مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

ووقته ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وكلّما قرب من الزوال كان أفضل ،

______________________________________________________

بحال ، للحثّ العظيم على فعلها ، وكثرة اللوم والتعنيف على إهمالها وتركها ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « غسل يوم الجمعة طهر وكفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة » (١).

وعن الكاظم عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ الله تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة ، وأتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة ، وأتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نقصان » (٢).

وعن الأصبغ قال : كان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام إذا أراد أن يوبّخ الرّجل يقول له : « والله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة ، فإنه لا يزال في طهر إلى يوم الجمعة الأخرى » (٣) والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى (٤).

قوله : ووقته ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وكلّما قرب من الزوال كان أفضل.

أمّا أن أوّل وقته طلوع الفجر فيدل عليه أنّ الغسل وقع مضافا إلى اليوم وهو يتحقق بطلوع الفجر ، ويؤيّده ما رواه زرارة والفضيل في الصحيح قالا ، قلنا : أيجزي إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٦١ ـ ٢٣٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٥ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (١٤).

(٢) الكافي ( ٣ : ٤٢ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ١١١ ـ ٢٩٣ ) ، ( ٣٦٦ ـ ١١١١ ) ، المحاسن : ( ٣١٣ ـ ٣٠ ) ، علل الشرائع : ( ٢٨٥ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٤ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (٧).

(٣) الكافي ( ٣ : ٤٢ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ٣ : ٩ ـ ٣٠ ) ، المقنعة : (٢٦) ، علل الشرائع : ( ٢٨٥ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٧ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٧) ح (٢).

(٤) الوسائل ( ٢ : ٩٤٣ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ، وص (٩٤٧) ب (٧).

(٥) الكافي ( ٣ : ٤١٨ ـ ٨ ) ، التهذيب ( ٣ : ٢٣٦ ـ ٦٢١ ) ، السرائر : ٤٨٠ ، الوسائل ٢ : ٩٥٠ أبواب الأغسال المسنونة ب (١١) ح (١).

١٦١

ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء ،

______________________________________________________

وأمّا اختصاصه بما قبل الزوال فقال في المعتبر : إنّ عليه إجماع الناس (١). ويدل عليه حسنة زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنّه سنّة ، وشمّ الطيب ، والبس صالح ثيابك ، وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال ، فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار » (٢).

وقال الشيخ في الخلاف : يمتدّ إلى أن يصلّي الجمعة (٣). وهو حسن ، تمسّكا بمقتضى الإطلاق ، والتفاتا إلى أنّ ذلك محصّل للغرض المطلوب من الغسل ، وحملا للأمر بإيقاعه قبل الزوال في الرواية السابقة على ( تأكد ) (٤) الاستحباب ( كما في الأوامر المتقدمة عليه والمتأخرة عنه ) (٥).

وأما أنه كلّما قرب من الزوال كان أفضل فعلل بتأكد الغرض ، ولا يخفى ما فيه.

قوله : ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء.

المستند في ذلك ما رواه أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى ، عن امّه ، وأمّ أحمد بن موسى بن جعفر ، قالتا : كنّا بالبادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : « اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة ، فإنّ الماء غدا بها قليل » فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة (٦).

وما رواه محمد بن الحسين ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٧ ـ ٤ ، الوسائل ٢ : ٩٤٣ أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (٥).

(٣) الخلاف ١ : ٢٤٢.

(٤) ليست في « ق » ، « م ».

(٥) ما بين القوسين ليس في « س ».

(٦) الكافي ٣ : ٤٢ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٦١ ـ ٢٢٧ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٢ : ٩٤٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ٩ ح ٢.

١٦٢

وقضاؤه يوم السبت ،

______________________________________________________

لأصحابه : « إنّكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد » فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة (١).

وجوّز الشيخ ـ رحمه‌الله ـ التقديم مع خوف الفوات مطلقا (٢) ، واختاره جدّي ـ قدس‌سره ـ في أكثر كتبه (٣) ، ومستنده غير واضح ، ولو لا ما اشتهر من التسامح في أدلّة السنن لأمكن المناقشة في هذا الحكم من أصله ، لضعف مستنده.

والظاهر أنّ ليلة الجمعة كيوم الخميس فلا يجوز تقديمه فيها إلاّ إذا خاف عوز الماء ، وبه قطع في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (٤).

ولو تمكّن من قدّم غسله يوم الخميس من الإتيان به يوم الجمعة استحب له ذلك ، كما صرح به الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه (٥) ، وغيره (٦) ، تمسكا بالإطلاق.

قوله : وقضاؤه يوم السبت.

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كون الفوات عمدا ونسيانا ، لعذر وغيره ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٧) ، وقال ابن بابويه في كتابه : ومن نسي الغسل أو فاته‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٥ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ٢ : ٩٤٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ٩ ج ١.

(٢) الخلاف ١ : ٢٤٢ ، والمبسوط ١ : ٤٠.

(٣) المسالك ١ : ١٥ ، وروض الجنان : ١٧.

(٤) الخلاف ١ : ٢٤٢.

(٥) الفقيه ١ : ٦١.

(٦) كالعلامة في المنتهى ١ : ١٢٩.

(٧) النهاية : ١٠٤.

١٦٣

وستة في شهر رمضان : أول ليلة منه ،

______________________________________________________

لعذر فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت (١). فشرط العذر والأخبار مطلقة. فروى سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : وقد سئل عن الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار ، قال : « يقضيه من آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت » (٢) وفي معناها رواية عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

ومقتضى الروايات (٤) استحباب قضائه من وقت فوات الأداء إلى آخر السبت ، فلا وجه لإخلال المصنف بذلك.

ويمكن المناقشة في هذا الحكم بضعف سنده ، وبأنّه معارض بما رواه الشيخ في التهذيب ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ذريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال : « لا » (٥) ومقتضاه عدم مشروعية القضاء مطلقا ، وهو أوضح سندا من الخبرين السابقين ، إلاّ أنّ عمل الأصحاب عليهما.

قوله : وستة في شهر رمضان : أول ليلة منه.

لما رواه سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان يستحب » (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦١ ، والهداية : ٢٣.

(٢) التهذيب ١ : ١١٣ ـ ٣٠٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٤ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٢ : ٩٤٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١١٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٢ : ٩٥٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٩٤٩ أبواب الأغسال المسنونة ـ ب ١٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ٢ : ٩٥٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ ـ ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

١٦٤

وليلة النصف ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين.

______________________________________________________

قوله : وليلة النصف.

استحباب الغسل في هذه الليلة مذهب الثلاثة (١) وأتباعهم (٢) ، ولم أقف فيه على نص ، قال في المعتبر : ولعلّه لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر حسن (٣). وقيل باستحباب الغسل في فرادى شهر رمضان مطلقا (٤).

قوله : وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين. المستند في ذلك روايات كثيرة ، منها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « الغسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان ، وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السّنة ، وليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء ، وفيها رفع عيسى بن مريم ، وقبض موسى عليه‌السلام ، وليلة ثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر ، ويوم العيدين » (٥) الحديث.

وروى محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه قال : « يغتسل في ثلاث ليال من شهر رمضان : في تسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين » وقال : « الغسل أوّل الليل وهو يجزي إلى آخره » (٦).

وروى زرارة وفضيل في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الغسل في‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٠ ، ونقله عن السيد المرتضى في المعتبر ١ : ٣٥٥ ، والشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٨.

(٢) كالقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٣٣ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٥ ، وسلار في المراسم : ٥٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : (٥٤).

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٥.

(٤) كما في الذكرى : ٢٤.

(٥) التهذيب ١ : ١١٤ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

(٦) الكافي ٤ : ١٥٤ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ ـ ٤٤٦ ، الوسائل ٢ : ٩٤٢ أبواب الأغسال المسنونة ب ٤ ح ١.

١٦٥

وليلة الفطر ، ويومي العيدين ، ويوم عرفة ،

______________________________________________________

شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ، ثم يصلّي ويفطر » (١).

قوله : وليلة الفطر.

لرواية الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما ينبغي لنا أن نعمل في ليلة الفطر؟ فقال : « إذا غربت الشمس فاغتسل ، فإذا صلّيت الثلاث ركعات فارفع يديك وقل » (٢) تمام الحديث.

قوله : ويومي العيدين.

استحباب الغسل في هذين اليومين مذهب العلماء كافّة ، ويدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٣) ، وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : « سنّة وليس بفريضة » (٤).

والظاهر امتداد وقت هذا الغسل بامتداد اليوم ، عملا بإطلاق اللفظ. قال في الذكرى : ويتخرج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد ، وهو ظاهر الأصحاب (٥).

قوله : وعرفة.

استحباب الغسل في يوم عرفة مجمع عليه بين الأصحاب ، وهو مرويّ في عدّة أخبار ، منها : ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٩٥٢ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٣ ح ٢. ووجبت الشمس : اي غابت ( الصحاح ١ : ٢٣٢ )

(٢) الكافي ٤ : ١٦٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٠٩ ـ ٤٦٦ ، التهذيب ١ : ١١٥ ـ ٣٠٣ ، علل الشرائع : ٣٨٨ ـ ١ ، الوسائل ٢ : ٩٥٤ أبواب الأغسال المسنونة ـ ب ١٥ ح ١.

(٣) في ص (١٦٥).

(٤) التهذيب ١ : ١١٢ ـ ٢٩٥ ، الإستبصار ١ : ١٠٢ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٢ : ٩٥٥ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٦ ح ١.

(٥) الذكرى : ٢٤.

١٦٦

وليلة النصف من رجب ، ويوم السابع والعشرين منه ، وليلة النصف من شعبان ، ويوم الغدير ،

______________________________________________________

« الغسل من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس » (١).

قوله : وليلة النصف من رجب ، ويوم السابع والعشرين منه.

ذكرهما الشيخ في الجمل والمصباح (٢). قال المصنف : وربما كان لشرف الوقتين ، والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه (٣).

قوله : وليلة النصف من شعبان.

لما رواه الشيخ عن هارون بن موسى ، بسنده إلى أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه » (٤) وفي سند هذه الرواية أحمد بن هلال ، وهو ضعيف (٥).

قوله : ويوم الغدير.

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل فيه الشيخ في التهذيب إجماع الفرقة (٦) ، وفي رواية عليّ بن الحسين العبدي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة » وساق الحديث إلى قوله : « ما سأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيت له كائنة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٠ ـ ٢٩٠ ، الوسائل : ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١٠.

(٢) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٧ ، مصباح المتهجد : ١١.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٦.

(٤) التهذيب ١ : ١١٧ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٢ : ٩٥٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٣ ح ١.

(٥) راجع رجال الشيخ : ٤١٠ ، والفهرست : ٣٦ ـ ٩٧.

(٦) التهذيب ١ : ١١٤.

١٦٧

ويوم المباهلة.

وسبعة للفعل :

وهي غسل الإحرام ،

______________________________________________________

ما كانت » (١).

قوله : ويوم المباهلة.

وهو رابع عشرين ذي الحجة (٢) ، وقيل : خامس عشرين (٣). ويدل على استحباب الغسل فيه رواية سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « غسل المباهلة واجب » (٤) والمراد تأكّد الاستحباب.

قوله : وسبعة للفعل ، وهي غسل الإحرام.

هذا قول معظم الأصحاب ، وقال الشيخ في التهذيب : إنه سنّة بغير خلاف (٥).

ونقل عن ابن أبي عقيل أنّه واجب (٦) ، والمعتمد الاستحباب.

لنا : أصالة البراءة مما لم يثبت وجوبه ، وما رواه معاوية بن عمار في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق ، أو إلى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله فانتف إبطيك ، وقلّم أظفارك ، وخذ من شاربك » إلى أن قال : « ثم استك واغتسل والبس ثوبيك » (٧) والظاهر أنّ الأمر‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٤٣ ـ ٣١٧ ، الوسائل ٢ : ٩٦١ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٨ ح ١.

(٢) كذا في جميع النسخ.

(٣) كما في المعتبر ١ : ٣٥٧.

(٤) الفقيه ١ : ٤٥ ـ ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٥) التهذيب ١ : ١١٣.

(٦) المختلف : ٢٨.

(٧) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٩ : ٩ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٤.

١٦٨

وغسل زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام ، وغسل المفرّط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر ،

______________________________________________________

بالغسل للاستحباب كما يشعر به الأوامر المتقدمة عليه فإنّها للندب بغير خلاف.

قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ : ولعلّ القائل بالوجوب استند إلى ما رواه محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الغسل في سبعة عشر موطنا : الفرض ثلاثة : غسل الجنابة ، وغسل من غسّل ميّتا ، والغسل للإحرام » (١) ومحمّد بن عيسى ضعيف ، وما يرويه عن يونس لا يعمل به ابن الوليد كما ذكره ابن بابويه ، مع أنّه مرسل فسقط الاحتجاج به (٢).

قوله : وغسل زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام.

لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في تعداد الأغسال : « ويوم الزيارة » (٣) وروى سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وغسل الزيارة واجب » (٤) وهو محمول على تأكّد الاستحباب.

قوله : وغسل المفرّط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر.

اختلف الأصحاب في غسل قاضي الكسوف ، فقال الشيخ في الجمل باستحبابه إذا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٥ ـ ٢٧١ ، الإستبصار ١ : ٩٨ ـ ٣١٦ ، الوسائل : ٢ : ٩٣٠ أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١٧.

(٢) المعتبر ١ : ٣٥٨.

(٣) الفقيه ١ : ٤٤ ـ ١٧٢ ، التهذيب ١ : ١١٤ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ ـ ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

١٦٩

______________________________________________________

احترق القرص كلّه وترك الصلاة متعمّدا (١) ، واقتصر المفيد في المقنعة (٢) ، والمرتضى في المصباح (٣) على الترك متعمّدا ولم يذكرا استيعاب الاحتراق ، وقال سلاّر بوجوب الغسل والحال هذه (٤).

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار روايتان ، روى إحداهما حريز ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء بغير غسل » (٥).

والثانية : رواها محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، وهي طويلة قال في آخرها : « وغسل الكسوف ، إذا احترق القرص كلّه فاغتسل » (٦) وليس في هذه الرواية إشعار بكون الغسل للقضاء ، بل المستفاد من ظاهرها أنّ الغسل للأداء.

والرواية الأولى قاصرة من حيث السند ، وخالية من قيد الاستيعاب ، لكن سيجي‌ء إن شاء الله تعالى : أنّ القضاء إنما يثبت مع ذلك ، والأحوط الغسل للقضاء مع تعمّد الترك أخذا بظاهر الرواية المتقدمة وإن ضعف سندها.

أمّا الغسل للأداء مع استيعاب الاحتراق ( فلا ريب في استحبابه لصحة‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٨.

(٢) المقنعة : ٦.

(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٥٨.

(٤) المراسم : ٨١.

(٥) التهذيب ١ : ١١٧ ـ ٣٠٩ ، الإستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٥ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ١١٤ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

١٧٠

وغسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

وخمسة للمكان :

وهي غسل دخول الحرم ، والمسجد الحرام ، والكعبة ، والمدينة ، ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

______________________________________________________

مستنده ) (١).

قوله : وغسل التوبة ، سواء كان عن فسق أو كفر.

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : أنه قال لمن ذكر أنه يستمع الغناء من جوار مغنيات : « قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك ، واستغفر الله ، واسأله التوبة » (٢) قال المصنف : وهذه مرسلة ، وهي متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها ، والعمدة فتوى الأصحاب ، منضمّا إلى أنّ الغسل خير فيكون مرادا ، ولأنّه تفأل بغسل الذنب والخروج من دنسه (٣).

قوله : وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

ليس المراد أيّ صلاة أوقعها المكلّف لأحد الأمرين ، بل صلوات مخصوصة ورد النص باستحباب الغسل قبلها ، ولها مظانّ فليطلب منها.

قوله : وخمسة للمكان ، وهي : غسل دخول الحرم والمسجد الحرام والكعبة والمدينة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

يدل على ذلك قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : « وإذا دخلت‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « س » و « ح » : فالأولى أن لا يترك بحال ، لصحة مستنده وتضمنه الأمر بالغسل مع انتفاء ما يقتضي الحمل على الاستحباب ، والله أعلم.

(٢) التهذيب ١ : ١١٦ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ٢ : ٩٥٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٨ ح ١.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٩.

١٧١

مسائل أربع :

الأولى : ما يستحب للفعل والمكان يقدّم عليهما ، وما يستحب للزمان يكون بعد دخوله.

______________________________________________________

الحرمين ، ويوم تدخل البيت » (١) وفي رواية أخرى « وإذا أردت دخول البيت الحرام ، وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

قوله : الأولى ، ما يستحب للفعل أو المكان يقدّم عليهما ، وما يستحب للزمان يكون بعد دخوله.

لا يخفى أنّ ما يستحب للمكان في معنى ما يستحب للفعل ، لأنّه يستحب لدخوله ، ولا ريب في اعتبار تقديم ما يستحب للفعل عليه ، ليحصل به الغرض المطلوب من الغسل ، وهو إيقاع ذلك الفعل الذي شرّع لأجله الغسل على الوجه الأكمل ، ولأنه المستفاد من النص. أمّا ما يستحب للزمان فيعتبر إيقاعه فيه ، لأنّ معنى استحبابه للزمان استحبابه فيه.

واستثنى بعض الأصحاب (٣) من ذلك غسل تارك صلاة الكسوف بالقيدين ، وغسل التوبة ، وغسل السعي إلى رؤية المصلوب ، وغسل قتل الوزغ ، فإنّ الغسل في هذه المواضع للفعل مع تأخّره عنه. وهو غير جيد ، لأنّ الظاهر أنّ اللام في قوله : « للفعل » للغاية ، والمراد أنّ الغسل الذي يكون غايته الفعل يقدّم عليه ، وحينئذ فلا استثناء ، لأنّ غسل تارك الكسوف إنما هو لأجل القضاء ، وغسل التوبة للصلاة التي يوقعها المكلّف بعده كما يدل عليه الرواية. وأمّا رؤية المصلوب وقتل الوزغ فإنّها أسباب للغسل لا غايات‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٤ ـ ١٧٢ ، التهذيب ١ : ١١٤ ـ ٣٠٢ ، الخصال ٢ : ٥٠٨ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

(٢) التهذيب ١ : ١٠٥ ـ ٢٧٢ ، الوسائل ٢ : ٩٤٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١٢ بتفاوت يسير.

(٣) منهم الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣.

١٧٢

الثانية : إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفي نية القربة ما لم ينو السبب. وقيل : إذا انضمّ إليها غسل واجب كفاه نيّة القربة ، والأوّل أولى.

الثالثة والرابعة : قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامدا بعد ثلاثة أيام.

______________________________________________________

له (١) ، واستحباب الغسل لنفسه ، فيكون خارجا من القسمين كما هو ظاهر.

قوله : الثانية ، إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفي نية القربة ما لم ينو السبب ، وقيل : ان انضمّ إليها غسل واجب كفاه نيته ، والأوّل أظهر.

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ (٢) ، والمعتمد تداخل الأغسال الواجبة والمندوبة مطلقا ، والاكتفاء فيها بنية القربة وإن كان التعرض لنيّة السبب أولى ، وقد تقدّم البحث في ذلك مفصّلا فلا نعيده.

قوله : الثالثة والرابعة ، قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامدا بعد ثلاثة أيام.

القول بالوجوب لأبي الصّلاح (٣) على ما نقل عنه ، والظاهر أنّ مجرّد السعي إلى الرؤية لا يكفي في الوجوب أو الاستحباب كما قد توهمه العبارة ، بل السعي مع الرؤية.والمستند في ذلك ما رواه ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه مرسلا : « أن من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة » (٤) ولم أقف في ذلك على نصّ سوى هذه‌

__________________

(١) كذا والأنسب أن يكون : فإنهما سببان للغسل لا غايتين له.

(٢) المبسوط : ٤٠.

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٥.

(٤) الفقيه ١ : ٤٥ ـ ١٧٥ ، الوسائل : ٢ : ٩٥٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٩ ح ٣.

١٧٣

وكذلك غسل المولود. والأظهر الاستحباب.

______________________________________________________

الرواية ، وهي ضعيفة بالإرسال وجهالة المرويّ عنه ، ولا بأس بالمصير إلى الاستحباب ، تمسّكا بمقتضى البراءة الأصلية ، وموافقة لفتوى فضلاء الأصحاب.

قوله : وكذلك غسل المولود ، والأظهر الاستحباب.

المستند في ذلك رواية سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « وغسل النفساء واجب ، وغسل المولود واجب ، وغسل الميّت واجب » (١) وهي ضعيفة السند بعثمان بن عيسى وسماعة ، فإنهما واقفيان ، والمعتمد الاستحباب ، ووقته حين الولادة.

__________________

(١) الكافي ٢٤٠:٣ الفقيه ٤٥:١ ١٧٦ ، التهذيب ١٠٤:١ ٢٧٠ ، الوسائل : ٩٣٧:٢ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

١٧٤

الرّكن الثالث :

في الطهارة الترابية ،

والنظر في أطراف أربعة :

______________________________________________________

قوله : الرّكن الثالث في الطهارة الترابية.

الطهارة تنقسم إلى قسمين مائيّة وترابيّة ، وتسمّى الاولى : اختيارية ، والثانية : اضطرارية. والطهارة الترابية هي التيمم ، وهو لغة : القصد قال الله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١) أي : لا تقصدوا الردي‌ء من المال تنفقون منه ، وقال عزّ وجلّ : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٢) أي : اقصدوا. ونقل في الشرع إلى الضرب على الأرض والمسح بالوجه واليدين على وجه القربة.

وهو ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع :

قال الله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (٣) ذكر جمع (٤) من المفسرين أنّ أو في قوله تعالى ( أَوْ جاءَ ) بمعنى الواو ، كقوله ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (٥). يعني : وجاء أحدكم من الغائط ، لأنّ المجي‌ء من الغائط‌

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

(٤) منهم الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٥٢ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٢٠.

(٥) الصافات : ١٤٧.

١٧٥

______________________________________________________

ليس من جنس المرض والسفر حتى يصح عطفه عليهما فإنّهما سبب لإباحة التيمم ، والمجي‌ء من الغائط سبب لإيجاب الطهارة.

وقال القاضي البيضاوي : وجه هذا التقسيم أنّ المترخص بالتيمم إمّا محدث أو جنب ، والحال المقتضية له في غالب الأمر مرض أو سفر ، والجنب لمّا سبق ذكره اقتصر على بيان حاله ، والمحدث لمّا لم يجر ذكره ذكر أسبابه وما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض ، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العدد مجملا ، فكأنّه قيل : وإن كنتم جنبا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا (١).

وهو جيّد لو لا ما ثبت عندنا من أنّ الملامسة كناية عن الجماع.

وأمّا الأخبار فكثيرة جدّا ، منها : قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الصعيد الطيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين » (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٣).

وأمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٨٩.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٩١ ـ ٣٣٢ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٢.

(٣) الفقيه ١ : ٦٠ ـ ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢. وصدرها في الكافي ٣ : ٦٦ ـ ٣.

١٧٦

الأوّل : ما يصح معه التيمم ، وهو ضروب :

الأول : عدم الماء.

______________________________________________________

قوله : الأوّل ، في ما يصح معه التيمم ، وهو ضروب :

ذكر المصنف أنّ مسوغات التيمم ثلاثة : عدم الماء ، وعدم الوصلة إليه ، والخوف من استعماله ، ومرجعها إلى أمر واحد : وهو العجز عن استعمال الماء. وجعل العلاّمة في المنتهى أسباب العجز ثمانية : فقد الماء ، والخوف من استعماله ، والاحتياج إليه للعطش ، والمرض والجرح ، وفقد الآلة التي يتوصّل بها إلى الماء ، والضعف عن الحركة ، وخوف الزحام يوم الجمعة أو عرفة ، وضيق الوقت عن استعمال الماء (١).

ولا يخفى اندراج الجميع في الأسباب الثلاثة التي ذكرها المصنف عدا ضيق الوقت ، وقد صرّح المصنف في المعتبر بأنّه غير مسوّغ للتيمم (٢) ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله.

قوله : الأول ، عدم الماء.

أجمع العلماء كافّة إلاّ من شذّ على وجوب التيمم للصلاة مع فقد الماء ، سواء في ذلك الحاضر والمسافر. ويدل عليه مضافا إلى الآية الشريفة روايات كثيرة ، كصحيحة ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى » (٣) وهو عامّ في كلّ فاقد.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٣٢.

(٢) المعتبر ١ : ٣٦٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٣ ـ ٥٥٦ ، ١٩٧ ـ ٥٧٢ ، والاستبصار ١ : ١٦١ ـ ٥٥٨ ، الوسائل ٢ : ٩٨٣ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٧.

١٧٧

ويجب عنده الطلب ، فيضرب غلوة سهمين في كل جهة من جهاته الأربع إن كانت الأرض سهلة ، وغلوة سهم إن كانت حزنة.

______________________________________________________

وصحيحة جميل بن دراج : إنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن إمام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، ومعهم ما يتوضّئون به ، يتوضّأ بعضهم ويؤمّهم؟ قال : « لا ، ولكن يتيمم الإمام ويؤمّهم ، إنّ الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (١).

وصحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمم لكل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (٢).

وقال بعض العامّة : الصحيح الحاضر إذا عدم الماء ـ كالمحبوس ومن انقطع عنه الماء ـ يترك التيمم والصّلاة ، لأنّ التيمم مشروط بالسفر كما يدل عليه قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ) (٣).

وبطلانه ظاهر ، لأنّ ذكر السفر في الآية يخرج مخرج الغالب ، لأنّ عدم الماء في الحضر نادر ، وإذا خرج الوصف مخرج الغالب انتفت دلالته على نفي الحكم عما عدا محل الوصف ، كما حقّق في محلّه.

قوله : ويجب عنده الطلب ، فيضرب غلوة سهمين في كل جهة من جهاته الأربع إن كانت الأرض سهلة ، وغلوة سهم إن كانت حزنة.

أجمع علماؤنا وأكثر العامة (٤) على أنّ من كان عذره عدم الماء لا يسوغ له التيمم إلاّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٦ ـ ٣ بتفاوت يسير ، الفقيه ١ : ٦٠ ـ ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨١ ، الإستبصار ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمم ب ٢٠ ح ٣.

(٣) نقله عن زفر في تفسير القرطبي ٥ : ٢١٨ ، والمحلى ٢ : ١١٨ ، وعمدة القاري ٤ : ٧. ونقله عن أبي حنيفة في الشرح الكبير ( المغني ) ١ : ٢٦٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٦٣.

(٤) منهم الكاشاني في بدائع الصنائع ١ : ٤٧ ، وابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٦٥.

١٧٨

______________________________________________________

بعد الطلب إذا أمّل الإصابة وكان في الوقت سعة ، حكى ذلك المصنف في المعتبر ، والعلاّمة في المنتهى (١). ويدل عليه ظاهر قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) فإنّ عدم الوجدان لا يتحقق عرفا إلاّ بعد الطلب ، أو تيقن عدم الإصابة ، وما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه ، وليتوضّأ لما يستقبل » (٢).

وعن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام قال : « يطلب الماء في السفر ، إن كانت الحزونة فغلوة ، وإن كانت سهولة فغلوتين ، لا يطلب أكثر من ذلك » (٣).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن داود الرّقي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال : إنّ الماء قريب منّا ، فأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟ قال : « لا تطلب الماء ولكن تيمّم فإنّي أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضلّ ويأكلك السبع » (٤).

وعن يعقوب بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال : « لا آمره أن يغرّر بنفسه‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٢ ، والمنتهى ١ : ١٣٨.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٢ ـ ٥٥٥ و٢٠٣ ـ ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ـ ٥٤٨ و١٦٥ ـ ٥٧٤ ، الوسائل ٢ : ٩٦٣ أبواب التيمم ب ١ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٢ ـ ٥٨٦ ، الإستبصار ١ : ١٦٥ ـ ٥٧١ ، الوسائل ٢ : ٩٦٣ أبواب التيمم ب ١ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ٥٣٦ ، الوسائل ٢ : ٩٦٤ أبواب التيمم ب ٢ ح ١.

١٧٩

______________________________________________________

فيعرض له لصّ أو سبع » (١) لأنّا نجيب عنهما :

أوّلا : بالطعن في السند ، فإنّ داود الرّقي ضعيف جدّا على ما قاله النجاشي (٢) ، وفي طريق الرواية الثانية معلىّ بن محمّد ، وقال النجاشي : إنّه مضطرب الحديث والمذهب (٣).

وثانيا : بالقول بالموجب ، فإن مقتضاهما سقوط الطلب مع الخوف على النفس أو المال ونحن نقول به.

واختلف الأصحاب في كيفية الطلب وحدّه ، فقال الشيخ في المبسوط : والطلب واجب قبل تضيّق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف (٤).

وقال في النهاية : ولا يجوز له التيمم في آخر الوقت إلاّ بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه ويساره مقدار رمية أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف (٥). ولم يفرّق في الأرض بين السهلة والحزنة.

وقال المفيد في المقنعة : ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة ، ثم يطلبه أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كلّ جهة إن كانت الأرض سهلة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ـ ٥٢٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٤ أبواب التيمم ب ٢ ح ٢.

(٢) رجال النجاشي : ١٥٦ ـ ٤١٠.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٨ ـ ١١١٧.

(٤) المبسوط ١ : ٣١.

(٥) النهاية : ٤٨.

١٨٠