مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

وأمّا نفي القائل به سوى الشيخ فبعد شهادة التذكرة (١) بأنّه قول مشهور بين علمائنا غير مسموع ، ودعوى الإجماع على خلافه لا ينافيه ، لاجتماعه مع الخلاف ، ونفي الخلاف عنه في السرائر (٢) وإن عارضه إلاّ أنّ الإثبات على النفي مقدّم.

والحكم بشذوذها ـ بعد هذه الشهادة من مثل الفاضل وفتواه بمقتضاها في طائفة من كتبه (٣) ، ونقل القول به عن الشيخ والإسكافي ، وظهور كلام الصدوقين فيه ، ونسبته إلى المشهور بين المتأخّرين ، وذهاب طائفة كثيرة من الطبقتين الثانية والثالثة ـ غريب.

ومن ذلك تظهر سلامة دليل القول الثاني عن الخلل والضعف ، وتتمّ معارضته مع أدلّة الأول ، أي : المطلقات (٤) ورواية أبي بصير (٥) ـ لعدم دلالة غيرهما ممّا ذكروه ، أمّا أخبار الاستنجاء (٦) منها : فلما تقدّم من القول بالفرق ، وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور وما تأخّر عنها (٧) : فلعدم اشتمالها على ما يفيد الوجوب ـ فهما تتعارضان مع المكاتبة (٨) التي هي دليل الثاني.

والمطلقات أعم مطلقا من المكاتبة موضوعا ، لشمولها للعامد والناسي ، وحكما ، لعمومها الإعادة والقضاء ، وخصوصية المكاتبة من الوجهين ، والرواية أعم منها كذلك حكما ، والخاص مقدّم على العام قطعا ، فيجب تقييدهما بها‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٩٧.

(٢) السرائر ١ : ١٨٣.

(٣) كالمنتهى ١ : ١٨٣ ، والتحرير ١ : ٢٥ ، والإرشاد ١ : ٢٤٠.

(٤) راجع ص ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤.

(٥) المتقدمة في ص ٢٥٦.

(٦) راجع ص ٢٥٩.

(٧) راجع ص ٢٥٦ و ٢٥٧.

(٨) المتقدمة في ص ٢٥٨.

٢٦١

والحكم باختصاص الإعادة بالوقت ، كما هو القول الثاني ، فعليه الفتوى وإن كان القضاء أيضا في الخارج أحوط.

الثالثة : من صلّى في نجاسة جاهلا بها إلى أن يفرغ فلا قضاء عليه ولا إعادة ، وفاقا في الأول للأكثر ، بل عليه الإجماع في السرائر والتنقيح واللوامع (١) ، وعن المهذّب والغنية (٢) ، وفي المدارك : إنّ الظاهر اتّفاق الأصحاب عليه (٣).

لآخر المكاتبة الصحيحة المتقدّمة ، وللثانية والرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة من الأخبار السابقة في المسألة الاولى (٤).

وصحيحة زرارة الطويلة ، وفيها : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال : « تغسله ولا تعيد الصلاة » (٥).

وروايتي أبي بصير :

إحداهما : عن رجل صلّى وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم ، قال : « قد مضت صلاته ولا شي‌ء عليه » (٦).

والأخرى : « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه » (٧).

وفي الثاني للاستبصار وباب تطهير الثياب من نهاية الشيخ ومن السرائر (٨) ،

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨٣ ، التنقيح الرائع ١ : ١٥٣.

(٢) المهذب البارع ١ : ٢٤٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٣) المدارك ٢ : ٣٤٨.

(٤) راجع ص ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ٣ : ٤٧٧ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٨٩ ، الوسائل ٣ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٢.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٧ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٧.

(٨) الاستبصار ١ : ١٨١ ، النهاية : ٥٢ و ٩٤ ، السرائر ١ : ١٨٣.

٢٦٢

والمفيد والسيد (١) ، والمعتبر والشرائع والمنتهى والإرشاد (٢) ، لغير الاولى من الأخبار المذكورة.

وخلافا في الأول لظاهر الصدوقين (٣) ، وبحث المتغيّر من الماء من المقنعة ومن السرائر (٤) ، والديلمي (٥) ، للسابعة من أخبار الاولى ، وصحيحة ابن عبد ربه : في الجنابة يصيب الثوب ولم يعلم بها صاحبه فصلّى فيه ثمَّ يعلم ، قال : « يعيد إذا لم يكن علم » (٦).

وفي الثاني لمن ذكر ، ولباب المياه من النهاية (٧) ، والإسكافي والقاضي وابن حمزة والقواعد والمسالك (٨) ، والمحقّق الثاني في الجعفرية وموضعين من حاشيته على الإرشاد ، بل يميل إليه في شرح القواعد أيضا (٩).

وعن المبسوط ، وظاهر التذكرة التردّد (١٠) ، لهاتين الروايتين والمكاتبة.

ويجاب عن الجميع ـ مع خلوّ غير الاولى عن الدالّ على الوجوب ، واحتمال‌

__________________

(١) قال في المقنعة ص ١٤٩ : من صلّى في ثوب يظن أنه طاهر ثمَّ عرف بعد ذلك أنه كان نجسا ، ففرّط في صلاته فيه من غير تأمل له ، أعاد ما صلّى فيه في ثوب طاهر من النجاسات. ولم نعثر على المسألة فيما بأيدينا من كتب السيد ، ولكن نسب إليهما كلّ من تعرض للمسألة القول بعدم لزوم الإعادة ، انظر : المنتهى ١ : ١٨٣ ، المدارك ٢ : ٣٤٨.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٢ ، الشرائع ١ : ٥٤ ، المنتهى ١ : ١٨٣ ، الإرشاد ١ : ٢٤٠.

(٣) الصدوق في الفقيه ١ : ٤٢ و ١٦١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ١٤.

(٤) المقنعة : ٦٦ ، السرائر ١ : ٨٩.

(٥) المراسم : ٨٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٩١ ، الاستبصار ١ : ١٨١ ـ ٦٣٥ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٨.

(٧) النهاية : ٨.

(٨) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٤ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٧ ، ١٥٣ ، ابن حمزة في الوسيلة ٩٨ ، القواعد ١ : ٨ ، المسالك ١ : ١٨ ، رسائل المحقق الكركي ١ : ١١٥.

(٩) جامع المقاصد ١ : ١٥٠.

(١٠) المبسوط ١ : ٣٨ ، التذكرة ١ : ٩٧ و ٩٨.

٢٦٣

الاستفهام في الاولى ، وقرب سقوط حرف النفي في الثانية ، لمكان الشرط في ذيلها ـ : أنّها معارضة لما مرّ ، فيتساقطان ، ويرجع إلى الأصل في القولين ، وإلى المكاتبة أيضا في الأول ، بل لو جعلنا عدم العلم أعم من النسيان ـ كما هو مقتضى اللغة ـ تكون الروايتان أعمّين مطلقا مع بعض ما مرّ ، كصحاح محمد وقرب الإسناد وزرارة ورواية الجعفي (١) ، فتخصّصان به قطعا.

ثمَّ إطلاق الأخبار كأكثر الفتاوى وإن كان عدم الفرق في عدم الإعادة والقضاء بين ما لا يحتمل النجاسة أو يحتملها ، وفحص أو لم يفحص ، إلاّ أنّ ظاهر الشيخين والذكرى والدروس : التفرقة (٢) ، فحكموا بعدم الإعادة مع الفحص ، وبها بدونه ، ومال إليه بعض مشايخنا (٣).

وهو الأقوى ، لصحيحة محمد ، المتقدّمة (٤).

ورواية الصيقل وفيها ـ بعد السؤال عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلّى ، فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ـ : « إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة » (٥).

وتؤيّده مرسلة الفقيه : « إن كان الرجل جنبا قام ونظر وطلب ولم يجد شيئا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته » (٦).

وظاهر هذه الأخبار وفتاوى من ذكر أنّ وجوب الإعادة مع عدم الفحص‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٢) الطوسي في التهذيب ١ : ٤٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ، المفيد في المقنعة : ١٤٩ ، الذكرى : ١٧ ، الدروس ١ : ١٢٧.

(٣) كصاحب الرياض ١ : ٩٢.

(٤) في ص ٢٥٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٤٢٤ ـ ١٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٤٢ ـ ١٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٤.

٢٦٤

إنّما هو إذا قارن الاحتمال لا مطلقا ، وهو كذلك.

فائدة‌ : لو صلّى ثمَّ رأى النجاسة واحتمل تأخّرها عن الصلاة لم تجب الإعادة إجماعا ، ذكره في التذكرة والمنتهى وغيرهما (١) ، وهو الدليل عليه ، مضافا إلى الأصول العديدة.

الرابعة : لو علم بالنجاسة في الأثناء ، فإن علم سبقها على الصلاة ، قطعها واستأنفها ، أمكنه الإزالة أم لا ، علم النجاسة قبل الصلاة ونسيها أو لم يعلمها ، وفاقا لوالدي وبعض مشايخي (٢) ، وهو المحكي عن جماعة ، وجعله في المدارك أولى (٣).

لصحيحة محمد ، المتقدّمة (٤) ، وصحيحتي أبي بصير وابن سنان :

الاولى : في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به ، قال : « عليه أن يبتدئ الصلاة » (٥).

والثانية وهي المروية في السرائر : « إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلّي ولم تكن رأيته قبل ذلك ، فأتمّ صلاتك فإن انصرفت فاغسله ، فإن كنت رأيته قبل أن تصلّي ولم تغسله ثمَّ رأيته بعد وأنت في صلاتك ، فانصرف واغسله وأعد صلاتك » (٦).

وتؤيده صحيحة زرارة وموثّقة سماعة (٧).

خلافا للمنقول عن الأكثر ، فيزيلها مع الإمكان ويتمّ الصلاة ، ويقطعها مع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٩٨ ، المنتهى ١ : ١٨٤ ، المعتبر ١ : ٤٤١.

(٢) كصاحب الرياض ١ : ٩٢ وحكاه عن جماعة أيضا.

(٣) المدارك ٢ : ٣٥٢.

(٤) في ص ٢٥٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٨١ ـ ٦٣٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٢.

(٦) مستطرفات السرائر : ٨١ ـ ١٣.

(٧) صحيحة زرارة : التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٧٩

٢٦٥

عدمه.

لفحوى ما تقدّم من النصوص الحاكمة بعدم وجوب الإعادة على الجاهل ، لأولوية المعذورية في البعض منها في المجموع.

وللجمع بين ما مرّ وما دلّ على الإتمام مطلقا كموثّقة داود : في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دما ، قال : « يتم » (١).

وصحيحة علي : عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلا يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال : « إن دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله » (٢).

وحسنة محمد ، المتقدّم ذيلها في المسألة الأولى : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : « إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته » إلى آخر ما مرّ في المسألة الأولى (٣) ، بحمل ما مرّ على تعذّر الإزالة ، وهذه عليها مع إمكانها.

وفي الأولويّة منع ، لعدم العلم بالعلّة ، ولو سلّمت لا تفيد مع النصوص الآمرة بالإعادة.

وفي الجمع نظر ، لعدم شاهد عليه ، مع بعده في الأخيرة ، لعدم وجوب الطرح مع إمكان الإزالة قطعا.

__________________

أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٢ ، موثقة سماعة : التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥.

(١) التهذيب ١ : ٤٢٣ ـ ١٣٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨٣ أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ الطهارة ب ٣٩ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ ـ ٧٦٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٣) راجع ص ٢٥٣.

٢٦٦

مع أنّها والاولى أعمّان مطلقا ممّا مرّ ، لشمولهما لما إذا لم يعلم السبق ، واختصاصه بما إذا علم ، للقطع بعدم حصول المني حال الصلاة ، وشمولهما للمعفو عن الدم ، واختصاصه بغير المعفو من النجاسة ، فتخصيصهما به لازم.

مضافا إلى أنّ بعد عدم العلم بالسبق يجب البناء على عدمه ، عملا بالأصل ، فلعلّ عليه بناء الإمام ، فتكونان مختصّتين بصورة عدمه.

وأيضا : ذيل الأخيرة مخصوص بما لم يزد الدرهم ـ على ما في الكافي والفقيه ـ فهي بمفهومها ظاهرة الدلالة على الإعادة فيما زاد عليه وإن أمكن الغسل إذا لم يكن عليه ثوب غيره ، وهو مناف للمطلوب ، وموافقة جزئها الأول له ـ مع ذلك ـ غير مفيدة.

نعم لا منافاة على ما في التهذيب ، ولكنه لا اعتماد عليه مع اختلافه مع ما تقدّم عليه ، بل مع ما في الاستبصار أيضا.

والثانية غير دالّة ، لأنّ حكم ما قبل الاستثناء إنّما هو لحالة عدم نجاسة الثوب بقرينة الأمر بالنضح ، وما بعده مع رجوعه إلى الشرطين لا يدلّ على حكم الصلاة حال وجود الأثر ، ومع الرجوع إلى الأخير كما هو الأظهر لا يفيد أصلا.

وللمدارك حيث يظهر منه الميل إلى التخيير بين الاستئناف والإتمام مع الإزالة إن أمكن ، وبدونها إن لم يمكن ، مع استحباب الأول ، للتعارض وفقد الترجيح (١).

وجوابه يظهر ممّا ذكر ، مع أنّ عدم القول به ـ كما في اللوامع ـ ينفيه.

وإن لم يعلم السبق ، أزال النجاسة إن أمكن بأن لا يكون مفتقرا إلى ما ينافي الصلاة وأتمّها ، وإلاّ أبطلها على ما هو المصرّح به في كلامهم ، وفي اللوامع : الظاهر وفاقهم عليه. وقيل : بلا خلاف أجده (٢).

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٥٢.

(٢) كما في الرياض ١ : ٩٣.

٢٦٧

وأمّا في المعتبر (١) ـ من القول بلزوم الإعادة على الإطلاق بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل ـ فمع ما فيه من منع اللزوم ، ظاهر في الصورة الأولى ، لأنّها التي يتحقّق معها الجهل ، ومع ذلك يخالف مختاره في المبسوط والنهاية (٢) على ما حكي.

وكيف كان : فالحقّ ما عليه الأكثر.

أمّا المضي مع إمكان الإزالة : فلصحاح محمد وإسماعيل ومعاوية والحلبي وابن أذينة وزرارة :

الأولى : عن الرجل يأخذه الرعاف والقي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال : « ينفتل ويغسل أنفه ويعود في صلاته ، وإن تكلّم فليعد صلاته » (٣).

وقريبة منها الثانية (٤).

والثالثة : « لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فقال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها » (٥).

والرابعة : عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة ، فقال : « إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمَّ ليصلّ ما بقي من صلاته ، وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته » (٦).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٤٣.

(٢) المبسوط ١ : ٩٠ ، النهاية : ٥٢ و ٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ الصلاة ب ٥٠ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠٣ ـ ١٥٣٦ ، الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٨ ـ ١٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٠٣ ـ ١٥٣٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ـ ١٣٤٤ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٠ ـ ٧٨٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠٤ ـ ١٥٤١ ، الوسائل ٧ : ٢٣٩ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٦.

٢٦٨

والخامسة : عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلّى بعض صلاته ، فقال : « إن كان الماء عن يمينه وعن شماله وعن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت وليبن على صلاته ، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة » (١).

والسادسة : « وإن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمَّ بنيت على الصلاة » (٢).

وتدلّ عليه أيضا حسنة محمد ، المتقدّمة (٣).

والأوليان وإن أطلقتا البناء مع عدم الكلام ، والأخيرة معه أيضا ، إلاّ أنه خرج منها ما إذا استلزمت الإزالة شيئا من المبطلات بالإجماع والرابعة والخامسة.

وأمّا البطلان مع عدم إمكان الإزالة : فلطائفة من الصحاح المذكورة ، ويؤيّده الإجماع المنقول ، وبها تخصّص عمومات المضيّ ، المتقدّمة (٤) ، كما أنّ بها يخصّص ما دلّ على ناقضية الرعاف مطلقا ، أو عدمها كذلك (٥).

فائدة فيها فروع :

لو علم بالنجاسة في الأثناء وعلم سبقها على حالة العلم وأنه صلّى بعض صلاته بالنجاسة فهل يلحق بالصورة الأولى أو الثانية؟ الحقّ هو الثاني ، لإطلاق طائفة من أخبار الثانية ، وظهور روايات الاستئناف في السبق على الصلاة (٦).

ولو لم يزل العارض في الأثناء مع الإمكان حتى صلّى شيئا من الصلاة فهل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٩ ـ ١٠٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ١.

(٣) في ص ٢٦٦.

(٤) كصدر رواية السرائر وموثقة داود وحسنة محمّد ، مع ما في الثانية من عموم الدم بالنسبة إلى قدر الدرهم والأقل ، وفي الثالثة من اختلاف النسخ. منه رحمه الله تعالى.

(٥) أنظر : الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١.

(٦) المتقدمة في ص ٢٦٥.

٢٦٩

يبطل أو يزيل ويتم؟ فيه إشكال ، والأحوط : الإزالة والإتمام ثمَّ الإعادة.

ولو زال الإمكان بعد فعل شي‌ء من الصلاة ، استأنفها قطعا.

ولو علم بالنجاسة المعلومة سبقها أو غير المعلومة في الأثناء وضاق الوقت عن الإزالة والاستئناف ، فإطلاق النصوص بالأمرين ـ كإطلاق كلام جماعة ـ يثبتهما حينئذ أيضا ، وندرة وجودها غير مفيدة للتقييد عندنا ، ولكن قطعية أدلّة وجوب الصلاة في أوقاتها ، وعدم معلومية اشتراط إزالة النجاسة على هذا الوجه ، بل شهادة الاستقراء ، والعفو عن كثير من أمثالها لأجل تحصيل العبادة في وقتها يوجب الحكم بعدم الاشتراط ، إلاّ أن يقال : إن إطلاق تلك النصوص كاف في إثبات الاشتراط في هذه الصورة ، ولعله الأظهر.

الخامسة : المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد تكتفي بغسله كلّ يوم مرة على الأظهر الأشهر ، وفي الحدائق من غير خلاف يعرف (١) ، لرواية [ أبي ] (٢) حفص ، المنجبرة : عن امرأة ليس لها إلاّ قميص ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في كلّ يوم مرة » (٣).

واللازم الاقتصار على المتيقّن من موردها ، فيقتصر على الصبي ، وفاقا للّوامع والشرائع والنافع والمنتهى والإرشاد (٤) ، للشك في إرادة الصبية من المولود ، بل في المعالم عن بعض الأصحاب أنّ المتبادر منه هو الصبي (٥). وبه صرّح الفاضل في النهاية (٦).

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٣٤٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر وهو الظاهر من كتب الرجال أيضا.

(٣) الفقيه ١ : ٤١ ـ ١٦١ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ ـ ٧١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٩٩ أبواب النجاسات ب ٤ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ٥٤ ، المختصر النافع : ١٩ ، المنتهى ١ : ١٧٦ ، الإرشاد ١ : ٢٣٩.

(٥) المعالم : ٣٠٦.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٨.

٢٧٠

ومنهم من تعدّى إليها أيضا (١) إمّا لشمول المولود لها ، وهو غير معلوم. أو لإلحاقها به ، وهو بالفرق بين بولهما ـ كما يستفاد من الاكتفاء بالصبّ في بوله دونها ـ مردود.

وعلى البول فلا يتعدّى إلى غيره. واحتمال الكناية عمّا يشمل الغائط بالبول لا يكفي للإثبات. وعدم تعقّل فرق ـ بوجوده من تكرّر البول والاكتفاء بالصبّ ـ مدفوع.

ونحوه الكلام في المربي ، وذات الولدين ، والثياب المحتاجة إلى الجميع لبرد ونحوه ، والبدن ، وغير ذلك من التعدّيات التي تعدّى إلى كلّ منها متعدّ ، التفاتا إمّا إلى عدم تعقّل الفرق ، أو إلى الاشتراك في العلّة وهي المشقة.

والأول يردّ : بعدم الملازمة بين عدم التعقل والعدم.

والثاني : بأنه استنباط علّة لا حجية فيه ، وهذه العلّة بنفسها وإن أوجبت التعدية أيضا لكن لا دخل لها بمورد الرواية ، ولا خصوص اليوم والليلة ، بل يتقدّر الرخصة بقدر المشقة.

والمتمكّنة من تحصيل غير الثوب الواحد ـ بنحو شراء أو عارية ـ ذات واحد ، لصدق أنّه ليس لها إلاّ قميص.

وما يكتفى به هو الغسل ، فلا يكفي الصبّ وإن كان بعد لم يطعم.

والاكتفاء به مع تكرير الإزالة كلّما حصل لا يدلّ عليه مع الاقتصار على المرة في اليوم.

ثمَّ المتبادر من الرواية كفاية الغسل في اليوم فلا حاجة إليه في الليلة ، كما إذا قيل : يكفي غسل ثوبك كلّ خميس مرة ، فإنّه يتبادر منه كفايته عن غسل سائر الأيام أيضا ، وهذا هو السرّ في الكفاية في اليوم والليلة لا شموله لها وضعا أو بتبعيته.

__________________

(١) كالشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٠٤ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣٤٦.

٢٧١

والأفضل ـ كما صرّح به جماعة (١) ـ الإتيان بالغسل في آخر النهار مقدّمة له على الظهر ، آتية بعده بالأربع صلوات ، بل ربما احتمل الوجوب (٢).

وإطلاق النص يدفعه ، فيجوز في أيّ وقت شاء. والأحوط بل الأظهر أن يكون من آناء اليوم دون الليلة.

ولو أخلّت بالغسل ، فلا شكّ في عدم قضاء غير الصلاة الأخيرة ، لجواز تأخيره إلى وقتها. وهل تقضي الأخيرة؟ قيل : نعم (٣). وفيه إشكال.

السادسة : إذا كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس لا يعلمه بعينه ولا يمكنه غسلهما ، صلّى كلّ صلاة في كلّ واحدة وجوبا ، وفاقا للأكثر ، إذ لولاه فإمّا يكفي الصلاة في كلّ واحد منهما ، أو تجوز الصلاة عريانا ، أو تجب ، والأوّلان باطلان بالإجماع ، والثالث بحسنة صفوان حيث إنّ فيها بعد السؤال عن ذلك : « يصلّي فيهما جميعا » (٤) إذ ليس المراد الجمع بينهما في صلاة قطعا ، فلم يبق إلاّ التبادل. ولو لا خلوّها عن الدلالة على الوجوب لبطل بها الأولان أيضا ، كما أنه لو لا الإجماع لكان الأول متّجها ، لأنّ المانع في كلّ واحد بخصوصه غير متيقّن والأصل عدمه.

والاستدلال بتوقّف تيقّن البراءة عليه مردود بحصوله بعد حكم الأصل بالطهارة ، وبأنّ الذمة لم تشتغل إلاّ بالصلاة في ثوب لم يقطع بنجاسته لا ما علم طهارته.

__________________

(١) كالعلامة في التذكرة ١ : ٩٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٠٥ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣٤٩ ، وصاحب الرياض ١ : ٩٤.

(٢) كما في التذكرة ١ : ٩٨.

(٣) نقله صاحب مفتاح الكرامة ١ : ١٨١ ، عن أستاذه.

(٤) الفقيه ١ : ١٦١ ـ ٧٥٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب النجاسات ب ٦٤ ح ١.

٢٧٢

وخلافا لابني سعيد وإدريس (١) ـ بل غيرهما أيضا كما يظهر من الخلاف وغيره (٢) ـ فأوجبا الصلاة عريانا لوجه اجتهادي لا يلتفت إليه مع دلالة النص على خلافه ، مع عدم وروده من الأصل ، ووروده عليه لو ورد.

فروع :

[ أ ] : لو وجد معهما متيقّن الطهارة ، فصرّح في المنتهى والتذكرة بوجوب الصلاة فيه وعدم جوازها فيهما لا متعدّدة ولا منفردة (٣). وهو كذلك.

أمّا عدم جوازها في واحد منهما : فللإجماع.

وأمّا في كلّ منهما : فلأنّ تعدّد الصلاة ـ لكونها عبادة ـ لا يكون إلاّ مع الطلب ، وهو في المقام منتف ، لظهور النص في الانحصار ، وعدم دليل آخر ، فلم يبق إلاّ الصلاة في الطاهر أو عاريا ، والثاني مع وجود مقطوع الطهارة ممتنع نصّا وإجماعا ، فبقي الأول. فما في المدارك (٤) ، واللوامع من أولوية الصلاة في الطاهر دون تعيّنها غير صحيح.

[ ب ] : ولو كان معه طاهر ومتنجّس بما عفى عنه أو متنجّسان منه بالأقلّ والأكثر ، صلّى في أيهما شاء.

وقال جماعة بأولوية الأولين (٥) ، وبعض المتأخّرين بأولوية الاولى من الأول خاصة (٦).

[ ج ] : ثمَّ الحكم في المشتبهين هل يختص بالثوبين أو يتعدّى إلى الأكثر‌

__________________

(١) ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٤ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ١٨٥.

(٢) الخلاف ١ : ٤٨١ ، المبسوط ١ : ٩١.

(٣) المنتهى ١ : ١٨٢ ، التذكرة ١ : ٩٧.

(٤) المدارك ٢ : ٣٥٨.

(٥) كالعلامة في المنتهى ١ : ١٨٢ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٥٨.

(٦) كصاحب الحدائق ٥ : ٤٠٨.

٢٧٣

أيضا؟ ظاهر كثير من المتأخّرين : الأخير (١) ، والنص مخصوص بالأول ، والإجماع البسيط أو المركّب في المقام غير معلوم ، وأصالة الطهارة في كلّ منها عن المعارض خالية ، فالأول متّجه جدّا.

وكذا القول فيما إذا تعدّدت الثياب النجسة المشتبهة بالطهارة ، ومن تعدّى في الحكم من الثوبين أيضا قال بوجوب الصلاة فيما زاد على عدد النجسة (٢).

[ د ] : ولو فقد أحد المشتبهين ، صلّى في الثاني ، لما مرّ.

وقيل : يصلّي فيه وعريانا (٣).

وقيل : يبتني على مسألة من انحصر ثوبه في النجس (٤).

والأجود (٥) ما ذكرنا ، لما ذكرنا.

[ ه‍ ] : ولو ضاق الوقت عن الصلاة في المتعدّد ففي الوجوب فيما يسعه أو عريانا قولان ، بل فيهما أو في التخيير بينهما أو الإتيان بما لا يسعه الوقت في خارجه أو الاكتفاء بواحدة احتمالات.

والتحقيق : أنّ قوله : « يصلّي فيهما جميعا » إن اختص بالوقت فمع عدم إمكانه يرجع إلى الأصل المتقدّم من جواز الصلاة في كلّ واحد ، ويتعيّن الاحتمال الأخير ، وإن عمّ غيره أيضا يتعيّن ما قبله ، وحيث يحتمل الأمرين والأصل مع الأخير فالقول به أظهر ، إلاّ أن يرجّح ما قبله بعموم قضاء الفوائت ، ولا بأس به. ودعوى الإجماع في أمثال المقام مجازفة.

__________________

(١) كالعلامة في المنتهى ١ : ١٨١.

(٢) كصاحب المدارك ٢ : ٣٥٨.

(٣) كما في القواعد ١ : ٦ ، والذكرى : ١٧.

(٤) كما في المدارك ٢ : ٣٥٨ ، والذخيرة : ١٦٦. وفي حاشية منه رحمه‌الله : فيصلي في الثاني على القول فيها بالصلاة في النجس وعاريا على القول به فيها ويتخير على التخيير.

(٥) في « س » : والأحوط.

٢٧٤

والاحتجاج لأول القولين بالاستصحاب ـ كما في شرح القواعد (١) ـ مع اختصاصه بما إذا حصل الاشتباه وعدم التمكن من الغسل في الوقت ، مدفوع : بأنّ الثابت وجوب الصلاة في الجميع في السعة بشرطها ، فلا يمكن الاستصحاب في غيرها.

[ و ] : ولو كان عليه صلوات مرتّبة ، وجب مراعاة الترتيب فيها ، فيصلّي الظهر مثلا في أحد الثوبين ثمَّ ينزعه ويصلّيها في الآخر ، ثمَّ يصلّي العصر ولو في الثاني ثمَّ يصلّيها في الآخر.

ولو صلّى الظهر والعصر في أحدهما ثمَّ نزعه وصلاّهما في الآخر ، فقد صرّح جماعة بالصحة (٢) ، لترتّب الثانية على الاولى على كلّ تقدير.

وقيل بالبطلان (٣) ، للنهي عن الشروع في العصر حتى تتحقّق البراءة عن الظهر. وهو جيّد. بل عدم العلم بجواز الشروع في العصر قبل اليقين بالبراءة عن الظهر كاف في ذلك أيضا ، لتوقيفية العبادة ، إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى الأصل تحقّق الظهر والعصر الأصليين المكلّف بهما بفعلهما في ثوب واحد ، وأمّا الإتيان بهما في الثوبين فهو أمر تعبّدي لم يثبت فيه الترتيب ، والأصل عدمه.

السابعة : من انحصر ثوبه في نجس ولم يضطر إلى لبسه ، ففي وجوب الصلاة عريانا أو فيه أو تخييره بينهما أقوال :

الأول عن المبسوط والنهاية والخلاف ـ مدّعيا فيه الإجماع ـ والقاضي (٤) ، وللحلّي والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والتحرير (٥) ، وفي الذكرى جعله‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٧٧.

(٢) كالعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٢٨٢ ، والشهيد في البيان : ٩٧ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٥٩.

(٣) كما في الحدائق ٥ : ٤٠٧.

(٤) المبسوط ١ : ٩٠ و ٩١ ، النهاية : ٥٥ ، الخلاف ١ : ٤٧٤ ، نقله في المنتهى ١ : ١٨٢ عن القاضي ابن البراج في الكامل.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ١٨٦ ، الشرائع ١ : ٥٤ ، المختصر النافع : ١٩ ، التذكرة ١ : ٩٤ ، القواعد

٢٧٥

المشهور (١) ، وفي الدروس الأشهر (٢) ، ونسبه في المدارك إلى الأكثر (٣).

والثاني ظاهر الصدوق (٤) ، وإليه مال في المدارك والمعالم والذخيرة (٥) ، وعزاه في اللوامع إلى أكثر الثالثة ، إلاّ أنه قيل : إنّه قول من شذّ ممّن تأخّر (٦).

والثالث عن الإسكافي والمعتبر والمنتهى والذكرى والدروس والبيان والثانيين (٧) ، وجمع من الثالثة (٨) ، ونسب إلى أكثرها ، وظاهر المنتهى (٩) الإجماع على الجواز الظاهر في التخيير. وهو الحق.

أمّا جواز الصلاة عريانا : فللروايات الثلاث : موثّقتي سماعة ورواية الحلبي (١٠).

وأمّا جوازها في الثوب : فللصحاح الأربع لعلي والحلبي والبصري (١١) ،

__________________

١ : ٨ ، التحرير ١ : ٢٥.

(١) الذكرى : ١٧.

(٢) الدروس ١ : ١٢٧.

(٣) المدارك ٢ : ٣٥٩.

(٤) الفقيه ١ : ٤٠ و ١٦٠.

(٥) المدارك ٢ : ٣٦١ ، المعالم : ٣١٢ ، الذخيرة : ١٦٩.

(٦) كما في الرياض ١ : ٩٤.

(٧) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٢ ، المعتبر ١ : ٤٤٥ ، المنتهى ١ : ١٨٢ و ٢٣٩ ، الذكرى : ١٧ ، الدروس ١ : ١٢٧ ، البيان ٩٦ ، المحقق الثاني جامع المقاصد ١ : ١٧٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، وروض الجنان : ١٦٩.

(٨) كالفيض في المفاتيح ١ : ١٠٧ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٣٥٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥.

(٩) المنتهى ١ : ١٨٢.

(١٠) موثقة سماعة الاولى : الكافي ٣ : ٣٩٦ الصلاة ب ٦٤ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ١ ، الثانية : التهذيب ١ : ٤٠٥ ـ ١٢٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ ـ ٥٨٢ ، الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ٣ ، رواية الحلبي : التهذيب ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ ـ ٥٨٣ ، الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ٤.

(١١) صحيحة علي : الفقيه ١ : ١٦٠ ـ ٧٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٤ ، الاستبصار ١ :

٢٧٦

وخبرين آخرين (١).

ولا تعارض بين الفريقين من الأخبار على المختار ، لورود الكلّ بلفظ الإخبار ، وهو لا يثبت الأزيد من الجواز.

والقول بأنه يفيد الإيجاب بعيد غايته عن الصواب.

مع أنّهما لو تعارضا لكان المرجع إلى التخيير الذي هو المرجع عند فقد ما يصلح للترجيح كما في المقام.

وترجيح الأول بالأشهرية عملا والاعتضاد بنقل الإجماع معارض بترجيح الثانية بالصحة سندا والأكثرية عددا والأحدثية في بعضها صدورا والأوفقية للاعتبارات ، مع أنّ شهرة القدماء لو سلّم تعارض شهرة المتأخّرين في الثانية.

ومنه يظهر فساد ما قيل من أن الأصل في الوجوب العيني والحمل على التخييري مجاز (٢) ، فإنه ليس لهذا الحمل بل إمّا لعدم الدلالة على الوجوب أو بواسطة الأخبار العلاجية.

دليل الأول : الروايات الثلاث ، وعمومات المنع من الصلاة في النجس ، والإجماع المنقول ، ومفهوم الشرط في رواية الحلبي ، الآتية ، مع ردّ معارضاتها بالشذوذ ، أو حملها على محامل بعيدة.

وفيه : أن الشذوذ لو سلّم إنما يكون لو كانت المعارضات دالّة على الوجوب‌

__________________

١٦٩ ـ ٥٨٥ ، قرب الإسناد : ١٩١ ـ ٧١٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٥ ، صحيحة الحلبي الأولى : الفقيه ١ : ٤٠ ـ ١٥٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١.

الثانية : التهذيب ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ـ ٥٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٨٥ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٧ ، صحيحة البصري : الفقيه ١ : ١٦٠ ـ ٧٥٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٤.

(١) الأول : الفقيه ١ : ٤٠ ـ ١٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٢.

الثاني : الفقيه ١ : ١٦٠ ـ ٧٥٥.

(٢) انظر شرح المفاتيح ( المخطوط ) ففيه ما مفاده : إن حمل الأخبار الآمرة بالصلاة في الثوب النجس على صورة عدم تيسّر النزع ليس بأندر من حمل الوجوب التعييني على التخييري.

٢٧٧

وليس كذلك.

والعمومات بما ذكر مخصّصة.

والإجماع المنقول لا حجية فيه سيّما بعد ظهور المخالف كثيرا قديما وحديثا.

ومفهوم الشرط لا يدلّ على أزيد من عدم وجوب الصلاة في الثوب إذا انتفى الاضطرار ، أمّا عند من يقول بإفادة قوله : « يصلّي » للوجوب فظاهر ، وأمّا عندنا : فلأنّا نقول : إنّ معناه ـ لكونه مجازا ومتعدّدا ـ غير معلوم ، والوجوب منفي بالأصل لا باللفظ ، وبعد فاللفظ له محتمل ، وحينئذ فيحتمل أن يكون المنفي في المفهوم هو الوجوب فلا يمكن الاستدلال (١).

ودليل الثاني : الصحاح الأربع وما بمعناها. وجوابه قد ظهر.

وقوله : « لم يصلّ عريانا » في الصحيحة الاولى.

وفي دلالته على الوجوب نظر ، غايته مرجوحية الصلاة عريانا ، وهو كذلك ، كما ذهب إليه الإسكافي والشهيدان (٢) ، وجمع آخر (٣).

نعم ، ظاهر إطلاق كلام الأول وجوب الإعادة في الوقت إن تمكّن فيه من الغسل واستحبابه خارجه ، ولعلّه لقوله : « أعاد الصلاة » في الخبرين الآخرين ، وهو عن إفادة الوجوب قاصر ، وأمّا الاستحباب فليس ببعيد.

وإن اضطرّ إلى لبس الثوب فيصلّي فيه وجوبا بلا خلاف ، لإطلاق‌

__________________

(١) نعم لو قلنا بدلالة نحو قوله : « يصلي » على الوجوب لتعيّن ترجيح ذلك القول من جهة تلك العمومات السالمة بعد تعارض النوعين من الأخبار بل يترجح أخبار العريان بالخصوصية أيضا حيث انها مخصوصة بحالة إمكان الصلاة عريانا قطعا ومعارضها أعمّ فيخصص بصورة عدمه وهي أيضا من الصور المتحققة كثيرا. منه رحمه الله تعالى.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٢ ، الشهيد الأول في البيان : ٩٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، وروض الجنان : ١٦٩.

(٣) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧٨ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٦١ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٠٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٥.

٢٧٨

الصحاح المتقدّمة الشاملة لهذه الصورة الخالية فيها عن المعارض ، لاختصاص ما دلّ على الصلاة عريانا بغير حال الاضطرار قطعا.

ولخصوص رواية الحلبي : عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره ، قال : « يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه » (١).

ولو نوقش بخلوّ تلك الأخبار عن الدالّ على الوجوب أتممناه بأنها دالّة على جواز الصلاة في الثوب ، ولعدم إمكان غيره وعدم جواز ترك الصلاة متعيّن.

والقول بأنه إنّما يتم لو كانت صلاته في آخر الوقت ، وأمّا في السعة فلا ، لأنّ جواز الصلاة في النجس إنما هو مع عدم التمكن من التطهير ومع السعة لا يعلم ذلك ، مدفوع : بعدم التمكّن في حال الصلاة التي هي أيضا من أجزاء زمان التوسعة الشاملة لها الأمر التوسّعي ، وإخراجها من بين الأجزاء يتوقّف على الدليل.

وفي إعادتها مع التمكّن من الطهارة قولان : الأصح الأشهر : العدم ، لأصل البراءة والخروج عن العهدة ، وظواهر الصحاح المتقدّمة الواردة في مقام الحاجة ، مع تضمّن البعض الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة من دون تعرّض للإعادة.

خلافا للنهاية (٢) ، وطائفة (٣) ، فأوجبوها ، لموثّقة الساباطي : عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ولا يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلّي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ـ ٥٨٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨٥ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٧.

(٢) النهاية : ٥٥.

(٣) حكى في المدارك ٢ : ٣٦٢ ، والرياض ١ : ٩٤ عن جماعة ، وقال في الحدائق ٥ : ٣٤٩ : وانفرد الشيخ من بينهم بإيجاب إعادة الصلاة فيه حال الضرورة.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٣ : ٤٨٥ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٨.

٢٧٩

وهي عن إفادة الوجوب قاصرة ، فإرادة الاستحباب منها ـ كما استظهره بعض أعيان المتأخّرين ناسبا له إلى الصدوق ـ طاب ثراه ـ أيضا (١) ممكنة ، ومع ذلك بالصلاة في النجس متيمّما مخصوصة ، بل لا دلالة فيها على كون صلاته في الثوب أصلا.

فروع :

أ : لو نجس البدن وتعذّرت الإزالة ، صلّى معها بلا إشكال ولا خلاف ، كما في الحدائق (٢) ، لتقييد موجبات إزالتها عنه للصلاة بحال الإمكان ضرورة ، فأمّا ينتفي الاشتراط وهو المطلوب ، أو وجوب المشروط وهو خلاف الإجماع.

مضافا إلى أنّ بعد التقييد تبقى أوامر الصلاة حال عدم الإمكان خالية عن المقيّد ، وتؤيّده الأخبار الواردة في السلس والمبطون (٣).

ب : إذا نجس الثوب والبدن معا وتعذّرت الإزالة عن أحدهما ، وجبت في الآخر ، إذ لكلّ منهما أمر برأسه ، فيجب امتثاله ما أمكن ، وعدم إمكانه في أحدهما لا يوجب انتفاء وجوبه في الآخر.

ثمَّ لو تعيّن الممكن تطهيره منهما طهّره ، وإلاّ تخير.

ولو لم يمكن التطهير وأمكن نزع الثوب ، فهل يجوز تخفيفا للنجاسة على التخيير في الأصل ويجب على القول بالوجوب فيه ، أم لا؟ ظاهر بعض القائلين بالصلاة عريانا فيه : عدمه هنا ، ووجوب الستر.

والظاهر التخيير ، للروايات المتقدمة (٣).

ولو تنجّس أحدهما وأمكن تطهير بعضه دون بعض ، فإن كانت فيه‌

__________________

(١) قد حمل الرواية على الاستحباب في الذكرى : ١٧ والذخيرة : ١٦٩ ، ولم نعثر على من نسبه إلى الصدوق.

(٢) الحدائق ٥ : ٣٤٩.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩.

(٤) في ص ٢٧٦ و ٢٧٧.

٢٨٠