرار ، فالحقّ بقاء الكراهة معه أيضا.

نعم يشكل على القول بالحرمة.

هـ : ولو ضاق المكان واتّسع الزمان صلّى الرجل ابتداء استحبابا ، لصحيحة محمّد ، المتقدّمة (٢).

وتوهّم اقتضائها الوجوب فاسد ، لمكان الجملة الخبرية ، مضافا إلى ظاهر صحيحة ابن أبي يعفور ، السابقة (٣).

وحملها على التقديم المكاني دون الفعلي ـ كما في المدارك والذخيرة (٤) واستدلاّ بها على جواز تقديم المرأة مكانا ـ باطل ، للإجماع على ثبوت المنع ولو كراهة مع تقدّم المرأة مكانا ، فالقول بالوجوب ـ كما عن الشيخ (٥) ـ ضعيف.

هذا إذا لم يختص المكان بها ، وإن اختصّ فلا أولوية للرجل في تقديمه إلاّ أن تأذن له فيه.

وهل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟ كلّ محتمل ، وبالأول صرّح‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٢٧.

(٢) في ص ٤١٤.

(٣) في ص ٤١٤.

(٤) المدارك ٣ : ٢٢٢ ، الذخيرة : ٢٤٤.

(٥) النهاية : ١٠١.

٤٢١

جماعة (١) ، وليس ببعيد.

و : الحكم مختص بالرجل والمرأة دون الصبي والصبية ، للأصل ، وعدم ثبوت إطلاق الرجل والمرأة عليهما حقيقة.

المسألة الثالثة : المشهور كما صرّح به جماعة (٢) ، بل قيل : لا يكاد يعرف فيه خلاف إلاّ عمّن يأتي (٣) : عدم اعتبار طهارة ما عدا مسجد الجبهة. وهو كذلك ، للأصل الخالي عن المعارض المعتضد بالشهرة العظيمة والنصوص المستفيضة ، كصحاح علي :

أولاها : عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال : « نعم لا بأس » (٤).

وثانيتها : عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أيصلّى عليها؟ قال : « إذا يبست لا بأس » (٥) وقريبة منها موثّقة الساباطي (٦).

وثالثتها : عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة ، أيصلّي فيهما إذا جفّا؟ قال : « نعم » (٧).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٥ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٩٠ ، وصاحب الرياض ١ : ١٣٩.

(٢) منهم العلامة في المختلف : ٨٦ ، والشهيد في الذكرى : ١٥٠ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ١٦ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٠ : ٢٨٥ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٩٤ ، وصاحب الرياض ١ : ١٣٩.

(٣) الرياض ١ : ١٣٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٧٣ ـ ٨٠٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥١ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ ـ ٦٧٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٣ ، قرب الإسناد : ٢١٢ ـ ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٦ ، قرب الإسناد : ١٩٦ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات

٤٢٢

وصحيحة زرارة : عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أيصلّى عليها في المحمل؟ فقال : « لا بأس » (١) وقريبة منها رواية ابن أبي عمير (٢).

خلافا للمحكي عن السيد فاعتبر طهارة مكان المصلّي مطلقا (٣) ، وعن الحلبي فاعتبرها في المساجد السبعة (٤).

و ـ كما صرّح به غير واحد ـ (٥) لا حجّة لهما يعتدّ بها ، عدا ما يستدلّ به لهما من قوله سبحانه ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (٦) والنبوي : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (٧).

وللأول : من نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة في المجازر والمزابل والحمّامات (٨) ، وأمره بإخراج النجاسة عن المساجد (٩) ، وإنما هو لكونها مواضع الصلاة.

والموثّقين :

إحداهما للساباطي : عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره ولا تصيبه‌

__________________

ب ٣٠ ح ١.

(١) الفقيه ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣٦٩ ـ ١٥٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٤٩٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٤ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٠ ـ ١٥٣٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٥٠٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥٤ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٤.

(٣) لم نعثر عليه في كتبه ونقله عنه في الذكرى : ١٥٠.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٥) منهم صاحب الرياض ١ : ١٣٩ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٩٤.

(٦) المدّثر : ٥.

(٧) الذكرى : ١٥٧ وفيه : ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.

ورواه في الوسائل ٥ : ٢٢٩ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢ عن جماعة من أصحابنا في كتب الاستدلال.

(٨) سنن ابن ماجه ١ : ٢٤٦.

(٩) سنن ابن ماجه ١ : ٢٥٠.

٤٢٣

الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : « لا يصلّى عليه » الحديث (١).

وثانيتهما لابن بكير : عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلّي عليها؟ فقال : « لا » (٢). ومثله المروي في قرب الإسناد (٣) ، ومفهوم صحيحتي زرارة الآتيتين.

وللثاني : من صحيحة ابن محبوب : عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب : « إن الماء والنار قد طهّراه » الحديث (٤) ، فإنّ الظاهر من التعليل أنه لو لا التطهير لما جاز السجود ، والسجود يشمل جميع مواضع السجود السبعة.

ويجاب عن الأول : بعدم دليل على إرادة النجاسة من الرجز ، فلعلّه العذاب أو الغضب.

وعن الثاني : باحتمال إرادة مواضع السجود من المساجد ومواضع الجباة من مواضعه ، بل هو مقتضى الحقيقة ، فإنّ السجود وضع الجبهة.

وعن الثالث ـ بعد تسليم النهي ـ : بوجوب حمله على الكراهة في الحمّام ، للإجماع ، فكذا في غيره احترازا عن استعمال اللفظ في معنييه.

مع أن نجاسة جميع مواضع المزابل والمجازر والحمّامات غير معلومة ، فكما يمكن أن يكون علة النهي الاحتياط في موضع الصلاة يمكن كونها الاحتياط لموضع الجبهة.

وعن الرابع : بنحو ذلك ، مع إمكان كون العلّة التوقير والتعظيم.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٩ ـ ١٥٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٥٠١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٥ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٦.

(٣) قرب الإسناد : ١٧١ ـ ٦٢٨ ، البحار ٨٠ : ٢٨٥ ـ ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٠ الصلاة ب ٢٧ ح ٣. الفقيه ١ : ١٧٥ ـ ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٥٨ أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

٤٢٤

وعن الخامس والسادس : بالقصور عن إفادة الحرمة ، لما مرّ غير مرّة.

ولو سلّم فليحملا على الكراهة بقرينة الأخبار المتقدّمة الراجحة عليهما بالأصحّيّة والأكثريّة والاستفاضة ، والاعتضاد بالأصل والإطلاقات والشهرة العظيمة ، بل الإجماع.

مضافا إلى عموم الثانية بالنسبة إلى المتعدّية وموضع الجبهة ، وخصوصية الأخبار المعارضة لهما بغيرهما صريحا أو دليلا كما يأتي ، فالحمل عليهما متعيّن.

وأما الاولى وإن كان تعارضها مع غير [ ما قبل ] (١) الأخيرتين بالعموم من وجه ، لاختصاصها بالجافّ بغير الشمس ، وعمومها بالنسبة إلى موضع الجبهة ، ومعه بالتباين ، ولكن معه يرجع إلى أصل عدم الاشتراط أيضا.

ومنه يظهر الجواب عن السابع أيضا ، مع أنّ الظاهر أنّ التعارض معه بالعموم المطلق ، لأعميّته بالنسبة إلى المتعدّية وغيرها ، فيجب التخصيص.

وعن الثامن : بالحمل على موضع الجبهة ، لأنّه الحقيقة لما يسجد عليه ، مع أن الوقود بما ذكر لا ينجس الجصّ ، فالتطهير على رفع التنفّر محمول.

هذا في غير النجاسة المتعدية ، وأمّا المتعدّية إلى ما يشترط طهارته في الصلاة فاعتبار الطهارة ظاهر ، إلاّ أن تكون معفوا عنها فلا تضر ، لوجوب الصلاة مع الطهارة المتوقّفة على الاجتناب ، وللعمومات المذكورة الخارجة عنها غير المتعدّية بما ذكر ، وخصوص صحيحة علي ، الثانية. وفاقا للذكرى والمسالك والمدارك (٢).

وخلافا للمحكي في الإيضاح عن والده أنه قال : الإجماع منّا واقع على اشتراط خلوه عن نجاسة متعدّية وإن كانت معفوا عنها في الثياب والبدن (٣) ، واستقواه بعض مشايخنا (٤) ، للإجماع المنقول. ويدفع بعدم الحجية.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٢) الذكرى : ١٥٠ ، المسالك ١ : ٢٥ ، المدارك ٣ : ٢٢٦.

(٣) الإيضاح ١ : ٩٠.

(٤) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٤٢٥

نعم ، لو كانت النجاسة المتعدّية دم القروح يجب الاجتناب ، لعدم العفو عنه حينئذ ، ويمكن حمل كلام الفاضل عليه أيضا.

وأمّا مسجد الجبهة فيشترط طهارته مطلقا إجماعا محقّقا ، لعدم قدح خلاف من يأتي ، ومحكيا عن الغنية والمعتبر والمنتهى والمختلف والتذكرة والذكرى وروض الجنان وشرح القواعد (١). وقال بعض مشايخنا : إنّ عليه المسلمين في الأعصار والأمصار (٢) ، وهو الحجة ، مضافا إلى النبوي المتقدم (٣) المنجبر بما ذكر.

والاحتجاج بعموم الموثّقين السابقين ومفهوم صحيحتي زرارة : إحداهما : السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلى في ذلك الموضع؟ فقال : « إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافّا فلا بأس به » (٤) والثانية : عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه ، فقال : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر » (٥). غير جيّد ، لتعارضهما مع ما مرّ من الأخبار بالتباين في موضع الجبهة ، وخروجه بالإجماع والنبوي عمّا مرّ إنّما يفيد للاحتجاج في غير هذا المطلب ، وأمّا فيه فلا.

خلافا للمحكي عن الراوندي (٦) ، بل في الذخيرة (٧) عن الوسيلة والمعتبر (٨) ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المعتبر ١ : ٤٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٥٣ ، المختلف : ٨٦ ، التذكرة ١ : ٨٧ ، الذكرى : ١٦٠ ، روض الجنان : ٢٢١ ، جامع المقاصد ٢ : ١٢٦.

(٢) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٣) في ص ٤٢٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٢ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ ـ ١٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٧ ـ ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٦١.

(٧) الذخيرة : ٢٣٩.

(٨) الوسيلة : ٧٩ ، المعتبر ١ : ٤٤٦.

٤٢٦

وإن كان فيه نظر ، لأنّ الموجود في نسختهما كما قيل (١) : موضع الصلاة ، بل عن الثانية التصريح باستثناء موضع السجود (٢) ، فانحصر المخالف في الأول.

ولعلّه لإطلاق الأخبار الأول.

ويردّ بتقييده بما مرّ من الإجماع والنبوي سيما مع معارضة الإطلاق لإطلاق الموثّقين والصحيحين ، فلا يبقى إلاّ الأصل المندفع بما ذكر.

والواجب طهارة قدر يجب السجود عليه ، فلو طهر هذا القدر ونجس الباقي من موضع مسجد الجبهة بنجاسة غير متعدّية أو معفوّ عنها ، لم يضرّ.

ثمَّ إنّ كلّ ذلك إذا صلّى على نفس الموضع النجس. ولو ستره بطاهر ، صحّت صلاته ولو في مسجد الجبهة ، بلا خلاف ، وعن التحرير الإجماع عليه (٣).

ويدلّ عليه الأصل ، والأخبار كصحيحتي ابن سنان (٤) وعبد الله الحلبي (٥) ، وروايتي محمد بن مصادف (٦) ومسعدة بن صدقة (٧).

المسألة الرابعة : تكره الصلاة في مواضع :

منها : الحمّام ، ولا خلاف في مرجوحية الصلاة فيه ، للإجماع.

ولمرسلة عبد الله بن [ الفضل ] : « عشرة مواضع لا يصلّى فيها : الطين ، والماء ، والحمّام ، والقبور ، ومسانّ الطرق ، وقرى النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجرى‌

__________________

(١) الحدائق ٧ : ١٩٦.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٣) التحرير ١ : ٣٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٠ ـ ٧٣٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ ـ ١٧٠٣ ، الوسائل ٥ : ٢١٠ ، أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧١٣ ، الوسائل ٥ : ٢٠٩ أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦٠ ـ ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ـ ١٧٠٠ ( وفيهما محمّد بن مضارب ) ، الوسائل ٥ : ٢١١ أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ٦.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٦٠ ـ ٧٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ـ ١٧٠٢ ، الوسائل ٥ : ٢١٠ أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ٥.

٤٢٧

الماء ، والسبخ ، والثلج » (١).

ولا إشكال أيضا في كونها على وجه الكراهة ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، للأصل ، وخلوّ المرسلة عن النهي الحقيقي.

مضافا إلى صحيحة علي (٢) ، وموثّقة عمّار : عن الصلاة في بيت الحمّام ، قال : « إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس » (٣) بجعل إضافة البيت بيانيّة.

فقول الحلبي (٤) بالمنع مع التردّد في الفساد ضعيف شاذّ.

وإنّما الإشكال في تعيين موضع الكراهة منه بعد القطع في تحقّقها في المغسل ، وهو البيت الذي كانوا يغتسلون فيه آخذين فيه الماء من المادة ، ومنه ما يتعارف الآن من البيت الذي بين المادة والمسلخ يجلسون فيه للتنظيف والتدليك ، فإنّه بعينه هو المغسل المتعارف في الصّدر الأول ، وعدم تعارف اغتسالهم فيه ودخولهم المادة لا يضرّ.

فذهب الأكثر ـ ومنهم الصدوق في الفقيه والخصال والشيخ في التهذيب (٥) ، والفاضلان (٦) ، والشهيدان (٧) ـ إلى اختصاص الكراهة بما ذكر وانتفائها في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ الصلاة ب ٦٣ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ١٥٦ ـ ٧٢٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٩ ـ ٨٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٤ ـ ١٥٠٤ ، المحاسن : ٣٦٦ ـ ١١٦ ، الخصال : ٤٣٤ ـ ٢١ ، الوسائل ٥ : ١٤٢ أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٦ و ٧. في النسخ عبد الله بن الفضيل والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. مسانّ الطرق : المسلوك منها : مجمع البحرين ٦ : ٢٦٩ ، معاطن الإبل : مباركة عند الماء.

مجمع البحرين ٦ : ٢٨٢ ، والسبخة : هي أرض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت. مجمع البحرين ٢ : ٤٣٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٦ ـ ٧٢٧ ، الوسائل ٥ : ١٧٦ أبواب مكان المصلي ب ٣٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٤ ـ ١٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ ـ ١٥٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٧٧ أبواب مكان المصلي ب ٣٤ ح ٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٦ ، الخصال : ٤٣٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧٤.

(٦) الموجود في كتب المحقق كراهة الصلاة في الحمام من غير استثناء المسلخ ، انظر : المعتبر ٢ : ١١٢ ، والشرائع ١ : ٧٢ ، والمختصر : ٢٦.

(٧) الشهيد الأول في الذكرى : ١٥٢ ، والدروس ١ : ١٥٤ ، والبيان : ١٣١ ، والشهيد الثاني في روض

٤٢٨

المسلخ ، للأصل ، والشك في دخوله في معنى الحمّام في تلك الأيام ، والصحيح والموثّق المتقدّمين على جعل الإضافة بمعنى اللام ، وتخصيص المغتسل بالحمّام.

وعن التذكرة احتمال ثبوتها فيه أيضا ، للصدق في هذه الأزمان ، مع أصالة عدم تعدّد الوضع (١).

وتعارض بأصالة تأخّر الحادث ، فعدم الكراهة فيه أظهر.

ومنه يظهر عدم الكراهة فيما يلحق بالأول أيضا ما لم يعدّ جزءا منه بحيث يكون معه بيتا واحدا.

ومنها : البيوت المعدّة للغائط ، والمراد به بيت الخلاء ، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام الاستحباب.

مضافة إلى رواية عبيد بن زرارة : « الأرض كلّها مسجد إلاّ بيوت غائط أو مقبرة » (٢).

وقصورها عن إفادة التحريم دلالة وقوّة ـ لمخالفتها للشهرة العظيمة بل الإجماع ـ منع عن الحكم به. فقول المفيد (٣) بعدم الجواز غير سديد ، مع أنّ إرادته الكراهة منه ـ كما هي في كلامه شائعة ـ ممكنة.

وللبول ، لصحيحة محمّد بن مروان (٤) ، ورواية عمرو بن خالد (٥).

وكذا تكره الصلاة وفي محاذي القبلة عذرة وإن لم يكن في بيت الخلاء ،

__________________

الجنان : ٢٢٧ ، والمسالك ١ : ٢٥ ، والروضة ١ : ٢٢١.

(١) التذكرة ١ : ٨٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ـ ١٦٩٩ ، الوسائل ٥ : ١٦٩ أبواب مكان المصلي ب ٣١ ح ٢ وفيها : إلاّ بئر غائط.

(٣) المقنعة : ١٥١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٣ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٧٠ ، المحاسن : ٦١٥ ـ ٣٩ ، الوسائل ٥ : ١٧٤ أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٣ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٦٩ ، المحاسن : ٦١٥ ـ ٤٠ ، الوسائل ٥ : ١٧٥ أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٣.

٤٢٩

لرواية الفضيل بن يسار : أقوم في الصلاة فأرى قدّامي في القبلة العذرة ، فقال : « تنحّ عنها ما استطعت » (١).

ومنها : معاطن الإبل ، لمرسلة ابن الفضل ، المتقدّمة (٢) ، وصحيحة محمّد : عن الصلاة في أعطان الإبل ، فقال : « إذا تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه وصلّ ، ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم » (٣).

وصحيحة علي : عن الصلاة في معاطن الإبل أتصلح؟ قال : « لا تصلح إلاّ أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثمَّ انضح بالماء ثمَّ صلّ » وسألته عن مواطن الغنم أتصلح الصلاة فيها؟ قال : « نعم لا بأس به » (٤).

وموثّقة سماعة : عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم ، فقال : « إذا نضحته بالماء وكان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها ، وأمّا مرابض الخيل والبغال فلا » (٥).

وصحيحة الحلبي : عن الصلاة في مرابض الغنم ، فقال : « صلّ ، ولا تصلّ في أعطان الإبل إلاّ أن تخاف » إلى آخره (٦).

ثمَّ المعاطن وإن كانت مختصّة في كلام أكثر أهل اللغة ـ كالصحاح‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩١ الصلاة ب ٦٣ ح ١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٦ و ٣٧٦ ـ ٨٩٣ و ١٥٦٣ ، المحاسن : ٣٦٥ ـ ١٠٩ ، الوسائل ٥ : ١٦٩ أبواب مكان المصلي ب ٣١ ح ١.

(٢) في ص ٤٢٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٧ الصلاة ب ٦٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ ـ ١٥٠٧ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ١.

(٤) مسائل علي بن جعفر : ١٦٨ ـ ٢٨١ ، ٢٨٢ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ ـ ١٥٠٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٥ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٨ الصلاة ب ٦٣ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١٥٧ ـ ٧٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٥ ، الوسائل ٥ : ١٤٥ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٢.

٤٣٠

والقاموس (١) ، وغيرهما (٢) ـ بمباركها حول الماء ، إلاّ أنّ فتوى أكثر الفقهاء على الكراهة في مطلق مواطنها كافية لإثبات التعميم ، مع أنّ المحكي عن العين والمقاييس (٣) تفسير المعاطن بما يوافق كلام الأكثر ، ويشعر به أيضا الأخبار المقيّدة لها بعدم التخوّف على المتاع.

مضافا إلى المرويّ في الفقيه في جملة المناهي : « إنه نهى أن يصلّي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابض الإبل » (٤) والمربض هو مطلق المأوى.

والتعليل المرويّ في النبوي : « إذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها وصلّوا ، فإنها جنّ من جنّ خلقت » (٥).

وعلى هذا فلا شك في الكراهة في مطلق مواظنها كما تكره في معاطنها.

ولا تحرم كما عن المفيد والحلبي (٦) ، لموثّقة سماعة ، السابقة (٧).

وتخصيص الحرمة بما قبل النضح كما هو مقتضاها لم يقل به أحد من الطائفة ، مع أنه مخالف للشهرة العظيمة ، فالأخبار المثبتة له خارج عن الحجية ، مضافا إلى قصور بعضها عن إثبات الحرمة.

ولا يشترط في الكراهة وجود الإبل بعد صدق الموطن ، للإطلاق.

ولا تكره فيما بركت فيه مرّة ورحلت ، لعدم الصدق.

وهل تكره فيه حال وجودها فيه؟ ظاهر التعليل المذكور ذلك ، ولا يبعد دلالة النهي عن مطلق المرابض والمعاطن عليه أيضا.

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢١٦٥ ، القاموس ٤ : ٢٥٠.

(٢) المصباح المنير ٢ : ٤١٦ ، ولسان العرب ١٣ : ٢٨٦.

(٣) العين ٢ : ١٤ ، المقاييس ٤ : ٣٥٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلّي ب ٢٥ ح ٢.

(٥) كنز العمال ٧ : ٣٤٠ ـ ١٩١٦٧.

(٦) المقنعة : ١٥١ ، الكافي في الفقه : ١٤١.

(٧) في ص ٤٣٠.

٤٣١

وتزول الكراهة بالكنس والنضح عند الخوف على المتاع ، لما مرّ.

وتكره أيضا في مرابض الخيل والبغال ، لموثّقة سماعة ، المتقدّمة. والحمير ، لمقطوعته المتضمّنة لها أيضا (١). والبقر والغنم ، للموثّقة.

وتنتفي الكراهة فيهما دون الثلاثة السابقة بالنضح إذا كان يابسا.

وعليها يحمل ما أطلق نفي البأس في مربض الغنم مطلقا ، أو على خفّة الكراهة.

ومنها : مساكن النمل ، وهي المعبّر عنها في خبر ابن الفضل (٢) : بقرى النمل ، وهي مجتمع ترابها حول جحرها.

وتدلّ عليه أيضا المرويّات في المحاسن وتفسير العيّاشي والعلل (٣).

وعلّلها في الأخيرة بأنه : « ربما آذاه فلا يتمكّن من الصلاة ».

والمستفاد منه الكراهة في مقام قريب من مساكنها أيضا معرض لتأذّى المصلّي بالنمل.

ومنها : بطون الأودية ، للمروي في الفقيه المتقدّم.

وفي العلل : « لا يصلّى في ذات الجيش ولا ذات الصلاصل ولا بطون الأودية » (٤).

من غير فرق بين خوف هجوم السيل وأمنه ، للإطلاق. والتخصيص بالأول ـ لأنه العلّة ـ ضعيف ، مع أنه علّله في العلل بعلّة أخرى.

بل مطلق مجاري المياه ، لفتوى الأصحاب ، ومرسلة ابن الفضل السابقة.

والمراد بها المواضع المعدّة لجريانه وإن لم يكن فيها ماء ، كما هو مقتضى ما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٨ الصلاة ب ٦٣ ح ٣ ، الوسائل ٥ : ١٤٥ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٣.

(٢) راجع ص ٤٢٧.

(٣) المحاسن : ٣٦٦ ـ ١١٦ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٨٦ ، العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار ٨٠ : ٣٢٧ ـ ٢٩.

(٤) العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار ٨٠ : ٣٢٧ ـ ٢٩.

٤٣٢

هو الحقّ في مثل هذا اللفظ من عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق ، والمتعيّن من عدم إمكان الصلاة مع الجريان.

والظاهر عدم شمول الحكم لمثل الساباط الذي على النهر والقنطرة ، لأنه ليس مجرى ولا من البطون.

نعم ، الظاهر كون الصلاة في السفينة الواقعة في المجاري صلاة فيها ، فتكره من هذه الجهة ، وتدلّ عليه أيضا رواية أبي هاشم الجعفري (١).

ومنها : جوادّ الطرق ، وهي الطرق العظمى التي يتكثر سلوكها ، للشهرة.

وصحيحة محمد : « لا تصلّ على الجادّة واعتزال إلى جانبيها » (٢).

وصحيحة الحلبي : « لا بأس بأن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ ، وأمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها » (٣).

وصحيحة ابن عمّار : « لا بأس أن يصلّى بين الظواهر وهي [ الجوادّ ] جوادّ الطرق ، ويكره بأن يصلّى في الجوادّ » (٤).

وتفسير الظواهر هنا بالجوادّ يرفع تنافيها مع سابقتها.

ولو لا الشهرة العظيمة على انتفاء الحرمة ، بل الإجماع كما هو المحكي عن ظاهر المنتهى (٥) ، والمصرّح به في كلام بعض مشايخنا المحقّقين (٦) لم يكن القول بها‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٢ الصلاة ب ٨٨ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩٧ ـ ٩٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ـ ١٦٩٨ ، الوسائل ٥ : ١٦٥ أبواب مكان المصلي ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢١ ـ ٨٦٩ ، الوسائل ٥ : ١٤٨ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٨ الصلاة ب ٦٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٥ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٩ الصلاة ب ٦٣ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧٥ ـ ١٥٦٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٥) المنتهى ١ : ٢٤٧.

(٦) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٤٣٣

ـ كما عن الصدوق والشيخين (١) ـ بعيدا.

والظاهر الكراهة في مطلق الطريق وإن لم يكن جادّة ، لموثّقة ابن الجهم : « كلّ طريق يوطأ فلا تصلّ فيه » (٢).

ورواية ابن الفضيل : « كلّ طريق يوطأ ويتطرّق ، كانت فيه جادّة أو لم تكن ، لا ينبغي الصلاة فيه » (٣).

ومنها : السبخة ، ولا شك في كراهة الصلاة فيها ، والنصوص بها مستفيضة (٤) ، والظاهر منها ارتفاع الكراهة إذا كان موضع السجدة فيها مستوية يتمكن فيه الجبهة ولو بجعله كذلك.

ومنها : مواضع بين الحرمين : البيداء ـ وهو على ميل من ذي الحليفة ممّا يلي مكة ويسمّى ذات الجيش أيضا ـ وذات الصّلاصل ، ووادي الشقرة ـ بفتح الشين وكسر القاف (٥) ـ ووادي ضجنان ـ بالضاد المعجمة المضمومة أو المفتوحة والجيم الساكنة ـ اسم جبل بناحية مكة.

ومنها : بين القبور وعليها وإليها ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر ، وعن صريح الغنية وظاهر المنتهى الإجماع عليه (٦).

أمّا الأول : فلموثّقة عمّار : عن الرجل يصلّي بين القبور ، قال : « لا يجوز ذلك إلاّ أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٦ ، والمقنعة : ١٥١ ، والنهاية : ١٠٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢١ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٨ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٩ الصلاة ب ٦٣ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٥٦ ـ ٧٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٣.

(٤) الوسائل ٥ : ١٥٠ أبواب مكان المصلي ب ٢٠.

(٥) موضع معروف في طريق مكة ، قيل : إنّه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وإنها من المواضع المغضوب عليها. مجمع البحرين ٣ : ٣٥٣.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المنتهى ١ : ٢٤٤.

٤٣٤

من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثمَّ يصلّي إن شاء » (١).

وحديث المناهي : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجصّص المقابر ويصلّى فيها » (٢).

ومقتضاهما وإن كان التحريم إلاّ أنهما حملتا على الكراهة ، التفاتا إلى عدم قائل بالحرمة سوى الديلمي (٣) ، الغير القادح مخالفته في الإجماع على عدم الحرمة.

مضافا إلى معارضتهما مع صحيحة معمّر : « لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة » (٤). وصحيحة زرارة : قلت له : الصلاة بين القبور؟ قال : « صلّ بين خلالها ولا تتّخذ شيئا منها قبلة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك وقال : لا تتّخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فإنّ الله عزّ وجلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (٥) بالعموم من وجه ، لاختصاص الموثّقة بل حديث المناهي ـ بقرينة الموثّقة ـ بعدم التباعد ، واختصاص الصحيحتين بعدم الاتّخاذ قبلة ، فيرجع إلى الأصل وعموم الصحيحين الآخرين : عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ الصلاة ب ٦٣ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ ـ ٨٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٥.

(٢) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلّي ب ٢٥ ح ٢.

(٣) المراسم : ٦٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٨ ـ ٨٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٤ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٣.

(٥) علل الشرائع : ٣٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ١٦١ أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٥.

(٦) الأول في : الفقيه ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٧ ، قرب الإسناد : ١٩٧ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ١. والثاني في : التهذيب ٢ : ٣٧٤ ـ ١٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٤.

٤٣٥

وأمّا الثاني : فللشهرة المحكية في كلام بعض مشايخنا المحدّثين عليه (١) ، وإطلاق حديث المناهي ، ورواية ابن ظبيان : « نهى أن يصلّى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه » (٢).

والنهي فيهما وإن كان حقيقة في التحريم إلاّ أنه يحمل فيهما على الكراهة لئلاّ يلزم استعمال اللفظ في معنييه ، لعدم حرمة التجصيص والقعود والبناء إجماعا ، مضافا إلى عدم قول بالحرمة هنا قطعا.

وبه يدفع دلالة النهي عن جعل القبر مسجدا عليها أيضا مع إمكان حمله على جعله محل السجدة للقبور.

وأمّا الثالث : فلما مرّ من الشهرة المحكية.

وقد يتمسّك له بالموثّقة.

وهي أخصّ من المطلوب ، لدلالتها على المنع مع تعدّد القبور وصدق الوقوع بينها.

وعن الصدوق والمفيد والحلبي فيه التحريم (٣) ، ويعزى إلى المعتبر أيضا (٤) ، للصحيحين المتقدّمين المانعين عن اتّخاذ القبر قبلة ، والموثّقة المتقدّمة ، وحديث المناهي ، ورواية ابن ظبيان.

ويجاب عن الأوّلين : بمنع كون التوجّه إلى القبر لا بقصد استحقاقه لذلك اتّخاذه قبلة ، ولذا لا يقال لمن يصلّي وقدّامه جدار : إنّه اتّخذه قبلة ، بل الظاهر منه جعله مثل الكعبة مستقلا أو مشاركا معها.

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٢١٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠١ ـ ٤٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٦٩ ، المقنع : ٢١ ، الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٨.

(٣) المعتبر ٢ : ١١٥.

٤٣٦

هذا ، مع معارضتهما مع الأخبار الكثيرة الآتية بعضها المصرّحة بجواز الصلاة خلف قبر الإمام عليه‌السلام ، وجعله بين يديه ، بل الترغيب إليها (١) ، بضميمة عدم القول بالفصل ، بل تصريح المفيد بعدم استثنائه (٢).

وعن الثاني : بما مرّ من عدم الدلالة على المطلوب ، وشذوذ القول بمضمونه ، ومعارضته مع ما أكثر منه في العدد وأصحّ من حيث السند.

وجعله أعم وتخصيصه بالصلاة إلى القبر فاسد ، لعدم كون الصلاة إلى القبر فردا من الصلاة بين القبور ، وعلى الفرديّة لا يجوز ذلك التخصيص ، لكونه إخراجا للأكثر.

وعن الأخيرين : بمنع شمولهما للمورد أولا ، ومنع إفادتهما التحريم ثانيا كما أشير إليه.

وبما ذكر ظهر ضعف ما ذكره بعض مشايخنا المحدّثين (٣) ـ بعد تقويته القول بالتحريم في غير قبر الإمام ـ من كون الصحيحين المانعين لاتّخاذ القبر قبلة أخصّ مطلقا من الصحيحين النافيين للبأس عن الصلاة بين القبور فليقدّما عليهما.

وأضعف منه استثناؤه قبر الإمام ، فإنّه مع كونه إحداثا لقول ثالث خلاف صريح صحيحة زرارة المذكورة التي هي من أدلّته ، حيث صرّح فيها بنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اتّخاذ قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلة.

وفي مرسلة الفقيه : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فإنّ الله عزّ وجلّ لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة » (٤).

هذا كلّه في غير قبر المعصوم ، وأمّا فيه فلا ينبغي الريب في مرجوحية استدباره ، بل الظاهر عدم الخلاف فيها ، وهو فيها الحجة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلي ب ٢٦.

(٢) المقنعة : ١٥٢.

(٣) الحدائق ٧ : ٢٢٦.

(٤) الفقيه ١ : ١١٤ ـ ٤٣٢ ، الوسائل ٥ : ١٦١ أبواب مكان المصلّي ب ٢٦ ح ٣.

٤٣٧

مضافا إلى صحيحة الحميري ، وفيها بعد السؤال عن قبر الإمام : « وأمّا الصلاة فإنها خلفه يجعله إماما ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه ، ويصلّي عن يمينه وشماله » (١).

والمروي في الاحتجاج وفيه بعد السؤال عنه : « أمّا الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر أمامه ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأنّ الإمام لا يتقدّم ولا يساوى » (٢).

وهل هي على وجه الكراهة أو الحرمة؟ المشهور هو الأول ، بل ظاهر المنتهى عدم الخلاف فيه (٣).

وقال بعض مشايخنا المحقّقين : الظاهر اتّفاقهم على ترك العمل بظاهر الصحيحة من عدم جواز الصلاة مقدّما على قبره (٤).

وصرّح بعض مشايخنا المعاصرين بعدم وجدان القائل به (٥).

واختار بعض مشايخنا المحدّثين الثاني (٦) ، ونسبه إلى المعتبر وشيخنا البهائي والمحدّث المجلسي (٧).

ولا دلالة لكلام الأوّلين عليه أصلا بل لا يفيد أزيد من الكراهة.

نعم نفى عنه البعد في المفاتيح (٨) ، أخذا بظاهر الخبرين.

ويردّ : بأن مخالفته لشهرة القدماء والمتأخّرين بل الإجماع من الأوّلين أخرجته‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٨ ـ ٨٩٨ ، الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٢) الاحتجاج : ٤٩٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلّي ب ٢٦ ح ٢.

(٣) المنتهى ١ : ٢٤٥.

(٤) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٥) الرياض ١ : ١٤١.

(٦) الحدائق ٧ : ٢٢٠.

(٧) المعتبر ٢ : ١١٥ ، الحبل المتين : ١٥٩ ، البحار ٨٠ : ٣١٥ و ٣١٦.

(٨) المفاتيح ١ : ١٠٢.

٤٣٨

عن حيّز الحجية ، فلا يصلح لإثبات الحرمة.

مضافا إلى أنّ عطف التساوي في الخبر الأخير على التقدّم وأصالة عدم جواز استعمال اللفظ في المعنيين أخرجه عن الدلالة على الحرمة أيضا ، فالكراهة هي الأظهر وإن كان الاجتناب أحوط.

ولا في جواز استقباله (١) ، للأصل ، وعدم دليل على المنع سوى ما مرّ دليلا للمنع عن استقبال القبر مطلقا بجوابه ، فالقول بالتحريم كما عن المشايخ الثلاثة (٢) ضعيف.

وهل يكره؟ كما هو المشهور على ما قيل (٣) ، له ، وللحذر عن مخالفة من ذكر ، واحتمال كونه المراد من اتّخاذه قبلة ، والمروي في الأمالي : إذا أتيت قبر الحسين عليه‌السلام أجعله قبلة إذا صلّيت؟ قال : « تنحّ هكذا ناحية » (٤).

أو يستحب؟ كما ذكره بعض مشايخنا (٥) واستعجب ممّن قال بالكراهة ، تمسّكا بتصريح بعض الروايات باستحباب الصلاة خلف قبر أبي عبد الله عليه‌السلام ، كالمروي في كامل الزيارة في حديث زيارة الحسين عليه‌السلام : « من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله تعالى لقي الله يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى كلّ شي‌ء يراه » (٦).

وفيه أيضا : « إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد الله عليه‌

__________________

(١) عطف على قوله : في مرجوحية استدباره في ص ٤٣٧.

(٢) الصدوق في الفقيه ١ : ١٥٦ ، والمفيد في المقنعة : ١٥٢ ، والطوسي في النهاية : ٩٩.

(٣) الحدائق ٧ : ٢٢٤.

(٤) لم نجده في الأمالي وهو موجود في كامل الزيارات : ٢٤٥ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٥١٩ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٩ ح ٦.

(٥) الرياض ١ : ١٤١.

(٦) كامل الزيارات : ١٢٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب مكان المصلّي ب ٢٦ ح ٦.

٤٣٩

السلام تجعله بين يديك ثمَّ صلّ ما بدا لك » (١).

وأيضا : هل يزار والدك؟ قال : « نعم ويصلّى خلفه ولا يتقدّم عليه » (٢) ولصحيحة الحميري ورواية الاحتجاج ، المتقدّمتين.

أقول : التحقيق أنه إن أريد استحباب مطلق الصلوات فيه بمعنى رجحانه وأكثريّة ثوابه بالنسبة إلى سائر الأفراد الخالية عن جهتي الرجحان والمرجوحيّة ـ كما هو المراد من الاستحباب في العبادات ـ فتعارض الروايات المستندة إليها الشهرة على الكراهة ورواية الأمالي ، ولا ترجيح.

مع أنّ في دلالة الروايات عليه أيضا نظرا :

أما الأخيرتان فظاهر ، وكذا السابق عليهما ، إذ لا يدل على الأزيد من إباحة الصلاة خلفه أو مع نوع من الرجحان الإضافي.

وأمّا السابقان عليه : فلأنه يمكن أن يكون المراد منهما استحباب صلاة خلفه لا استحباب مطلق الصلاة خلفه.

والتوضيح : أنّ المطلوب استحباب إيقاع الصلاة المأمور بها وجوبا أو ندبا مطلقا خلفه ، وهو غير استحباب أن يصلّى خلفه صلاة ، فإنّ استحباب صلاة في موضع غير استحباب الصلاة فيه ، والاستحباب الأول بالمعنى المصطلح دون الثاني ، ولذا يصحّ أن يقال : من اشترى دارا جديدة يستحب أن يصلّي فيها صلاة ، ولا يقال : يستحب إيقاع الصلاة في الدار الجديدة.

وإن أريد استحباب الصلاة المطلقة خلفه ردّا على من يكرهها مطلقا ، فهما يدلاّن عليه.

ولا تضرّهما معارضة الشهرة المحكية ورواية الأمالي ، لعمومهما مطلقا بالنسبة إليهما ، ولكن يكون ذلك مخصوصا بخلف قبر الحسين عليه‌السلام ،

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٤٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٥١٧ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٩ ح ١.

(٢) كامل الزيارات : ١٢٣ ـ ٢ ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب مكان المصلّي ب ٢٦ ح ٧.

٤٤٠