مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

______________________________________________________

استعمالها لا يتناول المستعمل. وحكي عن المفيد ـ رحمه الله تعالى ـ تحريمه (١). ولو استدل بقول عليّ عليه‌السلام : « إنما يجرجر في بطنه نار جهنم » أجبنا عنه بأن الحقيقة غير مرادة ، والمتبادر من المعنى المجازي كون ذلك سببا في دخول النار بطنه ، وهو لا يستلزم تحريم نفس المأكول والمشروب.

الثاني : قال في المعتبر : لو تطهر من آنية الذهب والفضة لم يبطل وضوؤه ولا غسله ، لأن انتزاع الماء ليس جزءا من الطهارة ، بل لا يحصل الشروع فيها إلاّ بعده ، فلا يكون له أثر في بطلان الطهارة (٢).

واستوجه العلاّمة في المنتهى البطلان (٣) ، لأن الطهارة لا تتم إلاّ بانتزاع الماء المنهي عنه ، فيستحيل الأمر بها ، لاشتماله على المفسدة (٤) ، وهو جيّد حيث يثبت التوقف المذكور ، أما لو تطهر منه مع التمكن من استعمال غيره (٥) قبل فوات الموالاة فالظاهر الصحة ، لتوجه الأمر باستعمال الماء حيث لا يتوقف على فعل محرم ، وخروج الانتزاع المحرم عن حقيقة الطهارة.

الثالث : الأقرب عدم تحريم اتخاذ غير الأواني من الذهب والفضة إذا كان فيه غرض صحيح كالميل ، والصفائح في قائم السيف ، وربط الأسنان بالذهب ، واتخاذ الأنف منه.

وفي جواز اتخاذ المكحلة وظرف الغالية (٦) من ذلك تردد ، منشؤه الشك في إطلاق‌

__________________

(١) المقنعة : (٩٠).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٥٦ ).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٨٦ ).

(٤) الجواهر ( ٦ : ٣٣٢ ). فيكون البطلان حينئذ لعدم تصور الأمر بالطهارة بعد توقفها على المقدمة المحرمة فيكون فرضه حينئذ التيمم لأن المنع الشرعي كالعقلي.

(٥) في « ح » زيادة : حتى في أثناء الوضوء.

(٦) الغالية : نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن ( النهاية لابن الأثير ٣ : ٣٨٣ ).

٣٨١

ويكره المفضّض ، وقيل : يجب اجتناب موضع الفضة. وفي جواز اتخاذها لغير الاستعمال تردد ، الأظهر المنع.

______________________________________________________

اسم الإناء حقيقة عليه. وكذا الكلام في تحلية المساجد والمشاهد بالقناديل من الذهب والفضة.

أما زخرفة السقوف والحيطان بالذهب فقال الشيخ في الخلاف : إنه لا نص في تحريمها ، والأصل الإباحة (١). ونقل عن ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ المنع من ذلك (٢) ( وهو أولى ) (٣) لما فيه من تعطيل المال وتضييعه في غير الأغراض الصحيحة (٤) ، وربما يرشد إليه فحوى قول الرضا عليه‌السلام في صحيحة محمد بن إسماعيل : « إن العباسي حين عذر عمل له قضيب ملبّس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضته نحوا من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن عليه‌السلام فكسر » (٥).

الرابع : يصح بيع هذه الآنية إن جوّزنا اتخاذها لغير الاستعمال ، أو كان المطلوب كسرها ووثق من المشتري بذلك ، ولو كسرها كاسر لم يضمن الأرش إن حرّمنا الاتخاذ ، لأنه لا حرمة لها.

قوله : ويكره : المفضّض ، وقيل : يجب اجتناب موضع الفضة.

اختلف الأصحاب في الأواني المفضضة ، فقال الشيخ في الخلاف : إن حكمها حكم الأواني المتخذة من الذهب والفضة (٦) ، لما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي‌

__________________

(١) الخلاف ( ١ : ٣٤١ ).

(٢) السرائر : (٢٠٧). قال في مقام ذكر المكاسب المحرمة : والأجرة على تزويق المساجد وزخرفها وفعل ذلك محرم.

(٣) ليست في « س » و « ح ».

(٤) في « س » و « ح » زيادة : وهو أحوط.

(٥) الكافي ( ٦ : ٢٦٧ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ٩ : ٩١ ـ ٣٩٠ ) ، المحاسن : ( ٥٨٢ ـ ٦٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٣ ) أبواب النجاسات ب (٦٥) ح (١) ، وفيها : العباس.

(٦) الخلاف ( ١ : ٨ ).

٣٨٢

ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها.

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تأكل في آنية من فضة ، ولا في آنية مفضضة » (١).

وقال في المبسوط : يجوز استعمالها لكن يجب عزل الفم عن موضع الفضة (٢). وهو اختيار العلاّمة في المنتهى (٣) ، وعامة المتأخرين ، لما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض ، واعزل فمك عن موضع الفضة » (٤) والأمر للوجوب.

وقال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٥) يستحب العزل ، لظاهر صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الشرب في القدح فيه ضبة فضة ، فقال : « لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها » (٦) وهو حسن ، فإن ترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم. والأظهر أنّ الآنية المذهبّة كالمفضّضة في الحكم ، بل هي أولى بالمنع.

قوله : ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها.

الوجه في ذلك أصالة الإباحة السالمة عن معارضة النص ، وربما علّل بعدم إدراك العامة نفاستها ، وبأنها لقلّتها لا يحصل اتخاذ الآنية منها إلاّ نادرا ، فلا يفضي إباحتها إلى‌

__________________

(١) الكافي ( ٦ : ٢٦٧ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ٩ : ٩٠ ـ ٣٨٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٥ ) أبواب النجاسات ب (٦٦) ح (١).

(٢) المبسوط ( ١ : ١٣ ).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٨٧ ).

(٤) التهذيب ( ٩ : ٩١ ـ ٣٩٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٦ ) أبواب النجاسات ب (٦٦) ح (٥).

(٥) المعتبر ( ١ : ٤٥٥ ).

(٦) التهذيب ( ٩ : ٩١ ـ ٣٩١ ) ، المحاسن : ( ٥٨٢ ـ ٦٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٦ ) أبواب النجاسات ب (٦٦) ح (٤).

٣٨٣

وأواني المشركين طاهرة حتى يعلم نجاستها.

______________________________________________________

اتخاذها واستعمالها بخلاف الأثمان ، ولا بأس به.

قوله : وأواني المشركين طاهرة حتى يعلم نجاستها.

لا فرق في الأواني بين كونها مستعملة أم لا ، وفي حكم الأواني سائر ما بأيديهم عدا الجلود واللحم حتى المائع إذا لم يعلم مباشرتهم له ، وتوقّف العلاّمة في التذكرة في طهارة المائع (١).

والوجه في الجميع أن ما عدا نجس العين يجب الحكم بطهارته ، تمسكا بمقتضى الأصل والعمومات إلى أن يحصل اليقين بملاقاته الشي‌ء من تلك الأعيان النجسة بإحدى الطرق المفيدة له ، ولا عبرة بالظن ما لم يستند إلى حجة شرعية ، لانتفاء الدليل على اعتباره ، وعموم النهي عن اتباعه ، وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم » (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام : « كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » (٣) وقوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه ، فإن ظن أنه أصابه ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء » (٤).

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر : إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه‌

__________________

(١) التذكرة ( ١ : ٩ ).

(٢) الفقيه ( ١ : ٤٢ ـ ١٦٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٣ ـ ٧٣٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٠ ـ ٦٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥٤ ) أبواب النجاسات ب (٣٧) ح (٥).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥٤ ) أبواب النجاسات ب (٣٧) ح (٤).

(٤) الكافي ( ٣ : ٥٤ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٢ ـ ٧٢٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٤).

٣٨٤

ولا يجوز استعمال شي‌ء من الجلود إلا ما كان طاهرا في حال الحياة ذكيّا.

______________________________________________________

السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن نجاسته ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (١).

وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ، ونساؤهم على تلك الحال ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها؟ قال : « نعم » قال معاوية : فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا (٢) ، ورداء من السابري ، ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة (٣).

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن علي الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي ، فقال : « يرشّ بالماء » (٤).

وفي الصحيح ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : الخيّاط والقصّار يكون يهوديا أو نصرانيا وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ، ما تقول في عمله؟ قال : « لا بأس » (٥).

قوله : ولا يجوز استعمال شي‌ء من الجلود إلا ما كان طاهرا في حال الحياة ذكيّا.

لا يخفى أنّ الذكاة إنما تعتبر في ذي النفس لا في غيره لطهارة ميتته. وإطلاق العبارة‌

__________________

(١) التهذيب ( ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣٩٢ ـ ١٤٩٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٩٥ ) أبواب النجاسات ب (٧٤) ح (١).

(٢) في جميع النسخ : إزارا ، وما أثبتناه كما في المصدر لاستقامة المعنى.

(٣) التهذيب ( ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٩٣ ) أبواب النجاسات ب (٧٣) ح (١).

(٤) التهذيب ( ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٩٣ ) أبواب النجاسات ب (٧٣) ح (٣).

(٥) التهذيب ( ٦ : ٣٨٥ ـ ١١٤٢ ).

٣٨٥

______________________________________________________

يقتضي عدم جواز استعمال الميتة في المائع واليابس ، وبه صرح في المعتبر (١) ، لعموم النهي عن الانتفاع بها ، وقد ورد ذلك في عدة روايات ، منها : رواية عليّ بن المغيرة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، الميتة ينتفع بشي‌ء منها؟ قال : « لا » (٢) وفي استفادة العموم بهذا المعنى من الرواية نظر.

والمشهور بين الأصحاب أنّ المنع من استعمال جلد الميتة ثابت قبل الدبغ وبعده ، لأن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ، وبه قطع المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٣) ، ونقله عن الستة وأتباعهم ، واحتج عليه بعموم النهي عن الانتفاع بالميتة ، وبأن المقتضي للنجاسة موجود ، ودليل الطهارة مفقود فتكون النجاسة ثابتة.

وقال ابن الجنيد : إن جلد الميتة يطهر بالدبغ إذا كان من حيوان طاهر في حال الحياة ، فيجوز الانتفاع به بعد ذلك في كل شي‌ء عدا الصلاة (٤). واحتج له في المختلف بما رواه الشيخ بسنده إلى الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحسين بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في جلد شاة ميّتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « نعم » وقال : « يدبغ فينتفع به ولا يصلّى فيه » (٥) وفي السند ضعف بالحسين بن زرارة ، فإنه مجهول.

ويمكن أن يستدل له أيضا بما رواه الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه ، عن الصادق عليه‌السلام : أنه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن والماء ما ترى‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٦٥ ).

(٢) الكافي ( ٦ : ٢٥٩ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ٢ : ٢٠٤ ـ ٧٩٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٠ ) أبواب النجاسات ب (٦١) ح (٢).

(٣) المعتبر ( ١ : ٤٦٣ ).

(٤) نقله عنه في المختلف : (٦٤) ، والذكرى : (١٦).

(٥) التهذيب ( ٩ : ٧٨ ـ ٣٣٢ ) ، الإستبصار ( ٤ : ٩٠ ـ ٣٤٣ ) ، الوسائل ( ١٦ : ٤٥٣ ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (٣٤) ح (٧).

٣٨٦

______________________________________________________

فيه؟ قال : « لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » (١) والظاهر أنه ـ رحمه الله تعالى ـ قائل بمضمونها ، لأنه ذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به أنه لا يورد في ذلك الكتاب إلاّ ما يفتي به ويحكم بصحته.

وبالجملة فالمسألة محل تردد ، لما بيناه فيما سبق من أنه ليس على نجاسة الميتة دليل يعتد به سوى الإجماع ، وهو إنما انعقد على النجاسة قبل الدبغ لا بعده ، وعلى هذا فيمكن القول بالطهارة تمسكا بمقتضى الأصل ، وتخرج الروايتان شاهدا.

واعلم : أن مقتضى العبارة توقف استعمال الجلد على ثبوت تذكيته بأحد الطرق المفيدة له ، ومقتضى ذلك المنع من استعمال ما لم تثبت تذكيته ، سواء علم موته حتف أنفه أم جهل حاله ، وبه قطع الشهيدان (٢) ـ قدس‌سرهما ـ والمحقق الشيخ علي (٣) ، واحتجوا عليه بأصالة عدم التذكية. ويشكل بأن مرجع الأصل هنا إلى استصحاب حكم الحالة السابقة ، وقد تقدم منا الكلام فيه مرارا ، وبيّنا أن الحق أن استمرار الحكم يتوقف على الدليل كما يتوقف عليه ابتداؤه ، لأن ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، فلا بد لدوامه من دليل وسبب سوى دليل الثبوت. ثم لو سلمنا أنه يعمل به فهو إنما يفيد الظن ، والنجاسة لا يحكم بها إلاّ مع اليقين أو الظن الذي ثبت اعتباره شرعا كشهادة العدلين إن سلم عمومه.

والحاصل : أن الجلد المطروح لمّا جاز كونه منتزعا من الميتة والمذكّى لم يكن اليقين بنجاسته حاصلا ، لانتفاء العلم بكونه منتزعا من الميتة ، فيمكن القول بطهارته كما في الدم المشتبه بالطاهر والنجس ، ويشهد له قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي :

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٩ ـ ١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥١ ) أبواب النجاسات ب (٣٤) ح (٥).

(٢) الشهيد الأول في الدروس : (٢٦) ، والشهيد الثاني في روض الجنان : (٢١٢).

(٣) جامع المقاصد ( ١ : ٨٥ ).

٣٨٧

ويستحب اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته.

ويستعمل من أواني الخمر ما كان مقيّرا أو مدهونا بعد غسله.

______________________________________________________

« صلّ فيه حتى تعلم أنه ميت بعينه » (١) وفي رواية أخرى : « ما علمت أنه ميتة فلا تصلّ فيه » (٢).

ولو دلت القرائن على التذكية فينبغي القطع بالطهارة ، ويدل عليه أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حفص بن البختري قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ، ولا يعلم أنه هدي قال : « ينحره ، ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مرّ به أنه صدقة » (٣).

قوله : ويستحب اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته.

خالف في ذلك الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في المبسوط والخلاف ، والمرتضى في المصباح ، فمنعا من استعمال جلد ما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته (٤). واحتج عليه في الخلاف بأن الإجماع واقع على جواز استعماله بعد الدباغ ولا دليل قبله. وضعفه ظاهر ، إذ يكفي في الدلالة : الأصل والعمومات السالمة من المعارض ، وإنما حكم المصنف باستحباب اجتنابه قبل الدباغ تفصيا من الخلاف كما نبه عليه في المعتبر.

قوله : ويستعمل من أواني الخمر ما كان مقيرا أو مدهونا بعد غسله.

أي بدهن يقويه ويمنع نفوذ الخمر في مسامه كالدهن الأخضر. والحكم بطهارة ما هذا شأنه بالغسل وجواز استعماله بعد ذلك في المائع والجامد ثابت بإجماع العلماء ، قاله في المعتبر والمنتهى (٥).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٤٠٣ ـ ٢٨ ) ، التهذيب ( ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٧١ ) أبواب النجاسات ب (٥٠) ح (٢).

(٢) التهذيب ( ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٧٢ ) أبواب النجاسات ب (٥٠) ح (٤).

(٣) الفقيه ( ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٧ ) ، الوسائل ( ١٠ : ١٣٠ ) أبواب الذبح ب (٣١) ح (١).

(٤) المبسوط ( ١ : ١٥ ) ، الخلاف ( ١ : ٦ ) ، ونقله عن المصباح في المعتبر ( ١ : ٤٦٦ ).

(٥) المعتبر ( ١ : ٤٦٧ ) ، المنتهى ( ١ : ١٩٠ ).

٣٨٨

ويكره ما كان خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهون.

______________________________________________________

قوله : ويكره ما كان خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهون.

هذا أحد القولين في المسألة ، اختاره الشيخ (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف ، وجمع من الأصحاب. وقال ابن الجنيد (٣) ، وابن البراج (٤) : ما ليس بصلب من أواني الخمر ، كالقرع والخشب لا يطهر بالغسل ولا يجوز استعماله فيما يفتقر إلى الطهارة ، غسل أو لم يغسل. والمعتمد الأول.

لنا : أنّ الواجب إزالة النجاسة المعلومة وقد حصل بالغسل ، لأن الماء أسرع نفوذا من غيره فيغلب وصوله إلى ما نفذ إليه الخمر. وأما كراهة استعماله فلورود النهي عنه ، وللتفصي من الخلاف.

احتج المخالف بأن للخمر حدّة ونفوذا فتستقرّ أجزاؤه في باطن الإناء ولا ينالها الماء ، وبرواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخشب والمزفّت » (٥).

والجواب عن الأول أولا بالمنع مما ذكره ، وثانيا بأن ذلك لا ينافي طهارة الظاهر ، وجواز استعماله إلى أن يعلم ترشح شي‌ء من أجزاء الخمر المستكنة في الباطن إليه.

وعن الرواية بأن النهي عن ذلك لا يتعين كونه للنجاسة ، إذ من الجائز أن يكون لاحتمال بقاء شي‌ء من أجزاء الخمر في ذلك الإناء فيتصل بما يحصل فيه من المأكول والمشروب.

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ١٥ ).

(٢) السرائر : (٣٧٣).

(٣) حكاه عنه في المعتبر ( ١ : ٤٦٧ ) ، والمنتهى ( ١ : ١٩٠ ).

(٤) المهذب ( ١ : ٢٨ ).

(٥) الكافي ( ٦ : ٤١٨ ـ ١ ) ، وفي التهذيب ( ١ : ٢٨٣ ـ ٨٢٩ ) والمعتبر ( ١ : ٤٦٧ ) بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ١٠٧٥ ) أبواب النجاسات ب (٥٢) ح (١).

٣٨٩

ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ، أولاهن بالتراب على الأصحّ.

______________________________________________________

قوله : ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ، أولاهن بالتراب على الأصحّ.

ولوغ الكلب : شربه مما في الإناء بطرف لسانه ، قاله الجوهري (١) ، وفي معناه لطعه الإناء بلسانه. وقد اختلف الأصحاب في كيفية طهارة الإناء من ذلك ، فذهب الأكثر إلى أنه إنما يطهر بغسله ثلاثا أولاهنّ بالتراب. وقال المفيد في المقنعة : يغسل ثلاثا وسطاهنّ بالتراب ، ثم يجفف (٢). وأطلق المرتضى في الانتصار (٣) ، والشيخ في الخلاف (٤) أنه يغسل ثلاث مرات إحداهن بالتراب ، وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : يغسل مرة بالتراب ومرتين بالماء (٥). وقال ابن الجنيد : يغسل سبعا إحداهن بالتراب (٦). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه أبو العباس الفضل في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في الكلب : « رجس نجس لا يتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (٧) كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث ، ونقله كذلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في مواضع من الخلاف (٨) ، والعلامة في المختلف (٩) ، إلا أنّ‌

__________________

(١) الصحاح ( ٤ : ١٣٢٩ ).

(٢) المقنعة : (٩).

(٣) الانتصار : (٩).

(٤) الخلاف ( ١ : ٤٧ ).

(٥) الفقيه ( ١ : ٨ ).

(٦) نقله عنه في المنتهى ( ١ : ١٨٨ ) ، والمختلف : (٦٣).

(٧) التهذيب ( ١ : ٢٢٥ ـ ٦٤٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩ ـ ٤٠ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٣ ) أبواب الأسئار ب (١) ح (٤).

(٨) الخلاف ( ١ : ٤٨ ، ٥٢ ) ، إلا أنه ذكر « المرتين » في ص (٤٧).

(٩) المختلف : ( ١٢ ، ٦٣ ).

٣٩٠

______________________________________________________

المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر نقله بزيادة لفظ مرتين بعد قوله « ثم بالماء » (١). وقلده في ذلك من تأخر عنه (٢) ، ولا يبعد أن تكون الزيادة وقعت سهوا من قلم الناسخ.

ومقتضى إطلاق الأمر بالغسل : الاكتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفير ، إلا أنّ ظاهر المنتهى وصريح الذكرى انعقاد الإجماع على تعدد الغسل بالماء (٣) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلا أمكن الاجتزاء بالمرة لحصول الامتثال بها.

احتج ابن الجنيد على ما نقل عنه (٤) بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب » (٥) وما رواه عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يغسل من الخمر سبعا وكذلك من الكلب » (٦).

والجواب الطعن في السند ، فإن الرواية الأولى عامية ، ورجال الثانية فطحية فلا تنهض حجة في معارضة الأصل وما نقلناه من الخبر الصحيح. ولم نقف للمفيد ـ رحمه الله تعالى ـ فيما ذهب إليه من توسيط التراب بين الغسلتين واعتبار التجفيف بعد الغسل (٧) على مستند.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : اعتبر ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ في التراب المزج بالماء تحصيلا لحقيقة‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٥٨ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٨٧ ، ١٨٨ ) ، الذكرى : (١٥).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٨٧ ، ١٨٨ ) ، الذكرى : (١٥).

(٤) في المعتبر ( ١ : ٤٥٨ ).

(٥) صحيح البخاري ( ١ : ٥٤ ) ، صحيح مسلم ( ١ : ٢٣٤ ـ ٩١ ) ، سنن أبي داود ( ١ : ١٩ ـ ٧١ ).

(٦) التهذيب ( ٩ : ١١٦ ـ ٥٠٢ ) ، الوسائل ( ١٧ : ٢٩٤ ) أبواب الأشربة المحرمة ب (٣٠) ح (٢).

(٧) المقنعة : (٩).

٣٩١

______________________________________________________

الغسل وهي جريان المائع على المحل المغسول (١) ، وقواه في المنتهى بعد التردد (٢) ، وجزم في المختلف بعدم اعتباره لانتفاء الحقيقة على تقدير المزج وعدمه ، فإن ذلك الإناء بالتراب الممتزج بالماء لا يسمى غسلا على الحقيقة (٣) ، وقد يقال : إن ذلك وإن لم يكن غسلا على الحقيقة لكنه أقرب إلى حقيقة الغسل من الدلك بالتراب الجافّ ، ومع تعذر الحقيقة يصار إلى أقرب المجازات.

وجزم الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى بإجزاء المزج وعدمه لإطلاق الخبر ، وحصول الإزالة للأجزاء اللعابية بهما (٤) ، وقيده جدي ـ قدس‌سره ـ بما إذا لم يخرج التراب بالمزج عن كونه ترابا وإلا لم يجز (٥). والمسألة محل تردد ، وإن كان الأقرب عدم اعتبار المزج.

الثاني : اعتبر العلامة في المنتهى طهارة التراب ، لأن المطلوب منه التطهير ، وهو غير مناسب بالنجس (٦). ويشكل بإطلاق النص وحصول الإنقاء بالطاهر والنجس.

الثالث : قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ : لو لم يوجد التراب ووجد ما يشبهه ـ كالأشنان ، والصابون ، والجصّ ، ونظائرها ـ أجزأ (٧) ، وبه قطع العلامة في جملة من كتبه (٨) ، والشهيد في البيان. وألحق بفقد التراب خوف فساد المحل باستعماله (٩).

__________________

(١) السرائر : (١٥).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٨٨ ).

(٣) المختلف : (٦٣).

(٤) الذكرى : (١٥).

(٥) المسالك ( ١ : ١٩ ).

(٦) المنتهى ( ١ : ١٨٩ ).

(٧) المبسوط ( ١ : ١٤ ).

(٨) كالمختلف : (٦٤) ، والقواعد ( ١ : ٩ ) ، والمنتهى ( ١ : ١٨٨ ) ، والتذكرة ( ١ : ٩ ).

(٩) البيان : (٤٠).

٣٩٢

______________________________________________________

والأصح خلافه ، لاختصاص التعبد بالتراب ، وعدم العلم بحصول المصلحة المطلوبة منه في غيره.

الرابع : ذكر الشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب أنه لو تعذر التراب سقط اعتباره وطهر الإناء بغسله مرتين بالماء. ويشكل بأنه عليه‌السلام أمر بغسله بالتراب ولم يوجد ، فلا يطهر المحل بدونه كما لو عدم الماء.

الخامس : هذا الحكم مختص بالولوغ ، فلو أصاب الكلب الإناء بيده أو برجله كان كغيره من النجاسات ، وألحق ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه بالولوغ الوقوع (٢) ، ولا نعلم مأخذه.

السادس : لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء ماء الولوغ أو ماء غسالة الولوغ لم يعتبر فيه العدد ولا التراب ، اقتصارا بالحكم على موضع النص.

وقال المحقق الشيخ علي ـ رحمه الله تعالى ـ : لو أصابت غسالة الإناء قبل التعفير إناء وجب تعفيره لأنها نجاسة الولوغ (٣). وهو لا يستلزم المدعى. وما أبعد ما بين هذا القول وقول الشيخ في الخلاف بعدم نجاسة غسالة إناء الولوغ مطلقا (٤).

السابع : قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا ولغ الكلب في إناء ثم وقع ذلك الإناء في الماء الكثير الذي بلغ كرا فما زاد لا ينجس الماء ، ويحصل له بذلك غسلة من جملة الغسلات ، ولا يطهر الإناء بذلك ، بل إذا تمّت غسلاته بعد ذلك طهر (٥).

ومقتضاه وجوب التعدد في الكثير أيضا ، وبه قطع في المعتبر ، إلا أنه اكتفى في تحقق‌

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ١٤ ).

(٢) الفقيه ( ١ : ٨ ).

(٣) جامع المقاصد ( ١ : ٢٠ ).

(٤) الخلاف ( ١ : ٤٩ ).

(٥) الخلاف ( ١ : ٤٨ ) ، المبسوط ( ١ : ١٤ ).

٣٩٣

______________________________________________________

التعدد في الجاري بتعاقب الجريتين عليه (١).

والأظهر أنه إنما يحسب له بوقوعه في الكثير غسلة أو غسلتان مع سبق التعفير ، وإلا لم يحصل له من الغسلات شي‌ء.

واستوجه العلامة في المختلف طهارة الإناء بوقوعه في الكثير (٢) ، وظاهره عدم اعتبار التعفير فيه ، واستدل عليه بأنه حال وقوعه في الكثير لا يمكن القول بنجاسته حينئذ لزوال عين النجاسة ، إذ التقدير ذلك. وهو ضعيف لأنا نمنع طهارة الإناء بدون التعفير ، ولا بعد في بقائه على النجاسة حال وقوعه في الكثير كما في جلد الميتة إذا وضع في (٣) كر من ماء ، فإن ذلك الماء يكون طاهرا مع بقاء الجلد على النجاسة.

الثامن : ليس الخنزير كالكلب في الولوغ ، وقال الشيخ في الخلاف الحكم واحد لأنه يسمى كلبا ، ولأن سائر النجاسات يجب غسل الإناء منها ثلاثا (٤). وهما ضعيفان.

أما الأول : فلأنا لا نسلم أنّ الخنزير يسمى كلبا ، ولو سمي كان مجازا ، واللفظ إنما ينصرف إلى الحقيقة.

وأما الثاني : فلمنع وجوب غسل الإناء من جميع النجاسات ثلاثا ، ولو سلم لم يشترط التراب.

والأجود غسل الإناء من ولوغ الخنزير سبعا ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي ابن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٦٠ ).

(٢) المختلف : (٦٤).

(٣) في « م » ، « س » ، « ق » : فيه.

(٤) الخلاف ( ١ : ٥٢ ).

٣٩٤

ومن الخمر والجرذ ثلاثا بالماء ، والسبع أفضل.

______________________________________________________

يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرات » (١).

قال في المعتبر : ونحن نحمله على الاستحباب (٢). وهو مشكل لانتفاء المعارض.

التاسع : لو نجس الإناء بولوغ الكلب والخنزير اكتفى في طهارته بغسله سبعا بعد التعفير ولا يجب التسع ، وكذا يتداخل العدد ولو اختلفت أنواع النجاسة مطلقا ، لصدق الامتثال كما قطع به الأصحاب ، ولا أعلم في ذلك خلافا.

قوله : ومن الخمر والجرذ ثلاثا بالماء والسبع أفضل.

الجرذ بضم الجيم وفتح الراء والذال المعجمة : كبير الفأرة بالهمزة ، وموضع الخلاف نجاستها المستندة إلى الموت.

وقد اختلف كلام الشيخ فيما يطهر به الإناء من الخمر وموت الجرذ فقال في النهاية والتهذيب : إنه يغسل من الخمر ثلاثا (٣). وقال في الخلاف : يغسل الإناء من جميع النجاسات ثلاث مرات (٤). وقال في المبسوط والجمل : يغسل الإناء من الخمر سبعا (٥). وقال في النهاية : يغسل لموت الفأرة سبعا (٦).

أما الثلاث في الخمر ، فمستنده رواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الإناء يشرب فيه الخمر ، هل يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال : « لا يجزيه حتى يدلكه‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦١ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٦٠ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٢ ) أبواب الأسئار ب (١) ح (٢).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٦٠ ).

(٣) النهاية : ( ٥٨٩ ، ٥٩٢ ) ، والتهذيب ( ١ : ٢٨٣ ).

(٤) الخلاف ( ١ : ٥٠ ).

(٥) المبسوط ( ١ : ١٥ ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٧١).

(٦) النهاية : (٥).

٣٩٥

ومن غير ذلك مرّة واحدة ، والثلاث أحوط.

______________________________________________________

بيده ويغسله ثلاث مرات » (١).

وأما السبع فيه ، فمستنده رواية عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : « يغسل سبع مرات » (٢).

وأما السبع في الجرذ ، فمستنده رواية عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعا » (٣) ولم أقف على نص يقتضي اعتبار الثلاث فيه.

وهذه الروايات كلها ضعيفة لانفراد الفطحية بها. والمعتمد الاجتزاء بالمرة في الجميع ، وهو اختيار المصنف في المعتبر ، فإنه قال في آخر كلامه : ويقوى عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ وفيما عداه على إزالة (٤) النجاسة وغسل الإناء بعد ذلك مرة واحدة لحصول الغرض من الإزالة ، ولضعف ما ينفرد به عمار وأشباهه ، وإنما اعتبرنا في الخمر والفأرة الثلاث ملاحظة لاختيار الشيخ ، والتحقيق ما ذكرناه (٥).

قوله : ومن غير ذلك مرّة واحدة ، والثلاث أحوط.

يندرج في قوله ومن غير ذلك : نجاسة البول وغيرها من سائر النجاسات ، والأصح الاكتفاء بالمرة المزيلة للعين في الجميع والاقتصار في اعتبار التعدد على نجاسة الثوب خاصة بالبول ، كما بيناه فيما سبق (٦).

__________________

(١) الكافي ( ٦ : ٤٢٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٨٣ ـ ٨٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٧٤ ) أبواب النجاسات ب (٥١) ح (١).

(٢) التهذيب ( ٩ : ١١٦ ـ ٥٠٢ ) ، الوسائل ( ١٧ : ٣٠٢ ) أبواب الأشربة المحرمة ب (٣٥) ح (٢).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٧٦ ) أبواب النجاسات ب (٥٣) ح (١).

(٤) في جميع النسخ الخطية ، والمصدر : ذلك ، وما أثبتناه من الحجري وهو الصواب.

(٥) المعتبر ( ١ : ٤٦٢ ).

(٦) في ص (٣٣٨).

٣٩٦

______________________________________________________

وقال الشيخ في الخلاف : يغسل الإناء من جميع النجاسات سوى الولوغ ثلاث مرات (١). واحتج عليه بطريقة الاحتياط ، إذ مع الغسلات الثلاث يحصل الإجماع على طهارته ، وبما رواه عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الإناء يكون قذرا ، قال : « يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء ويحرك ويفرغ » (٢).

والجواب : أن الاحتياط ليس بدليل شرعي ، والرواية ضعيفة السند بجماعة من الفطحية ، ومع ذلك فهي معارضة بما رواه عمار أيضا ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الاكتفاء بالمرة (٣). وهي أولى لأنها مطابقة لمقتضى البراءة الأصلية. والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

والحمد لله ربّ العالمين‌

__________________

(١) الخلاف ( ١ : ٥٠ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٧٦ ) أبواب النجاسات ب (٥٣) ح (١).

(٣) تقدمت في ص (٣٢٨).

٣٩٧
٣٩٨

فهرس

الجزء الثاني

الاستحاضة

صفة دم الاستحاضة........................................................... ٧

دم الحيض قد يكون بصفة دم الاستحاضة....................................... ٨

ما قل عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة.................................. ٩

حكم ما اجتمع مع الحمل من الدم.............................................. ٩

حكم الحائض إذا تجاوز دمها العشرة........................................... ١٢

حكم المبتدئة رجوع المبتدئة إلى التمييز......................................... ١٤

رجوع المبتدئة إلى عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمييز......................... ١٥

تحيض المبتدئة بسبعة أيام عند اختلاف نسائها................................... ١٨

ـ حكم ذات العادة......................................................... ٢١

ـ حكم المضطربة رجوع المضطربة إلى التمييز.................................. ٢٤

حكم ذاكرة العدد ناسية الوقت إذا فقدت التمييز............................... ٢٥

حكم ذاكرة الوقت ناسية العدد إذا فقدت التمييز............................... ٢٦

حكم ناسية الوقت والعدد إذا فقدت التمييز.................................... ٢٨

٣٩٩

أحكام المستحاضة

ـ أقسام الاستحاضة وأحكامها............................................... ٢٩

الاستحاضة القليلة........................................................... ٢٩

الاستحاضة المتوسطة......................................................... ٣١

الاستحاضة الكثيرة.......................................................... ٣٤

أحكام المستحاضة........................................................... ٣٧

عدم صحة صلاة المستحاضة لو أخلت بما عليها................................. ٣٨

حكم صوم المستحاضة لو أخلت بالأغسال..................................... ٣٨

بعض أحكام المستحاضة...................................................... ٤٠

النفاس

ـ بيان النفاس.............................................................. ٤٢

أقل النفاس.................................................................. ٤٤

حكم من ولدت ولم تر دما................................................... ٤٤

حكم من ترى الدم قبل الولادة............................................... ٤٤

أكثر النفاس................................................................ ٤٥

حكم الحامل باثنين.......................................................... ٤٩

حكم من لم تر الدم إلا في العاشر............................................. ٥٠

أحكام النفساء.............................................................. ٥٠

غسل النفساء............................................................... ٥١

أحكام الأموات

ـ الاحتضار................................................................ ٥٢

توجيه المحتضر إلى القبلة...................................................... ٥٢

كيفية التوجيه إلى القبلة...................................................... ٥٣

عدم سقوط التوجيه بالموت................................................... ٥٤

التوجيه فرض كفاية......................................................... ٥٤

استحباب تلقين المحتضر...................................................... ٥٥

٤٠٠