مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

______________________________________________________

وفي الحسن عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كلّ شي‌ء يطير لا بأس بخرئه وبوله » (١) وهي متناولة للمأكول وغيره.

وأجاب العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في المختلف عن هذه الرواية : بأنّها مخصوصة بالخشاف إجماعا فيختص بما شاركه في العلة ، وهو عدم كونه مأكولا (٢).

وفساده واضح أمّا أوّلا : فلمنع الإجماع على تخصيص الخشاف ، فإنّه ـ رحمه‌الله قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه وابن أبي عقيل القول بالطهارة مطلقا ، ونقل استثناء الخشاف عن الشيخ في المبسوط خاصة.

وأما ثانيا : فلأنّ خروج الخشاف من هذا العموم بدليل لا يقتضي كون العلّة فيه أنّه غير مأكول اللحم ، بل هذه هي العلّة المستنبطة التي قد علم من مذهب الإمامية إنكار العمل بها والتشنيع على من اعتبرها.

وأجيب عنها أيضا بالحمل على المأكول خاصة ، جمعا بينها وبين رواية ابن سنان المتقدمة (٣). وهو مشكل ، إذ الجمع بين الخبرين كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص رواية ابن سنان بهذه الرواية ، وحملها على غير الطير مما لا يؤكل لحمه ، فتقديم أحدهما يتوقف على المرجح.

ويمكن ترجيح الثاني بمطابقته لمقتضى الأصل والعمومات الدالة على الطهارة ، وبأنّ‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٥٨ ـ ٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦٦ ـ ٧٧٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٣ ) أبواب النجاسات ب (١٠) ح (١).

(٢) المختلف : (٥٦).

(٣) في ص (٢٥٩).

٢٦١

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « كلّ شي‌ء يطير » أظهر تناولا لما لا يؤكل لحمه من الطير من رواية ابن سنان وذلك مناط التخصيص. وأيضا فإنّ الروايتين إنما تصادمتا في البول خاصة ، والمدّعى أعمّ من ذلك أو مغاير له.

وقد ظهر من ذلك أنّ المتجه القول (١) بطهارة الذرق ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض ، المعتضد بالروايتين المتقدمتين (٢) وعمل جمع من الأصحاب. وإنما يحصل التردد في البول خاصة إن فرض وقوعه من الطير ، ولا يبعد الحكم بطهارته أيضا لما بيناه.

احتج الشيخ (٣) ـ رحمه‌الله ـ على استثناء الخشاف : بما رواه عن داود الرقي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « اغسل ثوبك » (٤).

والجواب أنها مع ضعف سندها معارضة بما رواه غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف » (٥) وهذه الرواية أوضح سندا وأظهر دلالة من السابقة ، وأجاب عنها في التهذيب بالشذوذ والحمل على التقية (٦) ، وهو مشكل.

__________________

(١) في « م » و « ق » : القطع.

(٢) في ص ( ٢٦٠ ، ٢٦١ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٦٦ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٦٥ ـ ٧٧٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٨ ـ ٦٥٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٣ ) أبواب النجاسات ب (١٠) ح (٤).

(٥) التهذيب ( ١ : ٢٦٦ ـ ٧٧٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨٨ ـ ٦٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٣ ) أبواب النجاسات ب (١٠) ح (٥).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢٦٦ ).

٢٦٢

وفي رجيع ما لا نفس له سائلة وبوله تردد.

______________________________________________________

وثانيهما : بول الرضيع قبل أن يأكل الطعام ، والمشهور أنّه نجس ، ونقل فيه السيد المرتضى (١) ـ رضي‌الله‌عنه ـ الإجماع ، ويدل عليه مضافا إلى العمومات خصوص حسنة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الصبي قال : « تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله » (٢).

وقال ابن الجنيد : بول البالغ وغير البالغ نجس إلاّ أن يكون غير البالغ صبيا ذكرا فإنّ بوله ولبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس (٣). واحتج له في المختلف (٤) : بما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن عليّ عليه‌السلام أنّ قال : « لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين » (٥)

والجواب أولا بالطعن بالسند ، وثانيا بالقول بالموجب ، فإنّ انتفاء الغسل لا يقتضي انتفاء الصّبّ ، ونحن إنما أوجبنا الثاني لا الأوّل.

قوله : وفي رجيع ما لا نفس له وبوله تردد.

وربما كان منشأ التردد في البول من عموم الأمر بغسله من غير المأكول ، ومن أنّ‌

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٨١).

(٢) الكافي ( ٣ : ٥٦ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٤٩ ـ ٧١٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٣ ـ ٦٠٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٣ ) أبواب النجاسات ب (٣) ح (٢).

(٣) نقله عنه في المختلف : (٥٦).

(٤) المختلف : (٥٦).

(٥) الفقيه ( ١ : ٤٠ ـ ١٥٧ ) وفيه : مرسلا ، التهذيب ( ١ : ٢٥٠ ـ ٧١٨ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٧٣ ـ ٦٠١ ) ، علل الشرائع : ( ٢٩٤ ـ ١ ) ، المقنع : (٥) وفيه : مرسلا ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٣ ) أبواب النجاسات ب (٣) ح (٤).

٢٦٣

وكذا في ذرق الدجاج غير الجلال ، والأظهر الطهارة.

______________________________________________________

ما لا نفس له طاهر الميتة والدم فصارت فضلاته كعصارة النبات ، والأصح : الطهارة كما اختاره في المعتبر (١) ، وقطع به في المنتهى (٢) من غير نقل خلاف ، لأنّ المتعارف من مأكول اللحم وغيره ما كان ذا نفس سائلة فينصرف إليه الإطلاق.

أما الرجيع فلا أعرف للتردد في طهارته وجها ، لأنّ الطهارة مقتضى الأصل ولا معارض له.

قوله : وكذا في ذرق الدجاج غير الجلال ، والأظهر الطهارة.

منشأ التردد هنا اختلاف الأخبار ، فروى وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب » (٣).

وروى فارس قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه؟ فكتب : « لا » (٤).

والروايتان ضعيفتا السند جدّا ، فإنّ وهب بن وهب عاميّ مطعون فيه بالكذب (٥) ، وفارس هذا هو ابن حاتم القزويني كما يظهر من كتب الرجال (٦) ، وقال الشيخ : إنه‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤١١ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٥٩ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٨٣ ـ ٨٣١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٧ ـ ٦١٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٣ ) أبواب النجاسات ب (١٠) ح (٢).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٦٦ ـ ٧٨٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٨ ـ ٦١٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٣ ) أبواب النجاسات ب (١٠) ح (٣) بتفاوت يسير.

(٥) كما في رجال النجاشي : ( ٤٣٠ ـ ١١٥٥ ).

(٦) رجال الكشي ( ٢ : ٨٠٦ ـ ١٠٠٣ و١٠١١ ) ورجال الشيخ : (٤٢٠) ، ولم تثبت رؤية أحد باسم فارس عن الإمام عليه‌السلام سوى فارس بن حاتم الملعون ، بل لم نجد من اسمه فارس سواه وسوى فارس ابن سليمان والأخير لا يروي عن الإمام. ( راجع رجال النجاشي : ٣١٠ ).

٢٦٤

الثالث : المنيّ ، وهو نجس من كل حيوان حلّ أكله أو حرم.

______________________________________________________

غال ملعون (١). وقال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في الخلاصة : أنه فسد مذهبه وبري‌ء منه وقتله بعض أصحاب أبي محمد بالعسكر ، لا يلتفت إلى حديثه ، وله كتب كلّها تخليط (٢).

ونقل عن الفضل بن شاذان أنه ذكر في بعض كتبه : أنّ من الكذّابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني (٣).

ومع سقوط الروايتين يكون المرجع إلى الأصل وهو الطهارة ، كما اختاره ابن بابويه (٤) ، والشيخ في كتابي الحديث (٥) ، وأكثر الأصحاب.

أمّا الجلاّل وهو ما اغتذى بعذرة الإنسان محضا إلى أن يسمى في العرف جلاّلا فذرقه نجس إجماعا ، قاله في المختلف (٦) ، لأنّه غير مأكول اللحم.

قوله : الثالث : المنيّ ، وهو نجس من كل حيوان حلّ أكله أو حرم.

أجمع علماؤنا على نجاسة المني من كلّ حيوان ذي نفس سائلة ، سواء في ذلك الآدمي وغيره ، الذّكر والأنثى ، حكى ذلك العلاّمة في التذكرة صريحا ، وفي المنتهى ظاهرا (٧). والأصل فيه الأخبار المستفيضة كحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه ، فإن ظنّ أنه أصابه منيّ ولم‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ( ٤٢٠ ـ ٣ ).

(٢) خلاصة العلامة : ( ٢٤٧ ـ ٢ ).

(٣) رجال الكشي ( ٢ : ٨٠٧ ).

(٤) الفقيه ( ١ : ٤١ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٢٨٤ ) ، والاستبصار ( ١ : ١٧٨ ).

(٦) المختلف : (٥٥).

(٧) التذكرة ( ١ : ٦ ) ، والمنتهى ( ١ : ١٦١ ، ١٦٢ ).

٢٦٥

______________________________________________________

يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ذكر المني فشدده وجعله أشدّ من البول ، ثم قال : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول » (٢).

ورواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المني يصيب الثوب ، قال : « إن عرفت مكانه فاغسله ، فإن خفي عليك مكانه فاغسله كلّه » (٣) لكن ليس في هذه الروايات ولا غيرها ممّا وقفت عليه دلالة على ما ذكره الأصحاب من التعميم ، وإنما الموجود فيها إطلاق لفظ المني ، والمتبادر منه أنّه مني الإنسان ، إلاّ أنّ الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، مدّعى عليه الإجماع ، فلا مجال للتوقف.

ولا يلحق به المذي : وهو الذي يخرج عقيب الملاعبة والملامسة ، والودي بالدال المهملة : وهو الذي يخرج عقيب البول ، بل هما طاهران عندنا ، لما رواه حريز في الصحيح ، قال : حدّثني زيد الشحّام وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي (٤) فلا تغسله ولا تقطع له‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٥٤ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥٢ ـ ٧٢٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٤).

(٢) الفقيه ( ١ : ١٦١ ـ ٧٥٨ ) بتفاوت يسير ، التهذيب ( ١ : ٢٥٢ ـ ٧٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٢).

(٣) الكافي ( ٣ : ٥٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٥١ ـ ٧٢٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٢٢ ) أبواب النجاسات ب (١٦) ح (٦).

(٤) في « م » والاستبصار : أو وذي.

٢٦٦

وفي منيّ ما لا نفس له ، تردد ، والطهارة أشبه.

الرابع : الميتة ، ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة.

______________________________________________________

الصلاة ، إنما ذلك بمنزلة النخامة » (١).

ونقل عن ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ القول بنجاسة ما ينقض الوضوء من المذي ، وفسره بما يخرج جاريا عقيب شهوة ، لورود الأمر بغسله (٢).

والجواب ـ بعد تسليم السند ـ بالحمل على الاستحباب ، جمعا بين الأدلّة (٣).

فرع : كلّما يخرج من القبل والدبر من رطوبة وغيرها طاهر عدا البول والغائط والمني والدم ، تمسّكا بأصالة الطهارة السالمة من المعارض. وقال بعض العامة بنجاسة الجميع (٤) ، لخروجها من مجرى النجاسة ، وهو باطل ، لأنّ النجاسة لا تتحقق إلاّ بعد خروجها من المجرى.

قوله : وفي منيّ ما لا نفس له ، تردد ، والطهارة أشبه (٥).

إنما كانت الطهارة أشبه لأنها مقتضى الأصل ولا معارض له ، ولا أعرف للتردد في ذلك وجها يعتد به.

قوله : الرابع : الميتة ، ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة.

يندرج في ذي النفس السائلة الآدمي وغيره مما له نفس ، ويخرج منه ما لا نفس له كالسمك ونحوه ، فهنا مسائل ثلاث :

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢١ ـ ٥٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٩٤ ـ ٣٠٥ ) ، الوسائل ( ١ : ١٩٦ ) أبواب نواقض الوضوء ب (١٢) ح (٢).

(٢) في المختلف : (٥٧).

(٣) الجواهر ( ٥ : ٢٩٣ ). لا ينبغي الشك في طهارة سائر ما يخرج من الحيوان من المذي والوذي والودي والقيح وجميع الرطوبات.

(٤) منهم الشافعي في كتاب الأم ( ١ : ٥٥ ).

(٥) هذا القول وشرحه ليس في « م » ، « ق ».

٢٦٧

______________________________________________________

الأولى : ميتة غير الآدمي من ذي النفس ، وهي نجسة بإجماع الناس قاله في المعتبر (١) ، ولم يستدل عليه بشي‌ء ، واحتج عليه في المنتهى بأن تحريم ما ليس بمحرّم ولا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته (٢). وفيه منع ظاهر.

نعم يمكن الاستدلال عليه بالروايات المتضمنة للنهي عن أكل الزيت ونحوه إذا ماتت فيه الفأرة ، والأمر بالاستصباح به (٣) لكنه غير صريح في النجاسة ، وبما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حريز قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام لزرارة ومحمد بن مسلم : « اللبن ، واللّباء ، والبيضة ، والشعر ، والصوف ، والقرن ، والناب ، والحافر ، وكل شي‌ء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه » (٤) وجه الدلالة أنّ الظاهر أنّ الأمر بغسل ما يؤخذ من الدابة بعد الموت إنما هو لنجاسة الأجزاء المصاحبة له من الجلد.

ويتوجه عليه أنّ الأمر بالغسل لا يتعين كونه للنجاسة ، بل يحتمل أن يكون لإزالة الأجزاء المتعلقة به من الجلد المانعة من الصلاة فيه كما يشعر به قوله عليه‌السلام : « اغسله وصلّ فيه ».

وبالجملة : فالروايات متضافرة (٥) بتحريم الصلاة في جلد الميتة ، بل الانتفاع به مطلقا. وأما نجاسته فلم أقف فيها على نص يعتد به ، مع أنّ ابن بابويه ـ رحمه الله تعالى ـ روى في أوائل كتابه من لا يحضره الفقيه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : أنه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن والماء ما ترى فيه؟ فقال : « لا بأس بأن‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤٢٠ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٦٤ ).

(٣) الوسائل ( ١٦ : ٤٦٢ ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (٤٣).

(٤) التهذيب ( ٩ : ٧٥ ـ ٣٢١ ) ، الوسائل ( ١٦ : ٤٤٧ ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (٣٣) ح (٣).

(٥) في « س » و « ق » و « م » : متظاهرة.

٢٦٨

______________________________________________________

تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ولكن لا تصلّ فيها » (١) وذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به أنه لم يقصد في كتابه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رواه قال : بل إنما قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته (٢). والمسألة قوية الإشكال.

وكيف كان فينبغي القطع بعدم تعدي نجاسة الميتة مع اليبوسة ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، ويدل عليه صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال : « ليس عليه غسله ، وليصلّ فيه ولا بأس » (٣).

وجزم العلاّمة في المنتهى بوجوب غسل اليد بمس الميتة مع الرطوبة واليبوسة ، تنظّر في الوجوب بمس الصوف ونحوه ، من صدق اسم مس الميتة ، ومن كون الممسوس لو جزّ كان طاهرا فلا يؤثر اتصاله نجاسة الماس ، ثم استقرب كون النجاسة مع اليبوسة حكمية ، فلو لامس رطبا قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته (٤).

وما ذكره إنما يتجه لو ثبت ورود الأمر بغسل اليد من مس الميتة مطلقا ، وهو منتف كما بيناه ، نعم روى يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته هل يجوز أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٩ ـ ١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥١ ) أبواب النجاسات ب (٣٤) ح (٥).

(٢) الفقيه ( ١ : ٣ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٧٦ ـ ٨١٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩٢ ـ ٦٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٣٥ ) أبواب النجاسات ب (٢٦) ح (٥).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٢٨ ).

٢٦٩

______________________________________________________

قال : « لا يضره ولكن يغسل يده » (١) وبهذه الرواية استدل الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى (٢) على تعدي نجاسة الميتة مع اليبوسة ، وهو غير جيد ، إذ اللازم منه ثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضا وهو معلوم البطلان. والأجود حملها على الاستحباب ، لضعف سندها ، ووجود المعارض كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (٣).

الثانية : ميتة الآدمي ، وقال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : إنّ علماءنا مطبقون على نجاسته بنجاسة عينية كغيره من ذوات الأنفس (٤). ومستنده حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت قال : « يغسل ما أصاب الثوب » (٥) ومثلها رواية إبراهيم بن ميمون عنه عليه‌السلام (٦).

وإطلاق الروايتين يقتضي تعدي نجاسته مع الرطوبة واليبوسة ، وهو خيرة العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في أكثر كتبه (٧) ، لكن قال في المنتهى : إنّ النجاسة مع اليبوسة حكمية ، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميت رطبا لم يؤثر في تنجيسه (٨). وقيل : إنها كغيرها من النجاسات لا تتعدى إلاّ مع الرطوبة (٩) ، للأصل ، وقوله عليه‌السلام في موثقة عبد الله‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦٠ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦٢ ـ ٧٦٣ ) الوسائل ( ٢ : ١٠٥٠ ) أبواب النجاسات ب (٣٤) ح (٣).

(٢) الذكرى : (١٦) ، ثم قال بعد نقلها : والتسوية بين الحيّ والميت تشعر بالاستحباب.

(٣) في ص (٢٨٨).

(٤) المعتبر ( ١ : ٤٢٠ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٦١ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٧٦ ـ ٨١٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩٢ ـ ٦٧١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥٠ ) أبواب النجاسات ب (٣٤) ح (٢).

(٦) الكافي ( ٣ : ١٦١ ـ ٧ ) التهذيب ( ١ : ٢٧٦ ـ ٨١١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٥٠ ) أبواب النجاسات ب (٣٤) ح (١).

(٧) القواعد ( ١ : ٨ ) ، نهاية الأحكام ( ١ : ١٧٣ ).

(٨) المنتهى ( ١ : ١٢٧ ).

(٩) كما في جامع المقاصد ( ١ : ١٨ ).

٢٧٠

وكل ما ينجس بالموت فما قطع من جسده نجس ، حيا كان أو ميتا.

______________________________________________________

ابن بكير : « كل يابس ذكي » (١).

وقال ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ : إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله ، ولو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس المائع ، لأنه لم يلاق جسد الميت ، وحمله على ذلك قياس ، والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل (٢).

ومقتضى كلامه أنّ ما لاقى جسد الميت لا يحكم بنجاسته ، وإنما يجب غسله تعبدا ، والمسألة محل تردد.

وإنما يتعلق به الحكم المذكور بعد البرد وقبل الغسل ، لطهارته بالغسل ، وعدم تحقق انتقال الروح منه بالكلية قبل البرد ، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس » (٣).

الثالثة : ميتة غير ذي النفس ، وقد أجمع علماؤنا على طهارتها كما حكاه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٤) ، والعلاّمة في المنتهى (٥) ، والنصوص به مستفيضة (٦) لكنها ضعيفة السند وهو غير قادح ، لأنها مطابقة لمقتضى الأصل السالم من المعارض ، وقد تقدم الكلام في ذلك في باب الأسئار.

قوله : وكل ما ينجس بالموت فما قطع من جسده نجس ، حيا كان أو ميتا.

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واحتج عليه في المنتهى بأنّ المقتضي‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٩ ـ ١٤١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٥٧ ـ ١٦٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٤٨ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٣١) ح (٥).

(٢) السرائر : (٣٢).

(٣) الفقيه ( ١ : ٨٧ ـ ٤٠٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٣٠ ـ ١٣٧٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٠ ـ ٣٢٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٣١ ) أبواب غسل المس ب (٣) ح (١).

(٤) المعتبر ( ١ : ١٠١ ).

(٥) المنتهى ( ١ : ٢٨ ).

(٦) الوسائل ( ١ : ١٧٣ ) أبواب الأسئار ب (١٠).

٢٧١

وما كان منه لا تحله الحياة كالعظم والشعر فهو طاهر ،

______________________________________________________

لنجاسة الجملة الموت ، وهذا المعنى موجود في الأجزاء فيتعلق بها الحكم (١). وضعفه ظاهر ، إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت (٢) ، وهو لا يصدق على الأجزاء قطعا ، نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حالة الاتصال (٣).

ومن ذلك يظهر قوة القول بطهارة ما ينفصل من البدن من الأجزاء الصغيرة مثل (٤) البثور والثؤلول ، لأصالة الطهارة السالمة من المعارض ، ويشهد له صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون به الثؤلول أو الجراح هل يصلح له أن يقطع الثؤلول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال : « إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوف الدم فلا يفعل » (٥) وترك الاستفصال عقيب السؤال يفيد العموم.

قوله : وما كان منه لا تحله الحياة كالعظم والشعر فهو طاهر ،

قد حصر ذلك في عشرة أشياء ، وهي هذه : العظم ، والظفر ، والظّلف ، والقرن ، والحافر ، والشعر ، والوبر ، والصوف ، والريش ، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى. ولا خلاف بين الأصحاب في طهارة ذلك كله ، ويدل عليه صحيحة ( حريز وقد تقدمت (٦) ، وصحيحة ) (٧) الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٦٥.

(٢) الوسائل ( ٢ : ١٠٥٠ ) أبواب النجاسات ب (٣٤).

(٣) في « ح » زيادة : ولا يخفى ما فيه.

(٤) في جميع النسخ : حول. وصححناها كما في أكثر الكتب الفقهية.

(٥) التهذيب ( ٢ : ٣٧٨ ـ ١٥٧٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٤٠٤ ـ ١٥٤٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٢ ) أبواب النجاسات ب (٦٣) ح (١).

(٦) في ص (٢٦٨).

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

٢٧٢

______________________________________________________

بالصلاة فيما كان من صوف الميتة إنّ الصوف ليس فيه روح » (١) ومقتضى التعليل طهارة كل ما لا روح فيه فيتناول العشرة المذكورة.

وصحيحة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت ، قال : « لا بأس به » قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال : « لا بأس به » قلت : فالصوف والشعر وعظام الفيل والبيضة تخرج من الدجاجة فقال : « كل هذا لا بأس به » (٢).

ويستفاد من روايتي حريز وزرارة طهارة البيض المستخرج من الميتة مطلقا ، وإنما قيّده الأصحاب بما إذا اكتسى القشر الأعلى ، لما رواه غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة فقال : « إن كانت قد اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها » (٣) وفي السند ضعف.

وإطلاق رواية الحلبي يقتضي عدم الفرق في البيض بين كونه من مأكول اللحم أو غيره ، وخصّه العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في النهاية والمنتهى بما كان من مأكول اللحم وحكم بنجاسة غيره (٤) ، وهو مطالب بدليله.

ويستفاد من صحيحة زرارة استثناء الإنفحة أيضا ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهر المنتهى أنه مجمع عليه بين الأصحاب (٥). واختلف كلام أهل اللغة‌

__________________

(١) التهذيب ( ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٨٨ ) أبواب النجاسات ب (٦٨) ح (١).

(٢) الفقيه ( ٣ : ٢١٦ ـ ١٠٠٦ ) ، التهذيب ( ٩ : ٧٦ ـ ٣٢٤ ) ، الإستبصار ( ٤ : ٨٩ ـ ٣٣٩ ) ، الوسائل ( ١٦ : ٤٤٩ ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (٣٣) ح (١٠).

(٣) الكافي ( ٦ : ٢٥٨ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ٩ : ٧٦ ـ ٣٢٢ ) ، الوسائل ( ١٦ : ٤٤٨ ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (٣٣) ح (٦).

(٤) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٧٠ ) ، والمنتهى ( ١ : ١٦٦ ).

(٥) المنتهى ( ١ : ١٦٥ ).

٢٧٣

______________________________________________________

في معناها ، فقيل : إنها كرش السخلة قبل أن تأكل (١). وقيل : إنّها شي‌ء أصفر يستخرج من بطن الجدي (٢). ولعل الثاني أولى ، اقتصارا على موضع الوفاق وإن كان استثناء نفس الكرش أيضا غير بعيد ، تمسّكا بمقتضى الأصل.

وفي وجوب غسل الظاهر من الإنفحة والبيضة وجهان : أظهرهما العدم ، للأصل وإطلاق النص ، وظاهر كلام العلاّمة في المنتهى يعطي الوجوب (٣) ، وهو أحوط.

واختلف الأصحاب في طهارة اللبن المستخرج من ضرع الميتة ، فذهب الشيخ (٤) ـ رحمه الله تعالى ـ وجمع من الأصحاب إلى طهارته ، تمسّكا بمقتضى الأصل وصحيحتي حريز وزرارة المتقدمتين (٥) ، ونقل عليه في الخلاف الإجماع (٦) ، وذهب ابن إدريس (٧) ـ رحمه‌الله ـ والمصنف (٨) والعلاّمة (٩) إلى نجاسته ، لملاقاته الميت ، ولرواية وهب بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عليّا عليه‌السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال عليّ عليه‌السلام : ذلك الحرام محضا » (١٠).

والدليل الأوّل لا يخلو من مصادرة ، والرواية ضعيفة السند جدّا ، فإنّ وهب الراوي قال النجاشي ـ رحمه‌الله ـ : إنه كان كذّابا ، وله أحاديث مع الرشيد ـ عليه اللعنة‌

__________________

(١) كما في الصحاح ( ١ : ٤١٣ ).

(٢) كما في القاموس المحيط ( ١ : ٢٦٢ ) ، المغرب ( ٢ : ٢٢٠ ).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٦٦ ).

(٤) النهاية : (٥٨٥) ، والخلاف ( ١ : ١٩٧ ).

(٥) في ص ( ٢٦٨ ، ٢٧٣ ).

(٦) الخلاف ( ١ : ١٩٧ ).

(٧) السرائر : (٣٦٩).

(٨) الشرائع ( ٣ : ٢٢٣ ) ، والمختصر النافع : (٢٥٣).

(٩) المنتهى ( ١ : ١٦٥ ).

(١٠) التهذيب ( ٩ : ٧٦ ـ ٣٢٥ ) ، الاستبصار ( ٤ : ٨٩ ـ ٣٤٠ ) ، قرب الاسناد : (٦٤) ، الوسائل ( ١٦ : ٤٤٩ ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (٣٣) ح (١١).

٢٧٤

إلا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر.

______________________________________________________

والعذاب ـ في الكذب (١). فلا تعويل عليها.

فرع : قال في التذكرة : فأرة المسك طاهرة ، سواء أخذت من حية أو ميتة (٢). واستقرب في المنتهى نجاستها إن انفصلت بعد الموت (٣) ، وكان الأنسب بقواعدهم اعتبار انفصالها بعد التذكية ، لتصريحهم بنجاسة ما ينفصل من الحي من الأجزاء التي تحلّها الحياة ، إلاّ أنّ ذلك غير ثابت عندنا. والأصح طهارتها مطلقا كما اختاره في التذكرة ، للأصل ، وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل وهو يصلي وهي معه في جيبه أو ثيابه فقال : « لا بأس بذلك » (٤).

ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله بن جعفر في الصحيح ، قال : كتبت إليه ـ يعني أبا محمد عليه‌السلام ـ هل يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ قال : « لا بأس بذلك إن كان ذكيّا » (٥) لجواز أن يكون المراد بالذكي الطاهر ، مع أنّ المنع من استصحابها في الصلاة لا ينحصر وجهه في النجاسة ، والأولى عدم استصحابها في الصلاة إلاّ مع التذكية ، ويكفي في الحكم بذلك شراؤها من المسلم.

قوله : إلاّ أن تكون عينه نجسة ، كالكلب والخنزير والكافر ، على الأظهر.

اختلف الأصحاب في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة من نجس العين كالعظم والشعر ونحوهما ، فذهب الأكثر إلى أنّها نجسة ، ونقل عن السيد المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ

__________________

(١) رجال النجاشي : (٤٣٠).

(٢) التذكرة ( ١ : ٧ ).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٦٦ ).

(٤) الفقيه ( ١ : ١٦٥ ـ ٧٧٥ ) ، التهذيب ( ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٩ ) ، الوسائل ( ٣ : ٣١٤ ) أبواب لباس المصلي ب (٤١) ح (١).

(٥) التهذيب ( ٢ : ٣٦٢ ـ ١٥٠٠ ) ، الوسائل ( ٣ : ٣١٥ ) أبواب لباس المصلي ب (٤١) ح (٢).

٢٧٥

______________________________________________________

في المسائل الناصرية أنه حكم بطهارتها (١) ، والمعتمد الأوّل.

لنا : قول الصادق عليه‌السلام في الكلب : « رجس نجس » (٢) وهو يتناول عظمه وشعره ، لأنهما داخلان في مسمّاه ، وأمر الصادق والكاظم عليهما‌السلام بغسل الثوب الملاقي للكلب والخنزير برطوبة (٣) ، فإنه يشمل ما لاقى الشعر وغيره ، بل الغالب تعلّق الإصابة بالشعر.

وما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان الإسكاف ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شعر الخنزير يخرز به ، قال : « لا بأس ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي » (٤).

أمّا الكافر فلم أقف على نص يقتضي نجاسة ما لا تحله الحياة منه ، فلو قيل بطهارته كان حسنا.

احتج السيد المرتضى على ما نقل عنه : بأنّ ما لا تحلّه الحياة ليس من نجس العين ، لأنه إنما يكون من جملته إذا كان محلا للحياة ، وأنّ ما لا تحلّه الحياة من نجس العين كالمأخوذ من الميتة.

والجواب عن الأول : بالمنع مما ذكره ، فإنّ الأجزاء تتناول ما كان محلا للحياة وغيره. وعن الثاني : بأنه قياس مع الفارق ، فإن المقتضي للتنجيس في الميتة صفة الموت‌

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٨٢).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٢٥ ـ ٦٤٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩ ـ ٤٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٤ ) أبواب النجاسات ب (١١) ح (١).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٣٤ ) أبواب النجاسات ب (٢٦) ح (٢). التهذيب ( ١ : ٢٧٧ ـ ٨١٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩٢ ـ ٦٧٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٣٥ ) أبواب النجاسات ب (٢٦) ح (٧).

(٤) التهذيب ( ٩ : ٨٥ ـ ٣٥٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠١٧ ) أبواب النجاسات ب (١٣) ح (٣).

٢٧٦

ويجب الغسل على من مسّ ميتا من الناس قبل تطهيره وبعد برده بالموت.

______________________________________________________

وهي غير حاصلة فيما لا تحلّه الحياة ، بخلاف نجس العين ، فإنّ نجاسته ذاتية (١).

قوله : ويجب الغسل على من مسّ ميتا من الناس قبل تطهيره وبعد برده.

ذكر غسل المس في هذا الباب استطراد ، وكان الأولى ذكره بعد غسل الأموات كما فعل في النافع.

وقد اختلف الأصحاب في وجوب غسل المس ، فقال الشيخان ، وابنا بابويه (٢) ، وأكثر الأصحاب بالوجوب. وقال السيد المرتضى ـ رضي الله تعالى عنه ـ في شرح الرسالة والمصباح بالاستحباب ، والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار الدالة على ذلك ، وهي كثيرة جدا ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت : الرجل يغمض الميت أعليه غسل؟ فقال : « إذا مسه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل » قلت : فالذي يغسله يغتسل؟ قال : « نعم » (٣).

وفي الصحيح ، عن عاصم بن حميد ، قال : سألته عن الميت إذا مسّه الإنسان ، أفيه غسل؟ قال ، فقال : « إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل » (٤).

وفي الصحيح ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الدرة النجفية : (٤٩).

فإن يكن من نجس فهو نجس

كأصله والقول بالطهر درس

(٢) المفيد في المقنعة : (٦) ، والشيخ في الخلاف ( ١ : ٦٨ ) ، والمبسوط ( ١ : ٤٠ ) ، والصدوق في الفقيه ( ١ :٤٥ ) ، والمقنع : (٢٠) ، ونقله عن والده في المختلف : (٢٨).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٦٠ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٢٨ ـ ١٣٦٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٢٧ ) أبواب غسل المس ب (١) ح (١).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٢٩ ـ ١٣٦٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٠ ـ ٣٢٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٢٨ ) أبواب غسل المس ب (١) ح (٣).

٢٧٧

______________________________________________________

حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبّله وهو ميت ، فقلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال : « أما بحرارته فلا بأس ، إنما ذاك إذا برد » (١). وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يغتسل الذي غسّل الميت ، وإن قبّل الميت إنسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ، ولكن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس بأن يمسه بعد الغسل ويقبّله » (٢).

وقد ظهر من هذه الروايات أنّ الغسل إنما يجب بمسه بعد البرد وقبل الغسل ، قال في المنتهى : وهو مذهب علماء الأمصار (٣). ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس » (٤).

ويندرج في من غسّل من تقدّم غسله على موته ، ومن غسّل غسلا صحيحا ولو مع فقد الخليطين ، ويخرج منه من لم يغسّل وقد برد ، والميمّم ولو عن بعض الغسلات ، لأن التيمم خلاف الغسل وإن كان بدلا عنه ، إذ البدلية لا تقتضي المساواة من جميع الوجوه.

وقد قطع المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ في المعتبر بعدم وجوب الغسل بمس الشهيد (٥). وهو كذلك ، لأن ظاهر الروايات أنّ الغسل إنما يجب بمس الميت الذي يجب‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٢٩ ـ ١٣٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٢٧ ) أبواب غسل المس ب (١) ح (٢).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٦٠ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٠٨ ـ ٢٨٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٩٩ ـ ٣٢٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٣٠ ) أبواب غسل المس ب (١) ح (١٥).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٢٨ ).

(٤) الفقيه ( ١ : ٨٧ ـ ٤٠٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٣٠ ـ ١٣٧٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٠ ـ ٣٢٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٣١ ) أبواب غسل المس ب (٣) ح (١).

(٥) المعتبر ( ١ : ٣٤٨ ).

٢٧٨

وكذا من مسّ قطعة منه فيها عظم. وغسل اليد على من مسّ ما لا عظم فيه ، أو مسّ ميتا له نفس من غير الناس.

______________________________________________________

تغسيله قبل أن يغسل ، ويعضده أصالة البراءة ، وانتفاء العموم في الأخبار الموجبة بحيث تتناول كل ميت.

وفي وجوب الغسل بمس عضو كمل غسله قبل تمام غسل الجميع وجهان أقربهما الوجوب ، لإطلاق الأمر بالغسل بمس الميت بعد برده ، خرج منه ما بعد الغسل بالإجماع ، وقوله عليه‌السلام : « مس الميت عند موته وبعد غسله ليس به بأس » فبقي الباقي.

وقيل : لا يجب ، لصدق كمال الغسل بالإضافة إلى ذلك العضو ، ولأنه لو كان منفصلا لما وجب الغسل بمسه قطعا فكذا مع الاتصال لعدم تعقل الفرق (١). وضعف الوجهين ظاهر.

قوله : وكذا من مسّ قطعة منه فيها عظم.

ظاهر العبارة يعطي اختصاص الحكم بما إذا كانت القطعة مبانة من الميت ، وجزم المصنف ـ رحمه‌الله ـ في النافع بوجوب الغسل بمس القطعة ذات العظم ، سواء أبينت من حيّ أو من ميت (٢) ، وهو اختيار الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (٣) ، ونقل عليه في الخلاف الإجماع.

واستدل عليه في المعتبر برواية أيوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسه إنسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (٤) ثم‌

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٦٤ ).

(٢) المختصر النافع : (١٥).

(٣) النهاية : (٤٠) ، والمبسوط ( ١ : ١٨٢ ) ، والخلاف ( ١ : ٢٨٤ ).

(٤) الكافي ( ٣ : ٢١٢ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٢٩ ـ ١٣٦٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٠ ـ ٣٢٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٣١ ) أبواب غسل المس ب (٢) ح (١).

٢٧٩

______________________________________________________

قال : والذي أراه التوقف في ذلك ، فإن الرواية مقطوعة ، والعمل بها قليل ، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت ، فإذا الأصل عدم الوجوب ، وإن قلنا بالاستحباب كان تفصيا من اطراح قول الشيخ والرواية (١). هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ وهو في محله.

وأجاب عنه في الذكرى بأن هذه القطعة جزء من جملة يجب الغسل بمسها ، فكل دليل دل على وجوب الغسل بمس الميت فهو دال عليها ، وبأن الغسل يجب بمسها متصلة فلا يسقط بالانفصال ، وبأنه يلزم عدم الغسل لو مس جميع الميت ممزّقا (٢).

ويتوجه على الأول أنّ كون هذه القطعة جزءا من جملة يجب الغسل بمسها لا يقتضي وجوب الغسل بمسها منفصلة ، وقوله : إن كل دليل دل على وجوب الغسل بمس الميت فهو دال عليها ، ممنوع ، فإن المتبادر من معنى الميت الجملة وهو خلاف الأجزاء ، على أنّ ذلك لو تم لاقتضى وجوب الغسل بمس القطعة غير ذات العظم أيضا ولا قائل به.

وعلى الثاني أنّ الغسل إنما وجب بمس القطعة متصلة لصدق اسم مس الجملة ، وهذا المعنى مفقود مع الانفصال فينتفي الحكم.

وعلى الثالث منع بطلان اللازم ، إذ لا دليل عليه. على أنّ هذه الأوجه الثلاثة بتقدير تسليمها إنما تنهض على وجوب الغسل بمس المبانة من الميت خاصة ، والمدعى أعم من ذلك.

وبالجملة فالفارق بين ذات العظم وغيرها هو النص المتقدم (٣) ، وحيث ظهر ضعفه تعين الرجوع فيهما إلى مقتضى الأصل وهو عدم الوجوب.

ومن ذلك يعلم عدم وجوب الغسل بمس العظم المجرد ، خلافا للشهيد ـ رحمه‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٥٢ ).

(٢) الذكرى : (٧٨).

(٣) في ص (٢٧٩).

٢٨٠