مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

ولا بالنبات المنسحق كالأشنان والدقيق. ويجوز التيمّم بأرض النورة ، والجص ،

______________________________________________________

المعتبر ما يقع عليه اسم الأرض.

قوله : ولا بالنبات المنسحق ، كالأشنان (١) والدقيق.

هذا قول علمائنا أجمع ، وخالف فيه بعض العامة (٢) ، فأجاز التيمم بما اتصل بالأرض من الشجر والنبات. ولا ريب في بطلانه.

قوله : ويجوز التيمّم بأرض النورة ، والجص.

لا ريب في جواز التيمم بأرض النورة والجصّ قبل الإحراق ، لأن اسم الأرض يقع عليهما حقيقة ، ومتى ثبت ذلك جاز التيمم بهما مطلقا.

واعتبر الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية في جواز التيمم بهما وبالحجر فقد التراب (٣). وهو ضعيف جدا. لأن اسم الأرض إن صدق عليهما حقيقة جاز التيمم بهما مع وجود التراب وعدمه ، وإلاّ امتنع كذلك.

أما نفس النورة والجصّ بعد الإحراق ، فذهب الشيخان (٤) وأتباعهما (٥) إلى المنع من التيمم بهما لخروجهما بالإحراق ، عن اسم الأرض. وقال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في المصباح ، وسلار (٦) : يجوز التيمم بهما.

قال في المعتبر : ما ذكره علم الهدى هو رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن‌

__________________

(١) الأشنان : شجر ينبت في الأرض الرملية ، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي ـ الإفصاح ( ١ : ٣٨٧ ).

(٢) منهم القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ( ٥ : ٢٣٧ ).

(٣) النهاية : (٤٩).

(٤) المفيد في المقنعة : (٧) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ٣٢ ) ، والخلاف ( ١ : ٣٠ ).

(٥) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه : (١٣٦) ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : (٥٥٢) ، وابن حمزة في الوسيلة : (٧١).

(٦) المراسم : (٥٤).

٢٠١

______________________________________________________

علي عليهم‌السلام : إنه سئل عن التيمم بالجصّ ، فقال : « نعم » فقيل : بالنورة؟ فقال : « نعم » فقيل : بالرماد؟ فقال : « لا ، إنه لا يخرج من الأرض ، إنما يخرج من الشجر » (١) ـ وهذا السكوني ضعيف لكن روايته حسنة ـ لأنه (٢) أرض فلا يخرج باللون والخاصية عن اسم الأرض ، كما لا يخرج الأرض الصفراء والحمراء (٣). هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى. والأولى اعتبار الاسم كما اختاره في المنتهى (٤).

واختلف الأصحاب في جواز التيمم بالخزف ، فقال ابن الجنيد والمصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : لا يجوز التيمم به ، لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض (٥).

وقيل بالجواز (٦) ، للشك في تحقق الاستحالة. ولأن الأرض المحترقة ( قد ) (٧) يقع عليها اسم الأرض حقيقة. والمنع أحوط.

وقال المصنف في المعتبر بعد أن قطع بخروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض : ولا يعارض بجواز السجود ، لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ.

ويتوجه عليه : أن مقتضى الروايات الصحيحة المنع من السجود على غير الأرض ونباتها الذي لم يؤكل أو يلبس (٨) فمتى سلم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض ، وجب القول بامتناع السجود عليه إلى أن يثبت دليل الجواز فيه ، كما ثبت في الكاغذ‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٨٧ ـ ٥٣٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧١ ) أبواب التيمم ب (٨) ح (١).

(٢) هذا دليل على ما اختاره في المعتبر من جواز التيمم بأرض الجص والنورة.

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٧٦ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٤٢ ).

(٥) المعتبر ( ١ : ٣٧٥ ) ، ونقله عن ابن الجنيد أيضا.

(٦) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٦٧ ) ، ومجمع الفائدة ( ١ : ٢٢٢ ).

(٧) ليست في « م » و « س ».

(٨) الوسائل ( ٣ : ٥٩١ ) أبواب ما يسجد عليه ب (١).

٢٠٢

وتراب القبر ، وبالتراب المستعمل في التيمّم. ولا يصحّ التيمّم بالتراب المغصوب ،

______________________________________________________

وسيجي‌ء تمام تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى.

قوله : وتراب القبر.

مذهب الأصحاب جواز التيمم بتراب القبر ، سواء كان منبوشا أو غير منبوش ، إلاّ أن يعلم فيه نجاسة ، لتناول اسم الصعيد له ، وعدم تحقق المانع من استعماله.

وقال الشافعي : المقبرة إذا تكرر نبشها لا يجوز التيمم بترابها ، لاختلاطه بصديد الموتى ، وإن لم يتكرر جاز (١). ولا ريب في بطلانه.

قوله : والتراب المستعمل في التيمّم.

فسر المستعمل بالممسوح به ، أو المتساقط عن محل الضرب ، لا المضروب عليه ، فإنه ليس بمستعمل عند الجميع. وقد أجمع الأصحاب على جواز التيمم بالتراب المستعمل ، لأنّه لم يخرج بالاستعمال عن اسم الصعيد. وخالف فيه بعض العامة ، فمنع من جواز التيمم به ثانيا قياسا على الماء المستعمل في الطهارة (٢). وهو قياس مع الفارق.

قوله : ولا يصحّ التيمّم بالتراب المغصوب.

للنهي عنه المقتضي للفساد. والمراد بالمغصوب ما لم يكن مملوكا ولا مأذونا فيه ، خصوصا أو عموما أو بشاهد الحال.

ولو تيمم في المكان المغصوب فالأصح أنه لا يبطل تيممه إذا كان التراب المضروب عليه مباحا ، لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة ، فإن الكون ليس من أفعال التيمم ، وإنما هو من ضروريات الجسم.

__________________

(١) قال في كتاب الام ( ١ : ٥١ ). ولا يتيمم بتراب المقابر لاختلاطها بصديد الموتى ولحومهم وعظامهم.

(٢) منهم الغمراوي في السراج الوهاج : (٣٧). والخطيب الشربيني في مغني المحتاج ( ١ : ٩٦ ).

٢٠٣

ولا بالنجس ، ولا بالوحل مع وجود التراب.

وإذا مزج التراب بشي‌ء من المعادن ، فإن استهلكه التراب وإلا لم يجز.

______________________________________________________

قوله : ولا النجس.

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه مخالفا (١) ، واستدل عليه بقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) والطيب هو الطاهر.

وهو جيد ، إن ثبت كون الطيب هو الطاهر بالمعنى الشرعي ، لكن يبقى الكلام في إثبات ذلك.

قوله : ولا بالوحل مع وجود التراب.

هو بسكون الحاء وفتحها : الطين الرقيق. نصّ عليه في الصحاح (٢). وقال في القاموس : الوحل : الطين ترتطم فيه الدواب (٣). والظاهر أنّ مطلق الطين لا يجوز التيمم به اختيارا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة رفاعة : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم منه ، فإن ذلك توسيع من الله عزّ وجلّ » ثم قال : « وإن كان في موضع لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (٤) ونحوه روى أبو بصير في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

قوله : وإذا مزج التراب بشي‌ء من المعادن فإن استهلكه التراب جاز ، وإلا لم يجز.

ينبغي أن يراد بالاستهلاك أن لا يتميز الخليط ، ويصدق على الممتزج اسم التراب‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٤٤ ).

(٢) الصحاح ( ٥ : ١٨٤٠ ).

(٣) القاموس المحيط ( ٤ : ٦٥ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٨٩ ـ ٥٤٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٦ ـ ٥٣٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٢ ) أبواب التيمم ب (٩) ح (٤).

(٥) الكافي ( ٣ : ٦٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٨٩ ـ ٥٤٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٦ ـ ٥٣٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٣ ) أبواب التيمم ب (٩) ح (٧).

٢٠٤

ويكره بالسبخة والرمل.

______________________________________________________

الصرف ، وحينئذ فلا ريب في جواز التيمم به ، لصدق التيمم بالصعيد.

وقال في المنتهى : لو اختلط التراب بما لا يتعلق باليد كالشعر جاز التيمم منه ، لأن التراب موجود فيه والحائل لا يمنع من التصاق اليد به (١).

وهو مشكل ، إذ المعتبر مماسة باطن الكفين بأسرهما للصعيد ، وما أصاب الخليط من اليد لم يماس التراب.

قوله : ويكره بالسبخة والرمل.

المراد بالسبخة الأرض المالحة النشّاشة (٢). والحكم بجواز التيمم بالأرض السبخة والرمل على كراهة فيهما مذهب فقهائنا أجمع ، عدا ابن الجنيد ، فإنه منع من السبخ. حكى ذلك المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٣).

أما الجواز ، فلأن اسم الأرض يقع عليهما حقيقة ، فإنّ الرمل أجزاء أرضية اكتسبت حرارة أوجبت لها التشتت. والسبخة أرض اكتسبت حرارة أوجبت لها تغيرا ما في الكيفية ، لا تخرج به عن الحقيقة الأرضية ، ومتى ثبت كونهما أرضا جاز التيمم بهما ، تمسكا بظاهر الآية والنصوص التي تلوناها سابقا.

وأما الكراهة ، فلم أقف فيها على أثر. وربما كان الوجه فيها التفصي من احتمال خروجها بتلك الحرارة المكتسبة عن الحقيقة الأرضية ، أو الخروج من خلاف ابن الجنيد في السبخ ، وخلاف بعض العامة في الرمل (٤).

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٤٢ ).

(٢) سبخة نشاشة : ما يظهر من ماء السباخ أي المالحة فينشّ فيها ـ أي أخذ الماء في النضوب ـ حتى يعود ملحا ـ الصحاح ( ٣ : ١٠٢١ ) ، النهاية لابن الأثير ( ٥ : ٥٧ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٧٤ ).

(٤) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ( ١ : ٢٨٢ ، ٢٨٨ ) ، والمرداوي في الانصاف ( ١ : ٢٨٤ ).

٢٠٥

ويستحب أن يكون من ربا الأرض وعواليها. ومع فقد التراب يتيمّم بغبار ثوبه ، أو لبد سرجه ، أو عرف دابته.

______________________________________________________

قوله : ويستحب أن يكون من ربا الأرض وعواليها.

لأنها أبعد عن ملاقاة النجاسة من المهابط ، ولرواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق » (١).

قوله : ومع فقد التراب يتيمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته.

إذا فقد التراب وما في معناه وجب التيمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غير ذلك مما فيه غبار. قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا وأكثر العامة (٢).

والمستند فيه : رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت في حال لا تقدر إلاّ على الطين فتيمم به ، فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ ولا لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمم به » (٣).

وصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت المواقف ، إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : « يتيمم من لبد سرجه أو معرفة دابته ، فإن فيها غبارا ، ويصلي » (٤).

وصحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « فإن كان في ثلج فلينظر في‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦٢ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ١٨٧ ـ ٥٣٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٩ ) أبواب التيمم ب (٦) ح (٢).

(٢) المعتبر ( ١ : ٣٧٦ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٦٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٨٩ ـ ٥٤٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٦ ـ ٥٣٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٣ ) أبواب التيمم ب (٩) ح (٧).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٨٩ ـ ٥٤٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٧ ـ ٥٤١ ) ، السرائر : (٤٨٠) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٢ ) أبواب التيمم ب (٩) ح (١) بتفاوت يسير.

٢٠٦

ومع فقدان ذلك يتيمّم بالوحل.

______________________________________________________

لبد سرجه ، فليتيمم من غباره ، أو شي‌ء مغبر. وإن كان في موضع لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (١).

وإنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب ، كما نصّ عليه الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب. وربما ظهر من عبارة المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الجمل جواز التيمم به مع وجود التراب أيضا (٣). وهو بعيد ، لأنه لا يسمى صعيدا. بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين ، لضعف الرواية الاولى (٤) ، واختصاص الرواية الثانية بالمواقف الذي لا يتمكن من النزول إلى الأرض ، والثالثة بحال الثلج المانعة من الوصول إلى الأرض. إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل ، وظاهرهم الاتفاق عليه.

قوله : ومع فقد ذلك يتيمّم بالوحل.

المستند في ذلك بعد الإجماع : روايتا أبي بصير ورفاعة المتقدمتان. ولو أمكن تجفيف الوحل بحيث يصير ترابا والتيمم به وجب ذلك ، وقدم على الغبار قطعا.

واختلف الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، فقال الشيخان : إنه يضع يديه على الأرض ثم يفركهما ويتيمم به (٥). وهو خيرة المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٦) عملا بظاهر الأمر. وقال آخرون : يضع يديه على الوحل ويتربص ، فإذا يبس تيمم به (٧).

__________________

(١) المتقدمة في ص (٢٠٤).

(٢) المبسوط ( ١ : ٣٢ ) ، والنهاية : (٤٩).

(٣) جمل العلم والعمل : (٥٢).

(٤) لعل وجه الضعف اشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف. كما صرح به في ص [٣٦] من هذا الكتاب.

(٥) الشيخ المفيد في المقنعة : (٨) ، قال : فليضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحداهما على الأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة وليمسح بهما وجهه. والشيخ الطوسي في المبسوط ( ١ : ٣٢ ).

(٦) المعتبر ( ١ : ٣٧٧ ).

(٧) منهم ابن حمزة في الوسيلة : (٧١) ، والعلامة في التحرير : (٢٢)

٢٠٧

الطّرف الثالث : في كيفية التيمم

ولا يصحّ التيمّم قبل دخول الوقت ، ويصح مع تضيّقه. وهل يصح مع سعته؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

______________________________________________________

واستوجهه في التذكرة إن لم يخف فوت الوقت (١). وهو بعيد.

ولو فقد الوحل سقط فرض أداء الصلاة عند أكثر الأصحاب. وظاهر المرتضى (٢) وابن الجنيد (٣) جواز التيمم بالثلج. وهو مشكل ، لأن الثلج ليس بأرض ، فلا يسوغ التيمم به.

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة : وإن كان في أرض قد غطاها الثلج ، ولا سبيل له إلى التراب ، فليكسره وليتوضأ به مثل الدهن (٤). ومقتضاه أنّ الواجب الوضوء به لا التيمم ، إلاّ أنه يشكل بأنه إن تحقق به الغسل فلا وجه لتقديم التراب عليه ، وإلاّ لم يعتبر أصلا.

والحق أنه إن أمكن الطهارة بالثلج بحيث يتحقق به الغسل الشرعي كان مقدما على التراب ومساويا للماء في جواز الاستعمال. وإن قصر عن ذلك سقط اعتباره مطلقا ، أما في الوضوء والغسل ، فلعدم إمكان الغسل به كما هو المفروض ، وأما في التيمم ، فلأنه ليس أرضا ، فلا يجوز التيمم به.

قوله : الطّرف الثالث ، في كيفية التيمم : ولا يصحّ التيمّم قبل دخول الوقت ، ويصح مع تضيّقه ، وهل يصح مع سعته؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

أجمع الأصحاب على عدم جواز التيمم للفريضة الموقتة قبل دخول الوقت ، كما‌

__________________

(١) التذكرة ( ١ : ٦١ ).

(٢) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٣٧٧ ).

(٣) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٣٧٧ ).

(٤) المقنعة : (٨).

٢٠٨

______________________________________________________

أطبقوا أيضا على وجوبه مع تضيقه ولو ظنا. وإنما الخلاف في جوازه مع السعة. فذهب الشيخ (١) ، والسيد المرتضى (٢) ـ رحمهما الله ـ وجمع من الأصحاب (٣) إلى أنه لا يصح إلاّ في آخر الوقت ، ونقل عليه السيد الإجماع في الناصرية والانتصار. وذهب الصدوق ـ رحمه الله تعالى ـ إلى جوازه في أول الوقت (٤) ، وقواه في المنتهى (٥) ، واستقر به في البيان (٦).

وقال ابن الجنيد : إن وقع اليقين بفوت الماء آخر الوقت أو غلب الظن ، فالتيمم في أول الوقت أحب إليّ (٧). واستجوده المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٨) ، واختاره العلامة ـ رحمه‌الله ـ في أكثر كتبه (٩).

احتج الشيخ (١٠) والمرتضى (١١) بالإجماع ، وحسنة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإن خاف أن يفوته الوقت‌

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ٣١ ) ، الخلاف ( ١ : ٣٥ ).

(٢) الانتصار : (٣١) ، المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٨٩).

(٣) منهم ابن البراج في المهذب ( ١ : ٤٧ ) ، وابن حمزة في الوسيلة : (٧٠) ، وابن إدريس في السرائر : (٢٦).

(٤) قال في الهداية : (١٨). من كان جنبا أو على غير وضوء ووجبت الصلاة ولم يجد الماء فليتيمم. ولم يذكر التأخير. ولكن قال في المقنع : (٨). أعلم أنه لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت.

(٥) المنتهى ( ١ : ١٤٠ ).

(٦) البيان : (٣٤).

(٧) نقله عنه في المختلف : (٤٧).

(٨) المعتبر ( ١ : ٣٨٤ ).

(٩) المختلف : (٤٧) ، والتذكرة ( ١ : ٦٣ ).

(١٠) الخلاف ( ١ : ٣٥ ).

(١١) الانتصار : (٣٢).

٢٠٩

______________________________________________________

فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سمعته يقول : « إذا لم تجد ماءا وأردت التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٢).

وفي الجميع نظر : أما الإجماع ، فبالمنع منه في موضع النزاع. وأما الرواية الأولى ، فلأن مقتضاها أنّ المسافر يطلب الماء ما دام في الوقت ، والطلب يؤذن بإمكان الظفر وإلاّ لكان عبثا. وكذا الكلام في الثانية ، فإن قوله عليه‌السلام : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » يقتضي الشك في الفوات. فلا يتم الاحتجاج بهما على اعتبار التضيق مطلقا.

ويمكن حملهما على الاستحباب ، لقصورهما من حيث السند عن إثبات الوجوب بإضمار الثانية ، وعدم بلوغ الأولى مرتبة الصحيح ، مع أنها متروكة الظاهر ، إذ لا نعلم قائلا بوجوب الطلب في مجموع الوقت سوى المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٣) ، فإنه يفهم من كلامه الميل إليه.

ويشهد لهذا الحمل قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة محمد بن حمران : « واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت » (٤) فإن لفظ « لا ينبغي » و « ليس ينبغي » ظاهر في الكراهة.

حجة القول الثاني : قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلى قوله :

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦٣ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٣ ـ ٥٨٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٥ ـ ٥٧٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٣ ) أبواب التيمم ب (٢٢) ح (٢).

(٢) الكافي ( ٣ : ٦٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٣ ـ ٥٨٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٥ ـ ٥٧٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٣ ) أبواب التيمم ب (٢٢) ح (١).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٨٢ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٠٣ ـ ٥٩٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٦ ـ ٥٧٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٤ ) أبواب التيمم ب (٢١) ح (٣) ، ب (٢٢) ح (٥).

٢١٠

______________________________________________________

( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (١) أوجب التيمم على المكلف عند إرادة القيام إلى الصلاة إذا لم يجد الماء ، فلا يتقيد بغيره عملا بالأصل.

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : « يكفيك الصعيد عشر سنين » (٢) وقول الصادق عليه‌السلام : « هو بمنزلة الماء » (٣) و « إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٤).

وتدل عليه الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ التيمم إذا صلى ثم وجد الماء في الوقت لا تجب عليه الإعادة ، كصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال : « تمت صلاته ولا إعادة عليه » (٥).

وموثقة يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل تيمم وصلّى ، ثم أصاب الماء وهو في وقت ، قال : « قد مضت صلاته وليتطهر » (٦). وترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم.

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بجواز أن يكون قوله : « وهو في وقت » إشارة إلى أنه‌

__________________

(١) المائدة : (٦).

(٢) الفقيه ( ١ : ٥٩ ـ ٢٢١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٩٤ ـ ٥٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٣ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (١٢).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٠ ) أبواب التيمم ب (٢٠) ح (٣).

(٤) الكافي ( ٣ : ٦٦ ـ ٣ ) ، الفقيه ( ١ : ٦٠ ـ ٢٢٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٤ ) ، الوسائل ( ١ : ٩٩ ) أبواب الماء المطلق ب (١) ح (١) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٤ ) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (١).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٩٤ ـ ٥٦٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٠ ـ ٥٥٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٣ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (٩).

(٦) التهذيب ( ١ : ١٩٥ ـ ٥٦٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٠ ـ ٥٥٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٤ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (١٤).

٢١١

______________________________________________________

صلى في وقت ، لا أنه أصاب الماء بعد الصلاة في وقتها (١). وهو بعيد جدا.

وأجيب عنها أيضا بالحمل على ما إذا ظن المكلف الضيق ثم انكشف فساد ظنه (٢). وهو خروج عن الظاهر أيضا.

وقد ظهر من ذلك كله أنّ اعتبار المضايقة مطلقا لا دليل عليه أصلا.

أما التفصيل بمعنى تأخير التيمم مع الطمع في وجود الماء إلى آخر الوقت عرفا ـ وإن زاد عن قدر التيمم والصلاة ـ فلا بأس به ، لدلالة روايتي زرارة ومحمد بن مسلم (٣) عليه ، وإن كان القول بالتوسعة مطلقا لا يخلو من قوة.

وهنا مباحث :

الأول : لو دخل وقت الصلاة وهو متيمم فهل يجوز له أداء الصلاة في أول وقتها على القول بالمضايقة أم لا؟ الأظهر : الجواز ، وهو اختيار الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط (٤) ، والمصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٥) ، لأن المانع من الصلاة في أول الوقت إنما هو ورود الأمر بتأخير التيمم إلى آخر الوقت ، وهو لا يتناول المتيمم.

وتشهد له صحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال : « نعم » (٦). وصحيحة أخرى له عنه عليه‌السلام : في الرجل يتيمم ، قال : « يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء » (٧).

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٩٥ ) ، والاستبصار ( ١ : ١٦٠ ).

(٢) كما في الذكرى : (١٠٧).

(٣) المتقدمتين في ص ( ٢٠٩ ، ٢١٠ ).

(٤) المبسوط ( ١ : ٣٣ ).

(٥) المعتبر ( ١ : ٣٨٣ ).

(٦) الكافي ( ٣ : ٦٣ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٤ ـ ٥٧٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٠ ) أبواب التيمم ب (٢٠) ح (١).

(٧) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٧٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٠ ) أبواب التيمم ب (٢٠) ح (٢).

٢١٢

______________________________________________________

وقيل بالثاني (١) ، لأن المقتضي للتأخير إمكان وجود الماء في الوقت ، وهو متحقق. ولا يخفى ضعفه.

الثاني : من عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه ، لعموم قوله عليه‌السلام : « ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها » (٢). ويجوز الدخول به في الفرائض المؤداة قطعا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة حماد بن عثمان ـ وقد سأله عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ ـ : « هو بمنزلة الماء » (٣).

وفي صحيحة جميل : « إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٤). ومقتضى ذلك أنه يثبت له جميع أحكام الماء إلاّ ما خرج بالدليل.

وكذا يتيمم للنافلة متى أراد فعلها ، موقتة كانت أو مبتدأة ، وإن كان في الأوقات المكروهة ، لأن الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء لا ينافي الانعقاد. وقطع المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٥) ، والعلامة في التذكرة (٦) بعدم جواز التيمم في أوقات النهي. وهو غير جيد. ويصح الدخول به في الفرائض لما قدمناه.

وعلى هذا فينتفي اعتبار فائدة (٧) التضييق إن قلنا بجواز أداء الموقتة في أول وقتها‌

__________________

(١) حكي عن السيد كما في كشف اللثام ( ١ : ١٤٩ ).

(٢) الكافي ( ٣ : ٢٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ) ، الوسائل ( ٣ : ٢١١ ) أبواب المواقيت ب (٦٣) ح (١) ، بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٠ ) أبواب التيمم ب (٢٠) ح (٣) ، وص (٩٩٥) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (٢) ، بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ( ٣ : ٦٦ ـ ٣ ) ، الفقيه ( ١ : ٦٠ ـ ٢٢٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٤ ) ، الوسائل ( ١ : ٩٩ ) أبواب الماء المطلق ب (١) ح (١) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٤ ) أبواب التيمم ب (٢٣) ح (١).

(٥) المعتبر ( ١ : ٣٨٣ ).

(٦) التذكرة ( ١ : ٦٣ ).

(٧) كذا ، والأنسب أن يكون : فائدة اعتبار.

٢١٣

والواجب في التيمم النية ، واستدامة حكمها ، والترتيب : يضع يديه على الأرض ، ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه ، ثم يمسح ظاهر الكفّين ، وقيل : باستيعاب مسح الوجه والذراعين ، والأول أظهر.

______________________________________________________

بالتيمم السابق ، كما ذكره الشيخ في المبسوط (١).

وذكر جدي ـ قدس‌سره ـ أنّ من أراد أن يصلي الموقتة مع السعة فالحيلة له ـ بناء على اعتبار التضييق ـ أن ينذر صلاة ركعتين في تلك الحالة ويتيمم لهما ، ثم يصلي الحاضرة مع سعة الوقت (٢).

وهو حسن ، لكن لا فائدة في النذر إلاّ صيرورة التيمم واجبا ، وقد صرح هو وغيره بجواز الدخول في الفريضة بتيمم النافلة (٣) ، ونقل عليه في المنتهى الإجماع (٤). اللهم إلاّ أن يقول بمنع النافلة المبتدئة بالتيمم ، وصحة النذر ، وإن لم يكن متعلقة مشروعا قبل النذر ، أو مع إمكان شرعيته في ثاني الحال. وهو بعيد.

الثالث : يتيمم للآية كالكسوف بحصولها. وللجنازة بحضورها ، ويمكن دخول وقتها (٥) بتغسيل الميت ، لإباحة الصلاة حينئذ وللاستسقاء باجتماع الناس في المصلى ، واستقرب الشهيد ـ رحمه‌الله ـ جوازه بإرادة الخروج إلى الصحراء ، بل بطلوع الشمس في اليوم الثالث ، لأنه وقت الخروج إلى الصلاة (٦). وهو مشكل ، والأولى إيقاعه عند إرادة الصلاة.

قوله : والواجب في التيمم : النية. واستدامة حكمها. والترتيب : يضع يديه على الأرض ، ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه ،

__________________

(١) المتقدم في ص (٢١٢).

(٢) روض الجنان : (١٢٢).

(٣) روض الجنان : (١٢٢).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٤٥ ).

(٥) كذا في جميع النسخ ، والأنسب : وقته. أي وقت التيمم.

(٦) الذكرى : (١٠٦).

٢١٤

______________________________________________________

ثم يمسح ظاهر الكفّين ، وقيل : باستيعاب مسح الوجه والذراعين ، والأول أظهر.

ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ ثم أنه يجب في التيمم أمور :

الأول : النية ، وهي شرط في صحة التيمم بإجماع العلماء ، قاله في المعتبر (١). ومعناها القصد بالقلب إليه. ويعتبر فيها قصد الطاعة والامتثال لأمر الله عز وجل ، لعدم تحقق الإخلاص بدونه. وفي اعتبار ملاحظة الوجه والاستباحة القولان المتقدمان في الوضوء.

وذكر جمع من الأصحاب ـ منهم العلامة في المنتهى ـ أنه لا يجوز للمتيمم نية رفع الحدث ، لإجماع العلماء كافة على أنه غير رافع ، ومتى لم يرفع امتنعت نيته شرعا (٢).

وجوّز الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في قواعده نية الرفع فيه إلى غاية معيّنة : إما الحدث أو وجود الماء. وهو حسن ، إذ لا معنى للحدث الذي يمكن رفعه إلاّ الحالة التي لا يصح معها الدخول في الصلاة ونحوها مما يتوقف على الطهارة ، فمتى زالت تلك الحالة حصلت الاستباحة والرفع. غاية ما في الباب أنّ الرفع قد يكون مطلقا ، كما في طهارة المختار ، وقد يكون إلى غاية ، كما في التيمم وطهارة دائم الحدث. والإجماع لم ينعقد على أنّ التيمم لا يرفع الحدث بهذا المعنى ، وإنما انعقد على أنه لا يرفعه مطلقا على وجه لا ينتقض بوجود الماء ، ولا كلام فيه.

وفي اعتبار نية البدلية عن الوضوء أو الغسل فيما كان بدلا عنهما أقوال ، ثالثها : اعتبار ذلك إن قلنا باختلاف الهيئتين ، وعدمه إن قلنا باتحادهما. وهو ظاهر اختيار‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٩٠ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٤٥ ).

٢١٥

______________________________________________________

الشهيد في الذكرى (١) ، ونقله عن المصنف في المعتبر ، وكلامه لا يدل عليه صريحا ، فإنه قال : لو نسي الجنابة فتيمم للحدث ، فإن قلنا بالضربة الواحدة فيهما أجزأه ، لأن الطهارتين واحدة ، وإن قلنا بالتفصيل لم يجزئه (٢).

وقال الشيخ في الخلاف : الذي يقتضيه المذهب أنه لا يجوز ، لأنه يشترط أن ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة ولم ينو ذلك (٣). هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ وليس فيه دلالة على أنّ عدم الإجزاء ـ على القول بالتفصيل ـ لفوات نية البدلية ، بل الظاهر أنه لعدم تحقق الضربتين المعتبرتين فيما كان بدلا من الغسل. ويتفرع على ذلك أنه لو ذكر الجنابة بعد النية وضرب مرة ثانية لليدين أجزأه ، كما لو قلنا بالاتحاد.

والأصح عدم اعتبار ذلك مطلقا ، للأصل ، وصدق الامتثال بإيجاد الماهية التي تعلق بها الخطاب.

واختلف الأصحاب في محل النية. فذهب الأكثر إلى أنه عند الضرب على الأرض ، لأنه أول أفعال التيمم. وبه قطع العلامة في المنتهى (٤).

وجوّز في النهاية تأخيرها إلى عند مسح الجبهة ، تنزيلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائية (٥). وهو مشكل ، لأن الضرب أحد الواجبات التي تعلق بها الأمر ، كمسح الجبهة واليدين ، بخلاف أخذ الماء في الطهارة المائية ، فإنه إنما يجب إذا توقف الغسل عليه. ولهذا لو غمس الأعضاء المغسولة في الماء أجزأه ، بخلاف مسح الأعضاء الممسوحة بالتراب ، فإنه غير مجز قطعا.

__________________

(١) الذكرى : (١٠٧).

(٢) المعتبر ( ١ : ٣٩١ ).

(٣) الخلاف ( ١ : ٣٢ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٤٥ ).

(٥) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٠٤ ).

٢١٦

______________________________________________________

ويتفرع على القولين ما لو أحدث بعد الضرب وقبل مسح الجبهة ، فعلى الأول يستأنف الضرب دون الثاني. والأصح الاستئناف ، لأن مقتضى الحدث المنع من الدخول في العبادة إلى أن يحصل المبيح ، ولا يعلم حصوله بمجرد المسح ، لجواز أن يكون بعض المبيح.

وجزم العلامة في النهاية (١) بعدم بطلان الضرب بطرو الحدث بعده ، مع اعترافه بأن أول أفعال التيمم المفروضة الضرب باليدين على الأرض. وبينهما تدافع.

الواجب الثاني : استدامة حكمها حتى يفرغ من التيمم ، بمعنى أن لا ينوي نية تنافي النية الأولى. ولا ريب في اعتبارها بهذا المعنى ، لبطلان النية السابقة باللاحقة ، فيصير الفعل الواقع بعدها بغير نية ، فلا يكون مجزيا.

ويبطل السابق مع فوات الموالاة إن اعتبرناها هنا. والكلام في هذه المسألة كما تقدم في الوضوء.

الواجب الثالث : وضع اليدين معا على الأرض. وقد أجمع الأصحاب على وجوبه وشرطيته في التيمم ، فلو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها بوجهه ويديه لم يجزئه ، لتوقف الوظائف الشرعية على النقل ، والمنقول في كيفية التيمم وضع اليدين على الأرض أولا ، فيكون ما عداه تشريعا محرما.

والأظهر اعتبار الضرب ، وهو الوضع المشتمل على الاعتماد الذي يحصل به مسماه عرفا ، فلا يكفي الوضع المجرد عنه ، لورود الأمر بالضرب في عدة أخبار صحيحة ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « تضرب بيديك ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٠٣ ).

٢١٧

______________________________________________________

لليدين » (١) وفي صحيحة إسماعيل بن همام : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين » (٢).

ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الأخبار المتضمنة لوصف تيمم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أنه أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد (٣) ، لأن الفعل المثبت لا عموم له ـ كما حقق في محله ـ ولو ثبت إفادته العموم لوجب حمله على الخاص جمعا بين الأدلة.

واكتفى الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى بمسمّى الوضع وإن لم يحصل معه اعتماد ، محتجا بأنّ الغرض قصد الصعيد ، وهو حاصل بالوضع (٤). وضعفه ظاهر ، فإنا نمنع حصول الغرض بالوضع مع قيام الدليل على الضرب.

ويعتبر في الضرب كونه بباطن الكفين ، لأنه المعهود من الضرب والوضع. وكونه على ما يجوز التيمم به. ولا يعتبر فيه كونه موضوعا على الأرض ، فلو كان التراب على بدنه أو بدن غيره وضرب عليه أجزأ.

ولو كان على وجهه تراب صالح للضرب فضرب عليه ، ففي الإجزاء تردد ، أقربه العدم ، لتوقف العبادة على النقل ، والمنقول خلافه.

ولا يشترط علوق شي‌ء من التراب على يديه ليستعمله في الأعضاء الممسوحة ، لانتفاء الدليل عليه ، ولإجماع علمائنا على استحباب نفض اليدين بعد الضرب ، وورود الأخبار‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦١١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧٢ ـ ٥٩٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٤).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢١٠ ـ ٦٠٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧١ ـ ٥٩٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٨ ) أبواب التيمم ب (١٢) ح (٣).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٧ ـ ٢١٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٧ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٨).

(٤) الذكرى : (١٠٨).

٢١٨

______________________________________________________

الصحيحة به (١) ، ولو كان العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما كان عرضة لزواله ، ولأنا بينا أنّ الصعيد وجه الأرض لا التراب ، فيسقط اعتبار حمله ، ولأن الضربة الواحدة كافية مطلقا على ما سنبينه ، ولو كان المسح بالتراب معتبرا لما حصل الاكتفاء بها ، إذ الغالب عدم بقاء الغبار من الضربة الواحدة لليدين.

ونقل عن ظاهر ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ وجوب المسح بالمرتفع على اليدين ، واحتج له في المختلف (٢) بقوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (٣) أي من التراب.

والجواب : المنع من عود الضمير إلى الصعيد ، بل المروي في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه يعود إلى التيمم ، فإنه عليه‌السلام قال : « فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ، لأنه قال ( بِوُجُوهِكُمْ ) ثم وصل بها ( وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) أي من ذلك التيمم ، لأنه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (٤).

الواجب الرابع : مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف ، والمراد به الأعلى كما سنبينه. قال في الذكرى : وهذا القدر متفق عليه بين الأصحاب (٥). وأوجب الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه مسح الجبينين والحاجبين أيضا (٦). وقال أبوه ـ رحمه الله تعالى ـ : يمسح الوجه بأجمعه (٧).

__________________

(١) الوسائل ( ٢ : ٩٩٩ ) أبواب التيمم ب (٢٩).

(٢) المختلف : (٥٠).

(٣) المائدة : (٦).

(٤) الكافي ( ٣ : ٣٠ ـ ٤ ) ، الفقيه ( ١ : ٥٦ ـ ٢١٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٦١ ـ ١٦٨ ) ، علل الشرائع : ( ٢٧٩ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٠ ) أبواب التيمم ب (١٣) ح (١).

(٥) الذكرى : (١٠٨).

(٦) الفقيه ( ١ : ٥٧ ).

(٧) نقله في المختلف : (٥٠).

٢١٩

______________________________________________________

والمعتمد وجوب مسح الجبهة والجبينين خاصة.

لنا : قوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (١) والباء للتبعيض بالنص الصحيح عليه من أبي جعفر الباقر عليه‌السلام (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم لعمار في سفر له : يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال : تمرغت يا رسول الله في التراب. قال ، فقال له : كذلك يتمرغ الحمار ، أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ، ثم مسح جبينيه بأصابعه وكفّيه إحداهما بالأخرى ، ثم لم يعد ذلك » (٣).

وتشهد له أيضا موثقة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التيمم ، فضرب بيديه الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح بهما جبهته وكفّيه مرة واحدة (٤).

ورواية عمرو بن أبي المقدام (٥) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه وصف التيمم ، فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح على جبينيه وكفيه مرة واحدة (٦).

__________________

(١) المائدة : (٦).

(٢) الكافي ( ٣ : ٣٠ ـ ٤ ) ، الفقيه ( ١ : ٥٦ ـ ٢١٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٦١ ـ ١٦٨ ) ، علل الشرائع : ( ٢٧٩ ـ ١ ) الوسائل ( ٢ : ٩٨٠ ) أبواب التيمم ب (١٣) ح (١) ، وقال فيها : « وامسحوا برؤوسكم » : إن المسح ببعض الرأس لمكان الباء.

(٣) المتقدمة في ص (٢١٨) ه‍ (٣).

(٤) الكافي ( ٣ : ٦١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٧ ـ ٦٠١ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٧٠ ـ ٥٩٠ ) بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٦ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٣).

(٥) في التهذيب المطبوع : المقدم ، والمثبت هو الصحيح ( راجع معجم رجال الحديث ١٣ : ٧٢ ، وج ٩ : ١٠٧ ).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢١٢ ـ ٦١٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧١ ـ ٥٩٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٧٧ ) أبواب التيمم ب (١١) ح (٦).

٢٢٠