مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

نعم من الأخبار ما يدلّ على أنّ الوقت الأول أفضل من الثاني ، وهو غير مناف للمنع عن التأخير للمختار.

وقوله : « لا ينبغي » وإن لم يدلّ على التحريم ولكنه لا ينافيه ، هذا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ فائدة هذا الخلاف إنما تظهر في النهي عن المنكر ، وتحتّم الإتيان في الوقت الأول ، وإلاّ فالظاهر اتّفاق الفريقين على وجوب الفعل في الوقت الثاني أداء إن لم يفعل ، فهو وقت ترتيبي ، كما يدلّ عليه قوله : « فإن لم تفعل فإنك في وقت » (١) فلا تجب نية القضاء ـ على القول بوجوبها ـ للمختار. بل ولا إثم أيضا ، للتصريح بالعفو ، فإنّ قوله : « آخره عفو الله » ليس للمضطر ، إذ لا ذنب عليه ، فيكون للمختار.

فرعان :

أ : اعلم أنّ القائلين ببقاء وقت الإجزاء للمختار إلى الغروب جعلوا وقت الاختيار عند المخالف وقتا للفضيلة ، واختلفوا في انتهائها كاختلاف المخالفين.

ولا يخفى أنّ ما يستندون إليه في تحديد وقت الفضيلة من أخبار القامة والقامتين والذراع والذراعين وأمثالها لا دلالة لها على أنها أوقات الفضيلة ، وإنما يحملونها عليها ، لمعارضة أخبار الإجزاء.

وكما يمكن حملها على ذلك يمكن الحمل على التقية أيضا ، كما يستفاد من أخبار أخر ، كما مرّ (٢) ، أو على محمل آخر.

مع أنه على الحمل على الفضيلة لا يدلّ على انتهاء وقتها ، لإمكان الحمل على مرتبة منها. وحينئذ فلا وجه لتحديد وقت الفضيلة ، والاختلاف فيه ، إذ أوقات الفضل أيضا مترتّبة في الفضل ، بل وكذلك بعدها.

وأمّا ما دلّ على أن لكلّ صلاة وقتين وأوّلهما أفضلهما ، فلا يتعيّن أن يكون‌

__________________

(١) راجع ص ١٥ رواية زرارة.

(٢) في ص ١٣.

٢١

المراد منه هذا الوقت المذكور في أخبار القامة والذراع ، فلعلّهما الوقتان اللذان أتى بهما جبرئيل ، أو أوّل الوقت وآخره عرفا مطلقا ، كما يستفاد من بعض الأخبار ، أو الوقت المطابق للفعل ، والمطابق لركعة منه ، كما مرّ (١) ، وكذا الكلام فيما ذكروه في وقت الفضيلة للعشاءين والصبح.

ب : يختص الوقت بعد الزوال بمقدار صلاة الظهر بها ، تامة أو مقصورة ، بل ولو بتسبيحتين ، كما في الخوف ، سريعة حركاتها أو بطيئة ، بل ـ كما قيل (٢) ـ مستجمعا للشرائط قبل الوقت أو فاقدا لها ، ثمَّ يشترك مع العصر إلى أن يبقى للغروب مقدار أدائها كذلك ، ثمَّ يختص بها.

على الأشهر الأظهر في الجميع ، بل بالإجماع ، كما سيظهر وجهه ، فهو الحجّة في المقام.

مضافا في الجميع إلى رواية داود ، المتقدّمة (٣).

وفي الأول خاصة إلى رواية مسمع : « إذا صلّيت الظهر دخل وقت العصر » (٤).

والمروي في العلل والعيون : « ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة ، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها » (٥).

والرضوي : « أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن يبلغ الظلّ قدمين ، وأول وقت العصر الفراغ من الظهر » (٦) الحديث.

وفي الأخير فقط رواية الحلبي : فيمن نسي الظهر والعصر ثمَّ ذكر عند‌

__________________

(١) في ص ١٨.

(٢) المسالك ١ : ١٩.

(٣) في ص ١٥.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٧ الصلاة ب ٥ ح ٨ ، الوسائل ٤ : ١٣٢ أبواب المواقيت ب ٥ ح ٤.

(٥) علل الشرائع : ٢٦٣ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٠٨ الوسائل ٤ : ١٥٩ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ١١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٣ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١١٢ أبواب المواقيت ب ٧ ح ٦.

٢٢

غروب الشمس ، قال : « إن كان في وقت لا تفوت إحداهما ، فليصلّ الظهر ثمَّ العصر ، وإن خاف أن تفوته ، فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فيكون قد فاتتاه جميعا » (١).

ورواية إسماعيل بن همام : في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر :« إنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلّي الظهر » (٢).

ونحو الظهرين العشاءان في الأحكام الثلاثة في الجملة (٣) ، بالإجماع المركّب ، وخصوص بعض الروايات :نحو : رواية داود ، السابقة (٤).

وصحيحة ابن سنان : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء » (٥).

ومرسلة الفقيه : « إذا صلّيت المغرب فقد دخل العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (٦).

والمروي في قرب الإسناد للحميري : عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة ، قال : « يصلّي العشاء ثمَّ المغرب » (٧).

وبما ذكرنا تقيّد إطلاقات نحو قولهم : « إذا زالت الشمس فقد دخل‌

__________________

(١) التقييد بذلك لما يأتي من الاختلاف في آخر وقت المغرب وأول وقت العشاء. ( منه رحمه الله تعالى ).

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧١ ـ ١٠٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ ـ ١٠٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٧.

(٤) في ص ١٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ملحق بحديث ٤.

(٦) الفقيه ١ : ١٤٢ ـ ٦٦٢ ، الوسائل ٤ : ١٨٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٢.

(٧) قرب الإسناد : ١٩٧ ـ ٧٥٢.

٢٣

الوقتان » (١) إذ المراد منه إمّا أن بعد الزوال يتحقّق الوقتان ، أو أنه إذا زالت الشمس دخل أول وقتي الصلاتين ، وكلّ منهما أعم من كون الوقتين على الترتيب أو التشريك ، إذ كون قطعة من الوقت وقتا لشيئين أعم من تشريكهما أو ترتيبهما.

وبهذا يندفع ما يتوهّم من أنّ التعارض بالتساوي دون الإطلاق والتقييد.

وأمّا الاستدلال للحكم الأول : بما في عدّة من الأخبار من قولهم عليهم‌السلام : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٢) غير جيّد ، لأنّ وجوب كون إحدى الصلاتين قبل الأخرى لا يدلّ على عدم صحة الأخرى في الوقت الأول مطلقا لأجل أنه وقته ، كما هو مقتضى عدم الوقتية وإن دلّ على عدم الصحة من جهة وجوب الترتيب. وتظهر الفائدة فيما إذا سقط هذا الوجوب لنسيان أو مثله.

وممّا ذكر ظهر عدم تمامية ما استدلّ به في المدارك من أنّ المراد بوقت الفعل ما جاز ذلك الفعل فيه ولو على بعض الوجوه ، ولا يجوز فعل العصر أول الزوال عمدا إجماعا ، ولا نسيانا على الأظهر (٣).

( فإنه لقائل أن يقول : إنّ وقت الفعل ما صحّ فيه من جهة الوقت وإن بطل من جهة أخرى ، وعلى هذا ) (٤) فوجوب تقديم الظهر لا ينافي كون أول الزوال وقتا لهما ، فإنّ لازمه صحة العصر فيه من جهة الوقتية لا مطلقا ولو من جهة انتفاء الترتيب الواجب.

نعم يلزمه أنه لو سقط الترتيب بسهو أو نسيان يكون العصر صحيحا.

وكذا يظهر عدم تمامية ما في المختلف من أنه لو لم يختص أول الوقت لزم‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ١٢٥ أبواب المواقيت ب ٤.

(٢) الاستدلال في الرياض ١ : ١٠١ وقال : في هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة كما صرح به جماعة.

(٣) المدارك ٣ : ٣٦.

(٤) ما بين القوسين : ليس في « س ».

٢٤

إمّا خرق الإجماع ، أو التكليف بما لا يطاق ، إذ التكليف إمّا يكون بالفعلين ، أو بالعصر ، أو بواحد تخييرا ، والأول الثاني ، والثانيان الأول (١).

ثمَّ بما ذكر ظهر فساد القول بالاشتراك مطلقا ، كما عن الصدوقين (٢) ، مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص ، كما يظهر من كلام السيد (٣) ، فيرتفع الخلاف كما في المختلف.

المسألة الثانية : أول وقت المغرب غروب الشمس اتّفاقا نصّا وفتوى‌ وإن وقع الخلاف فيما يعرف الغروب به.

فالأقوى ، الموافق للمحكي عن الإسكافي والعلل والهداية والفقيه والمبسوط والناصريات : أنه عبارة عن غيبوبة الشمس عن الأنظار تحت الأفق (٤) ، وهو محتمل كلام الميافارقيات ، والديلمي والقاضي (٥) ، ومال إليه المحقّق الأردبيلي وشيخنا البهائي (٦) ، واختاره صاحب المعالم في اثني عشريته ، وقوّاه في المدارك والبحار والكفاية والمفاتيح (٧) ، ووالدي العلاّمة قدس‌سره ، ونسبه في المعتمد إلى أكثر الطبقة الثالثة.

للمستفيضة المصرّحة بأنّ وقت المغرب إذا غابت الشمس ، كصحيحتي‌

__________________

(١) المختلف : ٦٦.

(٢) الصدوق في المقنع : ٢٧ ، وحكى عنهما في الرياض ١ : ١٠١.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٩ ، علل الشرائع : ٣٥٠ ، الهداية : ٣٠ ، الفقيه ١ : ١٤١ ، المبسوط ١ : ٧٤ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

(٥) الميافارقيات ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ٢٧٤ ، الديلمي في المراسم : ٦٢ ، القاضي في المهذب ١ : ٦٩.

(٦) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢ ، البهائي في الحبل المتين : ١٤٢.

(٧) المدارك ٣ : ٥٣ ، البحار ٨٠ : ٥١ ، كفاية الأحكام : ١٥ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٩٤.

٢٥

زرارة (١) ، وصحيحة ابن سنان (٢) ، ومرسلة داود (٣) ، والمرويات في مجالس الصدوق (٤) ، وقرب الإسناد (٥).

أو إذا توارى القرص ، كرواية عمرو بن أبي نصر (٦) ، فإنّ المفهوم من الغيبوبة والتواري عرفا هو الاستتار عن الأنظار ، بل صرّح به في مرسلة علي بن الحكم : عن وقت المغرب ، فقال : « إذا غاب كرسيها » قلت : وما كرسيها؟ قال :« قرصها » قلت : متى يغيب قرصها؟ قال : « إذا نظرت إليه فلم تره » (٧).

وهذا الاستتار إنّما يتحقّق بالسقوط عن الأفق الترسي الذي هو الحسّي عرفا ، المتأخّر عن السقوط عن الأفق الحقيقي ، والحسّي باصطلاح أهل الهيئة ، وهو الحسّي للبصر الملاصق للأرض.

فالقول بأنّ المراد بغيبوبتها سقوطها عن الأفق الحقيقي قطعا ، وهو إنّما يتحقّق بعد غيبوبتها عن الحسّ ولو بمقدار دقيقة ـ وحينئذ فيجب رفع اليد عن المفهوم اللغوي والعرفي ، واعتبار شي‌ء زائد عليه ، ويسقط الاستدلال بالأخبار‌

__________________

(١) الاولى : الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ١.

الثانية : الكافي ٣ : ٢٧٩ الصلاة ب ٦ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ١٠٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٦ ، الوسائل ٤ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٩ الصلاة ب ٦ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ٤ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٤٥ ، الوسائل ٤ : ١٨٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٤.

(٤) أمالي الصدوق : ٧٤ ـ ١٠ ، ١١ ، ١٥.

(٥) قرب الإسناد : ٣٧ ـ ١١٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٧ ـ ٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٦٢ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ٤ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٣٠.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٧ ـ ٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦٢ ـ ٩٤٢ ، الوسائل ٤ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٥.

٢٦

المزبورة بالتقريب المذكور ، مع أنّ مقدار الدقيقة لكونه مجهولا غير منضبط لا يمكن جعله مناط التكليف ، سيما للعوام ، فوجب التأصيل على الأمر المنضبط ، وليس هو إلاّ ذهاب الحمرة ـ اشتباه واضح ، لأنّ السقوط عن الأفق الحقيقي متقدّم على الغيبوبة عن الحسّ ، التي هي تحصل بالسقوط عن الأفق الترسي باصطلاح الهيويين ، الحسّي عرفا بمقدار دقيقة قطعا ، وليس تحته أفق آخر أصلا.

نعم ، السقوط عن الأفق الحسّي باصطلاح أهل الهيئة ، وهو أفق بصر يلاصق للأرض يتقدّم على السقوط عن الأفق الحقيقي ، وهو ليس بغيبوبة أصلا ، مع أنّ لزوم السقوط عن الأفق الحقيقي لا دليل عليه شرعا.

وتدلّ على المطلوب أيضا : رواية الخثعمي : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي المغرب ويصلّي معه حي من الأنصار يقال لهم : بنو سلمة ، منازلهم على نصف ميل ، فيصلّون معه ، ثمَّ ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم » (١).

والمروي في مجالس الصدوق : كنّا بوادي الأخضر (٢) إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس ، فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ونقول : هو شاب من شباب المدينة ، فلمّا أتينا فإذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، فنزلنا وصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له : جعلنا الله فداك ، هذه الساعة تصلّي؟ فقال : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (٣).

وحمله على التقية بلا دليل لا وجه له.

وصحيحة الأزدي : عن وقت المغرب ، قال : « إنّ الله يقول في كتابه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٢ ـ ٦٥٩ ، الأمالي : ٧٤ ـ ١٤ ، الوسائل ٤ : ١٨٨ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ٥.

(٢) في المصدر : الأجفر.

(٣) أمالي الصدوق : ٧٥ ـ ١٦ ، الوسائل ٤ : ١٨٠ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٣.

٢٧

لإبراهيم ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ) (١) فهذا أول الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق » (٢) حيث روي أنّ هذا الكوكب كان هو الزهرة (٣) ، ولا شك في أنه يرى بمجرد غيبوبة القرص مع بقاء الحمرة. (٤)

ورواية الصباح والشحام : عن المغرب ، فقال بعضهم : جعلني الله فداك ننتظر حتى يطلع الكوكب؟ فقال : « خطابية » (٥) الحديث ، فإنّ الظاهر أنّ مع زوال الحمرة يظهر بعض الكواكب المضيئة بل يتقدّم عليه.

وتؤيّده بل تدلّ عليه أيضا : صحيحة الشحام : « صعدت مرّة جبل أبي قبيس والناس يصلّون المغرب ، فرأيت الشمس لم تغب ، إنّما توارت خلف الجبل من الناس ، فلقيت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فأخبرته بذلك ، فقال لي : « ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت ، إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم تجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها ، فإنّما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا » (٦).

وموثّقة سماعة : في المغرب ، إنّا ربما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل ، أو قد سترنا منها الجبل ، فقال : « ليس عليك صعود‌

__________________

(١) الأنعام : ٧٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٤١ ـ ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٣ ، الوسائل ٤ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٦.

(٣) تفسير علي بن إبراهيم القمي ١ : ٢٠٧.

(٤) ومما ذكرنا يظهر فساد ما قيل من نفي هذا القول عن الفقيه لأجل نقله هذا الحديث. ( منه رحمه‌الله ).

(٥) التهذيب ٢ : ٢٥٨ ـ ١٠٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٦٢ ـ ٩٤٣ ( بتفاوت ) ، الوسائل ٤ : ١٩٠ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١٦.

(٦) الفقيه ١ : ١٤٢ ـ ٦٦١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ـ ١٠٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٦ ـ ٩٦١ ، أمالي الصدوق : ٧٤ ـ ١٢ ، الوسائل ٤ : ١٩٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

٢٨

الجبل » (١).

خلافا للأكثر ، كما في المنتهى والتذكرة وشرح القواعد (٢) ، بل في المعتبر : أنّ عليه عمل الأصحاب (٣) ، واختاره الشيخ في النهاية (٤) ، فقالوا : إنه يعرف بذهاب الحمرة المشرقية.

للاستصحاب ، وتوقيفية العبادة ، ولزوم الاقتصار في فعلها على المتيقّن ثبوته.

والمستفيضة من الأخبار ، كموثّقة عمار : « إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة ، فجعل هو الحمرة من قبل المغرب » (٥).

ومرسلة ابن أشيم : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ـ إلى أن قال ـ : فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » (٦).

وموثّقة يونس ، الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس :متى تفيض من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » وأشار بيده إلى المشرق (٧).

وفي الأخرى : متى الإفاضة من عرفات؟ قال : « إذا ذهبت الحمرة ، يعني‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤١ ـ ٦٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ـ ١٠٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٦ ـ ٩٦٢ ، أمالي الصدوق : ٧٤ ـ ١٣ ، الوسائل ٤ : ١٩٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ٢٠٣ ، التذكرة ١ : ٧٦ ، جامع المقاصد ٢ : ١٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٥١.

(٤) النهاية : ٥٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ـ ١٠٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٦٠ وفيه : حين تغيب ، الوسائل ٤ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢٧٨ الصلاة ب ٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩ ـ ٨٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٧٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٣.

(٧) التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦١٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢ ح ٢.

٢٩

من الجانب الشرقي » (١).

ورواية ابن شريح : عن وقت المغرب ، قال : « إذا تغيّرت الحمرة ، وذهبت الصفرة ، وقبل أن تشتبك النجوم » (٢).

ورواية العجلي : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » (٣).

وموثّقة ابن شعيب : « مسّوا بالمغرب قليلا ، فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا » (٤).

ومرسلة ابن أبي عمير : « وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة ، وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق ، إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار ، وسقط القرص » (٥).

والرضوي : « وأول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامة سقوطه أن يسود أفق المشرق ».

وفيه أيضا : « والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق ».

وفيه أيضا : « وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص ، والعمل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٦ الحج ب ٦١ ح ١ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ٤ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٨ الصلاة ب ٦ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩ ـ ٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٧٢ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٨ ـ ١٠٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥١ ، الوسائل ٤ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧٩ الصلاة ب ٦ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ ـ ٥١٦ ، الوسائل ٤ : ١٧٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٤.

٣٠

في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس » (١).

وأجاب هؤلاء عن الأخبار الأوّلة تارة : بعدم تعارضها مع أخبارهم ، إذ غاية ما دلّت عليه هو كون وقت المغرب غيبوبة الشمس وغروبها ، ولا خلاف فيه ، بل فيما يتحقّق به ذلك ، وقد دلّت الأخيرة على أنه زوال الحمرة ، فهذه مفسّرة للأولى ، فيعمل بهما معا.

وأخرى : بأنهما لو تعارضتا لكانت الاولى من قبيل المطلق بالنسبة إلى الأخيرة ، فيجب حملها عليها.

ونجيب : أمّا عن أدلّتهم ، فعن الثلاثة الأولى : بزوال الاستصحاب ، وحصول التوقيف ، وتحقّق اليقين بما ذكرنا.

وعن الروايات : بعدم دلالة غير الأوليين والأخيرة.

وأمّا الثالثة والرابعة : فلأنّ ـ مع معارضتهما مع أخبار أخر ، جاعلة وقت الإفاضة هو الغيبوبة ـ لا دلالة لهما على الوجوب ، إذ أولاهما لا تدلّ إلاّ على أنّ الإمام يفيض بعد ذهاب الحمرة ، وهو لا يفيد الوجوب. وثانيتهما إمّا سؤال عن وقت إفاضة الإمام أو القوم ، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ ، فعدم دلالتها واضحة ، وإمّا عن زمان وجوب الإفاضة أو زمان أفضليتها ، ولا يتعيّن أحدهما ، فلا تتم الدلالة.

وأمّا الخامسة : فلأنّ تغيّر الحمرة وذهاب الصفرة غير زوال الحمرة ، بل لا ريب في تغيّر الاولى وذهاب الثانية بمجرّد الغيبوبة في الأفق ، فهي على خلاف مطلوبهم أدلّ.

وأمّا السادسة : فلأنّها لا تدلّ إلاّ على أنها إذا غابت الحمرة غابت الشمس من شرق الأرض وغربها ، وكون ذلك وقت وجوب المغرب ممنوع ، بل هو غيبوبتها عنّا ، فيحتمل أن يكون غرضه عليه‌السلام بيان الوقت الأفضل.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٧٣ و ١٠٤ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٣.

٣١

وأمّا السابعة : فلأنّ ـ مع عدم دلالتها على زوال الحمرة ـ الظاهر منها أنّ تعليل الأمر بالإمساء قليلا بغيبوبة الشمس عندهم قبل غيبوبتها عندهم لأجل ما في أفقهم من الحائل ، فلا دلالة على المطلوب ، وليس لمجرّد تفاوت الآفاق ، وإلاّ لزم التأخير مدّة مديدة تغيب عن جميع الآفاق ، لبطلان وجوب التأخير عن بعض الآفاق دون بعض.

وأمّا الثامنة : فلأنّ غاية ما يدلّ عليها أنّ ذلك وقت سقوط القرص الذي يمكن أن يكون وقت الأفضلية ووجوب الإفطار الذي هو تأكّده ، دون الوجوب الحقيقي.

فبقيت الثلاثة : الأوليان والأخيرة ، ومدلول الأولى : إيجاب الصلاة على أبي الخطاب بعد زوال الحمرة ، سواء صلّى قبل الغروب أو بعده وقبل الزوال ، أو لم يصلّ ، فهي أعم مطلقا من الأخبار الأوّلة ، لدلالتها على عدم الوجوب لو صلّى بعد الأول وقبل الثاني ، فيجب التخصيص.

وكذلك الثانية وآخر الرضوي ، إذ دلالتها على نفي وقتية ما قبلها بعموم مفهوم الحصر الدالّ على أنّه ليس شي‌ء من قبل الذهاب وقتا.

وأمّا أوّله فدلالته إنّما تتوقّف على لزوم الانعكاس في العلامة والدليل ، وهو غير لازم ، سيما مع وجود الدليل على علامة ودليل آخر.

هذا ، مع أنّ حمل الحمرة في بعض هذه الروايات على أشعّة الشمس ، المائلة إلى الحمرة غالبا في حوالي الغروب ، المرتفعة على أعالي الجبال الشرقية في مثل مكة ومدينة ـ اللتين هما بلد الأحاديث ـ ممكنة ، كما يدلّ عليه أيضا قوله في مكاتبة عبد الله بن وضاح : « وترتفع فوق الجبل حمرة » (١).

ويردّ أمّا جوابهم الأول عن الأخبار الأولة : فبعدم الإجمال في معنى غيبوبة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ـ ١٠٣١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٢ وفيه : عبد الله بن صباح ، والصواب ما في المتن ، الوسائل ٤ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٤.

٣٢

الشمس أصلا ، بل هو معلوم لغة وعرفا ، ولم يرد في أخبارهم ما يدلّ على أنّ معنى غيبوبة الشمس ، أو المراد منها هو ذهاب الحمرة أيضا ، حتى يكون دليلا على التجوّز في الغيبوبة ، غاية ما في بعضها أنه علامة سقوط القرص.

ويحتمل أن يكون هو غير الغيبوبة ، مع أنه ـ كما مرّ ـ لا يشترط الانعكاس في العلامة.

وأمّا قوله في بعض الأخبار : « وقت المغرب ذهاب الحمرة » فهو لا يدلّ على أنه المراد بالغيبوبة ، بل يعارض مع ما دلّ على أنها وقته. وكون ذلك قرينة على التجوّز في الغيبوبة ليس أولى من العكس ، من كون أحاديث الغيبوبة [ قرينة ] (١) على إرادة ضرب من التجوّز من جعل الوقت ذهاب الحمرة ، كالأفضلية والاستحباب وغيرهما.

وأمّا قوله في مرسلة ابن أشيم : « فإذا غابت الشمس .. » فلا يدلّ إلاّ على أنها إذا غابت عن المغرب ذهبت الحمرة من المشرق ، وليس معنى غيبوبة الشمس غيبوبتها عن المغرب ، بل عنّا ، كما مرّ.

ولا يمكن أن يكون المراد من قوله : « إذا غابت هاهنا » غابت في المغرب ، لعدم صلاحيته للتفريع على ما قبله من قوله : « إنّ المشرق مطلّ على المغرب » ونحوه قوله في رواية العجلي.

وأمّا قوله في الرضوي : « والدليل على غروب الشمس » فهو لا يدلّ على أنّ المراد بالغيبوبة زوال الحمرة ، بل غايته دلالته على حصر الدليل على الغروب فيه ، وهو إنما يعمل به لو لا دليل على دليل آخر ، وما دلّ على معرفته بالغيبوبة ، وبأنه إذا نظرت إليه فلم تره (٢) ، دليل على دليل آخر.

هذا ، مع أنه لا فرق بحسب الاعتبار بين غروب الشمس وطلوعها ، فلو‌

__________________

(١) أضفناها لاقتضاء العبارة.

(٢) راجع ص ٢٦ مرسلة علي بن الحكم.

٣٣

كان وجود الحمرة دليلا على عدم الغروب لكان وجودها دليلا على طلوعها في الأفق الشرقي أيضا ، فيلزم عدم جواز صلاة الفجر بعد حصول الحمرة في الأفق الغربي.

والقول بأنّ الغروب هو السقوط عن الأفق ، ولمّا لم يكن هو معلوما فيعلم بذهاب الحمرة ، فمعها لا يحصل القطع الذي هو المعيار في قطع استصحاب عدم الغروب ، ولازمه حصول الشك بذلك في الطلوع ، فينعكس الأمر (١) ، مبني على ما عرفت فساده من تأخّر السقوط عن الأفق الحقيقي عن الغيبوبة عن الحس ، وإلاّ فالقطع بالغيبوبة حاصل.

مع أنه إذا كان ذهاب الحمرة قاطعا لاستصحاب عدم الغروب يكون حصولها أيضا قاطعا لاستصحاب عدم الطلوع.

وأمّا جوابهم الثاني : فبمنع إطلاق الأوّلة بالنسبة إلى الأخيرة ، بل الأمر بالعكس في البعض ، كما عرفت.

ومنه يظهر فساد ترجيح الأخيرة بموافقة الشهرة ومخالفة العامة ، فإنه إنما هو في المتباينين كلّيّا أو من وجه.

مضافا إلى أنه يأبى الحمل قوله : « ليس عليك صعود الجبل » و « لم فعلت ذلك؟ » و « بئس ما صنعت » في الصحيحة والموثّقة المتقدّمتين (٢).

مع أنّ في أشهرية القول الثاني كلاما ، إذ من نقل الأول منه من المتقدّمين أكثر ممّن نقل عنه الثاني منهم ، وميل أكثر متأخّري المتأخّرين أيضا إليه (٣) ، مع أنّ عبارة المبسوط مشعرة بأنّ الثاني قول غير مشهور (٤).

فرع : المراد بغروب الشمس وغيبوبتها وتواريها المتبادر منها ـ كما أشرنا إليه ـ

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ١٠٧.

(٢) في ص ٢٨.

(٣) راجع ص ٢٥.

(٤) المبسوط ١ : ٧٤.

٣٤

غروبها عن بلد المصلّي وأرضه ، وهو إنّما يتحقّق بغيبوبتها عن كلّ مكان يعدّ منه عرفا وعادة ، كرؤوس جباله وأعالي أماكنه ، فمع بقاء شعاع الشمس ولو في رأس جبل شامخ لا يصدق شي‌ء من هذه الألفاظ ، بل وكذا لو كان بحيث علم أنه لو كان هناك مكان أعلى ممّا هو موجود ممّا يمكن تحقّق مثله عادة يرى فيه الشعاع ، ولذا صرّح بعضهم بعدم صدق الغيبة والاستتار الواردين في الأخبار مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا (١).

وبالجملة : المراد من الغروب : الغروب عن أرض المصلّي وبلده ، ومن قوله : « إذا نظرت إليه فلم تره » (٢) أي : إذا نظرت في أرضك وبلدك أعاليه وأسافله.

وبذلك ظهر ضعف ما قيل من أنه لو كان مجرّد الاستتار مغربا ، لزم كون مغرب النائم قبل القاعد ، والقاعد قبل القائم ، والقائم قبل الراكب ، والراكب قبل الصاعد ، وهكذا (٣) ، مع أنّ بقاء الشعاع على مكان يراه الصاعد ليس مغربا لأحد من أهل هذه الأرض قطعا.

ثمَّ إنه كما لا يتحقق الغروب مع بقاء الشعاع ، كذا لا يتحقق باستتارها بغيم أو ظلمة أو نحوهما ، إجماعا ونصّا ، كما مرّ.

وأمّا الاستتار بالجبل بحيث ذهب الشعاع عن كلّ مكان مرتفع ـ ولو فرضا ـ في كلّ موضع ممّا يعدّ من تلك الناحية عرفا ، فالمستفاد من الصحيحة والموثّقة المتقدّمتين (٤) تحقّق الغروب به ، وإذ لا معارض لهما فالعمل بهما ـ مع زوال الشعاع وعدم ظهوره أصلا على النحو المقرّر ـ لا بأس به.

وأمّا الشعاع المذكور في رواية المجالس (٥) فيمكن أن لا يكون هو ضوء‌

__________________

(١) انظر : الرياض ١ : ١٠٨.

(٢) راجع ص ٢٦.

(٣) شرح المفاتيح ( المخطوط ) للوحيد البهبهاني

(٤) راجع ص ٢٧ و ٢٨.

(٥) راجع ص ٢٧ و ٢٨.

٣٥

الشمس الواقع على المقابل لها ، بل شعاعها المرئي في المغرب ، الذي يقال له حواجب الشمس وذوائبها.

المسألة الثالثة : آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق الغربي مطلقا ، عند الصدوق في الهداية ، والسيد في الناصريات (١) ، وعن الخلاف وجمل الشيخ ومصباحه وعمل اليوم وليلته (٢) ، والقاضي والديلمي (٣) ، بل العماني كما في المنتهى (٤).

للنصوص المستفيضة ، كصحيحة الأزدي ، المتقدّمة (٥).

وصحيحة زرارة والفضيل : « ووقت فوتها سقوط الشفق » (٦).

ورواية ابن مهران : ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وأنّ وقت المغرب إلى ربع الليل ، فكتب : « كذلك الوقت ، غير أنّ وقت المغرب ضيّق ، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ، ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب » (٧).

وموثّقة إسماعيل بن جابر : عن وقت المغرب ، قال : « ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق » (٨).

__________________

(١) الهداية : ٣٠ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

(٢) الخلاف ١ : ٢٦١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٤ ، مصباح المتهجد : ٢٣ ، عمل اليوم والليلة ( الرسائل العشر ) : ١٤٣.

(٣) القاضي في شرح الجمل : ٦٦ ، الديلمي في المراسم : ٦٢.

(٤) المنتهى ١ : ٢٠٣.

(٥) في ص ٢٧.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٠ الصلاة ب ٦ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٢٨١ الصلاة ب ٦ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٠ ـ ١٠٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٠ ـ ٩٧٦ ، الوسائل ٤ : ١٨٨ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٥٨ ـ ١٠٢٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٥٠ ، الوسائل ٤ : ١٨٢ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٩.

٣٦

وفي رواية زرارة : « وآخر وقت المغرب إياب الشفق ، فإذا آب دخل وقت العشاء الآخرة » (١).

وحمل تلك الأخبار على الأفضلية لا وجه له.

والاستشهاد بالأخبار الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين أوّلهما أفضلهما (٢) ، وباختلاف الأخبار في التقدير بالغيبوبة والربع وخمسة أميال وستة (٣) ، غير صحيح ، لمنع شهادة الأول على أنّ ذلك أحد الوقتين ، ولا على أنّ الوقتين للمختار كما مرّ ، وعدم دلالة الاختلاف على الأفضلية والاستحباب.

وقبل انتصاف الليل قدر صلاة العشاء ، عند السيد في الجمل والإسكافي (٤) والحلّي (٥) والحلبي (٦) ، والإشارة والجامع ، والمحقّق (٧) ، وسائر المتأخّرين (٨). وعليه الشهرة في كلام جماعة (٩) ، بل عن السرائر والغنية الإجماع عليه (١٠) وإن ظهر من الناصريات عدم اشتهار هذا القول بين القدماء (١١).

للأصل ، وللروايات الدالّة على أنّ وقت العشاءين من الغروب إلى نصف‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٢ ـ ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ ـ ٩٧٣ ، الوسائل ٤ : ١٥٦ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٣.

(٢) انظر : الوسائل ٤ : ١١٨ أبواب المواقيت ب ٣.

(٣) انظر : الوسائل ٤ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ١٩.

(٤) حكاه عنهما في المختلف : ٦٩.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ١٩٥.

(٦) قال في الكافي ص ١٣٧ : وآخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب وآخر وقت المضطر ربع الليل.

(٧) الإشارة : ٨٥ ، الجامع للشرائع : ٦٠ ، المحقق في الشرائع ١ : ٦٠.

(٨) كالعلامة في المختلف : ٦٩ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٨٠ ، وصاحب المدارك ٣ : ٥٤.

(٩) كصاحب الحدائق ٦ : ١٧٥ ، والرياض ١ : ١٠٢.

(١٠) السرائر ١ : ١٩٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(١١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

٣٧

الليل ، كمرسلة داود ، المتقدّمة (١).

وروايتي عبيد :

إحداهما : « ومنها صلاتان ، أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٢).

والأخرى : « إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٣).

وما دلّ على أنّ فيما بين الزوال إلى غسق الليل ـ الذي هو انتصافه ـ أربع صلوات (٤).

وردّ المرسلة بضعف السند ، وغيرها بضعف الدلالة ، لأنّ كون وقت ظرفا لصلاتين ، كما يمكن أن يكون بالاشتراك يمكن أن يكون بالتوزيع ، بل هو بالتوزيع قطعا ، لاختصاص أول الوقت بالأولى وآخره بالأخيرة ، وليس هذا التوزيع أولى من غيره ، مردود : بعدم ضرر في ضعف السند ، سيما مع التأيّد بالشهرة ولو من المتأخّرين ، وبظهور كون مدّة ظرفا لهما [ في ] (٥) صلاحيتها لاجتماع كل منهما ، بل هو حقيقة في ذلك فقط مجاز في غيره ، والتخصيص القليل الثابت بالدليل أولى من غيره قطعا.

وقبل طلوع الفجر قدر العشاء عند بعضهم (٦) ، استنادا إلى مرسلة الفقيه ، المتقدّمة في المسألة الاولى (٧) ، وغيرها ممّا سيأتي ، وحملا لسائر الأخبار على‌

__________________

(١) في ص ٢٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٢ ـ ٧٢ ، الوسائل ٤ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧ ـ ٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٢ ـ ٩٤١ بتفاوت يسير ، الوسائل ٤ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٤.

(٤) الوسائل ٤ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

(٥) أضفناها لاستقامة العبارة.

(٦) حكاه في المبسوط ١ : ٧٥ عن بعض أصحابنا ، وفي المعتبر ٢ : ٤٠ عن عطاء وطاوس.

(٧) راجع ص ١٤.

٣٨

الأفضلية.

وحين الغروب خاصة عند آخر (١) ، لإتيان جبرئيل في اليومين بوقت واحد للمغرب (٢) ، فيعارض به سائر الأخبار ، ويبقى أصل الاشتغال وعدم التوقيف في غيره سالما عن المعارض.

والأول للمختار ، والثاني لذوي الأعذار ، عند السيد في المصباح (٣) ، والشيخ في المبسوط (٤) ، واختاره في المفاتيح والحدائق (٥) ، جمعا بين القسمين من الأخبار ، بشهادة ما دلّ على جواز التأخير عن الغيبوبة لذوي الأعذار ، كموثّقة جميل : ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال : « لعلّة لا بأس » قلت : فالعشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال : « لعلّة لا بأس » (٦).

والأول للأول ، وربع الليل للثاني ، عند الشيخ في أكثر كتبه (٧) ، وابن حمزة والحلبي (٨) ، لتخصيص القسم الأول بموثّقة جميل ، المتقدّمة ، وصحيحتي محمد ابن علي الحلبي وابن يقطين ، الدالّتين على جواز التأخير في السفر إلى مغيب الشفق (٩) ، وتقييد هذه الثلاثة بالمستفيضة المصرّحة ببقاء الوقت لذوي الأعذار‌

__________________

(١) حكاه في المهذب ١ : ٦٩ عن بعض أصحابنا.

(٢) انظر : الوسائل ٤ : ١٥٦ أبواب المواقيت ب ١٠.

(٣) حكاه عنه في المنتهى ١ : ٢٠٣.

(٤) المبسوط ١ : ٧٤.

(٥) المفاتيح ١ : ٨٧ ، الحدائق ٦ : ١٨٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٣ ـ ١٠١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٨ ـ ٩٦٩ ، الوسائل ٤ : ١٩٦ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٣.

(٧) كالنهاية : ٥٩ ، والاقتصاد : ٢٥٦.

(٨) ابن حمزة في الوسيلة : ٨٣ ، الحلبي في الكافي : ١٣٧.

(٩) صحيحة الحلبي : التهذيب ٢ : ٣٥ ـ ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ ـ ٩٨٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٤ ، صحيحة ابن يقطين : التهذيب ٢ : ٣٢ ـ ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ٤ : ١٩٧ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٥.

٣٩

مطلقا أو بعضهم ـ إلى الربع ، كرواية عمر بن يزيد : عن وقت المغرب ، فقال :« إذا كان أرفق بك ، وأمكن لك في صلاتك ، وكنت في حوائجك ، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل » فقال : قال لي وهو شاهد في بلده (١).

وصحيحته قال : « وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل » (٢).

وبذلك يجمعون هؤلاء بين القسم الأول وبين ما دلّ على بقاء الوقت إلى ربع الليل مطلقا ، كرواية عمر بن يزيد أيضا ، وفيها : « فإنك في وقت إلى ربع الليل » (٣) بشهادة ما ذكر.

وعليه يحملون ما دلّ على جواز التأخير في السفر إلى خمسة أميال من الغروب ، كموثّقة أبي بصير (٤) ، أو ستّة ، كروايتي ابني جابر وسالم (٥).

ويردّون القسم الثاني من الأخبار بما مرّ ذكره من ضعف السند والدلالة.

والأول في غير المسافر والمفيض من عرفات ، وربع الليل لهما ، عند الصدوق (٦) والمفيد (٧) والشيخ في النهاية (٨) ، تضعيفا للقسم الثاني بما ذكر ، ولما دلّ على التعميم في القدر ، في السند ، وتخصيصا للقسم الأول بما دلّ على جواز التأخير لهما إلى الربع.

والثاني للأول والثالث للثاني ، عند المعتبر والمدارك والكفاية ، والمحقّق‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ـ ١٠٣٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨١ الصلاة ب ٦ ح ١٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٩١ ، الوسائل ٤ : ١٩٦ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٤ ـ ٦١١ ، الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٦.

(٥) رواية ابن جابر : التهذيب ٣ : ٢٣٤ ـ ٦١٤ ، الوسائل ٤ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٧. رواية ابن سالم : التهذيب ٢ : ٢٥٨ ـ ١٠٢٨ ، الوسائل ٤ : ١٩١ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١٧.

(٦) الفقيه ١ : ١٤١ والهداية : ٦١.

(٧) المقنعة : ٩٣ ـ ٩٥.

(٨) النهاية : ٥٩ و ٢٥٢.

٤٠