مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

النجاسات المختلفة (١) وأمكن إزالة أحدهما وجبت أيضا ، للأمر بإزالة كلّ منهما على حدة ، فلا ينتفي بامتناع امتثال الآخر. وإن كانت من نوع واحد وكانت دما وأمكن تقليله إلى الدرهم ، وجب أيضا ، وإلاّ فقيل بالوجوب مع التفرّق مستشكلا فيه مع الاجتماع (٢).

والحقّ : الوجوب مطلقا ، لدلالة ما يدلّ على وجوب إزالة الكلّ على وجوب إزالة البعض أيضا بدلالة المطابقة على السواء ، وتعذّر امتثال الكلّ غير صالح لرفع وجوب امتثال البعض.

وأيضا : تجب إزالة كلّ بعض لو لم يكن معه غيره ، ووجود الغير غير مانع عن الوجوب.

نعم ، كان الإشكال إنّما يرد لو كان المأمور به في الأخبار هو مطلق التطهير ، وليس كذلك ، بل هو إزالة كلّ نجاسة بخصوصها.

ج : لو أمكن إزالة العين بمسح ونحوه دون الأثر بالغسل ، فهل يجب أم لا؟ الظاهر هو الأول ، لمثل ما مرّ ، مع إشكال فيه ، لأنّ المانع من الصلاة هو الأثر الحاصل من العين في المحل دون العين نفسها.

د : لو أمكن بعض الغسلات فيما يلزم فيه التعدّد دون بعض ، فهل يجب أم لا؟ الظاهر نعم ، لوجوب مطلق الغسل بمطلقاته أيضا ، ووجوب المقيّد بأمر آخر لا ينافيه.

نعم ، لو انحصر الدليل في المقيّد ، لم يثبت وجوب المطلق رأسا.

الثامنة : لا خلاف في جواز الصلاة في كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده للرجال مع نجاسته ولو بمثل دم الحيض ونجس العين ، كالتكّة والقلنسوة والجورب والخف والنعل.

__________________

(١) كالبول والمني مثلا. منه رحمه الله تعالى.

(٢) كما في المعالم : ٣١٣.

٢٨١

وعليه الإجماع في الانتصار والخلاف والسرائر (١) ، وظاهر التذكرة (٢) وغيرها (٣) ، وهو الحجة فيه.

مضافا إلى النصوص المستفيضة :

منها : موثّقة زرارة : « كل ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي‌ء ، مثل القلنسوة والتكة والجورب » (٤).

وروايته : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمَّ صلّيت ، فقال : « لا بأس » (٥).

والمراسيل الثلاث لأبناء سنان وعثمان وأبي البلاد :

الاولى : « كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتكة والكمرة (٦) والنعل والخفين وما أشبه ذلك » (٧).

والثانية : في الرجل يصلّي في الخف الذي قد أصابه قذر ، قال : « إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه فلا بأس » (٨).

والثالثة : « لا بأس في الصلاة في الشي‌ء الذي لا تجوز فيه الصلاة وحده يصيبه القذر ، مثل القلنسوة والتكة والجورب » (٩).

__________________

(١) الانتصار : ٣٨ ، الخلاف ١ : ٤٨٠ ، السرائر ١ : ٢٦٤.

(٢) التذكرة ١ : ٩٦.

(٣) كجواهر الفقه : ٢٢ ، والمفاتيح ١ : ١٠٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٨ ـ ١٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥٥ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٧ ـ ١٤٨٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٣.

(٦) الكمرة وهي الحفاظ. وفي بعض كلام اللغويين : الكمرة كيس يأخذها صاحب السلس ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٧٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٧٥ ـ ٨١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٥.

(٨) التهذيب ١ : ٢٧٤ ـ ٨٠٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٢.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٥٨ ـ ١٤٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٤.

٢٨٢

والرضوي : « إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكّة أو الجورب أو الخفّ مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه ، وذلك أنّ الصلاة لا تتمّ في شي‌ء من هذه وحده » (١).

ثمَّ مقتضى أكثر هذه الأخبار بملاحظة تعلّق الحكم فيها بما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا : العفو عن نجاسة ما لا تتمّ فيه مطلقا ، كما ذهب إليه السيد والمحقّق والشهيدان (٢) طاب ثراهم ، من غير اختصاص له بالملابس كما عن الحلّي (٣) ، وغيره (٤) ، ولا بها مع كونها في محالّها ، فلو وضع التكة على رأسه والخف على يده ، بطلت الصلاة ، كالفاضل في أكثر كتبه (٥) والشهيد في البيان (٦) ، ولا منها بخمسة : القلنسوة والتكة والجورب والخف والنعل ، كما عن الراوندي (٧).

بل في الموثّقة وأولى المراسيل العموم الشامل للملابس وغيرها.

وفي الأولى منها الترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه ، وهو كالتصريح بنفي اشتراط كونها في محالّها. مع أنّ أصل الحكم في غير الملابس ، وفيها إذا كان في غير محالّها بأصالة البراءة عن وجوب إزالة النجاسة عنها السالمة عن المعارض ثابت ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلّة اشتراط طهارة جسد المصلّي وثوبه ، وصدق ثوبه على الملابس إذا لم تكن في محالّها ممنوع.

وتصريح الأصحاب باستثنائها المستلزم لدخولها تحت أدلّة المنع عنها إنّما هو‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٣ : ٢٠٨ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ١.

(٢) السيّد في الانتصار : ٣٨ ، المحقق في المعتبر ١ : ٤٣٤ ، الشرائع ١ : ٥٤ ، الشهيد الأول في الذكرى : ١٦ ، والدروس ١ : ١٢٦ ، والبيان : ٩٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، وروض الجنان : ١٦٦ ، والروضة ١ : ٦١.

(٣) السرائر ١ : ١٨٤.

(٤) كالعلامة في المنتهى ١ : ١٧٤ ، والمختلف : ٦١.

(٥) كالمختلف : ٦١ ، والمنتهى ١ : ١٧٤ ، والتحرير ١ : ٢٤.

(٦) البيان : ٩٦.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٦١.

٢٨٣

في الملابس منها ومع كونها في محالّها ، وصدق الثوب عليها حينئذ ظاهر.

وخروجها بما مرّ من أدلّة العفو ، واستدعاء الشغل اليقيني بالعبادة للبراءة اليقينية غير مفيد لوجوب الإزالة مطلقا ، للقطع بالبراءة اليقينية بمعاونة الأصول القطعية.

وبما ذكر يظهر فساد ما استدلّ به للتقييد بكونها في محالّها بتبادر ذلك من سياق الأخبار.

فروع‌ :

أ : ما لا تتمّ الصلاة فيه من الملابس ـ أي ما لا يستر العورة منها ـ إمّا ليس من شأنه ستر العورة ، أو يكون من شأنه ذلك وإن لم يكن بالفعل كذلك.

والثاني على أقسام ، لأنّه إمّا تكون فعليته موقوفة على تغيير وتبديل فيه ، إمّا بنفسه كالقلنسوة الكبيرة التي لو غيّر وضعها وقطّعت وضمّ بعضها مع بعض بوضع آخر أمكن ستر العورة بها ، أو بهيئته العارضة له في اللبس ، كالعمامة الساترة للعورة بنفسها غير الساترة مع الكيفية المخصوصة لها حال اللبس ، أو يكون في نفسه وهيئته بقدر يصلح لستر العورة ولكن لا يمكن استقراره فيها إلاّ بضمّ شي‌ء آخر معه ، كوضع اليد عليه أو شدّه بما يشدّه ولا يمكن بدون ذلك ، أو لا يتوقّف إلاّ على وضعه على العورة ، كالقميص القصير الذي لو وضع على العورة سترها ولكن لبسه بحيث لم يصل إلى العورة.

فلو أريد من قولهم : ما لا تتم الصلاة فيه ، ما لا يستر العورة بالفعل ، لدخل جميع تلك الأقسام فيه ، ولو أريد منه ما لم يكن من شأنه ذلك ، خرج بعضها منه.

والتحقيق : أنّ الأصل في الملابس وجوب إزالة النجاسة عنها في الصلاة إلاّ ما علم فيه العفو بوضوح دخوله في المراد ممّا لا تتم الصلاة إلاّ به.

ولا خفاء في دخول الأول والثاني من تلك الأقسام فيه ، فيحكم فيهما بالعفو قطعا.

٢٨٤

وكذا الرابع ، إذ ـ لتوقّف ستر العورة به على غيره ـ يصدق أنه ممّا لا تجوز فيه الصلاة وحده ، وأنّها لا تتمّ فيه وحده ، مضافا إلى التصريح في الأخبار بالعفو عن الخفّ الذي يستر العورتين لو وضع عليهما بمعونة اليد.

وأمّا البواقي : فلخفاء دخولها فيه تكون باقية تحت الأصل. وإخراج الرضوي العمامة لا يفيد ، لضعفه الغير المعلوم انجباره ، مع احتمال إرادة الصغيرة.

ب : يستحب تطهير النعل ، لصحيحة عبد الرحمن (١) ، وبه قال الشيخ في النهاية (٢) ، وابن زهرة في كل ما لا تتمّ الصلاة إلاّ به (٣). ولا بأس به.

ج : حمل مثل الحقّة والقارورة التي فيها نجاسة غير متعدّية إلى الثوب أو البدن لا يبطل الصلاة ، للأصل المتقدّم.

وكذا حمل المنديل النجس ، وجبر العظم بالعظم النجس سواء اكتسى اللحم أم لا. ونجاسة اللحم بملاقاته غير ضائرة ، لأنّه من البواطن.

وما قيل : من أنّ غاية ما ثبت عدم تعلّق التكليف بما في الباطن من النجاسات الخلقية ، لانصراف الحكم إلى الأفراد الشائعة (٤) ، مردود : بأنّ غاية ما ثبت تعلّق التكليف بما في ظاهر البدن من النجاسات ، لأنّه موضع الإجماع والمتبادر من الأخبار.

ومنه يظهر عدم وجوب إخراج الدم المحتقن تحت الجلد من نفسه أو من الخارج ، وعدم بطلان الصلاة بشرب نجس أو أكله.

وهل يجب قيئه أو قي‌ء محرّم أكله؟ الحقّ هو الثاني ، لأنّ الثابت حرمة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٥٨ ـ ١٥٧٣ ، الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ١.

(٢) النهاية : ٥٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٤) كما في الحدائق ٥ : ٣٤٢.

٢٨٥

الشرب والأكل ، وأمّا وجوب القي‌ء بعد حصولهما فلا دليل عليه.

نعم يستحب ذلك ، لموثّقة عبد الحميد بن سعيد (١).

د : لو التحف بلحاف أو تردّى برداء طويل بحيث وقع بعضه على الأرض وكان ذلك البعض نجسا لم تصح صلاته ، لصدق نجاسة ثوبه ، ولولاه لزم عدم البطلان بنجاسة الكمّ الطويل المتجاوز عن الأصابع ، بل طرف الثوب عند الجلوس لكونه على الأرض.

التاسعة : العفو عن دم القروح والجروح حال الصلاة في الثوب والبدن قليلا كان أم كثيرا في الجملة إجماعي ، والنصوص ـ كما تأتي ـ به مستفيضة.

وهل يعتبر فيه استمرار سيلان الدم وعدم انقطاعه مطلقا ولو لمحة؟ كما هو ظاهر المقنعة والخلاف والسرائر والتذكرة والمنتهى والتحرير والنافع والدروس (٢) ، بل لعله الأشهر. أو مقيّدا بزمان يتّسع أداء الفريضة؟ كما في المعتبر والذكرى (٣) ، ولعلّه مراد الأولين أيضا بحمل الاستمرار على العرفي الصادق مع عدم الانقطاع في زمان يتسع أداء الفريضة. أو لا يعتبر مطلقا ، فيكون معفوا ما لم يبرأ الجرح؟

كما عن الصدوق والنهاية والمبسوط والثانيين (٤) ، وجماعة (٥) ، وإن كان في استفادته من كلام الأول خفاء (٦)

__________________

(١) وهي أنّه : « بعث أبو الحسن عليه‌السلام غلاما يشتري له بيضا وأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلمّا أتى به أكله ، فقال مولى له : إنّ فيه من القمار ، قال : فدعا بطشت فتقيّأه » منه رحمه‌الله. الكافي ٥ : ١٢٣ المعيشة ب ٤٠ ح ٣.

(٢) المقنعة : ٦٩ ـ ٧٠ ، الخلاف ١ : ٢٥٢ و ٤٧٦ ، السرائر ١ : ١٧٦ ، التذكرة ١ : ٨ ، المنتهى ١ : ١٧٢ ، التحرير ١ : ٢٤ ، المختصر النافع : ١٨ ، الدروس ١ : ١٢٦.

(٣) المعتبر ١ : ٤٢٩ ، الذكرى : ١٦.

(٤) الصدوق في الفقيه ١ : ٤٣ ، النهاية : ٥١ ، المبسوط ١ : ٣٥ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧١ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، والروضة ١ : ٥٠.

(٥) منهم صاحب المدارك ٢ : ٣٠٨.

(٦) قال في الفقيه : وإن كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا بأس بأن لا يغسل حتى يبرأ أو ينقطع الدم.

٢٨٦

الحقّ هو الأخير ، لإطلاق صحيحة المرادي : الرجل تكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوة دما وقيحا ، وثيابه بمنزلة جلده؟ قال : « يصلّي في ثيابه ولا شي‌ء عليه » (١) وقريبة منها حسنته (٢).

وصحيحة البصري : الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ، فقال : « دعه فلا يضرّك أن لا تغسله » (٣) أطلق فيها الأمر بالدعة سواء كان حال السيلان أو بعده.

وصحيحة محمد : عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟ قال : « يصلّي وإن كانت الدماء تسيل » (٤) دلّت على أنّ حالة عدم السيلان أولى بالعفو.

ولا ينافيه : « لا تزال تدمي » لأنّه كلام السائل ، مع أنّ الظاهر منه تكرّر خروج الدم لاتّصاله.

والأخبار الجاعلة للبرء غاية العفو ، كموثّقة سماعة : « إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم » (٥).

ورواية أبي بصير : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دما ، فلما انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما ، قال : « إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ » (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤٩ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ملحق بحديث ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٨ ـ ٧٥٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٩ ـ ٧٥١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٨ ـ ٧٤٩ ، و ٣٤٨ ـ ١٠٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ ـ ٦١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٩ ـ ٧٥٢ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٧.

(٦) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ ـ ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ ـ ٦١٦ ،

٢٨٧

ومنافاته لما اعتبروه واضحة ، لعدم اتّصال السيلان بالبرء عادة.

وتوصيف الجرح في صدر الموثّقة بالسائل غير ضائر ، لأنّه غير المتّصل ، مع أنه على فرض الاتّحاد لا يدلّ على الاشتراط إلاّ بمفهوم الوصف الذي لا عبرة به.

وعطف الانقطاع في ذيلها على البرء غير مناف ، لاستلزام البرء له ، فيدلّ على أنّ الأمرين غاية عدم الغسل ، فلا يكفي تحقّق الانقطاع فقط.

دليل المخالف الأول : الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم والحاكمة بإعادة الصلاة منه (١) ، المستلزم للاقتصار في العفو على موضع اليقين.

وقوله : « لا تزال تدمي » في الصحيحة الثالثة ، وصدر الموثّقة وذيلها.

ودلالة بعض الروايات على أنّ علة العفو الحرج والمشقّة وهو لا يكون إلاّ مع عدم الانقطاع ، ففي موثّقة سماعة : [ سألته عن الرجل به ] القرح والجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ، قال : « يصلّي ولا يغسل ثوبه فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة » (٢).

ومفهوم رواية محمد ، المروية في السرائر : « إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة » (٣).

ويجاب عن الأول : بلزوم تقييد الإطلاق بما مرّ ، والقول بعدم صلاحيته له لا وجه له.

وعن الثاني والثالث : بما قد ظهر ، مضافا إلى أنّ غاية الأمر اختصاص‌

__________________

الوسائل ٣ : ٤٣٣ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ١.

(١) انظر الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١ و ٢ وب ٤٠ ح ٣ و ٧ و ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ ـ ٧٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ ـ ٦١٧ ، الوسائل ٣ : ٤٣٣ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) مستطرفات السرائر : ٣٠ ـ ٢٦.

٢٨٨

الجواب في الثاني بما اختصّ به السؤال لو لا الفقرة الأخيرة ، وهو لا ينفي الحكم عن غيره بعد وجود الدليل.

وعن الرابع : بأنّ كون العلّة في القرح الذي لا يستطاع ربطه وغسله ما ذكر لا يدلّ على انتفاء الحكم فيما لم يكن كذلك ، ولا يعارض ما دلّ على ثبوته في غيره أيضا.

وعن الخامس : أنّه مفهوم وصف لا عبرة به.

ودليل المخالف الثاني بعض ما ذكر بجوابه.

ثمَّ بما ذكر من الإطلاقات ظهر عدم اعتبار المشقة في الإزالة أيضا ، وفاقا لجماعة (١). وخلافا للقواعد (٢) ، وعن الغنية ونهاية الإحكام (٣) ، بل هو ظاهر كلّ من استدلّ للعفو بلزوم الحرج أو المشقة لولاه ، كالتهذيب والمعتبر والتذكرة (٤) ، للأصل المتقدّم ، والروايتين الأخيرتين. وجوابهما قد ظهر.

وجمع في الشرائع والمنتهى والتحرير (٥) بين الاعتبارين. ووجهه وجوابه يظهر مما مرّ.

فروع :

أ : الأقوى عدم وجوب إزالة بعض الدم ولو مع إمكانها ، ولا عصب موضع الجرح ، ولا إبدال الثوب ، بالإجماع في الأولين كما عن الخلاف (٦) ، لإطلاق الأدلّة ، وقوله : « لا شي‌ء عليه » في الصحيحة الأولى ، خلافا لمحتمل نهاية‌

__________________

(١) منهم الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧١ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٠٩.

(٢) القواعد ١ : ٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٧ ، المعتبر ١ : ٤٢٩ ، التذكرة ١ : ٨.

(٥) الشرائع ١ : ٥٣ ، المنتهى ١ : ١٧٢ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٦) الخلاف ١ : ٢٥٢ و ٤٧٦.

٢٨٩

الإحكام في الأول (١) ، وله وللمنتهى في الثالث (٢).

ب : الحقّ ـ كما صرّح به جماعة منهم والدي رحمه‌الله ـ أنّ غاية العفو البرء (٣) ، للاستصحاب ، وموثّقة سماعة ، ورواية أبي بصير ، وهو الاندمال عرفا ، فيعفى عن كلّ ما كان قبله ولو حصل الانقطاع وبقي في الثوب أو البدن. وحمل البرء على الأمن من خروج الدم تجوّز.

ج : لو تعدّى الدم من محل الضرورة في الثوب والبدن ، فذهب في المنتهى والمعالم واللوامع إلى عدم تعدّي العفو (٤).

واحتمل في المدارك التعدي (٥). وهو الأقوى ، لإطلاق أكثر الأدلّة.

ولكن الأظهر تقييد التعدّي بما إذا كان بنفسه ، لا إذا تعدّى بمتعدّ ، كأن وضع يده أو طرف ثوبه الطاهرين عليه ، كما نبّه عليه واختاره في الحدائق (٦) ، لتصريح أكثر الأخبار بإصابة الدم الظاهرة في إصابته بنفسه ، وعدم إطلاق شامل لإصابته بواسطة الغير إلاّ في صحيحة المرادي ، وفي شمولها لها أيضا خفاء جدّا.

ومنه يظهر أنه إذا أصاب الدم جسما آخر غير الثوب والبدن ثمَّ لاقى هذا الجسم بدن صاحب الدم أو ثوبه ، لم يثبت فيه العفو.

د : لو لاقى هذا الدم نجاسة أخرى فلا عفو ، للأصل. وكذا إن تنجّس به مائع طاهر ملاق للبدن أو الثوب كالعرق والماء ، لأنّ هذا المائع نجس غير الدم ولم يثبت العفو عنه ، والعفو عما نجّسه لا يوجبه ، وكون المتنجّس أخفّ نجاسة لا يصلح دليلا.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٦ ، المنتهى ١ : ١٧٢.

(٣) انظر الفقيه ١ : ٤٣ ، والمسالك ١ : ١٨ ، والمدارك ٢ : ٣٠٩ ، والحدائق ٥ : ٣٠٣.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٢ ، المعالم : ٢٨٩.

(٥) المدارك ٢ : ٣٠٩.

(٦) الحدائق ٥ : ٣٠٥.

٢٩٠

هـ : قيّد جماعة ـ منهم الشيخ (١) ، والفاضل في الإرشاد (٢) ـ القروح بالدامية والجروح باللازمة. ومنهم من وصفهما باللازمة (٣). ومنهم من عكس (٤).

والمراد من الدامية ظاهر.

وفسّر في روض الجنان اللازمة : بالتي يستمر خروج دمها (٥) ، والمحقق الثاني : بالتي لم يبرأ ، ليكون احترازا عن جراحة برئت وتخلّف دمها (٦).

وظنّي أنّ المراد منها الجروح البطيئة الاندمال ، ليكون احترازا عن مثل الفصد والحجامة إذا لم يتعدّيا عن الحدّ ، وجراحة مثل الشوكة المندملة سريعا وأمثالها ، فلا تكون دماؤها معفوة عنها. وهو الظاهر ، لعدم ظهور شمول أخبار العفو لها (٧).

أمّا ما يتضمّن منها الدماميل والقروح : فظاهر.

وأمّا صحيحة البصري : فلمكان سيلان القيح.

وأمّا الموثقة الاولى : فلقوله : « به جرح سائل » فإنّ المتبادر منه نوع لزوم ودوام للجرح والسيلان ، فلا يشمل ما يحدث وينقطع سريعا ، مع أنّ ما يترشّح منها قليل دم يخرج بقيد : « سائل » قطعا.

وأمّا الأخيرة : فلتقيدها بعدم استطاعة الربط وغسل الدم ، والتعليل بعدم استطاعة غسل الثوب كلّ ساعة ، فتكون هذه الدماء باقية على أصالة عدم العفو.

وتؤكّده رواية المثنى : حككت جلدي فخرج منه دم ، فقال : « إذا اجتمع‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧١ ، المبسوط ١ : ٣٥ ، الاقتصاد : ٢٥٣ ، النهاية : ٥١.

(٢) قال فيه : وعفى في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح اللازمة. الإرشاد ١ : ٢٣٩.

(٣) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٨ ، المختلف : ٦٠.

(٤) كما في المعتبر ١ : ٤٢٩ ، القواعد ١ : ٨.

(٥) روض الجنان : ١٦٥.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٧١.

(٧) راجع ص ٢٨٧ و ٢٨٨.

٢٩١

منه قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا » (١).

وصراحة بعض المعتبرة في عدم العفو عن دم الحجامة ، كصحيحة علي المروية في قرب الإسناد ، المتقدّمة في المسألة الاولى (٢).

و : إذا كان قروح أو جروح متعدّدة به وبرئ بعضها وتخلّف دم منه في الثوب أو البدن ولم يبرأ الجميع ، فهل يختص العفو بدم ما لم يبرأ منها ، أو يعفى عن الكلّ حتى يبرأ الكل؟ مقتضى إطلاق الموثقة الأولى : الأول ، ومقتضى إطلاق رواية أبي بصير : الثاني. ولا يبعد ترجيحه ، لتعارض الإطلاقين والرجوع إلى استصحاب العفو.

ز : يستحب لصاحب هذا العذر أن يغسل ثوبه كلّ يوم مرة ، لرواية السرائر (٣). وأمّا البدن فلا ، للأصل.

العاشرة : ما دون الدرهم من الدم ـ غير ما استثني ـ معفوّ عنه في الصلاة إجماعا كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة (٤) ، وعن نهاية الإحكام والمختلف (٥) ، وهو الحجة في المقام ، مضافا إلى المستفيضة ، كحسنة محمد ، المتقدّمة في المسألة الرابعة (٦) ، ورواية الجعفي ، السابقة في الاولى (٧).

وصحيحة ابن أبي يعفور : « فيغسله ـ أي الدم ـ ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا يغسله » (٨).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٥ ـ ٧٤١ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ـ ٦١٣ ، الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٥.

(٢) راجع ص ٢٥٤.

(٣) المتقدمة في ص ٢٨٨.

(٤) المعتبر ١ : ٤٢٩ ، المنتهى ١ : ١٧٢ ، التذكرة ١ : ٨.

(٥) نهاية الاحكام ١ : ٢٨٥ ، المختلف : ٦٠.

(٦) راجع ص ٢٦٦.

(٧) راجع ص ٢٥٣.

(٨) التهذيب ١ : ٢٥٥ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ـ ٦١١ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات

٢٩٢

ومرسلة جميل : « لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقا شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم » (١).

والرضوي : « إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف ، والوافي ما يكون وزنه درهما وثلثا ، وما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه ، وإن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلاّ أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قلّ أم كثر » (٢).

وأمّا قدر الدرهم فهو كالزائد عليه ، وفاقا للأكثر.

فروع :

أ : المذكور في الأخبار وإن كان قدر الدرهم المحتمل للوزن والسعة إلاّ أن المقطوع به في كلام الأصحاب هو الثاني ، وهو الذي يقتضيه الأصل عند التردّد ، لأنّه القدر المتيقّن ، فإنّ ما كان وزنه درهما تبلغ سعته أضعاف ذلك قطعا.

ب : لا عفو في دم الحيض بغير خلاف عندنا كما في السرائر (٣) ، ويشعر به كلام المعتبر (٤) ، بل إجماعا كما في اللوامع ، للرضوي المتقدّم ، والنبوي الآمر لأسماء في دم الحيض : « حتّيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء » (٥) ، وضعفهما منجبر بالشهرة القوية بل الإجماع.

__________________

ب ٢٠ ح ١.

(١) التهذيب ١ : ٢٥٦ ـ ٧٤٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ـ ٦١٢ ، الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٦٥ أبواب النجاسات ب ١٥ ح ١.

(٣) السرائر ١ : ١٧٦.

(٤) المعتبر ١ : ٤٢٨.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٢٤٠ ـ ١١٠ ، سنن أبي داود ١ : ٩٩ ـ ٣٦٢ ، وفيهما بتفاوت يسير.

٢٩٣

ورواية إسحاق : « الحائض تصلّي في ثوبها ما لم يصبه دم » (١).

ويؤيّده خبر ابن كليب : « في الحائض تغسل ما أصاب من ثيابها » (٢) والمروي في الكافي والتهذيب : « لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلاّ دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء » (٣).

وأمّا أخبار العفو فهي أعم مطلقا من الرضوي ، فتخصيصها به لازم ، ومن وجه من النبوي وما بعده ، فإن قدّما بموافقة الشهرة وإلاّ فيرجع إلى عمومات غسل الدم.

بل قد يقال بعدم شمول أخبار العفو لدم الحيض ، لاختصاص الخطابات فيها بالذكور ، واحتمال إصابة ثيابهم من دم الحيض نادر ولم يكن من الأفراد المتبادرة.

وهو كذلك في غير رواية الجعفي (٤) ، وأمّا فيها فلا خصوصية بالذكور.

ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالأصل المستفاد من الأخبار الآمرة بغسل الدم واستصحاب شغل الذمة.

ثمَّ إنه ألحق الشيخ (٥) ، والسيد (٦) بل وغيرهما من القدماء أيضا ـ كما قيل (٧) ـ به دم النفاس والاستحاضة ، بل ظاهر الخلاف وصريح الغنية الإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٩ الحيض ب ٢٤ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٩ أبواب النجاسات ب ٢٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٩ الحيض ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٧٠ ـ ٧٩٦ ، الاستبصار ١ : ١٨٦ ـ ٦٥٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٩ أبواب النجاسات ب ٢٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٥٧ ـ ٧٤٥. وإنما جعلناهما مؤيدين لأن المذكور في منطوق الأول : « تغسل » وفي مفهوم الثاني : « تعاد » وإفادتهما للوجوب غير معلومة ، مع أن في الثاني حكم بالإعادة مع عدم الرؤية أيضا ، ووجوبها حينئذ خلاف الفتوى. منه رحمه‌الله.

(٤) المتقدمة في ص ٢٥٣.

(٥) المبسوط ١ : ٣٥ ، النهاية : ٥١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧١ ، الخلاف ١ : ٤٧٦ ، الاقتصاد : ٢٥٣.

(٦) الانتصار : ١٤.

(٧) السرائر ١ : ١٧٦ ، المراسم : ٥٥ ، ونسب إلى القدماء في الرياض ١ : ٨٩.

٢٩٤

عليه (١) ، وفي السرائر نفي الخلاف عنه (٢).

للأصل المتقدّم ، وعدم عموم في أخبار العفو ، وقد عرفت ضعفهما. ولغلظ نجاستهما الموجب للغسل ، وضعفه ظاهر.

وقد يستدلّ لإلحاق الأول بما يستفاد من بعض المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس وأنه حيض حقيقة (٣).

وفيه : أنه وإن سلّم ولكن المتبادر من دم الحيض غير ذلك.

ويظهر من بعض المتأخّرين التردّد فيه (٤) ، وهو في موقعه ، بل القوة لعدم إلحاقهما ، كما اختاره بعض متأخّري المتأخّرين (٥).

وكذا دم نجس العين ، وفاقا لجماعة منهم الحلّي مدّعيا عليه الوفاق (٦) ، لعموم أخبار العفو.

وخلافا للمحكي عن الراوندي (٧) ، وابن حمزة والفاضل في جملة من كتبه (٨) ، وظاهر المعالم (٩).

للأصل المتقدم. واكتسابه بملاقاة البدن النجس نجاسة غير معفوة. وعدم شمول أخبار العفو له ، لأن المتبادر منها هو الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

(٢) السرائر ١ : ١٧٦.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٣٣٣ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣ و ١٤.

(٤) كما في المعتبر ١ : ٤٢٩ ، المدارك ٢ : ٣١٦.

(٥) كالمحقق السبزواري في الذخيرة : ١٦٠ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣٢٨.

(٦) السرائر ١ : ١٧٧.

(٧) حكاه عنه في السرائر ١ : ١٧٧ ، والمختلف : ٥٩.

(٨) ابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، الفاضل في المختلف : ٥٩ ، والتحرير ١ : ٢٤ ، والقواعد ١ : ٨ ، والتذكرة ١ : ٨ ، والمنتهى ١ : ١٧٣ ، والتبصرة : ١٧.

(٩) حكاه عنه في الحدائق ٥ : ٣٢٧.

٢٩٥

ومرفوعة البرقي : « دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله » (١).

ويندفع الأول : بمطلقات العفو.

والثاني : بأنّ المستند في اكتساب الملاقي للنجاسة النجاسة مطلقا ليس إلاّ الإجماع ، وتحقّقه في النجاسة الملاقية لها غير معلوم.

والثالث : بأنّه لو أوجب عدم شمول أخبار العفو له لأوجب عدم شمول مطلقات الأمر بالغسل وإعادة الصلاة له أيضا ، فيرجع إلى أصل عدم وجوب الإزالة.

والرابع : بأنّ مقتضاه عدم العفو عن دم الغير ، وهو وإن أفتى به بعض المحدّثين من المتأخّرين (٢) ، إلاّ أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه ، كما تدلّ عليه إطلاقاتهم ، وينادي به خلافهم في دم نجس العين ، ولا أقلّ من مخالفته للشهرة القديمة والجديدة المخرجة له عن الحجية. وقصره على دم نجس العين إخراج لغير الواحد ، وهو غير جائز.

ج : مورد أكثر روايات العفو وإن كان الثوب خاصة ، ولذا حكي عن جماعة (٣) الاقتصار عليه ، ويظهر من البعض التردّد (٤) ، إلاّ أنّ في المنتهى أسند إلحاق البدن إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه (٥) ، بل في الانتصار عليه الإجماع (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٧ ، الوسائل ٣ : ٤٣٢ أبواب النجاسات ب ٢١ ح ٢.

(٢) المحدث البحراني في الحدائق ٥ : ٣٢٨ ، ونقله أيضا عن المولى الأمين الأسترابادي.

(٣) منهم الصدوق في الفقيه ١ : ١٦١ ، الهداية : ١٥ ، والمفيد في المقنعة : ٧٠ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٣٦ ، وسلاّر في المراسم : ٥٥.

(٤) كما في الحدائق ٥ : ٣٠٨ ـ ٣١٠.

(٥) المنتهى ١ : ١٧٣.

(٦) الانتصار : ١٣ و ١٤.

٢٩٦

وهو الحقّ ، لا لما استدلّ عليه من اشتراك العلّة وهي مشقّة الإزالة ، لأنّ العلّة مستنبطة ، بل لإطلاق رواية المثنى السابقة في المسألة التاسعة (١).

قيل : إن أريد من الحمصة فيها وزنها ، لم يقل أحد بالعفو عنها ، لزيادته عن الدرهم في السعة ، وإن أريد سعتها ، فلا قائل بوجوب غسلها ، لأنّها أقلّ من سعة الدرهم ، فالرواية للإجماع مخالفة ، ولأجلها عن الحجية خارجة (٢).

قلنا : المتبادر قدر وزنها أو جسمها دون مساحتها ، إذ لا مساحة معينة للحمصة سوى سطحها المدوّر ، وقياس المسطّح على المدوّر غير متعارف ، وقدر الوزن أو الجسم لا يزيد عن سعة الدرهم لو بسط بنفسه ، وزيادته لو بسط باليد غير ضائرة ، لأنّه غير مراد ، وإلاّ فكلّ قطرة صغيرة من الدم يمكن بسطها باليد في أضعاف من سعة الدرهم.

مع أنه لو سلّمنا الزيادة فيكون المخالف للإجماع عموم قوله : « وإلاّ فلا » وخروج بعض أفراد العام وهو ما بلغ سعة الدرهم لا يخرجه عن الحجية.

وقد يقرأ الخمصة بالخاء المعجمة ، وهي سعة ما انخفض من الراحة ، وعليه فيوافق الدرهم على ما نقل عن بعضهم من تقدير الدرهم سعة بها (٣).

د : إزالة عين الدم عن الموضع بغير مطهّر لا يزيل العفو ، للاستصحاب.

وخلطه مع نجاسة أخرى يزيله ، لما مري في المسألة السابقة. وكذا لمائع طاهر وإن لم يبلغ مجموعهما قدر الدرهم ، وفاقا للمنتهى والبيان والذخيرة (٤) ، لما مرّ فيها أيضا.

وخلافا للذكرى والمعالم والمدارك (٥) ، لأصالة البراءة ، وإطلاق النص ،

__________________

(١) راجع ص ٢٩١.

(٢) كما في الرياض ١ : ٨٧.

(٣) كما في السرائر ١ : ١٧٨.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٤ ، البيان : ٩٥ ، الذخيرة : ١٥٩.

(٥) الذكرى : ١٦ ، المعالم : ٢٩٩ ، المدارك ٢ : ٣١٧.

٢٩٧

وكون المتنجّس أخفّ من منجّسة.

والأول مندفع : بما دلّ على وجوب تطهير ما ينجس من الثوب أو البدن في الصلاة.

فإن قيل : لا دليل عليه سوى الإجماع البسيط أو المركّب ، وهما منتفيان في المورد.

قلنا : بل متحقّقان ، فإنّ الإجماع على وجوب [ تطهير ] (١) ما لم يثبت العفو عنه ممّا ثبتت نجاسته منعقد.

والثاني : بأنّ الإطلاق يثبت العفو فيما يشمله من الدم دون غيره.

والثالث : بأنّه تعليل عليل لا يصلح لتأسيس الأحكام.

هـ : لو أصاب الدم وجهي الثوب ، فالظاهر عدم الخلاف في أنه إن لم يكن بالتفشّي فدمان ، وفي اللوامع الوفاق عليه.

وإن كان بالتفشّي ، فدم واحد عند الأكثر مطلقا.

وفصّل في البيان فواحد مع رقة الثوب ، واثنان مع غلظته (٢).

وفي المعالم تحكيم العرف في ذلك (٣).

والظاهر أنّ عليه بناء الأصحاب أيضا ، واختلافهم إنّما هو فيما يحكم به العرف ، والظاهر حكمه بالاتّحاد مع التفشّي رقيقا كان الثوب أو صفيقا ولكن بشرط اتّحاد الثوب ، فلو تألّف من أجزاء متعدّدة كالظهارة والبطانة والقطن المحشوّ بينهما ، كان كلّ منها ثوبا منفردا ، ويعتبر دماؤها كلا ولو تفشّي من بعضها إلى بعض.

و : لو كان في موضع دم أقلّ من درهم وبلغ ذلك الموضع أيضا دم آخر‌

__________________

(١) أضفناها لاستقامة المتن.

(٢) البيان : ٩٥.

(٣) المعالم : ٢٩٩.

٢٩٨

من غير تجاوز عنه ولكن كان بحيث لو أصاب موضعا آخر كانا معا أكثر من الدرهم ، فهل يعدّان دما أو دمين؟ فيه إشكال.

وكذا في اعتبار غلظة الدم ، فإنّ الدم الغليظ يبسط في الموضع أقلّ من الرقيق ، بل الرقيق المبسوط بمعاون يسع من الموضع أكثر ممّا يسعه لو بسط بنفسه ، والأخذ بالمتيقّن عفوه متعين.

ز : المذكور في أكثر الأخبار هو الدرهم من غير تقييد ، ولذا حمله البعض على الشرعي المتعارف في عصر الحجج عليهم‌السلام (١).

وهو كان حسنا لو لا الحجة على التقييد بغيره ، وليست هي ما قيل من كون الأحكام متلقّاة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتكون مبنية على عرف زمانه ، والمتعارف في عصرهم غير متعارف عصره ، مع أنّ حدوث الشرعي في قريب من عصر الصادقين عليهم‌السلام لا يوجب تعارفه وانتفاء تبادر ما تعارف قبله (٢) ، لأنّ الحكم وإن كان مخلفا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن التكلّم في كلّ عصر بمتعارفه ، ولذا تحمل الألفاظ المنقولة عن حقائقها اللغوية في عصر الصادقين على المنقول إليه وإن لم يعلم النقل في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا تبادر الشرعي في زمانهم فهو ظاهر ، فإنّ أمر الدراهم المسكوكة مختلف مع سائر الألفاظ ، فإن السكة المتقدّمة على زمان سلطان يترك بمضي مدّة يسيرة من زمان السلطان اللاحق كما يشاهد في عصرنا.

بل الحجة هي الرضوي الذي قيّده بالوافي (٣) ، وقدّر وزنه بدرهم وثلث ، وبه قيّده أكثر الأصحاب ، كالصدوق في الفقيه والهداية (٤) ، ووالده ، والمفيد في‌

__________________

(١) كما في المدارك ٢ : ٣١٤.

(٢) انظر : الحبل المتين : ١٧٧.

(٣) المتقدم في ص ٢٩٣.

(٤) الفقيه ١ : ٤٢ ، الهداية : ١٥.

٢٩٩

المقنعة (١) ، والسيد في الانتصار (٢) ، والحلّي وابن زهرة والمحقّق والفاضل والشهيدين (٣) ، وغيرهم (٤) ، بل في الذخيرة : إنه المشهور (٥). ونسبه بعضهم إلى أكثر الأصحاب (٦) ، بل في الحدائق : ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (٧).

وبذلك يجبر ضعف الرضوي ، وبه يقيّد سائر المطلقات.

وقيّده بعضهم بالبغلي (٨) ، وبعضهم بهما معا (٩) ، ويظهر من بعضهم الاتّفاق على التقيد بالثاني وأنّه متّحد مع الأول (١٠). وظاهر الحلّي مغايرتهما (١١).

وليس على ذلك التقييد ولا على اتّحادهما حجة مقبولة ، إلاّ أنّ بعد حكم الجميع باتّحادهما وزنا لا تترتّب فائدة على تحقيق مغايرتهما أو اتّحادهما ، والمهم تحقيق سعته التي عليها بناء العفو :

فعن العماني أنها سعة الدينار (١٢) ، والإسكافي أنها سعة العقد الأعلى من‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٩.

(٢) الانتصار : ١٣.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ١٧٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، المحقق في المعتبر ١ : ٤٢٩ ، الفاضل في التذكرة ١ : ٨ ، الشهيد الأول في الذكرى : ١٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٥ ، والروضة ١ : ٥٠ ، والمسالك ١ : ١٨ ولكن الموجود في كتب الشهيد الثاني التقييد بالبغلي.

(٤) كالشيخ في المبسوط ١ : ٣٦ ، وسلاّر في المراسم : ٥٥.

(٥) الذخيرة : ١٥٨.

(٦) كما في كشف اللثام ١ : ٥١ ، والرياض ١ : ٨٧.

(٧) الحدائق ٥ : ٣٣١.

(٨) كالشهيد الأول في البيان : ٩٥ ، والدروس ١ : ١٢٦ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٥٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٥ ، والروضة ١ : ٥٠ ، والمسالك ١ : ١٨ ، والمحقق السبزواري في كفاية الأحكام : ١٢.

(٩) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥١ ، وصاحب الرياض ١ : ٨٧.

(١٠) كما في الحدائق ٥ : ٣٢٩.

(١١) السرائر ١ : ١٧٧.

(١٢) حكاه عنه في المختلف : ٦٠.

٣٠٠