مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

______________________________________________________

« غسل الميت مثل غسل الجنب » (١). وهي ضعيفة السند (٢) ، فالخروج بها عن مقتضى الأخبار المستفيضة الواردة في كيفية الغسل مشكل.

ويجب في هذا الغسل النية كغيره من الأغسال عند أكثر الأصحاب. ونقل عن المرتضى ـ رحمه‌الله ـ التصريح بعدم الوجوب (٣) ، لأن هذا الغسل تطهير للميت من نجاسة الموت ، فكان كغسل الثوب. وتردد في المعتبر (٤). وهو في محله.

وكيف كان ، فينبغي القطع بالاكتفاء بنية واحدة للأغسال الثلاثة ، لأنه في الحقيقة فعل واحد مركب منها.

ويعتبر في النية وقوعها من الغاسل ، أعني الصابّ للماء ، لأنه الغاسل حقيقة. ولو اشترك جماعة في غسله ، فإن ترتبوا بأن غسل كل واحد بعضها اعتبرت النية من كل واحد عند أول فعله ، لامتناع ابتناء فعل مكلف على نية مكلف آخر. وإن اجتمعوا في الصبّ فالظاهر اعتبار النية من الجميع ، لأن الغسل مستند إلى جميعهم ولا أولوية ولو كان بعضهم يصبّ الماء والبعض يقلب اعتبرت نية الصابّ ، واكتفى في الذكرى بنية المقلب (٥). وهو بعيد (٦).

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ١٢٢ ـ ٥٨٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٤٧ ـ ١٤٤٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٥ ) أبواب غسل الميت ب (٣) ح (١).

(٢) لعل وجهه وقوع إبراهيم بن مهزيار في السند ولم يوثقه النجاشي والشيخ ـ رجال النجاشي : ( ١٦ ـ ١٧ ) ، رجال الطوسي : ( ٤١٠ ـ ١٠ ).

(٣) نقله عنه في مجمع الفائدة ( ١ : ١٨٢ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٢٦٥ ).

(٥) الذكرى : (٤٤) وعلله فيه : بأن الصاب كالآلة.

(٦) الجواهر ( ٤ : ١٢١ ). لظهور أن الغسل هو إجراء الماء ولا مدخلية للمقلب فيه.

٨١

وأقلّ ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم ، وقيل : مقدار سبع ورقات وبعده بماء الكافور على الصفة ، وبماء القراح أخيرا كما يغتسل من الجنابة.

______________________________________________________

قوله : وأقلّ ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم ، وقيل : مقدار سبع ورقات ، وبعده بماء الكافور على الصفة المذكورة. وبماء القراح أخيرا ، كما يغتسل من الجنابة.

المشهور بين الأصحاب أنه يكفي من الخليط أعني السدر والكافور مسماه وقدّر المفيد (١) ـ رحمه‌الله ـ السدر برطل ، وابن البراج برطل ونصف (٢) ، واعتبر بعضهم سبع ورقات (٣). والأصح اعتبار ما يصدق عليه الاسم ، أعني ما يتحقق معه كون ذلك الماء ماء سدر وماء كافور. فلو كان السدر ورقا غير مطحون ولا ممروس لم يجز ، وكذا لو كان قليلا على وجه لا يصدق على الماء الذي قد وضع فيه الاسم المذكور.

ولو خرج الماء بالخليط عن كونه مطلقا ففي جواز التغسيل به قولان. وإطلاق الأخبار واتفاق الأصحاب على ترغية السدر ـ كما نقله في الذكرى (٥) ـ يقتضيان الجواز.

والمراد بالقراح هنا : الماء المطلق ، واعتبر بعضهم خلوه من السدر والكافور وإن بقي الإطلاق (٦). وربما قيل باشتراط خلوه من كل شي‌ء حتى التراب (٧) ، ولا وجه له.

__________________

(١) المقنعة : (١١).

(٢) المهذب ( ١ : ٥٦ ).

(٣) منهم العلامة في التذكرة ( ١ : ٣٨ ) ، والشهيد الثاني في روض الجنان : (٩٩).

(٤) مرست الشي‌ء بالماء : دلكته بالماء حتى تحلل أجزاؤه ( مجمع البحرين ٤ : ١٠٦ )

(٥) الذكرى : (٤٦).

(٦) كالشهيد الثاني في روض الجنان : (٩٩).

(٧) كما في السرائر : (٣٢).

٨٢

وفي وضوء الميت تردد ، والأشبه أنه لا يجب. ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة ، إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

قوله : وفي وضوء الميت تردد ، والأشبه أنه لا يجب.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل. النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم‌السلام في كيفية الغسل وانتقالهم من تليين أصابعه وغسل يديه إلى غسل رأسه وجسده ، ومن غسله إلى تكفينه من غير ذكر الوضوء (١). بل صحيحة يعقوب ابن يقطين كالصريحة في ذلك ، فإنه قال : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن غسل الميت ، أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال : « غسل الميت : يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ، ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر » إلى أن قال : « ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ، ثم إذا كفنه اغتسل » (٢).

ونقل عن ظاهر أبي الصلاح القول بالوجوب (٣) ، لمرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في كل غسل وضوء إلاّ غسل الجنابة » (٤).

وأجاب عنها المصنف في المعتبر بعدم الصراحة في الوجوب ، فإنه كما يحتمله كذا يحتمل الاستحباب (٥). ولا يخفى أنّ هذا الجواب مناف لاستدلاله بهذه الرواية على وجوب الوضوء مع الغسل في غير موضع كما بيناه.

__________________

(١) الوسائل ( ٢ : ٦٨٠ ) أبواب غسل الميت ب (٢).

(٢) التهذيب ( ١ : ٤٤٦ ـ ١٤٤٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٠٨ ـ ٧٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٣ ) أبواب غسل الميت ب (٢) ح (٧).

(٣) الكافي في الفقه : (١٣٤).

(٤) الكافي ( ٣ : ٤٥ ـ ١٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٤٣ ـ ٤٠٣ ) ، ( ٣٠٣ ـ ٨٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٠٩ ـ ٧٣٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٦ ) أبواب الجنابة ب (٣٥) ح (٢) ، بتفاوت يسير.

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٦٧ ).

٨٣

ولو عدم الكافور والسّدر غسل بالماء. وقيل : لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها ، وفيه تردد.

______________________________________________________

والأولى الطعن فيها من حيث السند بالإرسال وإن كان المرسل لها ابن أبي عمير.وقد بينا ذلك كله فيما سبق.

نعم يمكن أن يستدل لأبي الصلاح بصحيحة حريز ، قال : أخبرني أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الميت يبدأ بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة » (١) الحديث ، فإن الجملة الخبرية هنا بمعنى الأمر وهو حقيقة في الوجوب. ويجاب بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

قوله : ولو عدم الكافور والسّدر غسل بالماء القراح. وقيل : لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها ، وفيه تردد.

منشأ التردد : من تعذر المأمور به ـ أعني تغسيله بماء السدر وماء الكافور ـ المقتضي لسقوط التكليف به ، ومن أنه مأمور بالغسلات الثلاث على هيئتها ، وهي كون الاولى بماء السدر ، والثانية بماء الكافور ، والثالثة بالقراح ، فيكون مطلق الغسلات واجبا ، ضرورة استلزام وجوب المركب وجوب أجزائه. ويتوجه على هذا أنّ المتحقق في ضمن المقيد حصة من المطلق مقومة له لا نفس الماهية كما هو الظاهر. ومن هنا يظهر قوة القول بالاكتفاء بالغسلة الواحدة ، كما جزم به في المعتبر (٢).

ولو وجد الخليطان قبل الدفن ففي وجوب إعادة الغسل وجهان : أحوطهما ذلك ، وأظهرهما العدم لتحقق الامتثال ، المقتضي للإجزاء.

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٣٠٢ ـ ٨٧٩ ) ، الاستبصار ( ١ : ٢٠٧ ـ ٧٢٧ ) ، بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٩ ) أبواب غسل الميت ب (٦) ح (١).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٦٦ ).

٨٤

ولو خيف من تغسيله تناثر جلده ـ كالمحترق والمجدور ـ يتيمم بالتراب كما يؤمم الحي العاجز.

______________________________________________________

قوله : ولو خيف من تغسيله تناثر جلده ـ كالمحترق والمجدور ـ يمّم بالتراب.

هذا مذهب الأصحاب ، قال الشيخ في التهذيب : وبه قال جميع الفقهاء إلاّ الأوزاعي (١). واستدل عليه بما رواه عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام قال : « إن قوما أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فإن غسلناه تسلّخ ، فقال : يمّموه » (٢). وهي ضعيفة السند باشتمالها على جماعة من الزيدية. فإن كانت المسألة إجماعية على وجه لا يجوز مخالفته فلا بحث ، وإلاّ أمكن التوقف في ذلك ، لأن إيجاب التيمم زيادة تكليف ، والأصل عدمه. خصوصا إن قلنا أن الغسل إزالة نجاسة ، كما يقوله المرتضى ـ رحمه‌الله ـ (٣).

وربما ظهر من بعض الروايات عدم الوجوب أيضا ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الجنب والمحدث والميت إذا حضرت الصلاة ولم يكن معهم من الماء إلاّ بقدر ما يكفي أحدهم ، قال : « يغتسل الجنب ، ويدفن الميت (٤) ، ويتيمم الذي هو على غير وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز » (٥). ومع ذلك فالعمل على المشهور. وينبغي القطع‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في التهذيب ، بل وجدناه في الخلاف ( ١ : ٢٩١ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ٣٣٣ ـ ٩٧٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٠٢ ) أبواب غسل الميت ب (١٦) ح (٣).

(٣) المتقدم في ص (٨١).

(٤) في الفقيه والوسائل زيادة : بتيمم.

(٥) الفقيه ( ١ : ٥٩ ـ ٢٢٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٠٩ ـ ٢٨٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠١ ـ ٣٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٧ ) أبواب التيمم ب (١٨) ح (١) ، في جميع المصادر : عبد الرحمن بن أبي نجران. ولعل ما في المتن سهو منه ، ويؤيده أنه نقل الرواية بعينها عن عبد الرحمن بن أبي نجران في ص (٢٥١) من نفس الكتاب ، وأشار الى ذلك في الحدائق ( ٣ : ٤٧٣ ).

٨٥

وسنن الغسل أن يوضع على ساجة مستقبل القبلة ،

______________________________________________________

بالاكتفاء بتيمم واحد ، واحتمال التعدد بتعدد الغسلات بعيد (١).

قوله : وسنن الغسل أن يوضع على ساجة.

والمراد بالساجة هنا مطلق اللوح. وإنما استحب ذلك لما فيه من صيانة الميت عن التلطخ. وينبغي كونه على مرتفع ، وأن يكون مكان الرجلين أخفض حذرا من اجتماع الماء تحته.

قوله : مستقبل القبلة.

هذا قول الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب ، بل قال في المعتبر : إنه اتفاق أهل العلم (٣). للأمر به في عدة روايات ، وإنما حمل على الندب جمعا بينها وبين ما رواه يعقوب بن يقطين في الصحيح ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الميت كيف يوضع على المغتسل ، موجها وجهه نحو القبلة؟ أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال : « يوضع كيف تيسر » (٤).

ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط وجوب الاستقبال (٥) ، ورجحه المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ محتجا بورود الأمر به. ثم قال : ولا ينافيه ما سبق ـ يعني خبر يعقوب بن يقطين ـ لأن ما تعسر لا يجب (٦). وهو غير جيد ، لأن مقتضى الرواية أجزاء أيّ جهة اتفقت ، فالمنافاة واضحة ، وحمل الأمر على الاستحباب متعيّن.

__________________

(١) الجواهر ( ٤ : ١٤٣ ). ينبغي القطع به إذا جعلنا التطهير بماء القراح.

(٢) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٥).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٦٩ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٩٨ ـ ٨٧١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٨ ) أبواب غسل الميت ب (٥) ح (٢).

(٥) المبسوط ( ١ : ٧٧ ).

(٦) جامع المقاصد ( ١ : ٥١ ).

٨٦

وأن يغسل تحت الظلال ، وأن تجعل للماء حفيرة ويكره إرساله في الكنيف ، ولا بأس بالبالوعة

______________________________________________________

قوله : وأن يغسل تحت الظلال.

لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الميت يغسل في الفضاء؟ قال : « لا بأس ، وإن يستتر فهو أحب إلى » (١).

قوله : وأن يجعل للماء حفيرة ، ويكره إرساله في الكنيف ، ولا بأس بالبالوعة.

الكنيف : الموضع المعد لقضاء الحاجة. والبالوعة : ما يعد لإراقة الماء ونحوه في المنزل.

ويدل على كراهة صب الماء في الكنيف دون البالوعة : صحيحة محمد بن الحسن الصفار ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : هل يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل في بئر كنيف؟ فوقّع : « يكون ذلك في البلاليع » (٢).

وإنما كانت الحفيرة أولى من البالوعة لقوله عليه‌السلام في حسنة سليمان بن خالد : « وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه القبلة » (٣).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٤٢ ـ ٦ ) ، الفقيه ( ١ : ٨٦ ـ ٤٠٠ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٣١ ـ ١٣٧٩ ) ، قرب الإسناد : (٨٥) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٠ ) أبواب غسل الميت ب (٣٠) ح (١) ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ( ٣ : ١٥٠ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٣١ ـ ١٣٧٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٠ ) أبواب غسل الميت ب (٢٩) ح (١).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٢٧ ـ ٣ ) ، الفقيه ( ١ : ١٢٣ ـ ٥٩١ ) رواه مرسلا وبتفاوت يسير ، التهذيب ( ١ : ٢٨٦ ـ ٨٣٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٦١ ) أبواب الاحتضار ب (٣٥) ح (٢). الا ان فيها : مستقبلا بباطن.

٨٧

وأن يفتق قميصه وينزع من تحته ، وتستر عورته ،

______________________________________________________

قوله : وأن يفتق قميصه ، وينزع من تحته.

ذكر ذلك الشيخان (١) وأتباعهما (٢). وإنما استحب ذلك لأن إخراج القميص على هذا الوجه أسهل على الميت ، ولئلاّ يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه. ولا خفاء في أن ذلك مشروط بإذن الورثة ، فلو تعذر لصغر أو غيبة لم يجز.

وهل الأفضل تجريده من القميص وتغسيله عاريا مستور العورة؟ أو تغسيله في قميصه؟ الأظهر الثاني ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسكان : « وإن استطعت أن يكون عليه قميص فغسله من تحته » (٣).

وفي حسنة سليمان بن خالد : « وإن استطعت أن يكون عليه قميص يغسل من تحت القميص » (٤).

وفي صحيحة يعقوب بن يقطين : « ولا تغسله إلاّ في قميص » (٥). وظاهر هذه الأخبار طهارة القميص وإن لم يعصر.

قوله : وأن تستر عورته.

لما فيه من أمن المغسل من النظر المحرم ، ولدلالة الأخبار عليه أيضا (٦).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : (١١) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ١٧٨ ) ، والنهاية : (٣٣).

(٢) كالقاضي ابن البراج في المهذب ( ١ : ٥٧ ) ، وسلار في المراسم : (٤٨) ، وابن حمزة في الوسيلة : (٦٥).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٣٩ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٠٨ ـ ٢٨٢ ) بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٠ ) أبواب غسل الميت ب (٢) ح (١).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٤٦ ـ ١٤٤٣ ) ، الوسائل ، ( ٢ : ٦٨٢ ) أبواب غسل الميت ب (٢) ح (٦).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٤٦ ـ ١٤٤٤ ) بتفاوت يسير ، الإستبصار ( ١ : ٢٠٨ ـ ٧٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٣ ) أبواب غسل الميت به (٢) ح (٧).

(٦) الوسائل ( ٢ : ٦٨٠ ) أبواب غسل الميت ب (٢). قال صاحب الجواهر ( ٤ : ١٤٩ ). لا يوجد ما يقتضي الوجوب كما لو كان المغسل أعمى.

٨٨

وتليّن أصابعه برفق.

ويغسل رأسه برغوة السدر أما الغسل ، ويغسل فرجه بالسدر والحرض ،

______________________________________________________

قوله : وتليّن أصابعه.

لقوله عليه‌السلام في خبر الكاهلي : « ثم تلين مفاصله » (١). ونقل عليه في المعتبر الإجماع (٢).

وقيل بالمنع (٣) ، لقوله عليه‌السلام في خبر طلحة بن زيد : « ولا تغمز له مفصلا » (٤) ونزله الشيخ على ما بعد الغسل (٥) ، وهو حسن.

قوله : ويغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل.

المستفاد من الأخبار : أنّ تغسيل الرأس برغوة السدر محسوب من الغسل الواجب ، لا أنه مستحب متقدم عليه. فروى الحلبي في الحسن عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عورته إما قميصا وإما غيره ، ثم تبدأ بكفيه ، وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن » (٦).

وروى الكاهلي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ، ثم تليّن مفاصله ، فإن امتنعت عليك فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ، فاغسله ثلاث غسلات ، وأكثر من الماء ، وامسح بطنه‌

__________________

(١) المتقدم في ص (٧٨).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٧٢ ).

(٣) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف : (٤٢).

(٤) الكافي ( ٣ : ١٥٦ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٢٣ ـ ٩٤١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٩٤ ) أبواب غسل الميت ب (١١) ح (٤) ، بتفاوت يسير.

(٥) الخلاف ( ١ : ٢٨١ ).

(٦) الكافي ( ٣ : ١٣٨ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٩٩ ـ ٨٧٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٠ ) أبواب غسل الميت ب (٢) ح (٢).

٨٩

وتغسل يداه ، ويبدأ بشقّ رأسه الأيمن ، ويغسل كل عضو منه ثلاث مرّات في كل غسلة ، ويمسح بطنه في الغسلتين الأولتين إلاّ أن يكون الميت امرأة حاملا ، وأن يكون الغاسل منه على الجانب الأيمن ، ويغسل الغاسل يديه مع كل غسلة ،

______________________________________________________

مسحا رفيقا ، ثم تحوّل إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم تثني بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله برفق ، وإياك والعنف ، واغسله غسلا ناعما ، ثم أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ، فاغسله بماء من قرنه إلى قدمه » (١) الحديث.

وفي رواية يونس : « ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك ، واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ثم أضجعه على جانبه الأيسر وصبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات » (٢) الحديث.

قوله : وتغسل يداه.

أي يدا الميت ثلاثا إلى نصف الذراع ، لخبر يونس عن الصادق عليه‌السلام.

قوله : ويبدأ بشقّ رأسه الأيمن ، ويغسل كل عضو ثلاث مرّات ، ويمسح بطنه في الغسلتين الأولتين.

هذه الأحكام كلها مستفادة من روايتي الكاهلي (٣) ويونس عنهم عليهم‌السلام. وفي رواية يونس : أنه يستحب للغاسل غسل يديه من المرفقين بعد الغسلتين الأوليين.

قوله : إلا أن تكون المرأة حاملا.

حذرا من الإجهاض ، قال في البيان : ولو أجهضت بذلك فعليه عشر دية أمه (٤).

__________________

(١) المتقدمة في ص (٧٨).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٤١ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٠١ ـ ٨٧٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٠ ) أبواب غسل الميت ب (٢) ح (٣).

(٣) المتقدمة في ص (٧٨).

(٤) قال في جامع المقاصد ( ١ : ٥١ ) ولا يمسح بطن الحامل التي مات ولدها حذرا من الإجهاض ، ولو أجهضت فعشر دية أمه ، نبه على ذلك في البيان انتهى. ولم نجده في البيان وإنما قال في ص : (٢٥) ، إلا الحامل وقد مات ولدها.

٩٠

ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ.

ويكره أن يجعل الميت بين رجليه ، وأن يقعده ، وأن يقصّ أظفاره ، وأن يرجّل شعره ، وأن يغسل مخالفا ، فإن اضطرّ غسله غسل أهل الخلاف.

______________________________________________________

قوله : ويكره أن يجعل الميت بين رجليه.

لقوله عليه‌السلام في خبر عمار : « ولا يجعله بين رجليه في غسله ، بل يقف من جانبه » (١).

قوله : وأن يقعده.

نقل الشيخ في الخلاف على هذا الحكم إجماع الفرقة وعملهم (٢). وقد ورد في عدة روايات الأمر بإقعاده (٣) ، وحملها الشيخ على التقية. ومال في المعتبر إلى العمل بمضمونها ، فقال : وأنا أقول : ليس العمل بهذه الأخبار بعيدا ، ولا معنى لتنزيلها على التقية ، لكن لا بأس أن يعمل بما ذكره الشيخ من تجنب ذلك ، والاقتصار على ما اتفق على جوازه (٤).

قوله : وأن يقصّ أظفاره ويرجّل شعره.

لورود النهي عنهما في مرسلة ابن أبي عمير ، عن الصادق عليه‌السلام (٥). وقيل بالمنع منهما (٦) أخذا بظاهر النهي ، وهو أحوط.

قوله : وأن يغسل مخالفا ، فإن اضطرّ غسله غسل أهل الخلاف.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٧٧ ).

(٢) الخلاف ( ١ : ٢٨٠ ).

(٣) منها المروي في التهذيب ( ١ : ٤٤٦ ـ ١٤٤٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٠٦ ـ ٧٢٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٨٣ ) أبواب غسل الميت ب (٢) ح (٩).

(٤) المعتبر ( ١ : ٢٧٨ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٥٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٢٣ ـ ٩٤٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٩٤ ) أبواب غسل الميت ب (١١) ح (١).

(٦) كما في الوسيلة : (٦٥).

٩١

الثالث : في تكفينه

ويجب أن يكفّن في ثلاثة أقطاع : مئزر وقميص وإزار.

______________________________________________________

المراد بالكراهة هنا معناها المتعارف في العبادات إن ثبت وجوب تغسيل المخالف ،وإلاّ كان تغسيله مكروها بالمعنى المصطلح أو محرما. وقد تقدم الكلام في ذلك.

وأما تغسيله غسل أهل الخلاف فربما كان مستنده ما اشتهر من قولهم عليهم‌السلام : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » (١). ولا بأس به.

قوله : ويجب أن يكفّن في ثلاث قطع : مئزر وقميص وإزار.

هذا هو المشهور بين الأصحاب بل قال في المعتبر : إنه مذهب فقهائنا أجمع خلا سلار ، فإنه اقتصر على ثوب واحد (٢).

والمستند في ذلك موثقة سماعة ، قال : سألته عما يكفن به الميت ، فقال : « ثلاثة أثواب ، وإنما كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة ـ والصحارية تكون باليمامة ـ وكفن أبو جعفر عليه‌السلام في ثلاثة أثواب » (٣).

ومرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام ، قال : « الكفن فريضته للرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنة ، وأما النساء ففريضته خمسة أثواب » (٤).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كتب أبي في وصيته أن أكفنه بثلاثة أثواب : أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر ،

__________________

(١) التهذيب ( ٩ : ٣٢٢ ـ ١١٥٦ ) ، الإستبصار ( ٤ : ١٤٨ ـ ٥٥٥ ) ، الوسائل ( ١٧ : ٤٨٥ ) أبواب ميراث الاخوة والأجداد ب (٤) ح (٥) ، بتفاوت يسير.

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٧٩ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٩١ ـ ٨٥٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٧ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (٦).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٩١ ـ ٨٥١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٧ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (٧).

٩٢

______________________________________________________

وقميص. فقلت لأبي : لم تكتب هذا؟ فقال : أخاف أن يغلبك الناس ، فإن قالوا :كفّنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل » وقال : « وعممه بعد بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن إنما يعدّ ما يلفّ به الجسد » (١).

وصحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبين أبيضين صحاريين » (٢).

وصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : العمامة للميت من الكفن؟ قال : « لا ، إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله ، فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنة » (٣). كذا في كثير من نسخ التهذيب ، وقد نقله كذلك المصنف في المعتبر (٤) ، والعلامة في جملة من كتبه (٥).

وفي بعض نسخ التهذيب : « ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه » وحمله الشهيد في الذكرى على التقية ، أو على أنه من باب عطف الخاص على العام (٦) ، وهو بعيد.

ولم نقف لسلار على حجة يعتد بها. واحتج له في الذكرى بهذه الرواية ، وهو إنما يتم إذا كانت الواو بمعنى أو ، ليفيد التخيير بين الأثواب الثلاثة والثوب التام ، وهو غير‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٤٤ ـ ٧ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٣ ـ ٤٢٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٩٣ ـ ٨٥٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٨ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (١٠). الا أن في الكافي والتهذيب : وعممني.

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٩٦ ـ ٨٦٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٦ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (٣).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٩٢ ـ ٨٥٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٦ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (١) ولكن فيهما : ثلاثة أثواب أو ثوب تام.

(٤) المعتبر ( ١ : ٢٧٩ ) وفيه : ثلاثة أثواب أو ثوب تام.

(٥) التذكرة ( ١ : ٤٣ ) ، ونهاية الأحكام ( ٢ : ٢٤٤ ).

(٦) الذكرى : (٤٦).

٩٣

______________________________________________________

واضح.

وبالجملة الأخبار الواردة بالأثواب الثلاثة مستفيضة ولا معارض لها ، فيتعين العمل بها.

ويستفاد من هذه الروايات التخيير في الواجب بين الأثواب الثلاثة وبين القميص والثوبين ، وهو اختيار ابن الجنيد (١) ، والمصنف في المعتبر (٢). وقال الشيخان (٣) ، والمرتضى (٤) ، وابن بابويه (٥) : يتعين القميص ، لوصية الباقر عليه‌السلام به (٦) ، ولما رواه الشيخ عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : فالكفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فليشدّ بها سفله ، ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » (٧) وهو محمول على الاستحباب ، كما يدل عليه رواية محمد بن سهل ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقميص أحب إلى » (٨).

وأما المئزر ، فقد ذكره الشيخان (٩) وأتباعهما (١٠) وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة‌

__________________

(١) نقله عنه المحقق في المعتبر ( ١ : ٢٧٩ ) ، والعلامة في التذكرة ( ١ : ٤٣ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٧٩ ).

(٣) المفيد في المقنعة : (١١) ، والشيخ في النهاية : (٣١) ، والمبسوط ( ١ : ١٧٦ ) ، والخلاف ( ١ : ٢٨٤ ).

(٤) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٢٩٧ ).

(٥) المقنع : (١٨) ، الفقيه ( ١ : ٩٢ ).

(٦) المتقدمة في ص (٩٢).

(٧) التهذيب ( ١ : ٤٤٧ ـ ١٤٤٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٠٥ ـ ٧٢٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٤٥ ) أبواب التكفين ب (١٤) ح (٥).

(٨) التهذيب ( ١ : ٢٩٢ ـ ٨٥٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٧ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (٥).

(٩) المفيد في المقنعة : (١١) ، والشيخ في النهاية : (٣١) ، والمبسوط ( ١ : ١٧٦ ) ، والخلاف ( ١ : ٢٨٤ ).

(١٠) منهم القاضي ابن البراج في المهذب ( ١ : ٦٠ ) ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : (٢٣٧).

٩٤

ويجزي عند الضرورة قطعة. ولا يجوز التكفين بالحرير.

______________________________________________________

المفروضة. ولم أقف في الروايات على ما يعطي ذلك ، بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد ، أو الأثواب الثلاثة ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه فقال : لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا ، أو ثوبين وقميصا (١).

وقريب منه عبارة الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، فإنه قال : والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة ، سوى العمامة والخرقة فلا تعدان من الكفن. وذكر قبل ذلك : أنّ المغسل للميت قبل أن يلبسه القميص يأخذ شيئا من القطن ، وينثر عليه ذريرة ، ويجعل شيئا من القطن على قبله ، ويضم رجليه جميعا ، ويشد فخذيه إلى وركه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شي‌ء (٢). ومقتضاه أنّ المئزر عبارة عن الخرقة المشقوقة التي يشد بها الفخذان.

والمسألة قوية الإشكال ، ولا ريب أنّ الاقتصار على القميص واللفافتين ، أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة والخرقة التي يشد بها الفخذان أولى.

قوله : ويجزي عند الضرورة قطعة.

وذلك لأن الضرورة تجوّز دفنه بغير كفن فبعضه أولى.

قوله : ولا يجوز التكفين بالحرير.

هذا الحكم ثابت بإجماعنا قاله في المعتبر (٣). ويدل عليه رواية الحسن بن راشد ، قال : سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن ، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال : « إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس » (٤) وجه الدلالة‌

__________________

(١) نقله عنه المحقق في المعتبر ( ١ : ٢٩٧ ) ، والعلامة في التذكرة ( ١ : ٤٣ ).

(٢) الفقيه ( ١ : ٩٢ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٨٠ ).

(٤) الكافي ( ٣ : ١٤٩ ـ ١٢ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٠ ـ ٤١٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٣٥ ـ ١٣٩٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١١ ـ ٧٤٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٥٢ ) أبواب التكفين ب (٢٣) ح (١). إلا أنّ الراوي في الكافي هو :الحسين بن راشد ، وما في المتن هو الموافق للتهذيب ، وهو الصحيح ( راجع معجم رجال الحديث ٥ : ٢٣٤ )

٩٥

ويجب أن يمسح مساجده بما تيسّر من الكافور ،

______________________________________________________

أنه عليه‌السلام شرط في رفع البأس أن يكون القطن أكثر ، فعلم منه أنه لو كان القزّ صرفا لم يجز. قال في المعتبر : والعصب ضرب من برود اليمن ، سمّي بذلك لأنه يصبغ بالعصب وهو نبت باليمن (١).

وإطلاق الخبر وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، واحتمل العلامة في النهاية كراهته للمرأة ، لإباحته لها في حال الحياة (٢) ، وهو ضعيف.

والأظهر عدم جواز التكفين بالجلد ، لأن الثوب إنما يطلق في العرف على المنسوج. أما الشعر والوبر فمنعه ابن الجنيد (٣) ، وأجازه في المعتبر (٤) ، لصدق اسم الثوب عليه ، وانتفاء المانع منه ، والاجتناب أولى.

قوله : ويجب أن يمسح مساجده بما تيسّر من الكافور.

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل عليه (٥) الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة (٦) ، وأضاف المفيد إلى المساجد السبعة : طرف الأنف الذي كان يرغم في السجود (٧) ، وألحق الصدوق : السمع ، والبصر ، والفم ، والمغابن ، وهي الآباط وأصول الأفخاذ (٨). والأخبار في ذلك مختلفة جدا ، فروى عبد الله بن سنان في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف يصنع بالحنوط؟ قال : « تضع في فمه ،

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٨١ ).

(٢) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٤٢ ).

(٣) نقله عنه المحقق في المعتبر ( ١ : ٢٨٠ ) ، والعلامة في التذكرة ( ١ : ٤٣ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٢٨٠ ).

(٥) في « م » : عن.

(٦) الخلاف ( ١ : ٢٨٥ ).

(٧) المقنعة : (١١).

(٨) الفقيه ( ١ : ٩١ ) ، المقنع : (١٨).

٩٦

إلا أن يكون الميت محرما ، فلا يقر به الكافور. وأقل الفضل في مقدار درهم.

وأفضل منه أربعة دراهم ، وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلثا. وعند الضرورة يدفن‌

______________________________________________________

ومسامعه ، وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه » (١).

وروى الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه ، ومفاصله كلها ، ورأسه ، ولحيته ، وعلى صدره من الحنوط » وقال : « الحنوط للرجل والمرأة سواء » (٢).

وروى يونس عنهم عليهم‌السلام قال : « ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده ، وامسح بالكافور على جميع مغابنه من اليدين والرجلين ، ومسّ وسط راحتيه » (٣) وينبغي العمل على الرواية الأولى ، لصحة سندها.

قوله : إلا أن يكون الميت محرما فلا يقربه الكافور.

أي في غسل ولا حنوط ، وقد ورد بذلك روايات كثيرة منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قال : سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال : « يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقرب طيبا » (٤).

قوله : وأقل الفضل في مقدار درهم ، وأفضل منه أربعة دراهم ، وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلثا.

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٣٠٧ ـ ٨٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٢ ـ ٧٤٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٤٧ ) أبواب التكفين ب (١٦) ح (٣).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٤٣ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٠٧ ـ ٨٩٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٢ ـ ٧٤٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٤٤ ) أبواب التكفين ب (١٤) ح (١).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٤٣ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٠٧ ـ ٨٨٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٤٤ ) ، أبواب التكفين ب (١٤) ح (٣) ، بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ( ١ : ٣٣٠ ـ ٩٦٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٩٧ ) أبواب غسل الميت ب (١٣) ح (٤).

٩٧

بغير كافور. ولا يجوز تطييبه بغير الكافور والذريرة.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب في تقدير الأفضل ، فقال الشيخان (١) وابن بابويه (٢) ـ رحمهم‌الله ـ : أقله مثقال ، وأوسطه أربعة دراهم ، وأكمل منه وزن ثلاثة عشر درهما وثلث. وقال الجعفي : أقله مثقال وثلث (٣). وقال ابن الجنيد : أقله مثقال ونصف ، وأوسطه أربعة مثاقيل (٤).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار ، فروى ابن أبي نجران عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال » (٥).

وروى أيضا عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال ونصف » (٦).

وروى الكاهلي وحسين بن المختار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الفضل من ذلك أربعة مثاقيل » (٧).

وروى علي بن إبراهيم رفعه قال : « السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره (٨) » (٩).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : (١١) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ١٧٧ ) ، والنهاية : (٣٢) ، والخلاف ( ١ : ٢٨٥ ).

(٢) الفقيه ( ١ : ٩١ ) ، والمقنع : (١٨).

(٣) نقله عنه في الذكرى : (٤٦).

(٤) نقله عنه في الذكرى : (٤٦).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٥١ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٩١ ـ ٨٤٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٣٠ ) أبواب التكفين ب (٣) ح (٢).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢٩١ ـ ٨٤٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٣١ ) أبواب التكفين ب (٣) ح (٥).

(٧) الكافي ( ٣ : ١٥١ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٩١ ـ ٨٤٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٣٠ ) أبواب التكفين ب (٣) ح (٣) ، بتفاوت يسير.

(٨) لفظة : أكثره ، ليست في « س ».

(٩) الكافي ( ٣ : ١٥١ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٩٠ ـ ٨٤٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٣٠ ) أبواب التكفين ب (٣) ح (١).

٩٨

وسنن هذا القسم :

أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه ، أو يتوضأ وضوء الصلاة.

وأن يزاد الرجل حبرة عبريّة غير مطرّزة بالذهب ،

______________________________________________________

قال في المعتبر بعد أن أورد هذه الأخبار : وفي الروايات كلها ضعف ، فإذا الواجب الاقتصار على ما يحصل به الامتثال ، ويحمل ذلك على الفضيلة (١). ونقل عن ابن إدريس أنه فسر المثاقيل الواردة في الروايات بالدراهم ، نظرا إلى قول الأصحاب (٢). وطالبه ابن طاوس بالمستند (٣).

واختلف الأصحاب في مشاركة الغسل للحنوط في هذه المقادير ، فنفاها الأكثر ، لمرفوعة علي بن إبراهيم المتقدمة ، وحكى ابن إدريس عن بعض الأصحاب المشاركة ، وقال : إن الأظهر بينهم خلافه (٤).

قوله : وسنن هذا القسم أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه أو يتوضأ وضوء الصلاة.

بل الأولى تقديم التكفين على الغسل ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : « يغسل يديه من العاتق ثم يكفنه ثم يغتسل » (٥).

وأما الوضوء فليس في النص ما يدل عليه أصلا فضلا عن تقديمه أو تأخيره.

قوله : وان يزاد الرجل حبرة عبريّة غير مطرزّة بالذهب.

الحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة : ثوب يمنية ، من التحبير وهو التحسين‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٨١ ).

(٢) السرائر : (٣٢).

(٣) نقله عنه في الذكرى : (٤٦).

(٤) السرائر : (٣٢).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٦٠ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٢٨ ـ ١٣٦٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٦٠ ) أبواب التكفين ب (٣٥) ح (١) ، بتفاوت يسير.

٩٩

______________________________________________________

والتزيين. وعبرية منسوبة إلى العبر : وهو جانب الوادي ، قاله في المعتبر ، ثم قال : وهذا ـ يعني استحباب زيادة الحبرة ـ مذهب علمائنا وأنكرها من عداهم (١) ، واستدل عليه بما رواه أبو مريم الأنصاري في الصحيح ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبين أبيضين صحاريين » ثم قال ، وقال : « إن الحسن بن علي عليهما‌السلام كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة ، وإن عليّا عليه‌السلام كفّن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة » (٢).

وما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كتب أبي في وصيته : أن أكفنه بثلاثة أثواب أحدها : رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي : لم تكتب هذا؟ فقال : أخاف أن يغلبك الناس فإن قالوا : كفّنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل ، قال : وعمّمه بعد بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن ، إنّما يعد ما يلفّ به الجسد » (٣).

وما رواه سماعة في الموثق ، قال : سألته عما يكفن به الميت؟ فقال : « ثلاثة أثواب ، وإنما كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين ، وثوب حبرة ، والصحارية تكون باليمامة » (٤).

وأنت خبير بأن هذه الروايات إنما تدل على استحباب كون الحبرة إحدى الأثواب الثلاثة ، لا على استحباب جعلها زيادة على الثلاثة كما ذكرها المتأخرون ، وبما ذكرناه‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٨٢ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٩٦ ـ ٨٦٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٦ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (٣).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٤٤ ـ ٧ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٣ ـ ٤٢٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٩٣ ـ ٨٥٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٨ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (١٠) ، إلا أن في الكافي والتهذيب : وعممني.

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٩١ ـ ٨٥٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢٧ ) أبواب التكفين ب (٢) ح (٦).

١٠٠