مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

______________________________________________________

وفي مقابل هذه الأخبار روايات كثيرة دالة بظاهرها على وجوب مسح الوجه كله ، كصحيحة داود بن النعمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمم ، قال : « إن عمارا أصابته جنابة ، فتمعّك (١) كما تتمعك الدابة ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو يهزأ به ـ : يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟ فقلنا له : فكيف التيمم؟ فوضع يديه على الأرض ، ثم رفعهما ، فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا » (٢).

وصحيحة زرارة : قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ـ وذكر التيمم وما صنع عمار ـ فوضع أبو جعفر عليه‌السلام كفيه في الأرض ، ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشي‌ء (٣).

وحسنة الكاهلي ، قال : سألته عن التيمم ، قال : فضرب ( بيده على البساط ، فمسح بها ) (٤) وجهه ، ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى (٥).

وبهذه الروايات أخذ علي بن بابويه ـ رحمه الله تعالى.

ويمكن الجواب عنهما بالحمل على الاستحباب ، أو على أنّ المراد بمسح الوجه مسح بعضه.

قال في المعتبر : والجواب الحق العمل بالخبرين ، فيكون مخيرا بين مسح الوجه‌

__________________

(١) أي : تمرّغ ، والمراد أنه ماسّ التراب بجميع بدنه ـ مجمع البحرين ( ٥ : ٢٨٨ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٠٧ ـ ٥٩٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٠ ـ ٥٩١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٦ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٤).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٠٨ ـ ٦٠٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٧ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٥).

(٤) كذا في النسخ الخطية والمصدر ، وفي « ح » : بيديه. بهما.

(٥) الكافي ( ٣ : ٦٢ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٧ ـ ٦٠٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٠ ـ ٥٨٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٦ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (١).

٢٢١

______________________________________________________

وبعضه ، لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة (١). وهو حسن.

أما مسح الحاجبين بخصوصهما فلم أقف على مستنده.

ومن هنا يظهر أنّ المراد بطرف الأنف : الأعلى لا الأسفل ، إذ النصوص وردت بمسح الجبهة ومسح الجبينين ومسح الوجه ، فلا وجه لإدخال الأنف فيه بخصوصه.

وينبغي البدأة في مسح الجبهة والوجه بالأعلى احتياطا. وقيل (٢) بالوجوب إما لمساواة الوضوء ، أو تبعا للتيمم البياني. وضعفهما ظاهر.

واعتبر أكثر الأصحاب كون المسح بباطن الكفين معا. ونقل عن ابن الجنيد أنه اجتزأ باليد اليمنى ، لصدق المسح (٣) وفي صحيحة زرارة : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح جبينه بأصابعه » (٤).

والأولى المسح بمجموع الكفين ( عملا بجميع الأخبار ) (٥).

الواجب الخامس : مسح ظاهر الكفين ، وحدهما الزند بفتح الزاء وهو : موصل الكف في الذراع ، ويسمى الرسغ بضم الراء فالسين المهملة : فالغين المعجمة ، قاله في الجمهرة (٦).

ونقل ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ عن بعض الأصحاب : أنّ المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رؤوسها (٧).

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٨٦ ).

(٢) كما في الذكرى : (١٠٩) ، وروض الجنان : (١٢٦).

(٣) في الذكرى : (١٠٩).

(٤) الفقيه ( ١ : ٥٧ ـ ٢١٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٧ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٨).

(٥) ما بين القوسين زيادة من « ح ».

(٦) الجمهرة : في اللغة على منوال عين الخليل ، لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي المتوفى (٣٢١) ( معجم الأدباء ١٨ : ١٢٧ ، والذريعة ٥ : ١٤٦ ).

(٧) السرائر : (٢٦).

٢٢٢

______________________________________________________

وقال علي بن بابويه ـ رحمه الله تعالى ـ : امسح يديك من المرفقين إلى الأصابع (١). والمعتمد : الأول.

لنا : قوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (٢) والباء للتبعيض كما بيناه. وأيضا : فإنّ اليد هي الكف إلى الرسغ ، يدل عليه قوله تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (٣) والإجماع منّا ومن العامة منعقد على أنها لا تقطع من فوق الرسغ ، وما ذاك إلاّ لعدم تناول اليد له حقيقة.

ويدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : ثم مسح وجهه وكفيه ، ولم يمسح الذراعين بشي‌ء (٤).

وقول الرضا عليه‌السلام في صحيحة إسماعيل بن همام : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين » (٥).

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة داود بن النعمان : « فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا » (٦) وإدخال الرسغ في المسح من باب المقدمة يستلزم المسح من فوق الكف بقليل.

وفهم العلامة في المختلف من هذا الخبر وجوب تجاوز الرسغ ، فتأوله بأن المراد‌

__________________

(١) نقله في المختلف : (٥٠).

(٢) النساء : (٤٣) ، المائدة : (٦).

(٣) المائدة : (٣٨).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٠٨ ـ ٦٠٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٧ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٥).

(٥) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦٠٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧١ ـ ٥٩٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٣).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢٠٧ ـ ٥٩٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٠ ـ ٥٩١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٦ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٤).

٢٢٣

______________________________________________________

بقوله : « قليلا » أنه لا يجب إيصال الغبار إلى جميع العضو وإن وجب استيعابه بالمسح. أو يكون الراوي رأى الإمام عليه‌السلام ماسحا من أصل الكف فتوهم المسح من بعض الذراع (١). وهو تكلف مستغنى عنه.

وبإزاء هذه الروايات روايات أخر دالة بظاهرها على وجوب المسح من المرفقين ، كرواية سماعة ، قال : سألته كيف التيمم؟ فوضع ( يده على الأرض فمسح بها ) (٢) وجهه وذراعيه إلى المرفقين (٣).

ورواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في التيمم قال : « تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (٤).

وصحيحة محمد ـ وهو ابن مسلم ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمم ، فضرب بكفيه الأرض ، ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثم قال : « هذا التيمم على ما كان فيه الغسل ، وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، والقي ما كان عليه مسح الرأس والقدمين ، فلا يؤمم بالصعيد » (٥).

__________________

(١) المختلف : (٥١).

(٢) كذا في المصدر والنسخ الخطية ، وفي « ح » : يديه. بهما.

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٠٨ ـ ٦٠٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٠ ـ ٥٩٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨١ ) أبواب التيمم ب (١٣) ح (٣).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٠٩ ـ ٦٠٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧١ ـ ٥٩٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٢).

(٥) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦١٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٢ ـ ٦٠٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٩ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٥).

٢٢٤

______________________________________________________

وأجاب الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب عن هذه الأخبار بأنّ المراد بالمسح إلى المرفق الحكم لا الفعل ، لأنه إذا مسح ظاهر الكف فكأنه غسل ذراعيه في الوضوء ، فيحصل له بمسح الكفين في التيمم حكم غسل الذراعين في الوضوء (١). وهو حمل بعيد ، مع أنه لا يجري في صحيحة محمد بن مسلم ونحوها مما كان فيه التيمم بدلا من الغسل كما لا يخفى.

ويمكن حملها على الاستحباب كما ذكره المصنف في المعتبر ، فإنه قال : ثم الحق عندي أنّ مسح ظاهر الكفين لازم. ولو مسح الذراعين جاز أيضا عملا بالأخبار كلها ، لكن الكفان على الوجوب وما زاد على الجواز ، لأنه أخذ بالمتيقن (٢).

أما القائل بوجوب المسح من أصول الأصابع ، فربما كان مستنده رواية حماد بن عيسى (٣) ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (٤) وقال ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (٥) وقال : وامسح على كفيك من حيث موضع القطع وقال : ( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (٦). وموضع القطع من أصول الأصابع عند الأصحاب.

وهذه الرواية ـ مع ضعف سندها بالإرسال ـ معارضة بالأخبار المستفيضة الدالة على وجوب مسح الكف كله (٧) ، فلا تعويل عليها.

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٠٨ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٣٨٧ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٦٢ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٧ ـ ٥٩٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٠ ـ ٥٨٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٠ ) أبواب التيمم ب (١٣) ح (٢).

(٤) المائدة : (٣٨).

(٥) المائدة : (٦).

(٦) مريم : (٦٤).

(٧) الوسائل ( ٢ : ٩٧٥ ) أبواب التيمم ب (١١).

٢٢٥

______________________________________________________

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : المشهور بين الأصحاب أنّ محل المسح في الكفين ظهورهما لا بطونهما. بل ظاهر كلامهم أنّ ذلك مجمع عليه من القائلين بعدم وجوب الاستيعاب. ويدل عليه حسنة الكاهلي المتقدمة (١). وأكثر الأخبار المعتبرة إنما تضمنت مسح الكفين من غير تصريح بأن الممسوح ظهورهما ، إلاّ أنّ الظاهر تحقق الامتثال بذلك ، إذ لا دلالة لها على وجوب الاستيعاب.

الثاني : ذكر العلامة (٢) ومن تأخر عنه (٣) أنه يجب البدأة في مسح الكف بالزند إلى أطراف الأصابع لمساواة الوضوء. والكلام فيه كما تقدم في الوجه (٤).

الثالث : يجب تقديم اليمنى على اليسرى بإجماعنا قاله في التذكرة (٥) ، لأنّه بدل مما يجب فيه التقديم. وربما كان في صحيحة ابن مسلم المتقدمة (٦) إشعار به.

الرابع : يعتبر في المسح كونه بباطن الكف اختيارا ، لأنه المعهود ، فلو مسح بالظهر اختيارا أو بآلة لم يجز. نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر مع احتمال وجوب التولية.

الخامس : لو كان له يد زائدة فكما سلف في الوضوء. ولو مسح باليد الزائدة التي لا يجب مسحها فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن اللفظ إنما ينصرف إلى المعهود المتعارف.

الواجب السادس : الترتيب ، وصورته أن يبدأ بالضرب على الأرض ، ثم يمسح‌

__________________

(١) في ص (٢٢١).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٤٧ ) ، والمختلف : (٥٠) ، والقواعد ( ١ : ٢٣ ).

(٣) كالشهيد الأول في اللمعة ( ١ : ١٥٨ ) ، والكركي في جامع المقاصد ( ١ : ٦٩ ).

(٤) في ص (٢٢٢).

(٥) التذكرة ( ١ : ٦٣ ).

(٦) في ص (٢٢٤).

٢٢٦

______________________________________________________

وجهه أولا ، ثم يده اليمنى ، ثم اليسرى. وهو مجمع عليه بين الأصحاب ، قاله في التذكرة والمنتهى (١). واحتج عليه في التذكرة بقوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (٢) فإن الواو للترتيب عند الفراء ، وبأن التقديم لفظا يستدعي سببا ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، ولا سبب إلاّ التقديم وجوبا ، وبأنه عليه‌السلام رتب في مقابلة الامتثال فيكون واجبا (٣).

وفي الجميع نظر ، إلاّ أنّ المصير إلى ما أجمع عليه الأصحاب ودلت عليه ظواهر النصوص متعين.

وقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ : كل من أوجب الترتيب في المائية أوجبه هنا ، فالتفرقة منتفية بالإجماع ، وقد ثبت وجوبه هناك فيثبت هنا (٤).

وبقي من الواجبات المباشرة بنفسه ، ولا ريب في وجوبها لقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) فإن الخطاب للمصلين ، وحقيقة الأمر طلب الفعل من المأمور.

ويجب الاستنابة عند الضرورة في الأفعال دون النية عند علمائنا ، ولم أقف فيه على دليل نقلي. وعلى هذا فيضرب المعين بيدي العليل إن أمكن وإلاّ فبيدي نفسه.

والموالاة ، وقد قطع الأصحاب باعتبارهما ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا ، واحتج عليه بقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) أوجب علينا التيمم عقيب إرادة القيام إلى الصلاة ، ولا يتحقق إلاّ بمجموع أجزائه ، فيجب فعلها عقيب الإرادة بقدر الإمكان (٥).

__________________

(١) التذكرة ( ١ : ٦٣ ) ، والمنتهى ( ١ : ١٤٧ ).

(٢) النساء : (٤٣).

(٣) التذكرة ( ١ : ٦٣ ).

(٤) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٣٩٣ ).

(٥) المنتهى ( ١ : ١٤٩ ).

٢٢٧

______________________________________________________

وهو غير جيد ، إذ من المعلوم أنّ المراد بالتيمم هنا المعنى اللغوي وهو القصد ، لا التيمم بالمعنى الشرعي.

واستدل عليه في الذكرى : بأنّ التيمم البياني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام توبع فيه فيجب ، للتأسي (١).

وفيه نظر ، إذ التأسي إنما يجب فيما يعلم وجوبه ، وهو منتف هنا ، إذ من الجائز أن تكون المتابعة إنما وقعت اتفاقا ، لا لاعتبارها بخصوصها.

ولو قلنا باختصاص التيمم بآخر الوقت بالمعنى الذي ذكروه كانت الموالاة من ضروريات صحته ، لتقع الصلاة في الوقت.

ولو أخلّ بالمتابعة بما لا يعد تفريقا لم يضر قطعا. وإن طال الفصل أمكن القول بالبطلان لفوات الواجب ، والصحة لصدق التيمم المأمور به.

وذكر جمع من الأصحاب : أنّ من الواجبات أيضا طهارة مواضع المسح من النجاسة ، واستدل عليه في الذكرى : بأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس ، فلا يكون طيبا ، وبمساواته أعضاء الطهارة المائية (٢).

ولا يخفى أنّ الدليل الأول أخص من المدعى ، والثاني قياس محض.

ومقتضى الأصل عدم الاشتراط. والمصرح باعتبار ذلك قليل من الأصحاب ، إلاّ أن الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه.

ولو تعذرت الإزالة سقط اعتبارها ووجب التيمم وإن تعدت النجاسة إلى التراب. ولو كانت حائلة بين الماسح والممسوح أزالها مع الإمكان ، ومع التعذر يتيمم كذلك.

__________________

(١) الذكرى : (١٠٩).

(٢) الذكرى : (١٠٩).

٢٢٨

ويجزيه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه. ولا بد فيما هو بدل من الغسل من ضربتين. وقيل : في الكل ضربتان. وقيل : ضربة واحدة ، والتفصيل أظهر.

______________________________________________________

قوله : ويجزيه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه : ولا بد فيما هو بدل من الغسل من ضربتين ، وقيل : في الكل ضربتان ، وقيل : ضربة واحدة ، والتفصيل أظهر.

اختلف الأصحاب في عدد الضربات في التيمم ، فقال الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة : ضربة للوضوء وضربتان للغسل (١). وهو اختيار ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه (٢) ، وسلار (٣) ، وأبي الصلاح (٤) ، وابن إدريس (٥) ، وأكثر المتأخرين (٦).

وقال السيد المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح الرسالة : الواجب (٧) ضربة واحدة في الجميع (٨). وهو اختيار ابن الجنيد (٩) ، وابن أبي عقيل (١٠) ، والمفيد في المسائل الغرية (١١).

ونقل عن المفيد في الأركان اعتبار الضربتين في الجميع (١٢) ، وحكاه المصنف‌

__________________

(١) النهاية : ( ٤٩ ، ٥٠ ) ، والمبسوط ( ١ : ٣٣ ) ، والمقنعة : (٨).

(٢) الفقيه ( ١ : ٥٧ ).

(٣) المراسم : (٥٤).

(٤) الكافي في الفقه : (١٣٦).

(٥) السرائر : (٢٦).

(٦) كالعلامة في المنتهى ( ١ : ١٤٨ ) ، والكركي في جامع المقاصد ( ١ : ٦٩ ).

(٧) ليست في « ح ».

(٨) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٣٨٨ ).

(٩) نقله عنهم في المختلف : (٥٠).

(١٠) نقله عنهم في المختلف : (٥٠).

(١١) نقله عنهم في المختلف : (٥٠).

(١٢) نقله في الذكرى : (١٠٨).

٢٢٩

______________________________________________________

رحمه‌الله ـ في المعتبر ، والعلامة في المنتهى والمختلف عن علي بن بابويه ـ رحمه الله تعالى ـ (١). ومقتضى كلامه في الرسالة اعتبار ثلاث ضربات ، فإنه قال : إذا أردت ذلك فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهك ، ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع ، ثم اضرب بيمينك الأرض وامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع (٢). ولم يفرق بين الوضوء والغسل.

وحكى في المعتبر القول بالضربات الثلاث عن قوم منا بعد أن نقل عن علي بن بابويه المرتين في الجميع (٣).

ومنشأ الخلاف في هذه المسألة اختلاف الأخبار ظاهرا ، فمنها ما تضمن المرة ، كصحيحتي زرارة ، وداود بن النعمان الواردتين في قضية عمار (٤) ، وغيرهما من الأخبار (٥).

ومنها ما تضمّن المرتين مطلقا ، كصحيحة إسماعيل بن همام ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين » (٦).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن التيمم ،

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٨٨ ) ، والمنتهى ( ١ : ١٤٨ ) ، والمختلف : (٥٠).

(٢) نقله في الذكرى : (١٠٨).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٨٨ ).

(٤) المتقدمتين في ص ( ٢٢٠ ، ٢٢١ ).

(٥) الوسائل ( ٢ : ٩٧٥ ) أبواب التيمم ب (١١).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦٠٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧١ ـ ٥٩٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٣).

٢٣٠

______________________________________________________

فقال : « مرتين مرتين للوجه واليدين » (١).

وجمع المفصلون بينهما بتخصيص ما تضمن الضربة بما كان بدلا من الوضوء ، وما تضمن الضربتين بما كان بدلا من الغسل.

واستدلوا على هذا الجمع برواية محمد ـ وهو ابن مسلم ـ المتضمنة للمسح من المرفقين (٢) ، وبما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : كيف التيمم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة لليدين ، ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا » (٣). وجه الدلالة أن ينزل على تمام الكلام عند قوله : « ضرب واحد للوضوء » ويبتدأ بقوله : « والغسل من الجنابة » ويكون جملة قوله : « تضرب بيديك » خبرا عنه. وفيه بعد وتكلف ، والمتبادر منها كون الغسل معطوفا على الوضوء ، والمراد أن التيمم نوع واحد للوضوء والغسل ، وصورته ما بيّنه عليه‌السلام بقوله : « تضرب. ».

وفي هذا الجمع نظر من وجوه :

الأول : إنّ كلا من الأخبار المتضمنة للضربة والضربتين واردة في مقام البيان عند السؤال عن كيفية التيمم ، المتناول لما كان بدلا من الوضوء وبدلا من الغسل. فحملها على بعض أفراده يجري مجري الأخبار بالخاص عن العام ، وإنه غير جائز.

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦١٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٢ ـ ٥٩٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (١).

(٢) المتقدمة في ص (٢٢٤).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦١١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٢ ـ ٥٩٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٤).

٢٣١

______________________________________________________

الثاني : إنّ مقتضى صحيحتي زرارة وداود بن النعمان الواردتين في قضية عمار (١) إجزاء المرة الواحدة في التيمم من الجنابة ، وذلك مما ينقض هذا الجمع.

الثالث : إنّ ما استدل به على هذا الجمع لا دلالة عليه. أما رواية زرارة ، فقد تقدم الكلام فيها. وأما رواية محمد بن مسلم ، فلا دلالة لها على هذا التفصيل بوجه ، بل الظاهر منها اعتبار الثلاث في الجميع ، كما اختاره ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ.

والمتجه الاكتفاء بالمرة في الجميع ، وحمل ما دل على المرتين على الاستحباب ، كما ذكره المرتضى في شرح الرسالة (٢) ، واستحسنه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر ، وأجاز العمل بما تضمنته رواية ابن مسلم من الضربات الثلاث (٣). وهو حسن ، والأحوط أن لا يترك المرتان في الوضوء والغسل بحال ، لصحة مستنده وصراحته ، وإجمال ما ينافيه (٤).

وما قيل من احتمال فوات الموالاة بالضربة الثانية لو قلنا بالمرة (٥) فضعيف جدا ، لأن ذلك غير قادح في تحققها لو ثبت اعتبارها كما بيناه.

واعلم أنّ ظاهر كلام الأصحاب يقتضي تساوي الأغسال في كمية (٦) التيمم ، وبه صرح المفيد في المقنعة فقال (٧) بعد ذكر تيمم الجنب : وكذلك تصنع الحائض والنفساء‌

__________________

(١) المتقدمتين في ص ( ٢٢٠ ، ٢٢١ ).

(٢) المتقدم في ص (٢٢٩).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٨٨ ).

(٤) ليست في « ق » و « م ».

(٥) كما في روض الجنان : (١٢٦).

(٦) في « س » : كيفية.

(٧) في « ق » و « م » و « س » : وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة فإنه قال.

٢٣٢

______________________________________________________

والمستحاضة بدلا من الغسل (١). ولم يذكر التيمم بدلا من الوضوء.

واستدل له الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب بما رواه عن أبي بصير ، قال : وسألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماءا؟ قال : « نعم » (٢). وعن عمار الساباطي مثله (٣).

قال في الذكرى : وخرّج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء على وجوب الوضوء هنالك ، ولا بأس به ، والخبران غير مانعين منه ، لجواز التسوية في الكيفية لا الكمية (٤).

وما ذكره أحوط وإن كان الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية (٥) ( وعدم اعتبار نية البدلية ) (٦) فيكون جاريا مجرى أسباب الوضوء أو الغسل المختلفة.

ولو قلنا بإجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء ـ كما ذهب إليه المرتضى (٧) رضي‌الله‌عنه ـ ثبت التساوي مطلقا من غير إشكال.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه له ، وهو أنّ العلامة ـ رحمه الله تعالى ـ في المنتهى استدل على القول بالتفصيل بصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) المقنعة : (٨).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢١٢ ـ ٦١٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٩ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٧).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٨ ـ ٢١٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٢١٢ ـ ٦١٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٩ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٦).

(٤) الذكرى : (١٠٨).

(٥) أي كيفية التيمم بدلا من الغسل وبدلا من الوضوء.

(٦) ما بين القوسين ليس في « س ».

(٧) جمل العلم والعمل : (٥١).

٢٣٣

وإن قطعت كفاه سقط مسحهما واقتصر على الجبهة. ولو قطع بعضهما مسح على ما بقي.

______________________________________________________

« إن التيمم من الوضوء مرة ومن الجنابة مرتان » (١). وهذه الرواية غير موجودة في كتب الحديث. وعندي أنّ ذلك وهم نشأ من عبارة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في التهذيب ، فإنه قال ـ بعد أن أورد الأخبار المتضمنة للمرة والمرتين ، وجمع بينهما بالتفصيل ـ : مع أنا قد أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار : أحدهما عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، والآخر عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إن التيمم من الوضوء مرة واحدة ، ومن الجنابة مرتان (٢).والخبر المروي عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن ابن مسلم هو الخبر المتقدم المتضمن للضربات الثلاث مطلقا (٣) ، وكأنه ـ رحمه الله تعالى ـ نقل حاصل ما فهمه من معناه ، فظن العلامة ـ رحمه الله تعالى ـ أنه حديث آخر مغاير للحديث الأول ، ولهذا لم يذكره في المختلف ولا نقله غيره. فينبغي التنبيه لأمثال ذلك وعدم الاعتماد على الظواهر. والله الموفق.

قوله : وإن قطعت كفّاه سقط مسحهما واقتصر على الجبهة أو لو قطع بعضهما مسح على ما بقي.

أما سقوط مسح الفائت فظاهر ، إذ لا تكليف بالممتنع ، وأمّا وجوب مسح الجبهة والباقي من الكف فلأن الواجب مسح الجميع مع وجوده ، فإذا سقط التكليف بمسح البعض لامتناعه لم يسقط البعض الآخر.

وقال الشيخ في المبسوط : وإذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٤٨ ، ١٤٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٠ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٨).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢١١ ).

(٣) في ص (٢٢٤).

٢٣٤

ويجب استيعاب مواضع المسح في التيمم ، فلو أبقى منها لم يصح.

ويستحب نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض.

______________________________________________________

التيمم ، ويستحب أن يمسح ما بقي (١). والظاهر أنّ مراده باستحباب مسح ما بقي من الذراعين وبسقوط فرض التيمم سقوطه بالنسبة إلى ظاهر الكفين لا مطلقا ، إذ لو كان فرض التيمم من أصله ساقطا لسقطت الصلاة عنه ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ويجب استيعاب مواضع المسح في التيمم ، فلو أبقى منها شيئا لم يصح.

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، قاله في المنتهى (٢). لأن الإخلال بمسح البعض إخلال بالكيفية المنقولة ، فلا يكون الآتي بذلك آتيا بالتيمم المشروع.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الإخلال بمسح البعض عمدا أو نسيانا ، ولا في البعض بين القليل والكثير. وبذلك صرح في المعتبر ، ونقل عن بعض العامة الفرق بين العمد والنسيان ، وعن بعض آخر جواز إبقاء ما دون الدرهم (٣). وبطلانهما ظاهر.

قوله : ويستحب نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا (٤) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

والمستند فيه الأخبار المستفيضة ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة :« تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما ، مرة للوجه ومرة لليدين » (٥).

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ٣٣ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٤٧ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٨٩ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٤٧ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦١١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٢ ـ ٥٩٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٤).

٢٣٥

ولو تيمم وعلى جسده نجاسة صح تيممه ، كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة ، لكن في التيمم يراعى ضيق الوقت.

______________________________________________________

وما رواه عمرو بن أبي المقدام ، عن الصادق عليه‌السلام أنه وصف التيمم : فضرب بيديه على الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح على جبينه (١).

وقد أجمع الأصحاب على عدم وجوبه ، قاله في التذكرة (٢). واستحب الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ مسح إحدى اليدين بالأخرى بعد النفض (٣) ، ولا نعلم مستنده.

ومن المستحبات أيضا : التسمية ، وتفريج الأصابع عند الضرب ليتمكن من الصعيد. قال في الذكرى : ولا يستحب تخليلها في المسح ، للأصل (٤).

قوله : ولو تيمم وعلى جسده نجاسة صح تيممه ، كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة ، لكن في التيمم يراعى ضيق الوقت.

إذا كان على جسد المتيمم نجاسة في غير الأعضاء الماسحة والممسوحة فلا ريب في صحة تيممه من هذه الجهة ، كما لو توضأ وعلى جسده نجاسة ، إذ المعتبر طهارة الأعضاء التي تتعلق بها الطهارة خاصة.

ثم إن قلنا بجواز التيمم مع السعة فكالوضوء ، وإن قلنا باختصاصه بآخر الوقت وجب إزالة النجاسة أولا مع الإمكان ، إذ لو وقع قبل الإزالة فات شرطه وهو مراعاة الضيق ، إذ المعتبر عندهم ضيق الوقت عما عدا التيمم والصلاة خاصة. وبهذا المعنى صرح في المعتبر (٥). وعلى هذا فليس له التيمم مع النجاسة إلاّ إذا ضاق الوقت عما عدا‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢١٢ ـ ٦١٤ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٧١ ـ ٥٩٤ ) ، وفيهما بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٧ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٦).

(٢) التذكرة ( ١ : ٦٤ ).

(٣) المبسوط ( ١ : ٣٣ ) ، والنهاية : (٤٩).

(٤) الذكرى : (١٠٩) وفيه : تحليلها.

(٥) المعتبر ( ١ : ٣٩٤ ).

٢٣٦

الطّرف الرّابع : في أحكامه ، وهي عشرة :

الأول : من صلى بتيممه لا يعيد ، سواء كان في سفر أو حضر.

______________________________________________________

التيمم والصلاة ، لسقوط التكليف بإزالتها حينئذ.

واستقرب الشهيد ـ رحمه الله تعالى ـ في الذكرى جواز التيمم قبل الإزالة على القولين ، إذ المراد بضيق الوقت ضيقه عن أداء الصلاة وشرائطها التي منها إزالة النجاسة (١). وبه جزم الشيخ الشارح قدس الله سره ، وحمل عليه العبارة ، فقال : لا منافاة بين جواز التيمم قبل إزالة النجاسة وبين مراعاة ضيق الوقت في جوازه ، لأن المراد عدم زيادته عن الصلاة وشرائطها التي من جملتها التيمم وإزالة النجاسة (٢).

وهذا الحمل ـ مع بعده في نفسه ـ مخالف لما صرح به في المعتبر من عدم جواز التيمم قبل إزالة النجاسة على القول بالتضيق ، لفوات الشرط.

قوله : الطّرف الرّابع في أحكامه ، وهي عشرة ، الأول : من صلى بتيممه لا يعيد سواء كان في حضر أو سفر.

المراد بالإعادة هنا ما يتناول الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه. فهنا مسألتان :

الاولى : إنّ من تيمم تيمما صحيحا وصلى ، ثم خرج الوقت لم يجب عليه القضاء.

قال في المنتهى : وعليه إجماع أهل العلم (٣). ونقل عن السيد المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح الرسالة : إنّ الحاضر إذا تيمم لفقد الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده (٤). ولم نقف له في ذلك على حجة. والمعتمد سقوط القضاء مطلقا.

__________________

(١) الذكرى : (١٠٩).

(٢) المسالك ( ١ : ١٦ ).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٥١ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٣٦٥ ).

٢٣٧

______________________________________________________

لنا : إنه صلى صلاة مأمورا بها ، والأمر يقتضي الإجزاء ، وإنّ القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماءا فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى » (١).

وفي الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه ، وليتوضأ لما يستقبل » (٢).

الثانية : لو تيمم وصلى مع سعة الوقت ثم وجد الماء في الوقت ، فإن قلنا باختصاص التيمم بآخر الوقت بطلت صلاته مطلقا ، وإن قلنا بجوازه مع السعة فالأصح عدم الإعادة ، وهو خيرة المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٣) ، والشهيد في الذكرى (٤). ونقل عن ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ـ رحمهما الله ـ القول بوجوب الإعادة (٥) ، وهو ضعيف.

لنا : إنّه صلى بتيمم مشروع صلاة مأمورا بها فتكون مجزية ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصاب الماء وقد صلى‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٩٣ ـ ٥٥٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٩ ـ ٥٤٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٣ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (٧).

(٢) الكافي ( ٣ : ٦٣ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٩٤ ـ ٥٦٠ ) بتفاوت يسير ، الإستبصار ( ١ : ١٥٩ ـ ٥٤٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٣ ) أبواب التيمم ب (١) ح (١).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٩٦ ).

(٤) الذكرى : (١١٠).

(٥) نقله عن ابن الجنيد في الذكرى : (١١٠) ، وعن ابن أبي عقيل في المختلف : (٥٤).

٢٣٨

وقيل فيمن تعمّد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء : يتيمم ويصلّي ثم يعيد.

______________________________________________________

بتيمم وهو في وقت؟ قال : « تمت صلاته ولا إعادة عليه » (١).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ، ثم وجد الماء ، فقال : « لا يعيد ، إنّ رب الماء رب الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين » (٢).

وفي الصحيح عن العيص ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلى ، قال : « يغتسل ولا يعيد الصلاة » (٣).

احتج المخالف (٤) بما رواه يعقوب بن يقطين في الصحيح ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماءا ، أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه » (٥). والجواب بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

قوله : وقيل فيمن تعمّد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلّي ثم يعيد.

القول للشيخ (٦) ـ رحمه الله تعالى ـ واحتج عليه بما رواه عن جعفر بن بشير ، عن‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٩٤ ـ ٥٦٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٠ ـ ٥٥٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٣ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (٩).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٩٧ ـ ٥٧١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦١ ـ ٥٥٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٤ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (١٥).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٩٧ ـ ٥٦٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦١ ـ ٥٥٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٤ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (١٦).

(٤) نقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في الذكرى : (١١٠).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٩٣ ـ ٥٥٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٩ ـ ٥٥١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٣ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (٨).

(٦) المبسوط ( ١ : ٣٠ ).

٢٣٩

وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك.

______________________________________________________

أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، قال : « يتيمم ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (١). وهي مع ضعف سندها بالإرسال لا تدل على ما اعتبره من القيد ، أعني كون الجنابة وقعت عمدا.

ويمكن أن يستدل له أيضا بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : « يتيمم ويصلي ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (٢).وهي لا تدل على ما اعتبره من القيد أيضا. والأجود حملها على الاستحباب ، لأن مثل هذا المجاز أولى من التخصيص ، وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من رجحان.

فرع : من عدم الماء مطلقا أو تعذر عليه استعماله يجوز له الجماع ، لعدم وجوب الطهارة المائية عليه. ولو كان معه ما يكفيه للوضوء فكذلك قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة ـ رحمه الله تعالى ـ في المنتهى بتحريمه ، لأنه يفوت الواجب وهو الصلاة بالمائية (٣). ويشكل بأن مقتضى العمومات جواز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، ومتى جاز التأخير أمكن القول بعدم وجوب الصلاة بالمائية إلاّ مع التمكن منها في جميع الوقت.

قوله : وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك.

القول للشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في النهاية والمبسوط (٤) ، وابن الجنيد (٥). وربما‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٩٦ ـ ٥٦٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦١ ـ ٥٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٦ ) أبواب التيمم ب (١٦) ح (١).

(٢) الفقيه ( ١ : ٦٠ ـ ٢٢٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٦ ) أبواب التيمم ب (١٦) ح (١).

(٣) المنتهى ( ١ : ١٥٣ ).

(٤) النهاية : (٤٧) ، والمبسوط ( ١ : ٣١ ).

(٥) نقله عنه في المختلف : (٥٢).

٢٤٠