مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

البحث الأول :

في أصل الستر‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الستر واجب في الصلاة وشرط لها ، تبطل بانتفائه مع الإمكان ، بالإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا (١) ، بل بالضرورة من الدين. وفي النصوص المستفيضة دلالة عليه صريحا وظاهرا ، منطوقا ومفهوما :

منها : صحيحة علي : عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : « إذا أصاب حشيشا ليستر به عورته ، أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئا ليستر به عورته ، أومأ وهو قائم » (٢).

وسائر ما ورد في صلاة العراة منفردين وجماعة ، حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع والسجود والقيام بفقد السائر ، فمن لم يستر ما وجب ستره مع القدرة إمّا لا يأتي بتلك الأركان فتبطل صلاته إجماعا ، لكون الأركان مطلقة بالنسبة إلى الستر المقدور قطعا ، أو يأتي بها فكذلك أيضا ، لعدم موافقة المأمور به حيث إنّه الإيماء مع عدم الستر.

ويدلّ عليه أيضا استصحاب الشغل اليقيني (٣).

ثمَّ إنّ شرطيته هل هي ثابتة مع المكنة على الإطلاق ، أو مقيّدة بالعمد؟

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ٩٩ ، والمنتهى ١ : ٢٣٥ ، والذكرى : ١٣٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٩٣ ، وروض الجنان : ٢٠٤ ، وكشف اللثام ١ ١٨٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٥ ، الوسائل ٤ : ٤٤٨ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ١.

(٣) وأصالة عدم الشرطية الموجبة لحصول البراءة اليقينية هنا غير جارية قطعا ، إذ كما بيّنا في الأصول جريانه ليس إلاّ بواسطة أصالة عدم الوجوب المنتفية هنا قطعا. منه رحمه الله تعالى.

٢٢١

الأصح : الثاني ، وفاقا للمحكي عن الأكثر منهم المنتهى والمعتبر (١) ، للأصل السالم عن المعارض ولو عن دليل وجوب الستر ، لانتفائه مع الجهل بالكشف أو نسيانه قطعا.

ولصحيحة علي : عن الرجل يصلّي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال : « لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته » (٢).

خلافا للمحكي عن الإسكافي ، فيعيد في الوقت (٣). ولا دليل له تامّا.

وعن الشهيد (٤) ـ واستحسنه في المدارك (٥) ـ ففرّق بين نسيان الستر ابتداء وعروض الكشف في الأثناء ، فأبطل في الأول دون الثاني.

ومرجعه ـ على ما صرّح به والدي رحمه‌الله ـ إلى البطلان بالنسيان مطلقا ، إذ عروض الكشف في الأثناء مع عدم العلم به يرجع إلى الجهل بالموضوع المغتفر قطعا لا إلى النسيان ، وحمله على الغفلة عنه بعد العلم به في الأثناء بعيد جدّا.

وحكم الجاهل بالحكم كما مرّ مرارا.

وحكم الكشف في الأثناء عمدا حكم كشفه أوّلا كذلك.

وحكم الانكشاف فيه بلا اختيار حكم الناسي ، فتصحّ صلاته ويستر فورا ، فإن تعذّر ينتقل إلى صلاة العاري.

وحكم بعض ما يجب ستره حكم الكلّ ، لعدم تحقّق الستر المأمور به مع انكشاف البعض.

الثانية : المعتبر في تحقّق الستر ما يعدّ سترا عرفا ، فلو لبس قميصا طويلا ولكن كان بحيث لو نظر أحد من التحت يرى العورة لم يكن به بأس ، لتحقّق‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣٨ ، المعتبر ٢ : ١٠٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥١ ، الوسائل ٤ : ٤٠٤ أبواب لباس المصلي ب ٢٧ ح ١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٨٣.

(٤) الذكرى : ١٤١.

(٥) المدارك ٣ : ١٩١.

٢٢٢

الستر عرفا ، ولعدم ثبوت الأزيد منه من الأخبار والإجماع.

وكذا لو كان لطرف ثوبه من اليمين أو اليسار فرجة ضيّقة لو نظر إليها ناظر وصل شعاع بصره إلى العورة ، أو كان له جيب لو نظر إليه يرى العورة. بخلاف ما إذا قام مؤتزرا على طرف سطح بحيث يرى عورته من الأسفل ، فإنّ الظاهر ـ كما في التذكرة وعن نهاية الإحكام (١) ـ عدم تحقّق الستر عرفا وإن احتملت الصحة حينئذ أيضا كما في الذكرى (٢) ، لما قد ذكرنا من عدم ثبوت الأزيد.

وبالجملة : الستر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها.

ومنهم من شرط في تحقّق الستر الستر من الجوانب الأربع ومن الفوق دون التحت (٣). وهو تحكّم بحت.

الثالثة : يجب في تحقّق ستر البشرة استتار لونها إجماعا. فلو كان الساتر رقيقا بحيث يحكي بشرة ما تحته ولونها لم يكف قولا واحدا ، لعدم تحقّق الستر معه قطعا ، ولمفهوم قوله عليه‌السلام في إحدى صحيحتي محمد بعد سؤاله عن الرجل يصلّي في قميص واحد : « إن كان كثيفا فلا بأس به » (٤).

وفي الأخرى : « إذا كان القميص صفيقا » (٥).

وهل يعتبر فيه كونه ساترا للحجم والخلقة أيضا أم لا؟ قيل بالأول (٦) ، لتوقيفية العبادة ، وتبادر ستر الحجم أيضا من الستر ، ولذا يصح السلب بدونه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٩٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٢.

(٢) الذكرى : ١٤١.

(٣) كالشهيد في الذكرى : ١٤١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٤ الصلاة ب ٦٤ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٨٧ أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٣ الصلاة ب ٦٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢.

(٦) كما في الذكرى : ١٤٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٩٥.

٢٢٣

ويقال : ما ستر العورة بل ستر لونها.

ولمرسلة أحمد بن حماد : « لا تصلّ فيما شفّ أو صفّ » يعني الثوب المصقّل (١).

قال في الذكرى : إنه وجده كذلك بخط الشيخ وإنّ المعروف : « أو وصف » بواوين. قال : ومعنى شفّ : لاحت منه البشرة ، ووصف : حكى الحجم (٢).

وذهب الفاضلان إلى الثاني (٣) ، للأصل ، وصدق الستر عرفا ، ومنطوق الصحيحتين المتقدّمتين الشامل لما إذا لم يفد الكثافة والصفاقة سوى ستر البشرة دون الحجم ، ولأنّ جسد المرأة كلّه عورة ، ولا شك في عدم استتار حجمه باللباس ، فلو لم يكن ذلك سترا لما أمكن لها الاستتار.

ولرواية المرافقي : إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يدخل الحمام فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو صاحب الحمام فيطلي سائر بدنه ، فقال له يوما : الذي تكره أن أراه فقد رأيته ، فقال : « كلاّ إن النورة سترة » (٤).

والتقريب : تصريحه عليه‌السلام بكون النورة ساترا مع أنّها لا تستر إلاّ البشرة ، فلا يرد ما أورده بعض الأجلّة من أنّها لا تدلّ على استتار حجم السوأة بالنورة والكلام فيه ، بل على استتار العانة (٥).

ومرسلة [ محمد بن عمر ] (٦) وفيها : فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر ، فلما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٣٧ ، الذكرى : ١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣٨٨ أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ٤.

(٢) الذكرى : ١٤٦.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٩٥ ، العلامة في القواعد ١ : ٢٧ ، والتذكرة ١ : ٩٢.

(٤) الكافي ٦ : ٤٩٧ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٧ وفيه : الدابقي ، الفقيه ١ : ٦٥ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ٢ : ٥٣ أبواب آداب الحمام ١٨ ح ١ : وفيه الرافقي.

(٥) كما في كشف اللثام ١ : ١٨٧.

(٦) في النسخ : محمّد بن عمران ، والصحيح ما أثبتناه موافقا للمصادر.

٢٢٤

أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر ، فقال له مولى له : بأبي أنت وأمّي إنك لتوصينا بالمئزر ولزومه وقد ألقيت عن نفسك ، فقال : « أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة » (١).

أقول‌ : انكشاف حجم الشي‌ء وخلقته بعد استتار اللون والبشرة تارة يكون برؤية شبحه بنفسه من وراء الساتر ، كما يرى الشي‌ء من وراء الزجاجة الكثيفة أو من وراء ثوب قريب من العين ، فإنّه كثيرا ما يرى شبح ما وراءهما بنفسه ولا يتميّز لونه ، ومن ذلك القبيل من يرى في الليلة إذا لم يكن لها شديد ظلمة فإنه يرى شبحه وإن لم يتميّز لونه ، فالمرئي حينئذ ليس هو الحائل بل شبح الشي‌ء.

وأخرى يكون بعدم رؤية الشبح أيضا ، بل يكون المرئي هو الحائل فقط وإن حكى هو حجم الشي‌ء أيضا للصوقه به كالشي‌ء الملفوف بالكرباس أو المطبق بالنورة والطين.

فإن أريد من حكاية الحجم ما كان من قبيل الأول فالحقّ مع الأول ، لعدم تحقّق الستر معه قطعا ، وعدم جريان أدلّة الثاني في دفعه ، وهو ظاهر.

وإن أريد الثاني فالحقّ مع الثاني ، لأدلّته. ولا تنافيه توقيفية العبادة كما لا يخفى ، ويمنع تبادر ستر الحجم من الستر ، وصحة السلب ، وتخصّ المرسلة بما ذكر ، مع أنّ في شمولها لمثل ذلك نظرا ، وتفسير الشهيد الوصف بما وصف لا حجية فيه ، مع أنّ النسخ مختلفة.

الرابعة : لا شك في جواز الستر وتحقّقه بالثوب مطلقا ، وكذا بالحشيش والورق ومثلهما حال الانحصار ، وفي صحيحة علي ، المتقدّمة تصريح به (٢).

وهل يجوز الاستتار بهما مع وجود الثوب أيضا ، أم لا؟ المحكي عن جماعة : الثاني ، واختاره في المدارك (٣) ، ووالدي في المعتمد ، ونسب إلى الشيخ والحلّي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠٢ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٣٥ ، الوسائل ٢ : ٥٣ أبواب آداب الحمام ب ١٨ ح ٢.

(٢) راجع ص ٢٢٢.

(٣) المدارك ٣ : ١٩٣.

٢٢٥

والفاضلين (١) ، والبيان (٢) ، وعزي إلى المشهور.

وفي البحار نسب إليهم جميعا القول الأول ، ونسبه إلى المشهور (٣).

والتحقيق : أنّ ظاهر كلام بعض هؤلاء يوافق الأول وبعضهم الثاني.

وعلى أيّ حال فدليل الثاني : عدم تبادر مثل ذلك من إطلاق الستر. واقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية. وصحيحة علي. وإطلاق الأخبار الواردة في أنّ من ليس له غير الثوب النجس يصلّي فيه (٤) ، أو من لم يجد ثوبا يصلّي إيماء (٥) الشامل لواجد الورق والحشيش. وما دلّ على أنّ أدنى ما تصلّي المرأة فيه درع وملحفة (٦) ، ويتمّ في الرجل بالإجماع المركّب.

ويضعّف الأول ـ مع عدم إطلاق كذائي ـ : بأنه لو كان ، لوجب حمله على ما يصدق عليه لغة ، وصدقه على الستر بمثل ذلك ظاهر جدا.

والثاني : بعدم تيقّن الشغل بالزائد على مطلق الستر.

والثالث : بعدم الدلالة ، والسؤال عمّن ليس له ثياب لا يدلّ على تقدّمها على الحشيش.

والرابع : بعدم قول المستدلّ بالإطلاقين المذكورين ، لتجويزه التستّر بالحشيش حينئذ ، بل الظاهر إجماعيته ، ومع ذلك يندفع ثاني الإطلاقين بصحيحة علي.

والخامس : بعدم وجوبهما بخصوصهما إجماعا ، فليحمل على ضرب من‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٨٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٦٠ ، المحقق في الشرائع ١ : ٧٠ ، العلامة في القواعد ١ : ٢٨ ، والتحرير ١ : ٣١.

(٢) البيان : ١٢٥.

(٣) البحار ٨٠ : ٢١٢.

(٤) انظر : الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥.

(٥) انظر : الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٨ ، الوسائل ٤ : ٤٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٩.

٢٢٦

الاستحباب.

وقال طائفة بالأول (١) ، وهو الأظهر ، لا للصحيحة كما قيل (٢) ، لعدم دلالتها جدّا ، بل للأصل ، وعدم دليل على وجوب الأزيد من الستر المتحقّق بكلّ ما يستر به ، بل مرّ التصريح بتحقّق الستر بالنورة أيضا.

ومنهما بل ومن التعليق بوصف الستر في الصحيحة يظهر جواز الستر بها وبالطين أيضا ولو مع القدرة على الثوب والحشيش.

خلافا لمن لم يجوّزه إمّا مطلقا (٣) ، لأنّ الظاهر من الأخبار تعيّن الإيماء عند تعذّر الثوب (٤) ، خرج الحشيش بالصحيحة ، فيبقى الباقي.

وفيه : أن مفهوم قوله في ذيل الصحيحة : « وإن لم يصب شيئا » شامل لمثلهما أيضا.

أو مع القدرة على الثوب فقط وإن قدر على الحشيش ، أو مع القدرة عليه أيضا ، لمثل ما مرّ في الحشيش والورق. وقد عرفت دفعه.

وكذا يجوز الستر باليد ، بل يجب مع الانحصار ، ولكنه لا يفيد حالتي الركوع والسجود فيجب الإيماء ، فلا يمكن الاكتفاء بها مع غيرها.

الخامسة : لو لم يجد المصلّي ساترا مطلقا تجب عليه الصلاة عاريا قائما إذا لم يكن هناك ناظر محترم ، وجالسا إن كان ، وفاقا للشيخين والفاضل والشهيدين (٥) ،

__________________

(١) كالشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٧ ، والاقتصاد : ٢٥٩ ، والشهيد في الذكرى : ١٤١ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٩٩.

(٢) كما في الذكرى : ١٤١.

(٣) كما في الذكرى : ١٤١.

(٤) انظر الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦.

(٥) لم نعثر على كلام المفيد في المقنعة وقد حكاه عنها في المعتبر ٢ : ١٠٤ ، الطوسي في النهاية : ١٣٠ ، والمبسوط ١ : ٨٧ ، والخلاف ١ : ٣٩٩ ، الفاضل في التذكرة ١ : ٩٣ ، والتحرير ١ : ٣١ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٦٨ ، الشهيد الأول في البيان : ١٢٥ ، والدروس ١ : ١٤٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٤ ، والروضة ١ : ٢٠٥ ، وروض الجنان : ٢١٦.

٢٢٧

وأكثر المتأخّرين ، بل الأكثر مطلقا ، كما به صرّح غير واحد (١).

لمرسلة ابن مسكان : في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة ، قال : « يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالسا » (٢).

والمروي في المحاسن : في رجل عريان ليس معه ثوب ، قال : « إذا كان لا يراه أحد فليصلّ قائما » (٣).

وفي نوادر الراوندي : « في العريان إن رآه الناس صلّى قاعدا وإن لم يره الناس صلّى قائما » (٤).

وضعف سندها بالشهرة منجبر ، مع أنّ الاولى بنفسها حجّة ، ومع ذلك عن ابن مسكان المجمع على تصحيح ما يصح عنه صحيحة.

خلافا للمحكي عن الفقيه والمقنع ومصباح السيد وجمله والمقنعة والتهذيب (٥) ، فأطلقوا الأمر بالجلوس ، لأصالة وجوب الستر عن الناظر.

وحسنة زرارة : رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلّي فيه ، فقال : « يصلّي إيماء ، فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ، ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما » (٦).

وصحيحة ابن سنان : عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة ، قال : « يتقدّمهم‌

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ١٤١ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٠٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٦ ، الوسائل ٤ : ٤٤٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٣.

(٣) المحاسن : ٣٧٢ ـ ١٣٥ ، الوسائل ٤ : ٤٥٠ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٧.

(٤) نوادر الراوندي : ٥١ ، البحار ٨٠ : ٢١٢ ـ ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٩٦ ، المقنع : ٣٦ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٩ ، المقنعة : ٢١٦ ، التهذيب ٣ : ١٧٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٦ الصلاة ب ٦٤ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥١٢ ، الوسائل ٤ : ٤٤٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٦.

٢٢٨

الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوسا وهو جالس » (١).

وموثّقة إسحاق : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : « يتقدّمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (٢).

والمروي في قرب الإسناد : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثيابا ، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يومئ إيماء ، يجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى » (٣).

وللحلّي (٤) ، فأطلق الأمر بالقيام ، لأصالة وجوبه ، وصحيحة علي ، السابقة (٥).

وصحيحة ابن سنان : « وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد بالسيف ويصلّي قائما » (٦).

ولحصول استتار الدبر بالأليين ، والقبل باليدين ، فيأمن عن الناظر دائما.

وللمعتبر وبعض من عنه تأخّر (٧) ، مخيّرا بين الأمرين ، لتعارض الأخبار مع ضعف روايات التفصيل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٤ : ٤٥٠ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٤ ، الوسائل ٤ : ٤٥١ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ٢.

(٣) قرب الإسناد : ١٤٢ ـ ٥١١ ، الوسائل ٤ : ٤٥١ أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

(٤) السرائر ١ : ٢٦٠.

(٥) في ص ٢٢٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥١٩ ، الوسائل ٤ : ٤٤٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٤.

(٧) المعتبر ٢ : ١٠٥ ، وانظر المدارك ٣ : ١٩٥.

٢٢٩

ويجاب عن دليل الأول : باندفاع الأصل بعدم وجود الناظر ، وإطلاق الأخبار بالنسبة إلى وجوده وعدمه ، فيجب حملها على المقيّد ، وليس التباعد المأمور به في ذيل الأخير صريحا في قدر يمنع الرؤية ، فلا يقدح في إطلاقه ، فيمكن أن يكون التباعد في الجملة مطلوبا تعبدا.

مع أنّ الحسنة ليست نصّا في الجلوس للصلاة ، لاحتماله للإيماء للسجود ، كما هو المحكي عن السيد عميد الدين (١) ، بل هو الظاهر منها ، لمكان لفظة : « ثمَّ » وقوله : « فيومئان » بعد : « يجلسان ».

والصحيحة والموثّقة ظاهرتان بل صريحتان في وجود الناظر. والأخيرة ضعيفة ، وبالشهرة غير منجبرة.

وعن دليل الثاني : بمعارضة أصله مع أصل الأول في صورة وجود الناظر ، فيتساقطان لو لم يرجّح الأول بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع المنقول في الخلاف على لزوم الجلوس مع عدم الأمن عن الناظر (٢) ، وتقيّد إطلاقاته بالمقيدات المتقدمة ، واندفاع دليله الأخير بمنع حصول استتار القبل باليد مطلقا إلاّ مع الخروج عن حد القائم ، والدبر بالأليين مع الهزال الكثير ، ولو سلّم فلا يخرج الشخص بذلك عن مصداق العريان الذي ورد في النصوص المفصّلة ، وكون العلّة محض استتار العورة غير معلوم.

وعن دليل الثالث : بمنع ضعف دليل المفصل ، كما مرّ.

ثمَّ مقتضى الأخبار المفصلة : القيام مع عدم الناظر ولو احتمل دخوله بعده أو وجوده حينئذ ، وهو مقتضى أصالة عدمه وأصالة وجوب القيام أيضا.

والمصرّح به في كلام أكثر المفصّلين التفصيل بين عدم الأمن من الناظر والأمن منه ، فيجلس في الأول. ولا دليل له تاما (٣).

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى : ١٤٢.

(٢) الخلاف ١ : ٤٠٠.

(٣) التقييد بالتام لإمكان الاستدلال باختيار وجوب الحفظ من الناظر الدال على المحافظة مع احتماله

٢٣٠

ولو أمن أولا ثمَّ ورد الناظر ، جلس في الباقي ، للأمر بالصلاة جالسا مع النظر ، ولو انعكس الأمر قام في الباقي.

ولو أمن من الناظر من إحدى الجهتين كالقدام دون الآخر وكان له ما يستر الجهة الأخرى فقط ، يستر ويقوم ، لأنّ معنى قوله : « فإن رآه » أو : « لم يره » رؤية ما يحرم رؤيته ، فيصدق عدم الرؤية ، ويلزمه لزوم القيام لو ستر القدام فقط ، لاستتار الدبر بالأليين كما صرّح به في النص (١).

ثمَّ في حالة القيام هل يجب عليه ستر قبله باليدين إن أمكن؟ الظاهر : نعم ، للتمكن من الستر الواجب الغير المختص بساتر مخصوص كما مرّ.

ولأنّ كلّ من قال بتحقّق الستر بشي‌ء قال بوجوبه مع الإمكان ، وتؤيّده حسنة زرارة ، المتقدّمة (٢).

وهل التفصيل مخصوص بالرجال كما هو مورد الروايات ، أو يعمّ النساء أيضا؟ الظاهر : الأول ، لاختصاص الروايات ، وعدم معلومية الإجماع المركّب ، وكون جميعها عورة فلا يتفاوت الحال بالقيام والقعود ، والأصل وجوب القيام فيقمن أبدا ويسترن فرجهن باليد إن أمكن ، كما به صرّح في الحسنة.

فروع :

أ : لا خلاف في وجوب الإيماء بالركوع والسجود لغير المأمومين في حالة الجلوس ، وفي الأخبار المتقدّمة تصريح به (٣). واختلفوا في حال القيام ، وفي حقّ المأمومين.

أمّا الأول : فصرّح بالإيماء فيه أيضا الأكثر. وهو الأظهر ، لصحيحة علي.

__________________

كما مرّ في بحث الخلوة ، وعدم تماميته لمعارضتها مع أخبار وجوب القيام في الصلاة وبقاء الأخبار التفصيلية بلا معارض. منه رحمه الله تعالى.

(١) انظر الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ٢ و ٣.

(٢) في ص ٢٢٨.

(٣) راجع ص ٢٢٨ و ٢٢٩.

٢٣١

وعدم نصوصيتها في الإيماء بالركوع والسجود معا غير ضائر ، لعدم الفاصل ، مع أنها فيه ظاهرة وهو كاف في المطلوب.

وخالف فيه ابن زهرة ، فأوجب الركوع والسجود على القائم (١) ، وتردّد فيه الفاضل في النهاية (٢) ، ولم يتعرّض له الشيخ والديلمي والقاضي وابن حمزة ، إمّا لأصالة وجوبهما ، أو لما قيل من أنّ القيام لا يكون إلاّ في حال الأمن ، ومعه لا وجه لتركهما (٣).

والأول تمسّك بالأصل في مقابلة النص ، والثاني اجتهاد كذلك.

وأمّا الثاني ، فعن الأكثر أيضا ـ ومنهم : المفيد والسيد والحلّي ـ الإيماء في حقّهم (٤) ، بل عن السيد وموضعين من السرائر الإجماع عليه (٥) ، لصحيحة ، وسائر مطلقات الإيماء بهما ، وعموم التعليل في الحسنة بقوله : « فيبدو ما خلفهما » (٦).

وعن الإصباح والشيخ وابن حمزة والقاضي والجامع والمعتبر والمنتهى والدروس : وجوب الركوع والسجود عليهم (٧). وهو الأقوى.

لموثّقة إسحاق ، المتقدّمة (٨) الخاصة بالنسبة إلى ما دلّ على الإيماء مطلقا حتى التعليل المذكور.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦١.

(٢) نهاية الإحكام : ٣٦٨.

(٣) كما في كشف اللثام ١ : ١٩٠.

(٤) المفيد في المقنعة : ٢١٦ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٦٠ و ٣٥٥.

(٥) لم نعثر عليه في كتب السيّد التي بأيدينا ، السرائر ١ : ٣٥٥ و ٢٦٠.

(٦) راجع حسنة زرارة في ص ٢٢٨.

(٧) الشيخ في النهاية : ١٣٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٧ ، القاضي في شرح الجمل : ١٤٧ ، المهذب ١ : ١١٧ ، الجامع للشرائع : ٩١ ، المعتبر ٢ : ١٠٧ ، المنتهى ١ : ٢٤٠ ، الدروس ١ : ١٤٩.

(٨) في ص ٢٢٩.

٢٣٢

وحمل قوله : « على وجوههم » على الوجه الذي لهم وهو الإيماء بعيد جدّا ، بل مناف للتفصيل ، مع أنّ الركوع والسجود حقيقتان في غير الإيماء.

وأصالة وجوب الإيماء على العاري الذي عنده غيره مطلقا حتى في حق المأموم ممنوع.

وفي الذكرى : التفصيل بين وجود مطّلع غيرهم وعدمه ، فالإيماء في الأول والركوع والسجود في الثاني (١). ويدفعه عموم الموثّق (٢).

وفي التحرير والمختلف والتذكرة : التردّد (٣). ولا وجه له.

ب : الإيماء بالرأس ، للحسنة. فإن تعذّر فبالعينين ، للإجماع. ويجعل السجود أخفض إجماعا ، لرواية قرب الإسناد ، المنجبرة (٤).

وهل يجب الانحناء فيهما بحسب الإمكان مع عدم بدوّ العورة؟ الظاهر لا ، للأصل.

وفي الذكرى والمسالك : نعم (٥) ، استصحابا لوجوبه.

ويندفع : بأن المسلّم وجوبه للانتقال إلى الركوع والسجود الواجبين ، فهو‌

__________________

(١) الذكرى : ١٤٢.

(٢) وأجاب في المنتهى أيضا بأن ذلك فيما إذا خاف من المطلع وهو مفقود هنا ، إذ كل منهم مع سمت صاحبه لا يمكن له أن ينظر إلى عورته حالتي السجود والركوع. وفيه : انه إذا كان كذلك لوجب عليهم القيام على ما اختاره ويخرج عن مورد الموثقة ولا يمكن الاستدلال بها له ، إلاّ أن يكون مراده عدم إمكان النظر حالتي الركوع والسجود خاصة وإن أمكن في غيرهما ، ويرد عليه حينئذ منع عدم الإمكان. وفي الذكرى بعد اختيار التفصيل المذكور في المتن قال : وأمّا هم أي المأمومون فغير ضائر ، لكونهم في حيّز التستر باستواء الصف واعتبار النظام ، ثمَّ استشكل بأنهم لو كانوا في حيّز التستر لوجب القيام ، وأجاب بأنهم كذلك في حال الجلوس. ولا يخلو ما ذكره من تعسف وتمحل. منه رحمه الله تعالى.

(٣) التحرير ١ : ٣٢ ، المختلف : ٨٤ ، التذكرة ١ : ٩٤.

(٤) راجع ص ٢٢٩.

(٥) الذكرى : ١٤٢ ، المسالك ١ : ٢٤.

٢٣٣

مقيّد بذلك الحال وتبعي ، لا أنّه من أجزاء الصلاة ، ولذا لم يعدّه أحد منها ، فلا يمكن الاستصحاب.

ومنه يظهر حال ما احتمله الشهيد من وضع الأعضاء السبعة في السجود (١) ، وما نفى عنه البعد في المدارك (٢) بل أوجبه في المسالك (٣) ، من وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه.

والاستدلال له : بما ورد في صلاة المريض (٤) نوع من القياس ، وعدم الفصل غير ثابت ، مع أنّ ما ورد فيها غير دالّ على الوجوب فيها أيضا كفتوى الأصحاب.

ج : المصرّح به في كلام جماعة أنّ القائم لا يجلس لإيماء السجود (٥) ، لظاهر صحيحة علي.

وعن السيد عميد الدين أنه يجلس (٦) ، لأنّه أقرب إلى هيئة السجود ، ولمثل قوله : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٧) ولاستصحاب وجوب الجلوس للسجود.

ويضعّف الأول : بمنع وجوب تحصيل الأقرب.

والثاني والثالث : بمثل ما مرّ من منع وجوب الجلوس للسجود إلاّ من باب المقدّمة للسجود ، فينتفي بانتفائه.

__________________

(١) الذكرى : ١٤٢.

(٢) المدارك ٣ : ١٩٥.

(٣) المسالك ١ : ٢٤.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤.

(٥) كما في الذكرى : ١٤٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٠٢ ، المدارك ٣ : ١٩٥ ، المفاتيح ١ : ١٠٥ ، الحدائق ٧ : ٤٤.

(٦) حكاه عنه في الذكرى : ١٤٢.

(٧) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٦ ، سنن النسائي ٥ : ١١٠ ـ ١.

٢٣٤

إلاّ أنه يمكن أن يقال : الأصل عدم وجوب القيام للسجود أيضا ، إذ لا إجماع فيه ولا دليل ، والأخبار المفصّلة لا تفيد ، لأنّ المراد بالقيام فيها المتعارف ، وظاهر الصحيحة وإن يشمل إيماء السجود أيضا إلاّ أنه معارض مع ظاهر الحسنة ، مع أنّ إفادة الصحيحة أيضا للوجوب ممنوعة. فالتخيير أقوى إلاّ مع إيجاب الجلوس بعد القيام وعكسه لبدوّ العورة فلا يجوز ، للعلّة المصرّح بها في الحسنة.

د : يجب على القائم الجلوس للتشهد والسلام ، للاستصحاب الخالي عن المخرج إلاّ مع إيجابه البدوّ المذكور.

هـ : لو صلّى العاري بغير إيماء ، بطلت صلاته ولو أتى بالركوع عمدا أو سهوا أو نسيانا ، لا لإتيانه بالمنهي عنه حتى يرد عدم توجّه النهي مع النسيان ، بل لعدم إتيانه بالمأمور به. وحكم الجاهل ما مرّ مرارا.

و : لا يجب على العاري أول الوقت التأخير وإن ظنّ حصول الستر له ، وفاقا للشيخ والحلّي (١) حاكيا له كغيره (٢) عن الأكثر. بل ولو علم الحصول أيضا ، للأصل ، وإطلاقات صلاة العاري. وأدلة وجوب الستر مقيّدة بإمكانه حال الصلاة. وكون التأخير مقدّمة للستر غير مفيد ، لمنع وجوبه المطلق حتى في هذه الصورة (٣) ، مع أنّ الواجب من المقدّمة هي المقدورة ، وهي للصلاة في أول الوقت غير مقدورة ، فتصح الصلاة فيه عريانا ، وعدم جواز الصلاة فيه يحتاج إلى دليل.

وتوهّم أنه مع عدم الستر في أول الوقت لا يصدق الامتثال ، للتمكّن من الستر ولو بالصبر ، مردود : بأنّ الكلام في امتثال ذلك الأمر الوارد في أول الوقت تخييرا بملاحظة دليل التوسعة ، ولا شك أنّ الستر له غير ممكن ، وإنّما يمكن‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٥٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٥٥.

(٢) المنتهى ١ : ٢٣٩ ، الرياض ١ : ١٣٧.

(٣) مع أنه لو تمَّ لأفاد في صورة العلم بحصول الستر بالتأخير. منه رحمه الله تعالى.

٢٣٥

لامتثال فرد آخر من الموسّع.

وأمّا رواية قرب الإسناد ، المتقدّمة (١) : فمع عدم حجيتها غير ناهضة لإثبات الوجوب ، بل ظاهرة في الاستحباب مع الاحتمال ، وهو مسلّم معه ، له وللاحتراز عن مخالفة المعتبر والمنتهى في صورة الظن (٢) ، فإنّهما أوجباه حينئذ معه ، بل بدونه أيضا تجنّبا عن خلاف السيد والديلمي (٣) ، حيث أوجبا التأخير مطلقا.

ز : شراء الساتر ولو زائدا عن ثمن المثل ما لم يستضرّ به وقبول إعارته وهبته واجب على الأصح ، لقوله في صحيحة علي : « وإن لم يصب شيئا أومأ » دلّ بمفهومه على عدم الإيماء مع الإصابة الصادقة هنا ، فإمّا يركع ويسجد بدون الشراء والقبول ، وهو باطل إجماعا ، أو يشتري ويقبل ، وهو المطلوب.

ح : لو لم يجد إلاّ الحرير ، فظاهر الأصحاب ـ كما قيل (٤) ـ أنه يصلّي عاريا ، لاستصحاب حرمة لبسه قبل صلاته ، وأدلّة عدم جواز الصلاة فيه (٥).

ويخدشه : أنّهما معارضتان مع أدلّة وجوب الستر ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلاّ فالتخيير قويّ جدّا. وكذا لو لم يجد إلاّ جلد الميتة أو ما لا يؤكل.

ولو لم يجد إلاّ النجس أو المغصوب ، فسيأتي حكمه ، وكذا حكم ما لو اضطرّ إلى لبس الحرير أو النجس.

ط : لو وجد الستر في أثناء الصلاة ، فمع عدم توقّف الستر على الفعل المنافي يستر ويتمّ الصلاة.

وقيل : يستأنف مع السعة ، لعدم تحقّق الامتثال (٦).

__________________

(١) في ص ٢٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ١٠٨ ، المنتهى ١ : ٢٣٩.

(٣) السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٩ ، الديلمي في المراسم : ٧٦.

(٤) انظر : الحدائق ٧ : ٤٦.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ٣٦٧ أبواب لباس المصلي ب ١١.

(٦) لم نعثر على قائله.

٢٣٦

وفيه منع ظاهر ، ووجوب الصلاة كلها مستورا حينئذ لا دليل عليه.

ومع التوقّف فمع ضيق الوقت يستمرّ ويتمّ الصلاة إجماعا ، وبدونه يقطع ويستر ويصلّي ، لمفهوم صحيحة علي ، بل منطوق قوله : « فإن أصاب حشيشا » إلى آخره ، لصدق الإصابة حينئذ ، فإن لم يستر فإمّا يصلّي إيماء ، فقد خالف النصّ ، أو يركع ويسجد عريانا ، فقد خالف الإجماع بل النصوص.

ي : لو كان في الثوب خرق محاذ للعورة ، بطلت الصلاة إن لم يمكن جمعه بحيث يتحقّق الستر بالثوب. وإن أمكن ، وجب وصحّت بلا إشكال إن لم يمنع ذلك من واجب في الصلاة ، كوضع اليد على الأرض للسجود ، وإن منع فيحصل الإشكال من جهة التعارض بين مراعاة الستر وذلك الواجب ، وإن أمكن الستر بوضع اليد عليه بحيث يكون الساتر هو اليد ، فحكمه حكم العاري عند من لا يرى الستر باليد سترا ، وحكم الأول على الأصح.

يا : لو وجد ساترا لإحدى العورتين أو المرأة لبعض جسدها ، وجب الستر عن الناظر المحترم إذا كان ، ومطلقا في الصلاة ، لا لنحو قوله : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (١) لعدم تمامية دلالته ، بل لدلالة أدلّة وجوب الستر عليه تضمّنا أو التزاما ، والأصل عدم الارتباط بين ستر هذا الجزء وستر غيره ، ودلالة الدليل عليه تبعا لا يجعل وجوبه تبعيا. وتكون الصلاة مع انكشاف الباقي صلاة العراة.

ومنه يظهر عدم شرطية ستر البعض مع عدم إمكان ستر الجميع للصلاة وإن وجب ، فلا تبطل الصلاة بتركه حينئذ (٢).

__________________

(١) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٧.

(٢) فرع : يستحب الجماعة للعراة بالإجماع كما صرّح به بعض الأعيان ، وهو دليل عليه ، مع عموم أدلة أفضليته وخصوص الموثقة المتقدمة. وأما خبر قرب الإسناد فلا يكافئ ما تقدم ، لعدم عامل به سوى الصدوق على ما نقل عنه في باب صلاة الخوف والمطاردة ، مع أن حمله على عدم إرادة الجماعة أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما ممكن. منه رحمه الله تعالى.

٢٣٧

المسألة السادسة : لا يعتبر الستر في صلاة الجنازة ، للأصل ، وعدم معلومية إرادتها من الصلاة المطلقة. وقيل : يعتبر (١) ، وهو ضعيف.

ولا فرق في سائر الصلوات بين واجبها ومندوبها بالإجماع ، وإليه يرشد إطلاق الأخبار.

__________________

(١) كما في الذكرى : ٥٨.

٢٣٨

البحث الثاني :

فيما يجب ستره‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يجب على الرجل ستر القبل ـ الذكر والخصيتين ـ والدبر لا غيرهما.

أمّا وجوب سترهما : فبالإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا (١) ، وصحيحة علي المتقدّمة حيث إنّ الثلاثة داخلة في العورة إجماعا.

وتردّد الفاضل في التحرير (٢) في دخول البيضتين فيها ، شاذ جدّا مردود بالعرف ، بل النص وهو رواية الواسطي : « العورة عورتان ، القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (٣).

وعدم جريان الصحيحة فيمن وظيفته الصلاة الإيمائية غير ضائر ، لتتميم المطلوب بالإجماع المركّب.

وأمّا عدم وجوب ستر غيرهما : فللأصل الخالي عن المعارض ، بل الإجماع في غير ما بين السرّة والركبة.

ومنه يظهر عدم منافاة صحيحة زرارة : « أدنى ما يجزيك أن تصلّي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف » (٤) وصحيحة علي : عن الرجل هل يصلح له أن يؤمّ في سراويل وقلنسوة؟ قال : « لا يصلح » (٥) ونحو ذلك ، لوجوب‌

__________________

(١) كما في الخلاف ١ : ٣٩٣ ، والمعتبر ٢ : ٩٩ ، والذكرى : ١٣٩.

(٢) التحرير ١ : ٣١.

(٣) الكافي ٦ : ٥٠١ الزيّ والتجمّل ب ٤٣ ح ٢٦ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٣ ، الوسائل ٤ : ٤٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥٢٠ ، الوسائل ٤ : ٤٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٢.

٢٣٩

حملها على الاستحباب ، للإجماع ، بل إطلاق الأخبار المصرّحة بكفاية الثوب الواحد للرجل (١).

والاستدلال لعدم الوجوب : بصحيحة علي ـ كما في المدارك (٢) ـ غير جيّد جدّا.

خلافا للمحكي عن القاضي (٣) ، والطرابلسي (٤) ، فأوجبا ستر ما بين السرّة والركبة.

ولعلّه لبعض الأخبار العامية (٥) ، ورواية قرب الإسناد : « إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة » (٦) وما في بعض الأخبار من أنّ أبا جعفر عليه‌السلام اتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرته ، ثمَّ أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار ، ثمَّ قال : « اخرج عنّي » ثمَّ طلى هو ما تحته بيده ، ثمَّ قال : « هكذا فافعل » (٧).

ويضعّف ـ مع ضعف الأولين بنفسهما ـ بمعارضتها مع رواية الواسطي وغيرها كرواية ابن حكيم : « الفخذ ليس من العورة » (٨) المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بالعمل ، الموجبة لطرحها ، لموافقتها لأكثر العامة كما في المنتهى (٩). وظهور الثاني في عورة المرأة أو مطلقا لا الرجل ، وعلى التقديرين يخالف الإجماع ، وتقييده بالرجل بعيد غايته.

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٤٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٣.

(٢) المدارك ٣ : ١٩١.

(٣) القاضي في المهذب ١ : ٨٣ ، وشرح الجمل : ٧٣.

(٤) حكاه عنه في الدروس ١ : ١٤٧ وجعله أحوط.

(٥) المغني ١ : ٦٥٢.

(٦) قرب الإسناد : ١٠٣ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ٢١ : ١٤٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٤ ح ٧.

(٧) الكافي ٦ : ٥٠١ الزيّ والتجمّل ب ٤٣ ح ٢٢ ، الوسائل ٢ : ٦٧ أبواب آداب الحمام ب ٣١ ح ١.

(٨) التهذيب ١ : ٣٧٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ١.

(٩) المنتهى ١ : ٢٣٦.

٢٤٠