مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

المسألة الأولى : يشترط في مكان المصلّي : الإباحة ، بأن يكون مباح الأصل ، أو مملوكا له عينا أو منفعة ، أو مأذونا فيه خصوصا أو عموما ولو بالفحوى أو شاهد الحال. فيحرم الصلاة في ملك الغير بغير إذنه بأحد الطرق الثلاثة ، بالإجماع المقطوع به ، لأنّها تصرّف ، وهو في ملك الغير بغير إذنه غير جائز باتّفاق جميع الأديان والملل.

ويدلّ عليه عموم الروايتين المتقدّمتين في مسألة اللباس الغصبي (١).

ويلزمه بطلان الصلاة كما هو الحقّ المشهور ، بل هو أيضا إجماعي عند الشيعة ، لأنّ نفس الكون ـ بل الركوع والسجود ـ التي هي من أجزائها تكون منهية عنها ، والنهي في العبادة يوجب الفساد.

ويدلّ عليه المرويان في غوالي اللئالي وتحف العقول المنجبر ضعفهما بفتوى الجلّ بل الكلّ :

الأول : سأله بعض أصحابه فقال : يا ابن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ما حال شيعتكم فيما خصّكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال عليه‌السلام : « ما أنصفناهم إن وأخذناهم ، ولا أحببناهم إذا عاقبناهم ، بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم » الحديث (٢) ، دلّ على عدم صحة العبادة مع عدم إباحتهم المساكن.

والثاني : « انظر في ما تصلّي وعلى ما تصلّي ، فإن لم يكن على وجهه وحلّه فلا قبول » (٣).

__________________

(١) في ص ٣٦١.

(٢) العوالي ٤ : ٥ ـ ٢ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٣.

(٣) تحف العقول : ١٧٤ ، الوسائل ٥ : ١١٩ أبواب مكان المصلي ب ٢ ح ٢.

٤٠١

ورواه في بشارة المصطفى أيضا كما مرّ في اللباس (١).

وأمّا ما توهّمه بعض من قاربنا عصره من عدم توقّف هذا النوع من التصرّفات على الإذن من المالك ، لثبوت الإذن من الشارع ، للإجماع عليه ، حيث إنّا نرى المسلمين في الأعصار والأمصار بل الأئمة وأصحابهم يصلّون ويمرّون في صحارى الغير وبساتينهم وحمّاماتهم وخاناتهم ، وفي أملاك من لا يتصوّر في حقّه الإذن ، كالصغير والمجنون ، وفي أملاك من يكون الظاهر عدم إذنهم ، لمخالفتهم في العقائد (٢).

ففيه : أنه يمكن أن تكون هذه التصرّفات منهم للعلم بالرضا أو الظن بشاهد حال أو نحوه ، ولم يثبت عندنا تصرّفهم في الزائد على ما ظنّ فيه ذلك بحيث يبلغ حدّ الإجماع بل الاشتهار كما لا يخفى.

وأمّا نحو أملاك الصغير والمجنون فهما وإن لم يصلحا للإذن إلاّ أنه لا يخلو أحدهما عن ولي ولو كان الولي العام ، وإذنه قائم مقام إذنه قطعا ، فالعلم به أو الظن كاف في الجواز.

وقد يتأيّد ذلك بما ورد في الأخبار من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جعلت لي الأرض مسجدا » (٣).

وما ورد من قوله تعالى : « جعلت لك ولأمتك الأرض كلّها مسجداً » (٤).

وفيه : أنّ المراد منه جواز السجود والصلاة في كلّ موضع من الأرض لا مانع فيه من غير هذه الجهة ، في مقابل أهل بعض الأديان الأخر حيث لم يجز لهم الصلاة إلاّ في معبد خاص.

__________________

(١) راجع ص ٣٦٣.

(٢) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( المخطوط ).

(٣) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٤ ، المجالس : ١٧٩ ـ ٦ ، الوسائل ٥ : ١١٧ أبواب مكان المصلّي ب ١ ح ٢.

(٤) الخصال : ٤٢٥ ـ ١ ، علل الشرائع : ١٢٧ ـ ٣.

٤٠٢

وهل يكفي في شاهد الحال بل مطلق الإذن المزيل للتحريم الموجب لصحة الصلاة حصول الظن بالرضا ، أم يتوقّف على العلم به؟ الأظهر الأشهر ـ كما صرّح به في الحدائق (١) ـ الأول ، لأصالة جواز التصرّف في كلّ شي‌ء ، السالمة عمّا يصلح للمعارضة ، إذ ليس إلاّ الإجماع المنتفي في المقام قطعا. واستصحاب حرمة التصرّف المعارض باستصحاب جوازه لو كانت الحالة السابقة العلم بالرضا ، والمردود بأنّ المعلوم أولا ليس [ إلاّ ] (٢) حرمة التصرّف ما دام عدم الظن بالرضا بشرطه ، دون الزائد. والروايتان المتقدّمتان في مسألة اللباس المردودتان بالضعف الخالي عن الجابر في المقام ، مع ضعف دلالة ثانيتهما لعدم العلم بمتعلّق عدم الحلية بأنه هل يعمّ جميع التصرفات حتى غير المتلفة أيضا أم لا.

وجعل المال في المقام هو الانتفاع في المكان بالاستقرار بقدر الصلاة فيتلف بالصلاة ، مردود بعدم معلومية صدق المال عرفا على هذا القدر من الانتفاع.

ومنه يظهر ما في رواية تحف العقول ، وضعف الاستدلال بقوله عليه‌السلام : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه » (٣) أيضا.

ويؤيّد الجواز مع الظن ما يشاهد من عمل المسلمين من العلماء والأتقياء والخواصّ والعوام ، بل الأئمة وأصحابهم عليهم‌السلام من الصلاة في الدّور والحمّامات والخانات والبساتين والصحاري ونحوها ، فإنّ الظاهر عدم حصول الزائد على الظن في الأغلب سيما بتغيّر بعض الحالات وتفاوت الاعتبارات.

بل لو لا خروج صورة احتمال الرضا بالإجماع ولا أقلّ من الشهرة الجابرة لاولى الروايتين الناهية عن التصرّف بغير الإذن المستدعي لحصول الإذن الواقعي الغير المعلوم في غير صورة العلم بالإذن ، لقلنا بالجواز فيها أيضا ، ولكنها بما ذكر خارجة.

__________________

(١) الحدائق ٧ : ١٧٦.

(٢) تحف العقول : ٢٤ ، الوسائل ٥ : ١٢٠ أبواب مكان المصلّي ب ٣ ح ٣.

(٣) أضفناه لاستقامة المتن.

٤٠٣

خلافا لجماعة من الأصحاب منهم صاحب المدارك (١) فأوجبوا العلم.

لأصالة عدم جواز العمل بالظن إلاّ مع دليل ، ولا دليل يعتمد عليه هنا.

ولأن المناط في جواز التصرف في ملك الغير الإذن ، ولا يعلم حصوله بمجرد ظنّه.

ويضعّف الأول : بأنه إنّما يفيد في مقام كان الأصل فيه العدم ، وليس هنا كذلك ، إذ لم تثبت حرمة التصرّف إلاّ مع العلم بعدم الرضا أو احتماله.

والثاني : بمنع كون المناط ذلك ، بل القدر الثابت أنه ما مرّ من العلم أو الظنّ بالإذن.

وإذ قد عرفت اشتراط كون مكان الصلاة مباحا أو مأذونا فيه علما أو ظنّا ، يظهر عدم جواز الصلاة في المكان المغصوب لا للغاصب ولا لغيره ، لعدم حصول الظن برضا المالك بالتصرّف فيه.

أمّا للغاصب : فظاهر.

وأمّا لغيره : فلأنّ في منعه عن أنواع التصرّفات تضيّقا على الغاصب وانتقاما منه قطعا ، ومعه يحتمل قويّا بل يظنّ غالبا ، بل يعلم أحيانا عدم رضا المالك بتصرّفه فيه ، فيكون محرّما.

فتبطل معه الصلاة ، لما مرّ من قاعدة عدم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد ولو من جهتين ، التي هي قاعدة بديهيّة مجمع عليها بين الشيعة ( والمعتزلة ) (٢) كما ذكرناها مفصّلا في كتبنا الأصولية ، وإن تكلّم فيها بعض متأخّري المتأخّرين من أصحابنا (٣) تبعا للأشاعرة بما لا يصلح صدوره عمّن له نظر في المعقول ، وإنّما هو شأن من ليست له قوة التجاوز عن المحسوس والمسموع.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢١٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في ( ق ).

(٣) الحدائق ٧ : ١٦٤.

٤٠٤

وقد تعدّى بعضهم ونسب الخلاف فيه إلى بعض علمائنا من المتقدّمين والمتأخّرين ، منهم : الفضل بن شاذان (١).

وهو افتراء وامتراء وقصور عن فهم كلماتهم ، كما بيّنّاه مفصّلا في شرح تجريد الأصول والمناهج.

هذا ، مع أنّ بطلان الصلاة في المكان المغصوب مجمع عليه ، ودعوى الإجماع عليه مستفيضة بل متواترة ، وقد صرّح به في الناصريّات ونهاية الإحكام والمنتهى والذكرى وشرح القواعد والمدارك (٢) ، وفي الذخيرة نفي الخلاف فيه (٣).

ولا يقدح فيه مخالفة بعض قدمائنا (٤) فإنه شاذّ نادر ، ولأجلها توهّم من توهّم مخالفته في قاعدة عدم اجتماع الأمر والنهي ، وهو توهّم فاسد.

فروع :

أ : إذ قد عرفت أنّ المناط في بطلان الصلاة في المكان الغصبي حرمة التصرّف فيه المستندة إلى عدم العلم أو الظنّ برضا المالك ، فلا تبطل فيما لا يحرم كصلاة المالك.

وتوهّم بطلان صلاته أيضا ـ لصدق الصلاة في المكان المغصوب ـ فاسد ، إذ لم يرد بهذه العبارة نصّ حتى يحكم بمقتضى إطلاقه.

وفي حكم المالك : الموقوف عليه الخاص كأولاد زيد ، أو العام كالفقراء والمسلمين والعلماء ، فتجوز لكلّ منهم الصلاة فيما غصب عنهم ، سواء كان وقفا للصلاة ، كالمسجد الموقوف على أشخاص أو على العام ، أو لغيرها إذا لم تكن الصلاة مخالفة لجهة الوقف ولم يتعلّق به حقّ واحد معيّن ، كموضع من المسجد‌

__________________

(١) انظر البحار ٨٠ : ٢٧٩.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٤٠ ، المنتهى ١ : ٢٤١ ، الذكرى : ١٤٦ ، جامع المقاصد ٢ : ١١٦ ، المدارك ٣ : ٢١٧.

(٣) الذخيرة : ٢٣٨.

(٤) هو الفضل بن شاذان نقله عنه في الكافي ٦ : ٩٤ الطلاق ب ٢٩.

٤٠٥

الذي سبق إليه واحد ، أو خان استأجره أحد من المتولّي الشرعي.

إذ كان لكلّ منهم التصرّف فيه قبل الغصب من غير توقّف على رضا أحد ، فكذا بعده ، للاستصحاب.

ولأنّ من يتوهّم التوقّف على رضاه وعدم تحقّقه إمّا هو الواقف ، أو سائر الموقوف عليهم ، أو المتولّي الشرعي إن كان ، والكلّ باطل :

أمّا الواقف : فظاهر ، إذ لا اعتبار لرضاه فيما لا يخالف جهة الوقف بعد الوقف ولزومه قطعا ، ولذا لو نهى أحدا من المسلمين عن الصلاة في المسجد الذي وقفه ، أو عن السكنى في الخان الذي وقفه على المسلمين لا يلتفت إليه أصلا.

مع أنه إن أريد عدم رضاه حال حياته فلا أثر له بعد موته ما لم يقيّده في عقد لازم.

وإن أريد عدمه حين الصلاة فعلا وإن كان ميّتا فهو ليس بمحل للرضا وعدمه ، وفرض عدم الرضا لو كان حيّا لا يصير منشأ للأحكام.

وكذا سائر الموقوف عليهم في الوقف العام ، فإنّ تصرّف كلّ منهم لا يتوقّف على رضا الباقين ، بل بعد تصرّف واحد لا يؤثّر منع غيره ، ولذا لا يشترط في التصرّف في الوقف على الفقراء إذن جميع فقراء العالم ، ولو تصرّف فيه بعضهم لا تجوز مزاحمة غيره له فيه.

وأمّا المتولّي الشرعي : فلأنّ القدر الثابت من الاختيار له والتولية ليس على حدّ يتجاوز إلى توقف أمثال هذه التصرّفات على إذنه ، وعدم ثبوت إجماع ولا دلالة نصّ على توقّف جواز هذا النوع من التصرّفات على إذن المتولّي.

ويزيد وضوحا فيما إذا كان وقفا للصلاة كالمسجد ، أو للسكنى المتضمّنة لإيقاع الصلاة كالحمّامات والخانات والرباطات ونحوها ، فإنها موقوفة لصلاة كلّ أحد فيه ، فلا وجه لبطلانها.

وفي الكلّ إنّ الأصل جواز هذا النوع من التصرّف لكلّ أحد في كلّ مال ، وعدم تأثير منع المالك فيه ، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو‌

٤٠٦

الرجل في ملك الغير بدون إذنه إذا لم يتضرّر به ، بل ولو مع منعه كما في الاستظلال بظلّ جداره والاستضاءة بضوء سراجه ، وإنّما المانع الدليل الشرعي ، وليس إلاّ الأخبار أو الإجماع.

أمّا الأخبار ـ فمع عدم صراحتها ، بل ولا ظهورها في أمثال هذه التصرّفات ، وعدم معلومية شمولها للموقوفات ولا للموقوف عليهم ـ ضعيفة لا تصلح للحجية في غير مورد الانجبار والاشتهار ، وهو في غير صورة العلم بعدم إذن المالك في المملوك الطلق أو مع احتمال عدم الإذن غير معلوم.

وأمّا الإجماع : فظاهر ، كيف؟! ويدّعي بعضهم الإجماع على جواز هذه التصرّفات وأنّها كالاستظلال بظلّ الحائط ما لم يتضرّر المالك مطلقا (١).

هذا كله ، مع أنه على القول بكون الوقف مطلقا أو العام منه ملكا لله سبحانه يكون الأمر أظهر ، بل يتعدّى الكلام حينئذ إلى غير الموقوف عليهم أيضا.

ومن ذلك يظهر تطرّق الخدش ـ في منع غير الموقوف عليه في الوقف العامّ عن أمثال هذه التصرّفات بدون الإذن ـ في جواز منع الموقوف عليه لغيره وتأثيره فيه ، كمنع غير الفقير من الصلاة في الملك الموقوف على الفقراء.

والأحوط عدم صلاة غير الموقوف عليه في الوقف العام المغصوب.

ولو أذن له واحد من الموقوف عليهم جازت صلاته وصحّت.

وهل يكفي إذن واحد لغير الموقوف عليه في الوقف الخاص؟ فيه نظر.

ومن الوقف على المسلمين : الوقف على مصالحهم ، كالوقف على المساجد المكرّمة والمشاهد المعظّمة والرباطات والمزارات والمدارس ، فيجوز لكلّ منهم الصلاة فيه ولو غصبه غاصب ونحوها ، بل الظاهر جواز هذه الأنواع من التصرّفات للمؤمنين في ما لا مالك معيّنا له الذي هو مال الإمام ولو مع الغصب ، لأنّ الظاهر من حاله رضاه بها لشيعته ، بل هو الظاهر من تتبّع أخبارهم في أنفالهم‌

__________________

(١) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( المخطوط ).

٤٠٧

وأموالهم ، إلاّ للغاصب ، لعدم العلم برضاه عليه‌السلام بذلك ، بل الظاهر عدم رضاه.

فائدة‌ : الطهارة في مجاري المياه الموقوفة المغصوبة والشرب منها واستعمالها ، والمجاري المجهول مالكها إذا غصبت ، كالصلاة في الأماكن الموقوفة بلا تفاوت ، فيجوز تلك فيما يجوز هذه ، والوجه واحد.

ب : ما ذكر في المكان المغصوب إنّما هو مع العلم بالغصبية وبحكمها ، وأمّا الجاهل بها أو به أو الناسي لها أو له فليس كذلك ، بل حكمه كما مرّ في اللباس.

ج : لا فرق بين الفريضة والنافلة كما صرّح به جماعة (١) ، ويقتضيه القاعدة وإطلاق الفتاوى والرواية وكثير من الإجماعات المحكية.

خلافا للمحكي عن المحقّق ، فقال بصحة النافلة ، لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها ، فإنها تصحّ ماشيا موميا للركوع والسجود ، فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به (٢).

وفيه ـ بعد تسليمه ـ : أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك لا إن قام وركع وسجد ، فإنّ هذه الأفعال وإن لم تتعيّن عليه لكنها أحد أفراد الواجب فيها. مع أنّ الأمر بالخروج لو كان مفيدا لم يتفاوت بين الفريضة والنافلة أيضا إذا ضاق الوقت وجاز فعل الفريضة أيضا ماشيا مومئا.

__________________

(١) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٤٢ ، والتذكرة ١ : ٨٧ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٥٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٣٨ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٠ : ٢٨٣ ، وصاحب الرياض ١ : ١٣٨.

(٢) لم نعثر عليه في كتب المحقق ، نعم ذكر في كشف اللثام ١ : ١٩٤ ، هذا لفظه : وعن المحقق صحة النافلة لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها يعني أنها تصح ماشيا مومئا .. ولعلّ مستنده كلام الذكرى : ١٥٠ حيث قال : حكم النافلة حكم الفريضة هنا ، وكذا الطهارة ، وفي المعتبر : لا تبطل في المكان المغصوب لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا. ويشكل بأن الأفعال المخصوصة ..

بتوهم أنّ قوله : لا تبطل راجع إلى النافلة. وهو غير صحيح وإنما هو راجع إلى الطهارة فراجع المعتبر ٢ : ١٠٩.

٤٠٨

د : لو أذن المالك في الكون في ملكه ثمَّ أمر بالخروج بعد الاشتغال بالصلاة يتمّ الصلاة مستقرّا فيه على الأظهر ، اتّسع وقتها أم ضاق ، وفاقا للذكرى والبيان (١) ، لما مرّ من أصالة جواز هذا النوع من التصرّفات ، وعدم ثبوت حرمته إلاّ بواسطة الإجماع المفقود في المقام ، أو الأخبار الموقوفة حجيتها على الانجبار الغير الثابت هنا ، مع أنها على فرض حجيتها تعارض ما دلّ على حرمة قطع الصلاة ووجوب الاستقرار فيها وإتمام الركوع والسجود ، فيرجع إلى أصل جواز هذا التصرّف.

خلافا للمحكي عن جماعة ، فيتمّ الصلاة وهو خارج (٢) ، وللمحكي عن الشيخ والمحقّق (٣) ، والمدارك (٤) ، فمع ضيق الوقت كالسابق ، ومع سعته يقطع الصلاة ، لعدم ثبوت حرمة القطع فيما إذا توقّف درك جميع أجزاء الصلاة وشرائطها عليه.

وللمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه ، فمع إذن المالك في الصلاة أوّلا يتمّ مستقرّا ، ومع إذنه في الكون يحتمل الإتمام ، والقطع ، والخروج مصلّيا مع الاتّساع ، كما في بعض كتبه (٥) ، أو غير الثاني كما في بعض آخر.

وللمحكي عن روض الجنان ، فيتمّ مع الإذن في الصلاة مطلقا ، ويخرج مصلّيا في الضيق ويقطع مع السعة مع الإذن في الكون أو الدخول بشاهد الحال أو الفحوى (٦).

كلّ ذلك لوجوه إحدى مقدماتها : استلزام عدم الخروج لارتكاب المنهي عنه‌

__________________

(١) الذكرى : ١٥٠ ، البيان : ١٢٩.

(٢) نسبه إلى جماعة في الحدائق ٧ : ١٧٣.

(٣) الشيخ في المبسوط ١ : ٨٥ ، ونسبه في الحدائق ٧ : ١٧٣ إلى المحقق.

(٤) المدارك ٣ : ٢٢٠.

(٥) انظر : التذكرة ١ : ٨٧ ، والقواعد ١ : ٢٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٤٢.

(٦) روض الجنان : ٢٢٠.

٤٠٩

وحرمة الكون مع الأمر بالخروج.

وثبوت النهي والحرمة في المورد ممنوع ، لفقد الإجماع أو الشهرة الجابرة لأخباره ، مع أنّ انصراف إطلاقها إلى مثله غير معلوم.

ولو سلّم يعارض أدلّة النهي عن إبطال الصلاة أو الأمر بها مع تمام أجزائها وشرائطها ، ويبقى الأصل خاليا عن المعارض.

ومنه يظهر وجوب الاشتغال بالصلاة لو لم يشتغل أيضا إذا ضاق وقتها.

هـ : لو حبس أحد في مكان مغصوب أو أجبر على الكون فيه ، صحّت صلاته فيه قطعا ، لانتفاء النهي الموجب للفساد.

و : تصحّ الصلاة تحت السقف أو الخيمة المغصوبين مع إباحة المكان ، للأصل.

وقد يستشكل فيها لأجل كونها تصرّفا في المغصوب ، إذ التصرّف في كلّ شي‌ء بحسب ما يليق به وأعدّ له ، ولا ريب أنّ الغرض منهما هو الجلوس تحتهما (١).

ويردّ : بمنع كونه تصرّفا جدّا ، والاستعمال أحيانا لا يثبت الحقيقة لكونه أعم منها ، مع أن المسلّم من الاستعمال أيضا إنّما هو مع منع المالك عن رفع سقفه أو خيمته ، وإلاّ فلو فرض نصب الخيمة في ملك الغير فجلس الغير في ملكه لا يقال : إنه تصرّف في الخيمة ، أصلا ، وإلاّ لزم بطلان الصلاة في ضوء سراج مغصوب ، والانتفاع من كلّ شي‌ء إنما هو بحسبه دون التصرّف.

سلّمنا كونه نوعا من التصرّف ولكن حرمته ممنوعة جدّا ، لعدم الدليل عليها ، فإنّ الإجماع هنا مفقود ، والأخبار ضعيفة ، وفي المقام غير منجبرة.

ز : لا تجوز الصلاة على الفرش أو السرير المغصوبين ولو كانا على مكان مباح ، ولا المباحين إذا كانا على مكان مغصوب ، ولا على الدابة المغصوبة أو السرج المغصوب. والوجه ظاهر في الكلّ.

__________________

(١) انظر الحدائق ٧ : ١٧٥.

٤١٠

المسألة الثانية : في جواز تساوي الرجل والمرأة في موقف الصلاة أو تقدّمها مع عدم الحائل ولا البعد عشرة أذرع سواء كانت المرأة أجنبيّة أو محرما ، أقوال :

الأول : الجواز مع الكراهة ، ذهب إليه السيّد (١) ، والحلّي وفخر المحقّقين (٢) ، ومعظم المتأخّرين (٣) ، بل ادّعي إجماعهم عليه (٤) ، ويحتمله كلام الشيخ في الاستبصار (٥).

والثاني : الحرمة ، اختاره الشيخان والحلبي وابن حمزة (٦) ، بل كما قيل : أكثر القدماء (٧) ، وعن الخلاف والغنية : الإجماع عليه (٨).

الثالث : المنع إلاّ مع الفصل بقدر عظم الذراع ، نقل عن الجعفي (٩).

وظاهر المحقّق في النافع (١٠) ، والصيمري (١١) ، والمقداد (١٢) : التردّد.

والأقرب الأول.

أمّا الجواز : فللأصل ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها المصرّحة بعدم المنع.

__________________

(١) حكاه عن مصباحه في السرائر ١ : ٢٦٧.

(٢) السرائر ١ : ٢٦٧ ، الإيضاح ١ : ٨٨.

(٣) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٧١ ، والمعتبر ٢ : ١١٠ ، والعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٤٩ ، والقواعد ١ : ٢٨ ، والتحرير ١ : ٣٣ ، والشهيد في الذكرى : ١٥٠ ، والبيان : ١٣٠ ، والدروس ١ : ١٥٣ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٢٠ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٢١.

(٤) الرياض ١ : ١٣٨.

(٥) الاستبصار ١ : ٣٩٨.

(٦) المفيد في المقنعة : ١٥٢ ، الطوسي في النهاية : ١٠٠ ، لم نعثر على المسألة في الكافي للحلبي ، ابن حمزة في الوسيلة : ٨٩.

(٧) الرياض ١ : ١٣٨.

(٨) الخلاف ١ : ٤٢٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(٩) حكاه عنه في الذكرى : ١٥٠.

(١٠) النافع : ٢٦.

(١١) حكاه عنه في الرياض ١ : ١٣٨.

(١٢) التنقيح ١ : ١٨٥.

٤١١

إمّا مطلقا ، كصحيحة جميل ، وروايته :

الاولى : « لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد » (١).

وعدم انطباق التعليل بالاضطجاع على الحكم بجواز الصلاة لا يخرج حكمه عليه‌السلام عن الحجية ، مع أنّ في عدم انطباقه نظرا ، لأنّ تفرقة الفقهاء بين الصلاة وغيرها لا تدلّ على التفرقة في الواقع ، فلعلّه لم يكن بينهما فرق فاستدلّ عليه‌السلام بأنها لو لم تجز لكان لأجل نفس تقدّمها ، وهو غير صالح للمنع ، لاضطجاع عائشة. وأمّا بعض الأخبار الفارقة فلا يثبت أزيد من التفرقة في الكراهة كما يأتي ، ومجرّدها لا يثبت منافاة علّة نفي البأس الذي هو التحريم للكراهة ، وعلى هذا فلا وجه لتوهّم التصحيف في الرواية أو تأويلها بوجوه بعيدة.

والثانية : في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذائه ، قال : « لا بأس » (٢).

وخبر العلل : عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف ، قال : « مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد » (٣).

أو في مكة الموجبة لعدم المنع في غيرها أيضا بالإجماع المركّب قطعا ، كصحيحة الفضيل المروية في العلل : « إنّما سمّيت مكّة بكةّ لأنّه تبكّ بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس ، وإنّما يكره في سائر البلدان » (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٩ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٢٢ أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٢ ـ ٩١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ ـ ١٥٢٧ ، الوسائل ٥ : ١٢٥ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٦.

(٣) لم نعثر عليه في علل الشرائع ولا فيما يرويه في البحار عن علل محمّد بن علي بن إبراهيم ونسبه في كشف اللثام ١ : ١٩٥ إلى عيسى بن عبد الله القمي وكذا في الجواهر ٨ : ٣٠٦ ولم نعثر عليه أيضا في المصادر الحديثية.

(٤) العلل : ٣٩٧ ـ ٤ ، الوسائل ٥ : ١٢٦ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١٠.

٤١٢

أو إذا كان بينهما قدر ما يتخطّى أو قدر عظم الذراع وصلّت بحذائه وحدها ، كصحيحة زرارة (١).

أو قدر شبر وصلّت بحذائه وحدها وهو وحده كصحيحة ابن وهب (٢).

أو قدر شبر أو ذراع ، كصحيحة أبي بصير (٣).

أو موضع رجل كصحيحة حريز (٤).

وحمل هذه الأنواع الأربعة على تقدّم الرجل بهذا القدر لا وجه له ، وشرط القدر المذكور فيها لا يدلّ عليه ، لاحتمال كراهة القرب المفرط ، مضافا إلى أنه يوجب خروج الأكثر وهو غير جائز في التخصيص.

وهي وإن كانت نافية للبأس في هذه المقادير فصاعدا إلاّ أنه يتعدّى إلى ما دونها بالإجماع المركّب ، إذ لا قائل بالتحديد بها إلاّ ما نقل عن الجعفي ، وهو لشذوذه غير قادح في الإجماع ، ومع ذلك قوله مختص بالتحديد بعظم الذراع ، والدالّ عليه من الأخبار قليل ، ومع ذلك معارض بما دلّ على ارتفاع المنع بالشبر وهو أقل من عظم الذراع.

ولا يرد المعارضة بجواز العكس بأن يثبت بمفاهيمها المنع فيما دون هذه المقادير ويتعدّى إلى ما فوقها بالإجماع المركّب ، لإيجابه فساد المنطوق بخلاف الأصل ، فإنّ حمل البأس في المفهوم على مرتبة من الكراهة ممكن.

أو إذا كان سجودها مع ركوعه ، كمرسلتي ابني بكير وفضّال (٥) ، يعني إذا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٩ ـ ٧٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٢٥ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٨.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٩ ـ ٧٤٧ ، الوسائل ٥ : ١٢٥ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٨ الصلاة ب ١٥ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٣٠ ـ ٩٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥٢١ ، الوسائل ٥ : ١٢٤ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٨ الصلاة ب ١٥ ح ١ ، الوسائل ٥ : ١٢٦ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٩ الصلاة ب ١٥ ح ٧ ، الوسائل ٥ : ١٢٨ أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٩ ـ ١٥٢٤ ، الوسائل ٥ : ١٢٧ أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٣.

٤١٣

كانت حال سجودها مقارنة لحال ركوعه حتى لا يتمكن له النظر إليها حال السجود التي هي حالة الكشف غالبا.

والحمل على إرادة كون موضع سجودها محاذيا لموضع ركوعه حتى يكون مقدّما بهذا القدر خلاف الظاهر.

وأمّا الكراهة : فللاحتراز عن مخالفة القائلين بالحرمة ، ورواية العلل المتقدّمة ، بل سابقها على أن يكون معنى قوله : « ولا تعيد » أي مثل ذلك العمل ، وإن كان المراد : لا تعيد الصلاة لم تدلّ على المطلوب ، وسائر الروايات المتأخّرة عنها فيما دون المقادير المذكورة.

وصحيحة ابن أبي يعفور : أصلّي والمرأة إلى جنبي تصلّي ، فقال : « لا ، إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت » الحديث (١). على أن يكون المراد التقدّم في الصلاة دون الموقف ، وإلاّ فيتعارض الصدر والذيل بضميمة الإجماع المركّب ، بل يكون دليلا على مطلق الجواز بالتقريب المقدّم.

وصحيحة محمّد : عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعا؟ فقال : « لا ، ولكن يصلّي الرجل فإذا صلّى صلّت المرأة » (٢). وقريبة منها رواية أبي بصير (٣).

وصحيحة إدريس القمي : عن الرجل يصلّي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنبا ، فقال : « إن كانت قاعدة فلا تضرّه ، وإن كانت تصلّي فلا » (٤).

وموثّقة الساباطي : عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : « لا يصلّي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، فإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، وإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩٠٩ ، الوسائل ٥ : ١٢٤ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٨ الصلاة ب ١٥ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٩ ـ ١٥٢٢ ، الوسائل ٥ : ١٣١ أبواب مكان المصلي ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٤ ، الوسائل ٥ : ١٣٢ أبواب مكان المصلي ب ١٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٨ الصلاة ب ١٥ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩١٠ ، الوسائل ٥ : ١٢١ أبواب مكان

٤١٤

كانت تصيب ثوبه » الحديث (١).

والاستدلال بهذه الروايات الخمس وما يقربها على المنع والتحريم غير جيّد ، لعدم دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام الإنشاء على الأزيد من الرجحان فعلا أو تركا.

والروايات المصرّحة بأنه لا ينبغي أن تصلّي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره كصحيحة زرارة (٢) ، وأن يصلّي كلّ منهما في زاوية بيت إلاّ أن يكون بينهما ستر كالمروي في مستطرفات السرائر (٣) وصحيحة محمّد (٤) على بعض النسخ. وإثبات المنع بها ـ كبعضهم ـ غير صحيح أيضا ، إذ لو لم نقل بظهور : « لا ينبغي » في الكراهة فلا شك في عدم إفادته الحرمة.

احتجّ الثاني : باستصحاب الشغل ، والإجماع المنقول ، وكثير من الروايات المتقدّمة.

وبصحيحة محمد : في المرأة تصلّي عند الرجل ، قال : « إذا كان بينهما حاجز فلا بأس » (٥).

ورواية البصري : عن الرجل يصلّي والمرأة بحذائه يمنة أو يسرة ، قال : « لا بأس به إذا كانت لا تصلّي » (٦).

وتتمة موثّقة الساباطي المتقدّمة وهي قوله : « وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة‌

__________________

المصلي ب ٤ ح ١.

(١) التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩١١ ، الوسائل ٥ : ١٢٨ أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٩٩ ـ ١٥٢٥ ، الوسائل ٥ : ١٢٧ أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٢.

(٣) مستطرفات السرائر : ٢٧ ـ ٧ ، الوسائل ٥ : ١٣٠ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٠ ـ ٩٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٢٣ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨٠ ، الوسائل ٥ : ١٢٩ أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٨ الصلاة ب ١٥ ح ٢ ، الوسائل ٥ : ١٢١ أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ٢.

٤١٥

أو قائمة في غير صلاة فلا بأس » دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس الذي هو العذاب مع عدم الحاجز أو صلاتها.

وصحيحة علي : عن إمام كان في صلاة الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال : « لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها » (١).

ولا تضرّ معارضة ما مرّ من أخبار الجواز لهذه الأخبار ، لأنّ بعد تخصيصها بصورة عدم الحائل والبعد عشرة أذرع ـ كما عليه الإجماع ـ تصير أخصّ مطلقا من أخبار الجواز فتخصّصها.

ويجاب عن الأولين : بما مرّ مرارا.

وعن الثالث : بما سبق.

وعن البواقي ـ بعد ردّ دلالة الأخيرة بإمكان استحباب الإعادة لمكان الجملة الخبرية ، وجواز كون وجوبها لو دلّت عليه لاقتدائها في صلاة الظهر بما تعتقد أنها العصر كما جوّزه في المدارك (٢) ـ : بأنّها وإن كانت كما ذكر أخصّ مطلقا من أكثر ما سبق ، لشمولها لصورتي البعد أو الحائل ، ولكن صحيحة العلل (٣) مخصوصة بغير الصورتين ، لأنه الذي يكره تنزيها أو تحريما في سائر البلدان ، ولا كراهة فيهما إجماعا ، بل وكذا الخبر السابق عليها (٤) ، إذ مع الحائل أو البعد تفسد صلاة من خلفها قطعا فتعارضها معهما بالتساوي ، فيحمل البأس الثابت في المفهوم على الكراهة لأجل كون ما ينفيه قرينة عليه ، مع أنه لولاه أيضا لزم التساقط والرجوع إلى أصل الجواز.

دليل الثالث : بعض الأخبار المتقدّمة ، وجوابه ظاهر ممّا تقدّم.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨٣ ، الوسائل ٥ : ١٣٠ أبواب مكان المصلي ب ٩ ح ١.

(٢) المدارك ٣ : ٢٢٣.

(٣) راجع ص ٤١٢.

(٤) راجع ص ٤١٢.

٤١٦

فروع :

أ : الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في انتفاء المنع تحريما أو تنزيها بوجود الحائل بينهما أو التباعد بعشرة أذرع ، فمع أحدهما صحّت صلاتهما إجماعا ، كما عن المعتبر والمنتهى (١) ، وغيرهما (٢) ، وهو الحجة فيهما إن ثبت ، وإلاّ فالأخبار لا تساعدهما ، لأنّها بين مطلق في المنع ، ومقيّد بعدم الحاجز ، كرواية السرائر وصحيحة محمد ، ومقيّد بعدم التباعد ، كموثّقة الساباطي السابقة ورواية قرب الإسناد : عن الرجل يصلّي الضحى وأمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع ، قال : « لا بأس فليمض في صلاته » (٣).

والأخيران وإن كانا أخصّين مطلقا من الأول إلاّ أن بينهما تعارضا بالعموم من وجه ، ولا ترجيح بينهما ولا تخيير إجماعا ، فيتساقطان وتبقى المطلقات بلا معارض معلوم.

مع أن المذكور في الموثّقة هو أكثر من عشرة ، وفي رواية قرب الإسناد نفي البأس ، وهو لا ينافي الكراهة.

وممّا ذكر يظهر القدح فيما حكي عن الشيخ في كتابي الحديث (٤) ـ وبه قال في الذخيرة (٥) ـ من انتفاء المنع مطلقا بالذراع والشبر ونحوهما ، لظاهر جملة من الأخبار المتقدّمة.

وبالجملة : لا يمكن الاستناد في رفع المنع بالأخبار ، فإن ثبت الإجماع في مورد فهو ، ولعلّه متحقّق مع الحائل وتباعد العشرة فإليه فيهما يستند ، وإن جاز القول بخفّة الكراهة في نحو الذراع والشبر لأخبارهما أيضا وعليها تحمل هذه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١١١ ، المنتهى ١ : ٢٤٣.

(٢) الرياض ١ : ١٣٩.

(٣) قرب الإسناد : ٢٠٤ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ٥ : ١٢٨ أبواب مكان المصلّي ب ٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٠ و ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ٤٠٠.

(٥) الذخيرة : ٢٤٣.

٤١٧

الأخبار.

ثمَّ المعتبر في الحائل : المانع عن الرؤية ، لأنّ مقتضى إطلاقات المنع بقاؤه إلاّ فيما ثبت معه الزوال ولم يثبت إلاّ معه ولو مثل الجلباب ، لأنّه مورد الإجماع ، وحقيقة الستر والحاجز المذكورين في النص.

واحتمال الحاجز عن الوصول في الثاني بعيد ، ولو سلّم فمع ظهور الأول في المانع عن الرؤية غير مفيد.

فلا يزول المنع بالثوب الرقيق ولا بالكوى (١) والشباك.

وأمّا صحيحة علي : عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه ، قبلته وجانباه ، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال : « لا بأس » (٢).

والمروي في قرب الإسناد : عن رجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال : « إن كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا بأس » (٣).

فعلى ما اخترناه من الكراهة لا ينافيان لما ذكر ، إذ نفي البأس لا ينافي الكراهة ، مع أنّ الثانية ضعيفة لا تصلح حجة لزوال الكراهة وإن صلح مثلها لثبوتها ، للمسامحة.

ولا بعدم النظر أو غمض العين أو الظلام أو العمى ، كما صرّح ببعض ذلك الفاضل في النهاية والتذكرة (٤) ، والشهيد (٥) ، خلافا للتحرير في الأخير (٦) ،

__________________

(١) الكوّة تفتح وتضم : الثقبة في الحائط ، وجمع المضموم : كوى بالضم والقصر. المصباح المنير : ٥٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٣ ، مسائل علي بن جعفر : ١٤٠ ـ ١٥٩ ، الوسائل ٥ : ١٢٩ أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ٢٠٧ ـ ٨٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٣٠ أبواب مكان المصلّي ب ٨ ح ٤.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٣٤٩ ، التذكرة ١ : ٨٩.

(٥) البيان : ١٣٠.

(٦) التحرير ١ : ٣٣.

٤١٨

وروض الجنان في الأخيرين (١) وهما ضعيفان.

والمعتبر في مبدأ البعد ومنتهاه الموقفان نفسهما ، لأنّه المتبادر من النص والفتوى.

واحتمال اعتبار المبدأ من موضع السجود حتى يصدق المقدار حالة السجود خلاف الظاهر ، سواء في ذلك المنحدر من المكان وغيره.

ولو كان أحدهما في مكان مرتفع ، اعتبر محاذي موقفه ولا يعتبر الارتفاع.

وكذا ينتفي المنع مطلقا بتأخّر المرأة ولو قليلا ، لموثّقة الساباطي (٢) وغيرها.

ب : في اشتراط تعلّق الحكم تحريما أو كراهة بصحة صلاة الأخرى لو لا المحاذاة ، كما عن الفاضل والشهيد والمدارك (٣) ، أو لا ، كما احتمله الشهيد الثاني (٤) ، ونفى عنه البعد في الذخيرة (٥) ، وجهان ، أوجههما : الثاني على ما اخترناه من كون العبادات أسامي للأعم.

وانصراف المطلق إلى الكامل أو الغالب بدون بلوغ الكمال أو الغلبة بحيث يكون قرينة لإرادتهما ممنوع ، وهو في المورد غير متحقّق.

وعلى الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع ، فلو علم بعده لم يؤثّر في رفعه ، لأنّ التكليف على حسب علم المكلّف.

ج : مقتضى إطلاق كلام جماعة ـ كما قيل (٦) ـ عدم الفرق بين اقتران الصلاتين أو سبق أحدهما في بطلان صلاة كلّ منهما أو كراهتها.

__________________

(١) روض الجنان : ٢٢٥.

(٢) المتقدمة في ص ٤١٤.

(٣) العلامة في التذكرة ١ : ٨٩ ، والقواعد ١ : ٢٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٤٩ ، والشهيد في البيان : ١٣٠ ، والذكرى : ١٥٠ ، والمدارك ٣ : ٢٢٤.

(٤) روض الجنان : ٢٢٦.

(٥) الذخيرة : ٢٤٤.

(٦) الحدائق ٧ : ١٨٧.

٤١٩

وعن جمع من المتأخّرين تخصيص البطلان أو الكراهة بالمقارنة والمتأخّرة (١) ، وهو الحقّ. فلا حرمة ولا كراهة للسابقة منهما ، لصحيحة علي ، المتقدّمة (٢) ، فإنه لو كانت الصلاة المتأخّرة مؤثرة في السابقة ، كان حكم صلاة القوم حكم صلاة المرأة ، ولم يكن للتفصيل وجه.

مضافا إلى أنّ المستفاد من الأخبار ليس أزيد من ذلك ، لأنّها إمّا تثبت البأس بالمفهوم ، ولكونه فيه نكرة مثبتة لا يثبت إلاّ نوع منه (٢) ، وهو كما يمكن أن يكون لصلاتهما يمكن أن يكون لصلاة المقارنين أو المتأخّر. أو تنهى عن صلاة المرأة ، وهي ظاهرة في أرادتها الصلاة ولا أقلّ من الشك الذي لا يمكن معه رفع اليد عن الأصل.

وتؤيّد المطلوب : صحيحة أبي بصير : « لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء ، لا كلب ولا حمار ولا امرأة » (٣).

د : أطلق جمع من الأصحاب أنّ هذا الحكم إنما هو في حال الاختيار (٤) فلو ضاق الوقت والمكان ولم يمكن تأخّر المرأة أو بادرت إلى الصلاة مقدّمة ، لم يكن تحريم ولا كراهة ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن من النصّ والفتوى ، لاختصاصهما بحكم التبادر وغيره بحال الاختيار ، مضافا إلى فحوى ما دلّ على‌

__________________

(١) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٢١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٥ ، وروض الجنان : ٢٢٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٢١.

(٢) في ص ٤١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٧ الصلاة ب ١٤ ذ. ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٥١ ، الوسائل ٥ : ١٣٤ أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١٠.

(٤) فإنه إذا قال : إن جاءك زيد وحده لا يلزم عليك شي‌ء ، لا تدل بالمفهوم إلاّ على لزوم شي‌ء في بعض صور المجي‌ء مع الغير ويكفي في صدق المفهوم لزوم شي‌ء في بعض صوره. منه رحمه‌الله.

(٥) منهم فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٨٩ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٢٤ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٤٤ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٠ : ٣٣٧ ، وصاحب الرياض ١ : ١٣٩.

٤٢٠