مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

______________________________________________________

وإن كانت حزنة يطلبه من كل جهة مقدار رمية سهم واحد (١).

وقال ابن إدريس : وحدّ ما وردت به الروايات وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض سهلة : غلوة سهمين ، وإذا كانت حزنة : فغلوة سهم (٢).

ولم يقدّره السيد المرتضى في الجمل (٣) ولا الشيخ في الخلاف (٤) بقدر ، ولم أقف في الروايات على ما يعطي هذا التحديد سوى رواية السكوني المتقدمة (٥) ، وهي ضعيفة السند جدّا كما اعترف به المصنف في المعتبر فإنّه قال : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني وهو ضعيف ، غير أنّ الجماعة عملوا بها ، والوجه أنّه يطلب من كلّ جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلّف التباعد بما يشق ، ورواية زرارة (٦) تدل على أنّه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات ، وهو حسن والرواية واضحة السند والمعنى (٧).

هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو في محلّه ، لكن سيأتي إن شاء الله (٨) أنّ مقتضى كثير من الروايات جواز التيمم مع السعة ، فيمكن حمل ما تضمنته رواية زرارة من الأمر بالطلب إلى أن يتضيق الوقت على الاستحباب. والمعتمد اعتبار الطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة بحيث يتحقق عرفا عدم وجدان الماء.

__________________

(١) المقنعة : ٨.

(٢) السرائر : ٢٦.

(٣) جمل العلم والعمل : ٦١.

(٤) الخلاف ١ : ٣٥.

(٥) في ص ١٧٩.

(٦) المتقدمة في ص ١٧٩.

(٧) المعتبر ١ : ٣٩٣.

(٨) في ص ٢١٠‌

١٨١

______________________________________________________

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : إنما يجب الطلب مطلقا أو في (١) الجهات الأربع مع احتمال الظفر ، فلو تيقّن عدم الإصابة في بعض الجهات أو مطلقا فلا طلب ، لانتفاء الفائدة ، ولو غلب على ظنه ذلك لم يسقط ، لجواز كذبه.

وقال بعض العامّة : يجب الطلب وإن تيقّن عدم الماء (٢). وهو خطأ ، لأنّ الطلب مع تيقّن عدم الإصابة عبث لا يقع الأمر به من الشارع.

الثاني : لو تيقن وجود الماء لزمه السعي إليه ما دام الوقت باقيا والمكنة حاصلة ، سواء كان قريبا أم بعيدا ، وسواء استلزم السعي فوات مطلوبه ـ إذا لم يكن مضرّا بحاله ـ أم لا ، لقدرته على الماء.

وقال في المعتبر : من تكرّر خروجه من مصره كالحطّاب والحشّاش لو حضرته الصلاة ولا ماء ، فإن أمكنه العود ولمّا يفت مطلوبه عاد ولو تيمم لم يجزئه ، وإن لم يمكنه إلاّ بفوات مطلوبه ففي التيمم تردّد أشبهه الجواز دفعا للضرر (٣).

الثالث : لو خاف على نفسه أو ماله لو فارق مكانه لم يجب الطلب ، دفعا للحرج اللازم من وجوب السعي معه ، ويدل عليه روايتا داود الرقّي ويعقوب بن سالم المتقدمتان (٤) ، وفحوى صحيحة الحلبي : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يمرّ‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : بعض.

(٢) كالشافعي في الأم ١ : ٤٦.

(٣) المعتبر ١ : ٣٦٥.

(٤) في ص ١٧٩.

١٨٢

ولو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت أخطأ وصحّ تيمّمه وصلاته على الأظهر.

______________________________________________________

بالركيّة (١) وليس معه دلو ، قال : « ليس عليه أن يدخل الركيّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمّم » (٢).

الرابع : قال في المنتهى : لو طلب قبل الوقت لم يعتدّ به ووجب إعادته ، لأنّه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه ، ثم اعترف بأنّ ذلك إنما هو إذا أمكن تجدّد الماء في موضع الطلب ، وإلاّ لم يجب عليه الطلب ثانيا (٣).

وهو جيّد إن قلنا أنّ الطلب إنما هو في الغلوات كما هو رواية السكوني ، وأمّا على رواية زرارة فيجب الطلب ما أمّل الإصابة في الوقت سواء كان قد طلب قبل الوقت أم لا.

قوله : ولو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت أخطأ وصحّ تيمّمه وصلاته على الأظهر.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، والوجه فيه أنّ الطلب يسقط مع ضيق الوقت عنه ويجب على المكلّف التيمم ، لأنّه غير واجد للماء كما هو المقدّر ، وأداء الصلاة بتلك الطهارة ، وقد امتثل لأنّه المفروض ، والأمر يقتضي الإجزاء.

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : لو أخلّ بالطلب لم يصح تيممه (٤). ويلزم على‌ قوله لو تيمّم وصلّى أن يعيد الصلاة ، وبه قطع الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الدروس‌

__________________

(١) الرّكيّة : البئر. وجمعها ركيّ وركايا ـ الصحاح ٦ : ٢٣٦١.

(٢) الفقيه ١ : ٥٧ ـ ٢١٣ ، المحاسن : ٣٧٢ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٢ : ٩٦٥ أبواب التيمم ب ٣ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ١٣٩.

(٤) المبسوط ١ : ٣١ ، والخلاف ١ : ٣٥.

١٨٣

______________________________________________________

والبيان (١).

واستشكله المصنف في المعتبر : بأنّه مع ضيق الوقت يسقط الطلب ويتحتّم التيمّم فيكون مجزيا وإن أخلّ بالطلب وقت السعة ، لأنّه يكون مؤدّيا فرضه بطهارة صحيحة وصلاة مأمور بها (٢). وهو حسن.

ويمكن أن يحمل كلام الشيخ على ما إذا أخلّ بالطلب وتيمّم مع السعة فإنّ تيمّمه لا يصح قطعا.

وقال في المنتهى : لو كان بقرب المكلّف ماء وتمكّن من استعماله وأهمل حتى ضاق الوقت فصار لو مشى إليه خرج الوقت فإنه يتيمّم ، وفي الإعادة وجهان أقربهما الوجوب (٣). ويتوجّه عليه ما سبق.

فروع :

الأوّل : لو أخلّ بالطلب وضاق الوقت فتيمّم وصلّى ثم وجد الماء في محل الطلب فالأظهر أنّه كعدمه ، لما ذكرناه من الدليل. وقيل بوجوب الإعادة هنا (٤) ، تعويلا على رواية أبي بصير ، قال : سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمّم وصلّى ثم ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الوقت ، قال : « عليه أن يتوضّأ ويعيد الصلاة » (٥).

__________________

(١) الدروس : ١١ ، والبيان : ٣٤.

(٢) المعتبر ١ : ٣٦٥.

(٣) المنتهى ١ : ١٥٢.

(٤) كما في الدروس : ١٩ ، والبيان : ٣٤.

(٥) الكافي ٣ : ٦٥ ـ ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ ـ ٦١٦ ، الوسائل ٢ : ٩٨٢ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٥.

١٨٤

______________________________________________________

وهي مع ضعف سندها بعثمان بن عيسى ، واشتراك أبي بصير ، وجهالة المسئول ، إنما تدلّ على الإعادة إذا نسي الماء في رحله وتيمّم وصلى ثمّ ذكر في الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

الثاني : لو كان معه ماء فأراقه قبل الوقت ، أو مرّ بماء فلم يتطهّر ، ودخل الوقت ولا ماء تيمّم وصلّى ولا إعادة إجماعا قاله في المنتهى (١). ولو كان ذلك بعد دخول الوقت فكذلك على الأظهر وإن علم باستمرار الفقد ، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها بتيمم مشروع فكانت مجزية. وقطع الشهيد في الدروس والبيان بوجوب الإعادة هنا للتفريط (٢). وجعله العلاّمة في التذكرة احتمالا ، قال : فحينئذ يعيد واحدة لا ما بعدها كما لو أراق قبل الوقت ، ويحتمل قضاء كلّ صلاة يؤدّيها بوضوء واحد في عادته (٣).

والأصحّ السقوط مطلقا ، وظاهر المعتبر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب (٤).

الثالث : لو كان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية والأداء ، فهل يتطهر ويقضي أو يتيمم ويؤدّي؟ فيه قولان ، أظهرهما الأوّل ، وهو خيرة المصنف في المعتبر (٥) ، لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة ، والتيمم إنما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء ، والحال أنّ المكلّف واجد للماء ، متمكّن من استعماله ، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتسع لذلك ولم يثبت كون ذلك مسوّغا للتيمم.

وقال العلاّمة في المنتهى : يجب التيمم والأداء ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة حمّاد‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٥٢.

(٢) الدروس : ١٩ ، والبيان : ٣٤.

(٣) التذكرة ١ : ٦١.

(٤) المعتبر ١ : ٣٦٦.

(٥) المعتبر ١ : ٣٦٦.

١٨٥

ولا فرق بين عدم الماء أصلا ووجود ماء لا يكفيه لطهارته.

______________________________________________________

ابن عثمان : « هو بمنزلة الماء » (١) قال : وإنما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه ، ولا ريب أنّه لو وجد الماء وتمكّن من استعماله وجب عليه الأداء فكذا لو وجد ما ساواه (٢).

قلت : ويدل عليه فحوى قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض » (٣) وفي صحيحة جميل : « إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٤) وهذا القول لا يخلو من رجحان ، ولا ريب أنّ التيمم والأداء ثم القضاء بالطهارة المائية أحوط.

قوله : ولا فرق بين عدم الماء أصلا ووجود ماء لا يكفيه لطهارته.

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الطهارة بين الوضوء والغسل ، وبهذا التعميم صرّح في المنتهى والتذكرة وأسنده إلى علمائنا (٥) ، والوجه فيه قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (٦) إذ المتبادر منه نفي وجدان ما يكفي في الطهارة ، كقوله تعالى في كفارة اليمين : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ) (٧) فإنّ المراد ـ والله أعلم ـ : فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين ، ولهذا لم يجب إطعام البعض لو تمكّن منه.

__________________

(١) المتقدمة في ص (١٧٨).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٣٧ ).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٧ ـ ٢١٣ ) ، المحاسن : ( ٣٧٢ ـ ١٣٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٥ ) أبواب التيمم ب (٣) ح (١).

(٤) المتقدمة في ص (١٧٨).

(٥) المنتهى ( ١ : ١٣٣ ) ، التذكرة ( ١ : ٦٥ ).

(٦) النساء : (٤٣) ، المائدة : (٦).

(٧) المائدة : (٨٩).

١٨٦

______________________________________________________

وقال بعض العامة : الجنب إذا وجد ماءا لا يكفيه لطهارته استعمل الماء وتيمم (١). وحكى في المنتهى عن بعض الشافعية ذلك في الحدث الأصغر أيضا (٢) ، لأنّه واجد للماء فلا يسوغ له التيمم قبل استعماله. وجوابه منع الوجدان كما بيناه.

وقطع العلاّمة في النهاية بأنّ المحدث لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته لم يجب عليه استعماله بل تيمم ، واحتمل في الجنب مساواته للمحدث ، ووجوب صرف الماء إلى بعض أعضائه ، لجواز وجود ما يكمل به الطهارة ، قال : والموالاة ساقطة هنا بخلاف المحدث (٣).

وجزم في التذكرة بعدم وجوب استعمال ما لا يكفي في الطهارة ، سواء في ذلك الجنب وغيره ، وأسنده إلى الأصحاب (٤). وهو المعتمد ، إذ التكليف بالغسل إنّما يتوجّه مع التمكن منه ، وإنّما يتحقق بالتمكن من جميع أجزائه ، ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضّأ به ، قال : « يتيمم ولا يتوضّأ » (٥) ونحوه روى الحلبي في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦). ولو كان غسل البعض واجبا مع التمكن منه لبيّنه عليه‌السلام.

__________________

(١) منهم ابن حزم في المحلى ( ٢ : ١٣٧ ) ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ( ١ : ٢٧٠ ، ٢٨١ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٣٤ ).

(٣) نهاية الأحكام ( ١ : ١٨٦ ).

(٤) التذكرة ( ١ : ٦٥ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٠٥ ـ ١٢٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٦ ) أبواب التيمم ب (٢٤) ح (٤).

(٦) التهذيب ( ١ : ٤٠٥ ـ ١٢٧٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٦ ) أبواب التيمم ب (٢٤) ح (٤).

١٨٧

الثاني : عدم الوصلة إليه. فمن عدم الثمن فهو كمن عدم الماء ، وكذا إن وجده بثمن يضرّ به في الحال.

______________________________________________________

قال المصنف في المعتبر : وكذا لو تضرر بعض أعضائه بالمرض تيمم ولم يغسل الصحيح ، وكذا لو كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء تيمم وصلى ، ولا إعادة في شي‌ء من ذلك (١). وهو جيد ، لأن الوضوء والغسل مركب ، ومن شأن المركب الارتفاع بارتفاع جزئه فينتقل إلى بدله لتعذره ، ولا ينتقض بالجبيرة ، لخروجها بنص خاص كما بيناه (٢).

قوله : الثاني ، عدم الوصلة إليه ، فمن عدم الثمن فهو كمن عدم الماء ، وكذا إن وجده بثمن يضرّ به في الحال.

ظاهر العبارة وصريح المعتبر (٣) أنّ المراد بالحال هنا ما قابل المآل (٤) ، وقيل : إنّ المراد به حال المكلّف ليعم الاستقبال ، حيث لا يتوقع المكلف حصول مال فيه عادة ، لاشتراكهما في الضرر (٥).

أمّا جواز التيمم مع فقد الثمن حيث يتوقف حصول الماء عليه فظاهر ، لأنّ من هذا شأنه لا يكون واجدا للماء المباح ، فينتقل فرضه إلى التيمم.

وأمّا جوازه مع وجود الماء بثمن يضرّ به في الحال فأسنده في المعتبر إلى فتوى الأصحاب (٦) ، واستدلّ عليه بأنّ من خشي من لصّ أخذ ما يجحف به لم يجب عليه السعي وتعريض المال للتلف ، وإذا ساغ التيمم هناك دفعا للضرر ساغ هنا. وبرواية‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٦٩ ).

(٢) في ص (٢٣٥).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٦٩ ).

(٤) الجواهر ( ٥ : ٩٩ ). لعدم العلم بالبقاء الى وقته ، ولإمكان حصول مال فيه على تقدير البقاء.

(٥) كما في المسالك ( ١ : ١٦ ).

(٦) المعتبر ( ١ : ٣٧٠ ).

١٨٨

وإن لم يكن مضرا في الحال لزمه شراؤه ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد. وكذا القول في الآلة.

______________________________________________________

يعقوب بن سالم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك ، قال : « لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع » (١) وهو حسن.

ويؤيّده عموم قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) وقوله عز وجل : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٣).

قوله : وإن لم يكن مضرّا به في الحال لزمه شراؤه وإن كان بأضعاف ثمنه المعتاد.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن الجنيد : إذا كان الثمن غاليا تيمّم وصلّى ، وأعاد إذا وجد الماء (٤). وهو ضعيف.

لنا : أنّه واجد للماء لقدرته عليه بالثمن المتمكّن منه فلا يسوغ له التيمم ، كما في خصال الكفارة المرتبة ، وما رواه صفوان في الصحيح ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، يشتري ويتوضّأ أو يتيمّم؟ قال : « لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضّأت ، وما يشتري بذلك مال كثير » (٥).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦٥ ـ ٨ ) ، التهذيب ( ١ : ١٨٤ ـ ٥٢٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٤ ) أبواب التيمم ب (٢) ح (٢).

(٢) الحج : (٧٨).

(٣) البقرة : (١٨٥).

(٤) نقله في المعتبر ( ١ : ٣٦٩ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ٧٤ ـ ١٧ ) ، الفقيه ( ١ : ٢٣ ـ ٧١ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٧ ) أبواب التيمم ب (٢٦) ح (١).

١٨٩

الثالث : الخوف ، ولا فرق في جواز التيمّم بين أن يخاف لصا أو سبعا أو يخاف ضياع مال.

______________________________________________________

ولو بذل له المال أو وهب منه (١) وجب القبول ولا يسوغ له التيمم ، لأنّه واجد للماء ، ولو بذل له بثمن وليس معه فبذل له الثمن قال الشيخ : يجب قبوله ، لأنّه متمكّن منه (٢). واستشكله المصنف في المعتبر بأنّ فيه منّة بالعادة ولا يجب تحمّل المنّة (٣). وهو ضعيف ، لجواز انتفاء المنّة ، ومنع عدم وجوب تحمّلها إذا توقف الواجب عليه.

ولو امتنع من قبول الهبة لم يصح تيممه ما دام الماء أو الثمن باقيا في يد المالك المقيم على البذل.

قوله : الثالث ، الخوف : ولا فرق في جواز التيمّم بين أن يخاف لصا أو سبعا أو يخاف ضياع مال.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة (٤) ، بل قال في المنتهى : إنّه لا يعرف فيه خلافا بين أهل العلم (٥). وقد ورد به روايات كثيرة ، منها : روايتا يعقوب بن سالم وداود الرّقّي المتقدمتان (٦).

وصحيحة الحلبي : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يمرّ بالركيّة وليس معه دلو؟ قال : « ليس عليه أن يدخل الركيّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمم » (٧).

__________________

(١) كذا ، والأنسب أن يكون : له. ويعني به : الماء.

(٢) المبسوط ( ١ : ٣١ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٧١ ).

(٤) منهم المحقق في المعتبر ( ١ : ٣٦٦ ) ، والعلامة في التذكرة ( ١ : ٦١ ).

(٥) المنتهى ( ١ : ١٣٤ ).

(٦) في ص (١٧٩).

(٧) المتقدمة في ص (١٨٢).

١٩٠

وكذا لو خشي المرض الشديد أو الشين باستعماله الماء جاز له التيمّم.

______________________________________________________

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنّه لا فرق في الخوف بين أن يكون على النفس أو المال أو البضع ، ولا في الخوف بين أن يكون لسبب أو لمجرد الجبن ، ولا في المال الذي يخاف تلفه بين القليل والكثير ، المضر فوته وعدمه. وبهذا التعميم جزم الشارح ـ قدس‌سره ـ قال : والفارق بينه وبين الأمر ببذل المال الكثير لشراء الماء النص ، لا كون الحاصل في مقابلة الأوّل هو الثواب لبذله في عبادة اختيارا ، وفي الثاني العوض وهو منقطع (١) ، لأنّ تارك المال للصّ وغيره طلبا للماء داخل في موجب الثواب أيضا (٢).

قلت : وكأنه أشار بالنص إلى روايتي يعقوب بن سالم ، وداود الرقي (٣) الدالتين على جواز التيمم مع الخوف من اللصّ ، المتناولتين بإطلاقهما للخوف عن فوات المال القليل والكثير ، وصحيحة صفوان (٤) المتضمنة للأمر بشراء ماء الوضوء وإن كان بألف درهم مع التمكّن منه.

وفي سند الروايتين الأوليين ضعف ، وفي دلالتهما قصور ، إلاّ أنهما مؤيّدتان بعموم ما دلّ على رفع الحرج والعسر ، ولا ريب أنّ في تعريض النفس والمال للصوص حرجا عظيما ومهانة على النفس ، بخلاف بذل المال اختيارا ، فإنّه لا غضاضة فيه على أهل المروّة بوجه ، ولعلّ ذلك هو الفارق بين الموضعين.

قوله : وكذا لو خشي المرض الشديد أو الشين باستعمال الماء جاز له التيمّم.

المرض الشديد باستعمال الماء يتحقق بخوف حدوثه ، أو زيادته ، أو بطء برئه ،

__________________

(١) يعني به : أنّ الحاصل في مقابله هو عوضه وثمنه فيكون في ذمة السارق ، بخلاف الأول فإنّ الحاصل في مقابله هو الثواب.

(٢) المسالك ( ١ : ١٦ ).

(٣) المتقدمتين في ص (١٧٩).

(٤) المتقدمة في ص (١٨٩).

١٩١

______________________________________________________

ويشمل ما كان عامّا لجميع البدن أو مختصا بعضو. ويدل على جواز التيمم للمريض بأنواعه إذا خاف الضرر باستعمال الماء قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) (١) إذ المراد ـ والله أعلم ـ : وإن كنتم مرضى ، مرضا تخافون معه من استعمال الماء ، أو يشق عليكم معه استعماله. ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجنب تكون به القروح ، قال : « لا بأس بأن لا يغتسل ، يتيمم » (٢).

أما الجواز مع خوف حدوث المرض الشديد باستعمال الماء فيدل عليه عموم قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) وقوله عز وجل ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٤).

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه البرد ، قال : « لا يغتسل ، يتيمم » (٥).

وصحيحة داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد ، قال : « لا يغتسل ، ويتيمم » (٦).

ولو كان المرض يسيرا كوجع الرأس والضرس فهو غير مسوغ للتيمم عند المصنف (٧)

__________________

(١) المائدة : (٦).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٨٤ ـ ٥٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٧ ) أبواب التيمم ب (٥) ح ( ٥ ، ١١ ) بتفاوت يسير.

(٣) الحج : (٧٨).

(٤) البقرة : (١٩٥).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٩٦ ـ ٥٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٨ ) أبواب التيمم ب (٥) ح (٧).

(٦) التهذيب ( ١ : ١٨٥ ـ ٥٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٨ ) أبواب التيمم ب (٥) ح (٨).

(٧) المعتبر ( ١ : ٣٦٥ ).

١٩٢

______________________________________________________

والعلاّمة (١) ، لانتفاء الضرر معه. واستشكله الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى (٢) بالعسر والحرج ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا حرج » (٣).

وربما كان الخلاف مرتفعا في المعنى ، فإنّه مع الضرورة والمشقة الشديدة يجوز التيمم عند الجميع ، لأنّ المرض والحال هذه لا يكون يسيرا ، ومع انتفاء المشقة وسهولة المرض لا يسوغ التيمم عند الجميع أيضا.

وإطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنّه لا فرق في هذا الحكم بين متعمّد الجنابة وغيره ، ويؤيّده أنّ الجنابة على هذا التقدير غير محرّمة إجماعا كما نقله في المعتبر (٤) ، فلا يترتب على فاعله عقوبة (٥) ، و [ في ] ارتكاب التغرير بالنفس عقوبة.

وقال الشيخان : إن أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض (٦) ، واستدل عليه في الخلاف بصحيحة (٧) عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل تخوف أن يغتسل فيصيبه عنت ، قال : « يغتسل وإن أصابه ما أصابه » (٨).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل تصيبه الجنابة في‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٣٦ ) ، والتذكرة ( ١ : ٦٢ ).

(٢) الذكرى : (٢٢).

(٣) سنن ابن ماجة ( ٢ : ١٠١٣ ـ ٣٠٤٩ ، ٣٠٥٢ ) ، سنن أبي داود ( ٢ : ٢١١ ـ ٢٠١٤ ، ٢٠١٥ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٣٦٣ ).

(٥) الجواهر ( ٥ : ١٠٨ ). مع أن المتجه على مذهب الخصم حرمة الجنابة والحال هذه.

(٦) المفيد في المقنعة : (٨) ، والشيخ في الخلاف ( ١ : ٣٩ ) ، والمبسوط ( ١ : ٣٠ ) ، والنهاية : (٤٦).

(٧) في « س » و « ح » : برواية.

(٨) التهذيب ( ١ : ١٩٨ ـ ٥٧٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٢ ـ ٥٦٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٦ ) أبواب التيمم ب (١٧) ح (٣).

١٩٣

______________________________________________________

الليلة الباردة ، قال : « اغتسل على ما كان ، فإنّه لا بدّ من الغسل » (١).

وأجاب عنهما في المعتبر بعدم الصراحة في الدلالة ، لأنّ العنت المشقة ، وليس كلّ مشقة تلفا ، ولأنّ قوله عليه‌السلام : « على ما كان » ليس حجة في موضع النزاع وإن دل بإطلاقه ، فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية ، ولا يخصّ بها عموم نفي الحرج (٢). وهو جيد.

ويتوجه عليهما أيضا أنّهما متروكتا الظاهر ، إذ لا تقييد فيهما بتعمّد الجنابة ، ولا قائل بمضمونهما على الإطلاق.

نعم روى الكليني ـ رحمه الله تعالى ـ عن عليّ بن إبراهيم رفعه قال : « إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم تيمّم » (٣).

وعن عليّ بن أحمد رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن مجدور أصابته جنابة ، قال : « إن كان أجنب هو فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتيمّم » (٤) وضعف سندهما يمنع من التمسك بهما.

ويرجع المريض في معرفة التضرر باستعمال الماء إلى الظنّ الحاصل من التجربة ، أو إخبار العارف وإن كان فاسقا ، إذ غاية ما تقيّد به الآية الشريفة اعتبار ظنّ الضرر فيكفي حصوله بأيّ وجه اتفق.

وأمّا الشين فقيل : إنّه عبارة عمّا يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ، الناشئة من‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٩٨ ـ ٥٧٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٧ ) أبواب التيمم ب (١٧) ح (٤).

(٢) المعتبر ( ١ : ٣٩٧ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٦٧ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٦ ) أبواب التيمم ب (١٧) ح (٢).

(٤) الكافي ( ٣ : ٦٨ ـ ٣ ) ، الفقيه ( ١ : ٥٩ ـ ٢١٩ ) ، التهذيب ( ١ : ١٩٨ ـ ٥٧٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٢ ـ ٥٦٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٦ ) أبواب التيمم ب (١٧) ح (١).

١٩٤

وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله.

______________________________________________________

استعمال الماء في البرد الشديد ، وربما بلغت تشقق الجلد وخروج الدم (١). وقد طع الأصحاب بجواز التيمم مع ذلك ، دفعا للضرر اللازم من وجوب استعمال الماء معه. واعتبر فيه العلاّمة في المنتهى التفاحش (٢) ، ولا بأس به.

قوله : وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله في الحال أو المآل.

هذا مذهب العلماء كافّة قاله في المعتبر (٣) ، والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلاّ ماء قليل يخاف إن هو اغتسل أن يعطش ، قال : « إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة ، وليتيمم بالصعيد ، فإنّ الصعيد أحبّ إليّ » (٤).

وفي الصحيح ، عن محمد الحلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش ، أيغتسل به أو يتيمّم؟ قال : « بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء » (٥).

قال في المعتبر : ولو خشي العطش على رفيقه أو دوابّه استبقى الماء ويتيمّم ، لأنّ حرمة أخيه المسلم كحرمته ، ولأنّ حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة ، والخوف على الدواب خوف على المال ، ومعه يجوز التيمم (٦). هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى.

__________________

(١) كما في المسالك ( ١ : ١٦ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ١٣٥ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٦٧ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٦ ) أبواب التيمم ب (٢٥) ح (١).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٧ ) أبواب التيمم ب (٢٥) ح (٢).

(٦) المعتبر ( ١ : ٣٦٨ ).

١٩٥

الطّرف الثّاني : فيما يجوز التيمم به :

وهو كل ما يقع عليه اسم الأرض.

______________________________________________________

وهو جيد بالنظر إلى الرفيق المسلم ، لأن حفظ المسلم أرجح في نظر الشرع من الصلاة ، بدليل أنها تقطع لحفظ المسلم من الغرق والحرق وإن ضاق وقتها.

أما بالنظر إلى الدواب فمشكل على إطلاقه ، لأن مطلق ذهاب المال غير مسوغ للتيمم ، ولهذا وجب صرف المال الكثير الذي لا يضر فوته في شراء الماء ( ومنه الدواب لو توقف الشراء عليه ) (١) فيمكن القول بوجوب ذبح الدابة ( أو إتلافها ) (٢) واستعمال الماء ، لأنه واجد له غير مضطر إليه ، فلا يسوغ له التيمم.

فرع : لو كان معه ماءان طاهر ونجس ، وخشي العطش ، فقد قطع الأصحاب بأنه يستبقي الطاهر لشربه ويتيمم ، لأنه قادر على شرب الطاهر فلا يستبيح النجس ، فجرى وجوده مجرى عدمه. وهو جيد إن ثبت تحريم شرب النجس مطلقا.

قوله : الطّرف الثّاني ، فيما يجوز التيمم به ، وهو : كل ما يقع عليه اسم الأرض.

اختلفت عبارات الأصحاب فيما يجوز التيمم به ، فقال الشيخ في المبسوط : لا يجوز التيمم إلاّ بما يقع عليه اسم الأرض إطلاقا ، سواء كان عليه تراب أو كان حجرا أو جصّا أو غير ذلك (٣) ، وبمعناه قال في الجمل والخلاف (٤) ، ونحوه قال المرتضى في المصباح (٥).

وقال في شرح الرسالة : لا يجزئ في التيمم إلاّ التراب الخالص أي الصافي من مخالطة ما لا يقع عليه اسم الأرض ، كالكحل والزرنيخ وأنواع المعادن (٦). ونحوه قال‌

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من « ح ».

(٢) من « ح ».

(٣) المبسوط ( ١ : ٣١ ).

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٨). الخلاف ( ١ : ٣٠ ).

(٥) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٣٧٢ ).

(٦) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٣٧٢ ).

١٩٦

______________________________________________________

المفيد في المقنعة (١) ، وأبو الصلاح (٢).

ونقل عن ابن أبي عقيل أنه جوّز التيمم بالأرض وبكل ما كان من جنسها ، كالكحل والزرنيخ ، واستحسنه في المعتبر (٣).

والمعتمد اعتبار ما يقع عليه اسم الأرض.

لنا : قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٤) والصعيد : وجه الأرض على ما نص عليه الخليل (٥) والزجاج (٦) ، ونقله ثعلب عن ابن الأعرابي. ويدل عليه قوله تعالى : ( فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ) (٧) أي أرضا ملساء يزلق عليها باستيصال نباتها وأشجارها.

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد » (٨) أي أرض واحدة.

ويدل على جواز التيمم بالأرض الأخبار المستفيضة ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ » (٩) وفي صحيحة الحلبي : « إنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (١٠) وفي‌

__________________

(١) المقنعة : (٧).

(٢) الكافي في الفقه : (١٣٦).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٧٢ ).

(٤) النساء : (٤٣).

(٥) كتاب العين ( ١ : ٢٩٠ ).

(٦) نقله عنه في المصباح المنير : (٣٤٠) ، ومجمع البحرين ( ٣ : ٨٥ ) ، ونقلا عنه قوله : أنه لا يعلم فيه اختلافا بين أهل اللغة.

(٧) الكهف : (٤٠).

(٨) المعتبر ( ١ : ٣٧٣ ).

(٩) التهذيب ( ١ : ١٩٣ ـ ٥٥٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٩ ـ ٥٤٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٨٣ ) أبواب التيمم ب (١٤) ح (٧).

(١٠) الفقيه ( ١ : ٥٧ ـ ٢١٣ ) ، المحاسن : ( ٣٧٢ ـ ١٣٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٥ ) أبواب التيمم ب (٣) ح (١) ، بتفاوت يسير.

١٩٧

______________________________________________________

صحيحة محمد بن مسلم : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (١) وإنما يكون وجدان الأرض نافعا لو جاز التيمم بها.

احتج السيد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ على ما نقل عنه (٢) بقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) والصعيد هو التراب بالنقل عن أهل اللغة (٣) ، حكاه ابن دريد عن أبي عبيدة.

وبقوله عليه‌السلام : « جعلت الأرض لي مسجدا وترابها طهورا » (٤) ولو كانت الأرض طهورا وإن لم تكن ترابا لكان لفظ ترابها لغوا.

وأجاب عنه في المعتبر بأنه لا يلزم من تسمية التراب صعيدا أن لا يسمى به الأرض ، بل جعله اسما للأرض أولى ، لأنه يستعمل فيهما فيجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الأرضية ، دفعا للاشتراك والمجاز. فيكون التراب صعيدا باعتبار كونه أرضا ، لا باعتبار كونه ترابا.

وعن الرواية بأنّ التمسك بها تمسك بدلالة الخطاب وهي متروكة في معرض النص إجماعا. وحكى الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى (٥) أنّ الرواية موجودة بحذف ترابها.

وكيف كان فهذه الرواية الضعيفة لا تعارض الأخبار المستفيضة الصحيحة السند المتضمنة لجواز التيمم بما يسمى أرضا.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٦٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٠٣ ـ ٥٨٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦٥ ـ ٥٧٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٩٣ ) أبواب التيمم ب (٢٢) ح (١).

(٢) في المعتبر ( ١ : ٣٧٢ ).

(٣) كما في القاموس المحيط ( ١ : ٣١٨ ) ، والصحاح ( ٢ : ٤٩٨ ).

(٤) الفقيه ( ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٤ ) ، الخصال : ( ٢٩٢ ـ ٥٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٩ ) أبواب التيمم ب (٧) ح (٢).

(٥) الذكرى : (٢١).

١٩٨

______________________________________________________

واختلف الأصحاب في جواز التيمم بالحجر الصلد الذي لا غبار عليه كالرخام والبرام (١). فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط والخلاف : يجوز التيمم به اختيارا (٢). وقال في النهاية : ولا بأس بالتيمم بالأحجار وأرض النورة وأرض الجصّ إذا لم يقدر على التراب (٣).

وقريب منه كلام المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة ، فإنه قال : وإن كان في أرض صخر وأحجار ليس عليها تراب وضع يده أيضا عليها ومسح وجهه وكفيه كما ذكرنا في تيممه بالتراب ، وليس عليه حرج في الصلاة بذلك ، لموضع الاضطرار (٤).

وقال ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ : ولا يعدل إلى الحجر إلاّ إذا فقد التراب (٥).

وربما أشعر كلام ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ بالمنع من التيمم مطلقا ، فإنه قال : ولا يجوز من السبخ ، ولا مما أحيل عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير خاصة (٦).

والمعتمد جواز التيمم به اختيارا ، لأنه أرض إجماعا كما حكاه في المعتبر (٧) ، ودل عليه اللغة والعرف ، ومتى ثبت كونه أرضا تناولته الأدلة الدالة على جواز التيمم بالأرض.

__________________

(١) الرخام : حجر أبيض رخو ـ الصحاح ( ٥ : ١٩٣٠ ) ، البرام : الظاهر أنه حجر معروف بالحجاز واليمن يصنع منه القدور كما يستفاد من لسان العرب ( ١٢ : ٤٥ ).

(٢) المبسوط ( ١ : ٣٢ ) ، والخلاف ( ١ : ٣٠ ).

(٣) النهاية : (٤٩).

(٤) المقنعة : (٨).

(٥) السرائر : (٢٦).

(٦) نقله عنه في المختلف : (٤٨).

(٧) المعتبر ( ١ : ٣٧٦ ).

١٩٩

ولا يجوز التيمّم بالمعادن ولا بالرماد ،

______________________________________________________

ولم أقف للقائلين بجواز التيمم به مع الاضطرار دون الاختيار على حجة يعتد بها. فإنّ الحجر إن صدق عليه اسم الأرض جاز التيمم به ، مع وجود التراب وعدمه ، وإلاّ امتنع كذلك ، كما هو ظاهر عبارة ابن الجنيد. أما التفصيل فلا وجه له. ومع ذلك كله فلا ريب أنّ التيمم بالتراب الخالص أولى وأحوط.

قوله : ولا يجوز التيمّم بالمعادن.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عليه العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى الإجماع (١).

وقال ابن أبي عقيل ـ رحمه‌الله ـ : يجوز التيمم بالأرض وبكل ما كان من جنسها ، كالكحل والزرنيخ ، لأنه يخرج من الأرض (٢). وهو ضعيف ، لأن الجواز تعلق بما يسمى أرضا لا بما يخرج من الأرض.

والأولى اعتبار الاسم ، كما اختاره في المعتبر (٣).

قوله : ولا بالرماد.

هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، حكاه في المنتهى (٤). وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين رماد التراب وغيره ، لأنه لا يسمى أرضا. واستقرب العلامة ـ رحمه‌الله ـ في النهاية جواز التيمم بالرماد المتخذ من التراب (٥). وقال في التذكرة : لو احترق التراب حتى صار رمادا ، فإن كان خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به (٦). وهو أولى ، إذ‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ١٤١ ).

(٢) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٣٧٢ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٧٤ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ١٤٢ ).

(٥) نهاية الأحكام ( ١ : ١٩٩ ).

(٦) التذكرة ( ١ : ٥٤ ).

٢٠٠