مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

من المحوضة ، بل كان مبطلا مطلقا ، كأوبار غير ما استثني ممّا لا يؤكل. وأمّا غيره كالذهب ـ على أن يكون المبطل لبسه محضا ـ فلا يبطل ، للأصل ، وعدم تحقّق ما يصدق عليه المبطل.

ولا يفيد الخلط بالقزّ ، لأنّه إبريسم كما صرّح به في رواية موسى (١).

ثمَّ الجواز مختص بالممتزج ، فلو خيط الحرير بغيره أو كانت البطانة أو الظهارة حريرا والآخر غيره لم يرتفع المنع إجماعا ، لصدق الحرير المحض.

وأمّا المحشوّ بالقزّ فالظاهر فيه الجواز ، وفاقا لجماعة من المتأخّرين (٢) ، منهم والدي رحمه‌الله ، للأصل السالم عن معارضة الإجماع ، وأخبار المنع المشتملة إمّا على الثوب الممنوع صدقه على المورد ، أو الحرير الغير المعلوم صدقه على غير الثوب ، بل في الصحاح : إنّ الحرير من الثياب (٣).

ولصحيحة ابن سعيد : عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ ، فكتب إليه وقرأته : « لا بأس بالصلاة فيه » (٤). ونحوها رواية السمط (٥).

ومكاتبة إبراهيم بن مهزيار : في الرجل يجعل في جيبه بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب : « نعم لا بأس » (٦).

خلافا للمحكي عن الأكثر (٧) ، تمسّكا بالعمومات ، وتضعيفا للروايات ، ومخالفة للعامة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٤ الزي والتجمل ب ١١ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ٣٦٨ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٤.

(٢) منهم الشهيد في الذكرى : ١٤٥ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٧٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٢٧ ، والمجلسي في البحار ٨٠ : ٢٣٩ ، والمحقق الخوانساري في حواشي شرح اللمعة : ١٩٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٥.

(٣) الصحاح ٢ : ٦٢٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥٠٩ ، الوسائل ٤ : ٤٤٤ أبواب لباس المصلي ب ٤٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠١ الصلاة ب ٦٥ ح ١٥ ، الوسائل ٤ : ٤٤٤ أبواب لباس المصلي ب ٤٧ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٧١ ـ ٨٠٧ ، الوسائل ٤ : ٤٤٤ أبواب لباس المصلي ب ٤٧ ح ٤.

(٧) كما في البحار ٨٠ : ٢٣٩.

٣٤١

والأول غير دالّ ، ولو دلّ لما يفيد مع الخاص المنافي.

والثاني ممنوع.

والثالث إنّما يفيد مع وجود المعارض ، وهو هنا مفقود.

الثالثة : حرمة لبس الحرير مختصة بالرجال ، فيجوز للنساء لبسه بإجماع المسلمين ، بل كما قيل : بالضرورة من الدين (١). والأخبار به مستفيضة (٢) ، والدالّة بظاهره على ما ينافيه متروكة أو مؤوّلة.

وكذا تجوز صلاتهن فيه بلا خلاف ظاهر ، إلاّ من الصدوق في الفقيه حيث منع (٣) ، والفاضل في المنتهى حيث توقّف (٤) ، والمحقّق الأردبيلي حيث مال إليه (٥).

بل عن صريح المختلف (٦) ، وظاهر الذكرى وروض الجنان (٧) : اتّفاق ما عدا من ذكر من الأصحاب على الجواز ، وهو كذلك كما يظهر على المتتبّع.

فالمسألة بحكم الحدس إجماعية ، وهي في بعض العبارات مصرّحة (٨) ومخالفة الشاذ فيها غير قادحة ، وملاحظة حال المسلمين في الأعصار من عدم منعهنّ من الصلاة فيه لها مؤكدة ، فهي في المسألة الحجة ، مضافة إلى الأصل والاستصحاب السالمين عن معارضة غير ما يأتي من بعض الإطلاقات المعارض لمثله الموجب للتساقط ، وبعض الروايات البعيد عن الحجية ، لمخالفته عمل المعظم من القدماء والمتأخّرين ، المؤيّدين باختصاص أكثر الأخبار سؤالا أو حكما بصلاة الرجال ، مع أنه لو شملهن المنع لكان السؤال عن صلاتهن فيه أولى ، لجواز‌

__________________

(١) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٣٧٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧١.

(٤) المنتهى ١ : ٢٢٩.

(٥) مجمع الفائدة ٢ : ٨٤.

(٦) المختلف : ٨٠.

(٧) الذكرى : ١٤٥ ، روض الجنان : ٢٠٨.

(٨) انظر حاشية المدارك ( المدارك ) : ١٤٠ ، والرياض ١ : ١٢٦.

٣٤٢

لبسهن له في غيرها.

وقد يستدلّ بمفهوم الحصر في رواية يوسف بن محمد : « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا ، وإنّما يكره الحرير المبهم للرجال » (١). وهو ضعيف.

خلافا لمن تقدّم ، لما تقدّم من الإطلاق.

ورواية زرارة : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خز أو قطن أو كتان ، وإنّما يكره المحض للرجال والنساء » (٢) حيث لا يمكن حملها على مطلق اللبس إجماعا ، فينبغي التقييد بحال الصلاة.

والمروي في الخصال : « يجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام ، وحرم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد » (٣).

ويضعّف الأول : بمعارضته مع إطلاق النصوص المرخّصة لهن في لبسه الشامل لحال الصلاة ، بل عموم بعضها كموثّقة ابن بكير : « النساء تلبس الحرير والديباج إلاّ في الإحرام » (٤).

والتعارض بالعموم من وجه ، وحينئذ وإن أمكن تقييد كلّ منهما بالآخر ، إلاّ أنّ تقييد إطلاقات المنع بخصوص الرجال أولى من العكس وتقييد إطلاق الجواز بغير حال الصلاة ، لوقوع التقييد الأول في كثير من الأخبار ، وموافقته‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧١ ـ ٨٠٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ ـ ٨١٧ وفيهما : البهم ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ـ ١٤٦٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٥ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٦ ، والمراد بالمبهم الخالص الذي لا يمازجه شي‌ء ـ مجمع البحرين ٦ : ٢٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ـ ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٤ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٥.

(٣) الخصال : ٥٨٨ ـ ١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٦ ح ٦.

(٤) الكافي ٦ : ٤٥٤ الزي والتجمل ب ١١ ح ٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٣.

٣٤٣

للشهرة العظيمة ، بل كما عرفت الإجماع ، مع أنه مع التكافؤ يرجع إلى الأصل ، وهو أيضا مع الجواز.

والثانيان : بعدم الحجية كما مرّ ، مع أنّ تقييد أولاهما بحال الصلاة ـ مع عدم إشعار به فيها ، وأقليتها بالنسبة إلى سائر الأحوال ، وعدم وجه له في الرجال ـ ليس بأولى من حمل النهي على المرجوحية الشاملة للحرمة والكراهة بعموم المجاز ، خصوصا بملاحظة آخر الخبر. وحمل عدم الجواز في الثانية على الكراهة أولى من طرح أحد جزأيها ، وهو عدم جواز لبسه في الإحرام ، حيث إنه يجوز للأخبار.

نعم ، الظاهر كراهة الصلاة في الحرير لهنّ وأفضلية تركها ، كما عن الوسيلة والنزهة والجامع والمبسوط (١) ، وفي النهاية والسرائر (٢) ، لما ذكر.

وفي كون المشكل من الخنثى كالذكر أو الأنثى قولان : الأول هو الأظهر ، لإطلاقات المنع ، خرجت النساء فيبقى الباقي.

والثاني ، للأصل المندفع بما مرّ ، وتبادر الاختصاص بالرجال المردود بالمنع. ولكن ذلك في الصلاة ، وأمّا في اللبس فالحقّ كونه كالثاني ، لاختصاصه بالرجال إجماعا نصّا وفتوى.

ولا شك في عدم تحريم لبسه على الصبي ، لأنه حكم شرعي مشروط بالتكليف ، وتؤكّده رواية عبد الملك بن عتبة (٣).

وهل على الولي منعه منه؟ الأظهر الموافق لقول الأكثر : لا ، للأصل ، وعدم الدليل.

وقيل : نعم (٤) ، لعموم النبوي : « هذان ـ أي الذهب والحرير ـ محرّمان على‌

__________________

(١) الوسيلة : ٨٧ ، النزهة : ٢٤ ، الجامع للشرائع : ٦٥ ، المبسوط ١ : ٨٣.

(٢) النهاية : ٩٧ ، السرائر ١ : ٢٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٢٢٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٦٤ ـ ٧٠٩ ، التهذيب ٥ : ٤٤٩ ـ ١٥٦٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٥٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٦ ح ١.

(٤) كما في المعتبر ٢ : ٩١.

٣٤٤

ذكور أمتي دون إناثهم » (١).

وقول جابر : « كنّا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري » (٢).

وهما ضعيفان غير صالحين للحجية ، مع أن الأول مخصّص بالمكلّفين قطعا ، والثاني غير دالّ على الوجوب ، فلعلّه للاستحباب والتمرين.

وتصح معه صلاته التمرينية.

الرابعة : لو لم يجد المصلّي إلاّ الحرير وأمكنه التعرّي صلّى عاريا ، لأنّ وجود المنهي عنه كعدمه ، وظاهر المدارك والمعتمد : الإجماع عليه (٣).

ولو وجد النجس معه صلّى مع النجس لو اضطر إلى اللبس ، لورود الإذن فيه. ومع عدم الاضطرار يتخيّر بينه وبين العريان كما مرّ.

الخامسة : في جواز الصلاة في نحو التكة والقلنسوة ممّا لا تتم الصلاة فيه من الحرير للرجال قولان :

المنع ، وهو للمفيد والصدوق والإسكافي (٤) ، والشيخ في النهاية (٥) ، والديلمي وابن حمزة (٦) ، والمختلف والمنتهى والبيان والمدارك والمعالم (٧) ، والأردبيلي والخوانساري والمجلسي والسبزواري (٨) ، ووالدي العلاّمة رحمه‌الله ، ونسب إلى اللمعة والقواعد (٩) ، ولم أجده فيهما ، وكأنّه أخذ من إطلاقهما النهي عن لبس‌

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٦ ، سنن ابن ماجه ٢ : ١١٨٩ ـ ٣٥٩٥ بتفاوت يسير.

(٢) المغني والشرح الكبير ١ : ٦٦٤.

(٣) المدارك ٣ : ١٧٨.

(٤) المفيد في المقنعة : ١٥٠ ، الصدوق في الفقيه ١ : ١٧٢ ، المقنع : ٢٤ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨٠.

(٥) النهاية : ٩٦.

(٦) الديلمي في المراسم : ٦٣ و ٦٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٨٨.

(٧) المختلف : ٨٠ ، المنتهى ١ : ٢٢٩ ، البيان : ١٢٠ ، المدارك ٣ : ١٧٩.

(٨) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٨٤ ، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة : ١٩٥ ، المجلسي في البحار ٨٠ : ٢٤١ ، السبزواري في الذخيرة : ٢٢٧ ، والكفاية : ١٦.

(٩) نسب إليهما في الرياض ١ : ١٢٦.

٣٤٥

الحرير (١) ، وفيه تأمل.

ومنه يظهر التأمل في النسبة إلى بعض آخر ممّن ذكر أيضا.

وكيف كان ، فدليله : الاحتياط في الدين ، وتحصيل اليقين ، وعمومات المنع ، وعدم جواز الصلاة في الحرير ـ والقدح في دلالتهما بعدم استلزام نفي الحلّية الحرمة ضعيف ، فإنّ المتبادر من عدم الحلّية هو الحرمة ـ والرضوي المتقدّم (٢) ، وصحيحتا الصهباني ، السابقتان (٣) ، وموثّقة الساباطي : عن الثوب يكون علمه ديباجا ، قال : « لا يصلّى فيه » (٤).

والجواز ، وهو للمبسوط (٥) ، والحلّي والحلبي (٦) ، والمعتبر والشرائع والنافع والإرشاد والتلخيص والتذكرة والدروس وروض الجنان والروضة والذكرى (٧) ، وبعض مشايخنا (٨) ، وجعله في التنقيح : الأظهر بين الأصحاب (٩) ، وفي الوافي : أشهر فتوى بينهم (١٠) ، وفي الذخيرة والبحار والحدائق (١١) ، وغيرها (١٢) : المشهور مطلقا ، وفي المعتمد : بين المتأخّرين.

__________________

(١) انظر اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٦ ، القواعد ١ : ٢٧.

(٢) في ص ٣٢٨.

(٣) راجع ص ٣١٠ و ٣٣٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٨ ، الوسائل ٤ : ٣٦٩ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٨.

(٥) المبسوط ١ : ٨٣ و ٨٤.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٢٦٩ ، الحلبي في الكافي : ١٤٠.

(٧) المعتبر ٢ : ٨٩ ، الشرائع ١ : ٦٩ ، المختصر النافع : ٢٤ ، الإرشاد ١ : ٢٤٦ ، التذكرة ١ : ٩٥ ، الدروس ١ : ١٥٠ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، الروضة البهية ١ : ٢٠٦ ، الذكرى : ١٤٥.

(٨) كالسيد بحر العلوم في الدرّة النجفية : ١٠٣.

(٩) التنقيح الرائع ١ : ١٨١.

(١٠) الوافي ٧ : ٤٢٥.

(١١) الذخيرة : ٢٢٧ ، البحار ٨٠ : ٢٤١ ، الحدائق ٧ : ٩٧.

(١٢) كالمفاتيح ١ : ١١٠.

٣٤٦

للأصل ، ورواية الحلبي : « كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزّنّار يكون في السراويل ويصلّى فيه » (١).

ورواية يوسف بن محمد ، المتقدّمة (٢).

ورواية يوسف بن إبراهيم ، « لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم ولا زرّه ولا علمه » (٣).

وضعف تلك الأخبار لو سلّم لكان منجبرا بالشهرة ولو محكية.

ولا تضرّها معارضة ما مرّ ، لعدم دلالة الأخيرين منه على الحرمة ، مضافا إلى ضعف الرضوي الخالي عن الجابر ، وعموم البواقي بالنسبة إليها.

وابتناء الصحيحتين على السؤال عن القلنسوة لا يجعل عموم الجواب فيهما خاصا.

بل قد يناقش في شمول عمومهما وسائر العمومات أيضا من جهة أنّ الوارد فيها النهي عن الصلاة في الحرير أو الثوب الإبريسم ، والحرير أيضا هو الثوب الكذائي كما يدلّ عليه كلام أهل اللغة. وصدق الثوب على أمثال ما نحن فيه محلّ كلام.

ويشهد لذلك استدلال مثل الشيخ في الجواز بالأصل (٤) ، مع اطّلاعهم على العمومات قطعا.

ثمَّ على تسليم خصوص الصحيحتين يجب تقديم رواية الحلبي عليهما ، لمخالفته العامة ، حيث تدلّ على الفرق بين ما تجوز الصلاة فيه وما لا تجوز ، وهو‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٧ ـ ١٤٧٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٦ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٢.

(٢) في ص ٣٤٣.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥١ الزي والتجمل ب ٩ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٣٧٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ١.

(٤) الخلاف ١ : ٤٨٠.

٣٤٧

ممّا لا يقول به العامة قطعا.

واحتمال عدم قول العامة بهذا المفهوم في زمان الصدور مدفوع : بالتبادر المنضم مع أصالة عدم النقل ، ولو تمَّ هذا الدخل لجاء القدح في كثير ممّا يرجح بموافقة العامة.

وموافقة الصحيحتين لهم ، حيث إنّهم لقولهم بحرمة لبس الحرير لا يستحلّون الصلاة فيه قطعا وإن لم يحكموا ببطلانها بعد إيقاعها فيه ، وانفهام مدخلية الصلاة في المنع إنّما يفيد لو لم تكن الصلاة في السؤال مذكورة ، وأمّا معه فمقتضى التقية ليس إلاّ ما أجاب.

مع أنه لو قطع النظر عن ذلك فلا أقلّ من تساويهما مع الرواية ، وجعل الرواية أوفق بالعامة خلاف الصواب جدّا. فيتعيّن الرجوع إلى الأصل وهو مع الجواز ، لعدم وجود الأعم منهما الشامل لمثل المقام.

هذا ، مع أنهما من المكاتبات المرجوحة بالنسبة إلى المشافهات.

فالقول بالجواز أقوى بالنسبة إلى المنع ، وإلى التردّد كالفاضل في التحرير (١) ، والصيمري (٢).

ثمَّ الروايات كما دلّت على جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده دلّت على جواز لبسه أيضا ، إذ نفي مطلق البأس عن الصلاة فيه يستلزم ذلك ، فبها تخصّص عمومات المنع لو كانت.

السادسة : المحرّم هو لبس الحرير ، فيجوز استصحابه بدونه وافتراشه والركوب والقيام والنوم والصلاة عليه ، على الأظهر الأشهر ، بل ظاهر المدارك والذخيرة الإجماع على بعض ما ذكر (٣) ، للأصل ، وصحيحة علي (٤) ، ورواية‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٣٠.

(٢) حكاه عنه في الرياض ١ : ١٢٦.

(٣) المدارك ٣ : ١٧٩ ، الذخيرة : ٢٢٨.

(٤) الكافي ٦ : ٤٧٧ الزي والتجمل ب ٢٨ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٣ ، قرب الإسناد : ١٨٥ ـ ٦٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٨ أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ١ ، مسائل علي بن جعفر : ١٨٠ ـ ٣٤٢.

٣٤٨

مسمع (١).

وعن المبسوط (٢) ، والوسيلة (٣) ، والمعتبر (٤) ، وفي النافع (٥) : المنع عن غير الأول. وعن الصيمري التردّد (٦).

لعموم بعض النصوص بالمنع كالنبوي المتقدّم (٧) ، والرضوي ، وهو قوله مشيرا إلى نحو الحرير والذهب : « ولا تصلّ على شي‌ء من هذه الأشياء إلاّ ما يصلح لبسه » (٨).

وهما ضعيفان ، مع أن الأول غير دالّ ، لعدم تعلّق التحرير بالأعيان إلاّ باعتبار منفعة منها ، ولعدم تعيّنها ينصرف إلى المتعارف وهو هنا اللبس قطعا.

ومنه يظهر الخدش فيما كان إطلاقه كذلك.

مع أنه على فرض الدلالة يكون أعم ممّا مرّ فيخصّص به. والجمع بحمل الحرير والديباج على الممتزج وإن أمكن ، لكن التخصيص إمّا مقدّم على المجاز فيقدّم ، أو مساو معه فيتوقّف ويرجع إلى الأصل.

وممّا ذكر ظهر حكم التوسّد وأنه يجوز ، وكذا الالتحاف كما ذكره جماعة (٩) ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٢ ـ ٨٠٩ ، الوسائل ٤ : ٣٧٨ أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ٢.

(٢) لم نعثر عليه فيه ، وحكاه في كشف اللثام ١ : ١٨٦.

(٣) الوسيلة : ٣٦٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٩ قال : فيه تردد.

(٥) المختصر النافع : ٢٤.

(٦) حكاه عنه في الرياض ١ : ١٢٧.

(٧) في ص ٣٤٤.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٨ وفيه : إلاّ ما لا يصلح لبسه ، مستدرك الوسائل ٣ : ٢١٨ أبواب لباس المصلّي ب ٢٤ ح ٢.

(٩) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣ ، والروض ١ : ٢٠٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٨٠ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٢٨ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٧.

٣٤٩

للأصل ، وعدم دليل يعتد به إلاّ ما دلّ على تحريم اللبس الغير المعلوم صدقه عليه وإن قد يستعمل ، ولكنه أعم من الحقيقة.

بل وكذلك التدثّر ، كما صرّح به الشهيد الثاني (١) ، واحتمله جماعة من متأخّري المتأخّرين (٢) ، لمثل ما ذكر ، خلافا للمدارك (٣) والمعتمد ، بل الأخير منع الالتحاف أيضا ، لصدق اللبس.

وهو ممنوع ، والاستعمال أحيانا غير مفيد.

بل وكذلك التردّي ، لذلك.

وممّا ذكر يظهر الجواز في مثل شالات العجم المستعمل مقام المنطقة ، بل يمكن التعدّي إلى مثل التعمّم أيضا.

هذا في اللبس ، وأمّا الصلاة فالظاهر عدم جوازها في التردّي والتدثّر ، بل التعمّم والتمنطق (٤) ، لصدق الصلاة فيه ظاهرا.

والتعدّي منه إلى اللبس لعدم الفصل يتوقّف على ثبوته ، وهو مشكل جدّا. والاحتياط لا يترك في حال.

السابعة : المعروف من مذهب الأصحاب ـ كما في المعتمد ـ جواز لبس المكفوف بالحرير والصلاة فيه ، ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٥) ، وفي المدارك : إنه مقطوع به بين المتأخّرين (٦) ، بل الظاهر أنه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٣ ، الروضة البهية ١ : ٢٠٦.

(٢) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٢٨ ، والخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة : ١٩٦ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٠٠ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٧.

(٣) المدارك ٣ : ١٨٠.

(٤) توجد. في « ه‍ » و « ح » زيادة : حينئذ إشكال.

(٥) الذكرى : ١٤٥.

(٦) المدارك ٣ : ١٨٠.

٣٥٠

مجمع عليه كما يظهر من عدم نقلهم الخلاف في المسألة أصلا مع أنه طريقتهم.

وكيف كان فلا ريب فيه ، للأصل السالم عن المعارض حيث إنّ النهي إنّما ورد عن لبس الحرير أو لباسه أو لبس الثوب الحرير ، وصدق شي‌ء منها على المورد غير معلوم إن لم نقل بكون عدمه معلوما ، كصدق الصلاة في الحرير ، فإنّ ذلك صلاة في ثوب فيه الحرير لا الحرير ، وإرادة معنى يشمله من الظرفية المجازية غير معلومة.

وللعاميين المنجبرين :

أحدهما : « نهى عن الحرير إلاّ موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع » (١).

وآخر : « كان للنبي جبة كسراوية لها لبنة ديباج وفرجاه مكفوفان بالديباج » (٢).

ويؤيّده بل يدلّ عليه روايتا يوسف ، المتقدّمتان (٣) المصحّحتان عن صفوان المجمع على تصحيح ما يصح عنه.

وعدم ذكر الصلاة فيهما غير ضائر ، لكفاية الشمول الإطلاقي ، ونفي جميع أفراد البأس في إحداهما الشامل لحرمة الصلاة أيضا.

وقد يستدل برواية الجرّاح أيضا (٤). وهو غير جيّد ، لأعمية الكراهة عن الحرمة لغة ، إلاّ أن يقال بظهورها في المعنى المصطلح هنا ، إذ لا يتعارف التعبير عن الحرام بمثل ذلك.

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٣ ـ ١٥.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤١ ـ ١٠ ، واللبنة هي رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة ـ النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٣٠.

(٣) في ص ٣٤٣ و ٣٤٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ح ٢٧ وج ٦ : ٤٥٤ الزي والتجمل ب ١١ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥١٠ ، الوسائل ٤ : ٣٧٠ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٩ ، واستدل بها في الذكرى : ١٤٥ ، كشف اللثام ١ : ١٨٦.

٣٥١

خلافا للمحكي عن السيد في بعض مسائله (١) ، والقاضي (٢) ، وإن كان في دلالة كلام الأخير عليه خفاء ، للعمومات.

وموثّقة الساباطي ، المتقدّمة (٣).

ومفهوم موثّقة إسماعيل : في الثوب يكون فيه الحرير ، قال : « إن كان فيه خلط فلا بأس » (٤).

والمروي في قرب الإسناد والمسائل : عن الرجل هل يصلح له الطيلسان فيه الديباج والبرّكان (٥) عليه حرير؟ قال : « لا » (٦).

وللاحتياط في الدين وتحصيل اليقين.

ويضعّف الأول : بوجوب تقديم الخاص عليه.

والثاني : بعدم دلالته على الكف ولا على الحرمة ، مع أنه مع الدلالتين يعارض الروايتين (٧) فيتساقطان من البين.

والثالث : بأنه أعم ممّا مرّ أيضا فيخصّص ، مع أنّ دلالته موقوفة على إرجاع المجرور الثاني إلى الحرير ، وهو غير معلوم ، لجواز إرجاعه إلى الثوب ، ويؤكّده منافاة الخلط مع الحرير ، فلا وجه للشرط ، ولذا استدلّ به بعض مشايخنا المحقّقين على القول الأول (٨).

__________________

(١) حكاه عنه في المدارك ٣ : ١٨١ ، والرياض ١ : ١٢٧.

(٢) المهذب ١ : ٧٥.

(٣) في ص ٣٤٦.

(٤) الكافي ٦ : ٤٥٥ الزي والتجمل ب ١١ ح ١٤ ، الوسائل ٤ : ٣٧٤ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٤.

(٥) البركان : الكساء الأسود. منه رحمه الله تعالى.

(٦) قرب الإسناد : ٢٨٢ ـ ١١١٧ ، مسائل علي بن جعفر : ١٣٧ ـ ١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ١٢ وفيه : .. الديباج والقزّ كان عليه حرير؟ قال : « لا بأس ».

(٧) أي : روايتي يوسف بن محمّد ويوسف بن إبراهيم. منه رحمه الله تعالى.

(٨) كما في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( المخطوط ).

٣٥٢

والرابع : بأنّه ضعيف غير صالح للحجية في غير مقام الانجبار.

والأخيران بمنع الوجوب ، وحصول اليقين اللازم تحصيله.

ثمَّ المقدّر عند جماعة (١) في الكف المجوّز ما قدّره النبوي من الأربع أصابع. بل ادّعى بعض متأخّري المتأخّرين ظاهر اتّفاقهم على حرمة الزائد (٢) ، اقتصارا فيما خالف دليل المنع على القدر المتيقّن ، واقتفاء للنبوي المنجبر ضعفه بالعمل ، واتّباعا لما يشهد به العرف والعادة.

والأول كان حسنا لو شمل دليل المنع له ، والثاني لو ثبت الانجبار في التقدير أيضا ، والثالث لو سلّمت شهادة العرف بذلك ، سيما مع جعل الأصابع مضمومة. والكلّ في حيّز المنع.

ودعوى الاتّفاق على حرمة الزيادة الموجبة لانجبار العامي ممنوعة ، كيف؟! وكلام الأكثر خال عن التقدير ، بل الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية (٣) ، والفاضلان في المعتبر والنافع والتذكرة والمنتهى (٤) ، وغيرها (٥) ، والشهيد في الدروس والبيان (٦) : أطلقوا.

فالظاهر الحوالة إلى العرف والتجويز فيما يسمّى كفّا عرفا ، وإن كان الأحوط الاجتناب عن الزيادة عن القدر المذكور.

الثامنة : لا ينبغي الريب في جواز اللبنة من الحرير ، للأصل ، والنبوي (٧) ،

__________________

(١) منهم الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٨٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣ ، والروضة البهية ١ : ٢٠٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٨٠ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٧.

(٢) كما في الذخيرة : ٢٢٨ ، والحواشي على شرح اللمعة : ١٩٦.

(٣) النهاية : ٩٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٩٠ ، المختصر النافع : ٢٤ ، التذكرة ١ : ٩٦ ، المنتهى ١ : ٢٢٩.

(٥) كالقواعد ١ : ٢٧ ، والتحرير ١ : ٣٠.

(٦) الدروس ١ : ١٥٠ ، البيان : ١٢٠.

(٧) المتقدم في ص ٣٥١.

٣٥٣

وضعف ما يوهم المنع. وكذا الأزرار والأعلام ، لما مرّ.

ويظهر من الجواز في الإعلام الجواز في ثوب بعض أجزائه حرير وبعضها غيره سواء كان جمع الجزءين بالنسج أو بالخياطة ، لأنّ ذلك أيضا مثل الأعلام ولا يصلح التسمية بالعلم للعرف.

مع أنّ الأصل أيضا مع الجواز ، لعدم صدق لبس الثوب الحرير المحض أو لبس الحرير المحض ، إلاّ أن يقال : يصدق الصلاة فيه إذا كان بحيث يشمل شيئا من البدن ، فلا تجوز الصلاة فيه بشرط أن يكون ممّا تتم الصلاة فيه وحده.

ولا تفيد رواية قرب الإسناد ، لعدم انجبارها في المقام.

نعم ، الظاهر الانجبار فيما إذا كانت الأجزاء بقدر تتم الصلاة فيه.

وأمّا غير الأجزاء ممّا يجعل على الثوب أو فيه من الرقعة والوصلة والطراز فالظاهر عدم المنع مطلقا ، لعدم صدق اللبس ، وعدم معلومية شمول المراد من الثوب لذلك المعنى أيضا ، والأحوط الاجتناب ، سيما إذا كان ممّا تتم الصلاة فيه وحده.

وأمّا الظهارة والبطانة : فالظاهر المنع كما مرّ ، لرواية قرب الإسناد المنجبرة في المورد قطعا.

وأمّا خيط الحرير بغيره أو العكس فإن كانت الخياطة تحيط بجميع الثوب المخيط ، فالظاهر أنّ الحكم لها ، وكذا إذا استهلك الظاهر من المخيط جنب ما خيط عليه ، وإلاّ فالحكم لما خيط عليه.

تتميم‌ : جملة الكلام في ذلك المقام التي يجب أن يكون عليها بناء الأحكام أنّ القدر الثابت أوّلا من الإجماع والأخبار حكمان : عدم جواز لبس الحرير المحض أو ثوب الإبريسم للرجال ، وعدم جواز الصلاة فيه.

فاللازم في الحكم بعدم الجواز في الأول أمور أربعة : العلم بصدق اللبس حقيقة ، وكون الملبوس حريرا أو ثوبا ، ومحوضة الحرير ، والرجولية ، فما لم يعلم أحدها يحكم بمقتضى الأصل.

٣٥٤

فيتفرّع على الأول : جواز الافتراش والقيام والاتّكاء والنوم والتوسّد والالتحاف والتدثّر والتعمّم والتردّي والتمنطق ، وجعل الحرير في الثوب أو عليه كالأزرار والكف واللبنة والعلم والوصلة.

وأمّا ما يدلّ على عدم جواز بعض ذلك فمنحصر في موثّقة إسماعيل ، ورواية قرب الإسناد (١) ، والأولى مجملة ، ومع ذلك البأس الثابت في مفهومه نكرة في سياق الإثبات فلا يفيد ، والثانية ضعيفة ففي غير مقام الانجبار غير مفيدة.

وعليه وعلى الثاني جواز الحشو بالإبريسم ، لعدم صدق الثوب عليه بل الحرير ، لاشتراط النسج فيه لغة وعرفا.

وعلى الثالث جواز لبس غير المحض ، سواء كان الخليط قليلا أم كثيرا ، وسواء كان الخلط بالمزج أو الضم ، كما في المرقّع الذي بعض رقاعه حرير أو ثوب بعض أجزائه كذلك ، وسواء كان الضم بالوصل بالخياطة أو النساجة ما لم يكن الجزء الحريري بحيث يصدق عليه فقط أيضا اللبس.

ولا يتوهّم أنّ مقتضى مفهوم الموثّقة اشتراط الخلط وهو غير متحقّق بدون المزج في السدى أو اللحمة ، وكذا مقتضى رواية زرارة : اشتراط كون السدى أو اللحمة غير الحرير (٢) ، وهو في غير المزج غير متحقّق ، لمنع اشتراط تحقّق الخلط في الثوب بما ذكره ، بل يتحقّق فيه بجميع ما ذكرناه ، وغايته الشك الموجب للرجوع إلى الأصل.

وأمّا رواية زرارة فلا تدل إلاّ على وجوب كون بعض السدى أو اللحمة كذلك إجماعا ، وهو متحقّق على جميع التقادير الذي ذكرناه.

وعلى الرابع جواز لبس الخنثى والصبي.

واللازم في الحكم بعدم الجواز في الثاني أيضا أمور أربعة : الثاني ، والثالث ،

__________________

(١) المتقدمتين في ص ٣٥٢.

(٢) راجع ص ٣٤٣.

٣٥٥

وعدم العلم بالأنوثية ، وصدق الصلاة فيه ، فما لم يتحقّق أحدها يحكم بالجواز.

فيترتّب على الأولين ما مرّ ، وعلى الثالث الجواز في الأنثى وعدمه في الخنثى ، وعلى الرابع جواز الصلاة فيما لم يعلم صدق الصلاة فيه ، فلا تبطل باستصحاب الحرير والاكتفاف به ولا بمثل الأزرار ، واللبنة والوصلة والرقعة والعلم وأمثالها ، لعدم معلومية صدق تحقّق الصلاة فيه.

نعم يظهر من تتبّع الأخبار واستعمالات الفقهاء وغيرهم تحقّقه باللبس مطلقا ، وكذا بكون الحرير بعضا من الثوب الملبوس معتدا به لا كلّ بعض. نعم خرج من ذلك ما لا تتم الصلاة فيه كما سبق.

ولا يضرّ انفكاك كلّ من جواز اللبس والصلاة عن الآخر في بعض ما ذكر ، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل ، كما ظهر ممّا نقلنا عن شرح الجعفرية وإن ادّعاه بعضهم (١).

الخامس من الشرائط : أن لا يكون ذهبا إن كان المصلّي رجلا ، فإنّه لا يجوز له لبسه ، وتبطل الصلاة فيه.

أمّا الأول فممّا لا خلاف فيه ، كما في الحبل المتين والبحار (٢) ، والمفاتيح (٣) ، بل قيل : إنه ضروري الدين (٤) ، وهو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة كالنبوي المتقدم (٥) ، والعامي المشهور كما في المفاتيح : « حلّ الذهب والحرير للإناث من أمّتي وحرّم على ذكورها » (٦).

ورواية النميري : « جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء ، وحرّم على‌

__________________

(١) راجع ص ٣٣٩.

(٢) الحبل المتين : ١٨٥ ، البحار ٨٠ : ٢٥١.

(٣) حكاه الوحيد البهبهاني عن المفاتيح في شرحه ( المخطوط ).

(٤) كما في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٥) في ص ٣٤٤.

(٦) سنن النسائي ٨ : ١٩٠.

٣٥٦

الرجال لبسه والصلاة فيه » (١).

وموثّقة الساباطي : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه » (٢).

وفحوى المستفيضة الناهية عن التختّم بالذهب والصلاة فيه ، كالمرويين في الفقيه والعلل : « فلا تتختّم بخاتم الذهب » (٣).

والمروي في الخصال : « ويجوز أن تتختّم ـ أي المرأة ـ بالذهب وتصلّي فيه ، وحرّم ذلك على الرجال » (٤).

والمرويين في قرب الإسناد :

أحدهما : « إيّاك أن تتختّم بالذهب » (٥).

والثاني : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سبع ، عن التختّم بالذهب » (٦).

وفي كتاب المسائل : عن الرجل هل يصلح له أن يتختّم بالذهب؟ قال : « لا » (٧).

ورواية الجراح : « لا تجعل في يدك خاتما من ذهب » (٨).

والتحريم كما ترى مخصوص باللبس وبالرجال ، فلا يحرم ما ليس بلبس أو لا يعلم صدقه عليه. ويتفرّع عليه جواز افتراشه واستصحابه وجعله على اللباس‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ـ ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤١٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٨ ، علل الشرائع : ٣٤٨ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٤١٣ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ٧٧٤ ، علل الشرائع : ٣٤٨ ـ ٣ ، الوسائل ٤ : ٤١٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٦.

(٤) الخصال : ٥٨٨ ـ ١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٦ ح ٦.

(٥) قرب الإسناد ٩٨ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٤ : ٤١٦ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ١١.

(٦) قرب الإسناد ٧١ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ٤ : ٤١٥ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٩.

(٧) مسائل علي بن جعفر : ١٦٢ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٤ : ٤١٥ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ١٠.

(٨) الكافي ٦ : ٤٦٩ الزي والتجمل ب ٢١ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٤١٣ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٢.

٣٥٧

كنصب قطعة ذهب أو منسوج منه عليه. وتحريم الافتراش كما في التحرير (١) ضعيف جدّا.

وهل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه ، فلا يحرم إلاّ لباس كان سداه ولحمته ذهبا ، أو لا بل يحرم ولو لم يكن محضا؟ فيه إشكال ، حيث إنّ ما لبسه ليس ذهبا وما هو ذهب لم يلبس ، بل لبس ما يشتمل عليه. وحكم في الغنية بكراهة الملحم بالذهب (٢).

وكيف كان فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب ، للشك في صدق لبس الذهب سيما إذا كان في مثل الأزرار وأطراف الثوب.

نعم ، يحرم التختّم به ولو شك في صدق اللبس عليه ، على الأظهر الأشهر ، بل في الخلاف الإجماع عليه (٣) ، لما مرّ.

وضعف البعض منه منجبر بالعمل ، واشتمال بعضه على ما ليس بمحرّم غير ضائر وإن عبّر بما عبّر به في الذهب ، إذ خروج بعض الحديث عن ظاهره لا يوجب خروج الباقي.

وأمّا ما في رواية [ ابن القداح ] (٤) : « من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تختّم في يساره بخاتم من ذهب » وما في معاني الأخبار : « قال علي عليه‌السلام : نهاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ولا أقول نهاكم ـ عن التختّم بالذهب » (٥) فلا يعارضان ما مرّ.

أمّا الأول : فلجواز كونه قبل التحريم.

__________________

(١) التحرير ١ : ٣٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٣) الخلاف ١ : ٥٠٨.

(٤) الكافي ٦ : ٤٧٦ الزي والتجمل ب ٢٧ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ٤١٣ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٣ ، وفي النسخ : الجرّاح بدلا عن ابن القداح ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٥) معاني الأخبار : ٣٠١ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٤١٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٧.

٣٥٨

وأمّا الثاني : فلأنّ عدم القول بأنه نهاهم لا يستلزم عدم نهيهم ، لاحتمال أن يكون عدم قوله لمصلحة من تقية أو غيرها.

ولا يتعدّى إلى غير التختّم من التحلّي ما لم يصدق عليه اللبس ، للأصل.

وأمّا المروي في السرائر : عن الرجل يحلي أهله بالذهب؟ قال : « نعم ، النساء والجواري ، وأمّا الغلمان فلا » (١) فمع معارضته مع صحيحتي الكناني (٢) وابن سرحان (٣) غير ناهض لإثبات الحرمة ، لجواز أن يكون قوله : « لا » نفيا للإباحة.

ولا يحرم اللبس ولا التختّم للخنثى ، للأصل.

وحرّمه في الدروس والألفية (٤) ، والجعفرية. ولا وجه له.

وأمّا الثاني فهو مذهب الأكثر ، بل يشعر كلام الحبل المتين والبحار بعدم الخلاف فيما تتم الصلاة فيه وحده (٥). وظاهر الألفية اشتراط البطلان بكونه ساترا (٦).

وتردّد في المنتهى في غير الساتر وفي المنطقة (٧).

وعن المعتبر عدم البطلان بلبس خاتم من ذهب (٨).

واستشكل فيه في ( السرائر ) (٩).

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ١٤٤ ـ ١١ ، الوسائل ٥ : ١٠٤ أبواب أحكام الملابس ب ٦٣ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٤٧٥ الزي والتجمل ب ٢٧ ح ١ ، الوسائل ٥ : ١٠٣ أبواب أحكام الملابس ب ٦٣ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٧٥ الزي والتجمل ب ٢٧ ح ٢ ، الوسائل ٥ : ١٠٣ أبواب أحكام الملابس ب ٦٣ ح ٢.

(٤) الدروس ١ : ١٥٠ ، الألفية : ٤١.

(٥) الحبل المتين : ١٨٥ ، البحار ٨٠ : ٢٥١.

(٦) الألفية : ٤٠.

(٧) المنتهى ١ : ٢٣٠.

(٨) المعتبر ٢ : ٩٢.

(٩) في « ق » و « س » : ير ، وهو رمز للتحرير ، وفي « ه‍ » و « ح » : ئر ، وهو رمز للسرائر. ولكن لم نعثر على المسألة في السرائر ، وجزم بالبطلان في التحرير ١ : ٣٠.

٣٥٩

وعن أبي الصلاح الكراهة مطلقا (١).

والحق ـ كما هو مقتضى روايات الخصال والنميري والساباطي ـ البطلان في الخاتم بخصوصه ، وفي سائر ما تحقّق صدق الصلاة فيه ، وقد عرفت مواقع الصدق في الحرير.

والاستدلال للبطلان : بأنّ الصلاة فيه استعماله وهو محرّم ، وبالأمر بالنزع الموجب للنهي عن ضدّه ، ضعيف.

أمّا الأول : فلمنع حرمة مطلق استعماله.

وأمّا الثاني : فلما مرّ في الحرير ، ويأتي في المغصوب.

ثمَّ الظاهر أنّ حكم المنسوج من المموّه بالذهب حكم الذهب ، لأنّ ماء الذهب ذهب ، فيصدق لبس الذهب والصلاة فيه فيما يصدق على المنسوج من الذهب ، فتأمّل.

وأما الخاتم المموّه : فالظاهر فيه عدم التحريم ، لأنّ المركّب من الذهب وغيره ليس بذهب.

السادس : أن لا يكون مغصوبا ، فلا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب في الجملة.

وتحقيقه : أنه يحرم لبس الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية بإجماع العلماء المحقق ، والمصرّح به في الناصريات والغنية (٢) ، واللوامع ، والمنتهى والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام وشرح القواعد والذكرى وروض الجنان (٣) والمعتمد ، وغيرها (٤).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٣) المنتهى ١ : ٢٢٩ ، التذكرة ١ : ٩٦ ، التحرير ١ : ٣٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٧ ، الذكرى : ١٤٦ ، روض الجنان : ٢٠٤.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ١٨٦ ، والحدائق ٧ : ١٠٣.

٣٦٠