مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

الثاني : يجب عليه طلب الماء فإن أخلّ بالطلب وصلّى ثم وجد الماء في‌

______________________________________________________

يكون مستنده رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه : إنه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ، ويعيد إذا انصرف » (١). وهي ضعيفة السند جدا. والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلى صلاة مأمورا بها ، إذ التقدير عدم التمكن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة.

قوله : وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية والمبسوط (٢) ، إلاّ أنّ المسألة في كلامه مفروضة في نجاسة الثوب لا البدن. ولعل مستنده رواية عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فيه ، وليس يجد ماءا يغسله كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلي ، فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد الصلاة » (٣). وهي ضعيفة السند ، لأن رجالها فطحية. والأصح أنه لا إعادة عليه ، لأنه صلى صلاة مأمورا بها ، والأمر يقتضي الإجزاء.

قوله : الثاني ، يجب عليه طلب الماء ، فإن أخلّ بالطلب وصلّى ثم وجد الماء‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٨٥ ـ ٥٣٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٨١ ـ ٢٥٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٥ ) أبواب التيمم ب (١٥) ح (١).

(٢) النهاية : (٥٥) ، والمبسوط ( ١ : ٣٥ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤٠٧ ـ ١٢٧٩ ) ، و ( ج ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٩ ـ ٥٨٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٠ ) أبواب التيمم ب (٣٠) ح (١).

٢٤١

رحله أو مع أصحابه تطهّر وأعاد الصلاة.

الثالث : من عدم الماء وما يتيمّم به لقيد أو حبس في موضع نجس ، قيل : يصلي ويعيد ، وقيل : يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضى ، وقيل : يسقط الفرض أداء وقضاء ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

في رحله أو مع أصحابه تطهّر وأعاد الصلاة.

قد تقدم الكلام في ذلك ، وأنّ الأظهر عدم وجوب الإعادة متى كان التيمم مشروعا والصلاة مأمورا بها ، لأن الأمر يقتضي الإجزاء. ولو لم يكن كذلك وقعت الصلاة باطلة ووجب إعادتها سواء وجد الماء في محل الطلب أم لا.

قوله : الثالث ، من عدم الماء وما يتيمّم به لقيد أو حبس في موضع نجس ، قيل : يصلي ويعيد ، وقيل : يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضى ، وقيل : يسقط الفرض ، أداء وقضاء ، وهو أشبه.

أما سقوط الأداء فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا صريحا ، لأن الطهارة شرط في الصلاة مطلقا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) وقد تعذرت فيسقط التكليف بها ، ويلزم من سقوط التكليف بها سقوط التكليف بالمشروط ، وإلاّ فإن بقي الاشتراط لزم تكليف ما لا يطاق ، وإن انتفى خرج المشروط مطلقا عن كونه مشروطا ( مطلقا ) (٢) وهو باطل.

وما حكاه المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ من القول بالصلاة والإعادة لا أعلم به قائلا ، ولعله أشار بذلك إلى ما ذكره الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في المبسوط من تخييره بين‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٩ ـ ١٤٤ ) و ( ص ٢٠٩ ـ ٦٠٥ ) و ( ج ٢ : ١٤٠ ـ ٥٤٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٥٥ ـ ١٦٠ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٥٦ ) أبواب الوضوء ب (١) ح (١).

(٢) ليست في « ق » و « م ».

٢٤٢

______________________________________________________

تأخير الصلاة أو الصلاة والإعادة (١) ، وهو ـ مع ضعفه ـ لا يدل على تعين الأداء.

ونقل عن المفيد ـ رحمه‌الله ـ في رسالته إلى ولده أنه قال : وعليه أن يذكر الله تعالى في أوقات الصلاة بمقدار صلاته (٢).

وأما القضاء ففيه للأصحاب قولان : أحدهما السقوط ، اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا ، وفي المعتبر ، ونقله عن المفيد في أحد قوليه. واحتج عليه بأنها صلاة سقطت بحدث لا يمكن إزالته ، فلا يجب قضاؤها كصلاة الحائض ، وبأن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة (٣).

والثاني الوجوب ، اختاره المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة (٤) ، والشيخ في المبسوط (٥) ، والسيد المرتضى في المسائل الناصرية (٦) ، وابن إدريس (٧) ـ رحمهم‌الله.

وهو الأظهر ، لعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « ومتى [ ما ] (٨) ذكرت صلاة فاتتك صليتها » (٩).

وفي صحيحة أخرى لزرارة : « أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة‌

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ٣١ ).

(٢) المختلف : (١٤٩).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٨٠ ).

(٤) المقنعة : (٨).

(٥) المبسوط ( ١ : ٣١ ).

(٦) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٩٠).

(٧) السرائر : (٢٦).

(٨) من المصدر.

(٩) الكافي ( ٣ : ٢٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ) ، الوسائل ( ٣ : ٢١١ ) أبواب المواقيت ب (٦٣) ح (١).

٢٤٣

الرابع : إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهّر. وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة. وإن وجده وهو في الصلاة ، قيل : يرجع ما لم يركع ، وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

فاتتك ، فمتى ما ذكرتها أديتها » (١) الحديث.

وما قيل من أنّ سقوط الأداء يستلزم سقوط القضاء (٢) ، فدعوى مجردة عن الدليل ، مع انتقاضها بوجوب القضاء على الساهي والنائم ، ووجوب قضاء الصوم على الحائض.

قوله : الرابع ، إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهّر ، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة ، وإن وجده وهو في الصلاة ، قيل : يرجع ما لم يركع ، وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبّس بتكبيرة الإحرام حسب ، وهو الأظهر.

إذا وجد المتيمم الماء وتمكن من استعماله فله صور :

إحداها : أن يجده قبل الشروع في الصلاة فينتقض تيممه ويجب عليه استعمال الماء ، فلو فقده بعد التمكن من ذلك أعاد التيمم. قال في المعتبر : وهو إجماع أهل العلم (٣).

وإطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين أن يبقى من الوقت مقدار ما يسع الطهارة والصلاة وعدمه ، وهو مؤيد لما ذكرناه فيما سبق من أنّ من أخلّ باستعمال الماء حتى ضاق الوقت يجب عليه الطهارة المائية والقضاء ، لا التيمم والأداء.

وثانيتها : أن يجده بعد الصلاة ولا إعادة عليه لما سبق ، لكن ينتقض تيممه لما يأتي. قال في المعتبر : وهو وفاق أيضا (٤).

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ) ، الوسائل ( ٥ : ٣٥٠ ) أبواب قضاء الصلوات ب (٢) ح (١).

(٢) المختلف : (٥٣).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٩٩ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٣٩٩ ).

٢٤٤

______________________________________________________

وثالثتها : أن يجده في أثناء الصلاة. وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط والخلاف : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام (١). وهو اختيار المرتضى في مسائل الخلاف (٢) ، وابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ (٣) ، للأصل ، ولما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : حدثني محمد بن سماعة ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال : « يمضي في الصلاة ، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت » (٤).

وقال الشيخ في النهاية : يرجع ما لم يركع (٥). وهو اختيار ابن أبي عقيل (٦) ، وأبي جعفر ابن بابويه (٧) ، والمرتضى في شرح الرسالة (٨). لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة؟ قال : « فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته ، فإنّ التيمم أحد الطهورين » (٩).

وعن عبد الله بن عاصم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد‌

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ٣٣ ) ، والخلاف ( ١ : ٣٣ ).

(٢) نقله عنه في السرائر : (٢٧) ، والمعتبر ( ١ : ٤٠٠ ).

(٣) السرائر : (٢٧).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٠٣ ـ ٥٩٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٦ ـ ٥٧٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٢ ) أبواب التيمم ب (٢١) ح (٣).

(٥) النهاية : (٤٨).

(٦) نقله عنه في المختلف : (٥١).

(٧) المقنع : (٩).

(٨) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٤٠٠ ) ، والذكرى : (١١٠).

(٩) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩١ ) أبواب التيمم ب (٢١) ح (١).

٢٤٥

______________________________________________________

الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة ، فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : « إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » (١). وهذه الرواية مروية في التهذيب بثلاث طرق ، أقربها إلى الصحة ما رواه الشيخ ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن عاصم. وفي الحسن بن الحسين اللؤلؤي توقف وإن وثّقه النجاشي (٢) ، لقول الشيخ : إن ابن بابويه ضعفه (٣).

قال المصنف في المعتبر : ورواية ابن حمران أرجح من وجوه ، منها : أنه أشهر في العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدم. ومنها : أنه أخف وأيسر ، واليسر مراد لله تبارك وتعالى. ومنها : أنّ مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد الله بالتنزيل على الاستحباب ، ولو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل (٤).

قلت : ويؤيدها أيضا مطابقتها لمقتضى الأصل ، والعمومات الدالة على تحريم قطع الصلاة ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قال ، قلت : في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلّى ركعتين ، ثم أصاب الماء ، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال : « لا ، ولكنه يمضي في صلاته ، ولا ينقضها لمكان أنه دخلها على طهور بتيمم » (٥) فإن التعليل يقتضي وجوب المضي في الصلاة مع الدخول فيها ولو بتكبيرة الإحرام.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦٤ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٤ ـ ٥٩١ ، ٥٩٢ ، ٥٩٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٦ ـ ٥٧٦ ) ، السرائر : (٤٨٦) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٢ ) أبواب التيمم ب (٢١) ح (٢).

(٢) رجال النجاشي : ( ٤٠ ـ ٨٣ ).

(٣) رجال الشيخ : ( ٤٦٩ ـ ٤٥ ).

(٤) في « ق » ، « م » : محتمل.

(٥) الفقيه ( ١ : ٥٨ ـ ٢١٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٥ ـ ٥٩٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٧ ـ ٥٨٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٢ ) أبواب التيمم ب (٢١) ح (٤).

٢٤٦

______________________________________________________

وأجاب العلامة ـ رحمه الله تعالى ـ في المنتهى عن روايتي زرارة وعبد الله بن عاصم بالحمل على الاستحباب ، أو على أنّ المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان ، وبقوله : « ما لم يركع » ما لم يتلبس بالصلاة ، وبقوله : « وإن كان قد ركع » دخوله فيها ، إطلاقا لاسم الجزء على الكل (١). ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد وشدة المخالفة للظاهر. أما الأول فلا بأس به.

ويمكن الجمع بين الروايات أيضا بحمل المطلق على المقيد ، إلاّ أنّ ظاهر قوله في رواية محمد بن حمران : ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، يأباه ، إذ المتبادر منه أول وقت الدخول ، وكذا التعليل المستفاد من رواية زرارة ، فإنه شامل لما قبل الركوع وبعده. وفي المسألة أقوال أخر نادرة لا عمل عليها.

وهنا مباحث :

الأول : إذا حكمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء ـ إما لكونه قد تجاوز محل القطع أو قلنا بالاكتفاء بالشروع ـ فهل يعيد التيمم لو فقد الماء قبل فراغه من الصلاة أم لا؟ فيه قولان أظهرهما عدم الإعادة ، وهو اختيار المصنف في المعتبر (٢) ، لأن المانع الشرعي كالمانع الحسي بل أقوى ، ولأنه يجب الحكم باستمرار التيمم إلى الفراغ قطعا ، وعند الفراغ لا تمكّن من استعمال الماء لأنه المقدر.

وقال الشيخ في المبسوط : إنه ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها من الصلوات (٣) ، وقواه في المنتهى (٤) ، ومال إليه في التذكرة ، لأنه تمكن عقلا من استعمال الماء ، قال :

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٥٥ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٠١ ).

(٣) المبسوط ( ١ : ٣٣ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٥٥ ).

٢٤٧

______________________________________________________

والمنع الشرعي لا يرفع القدرة ، لأنها صفة حقيقة والحكم معلق عليها (١). وضعفه ظاهر.

وفرّع بعض الفقهاء على هذا القول أنه لا يجوز للمصلي العدول إلى فائتة سابقه ، لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كل صلاة غير هذه. وهو بعيد جدا.

ولو قلنا باستحباب القطع قبل الركوع فأتم ، فالأظهر أنه كذلك ، لما ذكرناه من استمرار الإباحة إلى الفراغ ، ويقوّى قول الشيخ هنا ، لانتفاء المنع من الاستعمال عقلا وشرعا (٢).

الثاني : لو كان في نافلة ثم وجد الماء احتمل مساواته للفريضة ، لإطلاق الأخبار المتناولة للفريضة والنافلة ، وبه جزم الشهيد في البيان (٣) ، وجدي ـ قدس‌سره ـ في الشرح (٤). ويحتمل قويا انتقاض تيممه بوجود الماء ، لجواز قطع النافلة اختيارا ، فينتفي المانع من استعماله عقلا وشرعا.

الثالث : المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب تحريم الرجوع بعد فوات محله ، سواء قلنا أنه التلبس بالصلاة أو الركوع أو غيرهما.

واستقرب العلامة ـ رحمه الله تعالى ـ في التذكرة جواز العدول إلى النفل مع سعة الوقت ، لأن فيه الجمع بين صيانة الفريضة عن الإبطال وأداء الفريضة بأكمل الطهارتين (٥). والأصح المنع ، لأن حمله على ناسي الأذان ، ومريد فضيلة الجماعة قياس‌

__________________

(١) التذكرة ( ١ : ٦٥ ).

(٢) في « ق » ، « م » : عرفا.

(٣) البيان : (٣٦).

(٤) المسالك ( ١ : ١٧ ).

(٥) التذكرة ( ١ : ٦٥ ).

٢٤٨

الخامس : المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء.

______________________________________________________

باطل ، ولأنه لو جاز العدول إلى النفل لجاز الإبطال بغير واسطة ، وهو لا يقول به. ولو ضاق الوقت حرم ذلك قطعا.

قوله : الخامس ، المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء.

يندرج في ذلك الصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ، وقراءة العزائم ، ومسّ كتابة المصحف ، وغير ذلك مما يستبيحه المتطهر بالماء. وبهذا التعميم صرح العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى من غير نقل خلاف إلاّ من الأوزاعي ، فإنه نقل عنه كراهة مسّ المصحف للمتيمم (١).

ومنع ولده فخر المحققين ـ رحمه الله تعالى ـ من استباحة اللبث به في المساجد ، لقوله تعالى ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٢) حيث جعل نهاية التحريم الغسل فلا يستباح بغيره ، وإلاّ لم تكن الغاية غاية ، وألحق به مس كتابة القرآن لعدم فرق الأمة بينهما [ هنا ] (٣).

والأصح أنه مبيح للجميع ، لقول (٤) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : « يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » (٥) وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة حماد : « هو بمنزلة الماء » (٦) وفي صحيحة محمد بن مسلم : « قد فعل أحد الطهورين » (٧) وفي صحيحة‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٥٦ ).

(٢) النساء : (٤٣).

(٣) إيضاح الفوائد ( ١ : ٦٦ ) ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) في « ح » : لعموم قول.

(٥) الفقيه ( ١ : ٥٩ ـ ٢٢١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٩٤ ـ ٥٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٥ ) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (٤).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٥ ) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (٢).

(٧) التهذيب ( ١ : ١٩٧ ـ ٥٧١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦١ ـ ٥٥٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٥ ) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (٦).

٢٤٩

السادس : إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به ، وإن كان ملكا لهم جميعا أو لا مالك له أو مع مالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب به. وقيل : بل يختص به الميت ، وفي ذلك تردد.

______________________________________________________

جميل : « إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (١).

والجواب عن الآية بالمنع من دلالتها على ما ذكره ، لأن إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا يصار إليه إلاّ مع القرينة ، مع احتمالها لغير ذلك المعنى احتمالا ظاهرا ، وهو أن يكون متعلق النهي الصلاة في أحوال الجنابة إلاّ في حال السفر ، لجواز تأديتها حينئذ بالتيمم. وأيضا : فإن ذلك لا ينافي حصول الإباحة بدليل من خارج ، وهو ثابت كما بيناه.

قوله : السادس ، إذا اجتمع ميت وجنب ومحدث ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم. فإن كان ملكا لأحدهم اختص به ، وإن كان ملكا لهم جميعا أو لا مالك له أو لمالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب به. وقيل : بل يختص به الميت ، وفي ذلك تردد.

إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به ولم يكن له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله ، لوجوب صرفه في طهارته.

ولو كان مباحا وجب على كل من المحدث والجنب المبادرة إلى حيازته ، فإن سبق إليه أحدهما اختص به ، ولو توافيا دفعة اشتركا ، ولو تغلب أحدهما أثم وملك.

وإن كان ملكا لهم جميعا أو لمالك يسمح ببذله ، فلا ريب أن لملاّكه الخيرة في‌

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٦٠ ـ ٢٢٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٤ ) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (١) ، وص (٩٩٥) ب (٢٤) ح (٢) ، وفي الكافي ( ٣ : ٦٦ ـ ٣ ) صدر الحديث.

٢٥٠

______________________________________________________

تخصيص من شاؤوا به ، وإنما الكلام في من الأولى؟ فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية إنه الجنب (١). وقيل : الميت ، حكاه المصنف ـ رحمه‌الله ـ ، ولا أعرف قائله.

وقال الشيخ في الخلاف : إن كان الماء لأحدهم فهو أحق به ، وإن لم يكن لواحد بعينه تخيروا في التخصيص ، لأنها فروض اجتمعت وليس بعضها أولى من بعض فتعين التخيير ، ولأن الروايات اختلفت على وجه لا ترجيح ، فتحمل على التخيير (٢). ومقتضى ذلك انتفاء الأولوية.

والأصح ما اختاره المصنف من أفضلية تخصيص الجنب به ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران : إنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب ، والثاني ميت ، والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ فقال : « يغتسل الجنب ، ويدفن الميت (٣) ، ويتيمم الذي هو على غير وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز » (٤).

احتج القائل بتقديم الميت بأنّ الجنب يستدرك طهارته والميت لا استدراك لطهارته ، وبما رواه محمد بن علي عن بعض أصحابه : قلت : الميت والجنب يتفقان ولا يكون الماء إلاّ بقدر كفاية أحدهما أيهما أولى؟ قال : « يتيمم الجنب ويغتسل الميت » (٥).

والجواب عن الأول بأن الاعتبار لا يعارض النص ، مع أنه معارض بتعبد الجنب‌

__________________

(١) النهاية : (٥٠).

(٢) الخلاف ( ١ : ٤٣ ).

(٣) في المصدر زيادة : بتيمم.

(٤) الفقيه ( ١ : ٥٩ ـ ٢٢٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٧ ) أبواب التيمم ب (١٨) ح (١).

(٥) التهذيب ( ١ : ١١٠ ـ ٢٨٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٢ ـ ٣٣٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٨ ) أبواب التيمم ب (١٨) ح (٥).

٢٥١

السابع : الجنب إذا تيمّم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل ، سواء كان حدثه أصغر أو أكبر.

______________________________________________________

بطهارته بخلاف الميت ، وبأن للجنب غايتين : استباحة الصلاة ، وطهارة بدنه من الحدث. وللميت الثانية لا غير.

وعن الرواية بالطعن في سندها بالضعف والإرسال والإضمار ، فلا تصلح لمعارضة الخبر الصحيح.

ولو كان الماء مع غيرهم والتمس الأولى ، أو أوصى بصرفه إلى الأولى دفعه إلى الجنب.

ولو كفى الحدث خاصة اختص به ، ويمكن صرفه إلى بعض أعضاء الجنب توقعا للباقي. أما لو قصر عنهما تعين الجنب ، لاشتراط الموالاة في الوضوء دون الغسل ، فلو استعمله وتعذر الإكمال يتيمم.

ولو أمكن الجمع بأن يتوضأ المحدث ، ثم يجمع الماء ويغتسل به الجنب الخالي بدنه من النجاسة ، ثم يجمع ماؤه ويغسّل به الميت وجب.

ولو جامعهم ذات دم ، أو ماسّ ميت ، أو مزيل طيب للإحرام فإشكال ، والتخيير حسن ، واستعمال القرعة أولى. أما العطشان فإنه أولى من الجميع قطعا.

قوله : السابع : الجنب إذا تيمّم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل ، سواء كان حدثه أصغر أو أكبر.

أجمع العلماء كافة على أنّ التيمم لا يرفع الحدث ، حكاه في المعتبر ، واحتج عليه بأن المتيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق ، فلو لم يكن الحدث السابق باقيا لكان وجوب الطهارة لوجود الماء إذ لا وجه غيره ، ووجود الماء ليس حدثا بالإجماع. ولأنه لو كان حدثا لوجب استواء المتيممين في موجبه ضرورة استوائهم فيه ،

٢٥٢

______________________________________________________

لكن هذا باطل لأن المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ (١).

ولا ريب فيما ذكره ، لكن لا يلزم منه امتناع الرفع فيه إلى غاية معينة وهو الحدث أو وجود الماء ، وهو المعبر عنهم في كلامهم بالاستباحة.

إذا تقرر ذلك فنقول : إذا تيمم الجنب بدلا من الغسل ثم أحدث حدثا أصغر ، فذهب أكثر الأصحاب إلى أنّ الواجب عليه التيمم بدلا من الغسل ، لأن الجنابة باقية ، والاستباحة زالت بالحدث الأصغر ، فيجب التيمم بدلا من الغسل. ويدل عليه أيضا قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا ، والوضوء إن لم تكن جنبا » (٢).

واستدل عليه في المختلف (٣) بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به ، قال : « يتيمم ولا يتوضأ » (٤). وهي إنما تدل على النهي عن الوضوء قبل التيمم عن الجنابة فلا يلزم مثله فيما بعده.

وقال السيد المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح الرسالة : إن المجنب إذا تيمم ثم أحدث حدثا أصغر ، ووجد ما يكفيه للوضوء توضأ به ، لأن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى ، وقد وجد من الماء ما يكفيه لها فيجب عليه استعماله (٥). والظاهر أنّ مراده بارتفاع حدثه ارتفاعه إلى أن يتمكن من الغسل ، لا ارتفاعه مطلقا ، وإلاّ لما وجب الغسل عند التمكن من استعمال الماء لأنه ليس حدثا إجماعا.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٩٤ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦١١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٢ ـ ٥٩٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٤).

(٣) المختلف : (٥٥).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٠٥ ـ ١٢٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٦ ) أبواب التيمم ب (٢٤) ح (٤).

(٥) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٣٩٥ ) ، والمختلف : (٥٥).

٢٥٣

الثامن : إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيمّمه. ولو فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديد التيمم.

______________________________________________________

وجوابه : المنع من ارتفاع الحدث السابق إلى أن يتمكن من الغسل ، بل القدر المتحقق ارتفاعه إلى أن يحصل أحد الأمرين : إما التمكن من الغسل أو الحدث ، ومع حصول أحدهما ينتهي الرفع ويظهر أثر الحدث السابق.

قوله : الثامن ، إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيمّمه ، ولو فقده بعد ذلك افتقر الى تجديد التيمم.

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، والنصوص الواردة به مستفيضة (١). والمراد بالتمكن أن لا يكون له مانع حسي ولا شرعي يمنعه من الاستعمال.

وهل يعتبر في انتقاض التيمم مضي زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة المائية أم لا؟

فيه وجهان أحدهما : نعم ، لامتناع التكليف بعبادة في وقت لا يسعها ، فإذا تلف الماء مثلا قبل مضي زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة تبين عدم التكليف ( فيه ) (٢) باستعمال الماء ، فيلزم بقاء التيمم ، لأن النقض إنما يتحقق بتمكنه من المبدل.

والثاني : لا يعتبر ، لصدق التمكن من استعمال الماء بحسب الظاهر. ولعل الأول أولى.

فرعان : الأول : لو وجد جماعة متيممون ماءا مباحا يكفي أحدهم ، قال في المنتهى : انتقض تيممهم جميعا ، لوجود الدليل الدال على انتقاض التيمم بوجود الماء ، وهو صادق في حق كل واحد منهم (٣).

وينبغي تقييده بما إذا حصل التمكن من استعماله للجميع ، أما لو تبادروا إلى‌

__________________

(١) الوسائل ( ٢ : ٩٨١ ) أبواب التيمم ب (١٤).

(٢) من « ح ».

(٣) المنتهى ( ١ : ١٥٨ ).

٢٥٤

ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت ما لم يحدث أو يجد الماء.

______________________________________________________

حيازته فسبق أحدهم انتقض تيممه خاصة ، ولم ينتقض تيمم الباقين إلاّ إذا بذله لهم.

الثاني : لو لم يجد الماء إلاّ في المسجد وكان جنبا فالأظهر أنه يجوز له الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا. ولو لم يكن معه ما يغرف به فقد استقرب في المنتهى جواز اغتساله في المسجد (١). وهو حسن إن لم يتحقق معه الجلوس ، للأصل ( واختصاص النهي بالجلوس في المسجد ، كما بيناه في ما سبق ) (٢).

قوله : ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت ، ما لم يحدث أو يجد الماء.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة. فروى حماد بن عثمان في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمم لكل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (٣).

وروى زرارة في الصحيح قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال : « نعم ما لم يحدث أو يصيب ماءا » قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظنّ أنه يقدر عليه ، فلما أراده تعسر ذلك عليه؟ قال : « ينقض ذلك تيممه وعليه أن يعيد التيمم » (٤).

وقال بعض العامة : ينتقض التيمم بخروج الوقت ، لأنها طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة (٥). ولا ريب في بطلانه.

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٥٨ ).

(٢) ما بين القوسين من « ح ».

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٠ ) أبواب التيمم ب (٢٠) ح (٣).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٤ ـ ٥٧٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٠ ) أبواب التيمم ب (٢٠) ح (١).

(٥) نقله عن أبي ثور في المحلى ( ٢ : ١٣١ ).

٢٥٥

التاسع : من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه جاز له التيمم ، ولا يبعّض الطهارة.

العاشر : يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنية الندب ، ولا يجوز له الدخول به في غير ذلك من أنواع الصلاة.

______________________________________________________

قوله : التاسع ، من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه جاز له التيمم ، ولا يبعّض الطهارة.

رد بذلك على الشافعي حيث قال : إنّ من هذا شأنه يغسل الأعضاء التي يقدر على غسلها ويتيمم عن العضو المريض ، فتتلفق طهارته من المائية والترابية (١). وهو باطل ، لأن تقسيم الطهارة إلى الوضوء والغسل ، والتيمم يقطع الشركة بينها.

وقول المصنف ـ رحمه‌الله ـ : لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه ، يمكن أن يريد به انتفاء القدرة على غسل العضو إن كان مغسولا ، ومسحه إن كان ممسوحا ، ولا ينافي ذلك ما ذكره في أحكام الجبيرة من أنها لو عمّت عضوا كاملا مسح عليه ، ولا ينتقل الى التيمم لاختلاف موضوع المسألتين ، واختصاص النص المتضمن لذلك الحكم بالجبيرة فلا يتعدى الى غيرها.

ويمكن أن يريد به تعذر مسح العضو المريض ولو على الخرقة وإن كان مغسولا ، وعلى هذا فلا تنافي بين المسألتين إلاّ أنّ المتجه الانتقال إلى التيمم في هذه الصورة لتعذر الطهارة المائية المتحقق بتعذر جزئها. وعموم قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ). ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٢).

قوله : العاشر : يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنية الندب.

هذا الحكم ذكره الشيخ في أكثر كتبه (٣) ، واحتج عليه بإجماع الفرقة ، وبما رواه‌

__________________

(١) الام ( ١ : ٤٩ ) ، مختصر المزني : (٧).

(٢) المائدة : (٦).

(٣) المبسوط ( ١ : ٣٥ ) ، النهاية : (١٤٦) ، الخلاف ( ١ : ٤١ ).

٢٥٦

______________________________________________________

زرعة عن سماعة ، قال : سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير طهر ، قال : « يضرب بيديه على حائط اللبن (١) فيتيمم » (٢).

واستشكله المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر بأن الإجماع لا نعلمه ، والرواية ليست صريحة في الجواز مع وجود الماء ، لكن لو قيل : إذا فاجأته الجنازة وخشي فواتها مع الطهارة [ تيمم ] (٣) لها كان حسنا ، لأن الطهارة لما لم تكن شرطا وكان التيمم أحد الطهورين فمع خوف الفوت لا بأس بالتيمم ، لأن حال المتيمم أقرب إلى شبه المتطهرين من الخالي منه (٤).

قلت : ويدل على استحباب التيمم في هذه الحالة أيضا : ما رواه الحلبي في الحسن ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها ، قال : « يتيمم ويصلي » (٥)

__________________

(١) في جميع النسخ : لبن. وصححناه كما في المصدر.

(٢) الكافي ( ٣ : ١٧٨ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٩٩ ) أبواب صلاة الجنازة ب (٢١) ح (٥).

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) المعتبر ( ١ : ٤٠٥ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٧٨ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٩٩ ) أبواب صلاة الجنازة ب (٢١) ح (٦).

٢٥٧

الرّكن الرّابع :

في النجاسات وأحكامها‌

القول في النجاسات ، وهي عشرة أنواع :

الأول والثاني : البول والغائط مما لا يؤكل لحمه ، إذا كان للحيوان نفس سائلة ، سواء كان جنسه حراما كالأسد ، أو عرض له التحريم كالجلال.

______________________________________________________

قوله : الأول والثاني : البول والغائط مما لا يؤكل لحمه ، إذا كان للحيوان نفس سائلة ، سواء كان جنسه حراما كالأسد ، أو عرض له التحريم كالجلاّل.

أجمع علماء الإسلام على نجاسة البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه ، سواء كان ذلك من الإنسان أو غيره إذا كان ذا نفس سائلة ، قاله في المعتبر (١).

والمراد بالنفس السائلة : الدم الذي يجتمع في العروق ويخرج إذا قطع شي‌ء منها بقوة ودفع. ويقابله ما لا نفس له ، وهو الذي يخرج دمه ترشحا كالسمك.

والأخبار الواردة بنجاسة البول في الجملة مستفيضة (٢) ، إلاّ أنّ المتبادر منه بول الإنسان.

ويدل على نجاسته من غير المأكول مطلقا ما رواه الشيخ في الحسن ، عن عبد الله بن‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤١٠ ).

(٢) الوسائل ( ٢ : ١٠٠٧ ) أبواب النجاسات ب (٨).

٢٥٨

______________________________________________________

سنان ، قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) وجه الدلالة أنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، وإضافة الجمع تفيد العموم ، ومتى ثبت وجوب الغسل في الثوب وجب في غيره ، إذ لا قائل بالفصل ، ولا معنى للنجس شرعا إلاّ ما وجب غسل الملاقي له ، بل سائر الأعيان النجسة إنما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب أو البدن من ملاقاتها ، مضافا إلى الإجماع المنقول في أكثر الموارد كما ستقف عليه في تضاعيف هذه المباحث.

أمّا الأرواث فلم أقف فيها على نص يقتضي نجاستها من غير المأكول على وجه العموم ، ولعلّ الإجماع في موضع لم يتحقق فيه المخالف كاف في ذلك.

وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في موضعين :

أحدهما : رجيع (٢) الطير ، فذهب ابن بابويه وابن أبي عقيل والجعفي ـ رحمهم الله تعالى ـ إلى طهارته مطلقا (٣). وقال الشيخ في المبسوط : بول الطيور وذرقها كلّها طاهر إلاّ الخفّاش (٤). وقال في الخلاف : ما أكل فذرقه طاهر ، وما لم يؤكل فذرقه نجس (٥).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٥٧ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦٤ ـ ٧٧٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٠٨ ) أبواب النجاسات ب (٨) ح (٢).

(٢) الرجيع : الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حالته الاولى بعد أن كان طعاما أو علفا ـ المصباح المنير : (٢٢٠).

(٣) الفقيه ( ١ : ٤١ ) ، والمقنع : (٥) ، ونقله عن ابن أبي عقيل في المختلف : (٥٦) ، وعن الجعفي في الذكرى : (١٣).

(٤) المبسوط ( ١ : ٣٩ ).

(٥) الخلاف ( ١ : ١٨١ ).

٢٥٩

______________________________________________________

وبه قال أكثر الأصحاب. واحتج عليه في المعتبر بما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه ، قال : فإنه يتناول موضع النزاع ، لأن الخرء العذرة (١).

وهو غير جيد ، لما بيناه من انتفاء ما يدل على العموم ، ولأنّ العذرة ليست مرادفة للخرء ، بل الظاهر اختصاصها بفضلة الإنسان كما دل عليه العرف ، ونصّ عليه أهل اللغة ، قال الهروي : العذرة أصلها فناء الدار ، وسميت عذرة الناس بهذا ، لأنها كانت تلقى في الأفنية فكنّي عنها باسم الفناء (٢).

واستدل في المختلف على هذا القول أيضا بحسنة عبد الله بن سنان المتقدمة (٣) ، قال : وهي عامة في صورة النزاع (٤). ويشكل بأنها إنما تضمنت نجاسة البول وهو خلاف الذرق.

حجة القائلين بالطهارة : الأصل ، وقوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء طاهر حتى يعلم أنّه قذر » (٥) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : إنّه سأله عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكّه وهو في صلاته؟ قال : « لا بأس » (٦) وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٤١١ ).

(٢) نقله عن أبي عبيد الهروي في لسان العرب ( ٤ : ٥٥٤ ).

(٣) في ص (٢٥٩).

(٤) المختلف : (٥٦).

(٥) المقنع : (٥) ، والمستدرك ٢ : ٥٨٣ ب ٣٠ ح ٤ النجاسات والأواني ب ٢ : ٥٨٣ ب ٣٠ ح ٤ ، ذكرت من دون نسبتها الى المعصوم.

(٦) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، بل وجدناها في الفقيه ( ١ : ١٦٤ ـ ٧٧٥ ) ، قرب الإسناد : (٨٩) ، الوسائل ( ٤ : ١٢٧٧ ) أبواب قواطع الصلاة ب (٢٧) ح (١).

٢٦٠