مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

وهو الحجة فيه ، مضافا إلى أنّه تصرّف في ملك الغير عدوانا ، وهو غير جائز بالضرورة من جميع الأديان والملل ، وبحكم العقل ، وتواتر النقل.

ففي النبوي : « لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه جادّا ولا لاعبا » (١).

وفي الوسائل عن صاحب الزمان : « لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه » (٢).

وفي رواية محمد بن زيد الطبري : « لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه الله » (٣).

وتبطل الصلاة فيه أيضا فيما لو كان ساترا للعورة بالفعل ، عند الأكثر ، منهم : الفاضل في التحرير والتذكرة ونهاية الإحكام (٤) ، والشهيد في جملة من كتبه (٥) ، بل قال في البيان : ولا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا. وعليه الإجماع في كثير ممّا ذكر ، وفي غيره أيضا (٦).

وهو كذلك. لا لما قيل (٧) من أنه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه ، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة ، والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ولو كان خاصا على الحق المنصور فيفسد ، أو يقتضي عدم الأمر بضده الخاص مجتمعا معه لو كان هو مضيّقا والآخر موسّعا كما في المورد (٨) ، فتبقى الصلاة بلا أمر وهو عين الفساد.

__________________

(١) غوالي اللئالي ١ : ٢٢٤ ـ ١٠٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٤٠ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ٧.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٧ الحجة ب ٢٠ ح ٢٥ ، الوسائل ٩ : ٥٣٨ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ٢.

(٤) التحرير ١ : ٣٠ ، التذكرة ١ : ٩٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٨.

(٥) كالدروس ١ : ١٥١ ، والذكرى : ١٤٦ ، والبيان : ١٢١.

(٦) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٨٧ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٧.

(٧) كما في كشف اللثام ١ : ١٨٦ ، والرياض ١ : ١٢٧.

(٨) حيث إن الأمر بالإبانة فوري إجماعا والفرض سعة وقت الصلاة ، وإلاّ فهي مقدمة على جميع الواجبات. منه رحمه الله تعالى.

٣٦١

ولا لما قيل فيما إذا كان ساترا من أنّ الستر شرط الصلاة ، فإذا تعلّق به النهي لا يكون استتارا مأمورا به فيفسد ، وبفساده يفسد المشروط (١)

ولا لاستدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية.

ولا لأنّ أجزاء العبادات إنّما تكون بدليل شرعي ولا دليل هنا. لضعف الجميع :

أمّا الأول : فلأنّ الأمر بالنزع وإن اقتضى النهي عن ضدّه الذي هو الصلاة ، أو عدم الأمر به المنافي للأمر بالصلاة ، ولكن الأمر بها أيضا كذلك وإن كان موسّعا ، فإنّ معنى الأمر الموسّع بالصلاة فيما بين الدلوك والغروب وجوبها في كلّ من أجزاء ذلك الوقت تخييرا ، وهو يقتضي عدم النهي عنه في شي‌ء من تلك الأجزاء ، وإلاّ لم يستوعب التوسعة جميع الأجزاء ، وكذا يقتضي عدم الأمر بضدّه في شي‌ء منها لذلك ، فيحصل التعارض بين الدليلين ، وحيث لا ترجيح فيجب الحكم بالتخيير ، كما هو مقتضى التعارض بدون الترجيح.

وأمّا تساقطهما والرجوع إلى الأصل الموجب لفساد الصلاة حيث إنّ الأصل عدم الأمر به فإنّما هو في مقام علم انتفاء التخيير بإجماع أو نحوه ، ولم يثبت ذلك في المقام.

وتوهّم كون الأمر بالنزع خاصا ، لأنّه فوري يقتضي النهي عن ضدّه أو عدم الأمر به في أول الوقت مثلا بخصوصه ، وهو أخصّ من الأمر بالصلاة في جميع تلك الأجزاء ، فاسد ، إذ ليس هنا أمر فوري بخصوص ذلك الوقت ، بل فوريته أيضا عامة استمرارية ، يعني أنه أمر بالنزع في كلّ وقت فورا ، فهو أيضا عام.

فإن قلت : نعم ، ولكن الإجماع على فورية النزع في كلّ وقت بخصوصه دون الصلاة أوجب ترجيحه.

قلنا : تحقّق ذلك الإجماع في كلّ وقت حتى حين إرادة الصلاة غير معلوم ،

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ١٨١.

٣٦٢

سيما إذا دخل في الصلاة ثمَّ علم بالغصبية (١) ، كما أنه علم عدم الإجماع في الجزء الأخير من الوقت.

وأمّا الثاني : فلما ذكرناه في الحرير ، فإنّ الشرط مستورية العورة دون سترها الذي هو تصرّف في المغصوب ، وإنّما هو مقدّمة لها ، والتوصّل بالمقدّمة المنهية لا يوجب فساد ذي المقدّمة ، إلاّ إذا كانت المقدّمة عبادة تفسد بالنهي فتنتفي المقدمة وينتفي بانتفائها ذو المقدّمة ، وليس الستر كذلك.

مع أنه لو تعلّق النهي بنفس المستورية التي هي شرط الصلاة أيضا لم يوجب فسادها ، لأنّ ذلك إنما هو فيما إذا كان الشرط عبادة ، حيث إنّ تعلّق النهي به يستلزم فساده المترتّب عليه فساد مشروطه ، وأمّا إذا لم يكن عبادة فلا ، فإنّ النهي لا يقتضي فساده حتى يترتّب عليه فساد المشروط ، وإنّما يقتضي حرمته ، ولا تلازم بينها وبين حرمة المشروط ، كما لو أزال الخبث بالماء المغصوب ، والمستورية ليست عبادة ، ولذا لا يشترط فيها القصد ، بل ولا صدورها عن المصلّي.

وأمّا الثالث : فلأنّ المشغول به الذمة يقينا وهو الصلاة قد تحقّق قطعا ، ولا شغل بغيرها يقينا ، والأصل ينفيه.

وأما الرابع : فظاهر.

بل (٢) للمروي في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة ، وبشارة المصطفى لمحمد بن القاسم الطبري ، المنجبر ضعفه بالعمل : « يا كميل ، انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي ، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول » (٣) وعدم القبول مستلزم لعدم الإجزاء الذي هو عين الفساد.

ولأنّ الحركات الواقعة فيه والحاصلة له بواسطة الركوع والسجود والقيام‌

__________________

(١) نعم لو ثبت ذلك الإجماع لكان كذلك. منه رحمه الله تعالى.

(٢) عطف على قوله : لا لما قيل .. في ص ٣٦١.

(٣) تحف العقول : ١١٧ ، بشارة المصطفى : ٢٨.

٣٦٣

والجلوس من القبض والبسط والنزول والصعود وغيرها تصرّفات في المغصوب منهي عنها ، وكلّ منها أجزاء للصلاة فيفسد ، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.

والقول : بأنّ النهي إنّما يتوجّه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه ، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة ، فالنهي تعلّق بأمر خارج عنها ، مردود : بأنّه إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا شك في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرّمة ، لكونها محرّكة للشي‌ء المغصوب ، فلا تكون مأمورا بها ، واعتبار الجهتين غير نافع كما بيّن في موضعه.

فإن قيل : لازم عدم اجتماع الأمر والنهي عدم الحكم بهما معا ، فيصار إلى التخيير كما مرّ في الدليل الأول ، ولازمه صحة الصلاة.

قلنا : التخيير إنّما كان لو كان الأمر التخييري بجميع أفراد الركوع مثلا أمرا شرعيا عاما ، وليس كذلك ، بل التخيير إنّما هو بمقتضى الأصل ، ولا أثر له مع النهي العام.

والتوضيح : أنه إذا كان كلّ من الأمر والنهي مطلقين كما في المورد ، يكون النهي حينئذ عاما لا محالة ، نحو : أكرم بصريّا ، ولا تكرم الخياطين ، وحينئذ مع أنه يمكن الجمع بإكرام بصري غير الخيّاط والعرف أيضا يفهم الاختصاص نقول : إنّ تجويز إكرام كلّ بصري إنّما هو لأصالة عدم التقييد ، ولا يبقى للأصل أثر بعد ذلك النهي العام. وعلى هذا فلا يكون هذا الفرد من الركوع مثلا مأمورا به فيفسد.

ثمَّ إنه على ما ذكرنا لا يختلف الحال في الساتر وغيره ، بل يجري في مثل الخيط والخاتم والمستصحب أيضا إذا استلزم شي‌ء من أجزاء الصلاة تحريكا فيه زائدا على اللبس الأول.

نعم ، لو لم يستلزم ذلك فالظاهر عدم البطلان ، كما صرّح به المحقّق‌

٣٦٤

الخوانساري في حواشيه على الروضة ، ومثّل له بعمامة على رأسه (١).

وفيه نظر ، لنزولها وصعودها وتقدّمها وتأخّرها بالركوع والسجود والقيام والقعود وإن كان مع الرأس ، وهو أيضا تصرّف في المغصوب ونقل له من مكان إلى آخر.

نعم ، لو مثل له بعمامة كان في الرأس ثمَّ نزعها قبل الركوع ، كان صحيحا.

وأمّا الفرق بين الساتر وغيره ـ كالمعتبر والذكرى والمدارك وروض الجنان (٢) ـ فهو مبني على الاقتصار على الدليل الثاني ، وقد عرفت الحال فيه.

فروع :

أ : ما سبق إنّما كان مع العلم بالغصبية. وأمّا مع الجهل بها فلا تبطل الصلاة ، لأنه إنّما كان من جهة الإجماع والنهي ، ولا إجماع في حقّ الجاهل ، بل هو محكي (٣) بل محقّق على خلافه ، ولا نهي مع الجهل ، لاشتراط التكليف بالعلم خصوصا في مثل المقام المتواتر فيه الأخبار الدالّة على أنّ كلّ شي‌ء فهو لك حلال حتى تعلم أنه حرام (٤).

ومثل الجاهل الناسي للغصبية ، كما صرّح به جماعة (٥) ، لما ذكر.

خلافا للقواعد والتذكرة ، فيعيد مطلقا (٦) ، لأنه مفرّط ، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار ، ولأنّه لمّا علم كان حكمه المنع عن الصلاة فالأصل بقاؤه.

__________________

(١) الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٢ ، الذكرى : ١٤٦ ، المدارك ٣ : ١٨٢ ، روض الجنان : ٢٠٤.

(٣) انظر الرياض ١ : ١٢٨.

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٨٧ أبواب ما يكتسب به ب ٤.

(٥) منهم الحلي في السرائر ١ : ٢٧٠ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٣٠ ، والشهيد في البيان : ١٢١ والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٨٩.

(٦) القواعد ١ : ٢٧ ، التذكرة ١ : ٩٦.

٣٦٥

وضعفهما ظاهر ، فإنّ النسيان قد يعرض مع التكرار أيضا ، ولو سلّم فكون مثل هذا التفريط موجبا للإعادة لا دليل له.

وأمّا المنع من الصلاة فرفعه بعد النسيان ممّا لا ريب فيه ، لامتناع تكليف الغافل.

مع أنّ المنع المتحقّق أوّلا كان حال العلم ، وهو منتف ، فالاستصحاب غير ممكن.

وللمختلف والدروس (١) ، فأوجبا الإعادة في الوقت خاصة ، لقيام السبب وهو الوقت. دون خارجه ، لأنّ القضاء بأمر جديد.

وفيه : منع كون الوقت سببا للوجوب بعد تحقّق الامتثال.

وربّما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس والناسي له عنده (٢). ولا وجه له.

ب : الجاهل بالحكم الشرعي كالجاهل بالغصب إن لم يخطر بباله خلافه ، لعدم تقصيره ، وإلاّ فكالعامد. والناسي له كالأول ، لعدم تقصيره قطعا.

ج : لو أذن المالك للغاصب أو غيره ، جازت صلاته وصحّت ، لزوال النهي. ولو أذن إطلاقا أو عموما لم يدخل الغاصب ، لعدم العلم بالرضا في حقه ، كما هو مقتضى ظاهر الحال المعتاد بين الأغلب. ولو أذن للغاصب فإن كان في مجرد صلاته فلا يجوز لغيره ، لعدم انتفاء الغصبية ، وإن كان في مطلق التصرّف ، يجوز ، لانتفائها.

د : الظاهر صحة الصلاة في المبيع فاسدا ، سواء جهل كلّ من المتبايعين بالفساد ، أو علما ، أو جهل أحدهما دون الآخر ، لتحقّق الإذن ، وعدم صدق الغصبية.

نعم ، لو علم المشتري دون البائع واحتمل لأجل ذلك عدم رضاه ، اتّجه‌

__________________

(١) المختلف : ٨٢ ، الدروس ١ : ١٥١.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ١٨٦.

٣٦٦

المنع والبطلان.

هـ : لو غصب شيئا ولم يستصحبه ، لا تبطل صلاته ولو في سعة الوقت. ومن تمسّك في المقام بالنهي عن الضد يقول بالبطلان.

و : لا يتفاوت الحال في البطلان فيما يبطل بين ما إذا تمكّن من الردّ وعدمه ، للنهي عن التصرّف على الحالين.

نعم ، لو استصحبه محافظة له حتى يتمكن من الرد فالظاهر عدم البطلان ، لعدم النهي عن هذا التصرّف ، إذ لو نهي عنه فأمّا يؤمر بالردّ حينئذ ، وهو تكليف بغير المقدور ـ والقول بأنّه جائز إذا كان السبب فيه هو المكلّف نفسه واه جدّا ـ أو بتركه وعدم حفظه ، وهو أيضا باطل قطعا ، أو بتصرّف آخر غير هذا التصرّف ، وهو ترجيح بلا مرجّح.

تتميم فيه مسألتان :

المسألة الأولى : جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم مع شي‌ء من الساق ولو قليلا مجمع عليه ، وبدونه أصح القولين ، وفاقا للمبسوط والوسيلة والإصباح والمنتهى والتحرير والروضة والجعفرية وشرح القواعد والمدارك (١) ، بل أكثر متأخّري المتأخّرين ، بل المتأخّرين كما قيل (٢) ، للأصل.

وقد يستدلّ (٣) أيضا بالتوقيع المروي في الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ : هل يجوز للرجل أن يصلّي وفي رجله بطيط لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب في الجواب : « جائز » (٤) والبطيط كما في القاموس : رأس الخفّ بلا ساق (٥).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٣ ، الوسيلة : ٨٨ ، المنتهى ١ : ٢٣٠ ، التحرير ١ : ٣٠ ، الروضة ١ : ٢٠٧ ، الجعفرية ( رسائل الكركي ١ ) : ١٠٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٠٦ ، المدارك ٣ : ١٨٤.

(٢) انظر : المدارك ٣ : ١٨٤ ، والذخيرة : ٢٣٥ ، والحدائق ٧ : ١٦٠ ، والرياض ١ : ١٢٩.

(٣) كما في الحدائق ٧ : ١٦١.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٤ ، الغيبة : ٢٣٤.

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٣٦٣.

٣٦٧

وفيه تأمّل ، لأنّ الكعبين داخلان في ظهر القدمين ، لأنّهما قبّتاهما ، فلا يكون المسؤول عنه ساترا لظهر القدم. بل قد يجعل ذلك مؤيّدا للقول الآخر ، لإشعاره بالمنع فيما يغطّي الكعبين ، وهو أيضا غير جيّد.

نعم ، لو جعلنا الكعبين مفصلي الساقين والقدم لكان يصلح دليلا للمختار ، وكذا إن كان مراد المخالف ستر شي‌ء من ظهر القدم.

وخلافا لظاهر الحلّي (١) ، والمحقّق في كتبه الثلاثة (٢) ، والتذكرة والقواعد والإرشاد واللمعة والدروس والبيان (٣) ، فمنعوا عن الصلاة فيه مطلقا ، لعدم صلاة الحجج فيه ، وضعفه ظاهر.

وللشهرة المحقّقة والمحكية.

وفيه : أنّها لو سلّمت فإنّما هي في الشمشك (٤) والنعل السندي اللذين هما المصرّح بهما في كلام القدماء دون المطلق.

وكون المنع عنهما لسترهما ظهر القدم ممنوع ، بل يمكن أن يكون لعدم إمكان الاعتماد معهما على الرجلين ، أو على إبهامهما عند السجود كما قيل (٥) ، أو لوجه آخر لم نعلمه.

وحكاية الشهرة معارضة بحكاية الشهرة المتأخّرة وتحقّقها على الجواز.

وللمحكي عن المقنعة والنهاية والمهذّب والجامع والمراسم (٦) ، فمنعوا عن الصلاة في الشمشك والنعل السندي خاصة ، لما ذكر مع ضعفه ، ولما في الوسيلة‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٦٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٣ ، الشرائع ١ : ٦٩ ، المختصر النافع : ٢٥.

(٣) التذكرة ١ : ٩٨ ، القواعد ١ : ٢٨ ، الإرشاد ١ : ٢٤٧ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٧ ، الدروس ١ : ١٥١ ، البيان : ١٢١.

(٤) بضمّ الأولين وكسر ثالثة. منه رحمه الله تعالى.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ١٩١.

(٦) المقنعة : ١٥٣ ، النهاية : ٩٨ ، المهذب ١ : ٧٥ ، الجامع للشرائع : ٦٦ ، المراسم : ٦٥.

٣٦٨

من قوله : وروي أنّ الصلاة محظورة في النعل السندية والشمشك (١).

وهو ضعيف غير صالح للاحتجاج ، إلاّ أن يدّعى انجباره بشهرة القدماء ، وهو في حيّز المنع. ولو سلّم لم يفد لنا شيئا ، إذ غايته ثبوت المنع فيهما ، وحقيقتهما وكيفيتهما غير معلومة لنا ، بل لا نعلم كونهما ساترين لظهر القدم دون الساق ، وفي مجمع البحرين : إنّه ليس في الشمشك نص من أهل اللغة (٢).

الثانية : كلّ ما عدا ما ذكرنا تصح الصلاة فيه ، للأصل ، وإطلاقات الصلاة.

__________________

(١) الوسيلة : ٨٨.

(٢) مجمع البحرين ٥ : ٢٧٧.

٣٦٩

الفصل الثالث :

فيما يستحب في لباس المصلي ويكره‌

أمّا المستحبات‌ فأمور :

منها : الصلاة في النعل العربية عند علمائنا أجمع ، كما صرّح به جماعة (١) ، وهو الحجة فيه مضافا إلى الأخبار (٢).

إلاّ أنها مطلقة والأكثر قيّدوها بالعربية ، وهو حسن ، إذ لم يثبت حقيقة إطلاق النعل على غيرها ، إذ مع السندية مكروهة إجماعا.

مع أنّ أكثر الأخبار وردت بخطاب المشافهة الغير المتعدّي حكمه إلى غير المخاطب إلاّ مع الاشتراك في الوصف ، وهو في حقّ غير المتنعّل بالعربية ممنوع.

فما ذكره بعض المتأخّرين من أولوية الإطلاق (٣) ، غير جيّد.

والقول بكفاية الاحتمال في المستحبات للتسامح (٤) ، باطل ، إذ لم يثبت هذا القدر من التسامح (٥).

ومنها : أن تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب : درع (٦) وإزار وخمار ، بلا خلاف فيه‌

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٣٠ ، والتذكرة ١ : ٩٨ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٤٨ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٤ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٩.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلّي ب ٣٧ ، وليس في قوله في صحيحة البصري الآمرة بالصلاة في النعل : « إنه يقال ذلك من السنة » دليل على عدم الاستحباب ، إذ يمكن أن يكون المعنى : لو فعلت هذا يقال ذلك ويعتدون بك. منه رحمه الله تعالى.

(٣) كما في المدارك ٣ : ١٨٥.

(٤) كما في الرياض ١ : ١٢٩.

(٥) الاستحباب في النعل للرجل ، ويمكن للمرأة أيضا كما صرّح به في البيان : ١٢٢. منه رحمه الله تعالى.

(٦) درع المرأة : قميصها. مجمع البحرين ٤ : ٣٢٤.

٣٧٠

بين الأصحاب ، وفي المنتهى : ذهب إليه العلماء كافة (١) ، فهو الحجة فيه ، مع صحيحة جميل (٢) ، وموثّقة ابن أبي يعفور (٣).

ومنها : أنّ المصلّي إذا لم يكن عليه إلاّ سراويل طرح على عاتقه شيئا ولو حبلا أو خيطا أو تكة ، صرّح به الأكثر (٤) ، وتدلّ عليه صحيحة محمد (٥) ، ومرفوعة علي بن محمد (٦).

ومنها : أنه إن صلّى في إزار وحده يرفعه إلى الثديين ، لرواية سفيان بن السمط (٧) ، ومرسلة رفاعة (٨).

ومنها : التعمم والتسرول ، صرّح باستحبابهما في الصلاة في السرائر والدروس (٩) ، وغيرهما (١٠). بل في حاشية الروضة للمحقّق الخوانساري الاتّفاق على استحبابهما (١١).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ ـ ١٤٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ الصلاة ب ٦٤ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ ـ ١٤٨٠ ، الوسائل ٤ : ٤٠٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٨.

(٤) منهم الشيخ في النهاية : ٩٨ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٤٠ ، والتذكرة ١ : ٩٣ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٠٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٣ الصلاة ب ٦٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٥ الصلاة ب ٦٤ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٤٥٣ أبواب لباس المصلّي ب ٥٣ ح ٥.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠١ الصلاة ب ٦٥ ح ١٥ ، الوسائل ٤ : ٣٩١ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ٣٩٥ الصلاة ب ٦٤ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٤٩ ، الوسائل ٤ : ٣٩٠ أبواب لباس المصلّي ب ٢٢ ح ٣.

(٩) السرائر ١ : ٢٦٠ ، الدروس ١ : ١٤٧.

(١٠) كالجامع للشرائع : ٦٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٦٧ ، والذكرى : ١٤٧ ، وجامع المقاصد ٢ : ٩٤.

(١١) الحواشي على شرح اللمعة : ٢٠٠.

٣٧١

للمروي في جامع الأخبار : « من صلى ركعتين بعمامة فضله على من لم يتعمّم كفضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمّته » (١).

وفي شرح القواعد : وروي : ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره.

قال في الذكرى : وكذا روي في العمامة (٢).

وفي المكارم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ركعة بعمامة أفضل من أربع بغير عمامة » (٣).

ومنها : التجمل في الثياب للصلاة ، ذكره في السرائر (٤) ، وغيره (٥) ، للمروي في تفسير العياشي والجوامع : كان الحسن بن علي عليهما‌السلام إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، فقيل له ذلك ، فقال : « إنّ الله جميل ويحبّ الجمال فأتجمّل لربّي » وقرأ قوله تعالى ( خُذُوا زِينَتَكُمْ ) الآية (٦).

ولكن في مكارم الأخلاق : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّا إذا أردنا أن نصلّي نلبس أخشن ثيابنا » (٧).

وفي رواية ابن كثير : « كان علي بن الحسين [ عليهما‌السلام يلبسها وكانوا عليهم‌السلام ] يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ونحن نفعل ذلك » (٨).

__________________

(١) جامع الأخبار : ٧٧ ، المستدرك ٣ : ٢٣١ أبواب لباس المصلي ب ٤٤ ح ١.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٩٤ ، الذكرى : ١٤٠ ، الوسائل ٤ : ٤٦٥ أبواب لباس المصلي ب ٦٤ ح ٣.

(٣) مكارم الأخلاق ١ : ٢٦٠ ـ ٧٨٠ ، الوسائل ٤ : ٤٦٤ أبواب لباس المصلي ب ٦٤ ح ١ وفيهما ركعتان.

(٤) السرائر ١ : ٢٦٠.

(٥) كنهاية الإحكام ١ : ٣٦٧.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ١٤ ـ ٢٩ ، جوامع الجامع ١ : ٤٣٣ ، الوسائل ٤ : ٤٥٥ أبواب لباس المصلي ب ٥٤ ح ٦ ، والآية في الأعراف : ٣١.

(٧) مكارم الأخلاق ١ : ٢٥١ ـ ٧٤٥ ، المستدرك ٣ : ٢٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٣٦ ح ١.

(٨) الكافي ٦ : ٤٥٠ الزي والتجمل ب ٨ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٤٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٥٤ ح ١.

وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٣٧٢

وقد يجمع بينهما بحمل أخبار لبس الخشن على ما إذا صلّى لحاجة مهمة أو دفع بلية ، حيث إنّه ورد استحبابه في تلك الحالة (١) ، فيخصّ أخبار التجمّل بذلك ، وبه تصير أخص من أخبار لبس الخشن فتخصّ به.

ومنهم من حمل أخبار التجمّل على الصلاة في المحافل كالجماعات والأعياد ، وأخبار الخشن على الصلاة في الخلوات (٢) ، للمروي في المجمع : عن الباقر عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى ( خُذُوا زِينَتَكُمْ ) قال : « أي خذوا ثيابكم التي تزينون بها للصلاة في الجماعات والأعياد » (٣).

ومنها : لبس خاتم فيه عقيق ، للمروي في إعلام الدين للديلمي : « صلاة ركعتين بفصّ عقيق تعدل ألف ركعة بغيره ».

وقال عليه‌السلام : « ما رفعت إلى الله تعالى كف أحب إلى الله تعالى من كف فيها عقيق » (٤).

ومنها : لبس خاتم فصّه جزع يماني ، للمروي في العيون : « إنّ الصلاة في الجزع سبعون صلاة وإنه يسبح ويستغفر ، وأجره لصاحبه » (٥).

ومنها : أن يصلّي في الثياب البيض ، ذكره في الدروس والبيان (٦) ، وغيرهما (٧). وهو كاف في المقام وإن كان ما استندوا إليه غير مختص بحال الصلاة.

و‌أمّا المكروهات‌ فأمور أيضا :

منها : الصلاة في ثوب أسود عدا العمامة والخف والكساء.

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٤٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٥٤ ح ٢ و ٧.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٥٤.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٤١٢.

(٤) أعلام الدين : ٣٩٢ ، ٣٩٣.

(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٣٢ ـ ١٨ ، الوسائل ٥ : ٩٦ أبواب أحكام الملابس ب ٥٧ ح ٢.

(٦) الدروس ١ : ١٤٧ ، البيان : ١٢٢.

(٧) كالمراسم : ٦٤ ، والتذكرة ١ : ٩٩ ، والمنتهى ١ : ٢٣٢ ، والذكرى : ١٤٩ ، والكفاية : ١٦.

٣٧٣

أمّا المستثنى منه : فلتصريح جملة من الأصحاب ، بل للإجماع المحقّق ، والمحكي ظاهرا في المعتبر والمنتهى (١).

ولمرسلة الكافي : « لا تصلّ في ثوب أسود ، فأمّا الخف والعمامة والكساء فلا بأس » (٢).

ومرسلة محسن : أصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال : « لا تصلّ فيها ، فإنها لباس أهل النار » (٣).

ومقتضى التعليل في الأخيرة : كراهة القلنسوة السوداء في غير الصلاة أيضا ، وهو كذلك.

بل يكره مطلق لباس السود ـ سوى ما ذكر ـ مطلقا ، لمرسلة البرقي : « يكره السواد إلاّ في ثلاث : الخف والعمامة والكساء » (٤).

ومرسلة الفقيه : « لا تلبسوا السواد ، فإنه لباس فرعون » (٥).

ورواية حذيفة وفيها : « وأنا أعلم أنه لباس أهل النار » (٦).

وظاهر الصدوق في الفقيه : تحريم لبس السواد مع عدم التقية (٧) ، ولعله‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٩٤ ، المنتهى ١ : ٢٣٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ذ. ح ٢٤ ، الوسائل ٤ : ٣٨٣ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ح ٣٠ ، الفقيه ١ : ١٦٢ ـ ٧٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ٤ : ٣٨٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٠ ح ١ ، المرسلة الأخيرة مختصة بالقلنسوة وقد يتوهم التعميم لعموم التعليل وهو عليل ، إذ لا عموم في التعليل لأنه ليس إلاّ كون القلنسوة السوداء من لباس أهل النار. منه رحمه الله تعالى.

(٤) الكافي ٦ : ٤٤٩ الزي والتجمل ب ٦ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٣٨٣ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٣ ـ ٧٦٦ ، الوسائل ٤ : ٣٨٣ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٤٤٩ الزي والتجمل ب ٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٦٣ ـ ٧٧٠ ، علل الشرائع : ٣٤٧ ـ ٤ ، الوسائل ٤ : ٣٨٤ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ٧.

(٧) الفقيه ١ : ١٦٣ ، حيث قال فيه : وأما في حال التقية فلا إثم في لبس السواد. منه رحمه الله تعالى.

٣٧٤

لظهور النهي في الأخبار في التحريم.

ولكنه يضعّف بالمعارضة مع المروي في العلل : قد كانت الشيعة تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن لبس السود فوجدناه قاعدا عليه جبة سوداء وقلنسوة سوداء وخف أسود مبطن بالسواد ـ إلى أن قال ـ : « بيّض قلبك والبس ما شئت » (١).

وهو لموافقته لمذهب العباسيين المتسلّطين في ذلك الزمان وإن أوجبت مرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الناهية ، إلاّ أنّ شذوذ هذه ومخالفتها لشهرة الأصحاب بل إجماعهم أخرجها عن صلاحية إثبات الحرمة فيثبت بها الكراهة ، ويحمل المعارض على التقية أو بيان الرخصة.

وأمّا المستثنى فهو مجمع عليه في العمامة ، ومشهور في الخف ، فلم يذكره المفيد والديلمي وابن حمزة على ما حكي عنهم ، ومصرّح به في الكساء في جملة من كلمات القوم كالجامع وشرح القواعد والبيان واللمعة والنفلية (٢) ، وشرح الجعفرية ، وغيرها من كتب المتأخّرين (٣).

وهو في الثلاثة كذلك ، للمرسلتين المتقدّمتين.

واستشكال بعضهم (٤) في الأخير ، لعدم استثناء أكثر القدماء ، غير جيّد.

ومنها : الصلاة في المعصفر والمزعفر ، كرههما جماعة (٥) ، لرواية يزيد بن‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٤٧ ـ ٥ ، الوسائل ٤ : ٣٨٥ أبواب لباس المصلّي ب ١٩ ح ٩.

(٢) الجامع للشرائع : ٦٥ ، جامع المقاصد ٢ : ١٠٧ ، البيان : ١٢٢ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٨ ، النفلية : ١٢.

(٣) كالمسالك ١ : ٢٤ ، وروض الجنان : ٢٠٨ ، والروضة ١ : ٢٠٨ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٨٧ ، والكفاية : ١٦.

(٤) رياض المسائل ١ : ١٢٩.

(٥) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٩٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٣٢ ، والتحرير ١ : ٣٠ ، والتذكرة ١ : ٩٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٨٧ ، والشهيد في الذكرى : ١٤٧ ، والبيان : ١٢٢.

٣٧٥

خليفة (١). وهو إنّما يتم على ما في بعض نسخها من عطف الثاني فيها على الأول بالواو ، وأمّا على ما في بعض آخر من سقوط الواو فلا يثبت إلاّ كراهة الجامع للوصفين.

والاستدلال لكراهة الصلاة في الأول ببعض الروايات العامية (٢) الدالّة على كراهة لبسه غير جيّد ، لعدم الملازمة ، مع أنه معارض بكثير من الروايات الخاصة الدالّة على عدم كراهته (٣).

ومنها : الصلاة في الثوب الأحمر الشديد الحمرة ، لموثّقة حمّاد : « تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم » (٤) بسكون الفاء وفتح الدال : الشديد الحمرة ، ذكره أكثر أهل اللغة (٥) ، أو شديد اللون بقول مطلق من دون تقييد (٦) ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب.

ورواية مالك وفيها بعد ذكر أن على أبي جعفر عليه‌السلام ملحفة حمراء شديد الحمرة أنه قال : « إنّا لا نصلّي في هذا ولا تصلّوا في المشبع المضرج » الحديث (٧). والمضرّج : المصبوغ بالحمرة.

ويستفاد كراهة لبس شديد الحمرة ولو في غير الصلاة أيضا ، وتدلّ عليه أيضا مرسلة ابن أبي عمير : « يكره المفدم إلاّ للعروس » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٠ ، الوسائل ٤ : ٤٦١ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ٣.

(٢) سنن النسائي ٨ : ٢٠٣.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٠ ـ ٣١ أبواب أحكام الملابس ب ١٧ ح ٧ ، ٨ ، ١١ ، ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٢ الصلاة ب ٦٥ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٤٩ ، الوسائل ٤ : ٤٦٠ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ٢.

(٥) الصحاح ٥ : ٢٠٠١ ، لسان العرب ١٢ : ٤٥٠.

(٦) مقاييس اللغة ٤ : ٤٨٢.

(٧) الكافي ٦ : ٤٤٧ الزي والتجمل ب ٥ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٦٠ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ١.

(٨) الكافي ٦ : ٤٤٧ الزي والتجمل ب ٥ ح ٥ ، الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب أحكام الملابس ب ١٧ ح ٢.

٣٧٦

وأمّا الشديد من سائر الألوان : فلا كراهة فيه لا في الصلاة ولا في غيرها ، للأصل.

وقد يقال بها فيها (١) ، للموثّقة بناء على تفسير المفدم بالمطلق ـ وإن لم يثبت ـ للمسامحة.

وهو ضعيف فإنّه لم يثبت ذلك المعنى لهذا اللفظ (٢) ، ولو ثبت لم يكن إلاّ مشتركا خاليا عن قرينة التعيين ، فيؤخذ بالمتيقّن ، ولا يصدق في المطلق بلوغ الثواب الذي هو مدرك التسامح.

ثمَّ ظاهر الموثّقة : عموم الكراهة للرجال والنساء.

وفي الدروس خصّها بالرجال وكذلك في الأسود (٣) ، ولا وجه لهما.

ومنها : التوشح ، لاستفاضة الأخبار به (٤). ولكن لا تترتّب عليه فائدة ، لعدم وضوح المراد منه ، فإنّه فسّر تارة : بالتقلّد بالثوب (٥). واخرى : بلبسه.

وثالثة : بأخذ طرفه الملقى على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى وبالعكس ثمَّ عقدهما على صدره ، ذكره النووي في شرح صحيح المسلم (٦). ورابعة : بإدخاله تحت اليمنى وإلقائه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم (٧). وخامسة : بالالتحاف كاليهود ، ذكره في الخلاف (٨). وسادسة : بشد الوسط بما يشبه الزنّار.

والقول بأنّ النهي عن المشترك يحمل على النهي عن جميع معانيه ضعيف ،

__________________

(١) الرياض ١ : ١٢٩.

(٢) فإنه في أكثر كتب اللغة كالفائق والقاموس والمجمع وغيره مفسّر بالمقيد. منه رحمه‌الله.

(٣) الدروس ١ : ١٤٧.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ٣٩٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٤.

(٥) القاموس ١ : ٢٦٤.

(٦) هامش إرشاد الساري ٣ : ١٦٣.

(٧) المغرب ٢ : ٢٥٠.

(٨) لم نعثر عليه في الخلاف لكنه موجود في التهذيب ٢ : ٢١٥.

٣٧٧

لعدم الدليل ، سيما مع القول بعدم جواز استعمال المشترك في جميع معانيه ، مع أنّ الاشتراك بين الجميع غير معلوم ، وحقيقته غير متميّزة.

ومنها : الاتّزار فوق القميص. لا لأخبار كراهة التوشح ، لأنه غيره كما نصّ به أهل اللغة (١). وتوهّم إشعار بعض الأخبار باتّحادهما (٢) ، فاسد ، لمنعه. بل لصحيحة أبي بصير (٣).

خلافا لجماعة (٤) ، لأنّه غير التوشّح ، وللصحيحين النافي أحدهما للبأس عنه (٥) ، والمثبت ثانيهما لفعل أبي جعفر عليه‌السلام له (٦).

وضعف الأول ظاهر ، ونفي البأس الذي هو العذاب لا ينافي الكراهة ، وفعل الإمام للمكروه لبيان الجواز محتمل.

ومنها : صلاة الرجل في الثوب الواحد الرقيق الغير الحاكي للبشرة ، ذكره جماعة (٧) ، لفتوى هؤلاء ، مضافا إلى نفي بعضهم وجدان الخلاف فيه (٨).

__________________

(١) القاموس ١ : ٢٦٤ و ٣٧٧ ، الصحاح ١ : ٤١٥ و ٥٧٨.

(٢) رياض المسائل ١ : ١٣٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ الصلاة ب ٦٤ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٤٠ ، الوسائل ٤ : ٣٩٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ١.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٩٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٣٢ ، والشهيد في الذكرى : ١٤٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٠٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٠ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٤٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٥ ، الوسائل ٤ : ٣٩٧ أبواب أحكام الملابس ب ٢٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٦ ، الوسائل ٤ : ٣٩٧ أبواب أحكام الملابس ب ٢٤ ح ٦.

(٧) منهم الشيخ في النهاية : ٩٧ ، والمبسوط ١ : ٨٣ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٩٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٤٨ ، والذكرى : ١٤٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٠٧ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٠٢.

(٨) رياض المسائل ١ : ١٣٠.

٣٧٨

بل في الواحد غير الرقيق أيضا كما في النافع (١) ، والرقيق وإن تعدّد كما في اللمعة (٢) ، لفتواهما ، مضافا في الثاني إلى بعض الروايات العامية كما في شرح القواعد (٣) : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه » (٤) ومع كون المصلّي إماما إلى المروي في قرب الإسناد : عن الرجل يؤمّ في قباء وقميص ، قال : « إذا كان في ثوبين فلا بأس » (٥).

والاستدلال للأول : بمفهوم الصحيحين النافيين للبأس في الصلاة في القميص الواحد إذا كان كثيفا أو صفيقا (٦).

وللثاني : بما مرّ من استحباب ستر جميع البدن ، وما يأتي من استحباب التعمّم والتردّي ، ورواية قرب الإسناد : عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في سراويل واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال : « لا يصلح » (٧).

وللثالث : بالصحيحين المذكورين بإلغاء قيد الوحدة فيهما لكونه في السؤال ، وبالمروي في الخصال في حديث الأربعمائة : « عليكم بالصفيق من الثياب فإنّ من رقّ ثوبه رقّ دينه ، ولا يقومنّ أحدكم بين يدي الرب جلّ جلاله وعليه ثوب نشيف » (٨) وبما دلّ على أنهم كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم وأخشنها في‌

__________________

(١) النافع : ٢٥.

(٢) اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٨.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٩٤.

(٤) كنز العمال ٧ : ٣٣١ ـ ١٩١٢٠.

(٥) لا يوجد في قرب الإسناد ، ولكنه موجود في مسائل علي بن جعفر : ١١٩ ـ ٦٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٣ و ٣٩٤ الصلاة ب ٦٤ ح ١ و ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ و ٢١٧ ـ ٨٥٢ و ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢ و ١.

(٧) قرب الإسناد : ١٩١ ـ ٧١٧ ، الوسائل ٤ : ٤٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٧.

(٨) الخصال : ٦٢٧ ، الوسائل ٤ : ٣٨٩ أبواب لباس المصلّي ب ٢١ ح ٥.

٣٧٩

الصلاة (١) ، وبأنّ به يحصل كمال الستر ، ضعيف.

أمّا دليل الأول : فلأنّ مقتضى المفهوم ثبوت البأس الذي هو العذاب في الرقيق ، وليس ارتكاب التجوّز فيه أولى من تخصيص الرقيق بحاكي البشرة ، بل صدق الرقيق على غيره غير معلوم ، فيكونان دليلين على وجوب الستر.

وأمّا دليل الثاني : فبما سبق من عدم دليل تام على استحباب ستر الجميع.

مضافا إلى أنّ كراهة ترك ستر الجميع أو التعمّم أو التردّي أو كراهة السراويل الواحد غير كراهة الثوب الواحد ، الظاهرة في أنّ للوحدة مدخلية في الكراهة.

وأمّا دليل الثالث : فلما مرّ في الأول ، ولأنّ الغلظة غير الصفاقة ، فإنّها قد تكون مع كون الثوب حاكيا وقد لا تكون مع غاية الصفاقة ، ولأنه لا دليل على رجحان كمال الستر.

ومنها : اشتمال الصمّاء بالإجماع المحقّق والمحكي حدّ الاستفاضة (٢) ، وهو الحجة في كراهته في الصلاة.

بل الظاهر كراهته مطلقا ، لصحيح زرارة : « إيّاك والتحاف الصمّاء » قلت : وما التحاف الصمّاء؟ قال : « أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد » (٣).

ومنه يظهر المراد من اشتمال الصمّاء أيضا ، وبه فسّر أيضا في كلام كثير من‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٥٤.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٩٦ ، والتحرير ١ : ٣١ ، والذكرى : ١٤٧ ، وجامع المقاصد ٢ : ١٠٨ ، وروض الجنان : ٢٠٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٤ الصلاة ب ٦٤ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٦٨ ـ ٧٩٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٤ ، معاني الأخبار : ٣٩٠ ـ ٣٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٥ ح ١.

٣٨٠