مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

د : المعتبر من الأربع عند الأكثر كونها متقاطعة على القوائم ، لأنّه المتبادر ، ولتوقّف حصول العلم بالقبلة بذلك.

وقيل بكفايتها كيف اتّفق ، لإطلاق الأخبار (١).

وفي البيان : اشتراط التباعد بين كلّ اثنتين بحيث لا تعدّان قبلة واحدة (٢).

أقول : الظاهر وجوب نوع بعد بين كلّ اثنتين بحيث يصدق أربع جوانب أو وجوه عرفا ، والظاهر تحقّقه بالإتيان بالأربع بثلاثة أرباع الدور بل أقلّ (٣).

والتبادر الذي ادّعي لو سلّم فهو في العرف الجديد الذي تأخّره مقتضى الأصل. والعلم بالقبلة لا يحصل بالأربع بالنحو المذكور أيضا ، ولو بني على ما بين المشرق والمغرب فيحصل بغير هذا النحو أيضا.

هـ : لو اشتبهت القبلة في بعض الجهات كنصف معيّن من الدور ، فهل هو كالاشتباه في الجميع؟

الظاهر نعم وإن عرف المشرق والمغرب ، فيجب الأربع على ذلك النصف ، لشمول إطلاق أخبار الأربع لذلك أيضا ، بل وكذا إذا كان الاشتباه في الأقلّ من النصف.

ويظهر من بعضهم أنه إذا عرف المشرق والمغرب يصلّي صلاة واحدة بينهما ، لقوله : « ما بين المشرق والمغرب قبلة » وقد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة.

و : لو علم أنّ القبلة لا تخرج عن جهتين معيّنتين أو ثلاثة أو أكثر إلى حدّ لا يستلزم العسر والحرج ، تجب الصلاة إلى الجميع ، لاشتغال ذمته بالصلاة إلى الجهة المعلومة أو المظنونة ولو إجمالا ، وهو حاصل.

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ١٧٩.

(٢) البيان : ١١٧.

(٣) كأن يتقابل اثنتان ويتقاطع واحدة معهما بالقائمة دون الباقي. منه رحمه الله تعالى.

٢٠١

الفصل الثاني :

فيما يستقبل له من الصلوات‌. وأمّا غيرها ممّا يجب فيه الاستقبال أو يستحب فيأتي في محله.

ثمَّ إنه لا خلاف في وجوب التوجه إلى القبلة في الصلوات المفروضة يومية كانت أو غيرها مع القدرة ، وعليه إجماع المسلمين ، بل هو ضروري الدين ، والأخبار به مستفيضة.

ففي حسنة زرارة : « إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفريضة : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (١).

وفي الصحيح : فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال : « يعيد » (٢).

وفي آخر : عن الفرض في الصلاة ، قال : « الوقت ، والطهور ، والقبلة » (٣).

وفي ثالث : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » (٤).

وفي الموثّق : عن قول الله سبحانه ( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ، قال : « هذه هي القبلة » (٥).

وأمّا النوافل : فالمشهور فيها أيضا ذلك مع الاستقرار على الأرض ، بمعنى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٠ الصلاة ب ١٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٣. والآية في البقرة : ١٤٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٢ الصلاة ب ٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ ـ ٩٥٥ ، الوسائل ٤ : ٢٩٥ أبواب القبلة ب ١ ح ١.

(٤) ليس هذا صحيحا آخر بل هو صدر الصحيح الأول فراجع.

(٥) التهذيب ٢ : ٤٣ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٩٦ أبواب القبلة ب ١ ح ٣. والآية في الأعراف : ٢٩.

٢٠٢

الشرطية ، لأنه المعهود من الحجج والمسلمين في الأعصار ، ولو صحّت إلى غير القبلة لاقتضت العادة صدوره من واحد من الحجج ، ولو صدر لشاع ، لتوفّر الدواعي على نقله ، بل هو بمنزلة الضروري من المذهب حيث إنه لو صلّى احد كذلك إلى غير القبلة لتبادر المسلمون إلى إنكاره.

ولأنّ الشارع صلاّها مستقبلا ، ويجب التأسّي به.

ولقوله سبحانه ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ ) إلى آخره ، خرج منه ما أجمع على عدم وجوب الاستقبال فيه ، فيبقى الباقي.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (١).

وعموم الصحاح الثلاث ، المتقدّمة ، بل الموثّق أيضا ، ومفهوم المروي في تفسير علي ـ المنجبر بالشهرة ـ في قوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) : « إنها نزلت في صلاة النافلة ، فصلّها حيث توجّهت إذا كنت في سفر » (٢).

ويضعّف الأول : بأنّ فعلهم لا يوجب الاشتراط ، لمواظبتهم على الاستحباب ، مع أنّ استمرارهم غير معلوم.

وتوفّر الدواعي على نقل الخلاف في الصدر الأول ممنوع ، لجواز ظهور الأمر فيه وشيوع عدم الاشتراط.

وإنكار جميع المسلمين ممنوع ، وإنّما هو من المقلّدين للمشهور.

والثاني : بأن التأسي غير واجب ، مع أنّه لو كان لا يكون إلاّ بعد العلم بالوجه ، وانتفاؤه في المقام ظاهر.

والثالث : بالتصريح في الحسنة السابقة بأنّ الآية نزلت في الفريضة ، ومثله ورد في روايات أخر أيضا.

والرابع : بعدم عمومه أولا ، وعدم دلالته إلاّ على وجوب المتابعة في أفعال‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٢) تفسير القمي ١ : ٥٩.

٢٠٣

الصلاة وأجزائها ثانيا ، ولا نسلّم أن التوجّه إلى جهة أيضا من الصلاة.

والخامس : بعدم دلالة أولى الصحاح على وجوب الإعادة ، غايتها الرجحان وهي غير مفيدة ، لإمكان رجحان إعادة النافلة المؤدّاة إلى غير القبلة ولو جاز ، والإجماع على انتفائه غير معلوم. مع أن احتمال إرادة الوجوب من قوله : « يعيد » قائم ، لأنّه أحد مجازاته ، ومعه تخصيص الصلاة بالفرض متعيّن ، لانتفاء وجوب إعادة النفل البتة. ويؤكّده ذكر الوقت فيها وبه يسقط الاستدلال.

ومنه يستنبط وجه عدم دلالة ثانيتها أيضا ، إذ الفرض بمعناه الحقيقي في النفل غير متحقق ، والتجوّز فيه بإرادة ما يعم الشّرطي أيضا ليس بأولى من تخصيص الصلاة بالفريضة.

وكذا ثالثتها ، إذ ليس المراد نفي الحقيقة على ما هو الأصح من كون الألفاظ للأعم ، ومجازه يمكن أن يكون نفي الفضيلة ، وحكاية أقربية نفي الصحة إلى الحقيقة ضعيفة.

ويضعّف الموثّقة بمثل ذلك أيضا ، إذ حمل « أقيموا » على الوجوب لا يتأتّى مع عموم المسجد.

وكذا مفهوم الرواية حيث إنّ مجاز قوله : « صلّها » يمكن أن يكون التساوي دون الجواز المنتفي بملاحظة المفهوم.

وعلى هذا فيبقى الأصل في المقام سالما عن المعارض ، ومقتضاه يكون جواز التنفل مع الاستقرار حيث شاء ، كما اختاره المحقق (١) ، وعن الوسيلة (٢) ، بل الخلاف كما في البحار (٣) ، وهو ظاهر الأردبيلي بل الفاضل في الإرشاد وصاحب الكفاية (٤).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٦٧.

(٢) الوسيلة : ٨٦.

(٣) الخلاف ١ : ٢٩٨ وقيده بالسفر ، البحار ٨١ : ٤٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٦٠ ، الإرشاد ١ : ٢٤٤ ، الكفاية : ١٥.

٢٠٤

وليس ببعيد ، لما ذكر مؤيدا بالمروي في قرب الإسناد والمسائل : عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : « إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته ، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود » (١).

وفي فقه القرآن للراوندي : روي عنهما عليهما‌السلام أنّ قوله تعالى : ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) في الفرض ، وقوله ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ، قال : « هو في النافلة » (٢).

وفي تفسير العياشي : « أنزل الله هذه الآية في التطوّع خاصة ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ) الآية » (٣).

إلاّ أنّ المروي في المجمع أنّ الآية مخصوصة بالنوافل في حال السفر خاصة (٤) ، ونحوه روي في التبيان ونهاية الشيخ (٥). ومعه وإن ضعف التأييد إلاّ أنه لا يثبت وجوب الاستقبال في غير السفر ، لأنّ اختصاص الآية بالسفر لا ينافي عدم الوجوب في غيره ، فتأمّل.

والأولى ملاحظة الاستقبال فيها مع الاستقرار ، وأمّا بدونه فيأتي حكمه وحكم حال عدم القدرة في بحث المكان.

__________________

(١) قرب الإسناد ٢١٠ ـ ٨٢٠ ، الوسائل ٧ : ٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٨.

(٢) فقه القرآن ١ : ٩١.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٥٦ ـ ٨٠ ، المستدرك ٣ : ١٩١ أبواب القبلة ب ١١ ح ٦.

(٤) مجمع البيان ١ : ١٩١.

(٥) التبيان ٢ : ١٥ ، النهاية : ٦٤.

٢٠٥

الفصل الثالث :

في الأحكام‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : من صلّى إلى غير القبلة : فإن كان عمدا أعاد وقتا وخارجا ، ولو يسيرا ، إجماعا محققا ، ومحكيا مستفيضا (١) ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، مضافا إلى النهي المفسد ، مع النصوص المصرّحة بإعادة الصلاة بترك القبلة مطلقا (٢) ، خرج منها ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

وإن كان خطأ في ظنّه المعوّل عليه شرعا : فإمّا لا يبلغ الانحراف إلى المشرق أو المغرب ، أو يبلغ إليه ولا يتجاوز ، أو يتجاوز.

فعلى الأول لا يعيد الصلاة مطلقا ، وفاقا للفاضلين (٣) ، وأكثر من تأخّر عنهما (٤) ، وفي المعتبر والمنتهى والتذكرة والتنقيح وعن روض الجنان : الإجماع عليه (٥).

لصحيحة ابن عمار ، المتقدّمة في المسألة التاسعة من الفصل الأول (٦) ، والمروي في قرب الإسناد للحميري : « من صلّى إلى غير القبلة وهو يرى أنه إلى‌

__________________

(١) انظر : المعتبر ٢ : ٧٢ ، والتذكرة ١ : ١٠٣.

(٢) انظر : الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩.

(٣) المحقق في النافع : ٢٤ ، والمعتبر ٢ : ٧٢ ، والشرائع ١ : ٦٨ ، والعلامة في التبصرة : ٢٢ ، والتحرير ١ : ٢٩ ، والقواعد ١ : ٢٧ ، والتذكرة ١ : ١٠٣.

(٤) كالشهيد في الدروس ١ : ١٦٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٧٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٥١ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ١١٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٢ ، والمنتهى ١ : ٢٢٣ ، التذكرة ١ : ١٠٣ ، التنقيح ١ : ١٧٧ ، روض الجنان : ٢٠٣.

(٦) راجع ص ١٩٨.

٢٠٦

القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق والمغرب » (١).

وفي نوادر الراوندي : « من صلّى على غير القبلة وكان إلى غير المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة » (٢).

وقد يستدلّ : بموثّقة الساباطي الآتية (٣). وهو غير جيّد ، لورودها في المطّلع في الأثناء خاصة. وبالمصرّحة بأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة. وهو غير تام ، لما مرّ ويأتي (٤).

خلافا لإطلاق عبارات كثير من القدماء ، كما في الناصريات وعن المقنعة والمبسوط والخلاف (٥) ، ونهاية الإحكام (٦) ، والحلّي والديلمي وابني زهرة وحمزة (٧) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٨) ، وعن السرائر نفي الخلاف فيه (٩) ، فأطلقوا وجوب الإعادة في الوقت ، وهو الظاهر من الروضة (١٠) ، وإن جوّز في البحار (١١) رجوعه إلى الأول وحمل كون الإطلاق باعتبار ما اشتهر من أنّ ما بين المشرق‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١١٣ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٥.

(٢) لم نجده في النوادر ، ونقله عنه في البحار ٨١ : ٦٩ ـ ٢٦ وفيه : .. وكان إلى المشرق ..

(٣) انظر ص ٢١٤.

(٤) راجع ص ١٦٧ ، ويأتي في ص ٢٠٩.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، المقنعة : ٩٧ ، المبسوط ١ : ٨٠ ، الخلاف ١ : ٣٠٣.

(٦) كذا في النسخ ، والظاهر الصحيح : النهاية للشيخ : ٦٤ ، ويشهد له أن المصنف عدّ العلامة أولا من جملة القائلين بعدم الإعادة ، وقد صرح بذلك في نهاية الإحكام ج ١ : ٣٩٩ ، مع أنه نسب الخلاف إلى القدماء والعلامة ليس منهم.

(٧) السرائر ١ : ٢٠٥ ، المراسم : ٦١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، الوسيلة : ٩٩.

(٨) الخلاف ١ : ٣٠٤.

(٩) السرائر ١ : ٢٠٥.

(١٠) الروضة ١ : ٢٠٢.

(١١) البحار ٨١ : ٦٣ ، قال : ولعل مرادهم بالصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق والمغرب ، لما اشتهر من أن ما بين المشرق والمغرب قبلة.

٢٠٧

والمغرب قبلة (١).

وكيف كان فدليلهم على الإطلاق : المستفيضة الآتية المصرّحة بوجوب الإعادة في الوقت على من صلّى إلى غير القبلة (٢).

ويجاب عنها : بأنّها وإن كانت أخص من الصحيحة باعتبار الوقت ، ولكنها أعم منها باعتبار قدر الانحراف ، فإن الصحيحة لا تشمل المتجاوز عن حدّ التشريق والتغريب بل إليهما عرفا أيضا.

فإن رجّحنا الاولى باعتبار الاعتضاد بالإجماعات المحكية الصريحة المستفيضة ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل ، وهو مع الأولى ، لأصالة عدم وجوب الإعادة ، وارتفاع الاشتغال بحصول الامتثال ، لكونه متعبدا بظنّه ، فما أتى به موافق للمأمور به وهو موجب للإجزاء.

وتوهّم أنّه موجب للإجزاء لذلك المأمور به دون غيره ، مندفع : بأنه ليس هنا إلاّ أمر واحد ، وهو الأمر بالصلاة إلى القبلة بحسب اعتقاده ، وما أتى به مجز عن ذلك الأمر وليس غيره ، واختلاف ظنّه إنّما هو في تعيين القبلة دون أمر آخر ، فلم يحصل من تعبده بظنه أمر وتكليف على حدة كما مرّ في بحث الوقت.

ثمَّ مرادنا من المشرق والمغرب هنا اليسار واليمين للقبلة وإن عبّرنا بهما تبعا للفاضلين (٣) وجمع ممّن تأخّر عنهما (٤). وأمّا من تقدّم عليهما فلم أر من ذكر المشرق والمغرب ، بل في الناصريات والاقتصاد والخلاف والجمل والعقود والمصباح‌

__________________

(١) وربما يؤيّد ذلك بنقل الشيخ في التهذيب صحيحة ابن عمار المتقدمة من جملة أدلة ما أطلقه في المقنعة من غير تعرض لتوجيه أو تأويل ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٧ ، منه رحمه‌الله.

(٢) انظر ص ٢١٠.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٧٢ ، والنافع : ٢٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٢٣.

(٤) انظر التنقيح ١ : ١٧٧ ، وروض الجنان : ٢٠٣ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ١١٤.

٢٠٨

ومختصره والوسيلة والروضة : التعبير باليمين واليسار (١) ، ولعله أيضا مراد من عبّر بالانحراف اليسير ، كما في الشرائع والقواعد والبيان (٢).

وبالجملة : المعتبر في هذا القسم عدم الوصول إلى حد يمين القبلة ويسارها المنتهى في كل طرف إلى ربع الدور. فما لم يصل إليه لا يعيد مطلقا ، لصدق الانحراف يمينا وشمالا ـ الذي هو المذكور في الصحيحة ـ على ذلك أيضا ، بل على المنتهى إلى الربع أيضا ، ولكنه خرج بالإجماع كما يأتي.

وأمّا اعتبار المشرق والمغرب وجعل ما بينهما قبلة فلا دليل عليه تاما ، لأنّ ما تضمّن قوله : « ما بين المشرق والمغرب قبلة » فيه إجمال لا يصلح للاستدلال كما مرّ ، بل من جهة عدم إفادة لفظة « ما » فيه العموم أيضا.

ومع ذلك معارض بما دلّ على أنه ليس بقبلة مطلقا ، كموثّقة الساباطي (٣).

وما تضمّن عدم الإعادة مع عدم الوصول إلى المشرق والمغرب ـ كروايتي النوادر وقرب الإسناد (٤) ـ ضعيف غير صالح للحجية ، وانجباره بالعمل غير معلوم ، إذ لم يصرّح بالمشرق والمغرب سوى الفاضلين وبعض من تأخّر عنهما.

هذا كلّه ، مع أنّ اعتبارهما موجب لأنّ من تكون قبلته قريبة من المشرق بخمس درجات مثلا لو انحرف إلى مثل ذلك من المغرب ، حتى يكون انحرافه من القبلة مائة وسبعين درجة ، يكون مغتفرا ، ولو انحرف خمس درجات إلى المشرق لم يكن مغتفرا ، وهو بعيد جدّا ، بل الظاهر مخالفته للإجماع.

وعلى الثاني يعيد في الوقت دون خارجه ، بالإجماع المحقّق والمحكي في‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، الاقتصاد : ٢٦٢ ، الخلاف ١ : ٣٠٣ ( الرسائل العشر ) : ١٨٦ ، مصباح المتهجّد : ٢٥ ، الوسيلة : ٩٩ ، الروضة ١ : ٢٠٢.

(٢) الشرائع ١ : ٦٨ ، القواعد ١ : ٢٧ ، البيان : ١١٨.

(٣) الآتية في ص ٢١٤.

(٤) المتقدمتين في ص ٢٠٦ و ٢٠٧.

٢٠٩

الناصريات والسرائر والتنقيح والمنتهى والمدارك (١) ، وعن الخلاف والمختلف (٢) ، وغيرهما (٣) ، إلاّ أنّ ظاهر الفاضل في التذكرة والنهاية عدم الجزم بالحكم واحتمال الإعادة ولو في الخارج (٤) ، وهو شاذّ غير قادح في الإجماع ، فهو الحجة في المقام.

للصحاح المستفيضة وغيرها الناطقة بأنّ من صلّى إلى غير القبلة تجب الإعادة في الوقت ولا تجب في خارجه ، كصحاح : ابني خالد ويقطين والبصري (٥) ، وموثّقتي : البصري وزرارة (٦) ، وغير ذلك (٧).

وبالإجماع وتلك الأخبار يدفع الأصل المتقدّم ، كما أنّ بالأول تخصّص الصحيحة المتقدّمة (٨) ، الشاملة لنفس اليمين واليسار أيضا.

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، السرائر ١ : ٢٠٥ ، التنقيح ١ : ١٧٧ ، المنتهى ١ : ٢٢٤ ، المدارك ٣ : ١٥١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٠٣ ، المختلف ١ : ٧٨.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ١٧٩ ، ورياض المسائل ١ : ١١٩.

(٤) التذكرة ١ : ١٠٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٠٠.

(٥) صحيحة ابن خالد : الكافي ٣ : ٢٨٥ الصلاة ب ٨ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ـ ١٠٩١ ، الوسائل ٤ : ٣١٧ أبواب القبلة ب ١١ ح ٦ صحيحة ابن يقطين : التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ـ ١٠٩٣ ، الوسائل ٤ : ٣١٦ أبواب القبلة ب ١١ ح ٢.

صحيحة البصري : الكافي ٣ : ٢٨٤ الصلاة ب ٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٢ ـ ٥٥٤ ، الاستبصار : ٢٩٦ ـ ١٠٩٠ ، الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١١ ح ١.

(٦) موثقة البصري : التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣١٧ أبواب القبلة ب ١١ ح ٥ : موثقة زرارة : التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٤ ، الوسائل ٤ : ٣١٦ أبواب القبلة ب ١١ ح ٣.

(٧) وليس لأحد أن يقول : إنه لما كانت القبلة المأمور بها هي ما علم أنه قبلة وقد توجّه إليه هذا الشخص فهو خارج عن تحت تلك الأخبار ، وهي مخصوصة بمن تعدى عمدا ، لأن ذلك مناف لنفي الإعادة خارج الوقت ، بل لصريح الأخبار المذكورة ، كما لا يخفى. فالمراد بها القبلة الواقعية بحسب اجتهاده ثانيا. منه رحمه‌الله.

(٨) راجع ص ١٩٨.

٢١٠

وكذا على الثالث ، فيعيد في الوقت دون الخارج ، وفاقا للإسكافي (١) ، والصدوق والسيد والحلّي وابن سعيد والمحقّق (٢) ، والمنتهى والتذكرة والمختلف والبيان والدروس والذكرى والمدارك والكفاية (٣) ، ووالدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد ، بل معظم المتأخّرين.

لإطلاق الأخبار المتقدّمة ، السليمة عن المعارض المقاوم ، مضافا إلى الإجماع في الوقت ، والأصل في خارجه.

وخلافا للشيخين في المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف (٤) ، وابني زهرة وحمزة والديلمي والحلبي والقاضي (٥) ، والإرشاد والقواعد وشرحه للكركي ، واللمعة (٦) ، ونسبه في الروضة وشرحه للخوانساري إلى المشهور (٧) ، فقالوا بوجوب الإعادة في الخارج أيضا.

لاشتراط الصلاة بالقبلة نصّا وإجماعا ، والمشروط منتف عند انتفاء شرطه ، فالصلاة قد فاتته ، ومن فاتته الصلاة وجب عليه القضاء ، وخرج غير المستدبر بالدليل.

ولخبر معمّر : عن رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبيّن له القبلة وقد دخل وقت‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ١ : ٧٨.

(٢) الفقيه ١ : ٧٩ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، السرائر ١ : ٢٠٥ ، الجامع للشرائع : ٦٣ ، النافع : ٢٤.

(٣) المنتهى ١ : ٢٢٤ ، التذكرة ١ : ١٠٣ ، المختلف ١ : ٧٨ ، البيان : ١١٧ ، الدروس ١ : ١٦٠ ، الذكرى : ١٦٦ ، المدارك ٣ : ١٥٢ ، الكفاية : ١٦.

(٤) المقنعة : ٩٧ ، النهاية : ٦٤ ، المبسوط ١ : ٨٠ ، الخلاف ١ : ٣٠٣.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، الوسيلة : ٩٩ ، المراسم : ٦١ ، الكافي في الفقه : ١٣٩ ، المهذب ١ : ٨٧ ، شرح الجمل : ٧٨.

(٦) الإرشاد ١ : ٢٤٥ ، القواعد ١ : ٢٧ ، جامع المقاصد ٢ : ٧٤ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٢.

(٧) الروضة ١ : ٢٠٢ ، الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٣.

٢١١

صلاة أخرى ، قال : « يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها » (١) الحديث.

وصحيحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٢) فكما تعاد من الأربعة مطلقا ، فكذا القبلة إلاّ ما خرج بالدليل.

والمروي في الناصريات وفي نهاية الشيخ ، المنجبرين بعمل كثير من الأصحاب ، كما صرّح به في شرح القواعد (٣).

الأول : وقد روي « أنّه إن كان خطؤه يمينا وشمالا أعاد في الوقت ، فإن خرج فلا إعادة ، فإن استدبر أعاد على كلّ حال » (٤).

والثاني : وفي رواية : « أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمَّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة » (٥).

ويجاب عن الأول : بمنع اشتراط القبلة الواقعية بل بظنّها ، فلم يفت الشرط ، فلم يفت المشروط.

وعن البواقي : بعمومها بالنسبة إلى المتحرّي والمقصّر ، وصحيحة ابن يقطين من الأخبار المفصّلة صريحة في المتحرّي ، فهي أخصّ مطلقا من خبر معمّر وصحيحة زرارة ، فيخصّصان بها ، ومن وجه من البواقي ، فيرجع إلى الأصل.

مضافا إلى ما في الاولى من أنها معارضة مع جميع ما دلّ على عدم الإعادة في الخارج بالعموم من وجه ، فإن رجّحناه بالأكثرية والأصحية ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل.

وما في الثانية من أنّها معارضة معه بالعموم المطلق من جهة الوقت وخارجه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٦ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٩.

(٢) الفقيه ١ : ١٨١ ـ ٨٥٧ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ١.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٧٤.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٥) النهاية : ٦٤.

٢١٢

أيضا ، فيجب تخصيصها.

وما فيهما وفي الثالثة من عدم الدلالة على الوجوب بل غايتها الاستحباب ، وقد احتمله في المقام بعض أجلّة الأصحاب (١).

وما في الأخيرين من الضعف وعدم الحجية.

ثمَّ على ما اخترناه لا يتفاوت الحال بين الاستدبار العرفي وغيره ممّا وصل إلى اليمين واليسار.

وهل الموجب للقضاء ـ على قول من أوجبه ـ العرفي ، أو مطلق التجاوز عن الطرفين؟ مقتضى بعض أدلّتهم : الأول ، كما هو مختار بعض الأجلّة (٢) ، ومقتضى بعض آخر : الثاني ، كما عن الشهيد الثاني (٣).

وإن كان الانحراف نسيانا أو غفلة ، فإن كان في أصل القبلة مع تذكّر وجوب مراعاتها فكالخطإ حكما ودليلا ، وإن كان في وجوب مراعاتها أو جهل به من غير تقصير ، فيعيد في الوقت مطلقا ولو لم يصل الانحراف إلى اليمين واليسار ، لأن الأصل حينئذ مع الإعادة ، لعدم صدق التوجّه إلى القبلة بحسب ظنّه حتى يصدق امتثال الأمر به ، وبقاء وقت الأمر بأدائه ، فيرجع إليه بعد التعارض. ولا يعيد في الخارج ، للأصل ، وعدم صدق فوت الصلاة ، لأنّ ما فعله تكليفه حينئذ وإن صدق فوت الصلاة إلى القبلة.

والأحوط في جميع الأقسام : الإعادة في الوقت مطلقا ، والقضاء مع التجاوز عن اليمين واليسار.

المسألة الثانية : لو ظهر الانحراف في أثناء الصلاة ، فمع عدم التشريق أو التغريب بالمعنى المتقدّم ، صحّ ما فعل ، ويحوّل وجهه إلى القبلة ، بلا خلاف كما‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٧٦.

(٢) كشف اللثام ١ : ١٨٠.

(٣) الروضة ١ : ٢٠٢.

٢١٣

صرّح به جماعة (١) ، بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم (٢) ، وهو الحجة فيه.

مضافا إلى رواية ابن الوليد : عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة ، قال : « يستقبلها إذا ثبت ذلك » (٣).

وموثّقة الساباطي : في رجل صلّى على غير القبلة ، فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : « إن كان متوجّها فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم ، وإن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة » (٤).

وكذا معه بدون التجاوز ، على الأصح ، وفاقا للمحكي عن المبسوط مدعيا عليه الإجماع (٥) ، للأصل ، وإطلاق الرواية.

وقد يقال بالقطع (٦) ، للموثّقة ، فإنّ الظاهر شمولها للتشريق والتغريب بقرينة التفصيل.

وفيه : منع دلالة التفصيل عليه ، لأنّ استيفاء الأقسام غير واجب سيّما مع ندرة هذا القسم.

فإن قيل : مفهوم قوله : « إن كان متوجّها .. » أولا ، يدلّ على أنّ في صورة انتفائه لا يحوّل كذا ، فإمّا يبقى كذلك أو يقطع ، والأول خلاف الإجماع ، فتعيّن‌

__________________

(١) منهم : صاحب الرياض ١ : ١٢٠.

(٢) كما في المدارك ٣ : ١٥٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ٣ : ٣١٤ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٥ الصلاة ب ٨ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٤.

(٥) المبسوط ١ : ٨١.

(٦) كما في المعتبر ٢ : ٧٢ ، والذكرى : ١٦٦ ، وروض الجنان : ٢٠٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٧٦ ، والدرة النجفية : ٩١.

٢١٤

الثاني.

قلنا ـ مع أنّ اعتبار المفهوم في مثل ذلك الكلام المشتمل على التفصيل غير معلوم ، لعدم تبادر المفهوم ـ : إنّه يعارض بمفهوم قوله : « وإن كان متوجّها .. » ‌

ثانيا ، لعدم شمول الدبر عرفا ولا لغة للتشريق والتغريب قطعا ، فإنّ الدبر مقابل القبلة ، وهما ليسا بمقابلين لها. (١)

ومع التجاوز يقطع ويستقبل ، بلا خلاف وعليه التصريح في الموثّقة.

ولا فرق في جميع ما ذكر بين الخاطئ والناسي والغافل والجاهل الغير المقصّر ، لعموم الروايتين. ولا في صورة الاستئناف بين بقاء الوقت للصلاة المستأنفة وعدمه. ولا في صورة العدم بين ما إذا أدرك ركعة في الوقت أو لا.

وقد يستشكل في صورة العدم : بأنّ الظاهر أنّ مراعاة الوقت مقدّمة على سائر واجبات الصلاة من الأجزاء والشرائط. بل قد يرجّح تحويله إلى القبلة حينئذ ، لذلك ، ولفحوى ما دلّ على عدم القضاء مع التبيّن بعد الفراغ ، ولأصالة عدم وجوب القضاء ، فلم يبق إلاّ التحويل.

وفي الأول : منع الكلية سيّما عند إدراك الركعة.

وفي الثاني : منع الأولوية سيّما مع عدم القطع بالعلّة.

وفي الثالث : أنّ القضاء بعد القطع يقيني ، والكلام إنّما هو في وجوب القطع.

ولو قيل بتعارض الإطلاق المذكور مع مشترطات الوقت فيرجع إلى التخيير ، لكان حسنا وإن كان الاحتياط بإتمام الصلاة والقضاء بعدها أحسن ، إلاّ أنّ ذلك في صورة إدراك الركعة ليس للاحتياط موافقا.

المسألة الثالثة : لا يتجدّد الاجتهاد بتجدّد الصلاة إلاّ مع تجدّد الشك ، للأصل ، والاستصحاب ، وبقاء الظن.

__________________

(١) في « ه‍ » و « س » : فإن الدبر مقابل القبل وهما ليسا بمقابلين له.

٢١٥

خلافا للمحكي عن المبسوط ، فأوجب التجديد لكلّ صلاة ما لم تحضره الأمارات ، للسعي في إصابة الحق ، ولأنّه لا يخلو إمّا يوافق الاجتهاد الثاني الأول أو يخالفه ، والكلّ واجب.

أمّا الأول : فلإيجابه قوة الظنّ الواجب تحصيلها مهما أمكن.

وأما الثاني : فلأنّه لا يكون إلاّ مع الظنّ الأقوى بالخلاف ، فتحصيله أيضا واجب (١).

وبعبارة أخرى : إمّا يحصل الظن الأقوى بالمخالف أو الموافق ، وأيّهما كان فهو واجب.

واستجوده في المدارك مع احتمال تغيّر الأمارات (٢).

وهو تقييد زائد ، إذ ظاهر أنّه أيضا مراد الشيخ ، كما صرّح به في المبسوط (٣).

وكيف كان فهو ضعيف ، لما مرّ.

ويضعّف أول دليليه بتحقّق السعي. والثاني بمنع الحصر ، لإمكان حصول ظنّ بالخلاف مساو للظنّ الأول ، فلا يقطع بالأقوى ، ومعه لا دليل على وجوب الاجتهاد.

المسألة الرابعة : لو تغيّر اجتهاده بالاجتهاد يعني ظنّ خطأه أوّلا ، فإن كان في الأثناء يحوّل وجهه.

وقيل بذلك إن لم يبلغ موضع القطع وإلاّ أعاد (٤).

ويضعّف : بعدم دليل على القطع والإعادة ، والموثّقة مخصوصة بصورة العلم.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨١.

(٢) المدارك ٣ : ١٥٥.

(٣) المبسوط ١ : ٨١.

(٤) المدارك ٣ : ١٥٥.

٢١٦

وإن كان بعد الفراغ ، لم يعد ما لم يتيقّن بالخطإ الموجب للإعادة. وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافا.

ووجهه : أصالة عدم وجوب الإعادة ، وظهور الأخبار الموجبة لها في صورة العلم بالخطإ ، لتضمّنها الألفاظ التي هي حقيقة فيه (١). وهو كذلك.

ولا يتوهّمن أنه على ذلك لا تظهر فائدة مسألة ظهور الخطأ على ما ذكرنا من عدم إمكان تحصيل العلم بالجهة العرفية للبعيد ، وإنّما يفيد على ما ذكره جماعة من حصول العلم بالجهة ، إذ عدم إمكان العلم بالجهة لا يستلزم عدم إمكان حصول العلم بالخطإ ، فإنّا وإن لم نقطع بأنّ نقطة الجنوب جهة محاذاة الكعبة لأهل الموصل مثلا ، ولكن نقطع بأنّ المواجه لنقطة المشرق فيه خاطئ ، بل لا يتفاوت الحال على القولين ، إذ مع الانحراف الغير البالغ إلى أحد الطرفين تجب الإدارة في الأثناء مع الظنّ أيضا ، ولا تجب الإعادة بعد الفراغ مع القطع بالخطإ أيضا ، ومع البلوغ إلى أحدهما يحصل العلم بالخطإ غالبا.

ومثل تغيّر الاجتهاد ما لو قلّد مجتهدا وتغيّر اجتهاده أو أخبره بخطئه.

ولو تبيّن الخطأ في طريق الاجتهاد ـ كأن عمل بخبر شخص ظنّ أنّه عدل مسلم ثمَّ تبيّن أنّه كافر ، ويرى عدم قبول خبره ، أو علم بالدائرة الهندية ثمَّ علم خطأه في عملها ، أو ظنّ كوكبا الجدي فظهر أنّه غيره ـ فإن ظهر مصادفته لمقتضى الاجتهاد الصحيح ، صحّت صلاته مطلقا. وإن ظهرت المخالفة ، فإن كان في الأثناء ، ينحرف مع عدم التجاوز عن اليمين واليسار ، ويعيد معه ، وإن كان بعد الفراغ لم يعد إلاّ مع العلم بالخطإ في القبلة أيضا.

وإن لم يظهر شي‌ء منهما ـ كأن علم بكفر المخبر مثلا من غير إخبار مسلم بخلافه ـ فإن كان في الأثناء ، يتمّ صلاته مع عدم التمكّن من الاجتهاد الصحيح ، ويضمّ معها ثلاث صلوات أخرى ، لكونه متحيّرا ، ويقطعها مع‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٢٠.

٢١٧

التمكّن وتوقّف الاجتهاد على القطع. وإن كان بعد الفراغ ، فالظاهر عدم الإعادة مطلقا إلاّ مع حصول العلم بالخطإ في نفس القبلة.

ولو صلّى بقول واحد ، فأخبره آخر بخلافه ، فإن كان بعد الفراغ ، لم يلتفت إليه ولو كان أوثق ، إلاّ مع فرض حصول العلم بالخطإ. وإن كان في الأثناء ، يتبع الأوثق مع الاختلاف ، ويتمّ صلاته ويضمّ معها أخرى إلى الجهة الأخرى مع التساوي.

المسألة الخامسة : لو خالف اجتهاده وصلّى فصادف القبلة لم تصحّ ، لأنه متعبّد بظنّه فلم يأت بالمأمور به ، ولعدم تأتّي قصد القربة منه.

وعن المبسوط : الصحة (١). وهو ضعيف.

وكذا من صلّى من دون مراعاة القبلة ، لعدم المبالاة أو الجهل بالحكم من تقصيره ، وصادفها.

المسألة السادسة : لو اختلف المجتهدون في القبلة ، فالمشهور : عدم جواز ائتمام بعضهم بعضا مع توجّه كلّ منهم إلى ما اجتهده ، لاعتقاد كلّ بطلان صلاة الآخر.

وقيل بالصحّة (٢) ، واختاره والدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد. وهو الأصح ، لمنع اعتقاد كلّ بطلان صلاة الآخر ، بل يعتقد صحتها له وإن اعتقد خطأه في القبلة ، وهو غير مؤثّر في البطلان ، لعمومات جواز الاقتداء بمن تصح صلاته (٣).

__________________

(١) لم نعثر عليه في المبسوط ، وحكاه عنه في الذكرى : ١٦٥ ، والمدارك ٣ : ١٥٥. وقال في الحدائق ٦ : ٤٤٣ : وقد تتبعت كتاب المبسوط في باب القبلة فلم أقف على هذا الفرع فيه.

(٢) كما في كشف اللثام ١ : ١٨٠.

(٣) انظر الوسائل ٨ : أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ـ ١٤.

٢١٨

الباب الثالث :

في لباس المصلّي

والكلام فيه إمّا في الستر اللازم في الصلاة ، أو فيما يشترط في لباس المصلّي ويجوز له في لباسه ولا يجوز ، أو فيما يستحب ويكره ، فهاهنا ثلاثة فصول‌

٢١٩

الفصل الأول :

في الستر‌

والبحث فيه إمّا في أصل الستر أو فيما يستر ، فهاهنا بحثان‌

٢٢٠