مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن كان يابسا رشّه بالماء استحبابا.

______________________________________________________

كان اللون نجسا لما اجتزأ بالصبغ.

قوله : وإذا لاقى الكلب والخنزير والكافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن كان يابسا رشّه بالماء استحبابا.

أما وجوب غسل الثوب إذا لاقاه أحد الثلاثة برطوبة فقد تقدم الكلام فيه ، وفرّق الصدوق في من لا يحضره الفقيه بين كلب الصيد وغيره ، فقال : ومن أصاب ثوبه كلب جافّ ولم يكن كلب صيد فعليه أن يرشش بالماء ، وإن كان رطبا فعليه أن يغسله ، وإن كان كلب صيد وكان جافا فليس عليه شي‌ء ، وإن كان رطبا فعليه أن يرششه بالماء (١). ولم نقف له في هذا التفصيل على مستند ، ويدفعه إطلاق الأمر بغسل الثوب من ملاقاة الكلب مع الرطوبة ، والرش مع اليبوسة من غير تفصيل.

وأما استحباب الرشّ مع اليبوسة فقال في المعتبر : إنه مذهب علمائنا أجمع (٢) ، ويدل عليه صحيحة أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب عليه الماء » (٣).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : في الخنزير يمس الثوب ، قال : « وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله » (٤) ولم أقف في استحباب الرش من ملاقاة الكافر مع اليبوسة على نصّ.

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٤٣ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٤٠ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٣٤ ) أبواب النجاسات ب (٢٦) ح (٢).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٦٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٧ ) أبواب النجاسات ب (١٣) ح (١).

٣٤١

______________________________________________________

ونقل عن ابن حمزة أنه أوجب الرش في هذه المواضع أخذا بظاهر الأمر (١). وهو ظاهر اختيار المفيد في المقنعة (٢) ، والصدوق في كتابه (٣). وهو محتمل إلا أنّ الاستحباب أقرب.

وقد ورد الأمر بالنضح في مواضع أخر ، منها : الفأرة إذا مشت على الثوب برطوبة ولم ير أثرها ، رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلى فيها؟ قال : « اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء » (٤).

ومنها : البول إذا شك في إصابته الثوب والجسد ، رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يبول بالليل فيحسب أن البول أصابه فلا يستيقن ، فهل يجزيه أن يصب على ذكره إذا بال ولا ينشف؟ قال : « يغسل ما استبان أنه أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه وينشف قبل أن يتوضأ » (٥).

وكذا الكلام في المني لقول الصادق عليه‌السلام في حسنة الحلبي : « فإن ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء » (٦).

وجزم العلامة في المنتهى باستحباب النضح مع الشك في النجاسة مطلقا (٧).

__________________

(١) الوسيلة : (٧٧).

(٢) المقنعة : (١٠).

(٣) الفقيه ( ١ : ٤٣ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٤٩ ) أبواب النجاسات ب (٣٣) ح (٢).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٢١ ـ ١٢٣٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥٣ ) أبواب النجاسات ب (٣٧) ح (٢).

(٦) الكافي ( ٣ : ٥٤ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٢ ـ ٧٢٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٤).

(٧) المنتهى ( ١ : ١٨٠ ).

٣٤٢

وفي البدن يغسل رطبا ، وقيل : يمسح يابسا ، ولم يثبت.

______________________________________________________

والتعميم يتوقف على الدليل.

ومنها : بول البغال والحمير والدواب إذا شك في إصابتها الثوب ، رواه محمد بن مسلم في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمير ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله ، فإن شككت فانضحه » (١).

ومنها : المذي إذا أصاب الثوب ، رواه محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن المذي يصيب الثوب ، قال : « ينضحه بالماء إن شاء » (٢).

ومنها : بول البعير والشاة ، رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تصيبه أبوال البهائم ، أيغسله أم لا؟ قال : « يغسل بول الفرس والبغل والحمار ، وينضح بول البعير والشاة ، وكل شي‌ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله » (٣).

قوله : وفي البدن يغسل رطبا ، وقيل : يمسح يابسا ، ولم يثبت.

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط ، ومقتضى كلامه عدم اختصاص الحكم بهذه النجاسات ، فإنه قال : كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وكانت يابسة لا يجب غسلها وإنما يستحب مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب (٤). ورده المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ بعدم ثبوت مأخذه ، وهو كذلك ، فإنا لم نقف له على مستند.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٥٧ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦٤ ـ ٧٧١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٨ ـ ٦٢٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٦ ) أبواب النجاسات ب (٧) ح (٦).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٦٧ ـ ٧٨٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٣ ) أبواب النجاسات ب (١٧) ح (١).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤٢٢ ـ ١٣٣٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١١ ) أبواب النجاسات ب (٩) ح (٩).

(٤) المبسوط ( ١ : ٣٨ ).

٣٤٣

وإذا أخلّ المصلّي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه. فإن لم يعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة مطلقا وقيل : يعيد في الوقت ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : وإذا أخلّ المصلّي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه ، فإن لم يعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة وقيل : يعيد في الوقت ، والأول أظهر.

إذا أخلّ المصلي بإزالة النجاسة التي تجب إزالتها في الصلاة عن ثوبه أو بدنه ، فإما أن يكون عالما بالنجاسة ذاكرا لها حالة الصلاة ، أو ناسيا ، أو جاهلا ، فهنا مسائل ثلاث :

الاولى : أن يسبق علمه بالنجاسة ويصلي ذاكرا لها ، وتجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، قال في المعتبر : وهو إجماع من جعل طهارة البدن والثوب شرطا (١).

وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في العالم بالنجاسة بين أن يكون عالما بالحكم الشرعي أو جاهلا ، بل صرح العلامة وغيره (٢) : بأنّ جاهل الحكم عامد ، لأن العلم ليس شرطا للتكليف. وهو مشكل لقبح تكليف الغافل.

والحق أنهم إن أرادوا بكون الجاهل كالعامد : أنه مثله في وجوب الإعادة في الوقت مع الإخلال بالعبادة فهو حق ، لعدم حصول الامتثال ، المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة.

وإن أرادوا أنه كالعامد في وجوب القضاء فهو على إطلاقه مشكل ، لأن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل ، فإن ثبت مطلقا أو في بعض الصور ثبت الوجوب وإلا فلا.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٤١ ).

(٢) كالشهيد الأول في الدروس : (١٨).

٣٤٤

______________________________________________________

وإن أرادوا أنه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل ، لأن تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق. نعم هو مكلف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل أو الشرع ، فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول كما هو واضح.

الثانية : أن يكون ناسيا للنجاسة ويصلي ثم يذكر ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه. فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، والمفيد في المقنعة ، والمرتضى في المصباح ، وابن إدريس : إلى أنه كالذاكر يجب عليه الإعادة في الوقت ، والقضاء في خارجه (١). ونقل عن ابن إدريس أنه ادعى الإجماع على ذلك واعترف بأنه لو لا الإجماع لما صار إليه (٢).

وحكى العلامة في التذكرة عن الشيخ في بعض أقواله عدم وجوب الإعادة مطلقا (٣). وقال الشيخ في الاستبصار يعيد في الوقت لا في خارجه (٤).

ومنشأ الخلاف في هذه المسألة اختلاف الروايات ظاهرا ، فروى الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ عن محمد بن علي بن محبوب وسعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : « لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له » (٥) وهذه الرواية مع صحة‌

__________________

(١) النهاية : (٥٢) ، والمبسوط ( ١ : ٣٨ ) ، والخلاف ( ١ : ١٨٧ ) ، والمقنعة : (٢٤) ، ونقل عن المصباح في المعتبر ( ١ : ٤٤١ ) ، والسرائر : (٣٧).

(٢) السرائر : (٥٨).

(٣) التذكرة ( ١ : ٩٧ ).

(٤) الاستبصار ( ١ : ١٨٤ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٢٣ ـ ١٣٤٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٣ ـ ٦٤٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٣ ) أبواب النجاسات ب (٤٢) ح (٣).

٣٤٥

______________________________________________________

سندها كالصريحة في عدم الإعادة في الوقت وخارجه كما يدل عليه التعليل المستفاد من‌ قوله عليه‌السلام : « قد مضت الصلاة وكتبت له ».

ويظهر من المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر الميل إلى العمل بمضمونها ، فإنه قال : وعندي أنّ هذه الرواية حسنة ، والأصول تطابقها ، لأنه صلى صلاة مشروعة مأمورا بها فيسقط الفرض بها ، ويؤيد ذلك قوله عليه‌السلام : « غفر لأمتي الخطأ والنسيان » (١). هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى.

والظاهر أنّ مراده بالحسن هنا خلاف المعنى المصطلح عليه بين المحدثين ، فإن سند هذه الرواية في أعلى مراتب الصحة ، فما ذكره بعض الأصحاب من أن هذه الرواية حسنة وأنها لا تقاوم الأخبار الصحيحة (٢) وهم نشأ من عبارة المعتبر.

وبإزاء هذه الرواية أخبار كثيرة دالة على ثبوت الإعادة كصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وقد حضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصليت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك قال : « تعيد الصلاة وتغسله » (٣).

وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثم يعلم فينسى أن يغسله ، فيصلي ثم يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته؟ قال : « يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٤١ ).

(٢) كالشهيد الثاني في روض الجنان : (١٦٨).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٣ ) أبواب النجاسات ب (٤٢) ح (٢).

٣٤٦

______________________________________________________

فيغسله ويعيد الصلاة » (١) ومثله روى محمد بن مسلم ـ في الحسن ـ (٢) ، وسماعة (٣) ، وأبو بصير (٤) ، عن الصادق عليه‌السلام ، وبهذه الروايات تمسك الثلاثة وأتباعهم في وجوب الإعادة والقضاء.

وجمع الشيخ في الاستبصار (٥) بين الأخبار بحمل الروايات المتضمنة للإعادة على أنّ المراد بنفي الإعادة في الوقت ، وحمل الرواية الأولى على كون الذكر خارج الوقت ، وأنّ المراد بنفي الإعادة نفي القضاء ، واستدل على هذا التأويل بما رواه عن علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل ، وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله ، وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى ، فأجابه بجواب قرأته بخطه : « أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلا ما تحقق ، فإن تحققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت ، وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٥٥ ـ ٧٤٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٦ ـ ٦١١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٦ ) أبواب النجاسات ب (٢٠) ح (١).

(٢) الكافي ( ٣ : ٥٩ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٥ ـ ٦٠٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٧ ) أبواب النجاسات ب (٢٠) ح (٦).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٤ ) أبواب النجاسات ب (٤٢) ح (٥).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٠ ) أبواب النجاسات ب (٤٠) ح (٧).

(٥) الاستبصار ( ١ : ١٨٤ ).

٣٤٧

______________________________________________________

الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد » (١) وهي مع تطرق الضعف إليها من حيث السند بجهالة الكاتب ، مجملة المتن أيضا ، بل ربما أفادت بظاهرها عدم اعتبار طهارة محالّ الوضوء ، وهو مشكل ، إلا أن يحمل قوله : « فإن تحققت ذلك » على أنّ المراد : فإن تحققت وصول البول إلى بدنك (٢) على وجه لا يكون في أعضاء الوضوء وقوله : « لأن الثوب خلاف الجسد » يمكن أن يكون المراد به أنّ نجاسة الثوب العينية خلاف نجاسة البدن الحكمية.

والأظهر عدم وجوب الإعادة لصحة مستنده ، ومطابقته لمقتضى الأصل والعمومات ، وحمل ما تضمن الأمر بالإعادة على الاستحباب.

الثالثة : أن يكون جاهلا بالنجاسة ولم يعلم حتى فرغ من صلاته ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه أيضا ، فقال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في موضع من النهاية (٣) ، والمفيد (٤) ، والمرتضى (٥) ، وابن إدريس (٦) : إنه لا إعادة عليه مطلقا. وقال في المبسوط : يعيد في الوقت لا في خارجه (٧) ، واختاره في باب المياه من النهاية أيضا (٨) ، وظاهرهم الاتفاق على عدم وجوب القضاء لو لم يعلم حتى خرج الوقت ، ونقل عليه ابن فهد ـ رحمه‌الله ـ في المهذب الإجماع صريحا (٩) ، وربما ظهر من عبارة المنتهى تحقق الخلاف‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٢٦ ـ ١٣٥٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٤ ـ ٦٤٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٣ ) أبواب النجاسات ب (٤٢) ح (١).

(٢) في « م » و « ق » : يديك.

(٣) النهاية : (٥٢).

(٤) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٤٤٢ ).

(٥) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٤٤٢ ).

(٦) السرائر : (٣٧).

(٧) المبسوط ( ١ : ٣٨ ).

(٨) النهاية : (٨).

(٩) المهذب البارع ( ١ : ٢٤٧ ).

٣٤٨

______________________________________________________

فيه أيضا (١). والمعتمد عدم وجوب الإعادة مطلقا.

لنا : إنه صلى صلاة مأمورا بها شرعا فكانت مسقطة للفرض ، لأن الأمر يقتضي الإجزاء ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد » (٢).

وعن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الدم الزائد على قدر الدرهم ، قال : « وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة » (٣).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول ، ثم قال : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول » (٤).

قال الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى بعد نقل هذه الرواية : ولو قيل : لا إعادة على من اجتهد قبل الصلاة ويعيد غيره أمكن ، لهذا الخبر ، ولقول الصادق عليه‌السلام في المني تغسله الجارية ثم يوجد : « أعد صلاتك ، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء » إن لم يكن إحداث قول ثالث (٥).

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٨٣ ). حيث قال : وبه قال أكثر علمائنا.

(٢) التهذيب ( ٢ : ٣٥٩ ـ ١٤٨٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٠ ـ ٦٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٠ ) أبواب النجاسات ب (٤٠) ح (٥).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٥٥ ـ ٧٣٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٥ ـ ٦١٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٦ ) أبواب النجاسات ب (٢٠) ح (٢).

(٤) الفقيه ( ١ : ١٦١ ـ ٧٥٨ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٢ ـ ٧٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٢).

(٥) الذكرى : (١٧).

٣٤٩

______________________________________________________

قلت : ليس في هاتين الروايتين دلالة على ثبوت الإعادة على جاهل النجاسة مع انتفاء الاجتهاد ، أما الثانية فظاهر ، لأنها إنما دلت على الإعادة مع الصلاة في الثوب الذي غسلته الجارية لعدم وقوع الغسل على الوجه المعتبر وهو خلاف محل النزاع ، وقوله : « أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء » يمكن أن يكون المراد به : أنك لو غسلته لأزلت النجاسة فلم يكن عليك الإعادة.

وأما الأولى فلأنها إنما تدل على ثبوت الإعادة مع انتفاء الشرط ، وهو النظر في الثوب من باب دليل الخطاب ، وهو غير حجة إذا كان الشرط مخرجا مخرج الغالب كما قرر في محله.

احتج الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في المبسوط على ما نقل عنه بأنه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة ، فكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ (١).

والجواب بالمنع من الملازمة ، فإن ذلك يتوقف على الدليل ولم يثبت.

ويمكن أن يستدل له أيضا بما رواه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الصحيح ، عن وهب بن عبد ربه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه ، فيصلي فيه ثم يعلم بعد ، قال : « يعيد إذا لم يكن علم » (٢).

وأجاب عنها في التهذيب بالحمل على أنه إذا لم يعلم في حال الصلاة وكان قد سبقه العلم بحصول النجاسة في الثوب ، وهو بعيد. والأولى حملها على الاستحباب ، مع أنّ متنها لا يخلو من شي‌ء ، ولا يبعد أن يكون : « لا يعيد إذا لم يكن علم » فتوهم الراوي وأسقط حرف النفي. والله أعلم (٣).

__________________

(١) لم نعثر عليه في المبسوط ، نعم نقل احتجاج الشيخ في المنتهى ( ١ : ١٨٤ ).

(٢) التهذيب ( ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨١ ـ ٦٣٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٠ ) أبواب النجاسات ب (٤٠) ح (٨).

(٣) الجواهر ( ٦ : ٢١٢ ). بل ربما احتمل كون الشرط من الراوي أكدّ به سؤاله فيما إذا لم يكن علم.

٣٥٠

ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة ، فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتمّ ، وإن تعذر إلا بما يبطلها استأنف.

______________________________________________________

قوله : ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة ، فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتمّ ، وإن تعذر إلا بما يبطلها استأنف.

إذا وجد المصلي على ثوبه أو جسده نجاسة وهو في الصلاة فإما أن يعلم سبقها على الصلاة أو لا.

فهنا مسألتان :

إحداهما : أن يعلم السبق ، وقد صرح الشيخ في النهاية والمبسوط (١) ، والمصنف : بأنه يجب عليه إزالة النجاسة ، أو إلقاء الثوب النجس وستر العورة بغيره مع الإمكان وإتمام الصلاة ، وإن لم يمكن إلا بفعل المبطل ، كالفعل الكثير والاستدبار بطلت صلاته واستقبلها بعد إزالة النجاسة.

قال في المعتبر : وعلى قول الشيخ الثاني يستأنف (٢). وأشار بالقول الثاني إلى ما نقله عن المبسوط من إعادة الجاهل الذي لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته في الوقت.

ويشكل بمنع الملازمة ، إذ من الجائز أن تكون الإعادة لوقوع الصلاة بأسرها مع النجاسة فلا يلزم مثله في البعض ، وبأنّ الشيخ قطع في المبسوط بوجوب المضي في الصلاة مع التمكن من إلقاء الثوب وستر العورة بغيره مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في الوقت.

وقد اختلفت الروايات في ذلك ، فروى زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني ـ والحديث طويل قال في آخره ـ قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : « تنقض الصلاة » (٣).

__________________

(١) النهاية : (٩٦) ، والمبسوط ( ١ : ٣٨ ، ٩٠ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٤٣ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ) ، علل الشرائع : ( ٣٦١ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٦ ) أبواب النجاسات ب (٧) ح (٢).

٣٥١

______________________________________________________

وروى محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة » (١).

ومقتضى هاتين الروايتين تعين القطع مطلقا سواء تمكن من إلقاء الثوب وستر العورة بغيره أم لا.

وروى محمد بن مسلم في الحسن قال ، قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : « إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك » (٢).

وروى علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله ، فذكر وهو في صلاته ، كيف يصنع به؟ قال : « إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله » (٣).

ومقتضى هاتين الروايتين وجوب المضي في الصلاة ، لكنه اعتبر في الأولى طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره.

والجمع بين الروايات يتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستيناف على الاستحباب وإن جاز المضي في الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره ، وإلاّ مضى مطلقا. ولا بأس بالمصير إلى ذلك وإن كان الاستئناف مطلقا أولى.

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ١٦١ ـ ٧٥٨ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٢ ـ ٧٣٠ ) ، التهذيب ( ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٢) ، وص (١٠٦٢) ب (٤١) ح (٢).

(٢) الكافي ( ٣ : ٥٩ ـ ٣ ) ، الفقيه ( ١ : ١٦١ ـ ٧٥٨ ) بتفاوت يسير ، التهذيب ( ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٥ ـ ٦٠٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٧ ) أبواب النجاسات ب (٢٠) ح (٦).

(٣) الكافي ( ٣ : ٦١ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٦٠ ) ، البحار ( ١٠ : ٢٥٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٧ ) أبواب النجاسات ب (١٣) ح (١).

٣٥٢

______________________________________________________

وثانيتهما : أن لا يعلم السبق ، والأظهر وجوب طرح النجاسة أو غسلها وإتمام الصلاة ما لم يكثر الفعل ، وإلا استأنف. وقطع في المعتبر بوجوب الاستئناف هنا بناء على القول بإعادة الجاهل في الوقت (١) ، وهو أشكل من السابق.

لنا على وجوب الاستمرار مع التمكن من الإزالة بدون الفعل الكثير : الأصل السالم عما يصلح للمعارضة ، لاختصاص الروايتين المتضمنتين للاستئناف بما إذا كانت النجاسة متقدمة على الصلاة.

وعلى الاستئناف مع توقف الإزالة على الفعل الكثير : صحيحة معاوية بن وهب البجلي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرعاف أينقض الوضوء؟ قال : « لو أنّ رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها » (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يأخذه الرعاف والقي‌ء في الصلاة ، كيف يصنع؟ قال : « ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته ، وإن تكلم فليعد صلاته وليس عليه وضوء » (٣).

وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلي بهم المكتوبة فيعرض له رعاف. كيف يصنع؟ قال : « يخرج ، فإن وجد ماءا قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد وليبن على صلاته » (٤) ومقتضى هذين الخبرين البناء مع عدم الكلام مطلقا ، إلا أني لا أعلم به قائلا.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٤٣ ).

(٢) التهذيب ( ٢ : ٣٢٧ ـ ١٣٤٤ ) ، الوسائل ( ٤ : ١٢٤٦ ) أبواب قواطع الصلاة ب (٢) ح (١١).

(٣) الكافي ( ٣ : ٣٦٥ ـ ٩ ) ، التهذيب ( ٢ : ٣١٨ ـ ١٣٠٢ ) و ( ٣٢٣ ـ ١٣٢٣ ) ، الاستبصار ( ١ : ٤٠٣ ـ ١٥٣٦ ) الوسائل ( ٤ : ١٢٤٤ ) أبواب قواطع الصلاة ب (٢) ح (٤).

(٤) التهذيب ( ٢ : ٣٢٨ ـ ١٣٤٥ ) ، الاستبصار ( ١ : ٤٠٣ ـ ١٥٣٧ ) ، قرب الإسناد : (٦٠) ، الوسائل ( ٤ : ١٢٤٦ ) أبواب قواطع الصلاة ب (٢) ح (١٢).

٣٥٣

______________________________________________________

فروع : الأول : لو علم بالنجاسة السابقة في أثناء الصلاة ، لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة والاستئناف ، فقد قطع الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في البيان بوجوب الاستمرار (١) ، ومال إليه في الذكرى ، موجها له باستلزامه القضاء المنفي (٢). ويشكل بانتفاء ما يدل على بطلان اللازم مع إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة.

والحق بناء هذه المسألة على أنّ ضيق الوقت عن إزالة النجاسة هل يقتضي انتفاء شرطيتها أم لا؟ بمعنى أن المكلف إذا كان على بدنه أو ثوبه نجاسة وهو قادر على الإزالة لكن إذا اشتغل بها خرج الوقت فهل يسقط وجوب الإزالة ويتعين فعل الصلاة بالنجاسة؟ أو يتعين عليه الإزالة والقضاء لو خرج الوقت؟ وهي مسألة مشكلة من حيث إطلاق النصوص المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة المتناول لهذه الصورة ، ومن أنّ وجوب الصلوات الخمس في الأوقات المعينة قطعي ، واشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم فلا يترك لأجله المعلوم. وقد سبق نظير المسألة في التيمم إذا ضاق الوقت عن الطهارة المائية والأداء مع وجود الماء عنده.

الثاني : لو وقعت عليه نجاسة وهو في الصلاة ، ثم زالت ولم يعلم ، ثم علم استمر على حاله. قال في المعتبر : وعلى القول الثاني ـ يعني إعادة الجاهل في الوقت ـ يستأنف (٣). والحق عدم توجه الاستئناف على هذا القول أيضا كما بيناه.

الثالث : لو صلى ثم رأى النجاسة وشك هل كانت عليه في الصلاة أم لا ، فالصلاة ماضية. قال في المنتهى : ولا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم ، عملا بالأصلين : الصحة وعدم النجاسة (٤).

__________________

(١) البيان : (٤٢).

(٢) الذكرى : (١٧).

(٣) المعتبر ( ١ : ٤٤٣ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٨٤ ).

٣٥٤

والمربيّة للصبيّ إذا لم يكن لها ثوب إلا واحد غسلته كل يوم مرّة. وإن جعلت تلك الغسلة في آخر النهار أمام صلاة الظهر كان حسنا.

______________________________________________________

قوله : والمربيّة للصبيّ إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته كل يوم مرّة ، وإن جعلت تلك الغسلة في آخر النهار أمام صلاة الظهر كان حسنا.

هذا الحكم ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط (١) ، ووافقه عليه المتأخرون (٢) ، ومستنده رواية أبي حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص ولها مولود فيبول عليها ، كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في اليوم مرة » (٣) وهي ضعيفة السند باشتراك أبي حفص بين الثقة والضعيف ، وبأنّ من جملة رجالها محمد بن يحيى المعاذي وقد ضعفه العلامة في الخلاصة (٤).

والأولى وجوب الإزالة مع الإمكان وسقوطها مع المشقة الشديدة دفعا للحرج.

ثم إن قلنا بالعفو فينبغي القطع بعدم الفرق بين الصبي والصبية لشمول اسم المولود لهما ، وقصر الرخصة على نجاسة ثوب المربية للمولود ببوله فلا يتناول المربي (٥) ، ولا غير البول من سائر نجاساته ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص.

وذكر المصنف وغيره (٦) أنّ الأولى جعل الغسل في آخر النهار أمام صلاة الظهر لتصلي فيه أربع صلوات مع الطهارة أو قلة النجاسة ، وهو حسن.

__________________

(١) النهاية : (٥٥) ، والمبسوط ( ١ : ٣٩ ).

(٢) منهم العلامة في المنتهى ( ١ : ١٧٦ ) ، والشهيد الأول في البيان : (٤١) ، والشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ١٨ ).

(٣) الفقيه ( ١ : ٤١ ـ ١٦١ ) وفيه : مرسلا ، التهذيب ( ١ : ٢٥٠ ـ ٧١٩ ) ، المقنع : (٥) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٤ ) أبواب النجاسات ب (٤) ح (١).

(٤) خلاصة العلامة : ( ٢٥٤ ـ ٣٢ ).

(٥) الجواهر ( ٦ : ٢٣٨ ). لا فرق في المربية بين أن تكون أمّا أو من غيرها من مستأجرة أو متبرعة ، وحرة وأمة.

(٦) منهم العلامة في المنتهى ( ١ : ١٧٦ ) ، والشهيد الأول في البيان : (٤١).

٣٥٥

وإن كان مع المصلّي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا على الأظهر.

______________________________________________________

وهل يجب إيقاع الصلاة عقيب غسل الثوب والتمكن من لبسه؟ الأظهر ذلك إن اقتضت العادة نجاسته مع التأخير.

ولو أخلّت بالغسل وجب عليها قضاء آخر الصلوات (١) ، لأنها محل التضيق وصلاتها من قبل كانت جائزة ، لجواز تأخير الغسل.

وعندي في جميع هذه الأحكام توقف لضعف المستند. وإلحاق هذه النجاسة بغيرها من النجاسات في وجوب الإزالة مع الإمكان أولى وأحوط.

قوله : وإن كان مع المصلّي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلى الصلاة الواحدة ، في كل واحد منهما منفردا على الأظهر.

هذا قول الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب. ونقل في الخلاف عن بعض علمائنا أنه يطرحهما ويصلي عريانا ، وجعله في المبسوط رواية ، واختاره ابن إدريس (٣). والمعتمد الأول.

لنا : أنه متمكن من الصلاة في ثوب طاهر من غير مشقة فتعين عليه ، وأنّ الصلاة في الثوب المتيقن النجاسة سائغة ، بل ربما كانت متعينة ـ على ما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى ـ فالمشكوك فيه أولى. ومتى امتنع الصلاة عاريا ثبت وجوب الصلاة في أحدهما أو في كل منهما ، إذ المفروض انتفاء غيرهما ، والأول منتف إذ لا قائل به فيثبت الثاني. ويدل عليه ما رواه صفوان بن يحيى في الحسن ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : إنه كتب‌

__________________

(١) الجواهر ( ٦ : ٢٣٨ ). لعل المراد باخر الصلوات فريضة العصر لأنها التي يحصل الإخلال عندها ويتضيق وقت الغسل قبلها.

(٢) النهاية : (٥٥) ، والخلاف ( ١ : ١٧٩ ) ، والمبسوط ( ١ : ٣٩ ).

(٣) السرائر : (٣٧).

٣٥٦

______________________________________________________

إليه يسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : « يصلي فيهما جميعا » (١) قال ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ : يعني على الانفراد.

احتج ابن إدريس بالاحتياط ، ثم اعترض بأنّ الاحتياط في التكرير مع الساتر أولى ، وأجاب بوجوب اقتران ما يؤثر في وجوه الأفعال بها ، وكون الصلاة واجبة وجه يقع عليه الصلاة ، فلا يؤثر فيه ما يتأخر. وبأنّ الواجب عليه عند إيقاع كل فريضة أن يقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عند افتتاح كل صلاة (٢).

وأجيب (٣) عن الأول بالمنع من وجوب اقتران ما يؤثر في وجوه الأفعال بها لانتفاء ما يدل عليه ، ولو سلم ذلك فالوجه المقتضي لوجوب الصلاتين مقارن لكل واحدة منهما ، فإنّ ستر العورة بالساتر الطاهر لمّا كان واجبا وكان تحصيله موقوفا على الإتيان بالصلاة في الثوبين تعيّن ، وكان ذلك وجها مقارنا لكل من الصلاتين.

قال في المختلف بعد حكمه بوجوب الصلاتين من باب المقدمة : وهو ـ يعني ابن إدريس ـ لم يتفطن لذلك ، وحسب أنّ إحدى الصلاتين واجبة دون الأخرى ، ثم يعلم المكلف بعد فعلهما أنه قد فعل الواجب في الجملة ، وليس كذلك (٤).

وعن الثاني بالمنع من اشتراط القطع بطهارة الثوب ، فإنّ ذلك شرط مع القدرة لا مع الاشتباه. قال في المنتهى : ونحن نقول : إن اشترطت القطع بعدم النجاسة فهو غير متحقق وتكليف بما لا يطاق ، وإن اشترطت عدم القطع بالنجاسة فهو حاصل عند‌

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ١٦١ ـ ٧٥٧ ) ، التهذيب ( ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٢ ) أبواب النجاسات ب (٦٤) ح (١).

(٢) السرائر : (٣٧).

(٣) كما في المعتبر ( ١ : ٤٣٩ ).

(٤) المختلف : (٦٢).

٣٥٧

______________________________________________________

الصلاة في كل واحد من الثوبين (١).

قلت : ومن هنا ينقدح احتمال الاكتفاء بصلاة واحدة في أحد الثوبين ، لأنّ المانع ـ وهو النجاسة في كل واحد بخصوصه ـ غير متيقن ، إلا أنّ ظاهر النص وكلام الأصحاب ينافيه. ولا ريب أنّ الصلاة في كل من الثوبين أولى وأحوط. أما تعيّن الصلاة عاريا فمقطوع بفساده ، وما أبعد ما بين هذا القول وبين القول بوجوب الصلاة في الثوب المتيقن النجاسة.

فروع : الأول : قال في المنتهى : لو كان معه ثوب متيقن الطهارة تعيّن للصلاة ولم يجز له أن يصلي في الثوبين لا متعددة ولا منفردة. وهو حسن إلا أن وجهه لا يبلغ حد الوجوب. قال : ولو كان أحدهما طاهرا والآخر نجسا نجاسة معفوا عنها تخير في الصلاة في أيهما كان ، والأولى له الصلاة في الطاهر ، وكذا لو كانت إحدى النجاستين المعفو عنهما في الثوب أقل من الأخرى كان الأولى الصلاة في الأقل (٢). ولا ريب في الأولوية.

الثاني : لو كان معه ثياب نجسة وطاهرة وحصل الاشتباه صلى الفرض بعدد النجسة وزاد صلاة واحدة على ذلك العدد ليعلم وقوع الصلاة في ثوب طاهر. ولو كثرت الثياب وشق ذلك احتمل التخيير للحرج.

الثالث : لو فقد أحد المشتبهين قيل صلى في الآخر وعاريا (٣). والأجود الاكتفاء بالصلاة في الباقي ، لجواز الصلاة في متيقن النجاسة ففي غيره أولى.

الرابع : لو ضاق الوقت عن الصلاة في الجميع صلى فيما يحتمله الوقت وإن كانت واحدة ، وله الخيرة في أي الأثواب شاء ، إلا أن يظن طهارة أحدها فيتعين.

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٨١ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٨٢ ).

(٣) كما في الذكرى : (١٧).

٣٥٨

وفي الثياب الكثيرة كذلك ، إلا أن يضيق الوقت فيصلّي عريانا.

ويجب أن يلقى الثوب النجس ويصلّي عريانا إذا لم يكن هناك غيره.

______________________________________________________

الخامس : لو كان عليه صلوات متعددة مرتبة وجب مراعاة الترتيب فيها ، فلو كان عليه ظهر وعصر مثلا ، صلى الظهر في أحد الثوبين ثم نزعه وصلى في الآخر ، ثم يصلي العصر ولو في الثاني ، ثم يصليها في الأول.

ولو صلى في كل ثوب الظهر والعصر لم استبعد جوازه ، وبه قطع العلامة في النهاية (١) ، لترتب الثانية على الأولى على كل تقدير.

نعم لو صلى الظهر في أحدهما ، ثم صلى العصر في الآخر ، ثم صلى فيه الظهر ثم العصر في الأول صحّ له الظهر لا غير ، ووجب عليه إعادة العصر في الثاني ، لجواز أن يكون الطاهر ما أوقع فيه العصر أولا.

قوله : وفي الثياب الكثيرة كذلك ، إلا أن يضيق الوقت فيصلّي عريانا.

بل الأظهر تعيّن الصلاة في الممكن. ولو لم يسع الوقت إلا لواحد اقتصر على الصلاة فيه ولم تسغ (٢) له الصلاة عاريا ، لأن احتمال فقد الوصف أولى من فوات الموصوف ، ولما سيأتي إن شاء الله تعالى من رجحان الصلاة في متيقن النجاسة ، فإنّ المشكوك في نجاسته أولى.

قوله : ويجب أن يلقي الثوب النجس ، ويصلّي عريانا إذا لم يكن هناك غيره.

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخ (٣) ـ رحمه‌الله ـ وأكثر الأصحاب : إنّ من ليس معه إلا ثوب نجس وتعذر تطهيره نزعه وصلى عريانا مؤميا.

__________________

(١) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٨٢ ).

(٢) في « م » ، « س » ، « ح » : تسع.

(٣) النهاية : (٥٥) ، المبسوط ( ١ : ٩٠ ) ، الخلاف ( ١ : ١٧٦ ).

٣٥٩

______________________________________________________

وقال ابن الجنيد : ولو كان مع الرجل ثوب فيه نجاسة لا يقدر على غسلها كان صلاته فيه أحب إليّ من صلاته عريانا (١). وقال المصنف في المعتبر ، والعلامة في المنتهى بالتخيير بين الأمرين من غير ترجيح (٢).

احتج الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ بما رواه عن سماعة ، قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلي عريانا قاعدا ويومي » (٣).

وعن منصور بن حازم ، قال حدثني محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني ، قال : « يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا ويصلي فيومي إيماء » (٤).

وفي الروايتين قصور من حيث السند ، أما الأولى فبالقطع ، وبأن من جملة رجالها زرعة وسماعة وهما واقفيان. وأما الثانية فلأن في طريقها محمد بن عبد الحميد ولم يوثق صريحا.

وبإزائهما أخبار متعددة متضمنة للأمر بالصلاة في الثوب ، كصحيحة محمد بن علي الحلبي : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله ، قال : « يصلي فيه » (٥).

__________________

(١) نقل كلامه في المختلف : (٦٢).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٤٥ ) ، المنتهى ( ١ : ١٨٢ ).

(٣) التهذيب ( ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٨ ـ ٥٨٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٨ ) أبواب النجاسات ب (٤٦) ح (١). وفي الكافي ( ٣ : ٣٩٦ ـ ١٥ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٨ ـ ٥٨٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٨ ) أبواب النجاسات ب (٤٦) ح (٤).

(٥) الفقيه ( ١ : ١٦٠ ـ ٧٥٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٦٧ ) أبواب النجاسات ب (٤٥) ح (٣).

٣٦٠