مستند الشّيعة - ج ٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٥٤

بل هي للمعنى اللغوي أوفق ، ولمرجع الإشارة في قوله : « ذلك » أنسب ، غاية الأمر تساوي المعنيين ومعه تنتفي الدلالة.

والثلاثة السابقة عليها غير دالّة ، إذ الظاهر منها نفي الصلاة الموظّفة بهذه الأوقات ، ردّا في بعضها على العامة ، ولو سلّم فإرادته مع نفي الجواز متساوية ، فدلالتها على التحريم غير معلومة (١).

وبذلك يجاب عن ترجيح أخبار المنع على أخبار الجواز بكون الاولى باعتبار تخصيصها بالمبتدأة ـ كما يأتي ـ أخص من الثانية ، فتقدّم عليها من غير ملاحظة وجوه التراجيح.

ومن جميع ذلك يظهر ضعف مخالفة المشهور والقول بالتحريم ـ لبعض أخبار المنع ـ في الأول ممتدا منه إلى الزوال ، وفي الثاني كالناصريات (٢) ، أو في الثالث إلى الزوال كالانتصار (٣) ، أو فيه وفي الثاني إلى الغروب كما عن العماني (٤) ، أو في الثلاثة الأخيرة كما عن الإسكافي (٥) ، وإليه يميل كلام بعض متأخّري المتأخّرين طاب ثراه (٦) ، أو في الثالث والرابع كما عن ظاهر المفيد (٧).

كما يظهر ـ من صراحة الأوليين من روايات المنع في المرجوحية ، وكذا الثلاثة الأخيرة بضميمة التسامح في أدلة الكراهة ، وخلوّها عن المعارض في ذلك ، لعدم منافاتها للجواز بل في العبادات للرجحان الذاتي الذي هو معنى‌

__________________

(١) بل لو أغمض النظر عن إرادة التوظيف فنفي الجواز الذي هو معنى مجازي لذلك التركيب ليس بأولى من مجاز آخر وهو الكراهة بأحد معانيها. منه رحمه الله تعالى.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٣) الانتصار : ١٠٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٦.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧٦.

(٦) قال في كشف اللثام ١ : ١٦٥ : لمّا ورد النهي ولا معارض له كان الظاهر الحرمة.

(٧) المقنعة : ١٤٤.

١٢١

الاستحباب ـ ضعف مخالفة أخرى للمشهور بنفي الكراهة رأسا ، كما هو ظاهر الصدوق في الخصال (١) ، وعن الطبرسي في الاحتجاج (٢) ، والمفيد في كتابه المسمّى ب « افعل لا تفعل » (٣) ، ونقل عن طائفة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (٤) ، أو التوقّف فيها وفي الإباحة ، كما هو ظاهر الفقيه والسرائر (٥) ، لضعف أدلّة المرجوحية وموافقتها للعامة.

فإنّ الضعف ـ لو كان ـ بالتسامح يجبر ، والتوافق لهم مع عدم المعارض غير معتبر.

وكما يظهر ـ من اشتمال جميع الروايات على الأوقات الخمسة ـ ضعف مخالفة ثالثة هي تخصيص الكراهة بالثالث والرابع ، كالشيخ في النهاية (٦) ، أو مع الخامس ، كما عن الجعفي (٧).

ثمَّ مقتضى عموم غير صحيحة ابن بلال من روايات المنع أو إطلاقها وإن كان كراهة الصلاة في الأوقات المذكورة مطلقا ، إلاّ أنّ الفرائض مستثناة منها أداء وقضاء ، بالإجماع المحقّق ، والمحكي في صريح المنتهى والسرائر (٨) ، وظاهر‌

__________________

(١) الخصال : ٧١.

(٢) الاحتجاج : ٤٧٩.

(٣) حكاه عنه في المدارك ٣ : ١٠٨.

(٤) انظر الذخيرة : ٢٠٤ ، وقال في الرياض ١ : ١١٢ بعد نقل قول المفيد في افعل لا تفعل : ومال إليه جماعة من محققي متأخري المتأخرين ، وهو غير بعيد ، سيما مع إطلاق النصوص بنفل النوافل في الأخيرين ، إلى أن قال : ولكن كان الأولى عدم الخروج عما عليه الأصحاب من الكراهة نظرا إلى التسامح في أدلتها كما هو الأشهر الأقوى.

(٥) الفقيه ١ : ٣١٥ ، السرائر ١ : ٢٠١.

(٦) النهاية : ٦٢.

(٧) حكاه عنه في الذكرى : ١٢٧.

(٨) المنتهى ١ : ٢١٥ ، السرائر ١ : ٢٠٣.

١٢٢

الناصريات والتذكرة (١) ، ونفى الأردبيلي ـ قدس‌سره ـ عنه الشك في شرح الإرشاد (٢) ، وهو الحجة فيه (٣).

مضافا في الجميع : إلى صحيحة ابن أبي خلف : « الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قصب الآس » إلى أن قال : « فعليكم بالوقت الأول » (٤). دلّت على رجحان أول وقت جميع الفرائض ولو كان أحد الأوقات المذكورة.

وفي قضاء الفرائض : إلى حسنة زرارة : « فإن استيقنت ـ أي فوت الصلاة ـ فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت » (٥).

ورواية نعمان الرازي : عن رجل فاته شي‌ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها ، قال : « فليصلّ حين ذكره » (٦).

ورواية زرارة وغيره : عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها ، قال : « يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا » (٧).

وفي خصوص صلاة الميت : إلى صحيحة محمد ، المتقدّمة (٨).

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، التذكرة ١ : ٨٠.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٤٧.

(٣) وقد يستدل أيضا في بعضها بحسنة ابن عمار : « خمس صلوات لا تترك على كل حال » الحديث ، وفيها مناقشة ، فإن مطلوبية عدم الترك لا تنافي مطلوبية التأخير. منه رحمه الله تعالى.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٠ ـ ١٢٨ ، ثواب الأعمال : ٣٦ ، الوسائل ٤ : ١١٨ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٢ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٧١ ـ ٦٨٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ ، الوسائل ٤ : ٢٧٤ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١.

دلّت هذه الأخبار على وجوب القضاء في أي وقت كان أو حين التذكر مطلقا ، على المضايقة ، وعلى استحبابه ، الموجب لرجحانه على التأخير عنهما ، على المواسعة. منه رحمه الله تعالى.

(٨) في ص ١١٧.

١٢٣

وفيما يفوت الوقت بتأخيره : إلى دليل تعيّنه.

وخصوصية روايات الكراهة باعتبار الوقت عن بعض هذه غير ضائرة ، لخصوصيتها أيضا باعتبار الصلاة ، فلو رجّح بموافقة الشهرة بل الإجماع ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل.

وبه يجاب عن خبر عبد الرحمن : « تكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس وحين تطلع » (١). مع موافقته للعامة (٢).

وأمّا صحيحة محمد : عن ركعتي طواف الفريضة ، قال : « وقتهما إذا فرغت من طوافك ، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها » (٣) فلا تنافيه ، لرجوع الضمير إلى الطواف.

وبه يدفع توهّم منافاة صحيحة أخرى له : عمّن يدخل مكة بعد الغداة ، قال : « يطوف ويصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها » (٤) مع شمولها للطواف المندوب أيضا.

وأمّا خبر أبي بصير فيمن فاتته العشاءان : « إن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » (٥) وحسنة زرارة ، وفيها في قضاء المغرب والعشاء : « أيّهما ذكرت‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢١ ـ ١٠٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٦ ، الوسائل ٣ : ١٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٥.

(٢) انظر : صحيح البخاري ١ : ١٠٩ ، وسنن ابن ماجه ١ : ٤٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤١ ـ ٤٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٦ ـ ٨٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٥ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤١ ـ ٤٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٧ ـ ٨٢٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٦ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ـ ١٠٥٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

١٢٤

فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس » (١). فهما وإن دلاّ على رجحان تأخير قضاء العشاء من حين طلوع الشمس ، إلاّ أنّ لعدم القول بالفصل بين الصلوات بل الأوقات تعارضهما رواية الرازي ، المتقدّمة وغيرها ، والترجيح لمعارضتهما ، لمخالفة العامة.

وقد يستدلّ على نفي الكراهة في الفرائض : بوجوه أخر ضعيفة.

وأمّا النوافل ذوات الأسباب : فالمشهور استثناؤها أيضا ، بل يستشمّ من الناصريات اتفاق أصحابنا عليه (٢).

للجمع بين مطلقات الجواز ومطلقات المنع ، وعموم شرعية ذوات الأسباب عند حصولها ، وعمومات قضاء الفوائت أو صلاة النهار أو خصوص قضاء النوافل في أيّ وقت شاء أو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها أو بعد العصر ، وقضاء صلاة الليل قبل طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر وبعد العصر وأنه من سرّ آل محمد المخزون ، وما دلّ على أن خمس صلوات تصلّى في كلّ حال ومنها صلاة الإحرام والطواف (٣) ، إلى غير ذلك.

والكلّ ضعيف.

أمّا الأول : فلأنّه جمع بلا شاهد ، مع ما عرفت من عدم التعارض بعد قصر المنع على الكراهة ، سيما بالمعنى المراد في المقام من المرجوحية الإضافية.

وهو الوجه في ضعف دلالة البواقي ، إذ لا منافاة بين الكراهة بذلك المعنى وبين شي‌ء منها أصلا ، كما هو ظاهر.

وبه صرّح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، ومال إلى ثبوت الكراهة إلاّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ الصلاة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٣) انظر الوسائل ٤ : أبواب المواقيت ب ٣٩ ، ٤٥ ، ٤٩.

١٢٥

في الصلوات الخمس المشار إليها (١) ، وهو جيّد ، إلاّ أنّ في دلالة الروايات المتضمّنة للخمس على انتفاء الكراهة عنها أيضا نظرا.

نعم ، في حسنة زرارة : « صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها » (٢). وهي تدلّ على رجحان أداء الفوائت مطلقا حال التذكّر كذلك على تركها حينئذ ، وهو مناف للكراهة ، فيتم استثناؤها وإن أمكنت المناقشة فيها أيضا على المراد من الكراهة ، وأمّا غيرها فلا وجه له.

ولذا قال بعض الأجلّة : وإن قيل : إنّ ذوات الأسباب إن كانت المبادرة إليها مطلوبة للشارع ـ كالقضاء والتحية ـ لم تكره وإلاّ كرهت ، كان متّجها (٣).

انتهى.

ونظره في استثناء التحية إلى قوله عليه‌السلام : « إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين » (٤) وفي دلالته نظر.

وبالجملة : لا دليل تاما على استثناء غير قضاء النوافل ، فالتعميم في الكراهة والاقتصار في الاستثناء على قضاء النوافل ـ كما في المقنعة (٥) ، والهداية (٦) ،

__________________

(١) فإن المحقق الأردبيلي بعد أن استدلّ على الكراهة بمفهوم ما دلّ على أن خمس صلوات أو أربع تصلّى في كل وقت ، وعلى عدمها في تلك الخمس أو الأربع بمنطوقه ، وبعد أن صرّح بإرادة أقلية الثواب من الكراهة هنا ، قال : على أنه لا منافاة بين الكراهة وجواز فعل ذات السبب ، بل المطلق ، إلاّ أن يثبت نفي الكراهة وليس بظاهر إلاّ في الصلوات الخمس أو الأربع. نعم لو ثبتت المنافاة أو كانت الكراهة منتفية عن ذات السبب مطلقا وثابتة للمطلق كان الجمع المشهور جيدا. وليس ذلك بظاهر ، بل الظاهر إما عدم الكراهة مطلقا لعدم صحة الدليل الخاص وعدم حجية المفهوم ، أو الكراهة مطلقا سوى الخمس المذكورة. ( مجمع الفائدة ٢ : ٤٩ ). منه رحمه الله تعالى.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٨ الصلاة ب ١٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الخصال : ٢٤٧ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٤ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

(٣) كشف اللثام ١ : ١٦٦.

(٤) ورد مؤداه في مكارم الأخلاق : ٢٩٨ ، وعنه في البحار ٨١ : ٢٥ ـ ١٧.

(٥) المقنعة : ٢١٢.

(٦) الهداية : ٣٨. اقتصر في الفقيه ( ج ١ : ص ٢٧٨ ) على استثناء الأربع الواردة في حسنة زرارة : القضاء مطلقا وثلاثة من الفرائض.

١٢٦

والجمل والعقود والوسيلة والجامع (١) ، إلاّ أن غير الأول زاد صلاتي الإحرام والطواف من غير تقييد بالفرض ، والأخير صلاة التحية أيضا ـ أولى ، وإن كان في استثناء القضاء أيضا تأمّل ، بل الظاهر عدمه ، كالشيخ في النهاية (٢) ، فإنه لم يستثن صلاة نافلة مطلقا ، بل هو محتمل كلّ من قال بكراهة ابتداء النوافل في تلك الأوقات كلا أو بعضا من غير استثناء ، لجواز إرادة الإحداث من الابتداء ، احترازا عمّن دخل عليه تلك الأوقات وهو في الصلاة.

فروع :

أ : النهي في الأوقات الثلاثة الأخيرة (٣) متعلّق بالوقت ، وأمّا في الأولين (٤) فالمصرّح به في كلام الأكثر ، بل المدّعى عليه الإجماع ، أنهما متعلّقان ببعد الصلاتين ، فمن لم يصلّهما لا يكره له التنفّل على القول بجواز النافلة وقت الفريضة. ويطول زمان الكراهة ويقصر بإتيان الصلاتين أول الوقت وآخره.

فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلاّ فالمصرّح به في النصوص : بعد الفجر والعصر ، اللذين هما حقيقتان في الوقت ، بل في بعضها الذي منه الصحيح : بعد طلوع الفجر (٥).

وعلى هذا فلو قلنا بتعلّقهما أيضا بالوقت ـ كما هو ظاهر المعتبر والنافع والإرشاد (٦) ، وغيرها ـ لم يكن بعيدا. ولا يلزم منه كراهة الفرضين ولا نافلتهما ، لاستثنائهما بالنصوص والإجماع ، مع أنّ كراهة التطوّع في وقت الفريضة ثابتة‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٥ ، الوسيلة : ٨٤ ، الجامع للشرائع : ٦٩.

(٢) النهاية : ٦٢.

(٣) أي عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها.

(٤) أي بعد الصبح وبعد العصر.

(٥) راجع ص ١١٨ صحيحة ابن بلال.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٠ ، المختصر النافع : ٢٣ ، الإرشاد ١ : ٢٤٤.

١٢٧

قطعا.

ب : المستفاد من الأخبار أنّ منتهى الأولين طلوع الشمس وغروبها ، وأمّا الثالث فمبدؤه بعد طلوع الشمس في الانتصار (١) ، وعنده في كلام الأكثر (٢) ، وهو مقتضى الروايات. ولا يبعد إرادة المعنى العرفي حتى يشمل ما قارب الطلوع أيضا.

ويدلّ عليه خبر المجازات إن فسّر الحاجب بالشعاع (٣).

ومنتهاه الزوال عند السيد (٤) ، وانتفاء حمرة الشمس وذهاب شعاعها عند جماعة (٥).

ويدلّ عليه بعض الروايات ، كخبر أبي بصير وحسنة زرارة المتقدمتين (٦) ، ورواية عمّار ، المتضمّنة للنهي عن سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها (٧). وأطلق آخرون.

ويستفاد من رواية العلل (٨) ، وأخرى عامية أصرح منها (٩) : أنه ارتفاع الشمس ، وهو مؤخّر عن زوال الحمرة. ولا بأس به للتسامح.

ومبدأ الخامس قرب الزوال ، لصدق نصف النهار والاستواء عرفا ، ولعدم إمكان إرادة النصف الحقيقي ، لعدم امتيازه عن الزوال الذي هو المنتهى إجماعا.

__________________

(١) الانتصار : ٥٠.

(٢) كالمعتبر ٢ : ٦٠ ، المنتهى ١ : ٢١٤ ، الحدائق ٦ : ٣٠٣.

(٣) راجع ص ١١٩.

(٤) الانتصار : ٥٠.

(٥) كالعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٢٠ ، صاحب المدارك ٣ : ١٠٥ ، صاحب الحدائق ٦ : ٣٠٣.

(٦) في ص ١٢٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٥٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٨) راجع ص ١١٧.

(٩) سنن البيهقي ٢ : ٤٥٤ ، سنن ابن ماجه ١ : ٣٩٧.

١٢٨

ومبدأ الرابع قرب الغروب ، لما مرّ ، وللعامي : « نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة إذا تضيّفت الشمس للغروب » (١) أي : مالت ، ولآخر المتضمّن للتعليل بدنوّ قرن الشيطان ، وفيه : « وإذا دنت للغروب قارنها » (٢).

ومنتهاه الغروب ، المتحقّق بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة المشرقية. وحدّ في بعض الأخبار بصلاة المغرب (٣). ولا بأس به ، سيما مع كراهة التطوع وقت الفريضة.

ج : هل الكراهة مختصة بالشروع ، أو يكره لمن دخل عليه أحد هذه الأوقات وهو في النافلة؟

قيل بالأول (٤) ، لأنّ قطع النافلة مكروه ، ولأنّ المنهي عنه الصلاة لا بعضها ، ويؤكّده عدم انصراف المطلقات إلى مثله.

الثامنة : اتّفقوا على جواز قضاء كلّ من النوافل الليلية والنهارية في كلّ من الليل والنهار ، للنصوص المستفيضة (٥).

وأمّا رواية عمار : عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال : « لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ، ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل » (٦) ، وموثّقته : عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال :

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٤٥٤.

(٢) الموطأ ١ : ٢١٩ ـ ٤٤ ، سنن ابن ماجه ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٥٣ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥.

(٣) كما في موثقة الحلبي ورواية ابن عمار ، المتقدمتين في ص ١١٨.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ١٦٤.

(٥) انظر : الوسائل ٤ : ٢٧٤ أبواب المواقيت ب ٥٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ ـ ١٠٥٧ ، الوسائل ٤ : ٢٧٨ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٤.

١٢٩

« نعم يقضيها بالليل على الأرض » (١). فمحمولتان بشهادة ما قد ذكر على الأفضلية ، ولولاه لخرجتا بالشذوذ عن الحجية ، مع إمكان تخصيص الأخيرة بالفريضة.

ثمَّ اختلفوا في الأفضل ، فالأكثر ـ كما في المدارك وشرح القواعد (٢) ، وغيرهما ـ على أفضلية التعجيل ولو بقضاء النهارية في الليل وبالعكس ، لآيتي المسارعة والاستباق (٣).

وخبر عنبسة : [ سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ] : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) (٤) ، قال : « قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل » (٥).

وصحيحة أبي بصير : « إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل » (٦).

ومرسلة الفقيه : « كلّ ما فاتك في الليل فاقضه بالنهار » (٧).

ورواية إسحاق وفيها أنّ بعد أن رأى الصادق عليه‌السلام رجلا يقضي صلاة الليل بالنهار : « إنّ الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، يقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي [ كيف ] يقضي ما لم أفترضه عليه » (٨).

وموثّقة محمد : « إنّ علي بن الحسين عليهما‌السلام كان إذا فاته شي‌ء من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٢.

(٢) المدارك ٣ : ١٠٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٨.

(٣) آل عمران : ١٣٣ ، البقرة : ١٤٨ ، والمائدة : ٤٨.

(٤) الفرقان : ٦٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٥ ـ ١٠٩٣ ، الوسائل ٤ : ٢٧٥ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٤ : ٢٧٧ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٩.

(٧) الفقيه ١ : ٣١٥ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٤ : ٢٧٥ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٤.

(٨) الذكرى : ١٣٧ ، الوسائل ٤ : ٢٧٨ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٥.

١٣٠

الليل قضاه بالنهار ، وإن فاته من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو الشهر » (١).

وفي المرسل : « ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) ، أي يديمون على أداء السنة ، فإن فاتتهم بالليل قضوها بالنهار ، وإن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل » (٢).

ولا يخفى أنّ تلك الأخبار لو تمّت دلالتها لدلّت على أفضلية قضاء الليلية بالنهار وبالعكس ، لتكون الفضيلة لخصوصية النهار والليل وإن نافى التعجيل (٣).

وليس ذلك بمطلوبهم البتة ، كما صرّح به غير واحد منهم ، ويدل عليه استدلالهم بالآيتين. وتخصيص النهار والليل فيها بالمتصل بليلة الفوت ونهاره ، وبما إذا لم يعجّل قضاء الليلية في هذه الليلة والنهارية في هذا النهار تقييد بلا دليل. وجعل الإجماع على عدم رجحان النهار الذي بعده على الليل السابق عليه وكذا على نهار الفوات دليله ، ليس بأولى من حمل تلك الأخبار على بيان الجواز ، مع أنّ الاولى لا تدلّ على الأزيد منه ، وكذا الرابعة وما بعدها. وأمّا المباهاة المذكورة فيها فيمكن أن يكون لمجرد القضاء دون خصوص كونه بالنهار وإن خصه بالذكر لكون الواقعة من ذلك القبيل ، ويؤيّده بل يعينه ذيله من أن المباهاة على قضاء ما لم يفترض ، من غير تقييد.

وأيضا تؤيّده صحيحة اخرى : « إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة ، فيعجب الرب وملائكته عنه ويقول : ملائكتي ، يقضي ما لم أفترضه عليه » (٤).

كما يمكن أن يكون عمل السجّاد عليه‌السلام لعلّة اخرى غير الأفضلية ، كأن تكون لليلته وظائف ولأجلها لا تسع الليلة لقضاء.

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّ الثابت منها ـ لو دلّت ـ ليس إلاّ الفضل ، وهو غير‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٤ ـ ٦٤٤ ، الوسائل ٤ : ٢٧٦ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٨.

(٢) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ١٠. ( بتفاوت فيهما ).

(٣) كما إذا أمكن قضاء نافلة المغرب في ليلتها ، أو الظهرين في يومهما ، أو انقضى النهار الأول ودار الأمر بين القضاء في الليل الحاضر أو النهار الآتي. منه رحمه الله تعالى.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٨ الصلاة ب ١٠٥ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٣١٥ ـ ١٤٣٢ ، التهذيب ٢ : ١٦٤ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ٤ : ٧٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ١.

١٣١

مناف لأفضلية غيره لو ثبت بدليل ، كما في ذلك المقام ، حيث دلّت الروايات على أفضلية مراعاة المماثلة وقضاء الليلية في الليل والنهارية في النهار ، كرواية الجعفي : « أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وصلاة النهار بالنهار » (١).

وصحيحة ابن عمّار : « اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتك من صلاة الليل بالليل » (٢).

وصحيحة العجلي : « أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل ، ولا بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس » (٣).

وموثّقة زرارة : عن قضاء صلاة الليل ، فقال : « اقضها في وقتها الذي صلّيت فيه » (٤).

وخبر إسماعيل : عن الرجل يصلّي الاولى ، ثمَّ يتنفّل ، فيدركه وقت العصر من قبل أن يفرغ من نافلته ، فيبطئ بالعصر ، يقضي نافلته بعد العصر ، أو يؤخّر حتى يصلّيها في وقت آخر؟ قال : « يصلّي العصر ويقضي نافلته في يوم آخر » (٥).

وتخصيص الأوليين بليلة الفوات ونهاره وإن كان محتملا ، بعد تعارضهما مع الآيتين وما دلّ على أن الله عزّ شأنه يحب من الخير ما يعجّل ، ولكن ذلك في البواقي غير ممكن ، فبها تخصّص الآيتان وما يؤدّي مؤدّاهما ، وتظهر قوة القول‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٢ الصلاة ب ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٤٣ ، الوسائل ٤ : ٢٧٦ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥١ الصلاة ب ٩٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٧ ، الوسائل ٤ : ٢٧٦ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٣١٦ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٤ : ٢٧٥ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٤ ـ ٦٤٥ ، الوسائل ٤ : ٢٧٧ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٥ ـ ١٠٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩١ ـ ١٠٦٩ ، الوسائل ٤ : ٢٤٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٨.

١٣٢

بأفضلية اعتبار المماثلة ، كما عن الإسكافي وأركان المفيد (١) ، واختاره صاحب المدارك (٢).

وذهب والدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد إلى تساوي التعجيل والمماثلة ، قال ـ بعد الإشارة إلى روايات الطرفين ـ : والأولى عندي الحمل على التخيير ـ كما هو صريح الخبر ـ والقول بترجيح كلّ منهما على الآخر بوجه ، فإنّ العقل لا ينقص من اشتراك فعلين في أصل الفضيلة مع اختصاص كلّ منهما بنوع خاص منها ، بأن تكون مزية كلّ منهما بوجه بحيث تتكافأ المزيتان في نظر العقل ولم يرجّح إحداهما على الأخرى ، وحينئذ يتعيّن التخيير ، والحكم هنا كذلك ، فإنّ قضاء الفائت في أحدهما في الآخر له مزية التعجيل والمبادرة إلى فعل الخير ، وفي مثله مزية مراعاة المماثلة في الوقت. انتهى.

وجوابه يظهر مما مرّ ، وقوله ـ رحمه‌الله ـ : صريح الخبر ، إشارة إلى رواية ابن أبي العلاء : « اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار ، كلّ ذلك سواء » (٣).

ودلالتها على التخيير في المقام محل نظر ، لجواز إرادة تسوية الساعات في الجواز ردّا على القائلين بالحرمة في بعضها من العامة.

ثمَّ الظاهر اختصاص ما مرّ من أفضلية المماثلة وفضيلة التعجيل بغير حالة السفر.

والأفضل فيها القضاء في الليل مطلقا ، لرواية عمّار وموثّقته ، المتقدّمتين في صدر المسألة (٤).

__________________

(١) حكاه عنهما في الذكرى : ١٣٧.

(٢) المدارك ٣ : ١١١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٣.

(٤) راجع ص ١٢٩.

١٣٣

التاسعة : الأفضل في كلّ صلاة تقديمه في أول وقته.

لا للخروج عن شبهة الخلاف في الفرائض ، لأنّه قد يقتضي التأخير (١). بل للإجماع ، وأدلّة استحباب المسارعة والتعجيل والاستباق إلى الطاعات ، والنصوص المستفيضة ، بل تستفاد من كثير منها أفضلية الأول فالأول ، كصحيحة زرارة : « أول الوقت أبدا أفضل ، فعجّل الخير ما استطعت » (٢).

والعلّة المنصوصة في صحيحة سعد : « إذا دخل عليك الوقت فصلّها ، فإنك لا تدري ما يكون » (٣) وفي أخرى : « فإنك لا تأمن الموت » (٤).

إلاّ أنهم استثنوا من الكلية ، وفضّلوا التأخير في مواضع قد مرّ الكلام في بعضها ، ويأتي في بعض آخر في مواضعه.

وممّا استثنوه : فاقد شرط يتوقّع زوال عذره ، لصحيحة عمر بن يزيد : أكون في جانب المصر فيحضر المغرب وأنا أريد المنزل ، فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء ، أفأصلّي في بعض المساجد؟ فقال : « صلّ في منزلك » (٥).

وأخرى : أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأقيمت الصلاة ، فإن أنا نزلت معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة ، فقال : « ائت منزلك وانزع ثيابك ، وإن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلّ ، فإنك في وقت إلى ربع الليل » (٦).

__________________

(١) كما في المغرب عند القائل بأن أول وقته الغروب ، والعشاء. منه رحمه الله تعالى.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٤ الصلاة ب ٤ ح ٨. التهذيب ٢ : ٤١ ـ ١٣٠ ، مستطرفات السرائر : ٧٢ ـ ٦ ، الوسائل ٤ : ١٢١ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٢ ، الوسائل ٤ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٣.

(٤) لم نعثر على صحيحة بتلك العبارة ، نعم ورد في فقه الرضا عليه‌السلام : ٧١ : « ما يأمن أحدكم الحدثان في ترك الصلاة وقد دخل وقتها وهو فارغ » والحدثان بالتحريك : الموت.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١ ـ ٩٢ ، الوسائل ٤ : ١٩٧ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٩١ ، الوسائل ٤ : ١٩٦ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١١.

١٣٤

والمروي في قرب الإسناد في من غرقت ثيابه : « لا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت ، ينبغي ثيابا ، فإن لم يجد صلى عريانا » (١).

وأوجبه السيد والإسكافي (٢) ، والديلمي (٣) ، لوجوب تحصيل الشروط مهما أمكن.

والتحقيق : أنه يجب الرجوع في كلّ شرط إلى أدلّة اشتراطه وأدلّة معذورية الفاقد له ، وينظر في كيفية تعارضهما في حق مثل ذلك الشخص. فإن لم تثبت المعذورية فيحكم بالوجوب ، كما في فاقد ماء يظن حصوله في الوقت ، وإلاّ فلا.

وأمّا الاستحباب فلا دليل عليه إلاّ رواية قرب الإسناد ، وهو خاص بموضع لا دليل على التعدّي عنه والخروج عن الخلاف ، المعارض بأدلّة المسارعة.

إلاّ أن يستند فيها إلى فتوى العلماء بالاستحباب ، التي هي خاصة بالنسبة إلى دليل المسارعة ، ولا بأس به.

ومنها : المدافع لأحد الأخبثين إلى أن يقضي حاجته ، لصحيحة هشام : « لا صلاة لحاقب ولا حاقن ، وهو بمنزلة من هو في ثيابه » (٤).

وظاهرها وإن كان وجوب التأخير إلاّ أنهم حمولها على الاستحباب ، للإجماع ، وصحيحة البجلي ، المتضمّنة لجواز الصبر عليه مع عدم خوف الإعجال (٥).

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٤٢ ـ ٥١١ ، الوسائل ٤ : ٤٥١ أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

(٢) حكاه عنهما في الذكرى : ١٣٠.

(٣) لم نعثر عليه في المراسم ، وحكاه عنه في الذكرى : ١٣٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٣ ـ ١٣٧٢ ، المحاسن : ٨٣ ـ ١٥ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٢ ، في المصادر : الحاقن والحاقنة ، وما في المتن موافق لنسخة الوافي. وقال ابن الأثير في النهاية ج ١ ص ٤١٦ : الحاقن هو الذي حبس بوله كالحاقب للغائط.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.

١٣٥

ولا يخفى أنه يتعارض دليل التأخير مع أدلّة أفضلية أول الوقت بالعموم من وجه ، ولازمه الرجوع إلى الأصل.

فإن أرادوا استثناء أفضلية أول الوقت فيتم الاستدلال ، وإن أرادوا أفضلية التأخير فلا دليل له إلاّ إذا أوجب التدافع فوات الحضور ، فيرجع إلى الصورة المتعقبة لذلك.

ومنها : ما إذا كان التأخير موجبا لإدراك صفة كمال ، كاستيفاء الأفعال ، ومزيد الإقبال ، واجتماع البال ، والسعي إلى مكان شريف ، ونحو ذلك ، لروايتي عمر بن يزيد ، المتقدمتين.

ولا يخفى أنهما مختصتان بإدراك الأذان والإقامة والأمكنية التي هي اجتماع البال ، والتعدّي إلى غيرهما لا دليل عليه ، وعدم الفصل غير ثابت.

فالتحقيق فيه : أنّ ما لا دليل فيه بخصوصه على ترجيحه على أول الوقت من المكملات يعارض دليله مع أدلّة أول الوقت ، فإن علم مزية إحدى الفضيلتين على الأخرى بالأخبار أو غيرها فالحكم له ، وإلاّ فالتساوي ، إلاّ أن يستند في ترجيح التأخير إلى الشهرة ، وليس ببعيد.

ومنها : التأخير لإدراك فضيلة الجماعة ، لرواية جميل ، المصرّحة بأفضلية التأخير له (١).

ومنها : تأخير المتنفّل كلا من الظهرين إلى أن يأتي بنافلتهما ، للإجماع ، والأمر في المستفيضة بتقديم النافلتين عليهما (٢).

أمّا غير المتنفّل لعذر ـ كالسفر أو الجمعة ـ أو بدونه ، فالأفضل له الإتيان بالصلاة أول الوقت دون التأخير بقدر النافلة ، على الأظهر الأشهر ، بل يظهر من‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢١ ، الوسائل ٨ : ٣٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٩ ح ١.

(٢) انظر : الوسائل ٤ : ١٣١ أبواب المواقيت ب ٥.

١٣٦

المنتهى اتّفاق أصحابنا عليه (١) ، لأدلّة فضيلة أول الوقت.

ومنها : تأخير الظهر إلى القدمين ، والعصر إلى أربعة أقدام أو قامة ، ذكره جماعة (٢) ، للروايات الدالّة على أنهما وقتهما ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّيهما كذلك ، وأنّ جبرئيل أتى بالعصر في الوقت المذكور (٣).

وصحيحة عبيد : عن أفضل وقت الظهر ، قال : « ذراع بعد الزوال » (٤).

ومكاتبة عبد الله ، وفيها : وقد أحببت ـ جعلت فداك ـ أن أعرف موضع الفضل في الوقت ، فكتب : « القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا » (٥).

ولا يخفى أن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ثابت ، ولو ثبت فلعلّه للنافلة والتعقيب ، وكذا إتيان جبرئيل.

وأمّا الأخبار فإنها معارضة مع أخبار أخر ، كرواية يزيد بن خليفة : « فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك » (٦).

ورواية أبي بصير : ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أول الوقت وفضله ، فقلت : كيف أصنع بالثمان ركعات؟ فقال : « خففت ما استطعت » (٧).

ورواية محمد بن الفرج ، وفيها : « وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢١١.

(٢) كالكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٥٠ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ١٥.

(٣) انظر : الوسائل ٤ : ١٥٦ أبواب المواقيت ب ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٩ ـ ٩٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ ـ ٩١١ ، الوسائل ٤ : ١٤٧ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٢٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٩ ـ ٩٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ ـ ٩١٢ ، الوسائل ٤ : ١٤٨ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢٧٥ الصلاة ب ٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠ ـ ٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٣٣ أبواب المواقيت ب ٥ ح ٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ـ ١٠١٩ ، الوسائل ٤ : ١٢١ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٩.

١٣٧

والشمس على قدمين ، ثمَّ صلّ سبحتك ، وأحبّ أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام » (١).

وموثّقة ذريح : « إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك معه إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصرها » [ فقال بعض القوم : إنا نصلّي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام ] فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « النصف من ذلك أحب إليّ » (٢).

وموثّقة الجمّال : العصر متى أصلّيها إذا كنت في غير سفر؟ قال : « على قدر ثلثي قدم بعد الظهر » (٣). وقريبة منها صحيحته (٤).

وبعد التعارض تبقى روايات أول الوقت وفضيلته عن المعارض خالية ، مع أنه قد وقع التصريح في رواية محمد بن أحمد ـ المتقدّمة في وقت الظهرين (٥) ـ بعدم اعتبار القدم والقدمين والأربع ونحوها ، مضافا إلى ما يستفاد من المستفيضة أن جعل القدم ونحوه وقتا للظهر لأجل النافلة.

والمراد من التحديد بهذه الأخبار أن هذا القدر وقت أفضلية التنفّل ، وبعده يكون الأفضل الاشتغال بالفريضة ، ففي موثّقة زرارة : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان »؟ قلت : لم؟ قال : « لمكان الفريضة (٦) ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا ، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (٧) ونحوها‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٠ ـ ٩٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٥ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٤ : ١٤٨ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٦ ـ ٩٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤٩ ـ ٨٩٧ ، الوسائل ٤ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ٥ ح ١٢ وأورد ذيله في ص ١٤٦ ب ٨ ح ٢٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٤ : ١٥٣ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣١ الصلاة ب ٨١ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٤٣ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٨.

(٥) راجع ص ١٢.

(٦) في الفقيه والتهذيب والوسائل : النافلة.

(٧) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٥٣ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ ـ ٨٩٩ ، علل الشرائع :

١٣٨

غيرها.

فالمراد من جعل هذا القدر أفضل أنه بواسطة التنفّل ، ولذا أسقطه عن غير المتنفّل ، وبه صرّح في رواية زرارة : « صلاة المسافر حين تزول الشمس ، لأنه ليس قبلها في السفر صلاة ، وإن شاء أخّرها إلى وقت الظهر في الحضر ، غير أن أفضل ذلك أن يصلّيها في أول وقتها حين تزول الشمس » (١).

على أنه لمّا كانت ملاحظة الذراع والأقدام والقامة ممّا كان يهتم به العامة ، وكان عليها مدارهم ، فلذلك ورد في الأخبار ، وقد كان يأمرون أصحابهم بمراعاتها ويكرهون اتّخاذهم تركها عادة ، كما يشعر به رواية زرارة : أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ، ثمَّ صلّيت الظهر ، ثمَّ صلّيت نوافلي ، ثمَّ صلّيت العصر ، ثمَّ نمت ، وذلك قبل أن يصلّي الناس ، فقال : « يا زرارة ، إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ، ولكن أكره لك أن تتّخذه وقتا دائما » (٢).

وفي قوله : « لك » والتقييد بالدوام إشعار بكونه تقية ، مع أنه يمكن أن يكون لأجل النوم بعد الظهر ، أو يكون الضمير للزوال ، والوقت للظهر بترك النافلة.

وعلى ذلك تحمل رواية ابن ميسرة : إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلّي الظهر والعصر؟ قال : « نعم ، وما أحبّ أن يفعل ذلك كلّ يوم » (٣).

__________________

٣٤٩ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ١٤١ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣ ، ٤.

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٤ ـ ٦١٢ ، الوسائل ٤ : ١٣٥ أبواب المواقيت ب ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٧ ـ ٩٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ ـ ٩٠٥ ، الوسائل ٤ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ٥ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٤٧ ـ ٩٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٨ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٥.

١٣٩

وموثّقة ابن بكير : إني صلّيت الظهر في يوم غيم ، فانجلت ، فوجدتني صلّيت الظهر حين زال النهار ، قال : فقال : « لا تعد ، ولا تعد » (١).

ويمكن أن يكون النهي عن العود في الأخيرة أيضا ، لأنّ تعجيل الصلاة في يوم الغيم ربما يفضي إلى وقوع الصلاة قبل الوقت.

ومنها : تأخير العصر عن صلاة الظهر بقدر يتحقّق التفريق ولو لم يتنفّل. وهذا هو التفريق المطلق ، ويقابله مطلق الجمع ، كما أن ما مرّ من تأخيرها إلى الأقدام والقامة التفريق في الوقت ، ويقابله الجمع فيه.

فقيل باستحباب ذلك (٢) ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفريقه إلاّ مع حاجة ، ولروايتي زرارة وابن ميسرة ، المتقدّمتين ، ولما في الذكرى من أنه كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بينهما ، بشهادة النصوص والمصنفات بذلك (٣).

ويضعف الأول : بأنه إنما هو لمكان النافلة والتعقيب ، والتفريق لأجلهما مستحب إجماعا ، وتفريقه بدونهما غير مسلّم.

مع أنه صرّح في الأخبار بأنه قد كان يجمع من غير علة أيضا ، كما في صحيحة ابن سنان : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين » (٤).

وحمل الجمع على الجمع في أحد الوقتين اللذين أتى به جبرئيل خلاف ظاهر‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٦ ـ ٩٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٦.

(٢) كما في الذكرى : ١١٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٦.

(٣) الذكرى : ١١٩.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٢٠ أبواب المواقيت ب ٣٢ ح ١.

١٤٠