مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

الإبهام (١) ، وبعضهم من السبابة والوسطى (٢) ، والحلّي أنّها تقرب من سعة أخمص الراحة ، ولكنه ذكر أنها سعة البغلي الذي هو غير الوافي عنده (٣).

وهذه التقديرات وإن كانت متقاربة إلاّ أنّه ليست على شي‌ء منها حجة تامة.

والاستدلال للأول : بالمروي عن مسائل علي : « وإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولا تصلّ فيه حتى تغسله » (٤) ضعيف.

كالاحتجاج [ للرابع ] (٥) بإخبار الحلّي عن رؤيته كذلك ، وليس من باب الشهادة ليعتبر فيها التعدد مع اعتضاده بالشهرة المحكية ، لضعف الرواية ، وخلوّها عن الجابر ، ومخالفتها لروايات الدرهم ظاهرا ، وعدم دليل على حجية كلّ خبر بحيث يشمل مثل ذلك أيضا ، مع أنّ ما أخبر عنه الحلّي هو البغلي ، وقد عرفت أن كلامه مشعر بمغايرته مع الوافي.

وبالجملة : لا حجة واضحة على تعيين سعته ، مع أنّ اختلاف سعة الدراهم المضروبة بوزن واحد أمر معلوم.

والموافق للقواعد الأخذ بأكثر المقادير ، بل أكثر ما يمكن أن يكون سعة الدرهم ، إذ لأجل إجمال الدرهم تكون عمومات وجوب إزالة الدم مخصّصة بالمجمل ، والعام المخصّص بالمجمل ليس بحجة في موضع الإجمال إمّا مطلقا ، أو إذا كان المخصّص مستقلا ، كما هو الأظهر ، والمورد كذلك.

ح : عدم العفو عن مقدار الدرهم فصاعدا هل يختص بما كان مجتمعا‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٩.

(٢) كما في كشف الغطاء : ١٧٥.

(٣) السرائر ١ : ١٧٧.

(٤) البحار ١٠ : ٢٧٩.

(٥) في النسخ الأربع : للثاني ، والصحيح ما أثبتناه.

٣٠١

فيعفى عن المتفرّق وإن زاد المجموع عن الدرهم ما لم يبلغ واحد من المتفرقات درهما ، أو يعم فلا يعفى عن الزائد مطلقا؟ الأول ـ وهو الأقوى ـ للشيخ والحلّي وابن سعيد والشرائع والنافع والتلخيص والمدارك والذخيرة والحدائق (١) ، وجعله الثاني الأظهر في المذهب ، وفي الذكرى : إنه المشهور (٢).

لإطلاق نفي البأس في مرسلة جميل عمّا فيه الدم متفرّقا شبه النضح (٣) ، بل لجزئه الأخير أيضا بجعل قوله : « مجتمعا » حالا محقّقة و : « قدر الدرهم » خبرا ، أو بجعل الأول خبرا [ والثاني ] (٤) منصوبا بنزع الخافض أو خبرا بعد خبر.

وأظهر منه صحيحة ابن أبي يعفور بجعل : « مجتمعا » حالا محقّقة أو خبرا ، أو خبرا بعد خبر (٥).

وأمّا الحال المقدّرة الموجبة لسقوط الاستدلال فهي فيهما غير متصوّرة ، لظهور اتّحاد زماني الاجتماع والكون بقدر الدرهم ، مع أنّ تغايرهما شرط في المقدّرة اتّفاقا. بل قد يقال بامتناع المحقّقة في الصحيحة أيضا ، لامتناعها في النقط المفروضة فيها.

ويندفع بإمكان إرجاع المستتر إلى الدم المضاف إليه دون النقط ، بل هو أنسب بتذكير الحال ، مع أنّ كون نقطة منها بقدر الدرهم ممكن.

والثاني ـ وهو الأحوط ـ للديلمي والقاضي وابن حمزة والفاضل (٥) ، ونسب‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٦ ، النهاية : ٥١ ، الحلي في السرائر ١ : ١٧٨ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٣ ، الشرائع ١ : ٥٣ ، المختصر النافع : ١٨ ، المدارك ٢ : ٣١٨ ، الذخيرة : ١٥٩ ، الحدائق ٥ : ٣١٦.

(٢) الذكرى : ١٦.

(٣) راجع ص ٢٩٣.

(٤) أضفناها لاستقامة المتن.

(٥) راجع ص ٢٩٢.

(٦) الديلمي في المراسم : ٥٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٥١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، الفاضل في التحرير ١ : ٢٤ ، والمنتهى ١ : ١٧٣ ، والتذكرة ١ : ٨ ، والقواعد ١ : ٨.

٣٠٢

إلى أكثر المتأخّرين (١) ، واختاره والدي رحمه‌الله.

للصحيحة المتقدّمة ، والجزء الأخير من المرسلة ، لا بجعل : « مجتمعا » حالا مقدرة حتى يرد ما ذكر ، بل بجعله حالا محقّقة مع تقدير التقدير أي حال تقديره مجتمعا ، مثل زيد مفطرا أعبد منه صائما ، مدّعيا كون هذا المعنى متبادرا.

وللأصل المتقدّم ، وإطلاق حسنة محمد ، ورواية الجعفي ، والرضوي المتقدّمة (٢) ، واستصحاب شغل الذمة ، مع الاعتضاد بالاعتبار من عدم التفرقة بين المجتمع والمتفرّق.

ويردّ الأول : بأنه محتاج إلى تقدير لا دليل عليه ، وجعل رجوع المستتر إلى النقط قرينة عليه مردود بما مرّ ، وتبادر الحالية ثمَّ المحتاجة منها إلى التقدير ممنوع ، وتبادرها في المثال المذكور لعدم إمكان اجتماع الحالين ، ولذا لا يتبادر في غير مثله كما لو قيل ـ بعد السؤال عن الحوض النجس يرد عليه الماء شيئا فشيئا هل يطهره ـ : لا يطهره إلاّ أن يرد قدر كر مجتمعا ، فإنّ المتبادر منه ورود قدر كر مجتمعا.

والبواقي : بأنّ الصحيحة والمرسلة بعد ما عرفت من تحقّق دلالتهما أخصّان مطلقا منها فيخصّصانها ، والاعتبار المذكور لا اعتبار به.

وها هنا مذهب ثالث اختاره الشيخ في النهاية والمحقّق في المعتبر (٣) ، وهو : تعليق وجوب الإزالة على التفاحش. وصرح الأكثر بعدم مستند له ، ويمكن جعل الجزء من المرسلة له دليلا بتنزيل شبه النضح على غير المتفاحش ، ولكنه لا يتم بعد ملاحظة المعارضات له ، فتدبّر.

ثمَّ على القول بتقدير الاجتماع ففي جريانه فيما لو كانت التفرقة في أكثر من‌

__________________

(١) نسبه إليهم السبزواري في الذخيرة : ١٥٩ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣١٥.

(٢) في ص ٢٦٦ ، ٢٥٣ ، ٢٩٣.

(٣) النهاية : ٥٢ ، المعتبر ١ : ٤٣٠.

٣٠٣

ثوب أو في البدن أو الثوب والبدن ، وعدمه ، أو انفراد كلّ منهما في حكمه ، وجوه أظهرها : التقدير في الجميع.

الثاني من شرائط لباس المصلّي : أن لا يكون جلد ميتة ، فلا تجوز الصلاة فيه ولو دبغ سبعين مرة ، إجماعا محقّقا ومحكيا في المعتبر والمنتهى والتذكرة وشرح القواعد (١) ، وغيرها (٢) ، وهو الحجة فيه ، مع ما مرّ من نجاسته المانعة عن الصلاة فيه ، بل وكذا لو قلنا بطهارته ـ حتى منع الإسكافي القائل بها بعد الدباغ (٣) ـ للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة (٤).

وفي حكم المعلوم كونه ميتة ما لم يعلم تذكيته ، كما مرّ في كتاب الطهارة سوى ما استثني فيه.

والظاهر ـ كما هو مقتضى عموم أكثر الأخبار ، وخصوص مرسلة ابن أبي عمير : في الميتة قال : « لا تصلّ في شي‌ء منه ولا شسع » (٥) ـ عموم المنع لما لا تتمّ الصلاة فيه أيضا ، كما صرّح به جماعة (٦).

وأما موثّقة الهاشمي : عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المسلمين ، قال : « أمّا النعال والخفاف فلا بأس بها » (٧) فلمعارضة ما مرّ غير صالحة ، مع أنّها لما سبق في بحث الجلود من عدم جواز الانتفاع بالميتة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٧ ، المنتهى ١ : ٢٢٥ ، التذكرة ١ : ٩٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٠.

(٢) كالذكرى : ١٤٢ ، وروض الجنان : ٢١٢ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٣ ، والحدائق ٧ : ٥٠ ، والرياض ١ : ١٢١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٦٤ و ٧٩.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ٣٤٣ أبواب لباس المصلي ب ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٣ ـ ٧٩٣ ، الوسائل ٤ : ٣٤٣ أبواب لباس المصلي ب ١ ح ٢.

(٦) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٢ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٦١ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٢ ، الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٨ ح ٣ ، وفيهما : المصلين بدل المسلمين.

٣٠٤

مطلقا منافية ، ولإرادة غير الميتة محتملة ، بل عليها ـ جمعا ـ محمولة.

بل الظاهر تعدّي المنع إلى ما يصاحبه المصلّي وإن لم يكن لباسا ولا جزأه.

لا لمفهوم صحيحة عبد الله : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيا » (١) لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للتذكية ، فإرادة الطهارة منها هنا كما فسّرها بها في الذكرى (٢) ، وإرادة الكراهة من البأس الثابت بالمفهوم حيث إنها مما لا تتم الصلاة فيه محتملة.

مع أنه لو أريد منها التذكية الشرعية ، لزم التجوّز في مرجع المستتر في : « كان » إن أرجع إلى الظبي ، وفي التذكية إن أرجع إلى الفأرة ، ولا ترجيح لشي‌ء منهما على إرادة الكراهة من البأس والطهارة من التذكية لو كانت مجازا شرعيا فيها.

بل لموثّقة سماعة : عن تقليد السيف في الصلاة فيه الغراء والكيمخت ، قال : « لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة » (٣).

ورواية عليّ بن أبي حمزة : عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ قال : « نعم » فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت!! فقال : « وما الكيمخت؟ » فقال : « جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة ، فقال : « ما علمت أنه ميتة فلا تصلّ فيه » (٤).

وبهما يقيّد إطلاق صحيحة علي : عن فأرة المسك يكون مع الرجل يصلّي وهي معه في جيبه أو ثيابه ، فقال : « لا بأس بذلك » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٥٠٠ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٤١ ح ٢.

(٢) الذكرى : ١٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٢ ـ ٨١١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ ـ ٨٠٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ١٢ ، الغراء مثل كتاب ما يلصق به معمول من الجلود وقد يعمل من السمك. المصباح المنير : ٤٤٦ ، والكيمخت بالفتح فالسكون وفسّر بجلد الميتة المملوح ـ مجمع البحرين ٢ : ٤٤١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٩ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٤١ ح ١.

٣٠٥

ثمَّ الميتة الممنوعة من الصلاة فيها هل هي عامة لما لا نفس له أيضا؟ كما عليه بعض أصحابنا (١) ، لإطلاق الأخبار بل عمومها. أو مختصة بما له نفس؟ كما عليه الآخرون ، لكونه المتبادر من الإطلاق ، ولأنّ الميتة في مقابل المذكّى وليس لما لا نفس له تذكية. الحقّ هو الأول ، لما مرّ ، ومنع التبادر جدّا ، فإنّه لا يفرّق اللغة ولا العرف بين العصفور والوزغة والسمك في عدّ غير الحي منها ميتة ، وعدم اقتضاء المقابلة المذكورة لعدم الصدق ، فإنّ مقتضاها كون غير المذكّى من الحيوان ميتة ، والمفروض منها ، ولا يجب أن يكون قابلا للتذكية وإلاّ لما صدق على ميتة نجس العين والمسوخات.

نعم ، الظاهر عدم التبادر في مثل القمل والذباب والبرغوث والنمل.

مع أنه لو قلنا بالصدق أيضا ، فالظاهر الاتّفاق على خروجه وعدم البأس بالصلاة فيه.

مضافا إلى أنّ التعدّي إلى كلّ ميتة إنّما هو بعدم القول بالفصل ، وتحقّقه في أمثال ذلك ممنوع.

ثمَّ إنّ مثل جلد الميتة جميع أجزائها التي تحل فيها الحياة بالإجماع. دون ما لا تحلّه ، فتجوز الصلاة فيه إذا كان ممّا يؤكل لحمه إجماعا ، له ، ولصحيحة الحلبي : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه روح » (٢).

ويجب غسل الصوف ونحوه سواء جزّ أو قلع ، كما مرّ في كتاب الطهارة.

الثالث : أن لا يكون من جلد ما لا يؤكل لحمه شرعا مطلقا ولو كان ممّا يذكّى وذكّي ودبغ ، ولا في صوفه وشعره ووبره وريشه ـ إلاّ ما يجي‌ء استثناؤه ـ

__________________

(١) كالبهائي في الحبل المتين : ١٨٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٤ : ٤٥٧ أبواب لباس المصلي ب ٥٦ ح ١.

٣٠٦

بالإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا بل متواترا (١) ، بل الظاهر أنه من شعار الشيعة يعرفهم به العامة ، وهو الحجة في المقام.

مضافا إلى المستفيضة :

منها : رواية عليّ بن أبي حمزة : عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : « لا تصلّ فيها إلاّ فيما كان منه ذكيّا » قال : قلت : أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟

فقال : « بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه » قلت : وما (٢) يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : « لا بأس بالسنجاب ، فإنه دابّة لا تأكل اللحم وليس هو ممّا نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الحديث (٣).

وصحيحة الأحوص : عن الصلاة في جلود السباع ، فقال : « لا تصلّ فيها » (٤).

وموثّقتي سماعة وابن بكير :

الاولى : عن لحوم السباع وجلودها ، إلى أن قال : « وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيها » (٥).

والثانية : من الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الصلاة في كلّ شي‌ء‌

__________________

(١) نقله في المنتهى ١ : ٢٢٦ ، والتذكرة ١ : ٩٤ ، وشرح القواعد ٢ : ٨١ ، والمدارك ٣ : ١٦١ ، والمعتبر ٢ : ٧٨ ، ٨١ ، وعن الخلاف ١ : ٦٣ و ٥١١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، ونهاية الإحكام للفاضل ١ : ٣٧٣ ، وروض الجنان : ٢١٣ ، والسرائر ١ : ٢٦٢ وغيرها. منه رحمه الله تعالى.

(٢) في التهذيب : وما لا يؤكل ..

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ ـ ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٠ الصلاة ب ٦٥ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ ـ ٨٠١ ، الوسائل ٤ : ٣٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٦ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٩ ـ ٨٠١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ ـ ٨٠٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٣ و ٤.

٣٠٧

حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكلّ شي‌ء منه فاسدة ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحل الله أكله ـ إلى أن قال ـ وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسدة ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » (١).

ومرسلة الفقيه : « يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » (٢).

والمروي في العلل : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه ، لأن أكثرها مسوخ » (٣).

وضعف سند بعضها كاختصاص طائفة منها بالسباع غير ضائر ، لانجبار الأول بالعمل ، والثاني بالإجماع المركّب.

وصحيحة ابن مهزيار : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب عليه‌السلام : « لا تجوز » (٤) وقريبة منها رواية الأبهري (٥). إلى غير ذلك.

ولا ينافيه خبر الوشّاء : « [ كان أبو عبد الله عليه‌السلام ] يكره الصلاة في شعر ووبر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه » (٦) للأعميّة ، حيث إنّ الكراهة في اللغة أعم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٦٥ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٦.

(٣) علل الشرائع : ٣٤٢ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٣٤٧ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٩ الصلاة ب ٦٥ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ ـ ٨٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥١ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٦ ـ ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨٢٠ ، علل الشرائع : ٣٤٢ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٣٠٨

من الحرمة.

ولا صحيحة ابن يقطين : عن لباس الفراء [ والسمّور ] والفنك والثعالب وجميع الجلود ، قال : « لا بأس بذلك » (١) لعدم دلالتها على انتفاء البأس في الصلاة فيها.

ولا مطلقات نفي البأس عن الصلاة فيما يشترى في السوق أو سوق المسلمين أو بلد غالب أهله المسلمون حتى تعلم أنه ميتة (٢) ، للإجماع على اختصاصها بالمأكول باعتبار السوق والإسلام ، وأنّ كل غير مأكول شك فيه من هذه الجهة كالسمور والثعلب لا يصير سوق المسلمين والإسلام سببا لحلية الصلاة فيه.

كما لا ينافي الإجماع ما يظهر من المعتبر من الميل إلى العمل بصحيحة ابن يقطين في الصلاة أيضا (٣) ، لشذوذه ، مع احتمال أن يكون تجويزه العمل في السمور والثعالب والسنجاب والفنك خاصة.

وهاهنا مسائل :

المسألة الاولى : لو علّق شي‌ء من فضلات ما لا يؤكل بالثوب كالشعرة الملقاة عليه ، لا تجوز الصلاة فيه على الأصح ، وفاقا لجماعة منهم المحقّق الثاني والمحدّث المجلسي ـ رحمه‌الله ـ والفاضل الخوانساري (٤).

لا لما دلّ على عدم جواز الصلاة في وبر ما لا يؤكل وشعره ، لعدم تحقّق‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١١ ـ ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ ـ ١٥٦٠ ، الوسائل ٤ : ٣٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ١ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : السنّور ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٤٥٥ أبواب لباس المصلي ب ٥٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٨٧. قال بعد نقل تلك الرواية ، وصحيحة الحلبي الواردة في السمّور والسنجاب والثعالب وأشباه الفراء : وطريق هذين الخبرين أقوى ولو عمل بهما عامل جاز ، لكن على الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة. منه رحمه الله تعالى.

(٤) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٨١ ، المجلسي في البحار ٨٠ : ٢٢١ ، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٧.

٣٠٩

الظرفية المستفادة من لفظة : « في » في المورد.

ولا لموثقة ابن بكير ، حيث إن ذكر البول ونحوه ينفي إرادة الظرفية ويعيّن مطلق الملابسة قطعا ، لاحتمال أن يكون المعنى المجازي هو نوع خاص من الملابسة وهو ما يتلطّخ أو يتلوّث به اللباس دون مطلق التعلّق والمصاحبة ، كما فرّق فيه بعضهم ، منهم والدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد (١).

بل لرواية إبراهيم بن محمد : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب : « لا تجوز الصلاة فيه » (٢).

وضعف سندها عندنا غير ضائر ، مع أنّه بالشهرة المحكية في البحار (٣) ، وبعض آخر من الأجلّة منجبر (٤).

وتؤيّده أيضا أخبار المنع عن الصلاة في الثوب الذي تحت وبر الأرانب وفوقه (٥).

خلافا للشهيدين والمدارك (٦) ، وبعض آخر (٧) ، ونسبه والدي ـ رحمه‌الله ـ إلى أكثر الثالثة ، فخصّوا المنع بالملابس ، للأصل.

وصحيحة الصهباني ، المكاتبة : هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب : « لا تحلّ الصلاة في الحرير‌

__________________

(١) وكذا الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ ـ ١٤٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٤.

(٣) البحار ٨٠ : ٢٢٣.

(٤) كما في المعتبر ٢ : ٨٢.

(٥) انظر : الوسائل ٤ : ٣٥٥ أبواب لباس المصلي ب ٧.

(٦) الشهيد الأول في الذكرى : ١٤٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣ ، وروض الجنان : ٢١٤ ، المدارك ٣ : ١٦٥.

(٧) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٠٩.

٣١٠

المحض ، وإن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء الله » (١).

ومكاتبة عليّ بن ريّان : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه من شعر الإنسان وأظفاره قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع : « تجوز » (٢).

ونحوهما صحيحته الأخرى ، إلاّ أنها تتضمّن شعر المصلّي وأظفاره (٣).

ويضعّف الأول : باندفاعه بما مرّ.

والثاني ـ مع كونه أخصّ من المدّعى ، لاختصاصه بما لا تتمّ الصلاة فيه ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب ـ : بأنه لمّا لم يمكن إرادة الحقيقة اللغوية التي هي الطهارة من التذكية ، لعدم اشتراطها في غير الساتر إجماعا ، ومجازها متعدّد ، فكما يمكن أن يكون المراد منها مطلق الذبح الشرعي وإن ورد على غير المأكول كما استعملها فيه في موثّقة ابن بكير ، يمكن أن يكون الذبح الوارد على خصوص مأكول اللحم كما خصّا به في رواية عليّ بن أبي حمزة ، ولا مرجّح لأحد المجازين. بل يمكن أن يكون المراد منه كونه من مأكول اللحم مطلقا وإن لم يذكّ. بل الظاهر تعيّن ذلك المعنى ، للإجماع من غير الحنبلي على عدم اشتراط التذكية المطلقة أيضا.

مع أنه لو سلّمت دلالتها وتعارضها مع ما مرّ ، لكان الترجيح لما مرّ ، لمخالفة العامة ـ كما صرّح بها الجماعة ـ ويستفاد من قوله : « من غير تقية » بل هو معلوم قطعا ، حيث إنهم يجوّزون في الملابس فكيف بما عليها (٤).

مضافا إلى مرجّحات أخر اجتهادية كالشهرة المحكية ، والرواية مشافهة التي هي أرجح من المكاتبة بوجوه عديدة سيما إذا كانت موافقة للعامة ، وأظهرية‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٧ ـ ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٣ ، الوسائل ٤ : ٣٧٧ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ـ ١٥٢٦ ، الوسائل ٤ : ٣٨٢ أبواب لباس المصلي ب ١٨ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٢ ـ ٨١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٢ أبواب لباس المصلي ب ١٨ ح ١.

(٤) انظر الأم للشافعي ١ : ٩١.

٣١١

الدلالة.

والثالث : باختصاصه بشعر الإنسان وظفره ، فلا يفيد في التعميم ، وظاهر جماعة منهم : الشهيد الثاني والمحقّق الخوانساري : جواز الفصل (١) ، بل تحقّقه ، بل قد يقال بخروج الإنسان من أخبار المنع رأسا بحكم تبادر غيره ممّا لا يؤكل (٢). ولكنه في محل المنع.

وكيف كان فلا ينبغي الريب في استثناء ما دلّت عليه الصحيحة من ظفر الإنسان وشعره ، بل جميع فضلاته الطاهرة من لبنه وعرقه ووسخه وبصاقه ومخاطه ومذيه ووذيه ودمعة ، من نفسه وغيره ، لما مرّ ، وللزوم العسر والحرج في الأكثر.

ورواية الكفرثوثي وفيها ـ بعد السؤال عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب ـ : « إن كان من حلال فصلّ فيه » (٣).

وصحيحة ابن عمّار في عرق الحائض (٤) ، وحسنة زرارة في المذي والوذي (٥).

وقد ورد في المستفيضة أنّ المذي بمنزلة البصاق والمخاط (٦) ، فيثبت الحكم فيهما أيضا.

وما دلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي تقيّأ فيه (٧) وعلى صحة الصلاة في‌

__________________

(١) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣ ، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٧.

(٢) انظر الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٧.

(٣) الذكرى : ١٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٧ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٩ ـ ٧٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٨٦ ـ ٦٤٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٠ أبواب النجاسات ب ٢٨ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩ الطهارة ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢١ ـ ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢.

(٦) انظر الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ وج ٣ : ٤٢٦ أبواب النجاسات ب ١٧.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ ـ ١٤٨٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨٨ أبواب النجاسات ب ٤٨ ح ١.

٣١٢

ثوب الغير مطلقا ، وثوب المرأة كما في صحيحة العيص (١).

ولموثّقة الساباطي : « لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلّي أو ترضعه وهي تتشهّد » (٢) فإن الإرضاع لا ينفك عن وصول بصاق الصبي إلى ثدي امّه.

ورواية الحسين بن زرارة : عن الرجل يسقط سنّه فيأخذ سنّ ميت مكانه ، قال : « لا بأس » (٣).

والظاهر أنّ السنّ المأخوذ ليس بحيث يقلع في أوقات الصلاة.

وما دلّ على جواز البكاء في الصلاة (٤).

بل الظاهر إجماع المسلمين ، بل الضرورة على عدم التجنّب من ذلك في الصلاة ، كما يظهر من ملاحظة مصافحاتهم ومعانقاتهم ومضاجعاتهم مع زوجاتهم سيما في الأيام الحارّة ، ولبسهم ثياب غيره وهكذا.

نعم ، لو نسج ثوب من شعر إنسان أو شبه قلنسوة من ذوائبه فالظاهر المنع.

والظاهر عدم المنع في وصل شعره بشعره مطلقا ولو كان كثيرا.

فروع :

أ : لا بأس باستصحاب شي‌ء ممّا لا يؤكل في الصلاة من غير تعلّق واستمساك وتشبّث له بالثوب أو البدن ، كعروة السيف المقلّد وعروة السكّين ، للأصل ، وعدم دلالة أخبار المنع على مثل ذلك ، وقد صرّح بمثله والدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد.

وفيما يماسّ الثوب من غير تشبّث له به ـ كقطعة من العاج في الجيب أو على المنطقة ـ تردد ، والأظهر الجواز ، والأحوط المنع. ولو فصل بينه وبين الثوب بشي‌ء ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٢ الصلاة ب ٦٥ ح ١٩ ، الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥١١ ، الوسائل ٤ : ٤٤٧ أبواب لباس المصلي ب ٤٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٠ ـ ١٣٥٥ ، الوسائل ٧ : ٢٨٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٧٨ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١٢.

(٤) انظر الوسائل ٧ : ٢٤٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٥.

٣١٣

زال المنع قطعا.

ب : هل تجوز الصلاة على فرش من جلد ما لا يؤكل لحمه أو وبره أو شعره؟ الظاهر نعم ، للأصل ، وعدم صدق كونه على الثوب بل الثوب عليه ، ولم يثبت المنع في مثل ذلك.

ج : لو وصل مثل عرق غير المأكول أو لبنه ثوبا ، يزول المنع بجفافه لو لم تبق منه عين ، ولو بقيت يزول بزواله بالفرك ونحوه ، ولا يحتاج إلى الغسل.

الثانية : لا فرق في الملابس بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم (١) ، وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة (٢) ، لصحيحة ابن مهزيار ورواية الأبهري المتقدّمتين (٣) ، بل جميع روايات المنع ، لعدم اختلاف الظرفية بتمامية الصلاة فيه وعدمها ، فليست العمامة ممّا يصلّي فيها دون القلنسوة ، فلا حاجة إلى ضمّ الإجماع المركّب في الجلد إلى الوبر ، أو غير التكة والقلنسوة إليهما ، لتطرّق المنع في الإجماع المذكور في الجملة.

خلافا لجماعة منهم والدي رحمه‌الله ، فجوّزوا الصلاة في التكة والقلنسوة المعمولتين ، أو مع ضمّ الجورب ، أو ما لا تتم الصلاة فيه مطلقا المعمولة من وبر ما لا يؤكل ، أو من الجلد أيضا ، مع التصريح بالكراهة أو بدونه (٤).

ومنهم من تردّد في الجواز وعدمه مع جعل الأحوط المنع (٥) ، أو بدونه (٦).

__________________

(١) فلا تصح الصلاة في قلنسوة من جلد ما لا يؤكل أو وبره أو تكة أو خفّ أو نعل منه. منه رحمه الله تعالى.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٨٢ ، والمحقق الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٦ ، وصاحب الرياض ١ : ١٢٢.

(٣) في ص ٣٠٨.

(٤) انظر : المبسوط ١ : ٨٤ ، والمنتهى ١ : ٢٢٧ ، والمفاتيح ١ : ١٠٩.

(٥) كما في المنتهى ١ : ٢٢٧ ، والتحرير ١ : ٣٠ ، والمدارك ٣ : ١٦٧.

(٦) كما في النهاية : ٩٨ ، والرياض ١ : ١٢٢.

٣١٤

للأصل المندفع بما مرّ.

وصحيحة الصهباني المجاب عنها بما ظهر (١).

وخبر ابن الصلت : سأل [ أبا الحسن الرضا ] (٢) عليه‌السلام عن أشياء منها الخفاف عن أصناف الجلود ، فقال : « لا بأس بهذا كله إلاّ الثعالب » (٣).

وهو مع عدم ذكر الصلاة فيه وموافقته للعامة أعم مطلقا من بعض روايات المنع ، فيجب تخصيصه به.

والرضوي : « وقد تجوز الصلاة فيما [ لم ] تنبته الأرض ولم يحل أكله ، مثل السنجاب والفنك والسمور والحواصل ، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده الصلاة » (٤).

وهو ضعيف لا يصلح للمعارضة مع الأخبار المعتبرة.

فرع‌ : في حكم الملابس أجزاؤها المتصلة بها وإن كانت صغيرة ، لفحوى رواية إبراهيم ، المتقدّمة (٥) ، ومرفوعة أحمد : « في الخزّ الخالص أنه لا بأس به ، وأمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه » (٦).

الثالثة : لو مزج صوف ما لا يؤكل أو نحوه مع نحوه ممّا يؤكل ونسج منه ثوب ، لا تجوز الصلاة فيه ، للفحوى والمرفوعة المتقدّمتين. وما يجوّز بظاهره الصلاة في الخزّ المخلوط سيأتي دفعه.

الرابعة : لو شكّ في الجلد أو غيره أنه من المأكول أو غيره ، قال في المنتهى :

__________________

(١) راجع ص ٣١٠ و ٣١١.

(٢) في النسخ : الصادق ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٩ ـ ١٥٣٣ ، الوسائل ٤ : ٣٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠٢ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٢٠٨ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ١. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) في ص ٣١٠.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ح ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢١٢ ـ ٨٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ـ ١٤٧٠ ، الوسائل ٤ : ٣٦١ أبواب لباس المصلي ب ٩ ح ١.

٣١٥

إنه لا تجوز الصلاة فيه ـ وهو بإطلاقه شامل لما إذا كان الشك لأجل التردّد في أنه من أيّ حيوان ، أو في أنّ هذا الحيوان الذي هو منه هل هو مأكول اللحم أم لا ـ واستدلّ : بأنّ الصلاة مشروطة بالستر بما يؤكل ، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط (١).

وردّ بمنع الاشتراط ، بل الشرط الستر والأصل فيه الإطلاق ، وأخبار المنع دلّت على فساد الصلاة أو عدم جوازها فيما لا يؤكل ، وهي لا تدلّ إلاّ على الفساد فيما علم أنه ممّا لا يؤكل (٢).

وأجيب بأن معنى : كلّ ما يحرم أكله ـ كما في الموثّقة (٣) ـ ليس إلاّ ما كان كذلك واقعا من غير مدخلية للمعلومية في معناه ، مع أنّ الواجب تحصيل البراءة اليقينية (٤).

أقول : نظر الرادّ إلى أنّ النهي لمّا كان تكليفا وهو مشروط بالعلم قطعا فلا مفرّ من تقييد النواهي به ، ونظر المجيب إلى أنه إنّما هو فيما يتضمّن النهي ، ولكن قوله في الموثّقة : « إنّ الصلاة في وبر كلّ شي‌ء ـ إلى قوله ـ : لا تقبل تلك الصلاة » إخبار عن الواقع وليس أمرا ولا نهيا ، فلا دليل على تقييده ، فيجب إبقاؤه على إطلاقه ، وبملاحظة وجوب تحصيل البراءة اليقينية لا يبرأ إلاّ بالصلاة فيما علم أنّه ليس ممّا [ لا ] (٥) يؤكل.

ثمَّ أقول : إن الجواب إنما يتم لو لا المعارض للموثّقة ، ولكن تعارضها الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين (٦) ، وفيما‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣١.

(٢) كما في المدارك ٣ : ١٦٧ ، والحواشي على شرح اللمعة : ١٨٧.

(٣) المتقدمة في ص ٣٠٧.

(٤) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء الكلام.

(٦) الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠.

٣١٦

يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة (١) ، وتعارضهما بالعموم من وجه ، والأصل مع الجواز ، فهو الأظهر ، كما عليه جماعة ممّن تأخّر منهم صاحب المدارك والأردبيلي والخوانساري والمجلسي (٢) ، ووالدي العلاّمة رحمه‌الله.

ويؤيّده بل يدلّ عليه عمل الناس ، بل إجماع المسلمين ، حيث إنه لم يعلم كون أكثر الثياب ـ المعمولة من الصوف والوبر والشعر من الفراء والسقر لاب ، وما عمل لغمد السيف والسكين ـ ممّا يؤكل جزما ، ومع ذلك يلبسها ويصاحبها الناس من العوام والخواص في جميع الأمصار والأعصار ويصلّون فيه من غير تشكيك أو إنكار ، بل لولاه لزم العسر والحرج في الأكثر.

وتدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه (٣).

بل لنا أن نقول : إنّ قوله في الموثّقة : « كلّ شي‌ء حرام أكله » يتضمّن الحكم التكليفي ، فيقيّد بالعلم قطعا ، أي كلّ شي‌ء علمت حرمة أكله ، إذ لا حرمة مع عدم العلم ، بل نقول : إنّ ما حرم أكله ليس إلاّ ما علمت حرمته ، لحلّية ما لم يعلم حرمته ، كما يأتي في بحث المطاعم.

ثمَّ إنّ ذلك إنما هو إذا أخذ من يد أحد أو وجد جزء الحيوان ولم يمكن الفحص عن حال الحيوان ، وأمّا لو كان هناك حيوان مشكوك فيه ، فيرجع فيه إلى قاعدة حلّية اللحم وحرمتها مع الشك ، كما يأتي في باب المطاعم والمشارب ـ إن شاء الله ـ مع زيادة بيان لما ذكر أيضا.

الخامسة : إطلاق كثير من الفتاوى وإن يشمل ما لا نفس له أيضا كأكثر‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٢ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٥ ح ٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٩٥ ، المدارك ٣ : ١٦٧ ، البحار ٨٠ : ٢٢٢ ، الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٧.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٢٣٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٦٤.

٣١٧

الأخبار فلا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه منه أيضا ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مرادهم غير مثل القمّل والبقّ والبرغوث والذباب والزنبور والنحل ، لعدم تبادر ما لا يؤكل لحمه من أمثالها ، بل لا لحم لها حتى يصدق ذلك عليها ، فلا تشملها الأخبار المانعة عن الصلاة في فضلات ما لا يؤكل لحمه أيضا (١) ، فتكون باقية تحت الأصل.

وأمّا قوله في آخر الموثّقة : « وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله » إلى آخره حيث لم يقيّد باللحم فهو وإن شملها ظاهرا ، إلاّ أنّ ظاهر قوله فيها أخيرا : « ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » أنه فيما من شأنه ورود الذبح عليه ، فإنّه لا يستعمل عدم التذكية بالذبح إلاّ فيما يصلح له.

مع أنه على فرض الشمول يجب الحكم بالخروج ، بالإجماع القطعي في مثل دم البراغيث والقمل والبق وفضلة الذباب ونحوها ، ويلزم العسر والحرج الشديدين لولاه.

وبصحيحة الحلبي : عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال : « لا وإن كثر » (٢).

وصحيحة ابن مهزيار : عن الصلاة في القرمز وإنّ أصحابنا يتوقّفون فيه ، فكتب : « لا بأس به مطلق » (٣) وقد ذكروا أنّ القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم (٤).

والمروي في نوادر الراوندي : « عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٠٤ أبواب النجاسات ب ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٩ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٧١ ـ ٨٠٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٣ ـ ١٥٠٢ ، الوسائل ٤ : ٤٣٥ أبواب لباس المصلي ب ٤٤ ح ١.

(٤) كما في القاموس المحيط ٢ : ١٩٤.

٣١٨

الخنافس ودماء البراغيث ، فقال : « لا بأس » (١).

فروع :

أ : الممنوع من الصلاة فيه ما كان ممّا حرم أكله ونهي عنه ، كما صرّح به في الموثّقة ، فلا منع فيما يكره وما لا يعتاد في بعض البلاد ، بل المراد من قوله : « ما لا يؤكل لحمه » (٢) الوارد في بعض الأخبار أيضا ما ليس بحلال بقرينة قوله في الموثّقة : « حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله ».

ب : لو حمل حيوانا غير مأكول فالمصرّح به في كلام جماعة عدم بطلان الصلاة به (٣) ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل امامة وهو يصلّي (٤) ، وركب الحسين على ظهره وهو ساجد ، وهذه الحكاية نقلها الفريقان (٥) ، ومع ذلك تدلّ عليه موثّقة الساباطي ، المتقدّمة (٦) ، وصحيحة مسمع (٧) ، إلاّ أنّ جميع ذلك في خصوص الإنسان دون غيره ، إلاّ أن يطّرد الحكم بعدم ظهور أدلّة المنع في مثل ذلك ، وهو كذلك.

ج : لو وضع شيئا ممّا لا يؤكل في فيه ، كسنّ حيوان غير مأكول مكان سنّه ، فالظاهر عدم البطلان ، لأنّ الثابت من أدلّة المنع إنّما هو فيما كان على الثوب أو ظواهر البدن ، وأمّا مثل باطن الفم فلا. ومطلقات منع الصلاة فيما لا يؤكل قد عرفت عدم دلالتها.

تتميم‌ : الصدف حيوان لا يؤكل لحمه ، لصحيحة علي : عن اللحم الذي‌

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٠ : ٢٦٠ ـ ٩.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢.

(٣) كما في التذكرة ١ : ٩٦.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٨٥.

(٥) انظر المناقب ٤ : ٧١ ، ومسند أحمد ٢ : ٥١٣.

(٦) راجع ص ٣١٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ـ ١٣٥٠ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٢ ح ١.

٣١٩

يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال : « ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله » (١).

وصرّح الأطبّاء في كتبهم بكونه حيوانا ، وأثبتوا للحمه خواصّا ، وقد أخبر عنه التجّار والغوّاصون أيضا.

ولذلك استشكل بعضهم في الصلاة في اللؤلؤ لكونه جزءا من الصدف.

وأجاب عنه في البحار بمنع كونه جزءا من ذلك الحيوان ، والانعقاد في جوفه لا يستلزم الجزئية ، بل الظاهر أنه ظرف لتولّد ذلك.

وبمنع الإشكال فيما لا نفس له ممّا لا يؤكل ، مع أنه لو سلّم الجميع لوجب الحكم باستثنائه ، لقوله سبحانه ( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) (٢) وشيوع التحلّي بها في أعصار الأئمة مع عدم ورود منع في خصوصه ، ولو كان ممنوعا لورد المنع منه (٣).

وضعف غير الأخير ظاهر.

ويمكن الاستناد في الاستثناء بعمل الناس في الأعصار والأمصار من غير نكير ، مع أنه في بعض الروايات أنه كان لسيدة النساء عليها‌السلام قلادة فيها سبعة لآلي (٤).

السادسة : قد استثني ممّا لا يؤكل لحمه أمور :

منها : الخز ، واستثناء وبره الخالص مجمع عليه ، وفي المنتهى والتذكرة‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢١ الصيد ب ١٢ ح ١١ ، التهذيب ٩ : ١٢ ـ ٤٦ ، قرب الإسناد : ٢٧٩ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٦ ح ١.

(٢) النحل : ١٤.

(٣) البحار ٨٠ : ١٧٢.

(٤) المنتخب للطريحي : ٦٤ ، ونقله في البحار ٤٥ : ١٨٩ عن بعض مؤلفات الأصحاب.

٣٢٠