مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

ومعارضة الثالث مع ما مرّ من أنه عليه‌السلام كان يطلي عانته وما يليها ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمام (١) ، فحمله على الأفضلية متعيّن.

وللمحكي عن الحلبي ، فجعل العورة من السرّة إلى نصف الساق (٢).

ولم أعثر على دليل له ، بل يردّه ما في بعض الأخبار من أن الركبة ليست من العورة (٣) ، ومرسلة الفقيه : « صلّى الحسين بن علي عليهما‌السلام في ثوب قد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه » الحديث (٤).

وأمّا مرسلة رفاعة : عن الرجل يصلّي في ثوب واحد يأتزر به ، قال : « لا بأس به إذا رفعه إلى الثديين » (٥) فلا تدلّ على مطلوبه ، بل هو ممّا لم يقل أحد بوجوبه ، فعلى الاستحباب محمولة قطعا.

مع أنّ المحكي عنه في المختلف (٦) ـ كما قيل ـ وفي الدروس (٧) موافقته للقاضي ، إلاّ أنه أوجب الستر إلى نصف الساق من باب المقدّمة.

وهل يستحب للرجل ستر سائر بدنه أو لا؟ ففي المعتبر والإرشاد والقواعد والتذكرة والدروس والبيان : استحباب ستر جميع الجسد (٨). وفي الشرائع : كراهة الصلاة عريانا إذا ستر قبله ودبره (٩). وفي المدارك : يكره للرجل الصلاة في غير‌

__________________

(١) راجع ص ٢٢٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٧ ـ ٧٨٤ ، الوسائل ٤ : ٣٩٢ أبواب لباس المصلّي ب ٢٢ ح ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٥ الصلاة ب ٦٤ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٤٩ ، الوسائل ٤ : ٣٩٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٣.

(٦) المختلف : ٨٣.

(٧) الدروس ١ : ١٤٧.

(٨) المعتبر ٢ : ٩٩ ، الإرشاد ١ : ٢٤٧ ، القواعد ١ : ٢٧ ، التذكرة ١ : ٩٣ ، الدروس ١ : ١٤٧ ، البيان : ١٢٢.

(٩) الشرائع ١ : ٧٠.

٢٤١

الثوب الساتر لما يعتاد ستره ، واستدلّ بأخبار لا تثبت إلاّ استحباب التردّي بشي‌ء والتعمّم (١) ، وظاهر أنهما خارجان عن المقصد.

وقد يستدل بحصول المبالغة في الستر ، وبفعلهم عليهم‌السلام ذلك في الأكثر ، وبما نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنه : « إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبه ، فإن الله جلّ شأنه أحقّ أن يتزيّن له » (٢) وبأنه زينة وقال سبحانه ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٣) أي صلاة.

والكلّ كما ترى ، بل ظاهر ما في الدعائم ـ من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين عليه‌السلام والباقر عليه‌السلام صلّوا في ثوب واحد (٤) ـ : عدمه ، حيث إنّ الثوب الواحد لا يشمل جميع البدن ولا جميع ما يعتاد ستره.

وقيل : يستحب ستر أعالي البدن (٥).

وهو أيضا غير معلوم الوجه ، إلاّ أن يجعل فتوى العالم على جميع ما ذكر دليلا ، ولا بأس به.

الثانية : يجب على المرأة ستر جميع جسدها ، عدا الوجه والكفّين والقدمين ظاهرا وباطنا ، بالإجماع في المستثنى منه ، والأصل في المستثنى ، وهما الحجة في المقامين.

لا في الأول ما ذكروه من الأخبار الناطقة بأن المرأة تصلّي في درع ومقنعة (٦) ، أو في إزار ودرع وخمار ، فإن لم تجد ففي ثوبين (٧). أو أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ١٩٢.

(٢) المهذّب في فقه الشافعي ١ : ٦٥.

(٣) الأعراف : ٢٩.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٧٥. مستدرك الوسائل ٣ : ٢١٢ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١.

(٥) كما في الحدائق ٧ : ٣٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٣ ـ ١٠٨١ ، الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٥ الصلاة ب ٦٤ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٦ ، الاستبصار ١ :

٢٤٢

درع وملحفة (١). أو أنّه لا تصلّي المرأة في ثوب واحد (٢) ، وأمثالها ، وإن كانت صحاحا ، لعدم وفائها بتمام المطلوب حتى تمام الصدغين والأذنين وقدام العنق وجميع الساعدين والساقين.

والقول بورودها على ما هو المتعارف في زمان صدور الروايات من طول الأذيال والأكمام بحيث يغطّي اليدين والأقدام ، ضعيف كما سيظهر وجهه ، فالمناط هو الإجماع.

ومخالفة الإسكافي (٣) وجعله إيّاها كالرجل كما هو المشهور عنه ، أو عدم إيجابه ستر رأسها خاصة كما حكى عنه بعضهم (٤) ، شاذة في الإجماع غير قادحة ، مع أنّ قوله مردود بالأخبار المذكورة قطعا ، فلا يبقى إلاّ ما ذكرنا بالإجماع المركّب أيضا ، إلاّ أنّ في دلالة تلك الأخبار على الوجوب نظرا سيّما مع وجود المعارض لبعضها.

ولا في الثاني عدم كون الثلاثة عورة ، أو عدم تستّرها بما يدلّ الأخبار على وجوب الاستتار بها ، لضعف الأول : بعدم الملازمة ، والثاني : برجوعه إلى ما ذكرنا من الأصل.

خلافا في الأول لمن ذكر ، فلم يوجب إمّا ستر غير السوأتين ، للأصل المندفع بما مرّ. أو الرأس ، لموثّقة ابن بكير : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس » (٥) المردودة بمخالفتها لعمل الفرقة.

__________________

٣٨٩ ـ ١٤٨٠ ، الوسائل ٤ : ٤٠٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٨.

(١) التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٨ ، الوسائل ٤ : ٤٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٤ ـ ١٠٨٢ ، الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٤.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٨٣.

(٤) حكاه عن ابن الجنيد في المهذب البارع ١ : ٣٣٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ ـ ١٤٨١ ، الوسائل ٤ : ٤١٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٥.

٢٤٣

وفي الثاني لجماعة ، وهم بين غير مستثن لشي‌ء سوى موضع السجود ، وهو المحكي عن الوسيلة ، وعزي إلى الجمل والعقود والغنية أيضا (١).

وكأنه لكون الستر الأصل فيها إلاّ ما اضطرّت إلى كشفه وهو الجبهة.

وفيه منع الأصل.

ومقتصر في الاستثناء على الوجه خاصة ، وهو المنقول عن الاقتصاد (٢) ، وقد ينسب إلى الأخيرين (٤) أيضا (٥).

ولعلّه للنصّ الدالّ على لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين (٦) ، وضمّها معهما يستلزم ستر الكفين والقدمين أيضا.

وفيه ـ مع كونه مخالفا للإجماع المحكي في المختلف والمنتهى وروض الجنان والذكرى وشرح القواعد (٧) ، ومعارضته مع ما دلّ على كفاية الخمار والدرع من الصحاح (٨) ـ : أنّ الاستلزام المذكور ممنوع سيّما في القدمين ، بل قال الأردبيلي : إنّ الغالب في العرف أنّ الملحفة تلبس بحيث يبقى القدمان ، بل الظاهر أنّ دلالتها على عدم ستر القدمين أقوى منها على الستر (٩). انتهى.

ومقتصر على الوجه والكفّين ، فلم يستثن القدمين إمّا متردّدا فيهما (١٠) ، أو‌

__________________

(١) الوسيلة : ٨٩ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٢) الاقتصاد : ٢٥٨.

(٣) كما في الرياض ١ : ١٣٤.

(٤) في « ق » : الأخير.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ ـ ١٤٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١١.

(٦) المختلف : ٨٣ ، المنتهى ١ : ٢٣٦ ، روض الجنان : ٢١٧ ، الذكرى : ١٣٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٩٦.

(٧) انظر الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨.

(٨) مجمع الفائدة ٢ : ١٠٥.

(٩) كما في الشرائع ١ : ٧٠ ، المختصر النافع : ٢٥.

٢٤٤

مصرّحا بعدم الاستثناء إمّا مطلقا (١) ، أو باطنهما فقط (٢) ، للاحتياط ، وكون جميع جسدها عورة فلا يخرج إلاّ ما قطع بخروجه ، وما دلّ على لزوم ملحفة منضمة مع الثوبين (٣).

وصحيحة علي : عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال : « تلتفّ فيها وتغطي رأسها وتصلّي ، فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك فلا بأس » (٤) دلّت بالمفهوم على البأس في خروج الرجلين مع القدرة.

وما دلّ على وجوب الدرع والقميص ، حيث إنّ دروعهنّ كانت مفضية إلى أقدامهنّ كما يشاهد الحال في نساء أكثر الأعراب.

ويؤيّده ما في الموثّق : في الرجل يجرّ ثوبه قال : « إنّي أكره أن يتشبّه بالنساء » (٥).

ويضعّف الأول : بعدم إفادته الأزيد من الاستحباب.

والثاني : بما مرّ من عدم الملازمة ، ولو سلّمت فبمنع كونهما عورة ، لعدم القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع لمكان الخلاف ، ولا من جهة الأخبار ، لقصور ما دلّ عليه سندا واعتبارا ، وخلوّه عن الجابر المعلوم.

ودعوى : صدق العورة عليها كلّها لغة وعرفا ممنوعة جدا (٦).

والثالث : بما سبق.

__________________

(١) كما في الخلاف ١ : ٣٩٣.

(٢) كما في القواعد ١ : ٢٧.

(٣) راجع ص ٢٤٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٤ ـ ١٠٨٣ ، الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٤٥٨ الزي والتجمل ب ١٢ ح ١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢ أبواب أحكام الملابس ب ٢٣ ح ٤.

(٦) ومن هنا يظهر أنه لا يتفاوت الحال في المرأة لو سلّمنا الإجماع على أن الواجب ستره في الصلاة هو ما يصدق عليه العورة ، إذ لم يثبت كون جسد المرأة عورة إلاّ بالقدر الذي ثبت الإجماع فيه على وجوب ستره في الصلاة. منه رحمه الله تعالى.

٢٤٥

والرابع : بأنّ الرجل اسم للمجموع المركّب من القدم وما فوقها ، مع أنّ الاستدلال به إنّما يتمّ على جعل الواو حالية ، ولو جعلت عاطفة لم يتمّ أصلا.

والخامس : بما قد يدّعى من ظهور عدم لزوم سترهما منه ، ولو منع الظهور فلا شك في عدم ظهور اللزوم.

ومن أين علم أنّ ثياب النساء في وقت صدور الأخبار كانت طويلة هذا القدر؟ بل كثير من علماء العرب الذين هم أكثر اطّلاعا وأقرب زمانا منّا بهذا الوقت وبعادة نساء العرب لم يحتملوا ذلك ، بل منهم من صرّح بخلافه ، قال في المنتهى : وليس القميص غالبا ساترا لظهور القدمين (١). انتهى.

والاعتماد على عرف الآن لا وجه له ، مع أنّ المشاهد منهنّ في زماننا هذا عدم ستر قميصهنّ لأقدامهنّ وإن كانت طويلة بحيث تجرّ على الأرض فإنّها لا تستر رؤوس الأقدام ، وهذا القدر كاف في استثناء القدمين بجميعهما ، لعدم القائل بالفرق ، فلا يتمّ الاستدلال مطلقا (٢).

ثمَّ بما ذكرنا ظهر عدم وجوب ستر شي‌ء من الوجه والكفّين والقدمين من باب المقدّمة أيضا ، إذ لا يثبت من الإجماع بل ولا من صدق العورة وجوب ستر غير المذكورات على نحو يحصل العلم باستتار جميع أجزائه ، بل القدر الثابت وجوب ستره على نحو لم يحصل العلم بظهور شي‌ء منه ، فتأمّل.

ومنه يظهر الحال في الشعر وأنّه لا يجب ستره كما صرّح به بعضهم (٣) ، بل العنق كما عن بعضهم (٤) ، بل الأذنين أيضا ، مع احتياط في الأخير بل الثاني (٥).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣٧.

(٢) أي ولو سلّم ورود الأخبار على متعارف هذا الزمان أيضا. منه رحمه الله تعالى.

(٣) انظر المدارك ٣ : ١٨٩ و ١٩٠.

(٤) انظر المدارك ٣ : ١٨٩ و ١٩٠.

(٥) قال المحقق الأردبيلي : ولو لا خوف الإجماع المدعى لأمكن القول باستثناء غيرها أي غير الوجه والكفين والقدمين من الرأس وما يظهر غالبا. منه رحمه الله تعالى. مجمع الفائدة ٢ : ١٠٥.

٢٤٦

والمراد بالشعر الذي لا يجب ستره ما انسدل من الرأس ووقع على الوجه ونحوه ، وأمّا الواقع على الرأس فوجوب ستره مجمع عليه ، وفي الأخبار دلالة عليه (١) (٢).

ومنه يظهر ضعف ما استند به بعضهم (٣) ـ في لزوم ستر الشعر مطلقا ، وفي تضعيف قول من استثناه ـ ممّا يدلّ على لزوم الخمار أو القناع.

وأمّا الاستناد إلى كونه من العورة المجمع على وجوب سترها في الصلاة فقد عرفت ما فيه ، مع أنه يمكن أن يكون شعر الرأس ممّا يجب ستره وإن لم يكن عورة ، أو تكون العورة غير ما انسدل منه.

وأمّا ما في بعض المعتبرة من أنّ فاطمة عليها‌السلام صلّت في درع وخمار وليست عليها أكثر ممّا وارت شعرها وأذنيها (٤) فلا يدلّ على الوجوب أصلا.

الثالثة :

لا فرق في المرأة فيما ذكر بين الحرّة والأمة إلاّ في الرأس ، فلا يجب ستره على الأمة إجماعا محقّقا ومحكيا ، حكاه الشيخ في الخلاف والفاضلان والشهيدان والمحقّق الثاني (٥) ، وغيرهم (٦) ، بل في كلام كثير ادّعاء إجماع علماء الإسلام سوى الحسن البصري ، وهو الحجة فيه.

مضافا إلى الأصل ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحتي‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨.

(٢) ولا ينافي ذلك كون المصرّح به في كلامهم هو البدن أو الجسد ، لأن مرادهم ما يعم الشعر أيضا لا ما يقابله وإلاّ لما كان وجه لأمرهم بالخمار لستر جلد الرأس بالشعر. منه رحمه الله تعالى.

(٣) كصاحب الحدائق ٧ : ١٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٧ ـ ٧٨٥ ، الوسائل ٤ : ٤٠٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ٣٩٦ ، المحقق في المعتبر ٢ : ١٠٣ ، العلامة في المنتهى ١ : ٢٣٧ ، الشهيد الأول في الذكرى : ١٤٠ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٩٨.

(٦) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٨ ، وصاحب الرياض ١ : ١٣٦.

٢٤٧

محمد (١) ، وصحيحة البجلي (٢) ، ورواية السكوني (٣).

ولا فرق في الأمة بين أنواعها ، إلاّ أنّ القوم أوجبوا الستر على المكاتبة المطلقة مع أداء البعض.

ويدلّ عليه مفهوم إحدى صحيحتي محمد ، بل مقتضاه الوجوب ولو لم يؤدّ شيئا ، فهو الأقوى إلاّ أن يثبت الإجماع على خلافه.

وقد يقال باحتمال الوجوب على أمّ الولد مع حياة ولدها أيضا ، وهو مقتضى صحيحته الأخرى.

ولكن يعارضه ذيل الاولى ، والتعارض ـ بعد اختصاص الاولى بمن يكون مولاها حيّا إجماعا وعموم الثانية ـ يكون بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل مع ترجيح الاولى من وجوه أخر أيضا (٤).

والأعناق والرقاب في الإماء تابعة للرأس ، للأصل ، وظهوره من نفي الخمار والقناع عنهن ، ورواية قرب الإسناد (٥) ، فاحتمال وجوب سترها كما في شرح‌

__________________

(١) الصحيحة الأولى : الفقيه ١ : ٢٤٤ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ٤ : ٤١١ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٧ ، الصحيحة الثانية : التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ ـ ١٤٨٣ ، الوسائل ٤ : ٤١٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٤ ، الوسائل ٤ : ٤٠٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الصحيح : رواية أبي بصير ( التهذيب ٤ : ٢٨١ ـ ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ ـ ٣٩٨ ، الوسائل ٤ : ٤٠٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٣ ) وأما السكوني فله رواية مروية في التهذيب والاستبصار بعد رواية أبي بصير ـ بلا فصل ـ وهي غير مرتبطة بمحل البحث. ولعلّ تتابع الروايتين في المصدر أوجب السهو في الإسناد في قلمه الشريف فراجع وتأمل.

(٤) وهي موافقة معارضها لفتوى جماعة من العامة ، وموافقتها للإجماع المنقول في الخلاف وللصحاح المجوّزة. منه رحمه الله تعالى.

(٥) عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : لا بأس ( قرب الاسناد : ٢٢٤ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٤ : ٤١٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ١٠ ) منه رحمه الله تعالى.

٢٤٨

الإرشاد (١) ضعيف (٢).

وفي استحباب ستر الرأس للأمة كما في المعتبر والنافع والتحرير والمنتهى والتذكرة (٣) ، وعن صريح الوسيلة والغنية والجامع (٤) ، وظاهر المهذّب والمراسم (٥) ، لما فيه من الستر والحياء. أو عدمه كما عن جماعة (٦) ، لعدم الدليل كما اعترف به الفاضلان (٧) ، وعدم صلاحية ما ذكر للتعليل ، قولان. أقواهما : الثاني ، لما ذكر ، بل لوجود دليل العدم ، وهو المروي في العلل : عن الخادم تقنّع رأسها في الصلاة ، فقال : « اضربوها حتى تعرف الحرّة من المملوكة » (٨).

وفيه وفي المحاسن والذكرى : عن المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت ، قال : « لا ، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلّي وهي مقنّعة ضربها لتعرف الحرّة من المملوكة » (٩).

وظاهرهما وإن كان التحريم ، إلاّ أنّ ضعف البعض ، وعدم القائل به ، ومعارضتهما للمروي في الذكرى المنجبر بالعمل : عن [ الأمة ] تقنع رأسها؟ فقال : « إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل ، سمعت أبي يقول : كنّ يضربن » الحديث (١٠). والخبر الآخر : « على الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلاّ أن تكون‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢١٨.

(٢) حيث عرفت انحصار الدليل بالإجماع المنتفي هنا. منه رحمه الله تعالى.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٣ ، المختصر النافع : ٢٥ ، التحرير ١ : ٣١ ، المنتهى ١ : ٢٣٧ ، التذكرة ١ : ٩٣.

(٤) الوسيلة : ٨٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، الجامع للشرائع : ٦٥.

(٥) المهذب ١ : ٨٤ ، المراسم : ٦٤.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ١٤٠ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٩٩ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٩.

(٧) المحقق في المعتبر ٢ : ١٠٣ ، العلامة في التحرير ١ : ٣١ ، والمنتهى ١ : ٢٣٧.

(٨) علل الشرائع : ٣٤٥ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٤١١ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٨.

(٩) علل الشرائع : ٣٤٥ ـ ٢ ، المحاسن : ٣١٨ ـ ٤٥ ، الذكرى : ١٤٠ ، الوسائل ٤ : ٤١١ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٩.

(١٠) الذكرى : ١٤٠ ، الوسائل ٤ : ٤١٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ١١.

٢٤٩

مملوكة فإنّه ليس عليها خمار إلاّ أن تحبّ أن تختمر » (١) لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب عدم الستر.

والقول بأنّ الخبرين ضعيفان ، والتقية فيهما ممكنة كما يشعر به نسبته ضربهنّ إلى أبيه ، مع أنّه نقل عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة وقال : اكشفي (٢). ومع ذلك ، الخبران صريحان فيما لم يقل أحد به من الوجوب ، وغير قابلة للحمل على الندب لمكان الضرب ، فلا يحتملان غير التقية ، مدفوع : بأن ضعف السند ـ لو كان ـ لم يضرّ في مقام الاستحباب. واحتمال التقية مع عدم المعارض ـ كما عرفت اعترافهم به ـ غير مفيد. وعدم إمكان الحمل على الندب غير مسلّم ، لإمكان التجوّز في الضرب بإرادة المنع والنهي التنزيهي.

مع أنّ إثبات الكراهة بهما ليس بحملهما عليها ، بل لأنّ ضعفهما مانع من إثبات مدلولهما الذي هو التحريم ولكن لتضمّن التحريم راجحية الترك يثبت ذلك من أدلّة التسامح (٣).

الرابعة : الصبية الغير البالغة كالأمة في عدم اشتراط ستر الرأس ، لا لأنّه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨١ ـ ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ ـ ٣٩٨ ، الوسائل ٤ : ٤٠٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في المغني ١ : ٦٧٤.

(٣) فرعان : الأول : لو أعتقت الأمة في الأثناء وأمكن الستر بدون المنافي سترت رأسها لصدق الحرّة عليها فيثبت لها أحكامها ، وإن لم يمكن بدونه فمع ضيق الوقت عن درك ركعة تتم الصلاة ومع سعتها تستأنف كذا قالوا ، فإن ثبت على ما ذكروا الإجماع وإلاّ ففي وجوب القطع والستر مع السعة بل على وجوب الستر في الأثناء عليها مطلقا نظر يظهر وجهه مما ذكرنا متكررا من انحصار دليل وجوب تفاصيل الستر بالإجماع ولذا نفى وجوب القطع وأوجب الاستمرار الشيخ في الخلاف ١ : ٣٩٦ بل هو ظاهر المحقق في المعتبر ٢ : ١٠٣ ، وفي المدارك ٣ : ٢٠٠ إنه لا يخلو من قوة.

الثاني : المبعّض يجب عليها ستر الرأس ، لمفهوم صحيحة محمد بضميمة الإجماع المركب ، لا لتغليب الحرّية كما قيل ، لعدم الدليل ، ولا لعدم صدق الأمة ، لعدم دليل على وجوب الستر على كلّ امرأة لا يصدق عليها الأمة. منه رحمه الله تعالى.

٢٥٠

تكليف وليست من أهله ، ولا لموثّقة ابن بكير ، المتقدّمة (١) ، لأنّ التكليف هو الوجوب الشرعي والكلام في الشرطي وهي من أهله ، والموثّقة واردة في المرأة الظاهرة في البالغة. بل للإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا (٢) ، والأصل المتقدّم ذكره متكرّرا ، والخبر السابق في المسألة السابقة المنجبر بالعمل ضعفا لو كان (٣).

__________________

(١) في ص ٢٤٣.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ١٠٣ ، والمنتهى ١ : ٢٣٧ ، والذكرى : ١٤٠ ، وجامع المقاصد ٢ : ٩٨ ، وروض الجنان : ٢١٧ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٨.

(٣) راجع ص ٢٤٩.

٢٥١

الفصل الثاني :

فيما يشترط في لباس المصلّي‌

وهو أمور :

الأول : أن يكون طاهرا كالبدن ، فلو صلّى مع نجاسة أحدهما فله صور نذكرها في مسائل :

المسألة الاولى : من صلّى في نجاسة عالما عامدا بطلت صلاته ، وتجب عليه الإعادة وقتا وخارجا ، إجماعا محقّقا ومحكيا في السرائر والمعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى (١) ، وغيرها (٢).

فهو الحجة فيه مع المستفيضة ، كصحاح ابن أذينة ومحمد وزرارة والبصري ، وحسنتي محمد وابن سنان ، وموثّقة أبي بصير ، وروايتي الجعفي ويونس ، والصحيح المروي في قرب الإسناد والمسائل :

الأولى : الحكم بن عتيبة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته » (٣).

وثانيتها : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول » (٤).

وثالثتها : توضّأت يوما ولم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت [ فسألت أبا عبد الله عليه‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨٣ ، المعتبر ١ : ٤٤١ ، المنتهى ١ : ١٨٢ ، التذكرة ١ : ٩٧ ، الذكرى : ١٧.

(٢) كروض الجنان : ١٦٨.

(٣) التهذيب ١ : ٤٨ ـ ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٥٣ ـ ١٥٤ ، الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٢ ـ ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

٢٥٢

السلام فقال : ] « اغسل ذكرك وأعد صلاتك » (١).

ورابعتها : عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد » (٢).

وخامستها : « وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه » (٣).

وسادستها : « إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ثمَّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى فيه ، وإن كان لم يعلم فليس عليه إعادة » (٤).

وسابعتها : عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : « علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم » (٥).

وثامنتها : « في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد صلاته » (٦).

وتاسعتها : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٥١ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٥٦ ـ ١٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٩٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٧ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ ـ ١٤٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ ـ ٦٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٦١ ـ ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٦ بتفاوت في صدرها ، الاستبصار ١ : ١٧٥ ـ ٦٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ ـ ١٤٨٨ وليس فيه : وإن كان لم يعلم فليس عليه إعادة ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٢ ـ ٧٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٩.

(٦) التهذيب ١ : ٢٥٥ ـ ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ ـ ٦١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٢.

٢٥٣

موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك » (١).

وعاشرتها : عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال : « إن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ولا ينقص منه شي‌ء ، وإن رآه وقد كان صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة » (٢).

وهذه الرواية ناصّة على الشمول للقضاء أيضا من حيث الأمر بلفظ القضاء ، والتعبير بقوله : « جميع ما فاته ».

ويؤكّده أن فرض الرؤية للنجاسة إنّما وقع من الغد.

وقريبة منها في النصوصية والشمول : الخامسة ، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالكثرة فيها ما يزيد على صلاتي الفريضة بل والخمس ، واحتمال النافلة يدفعه الأمر بالإعادة الظاهر في الوجوب.

هذا ، مع أنّ إطلاق الإعادة في سائر الروايات شامل للقضاء لغة وعرفا أيضا.

ومقتضى إطلاق الأخبار وأكثر كلمات الأخيار ، بل صريح بعضهم : عدم الفرق بين العالم بالحكم والجاهل به ، ولا في الجاهل بين الجاهل بوجوب إزالة النجاسة أو بأنّ بول ما لا يؤكل مثلا نجس.

وقال طائفة من المتأخّرين (٣) بالتفصيل في الجاهل ، فوافق القوم في الذي يحتمل الخلاف ، أي يكون شاكّا أو ظانّا ، وخالفهم في الغافل الساذج الذي لا يخطر بباله الخلاف أصلا ، فقال بصحة صلاته ، لعدم توجّه الخطاب إليه وانتفاء‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٧٨ ـ ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ ـ ٦٦١ ، الوسائل ٤ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٣.

(٢) قرب الإسناد : ٢٠٨ ـ ٨١٠ ، ونقله عن المسائل في البحار ١٠ : ٢٨٢.

(٣) منهم صاحب الحدائق ١ : ٨٢ وج ٥ ص ٤٠٩ ، والسيّد بحر العلوم في الدرّة النجفية : ١٠.

٢٥٤

التكليف عنه.

ومنهم من أوجب الإعادة على الغافل في الوقت ، لبقاء وقت الخطاب ، ونفى عنه القضاء ، لتوقّفه على أمر جديد (١).

وقد يفصّل بذلك في الجاهل مطلقا (٢).

أقول‌ : ما ذكره المفصّلان الأخيران في الإعادة إنّما يتمّ لو كان هناك خطاب لفظي شامل للعالم في أثناء الوقت بعد فعله أوّلا بمقتضى تكليفه ، فيقال حينئذ : إنّ مقتضى جهله عدم توجّه الخطاب بالصلاة مع الطهارة إليه حين جهله ، وذلك لا ينافي تعلّقه به بعد علمه وإمكان الامتثال ببقاء الوقت ، بل مقتضى الأصل تعلّقه به ، لدخوله تحت العنوان ووجوب الامتثال ، ولكن وجود مثل ذلك غير معلوم ، ومع ذلك يعلم قطعا بدلية ما فعل لما يفعل ، وصحته يوجب الإجزاء عن المبدل منه أيضا ، فالأصل في الإعادة أيضا العدم كالقضاء. ولكن الأصل فيهما إنما كان يفيد لو كانا تابعين لوجوب الأداء ، وليس كذلك ، بل يجوز الأمر بإعادة ما أمر به أو قضائه على ما أمر به بنحو آخر ، كما في الصلاة بظن الطهارة إذا ظهر خلافه.

وعلى هذا فاللازم في كلّ مورد ملاحظة موجبات الإعادة والقضاء ، فإن كانت معلّقة على البطلان ، فيحكم بانتفائه في حق الغافل الكذائي ، وإن كانت مطلقة ، كما في المقام ، فيحكم بثبوته له ، ولا يلزم تكليف الغافل ، لأنّ ذلك تكليف مستأنف بعد زوال الغفلة.

المسألة الثانية : من صلّى في نجاسة ناسيا لها ففي وجوب الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ، أو الأول فقط ، أو عدم وجوب شي‌ء منهما أقوال :

__________________

(١) كما في الحدائق ٥ : ٤١٠.

(٢) كما في المدارك ٢ : ٣٤٤.

٢٥٥

الأول للشيخين في النهاية (١) ، والمقنعة (٢) ، والحلّي ، والذكرى والنافع والشرائع والقواعد والتذكرة والتنقيح وشرح القواعد والدروس والبيان (٣) ، وجماعة من مشايخنا (٤) ، وعن الفقيه والمبسوط والخلاف ومصباح السيد والديلمي وابني حمزة وزهرة والقاضي (٥) ، نافيا عنه الثالث الخلاف ، وناسبا له الرابع والخامس إلى أشهر الروايتين ، ومدّعيا عليه الأخيران الإجماع ، وفي المعتبر واللوامع منسوب إلى الأكثر (٦) ، وفي الحدائق إلى المشهور بين المتقدمين (٧).

لأصالة عدم معذورية الجاهل إلاّ في المؤاخذة. وإطلاق غير الاولى من الأخبار المتقدّمة.

وخصوص رواية أبي بصير في الدم ، وفيها : « وإن علم قبل أن يصلي ونسي فعليه الإعادة » (٨).

وصحيحة ابن أبي يعفور في نقط الدم (٩) ، وزرارة في دم رعاف أو غيره أو‌

__________________

(١) النهاية : ٥٢ ، ٩٤.

(٢) لم نعثر فيها على صورة النسيان. انظر المقنعة : ١٤٩.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ١٨٣ ، الذكرى : ١٧ ، المختصر النافع : ١٩ ، الشرائع ١ : ٥٤ ، القواعد ١ : ٨ ، التذكرة ١ : ٩٧ ، التنقيح الرائع ١ : ١٥٢ ، جامع المقاصد ١ : ١٥٠ ، الدروس ١ : ١٢٧ ، البيان : ٩٦.

(٤) منهم السيّد بحر العلوم في الدرة النجفية : ٥٦ ، وصاحب كشف الغطاء : ١٧٨.

(٥) الفقيه ١ : ٤٣ و ١٦١ ، المبسوط ١ : ٩٠ ، الخلاف ١ : ٤٧٩ ، الديلمي في المراسم : ٨٩ و ٩١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، القاضي في المهذب ١ : ١٥٣ لم نعثر على ادعاء الإجماع منه في المهذب ، شرح الجمل : ٩٩ و ١٠١.

(٦) المعتبر ١ : ٤٤١ و ٤٤٢.

(٧) الحدائق ٥ : ٤١٨.

(٨) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٧ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٧.

(٩) التهذيب ١ : ٢٥٥ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ـ ٦١١ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

٢٥٦

شي‌ء من مني (١).

ورواية ابن مسكان في نكتة من البول (٢) ، وسماعة في الرجل يرى بثوبه الدم (٣).

وابن بكير والحسن بن زياد في نسيان الاستنجاء من البول (٤). والأخبار الآمرة بالإعادة مطلقا في نسيان الاستنجاء (٥).

والثاني للاستبصار والتحرير والإرشاد (٦) ، وظاهر الصدوقين (٧) ، والإسكافي وإن حكي عنه في ترك غسل البول خاصة (٨) ، ونفى عنه البأس في المنتهى (٩) ، والبعد في الحبل المتين (١٠) ، واستجوده الأردبيلي (١١) ، وفي التذكرة : إنّه قول مشهور لعلمائنا (١٢). وفي الحدائق : إنّه المشهور بين المتأخّرين (١٣).

للجمع بين ما مرّ وما يأتي مستندا للثالث.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات ب ١٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥.

(٤) رواية ابن بكير : الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٢ ، رواية الحسن بن زياد : الكافي ٣ : ١٧ الطهارة ب ١٢ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٢٦٨ ـ ٧٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٨١ ـ ٦٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب النجاسات ب ١٩ ح ٢.

(٥) انظر الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨.

(٦) الاستبصار ١ : ١٨١ و ١٨٢ و ١٨٤ ، التحرير ١ : ٢٥ ، الإرشاد ١ : ٢٤٠.

(٧) المقنع : ٥ ، ولم نعثر على ما حكي فيه عن والده.

(٨) حكاه عنه في الحدائق ٥ : ٤١٨.

(٩) المنتهى ١ : ١٨٣.

(١٠) الحبل المتين : ١٧٤.

(١١) مجمع الفائدة ١ : ٣٤٥.

(١٢) التذكرة ١ : ٩٧.

(١٣) الحدائق ٥ : ٤١٨ و ٤١٩.

٢٥٧

وصحيحة ابن مهزيار المكاتبة ، وفيها بعد السؤال عمّن أصاب كفّه نقطة من البول ثمَّ نسي أن يغسله : « فإن حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللاتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت » (١) الحديث.

وأجاب هؤلاء عن أدلّة الأول : بأنّها مطلقة بالنسبة إلى المكاتبة ، فتقيّد بها ، وهي الشاهد للجمع المذكور أيضا.

وأجاب الأولون عن دليل هؤلاء : بأنّ الجمع مع دليل الثالث فرع التكافؤ ، وليس كذلك ، كما يأتي.

والمكاتبة وإن كانت صحيحة إلاّ أنّ السائل والمسؤول عنه فيها مجهولان ، ومتنها مضطربة من وجوه ، لإفادتها صحة الوضوء وإن لم يطهر محالّه ، واقتضائها صحته مع المسح برطوبة نجسة ، ودلالتها على اختصاص الإعادة بذلك الوضوء مع اشتراك غيره معه في العلّة ، مع أنّه لا قائل بها سوى الاستبصار الذي أكثر المحامل فيه للجمع دون الفتوى فتصير شاذّة.

والثالث عن الشيخ في بعض أقواله (٢) ، وللمدارك والذخيرة (٣) ، واللوامع والمعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة ، ويظهر من المعتبر الميل إليه (٤).

لكون الصلاة مشروعة مأمورا بها ، فلا وجه لإعادتها أو قضائها.

وقوله عليه‌السلام : « عفى عن أمتي الخطأ والنسيان » (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٦ ـ ١٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٤ ـ ٦٤٣ ، الوسائل ٣ : ٤٧٩ النجاسات ب ٤٢ ح ١.

(٢) حكاه عنه في التذكرة ١ : ٩٧.

(٣) المدارك ٢ : ٣٤٩ ، الذخيرة : ١٦٨.

(٤) المعتبر ١ : ٤٤١.

(٥) يستفاد مؤداه من روايات مروية من طرقنا وطرق الجمهور فمن طرقنا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رفع عن أمتي تسعة أشياء : الخطأ والنسيان .. » انظر الوسائل ١٥ : ٣٦٩ أبواب جهاد النفس ب ٥٦. ومن طرق الجمهور : « إن الله عفى لكم عن ثلاث : الخطأ والنسيان .. » و « إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان .. » انظر : الأشباه والنظائر للسيوطي : ١٨٨. والسنن لابن ماجه ١ : ٦٥٩ ـ ٢٠٤٣.

٢٥٨

وصحيحة العلاء : عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه ، فنسي أن يغسله فيصلّي فيه ثمَّ تذكّر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : « لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له » (١).

والمستفيضة النافية للإعادة عمّن نسي الاستنجاء (٢).

وأجاب هؤلاء عن أدلّة القولين الأولين : بأنّها تعارض ما ذكرنا ، والأصل معنا فيرجع إليه ، مع أنّ الجمع بحملها على الاستحباب ممكن بل متعيّن ، لأنّ دليلنا قرينة على عدم إرادة الوجوب منها.

وأجاب أربابهما عن أول أدلّة هؤلاء : بأنّ كون ما فعله مشروعا لا يوجب نفي مشروعية غيره بدليل.

وعن ثانيها : بأنّ المراد العفو عن المؤاخذة ، أو رفع الخطاب أيضا حين النسيان ، وذلك لا ينافي توجّه خطاب آخر إليه.

وعن ثالثها : بضعفة عن مكافاة ما مرّ ، لوحدته ، ولندرة العامل به ، وحكم الشيخ الذي هو راويه في التهذيبين بشذوذه (٣) ، ومخالفته للشهرة العظيمة فتوى ـ بل الإجماع على ما صرّح به جماعة (٤) ـ ورواية كما مرّ حكايتها ، وهي من المرجّحات المنصوصة ، ولشهرة القدماء وهي موجبة لضعف الخبر ، بل قيل : هذا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ٦٤٢ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ٣ : ٤٧٧ أبواب النجاسات ب ٤١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٠ ، الاستبصار ١ : ١٨٣.

(٤) منهم صاحب الرياض ١ : ٩٢.

٢٥٩

القول إنما نشأ عن زمان المعتبر (١) ، ولعمل صاحب الأصل الذي هو الشيخ وهو أيضا مخرج للخبر عن الحجية.

وعن رابعها : باحتمال الفرق بين نسيان غسل المخرج وغيره ، كما قال به جماعة (٢).

هذا ، مع أنّ الأصل الذي جعلوه مرجعا مرتفع بأصالة عدم معذورية الجاهل ، حيث إنّه غير آت بالمأمور به قطعا ، فعليه الإتيان به مع إمكانه كما في الوقت ، لدخوله في العنوان ، وتوجّه الخطاب إليه مع بقاء الوقت ، ودخوله في عمومات قضاء الفوائت مع عدمه.

أقول : ما أجابوا به عن أدلّة الثالث ومرجوحيتها بل عدم حجّيتها صحيح تام لا مجال للخدشة فيه ـ وإن كان جعل الأصل مع الإعادة والقضاء مع قطع النظر عن روايات المقام محل كلام مرّت الإشارة إليه ـ فلا ينبغي الريب في سقوط هذا القول.

وأمّا جواب الأولين عن أدلّة الثاني ، فيضعّف : بأنّ جهالة السائل بعد تصريح الثقة بقوله : « قرأته بخطه » غير ضائر ، وكذا جهالة المسؤول عنه ، لأنّ الظاهر أنّه الإمام ، كما صرّحوا به في سائر المضمرات.

وأمّا اضطراب بعض أجزاء الحديث أو إجماله فهو غير ناف لحجّية ما لا إجمال فيه ولا اضطراب ، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب.

ولا اضطراب في محطّ الاستدلال هنا ، بل في اضطراب غيره أيضا نظر ، لمنع وجوب طهارة محل الوضوء قبله ، وعدم القطع بنجاسة رطوبة المسح سيّما مع كفاية المسمّى فيه ، وعدم دلالته على الزائد على رجحان الإعادة في الوقت.

ويحتمل اختصاصه بذلك الوضوء لرفع الحدث والخبث فيه بماء واحد.

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٩٢.

(٢) منهم صاحب الحدائق ٥ : ٤١٨.

٢٦٠