مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

وذات العادة تجعل عادتها حيضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمييز ، قيل : تعمل على العادة ، وقيل : على التمييز ، وقيل : بالتخيير والأول أظهر.

______________________________________________________

وعملا بالأصل في لزوم العبادة (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله. ولا يخلو من قوة ، ويؤيده الروايتان المتقدمتان والإجماع ، فإن الخلاف إنما وقع في الزائد عن الثلاثة.

واعلم أنّ مقتضى مرسلة يونس المتقدمة (٢) : تخييرها بين الستة والسبعة ، وبه قطع في المعتبر بناء على العمل بالرواية. وقوّى العلامة في النهاية وجوب العمل بما يؤدي اجتهادها إليه ، لئلاّ يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة وعدمه (٣). وهو منقوض بأيام الاستظهار. وقال في المعتبر : إنه لا مانع من ذلك ، إذ قد يقع التخيير في الواجب ، كما يتخير المسافر بين الإتمام والقصر في بعض المواضع (٤).

ومتى اختارت عددا كان لها وضعه حيث شاءت من الشهر ، ولا يتعين أوله وإن كان أولى.

ومقتضى خبري ابن بكير أخذ الثلاثة بعد العشرة ، ثم أخذها بعد السبعة والعشرين دائما ، ولا ريب أنه أولى.

قوله : وذات العادة تجعل عادتها حيضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمييز ، قيل : تعمل على العادة ، وقيل : على التمييز ، وقيل بالتخيير ، والأول أظهر.

إذا اجتمعت العادة والتمييز فإن توافقا في الوقت ، أو مضى بينهما أقلّ الطهر فلا‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢١٠ ).

(٢) في ص (١٩).

(٣) نهاية الأحكام ( ١ : ١٣٨ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٢١١ ).

٢١

______________________________________________________

بحث. وإن اختلفا ولم يمكن الجمع بينهما ، كما إذا رأت في العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة الحيض وتجاوز المجموع العشرة أو لم يتخلل بينهما أقلّ الطهر ، فقال الشيخ في الجمل ، والمبسوط : ترجع إلى العادة (١) ، وهو مذهب المفيد ، والمرتضى (٢) ، وأتباعهم. وقال في النهاية : ترجع إلى التمييز (٣). وحكى المصنف هنا قولا بالتخيير ، ولم يذكره في المعتبر ولا غيره من الأصحاب. والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار الكثيرة الدالة على اعتبار العادة مطلقا من غير تقييد بانتفاء التمييز ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة الحسين الصحاف : « فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها » (٤).

وفي صحيحة محمد بن عمرو بن سعيد : « تنتظر عدة ما كانت تحيض ، ثم تستظهر بثلاثة أيام ، ثم هي مستحاضة » (٥).

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على الرجوع إلى التمييز بقوله عليه‌السلام في حسنة حفص بن البختري : « إن دم الحيض حار عبيط أسود » (٦) وغير ذلك من الأخبار المتضمنة لبيان الأوصاف (٧).

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٣) ، والمبسوط ( ١ : ٤٩ ).

(٢) نقله عنهما في المختلف : (٣٩).

(٣) النهاية : (٢٤).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨٨ ـ ١١٩٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٠ ـ ٤٨٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٣ ) أبواب الحيض ب (٥) ح (٦).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٧٢ ـ ٤٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٩ ـ ٥١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٧ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١٠).

(٦) المتقدمة في ص (١٤).

(٧) الوسائل ( ٢ : ٥٣٤ ، ٥٣٥ ) أبواب الحيض ب ( ١ ، ٢ ).

٢٢

وهاهنا مسائل :

الأولى : إذا كانت عادتها مستقرة عددا ووقتا. فرأت ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت أو متأخرا عنه تحيّضت بالعدد وألغت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر ، وسواء رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن.

الثانية : رأت الدم قبل العادة وفي العادة ، فإن لم يتجاوز العشرة فالكل‌

______________________________________________________

والجواب : أنّ صفة الدم يسقط اعتبارها مع العادة ، لأن العادة أقوى في الدلالة ، ولما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة والكدرة في أيامها ، قال : « لا تصل حتى تنقضي أيامها ، فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلّت » (١).

ورجح المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ تقديم العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع ، دون المستفادة من التمييز ، حذرا من لزوم زيادة الفرع على أصله (٢). وهو ضعيف.

قوله : الأولى ، إذا كانت عادتها مستقرة عددا ووقتا فرأت ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت أو متأخرا عنه تحيّضت بالعدد وألقت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر ، سواء رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن.

إطلاق العبارة يقتضي عدم وجوب الاحتياط إلى الثلاثة في ذات العادة مطلقا ، وربما قيل بوجوبه على من تقدم دمها العادة إلى أن تمضي الثلاثة ، أو يحضر الوقت. وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام في ذلك.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٧٨ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٠ ) أبواب الحيض ب (٤) ح (١).

(٢) جامع المقاصد ( ١ : ٣٩ ).

٢٣

حيض ، وإن تجاوز جعلت العادة حيضا ، وكان ما تقدّمها استحاضة. وكذا لو رأت في وقت العادة وبعدها. ولو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها ، فإن لم يتجاوز فالجميع حيض ، وإن زاد على العشرة فالحيض وقت العادة والطرفان استحاضة.

الثالثة : لو كانت عادتها في كل شهر مرة واحدة عددا معينا فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة كان ذلك حيضا. ولو جاء في كل مرة أزيد من العادة لكان ذلك حيضا إذا لم يتجاوز العشرة ، فإن تجاوز تحيّضت بقدر عادتها وكان الباقي استحاضة.

والمضطربة العادة ترجع إلى التمييز فتعمل عليه ،

______________________________________________________

قوله : والمضطربة العادة ترجع إلى التمييز فتعمل عليه.

يلوح من قول المصنف : فإن فقدت التمييز. أنّ المضطربة هي التي اضطرب عليها الدم ونسيت عادتها. وصرح في المعتبر (١) في هذه المسألة بأنّ المضطربة من لم تستقر لها عادة. والأظهر رجوعها بتفسيريها إلى التمييز ، لعموم الأدلة الدالة على ذلك.

قال بعض المحققين ـ وقد تقدم ـ : إن المضطربة من نسيت عادتها إما عددا ، أو وقتا ، أو عددا ووقتا. والحكم برجوعها إلى التمييز مطلقا لا يستقيم (٢) ، لأن ذاكرة العدد الناسية للوقت لو عارض تمييزها عدد أيام العادة لم ترجع إلى التمييز ، بناء على ترجيح العادة على التمييز ، وكذا القول في ذاكرة الوقت ناسية العدد. ويمكن الاعتذار عنه بأنّ المراد برجوعها إلى التمييز ما إذا طابق تمييزها العادة ، بدليل ما ذكر من ترجيح العادة على التمييز (٣). هذا كلامه رحمه‌الله.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٠٤ ).

(٢) في « ق » ، « م » ، « س » ، والمصدر : لا يستمر.

(٣) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٣٩ ).

٢٤

ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام على الأظهر ، فإن فقدت التميز فهنا مسائل ثلاث :

الأولى : ذكرت العدد ونسيت الوقت ، قيل : تعمل في الزمان كلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه ، وتقضي صوم عادتها.

______________________________________________________

ولا يخفى أنه على هذا الاعتذار لا يظهر لاعتبار التمييز فائدة. ويمكن أن يقال باعتبار التمييز في الطرف المنسي خاصة ، أو تخصيص المضطربة بالناسية للوقت والعدد (١).

قوله : ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام على الأظهر.

الضمير يعود إلى المضطربة الشاملة لأقسامها الثلاثة. والحكم بوجوب الاحتياط عليها إنما يتم في ناسية الوقت ، أما ذاكرته فإنها تتحيض برؤية الدم قطعا. وقد تقدم أنّ الأظهر تحيّض الجميع برؤية الدم إذا كان بصفة الحيض.

قوله : فإن فقدت التمييز فهنا مسائل ثلاث ، الأولى : ذكرت العدد ونسيت الوقت قيل : تعمل في الزمان كلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه ، وتقضي صوم عادتها.

القائل بذلك : هو الشيخ في المبسوط (٢) ، ولم يكتف بذلك بل أوجب عليها أيضا اجتناب ما تجتنبه الحائض ، أخذا بمجامع الاحتياط. وذهب الأكثر إلى أنها تتخير في وضع عددها في أي وقت شاءت من الشهر.

وموضع الخلاف ما إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة ، بأن تضل العدد في وقت‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : ولعل هذا أولى.

(٢) المبسوط ( ١ : ٥١ ).

٢٥

الثانية : ذكرت الوقت ونسيت العدد ، فإن ذكرت أول حيضها أكملته ثلاثة ،

______________________________________________________

يزيد نصفه عن ذلك العدد ، أو يساويه. أما لو زاد العدد على نصف الزمان الذي تعلق به الإضلال ، فإنه يتعين كون الزائد وضعفه حيضا بيقين ، وحينئذ فلا تعمل في الجميع عمل المستحاضة.

مثال الأول : إذا أضلّت خمسة أو أربعة في عشرة ، فإنه لا حيض لها بيقين ، لمساواة العدد لنصف الزمان أو نقصانه عنه.

ومثال الثاني : ما إذا أضلّت ستة في العشرة ، فإن الخامس والسادس حيض بيقين ، لاندراجهما بتقدير تقدم الحيض وتأخره وتوسطه.

ومن هنا يعلم أحكام مسائل المزج ، فمنها ما لو قالت : الحيض ستة وكنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم ، فهذه أضلت ستة في العشرة الأواسط ، فلها يومان حيض بيقين ، وهما الخامس عشر والسادس عشر. والعشرة الاولى من الشهر طهر بيقين ، ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر إلى العشرين ، فعلى الاحتياط تجمع في الأربعة الأولى (١) بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض ، وفي الأربعة الثانية (٢) بينهما وبين غسل الانقطاع عند كل صلاة. وعلى المشهور تضمّ إلى اليومين بقية العدد متقدما أو متأخرا أو بالتفريق. ورتّب على ذلك ما يرد عليك من نظائر هذه الأمثلة.

قوله : الثانية : ذكرت الوقت ونسيت العدد ، فإن ذكرت أول حيضها أكملته ثلاثة.

لتيقن كونها حيضا ، ويبقى الزائد عنها إلى تمام العشرة مشكوكا فيه ، فعلى الاحتياط تجمع بين التكاليف الثلاثة ، وعلى القول برجوعها إلى الروايات تأخذ منها‌

__________________

(١) أي : من اليوم الحادي عشر إلى الرابع عشر.

(٢) أي : من اليوم السابع عشر إلى العشرين.

٢٦

وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة ، وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحيض في كل زمان يفرض فيه الانقطاع ، وتقضي صوم عشرة أيام احتياطا ، ما لم يقصر الوقت الذي عرفته.

______________________________________________________

ما تختاره ويكون الباقي استحاضة. ورجح المصنف في المعتبر الاقتصار على الثلاثة ، والتعبّد في باقي الشهر ، أخذا بالمتيقن (١). وهو حسن.

قوله : وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة ، وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحيض في كل زمان تفرض فيه الانقطاع.

الكلام فيه كما سبق في ذاكرة الأول ، غير أنها تقتصر في السبعة المتقدمة على أفعال المستحاضة ، لعدم إمكان الانقطاع.

ولو علمت وسط الحيض ، وهو ما بين الطرفين ، فإن ذكرت يوما واحدا حفّته بيومين حيضا متيقنا. ولو ذكرت يومين حفتهما بآخرين ، وكان الحكم في بقية الزمان كما تقدم.

ولو ذكرت وقتا في الجملة فهو الحيض المتيقن ، فعلى الاحتياط تكمّله عشرة ، تجمع فيها بين التكاليف الثلاثة ، أو تجعله نهاية عشرة تجمع فيها بين تكليفي الحائض والمستحاضة خاصة. وعلى القول برجوعها إلى الروايات تجعله إحداهما (٢) إن قصر عنها ، قبله أو بعده ، أو بالتفريق ، وإن ساوى إحداها (٣) كان لها الاقتصار عليه.

قوله : وتقضي صوم عشرة أيام احتياطا ، ما لم يقصر الوقت الذي عرفته عن العشرة.

كما لو تيقّنت أنّ حيضها يكون في كل شهر في التسعة الأولى ، فإنه لا يجب قضاء‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٢٠ ).

(٢) قد تقرأ في بعض النسخ : إحداهما.

(٣) في « م » ، « س » ، « ح » : إحداهما.

٢٧

الثالثة : نسيتهما جميعا ، فهذه تتحيض في كل شهر سبعة أيام أو ستة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ما دام الاشتباه باقيا.

______________________________________________________

العاشر ، أو في الثمانية الاولى ، فلا تقضي التاسع ، وهكذا. هذا إذا علمت انتفاء الكسر ، وإلاّ تعيّن عليها قضاء أحد عشر ، وزيادة يوم على العدد المحفوظ ، لاحتمال التلفيق فيفسد اليومان.

قوله : الثالثة ، نسيتهما جميعا فهذه تتحيض في كل شهر سبعة أيام أو ستة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ما دام الاشتباه باقيا.

هذه هي المشهورة بين الفقهاء بالمتحيرة ، والقول برجوعها إلى الروايات هو المعروف من المذهب ، ونقل عليه في الخلاف الإجماع (١) ، مع أنه أفتى في المبسوط (٢) بوجوب الاحتياط عليها ، والجمع بين التكاليف. وكلا القولين مشكل.

أما الأول : فلضعف مستنده (٣) بالإرسال ، وبأنّ في طريقه محمد بن عيسى عن يونس (٤). قال في الذكرى : والشهرة في النقل والإفتاء بمضمونه حتى عدّ إجماعا تدفعهما (٥). ويؤيده أنّ حكمة الباري أجلّ من أن يدع أمرا مبهما تعم به البلوى ، في كل زمان ومكان ، ولم يبينه على لسان صاحب الشرع.

وأما الثاني : فلما فيه من العسر والحرج المنفيين بالآية (٦) والرواية (٧).

__________________

(١) الخلاف ( ١ : ٧٦ ).

(٢) المبسوط ( ١ : ٥١ ).

(٣) الذي يظهر أنّ مستنده هو رواية يونس الطويلة.

(٤) قال في رجال النجاشي : ( ٣٣٣ ـ ٨٩٦ ) : وذكر أبو جعفر بن بابويه ، عن ابن الوليد أنه قال : ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه.

(٥) الذكرى : (٣٢).

(٦) الحج : (٧٨).

(٧) التهذيب ( ١ : ٣٧ ـ ١٠٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٠ ـ ٤٦ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٥ ) أبواب الماء المطلق ب (٨) ح (١١).

٢٨

وأما الأحكام فنقول :

دم الاستحاضة إما أن لا يثقب الكرسف ، أو يثقبه ولا يسيل ، أو يسيل.

وفي الأول : يلزمها تغيير القطنة ، وتجديد الوضوء عند كل صلاة ، ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد.

وفي الثاني : يلزمها مع ذلك تغيير الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة.

وفي الثالث : يلزمها مع ذلك غسلان ، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما.

______________________________________________________

ورجح المصنف في المعتبر أنها تتحيض بثلاثة أيام ، وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا ، وعملا بالأصل في لزوم العبادة (١). وهو متجه.

قوله : وأما أحكامها فنقول : دم الاستحاضة إما أن لا يثقب الكرسف ، أو يثقبه ولا يسيل ، أو يسيل ، وفي الأول يلزمها تغيير القطنة وتجديد الوضوء عند كل صلاة ولا تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد ، وفي الثاني يلزمها مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة وفي الثالث يلزمها مع ذلك غسلان ، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما.

المشهور بين الأصحاب أنّ لدم الاستحاضة ثلاث مراتب : القلة ، والتوسط ، والكثرة ، فيجب على المستحاضة أن تعتبر نفسها ، فإن لطّخ الدم باطن القطنة ولم يثقبها إلى ظاهرها ، فالاستحاضة قليلة ، وإن غمسها ظاهرا وباطنا ولم يسل منها إلى غيرها فمتوسطة ، وإلاّ فكثيرة. فهنا مسائل ثلاث :

الاولى : أن لا يثقب الدم الكرسف إلى ظاهره ، وقد ذكر المصنف أنه يجب عليها‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢١٠ ).

٢٩

______________________________________________________

تغيير القطنة ، والوضوء لكل صلاة.

أما وجوب تغيير القطنة : فعلّل بعدم العفو عن هذا الدم في الصلاة ، قليله وكثيره.

وهو غير جيد لما سيجي‌ء ـ ان شاء الله تعالى ـ من العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه مطلقا. ويظهر من العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك ، فإنه قال : ولا خلاف عندنا في وجوب الإبدال (١) ، ولعله الحجة.

وأما الوضوء لكل صلاة : فقال في المعتبر : إنه مذهب الخمسة وأتباعهم. وقال ابن أبي عقيل : لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل (٢). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في المستحاضة ، قال : « تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم » (٣).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كل صلاة بوضوء » (٤).

واحتج ابن أبي عقيل ـ على ما نقل عنه ـ بصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلي الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب ، وتصلي المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح ، وتصلي الفجر » (٥). قال : وترك الوضوء يدل على عدم وجوبه (٦).

__________________

(١) منتهى المطلب ( ١ : ١٢٠ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٤٢ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٦٩ ـ ٤٨٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٧ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٩).

(٤) الكافي ( ٣ : ٨٨ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٠٧ ـ ٢٧٧ ) ، ( ١٧٠ ـ ٤٨٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٤ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (١).

(٥) الكافي ( ٣ : ٩٠ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ١٧١ ـ ٤٨٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٥ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٤).

(٦) نقله عنه في المختلف : (٤٠).

٣٠

______________________________________________________

والجواب : أنّ هذه الرواية إنما تدل على سقوط الوضوء مع الاغتسال ، وهو غير محل النزاع.

وقوله ـ رحمه‌الله ـ : ولا تجمع بين صلاتين بوضوء تأكيد للكلام السابق.

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : وفيه ردّ على المفيد ـ رحمه‌الله ـ حيث اكتفى بوضوء واحد للظهرين ، ووضوء للعشاءين كالغسل (١). وفيه نظر فإن المفيد لا يقول بالاجتزاء بالوضوء الواحد للظهرين والعشاءين في هذا القسم ، وإنما اجتزأ به مع الغسل ، كما هو صريح عبارة المقنعة (٢) وسيجي‌ء الكلام فيه.

الثانية : أن يثقب الدم الكرسف ولا يسيل. وذكر المصنف أنه يجب عليها مع ذلك تغيير الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة. أما تغيير الخرقة فالكلام فيه كما سبق.

وأما الغسل لصلاة الغداة ، والوضوء للصلوات الأربع ، فقال في المعتبر : إنه مذهب شيخنا المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة ، والطوسي في النهاية والمبسوط والخلاف ، والمرتضى ، وابني بابويه (٣).

ونقل عن ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل : أنهما سويّا بين هذا القسم وبين الثالث في وجوب ثلاثة أغسال (٤). وبه جزم المصنف في المعتبر ، فقال : والذي ظهر لي : أنه إن ظهر الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال ، وإن لم يظهر لم يكن عليها غسل ، وكان عليها الوضوء لكل صلاة (٥). ورجحه العلامة في المنتهى أيضا (٦). وإليه ذهب شيخنا‌

__________________

(١) المسالك ( ١ : ١١ ).

(٢) المقنعة : (٧).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٤٣ ).

(٤) نقله عنهما في المختلف : (٤٠)

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٤٥ ).

(٦) منتهى المطلب ( ١ : ١٢٠ ).

٣١

______________________________________________________

المعاصر (١). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المستحاضة تنتظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وتغتسل للصبح » (٢).

وما رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلي الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب ، فتصلي المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر ، ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء ، إلاّ أيام حيضها فيعتزلها زوجها ، قال ، وقال : لم تفعله امرأة احتسابا إلا عوفيت من ذلك » (٣). وهي مطلقة في وجوب الأغسال الثلاثة ، خرج منها من لم يثقب دمها الكرسف بالنصوص المتقدمة فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق.

ومثلها صحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قلت له : جعلت فداك إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم طهرت ، فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة؟ قال : « لا ، هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل ، ويأتيها زوجها إذا أراد » (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ( ١ : ١٥٥ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٠٦ ـ ٢٧٧ ) ، و ( ١٧٠ ـ ٤٨٤ ) ( بتفاوت يسير ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٤ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (١). رواها أيضا في الكافي ( ٣ : ٨٨ ـ ٢ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٩٠ ـ ٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٥ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٤) ، رواها أيضا في التهذيب ( ١ : ١٧١ ـ ٤٨٧ ).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩٠ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ١٧٠ ـ ٤٨٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٤ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٣).

٣٢

______________________________________________________

احتج المفصلون بصحيحة الحسين بن نعيم الصحاف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال فيها : « ثم لتنظر ، فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف ، فإن طرحت الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها الغسل. وإن طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها. قال : وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإنّ عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات » (١).

وصحيحة زرارة قال ، قلت : النفساء متى تصلي؟ قال : « تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ، ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الكرسف صلّت بغسل واحد » (٢).

والجواب عن الرواية الاولى : أنّ موضع الدلالة فيها قوله عليه‌السلام : « فإن طرحت الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها الغسل ». وهو غير محل النزاع ، فإنّ موضع الخلاف ما إذا لم يحصل السيلان ، مع أنّه لا إشعار في الخبر بكون الغسل للفجر ، فحمله على ذلك تحكم ، ولا يبعد حمله على الجنس ، ويكون تتمة الخبر كالمبيّن له.

وعن الرواية الثانية : أنها قاصرة من حيث السند بالإضمار ، ومن حيث المتن : بأنها لا تدل على ما ذكروه نصا ، فإنّ الغسل لا يتعيّن كونه لصلاة الفجر ، بل ولا للاستحاضة ، لجواز أن يكون المراد به غسل النفاس ، فيمكن الاستدلال بها على المساواة بين القسمين.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٩٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٦٨ ـ ٤٨٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٠ ـ ٤٨٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٦ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٧).

(٢) الكافي ( ٣ : ٩٩ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٥ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٥).

٣٣

______________________________________________________

الثالثة : أن يسيل الدم ، بأن يتعدّى الكرسف إلى غيره بنفسه. وقد أجمع الأصحاب على وجوب الأغسال الثلاثة في هذا القسم ، وإنما الخلاف في وجوب الوضوء معها ، وتعدّده بتعدد الصلاة ، فاقتصر الشيخ في النهاية والمبسوط على الأغسال (١) ، وكذا المرتضى (٢) ، وابنا بابويه (٣) ، وابن الجنيد (٤). وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ : تصلي بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معا على الاجتماع ، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء ، وتفعل مثل ذلك لصلاة الليل والغداة (٥).

ونقل عن ابن إدريس أنه أوجب على هذه مع الأغسال الثلاثة الوضوء لكل صلاة (٦) ، وإليه ذهب عامة المتأخرين ، تمسكا بعموم قوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ) (٧). وهو متمسك ضعيف ، إذ من المعلوم تقييد الأمر بمن كان محدثا ، ولم يثبت كون الدم الخارج بعد الغسل على هذا الوجه حدثا ، لأن ذلك إنما يستفاد بتوقيف الشارع ، وهو منتف.

وقد بالغ المصنف في المعتبر في نفي هذا القول والتشنيع على قائله فقال : وظنّ غالط من المتأخرين أنه يجب على هذه مع هذه الأغسال وضوء مع كل صلاة ، ولم يذهب إلى ذلك أحد من طائفتنا. ويمكن أن يكون غلطه لما ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف : إنّ المستحاضة لا تجمع بين فرضين بوضوء ، فظن انسحابه على مواضعها ، وليس على ما ظن ،

__________________

(١) النهاية : (٢٨) ، المبسوط : ( ١ : ٦٧ ).

(٢) كما في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٨٨).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٠ ) ، المقنع : (١٥) ، ونقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٢٤٧ ).

(٤) نقله عنه في المختلف : (٤٠) ، والمعتبر ( ١ : ٢٤٤ ).

(٥) كما في المقنعة : (٧).

(٦) السرائر : (٣٠).

(٧) المائدة : (٦).

٣٤

______________________________________________________

بل ذلك مختص بالموضع الذي يقتصر فيه على الوضوء (١).

ويدل على الاجتزاء بالأغسال هنا مضافا إلى العمومات الدالة على ذلك ظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل » (٢). وفي صحيحة ابن سنان : « تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي. » (٣).

ولم أقف لمن أوجب الوضوء هنا على حجة سوى عموم قوله عليه‌السلام : « في كل غسل وضوء الا غسل الجنابة » (٤) وقد تقدم الكلام عليه متنا وسندا (٥).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : اعتبار الجمع بين الصلاتين إنما هو ليحصل الاكتفاء بغسل واحد ، فلو أفردت كل صلاة بغسل جاز قطعا ، وجزم في المنتهى باستحبابه (٦).

الثاني : اشترط جماعة من الأصحاب في صحة صلاتها معاقبتها للغسل ، وهو حسن. ولا يقدح في ذلك الاشتغال بنحو الاستقبال والأذان والإقامة من مقدمات الصلاة.

وفي اعتبار معاقبة الصلاة للوضوء قولان ، أحدهما : نعم ، لاستمرار الحدث (٧).

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٤٧ ).

(٢) الكافي ( ٣ : ٩٩ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٥ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٥).

(٣) الكافي ( ٣ : ٩٠ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ١٧١ ـ ٤٨٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٥ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٤).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٤٣ ـ ٤٠٣ ) ، ( ٣٠٣ ـ ٨٨١ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٦ ) أبواب الجنابة ب (٣٥) ح (٢).

(٥) في ج ١ ص (٣٥٨).

(٦) منتهى المطلب ( ١ : ١٢٢ ).

(٧) كما في السرائر : (٣٠) ، والمبسوط ( ١ : ٦٨ ).

٣٥

______________________________________________________

والثاني : لا ، للأصل ، وهو خيرة المختلف (١).

الثالث : قيل : المعتبر في قلة الدم وكثرته بأوقات الصلاة ، وهو خيرة الشهيد في الدروس (٢). وقيل : إنه كغيره من الأحداث ، متى حصل كفى في وجوب موجبه ، واختاره الشهيد في البيان (٣) ، وقواه جدي في روض الجنان (٤) ، تمسكا بإطلاق الروايات المتضمنة لكون الاستحاضة موجبة للوضوء أو الغسل (٥) ، وبقوله عليه‌السلام في خبر الصحاف : « فلتغتسل وتصلي الظهرين ثم لتنظر ، فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضأ ولا غسل عليها ، وإن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيبا فعليها الغسل » (٦).

وذكر شيخنا الشهيد في الذكرى : إن هذه الرواية مشعرة باعتبار وقت الصلاة (٧). وهو غير واضح ، ولا ريب أنّ الأول أحوط (٨).

ويتفرع عليهما : ما لو كثر قبل الوقت ثم طرأت القلة ، فعلى الثاني يجب الغسل للكثرة المتقدمة ، وعلى الأول لا غسل عليها ما لم يوجد في الوقت متصلا أو طارئا ، ولو تجددت الكثرة بعد صلاة الظهرين وانقطعت قبل الغروب وجب عليها الغسل على الثاني دون الأول.

__________________

(١) المختلف : (٤١).

(٢) الدروس : (٧).

(٣) البيان : (٢١).

(٤) روض الجنان : (٨٥).

(٥) الوسائل ( ٢ : ٦٠٤ ) أبواب الاستحاضة ب (١).

(٦) الكافي ( ٣ : ٩٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٦٨ ـ ٤٨٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٠ ـ ٤٨٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٦ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٧).

(٧) الذكرى : (٣٠).

(٨) في « م » : أجود.

٣٦

وإذا فعلت ذلك صارت بحكم الطاهر.

______________________________________________________

الرابع : لم يتعرض الأصحاب لبيان زمان اعتبار الدم ولا لقدر القطنة ، مع أنّ الحال قد يختلف بذلك. والظاهر أنّ المرجع فيهما إلى العادة.

قوله : وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهرة.

الظاهر أنّ المشار إليه بذلك : جميع ما تقدم من الغسل والوضوء وتغيير القطنة والخرقة بحسب اختلاف حال الدم.

والمراد من كونها بحكم الطاهر : أنّ جميع ما يصحّ من الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة يصح منها ، فتصح صلاتها وصومها ودخولها المساجد مطلقا ، ويأتيها زوجها إن شاء. وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء. والأظهر جواز دخولها المساجد بدون ذلك.

وفي جواز إتيانها قبله أقوال ، أظهرها : الجواز مطلقا ، وهو خيرة المصنف في المعتبر (١) ، لعموم قوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (٢) ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « ولا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلاّ في أيام حيضها » (٣) ، وفي صحيحة صفوان بن يحيى : « ويأتيها زوجها إذا أراد » (٤).

وقيل بتوقفه على الغسل خاصة (٥) ، لقوله عليه‌السلام في رواية عبد الملك بن أعين :

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٤٩ ).

(٢) البقرة : (٢٢٢).

(٣) الكافي ( ٣ : ٩٠ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ١٧١ ـ ٤٨٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٥ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٤).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩٠ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ١٧٠ ـ ٤٨٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٤ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (٣).

(٥) كما في الهداية : (٢٢).

٣٧

وإن أخلّت بذلك لم تصحّ صلاتها ، وإن أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها.

______________________________________________________

في المستحاضة : « ولا يغشاها حتى يأمرها بالغسل » (١) وفي السند ضعف (٢) ، وفي المتن احتمال لأن يكون الغسل المأمور به غسل الحيض.

وقيل باشتراط الوضوء أيضا (٣) لقوله عليه‌السلام في رواية زرارة وفضيل : « فإذا أحلت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها » (٤) وهي مع ضعف سندها (٥) وخلوها من ذكر الوضوء لا تدل على المطلوب ، بل ربما دلّت على نقيضه ، إذ الظاهر أنّ المراد من حلّ الصلاة : الخروج من الحيض ، كما يقال : لا تحلّ الصلاة في الدار المغصوبة ، فإذا خرجت حلّت ، فان معناه : زوال المانع الغصبي ، وإن افتقر بعد الخروج منها إلى الطهارة وغيرها من الشرائط.

قوله : وإن أخلّت بذلك لم تصحّ صلاتها.

وذلك لأنها إما محدثة أو ذات نجاسة لم يعف عنها. وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : وإن أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها.

هذا مذهب الأصحاب ، والأصل فيه ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار ، قال ، كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها من أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة : من‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٩ ) أبواب الاستحاضة ب (٣) ح (١). ( والموجود هو رواية علي بن رئاب عن مالك بن أعين والظاهر هو الصواب. ( راجع معجم رجال الحديث ( ١٢ : ١٨ ) وجامع الرواة ٢ : ٣٧ ).

(٢) لعل وجه الضعف هو وقوع علي بن الحسن بن فضال في طريقها وهو فطحي ، وطريق الشيخ إليه ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير ( راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٣٣٧ ).

(٣) كما في المبسوط ( ١ : ٦٧ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٨ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (١٢).

(٥) الوجه المتقدم في هامش (٢).

٣٨

______________________________________________________

الغسل لكل صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر فاطمة عليها‌السلام والمؤمنات من نسائه بذلك » (١). وهي مع كونها مضمرة ، متروكة الظاهر ، من حيث تضمّنها إيجاب قضاء الصوم دون الصلاة.

قال الشيخ في التهذيب : قال محمد بن الحسن : لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكل صلاتين غسلا ، ولا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء (٢).

وفيه إنه إن بقي الفرق بين الصوم والصلاة فالإشكال بحاله ، وإن حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. وحملها شيخنا المعاصر على أنّ المراد أنه لا يجب عليها قضاء جميع الصلوات ، لأن منها ما كان واقعا في الحيض (٣) ، وهو بعيد أيضا.

ويظهر من الشيخ في المبسوط التوقف في هذا الحكم ، حيث أسنده إلى رواية الأصحاب (٤) ، وهو في محله.

واعلم أنّ إطلاق العبارة يقتضي أنّ إخلال المستحاضة بشي‌ء من الأغسال مقتض لفساد الصوم ( وهو مشكل ، وقيدها الشارحون (٥) بالأغسال النهارية ، وقطعوا بعدم‌

__________________

(١) الكافي ( ٤ : ١٣٦ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ٤ : ٣١٠ ـ ٩٣٧ ) ، الفقيه ( ٢ : ٩٤ ـ ٤١٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٩٠ ) أبواب الحيض ب (٤١) ح (٧) ( بتفاوت يسير ).

(٢) التهذيب ( ٤ : ٣١١ ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ( ٥ : ٤٨ ).

(٤) المبسوط ( ١ : ٦٨ ).

(٥) كما في المسالك ( ١ : ١١ ).

٣٩

______________________________________________________

توقف صوم اليوم على غسل الليلة المستقبلة وترددوا في غسل الليلة الماضية ) (١).

وفصّل جدي في روض الجنان فقال : والحق أنها إن قدّمت غسل الفجر ليلا أجزأها عن غسل العشاءين بالنسبة إلى الصوم ، وإن أخّرته إلى الفجر بطل الصوم هنا ( وإن لم نبطله لو لم يكن غيره ) (٢) (٣).

والمسألة محل توقف ، فإنّ الرواية مع تسليم سندها إنما تدل على فساد الصوم بترك الأغسال كلها ، فإثبات هذه الأحكام (٤) مشكل. وكيف كان فيجب القطع بعدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه ، بل يكفي فعله للصلاة ، وأنّ الإخلال بما يجب عليها من الأغسال إنما يوجب القضاء خاصة ، والله أعلم.

وهنا مباحث :

الأول : نقل عن الشيخ أنه حكم بأنّ انقطاع دم الاستحاضة موجب للوضوء (٥).

وقيّده بعض الأصحاب بكونه انقطع للبرء ، أي الشفاء (٦). وهو حسن ، لكن لا يخفى أنّ الموجب له في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع ، لا نفس الانقطاع ، وأنّ دم الاستحاضة يوجب الوضوء تارة والغسل أخرى ، فإسناد الإيجاب إلى الانقطاع ،

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « س » : وربما قيل باختصاص الحكم بالأغسال النهارية. دون الليلية. وصرح جدي ـ قدس‌سره ـ في جملة من كتبه بعدم توقف الصوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة لسبق.

صحته قبل وجوب الغسل. واستقرب توقف الصوم المقبل على اغتسال الليلة الماضية.

(٢) روض الجنان : (٨٧).

(٣) بدل ما بين القوسين في « م » ، « ق » ، « ح » : وإن كان تقديم الغسل على الفجر هنا غير واجب لولا ذلك. وما أثبتناه هو المطابق للمصدر. ومعناها : وإن لم نقل بأنّ تأخير غسل الفجر خاصة موجب لبطلان الصوم.

(٤) في « س » : ما زاد على ذلك.

(٥) المبسوط ( ١ : ٦٨ ).

(٦) كما في التحرير ( ١ : ١٦ ).

٤٠