مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

ثم يشرج اللبن ،

______________________________________________________

واضرب بيدك على منكبه الأيمن ثم قال : يا فلان ابن فلان قل : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد رسولا ، وبعليّ إماما ، وتسمي إمام زمانه » (١).

وروى محمد بن مسلم في الحسن ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا وضع الميت في لحده فقل : بسم الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم افسح له في قبره ، وألحقه بنبيه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به. فإذا وضعت عليه اللّبن فقل : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك. وإذا خرجت من قبره فقل : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم ارفع درجته في أعلى عليين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، يا ربّ العالمين » (٢).

قوله : ثم يشرج اللبن.

أي : تنضده بالطين وشبهه على وجه يمنع وصول التراب إلى الميت ، وقد أجمع الأصحاب على استحبابه ، ورواه جماعة منهم إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ثم تضع الطين واللّبن ، فما دمت تضع الطين واللّبن تقول : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك ، فإنما رحمتك للظالمين » (٣). وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحد رجلا فرأى فرجة فسواها بيده ، ثم قال : « إذا عمل أحدكم عملا فليتقن » (٤).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٩٦ ـ ٧ ) بتفاوت يسير ، التهذيب ( ١ : ٤٥٧ ـ ١٤٩٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٤ ) أبواب الدفن ب (٢٠) ح (٦).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٦ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٦ ـ ٩٢٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٥ ) أبواب الدفن ب (٢١) ح (٢).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤٥٧ ـ ١٤٩٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٧ ) أبواب الدفن ب (٢١) ح (٦).

(٤) الكافي ( ٣ : ٢٦٢ ـ ٤٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٨٣ ) أبواب الدفن ب (٦٠) ح (١) بتفاوت يسير.

١٤١

ويخرج من قبل رجلي القبر ، ويهيل الحاضرون التراب بظهور الأكفّ قائلين ، إنّا لله وإنا إليه راجعون ،

______________________________________________________

قوله : ويخرج من قبل رجلي القبر.

احتراما للميت ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ لكل بيت بابا ، وإن باب القبر من قبل الرجلين » (١) وقول الصادق عليه‌السلام : « من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرجلين » (٢) وإطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق بين الرجل والمرأة ، وبه قال أكثر الأصحاب.

وقال ابن الجنيد : في المرأة يخرج من عند رأسها (٣) ، ولم نقف فيه على أثر ولعله للبعد عن العورة.

قوله : ويهيل الحاضرون عليه التراب بظهور الأكفّ ، قائلين : إنّا لله وإنا إليه راجعون.

قال في القاموس : هال عليه التراب يهيل هيلا ، وإهالة فانهال ، وهيّله فتهيّل : صبّه فانصبّ (٤).

ويدل على استحباب الإهالة روايات كثيرة ، منها : حسنة داود بن النعمان ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : « ما شاء الله لا ما شاء الناس » فلمّا انتهى إلى القبر تنحى فجلس ، فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده (٥).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٩٣ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٦ ـ ٩١٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٩ ) أبواب الدفن ب (٢٢) ح ( ٤ ، ٧ ).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٣ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٦ ـ ٩١٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٠ ) أبواب الدفن ب (٢٣) ح (١).

(٣) نقله عنه في المختلف : (١٢١).

(٤) القاموس المحيط ( ٤ : ٧٣ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٩٨ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٤ ) أبواب الدفن ب (٢٩) ح (١).

١٤٢

ويرفع القبر مقدار أربع أصابع ، ويربّع ،

______________________________________________________

وحسنة عمر بن أذينة ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يطرح التراب على الميت فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه ، ولا يزيد على ثلاثة أكف ، قال : فسألته عن ذلك فقال : « يا عمر كنت أقول : إيمانا بك وتصديقا ببعثك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ـ إلى قوله ـ : تسليما ، هكذا كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه جرت السنة » (١).

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا حثوت التراب على الميت فقل : إيمانا بك وتصديقا ببعثك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله » قال : « وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من حثا على ميت وقال هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة » (٢).

وذكر الأصحاب استحباب كون الإهالة بظهور الأكف ، والترجيع في تلك الحالة ، ولم أقف فيها على أثر.

قوله : ويرفع القبر مقدار أربع أصابع ، ويربّع.

يدل على ذلك مضافا إلى إجماع الأصحاب رواية محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن الميت ، فقال : « تسلّه من قبل الرجلين ، وتلزق القبر بالأرض إلاّ قدر أربع أصابع مفرجات ، وتربّع قبره » (٣).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٩٨ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٤ ) أبواب الدفن ب (٢٩) ح (٢).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٨ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٩ ـ ٩٢٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٥ ) أبواب الدفن ب (٢٩) ح (٤).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٩٥ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٥ ـ ٩١٦ ) ، و ( ٤٥٨ ـ ١٤٩٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٨ ) أبواب الدفن ب (٢٢) ح (٢).

١٤٣

ويصب عليه الماء من قبل رأسه ، ثم يدور عليه ، فإن فضل من الماء شي‌ء ألقاه على وسط القبر ،

______________________________________________________

قوله : ويصبّ عليه الماء من قبل رأسه ، ثم يدور عليه ، فإن فضل من الماء شي‌ء ألقاه على وسط القبر.

لا خلاف في استحباب رشّ القبر بالماء بعد الفراغ منه ، وقد ورد بذلك روايات كثيرة ، منها : حسنة زرارة قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا فرغت من القبر فانضحه ، ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز بيدك بعد النضح » (١).

وحسنة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن أبي قال لي ذات يوم في مرضه : يا بنيّ أدخل أناسا من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم ، قال : فأدخلت عليه أناسا منهم ، فقال : يا جعفر إذا أنا متّ فغسّلني وكفّنّي وارفع قبري أربع أصابع ورشّه بالماء ، فلمّا خرجوا قلت : يا أبة لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد أن ادخل عليك قوما تشهدهم؟ فقال : يا بنيّ أردت أن لا تنازع » (٢).

ورواية ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رشّ الماء على القبر ، قال : « يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب » (٣).

ومقتضى هذه الروايات إجزاء النضح كيف اتفق ، لكن الأولى في كيفيته ما رواه موسى بن أكيل النميري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « السنة في رشّ الماء على القبر أن يستقبل القبلة ويبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل ، ثم يدور على القبر من‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢٠٠ ـ ٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٩ ) أبواب الدفن ب (٣٢) ح (٤) ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ( ٣ : ٢٠٠ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٢٠ ـ ٩٣٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٧ ) أبواب الدفن ب (٣١) ح (٥).

(٣) الكافي ( ٣ : ٢٠٠ ـ ٦ ) ، علل الشرائع : ( ٣٠٧ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٩ ) أبواب الدفن ب (٣٢) ح (٢).

١٤٤

وتوضع اليد على القبر ، ويترحم على الميت ، ويلقنه الولي بعد انصراف الناس بأرفع صوته ،

______________________________________________________

الجانب الآخر ، ثم يرش على وسط القبر فذلك السنة » (١) ولا يخفى قصور العبارة عن تأدية هذا المعنى.

قوله : وتوضع اليد على القبر ، ويترحم على الميت.

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه محمد بن مسلم ، قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام في جنازة رجل من أصحابنا فلمّا دفنوه قام عليه‌السلام إلى قبره فحثا عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ، ثم بسط كفّه على القبر ، ثم قال : « اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، واصعد إليك روحه ، ولقّه منك رضوانا ، واسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك » ثم مضى (٢).

قوله : ويلقنه الولي بعد انصراف الناس بأرفع صوته.

هذا هو التلقين الثالث ، قال في المعتبر : واستحبابه مذهب علمائنا أجمع ، وأنكر ذلك من سواهم من الفقهاء الأربعة (٣).

ويدل على ذلك أخبار كثيرة ، منها : ما رواه جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ما على أحدكم إذا دفن ميّته وسوى عليه وانصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره ثم يقول : يا فلان ابن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أنّ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين عليه‌السلام إمامك وفلان حتى يأتي على آخرهم ، فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٣٢٠ ـ ٩٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٩ ) أبواب الدفن ب (٣٢) ح (١).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٨ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٩ ـ ٩٢٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٥ ) أبواب الدفن ب (٢٩) ح (٣).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٠٣ ).

١٤٥

والتعزية مستحبة ، وهي جائزة قبل الدفن وبعده ، ويكفي أن يراه صاحبها‌

______________________________________________________

لصاحبه : قد كفينا الوصول إليه ومسألتنا إياه فإنه قد لقّن ، فينصرفان عنه ولا يدخلان إليه » (١).

ولم يتعرض المصنف لكيفية وقوف الملقّن ، وقال ابن إدريس : إنه يستقبل القبلة والقبر (٢). وقال أبو الصلاح ، وابن البراج ، والشيخ يحيى بن سعيد : يستدبر القبلة ، والقبر أمامه (٣). والكل حسن إنّ شاء الله ، لإطلاق الروايات المتناولة لذلك ولغيره.

قوله : والتعزية مستحبة ، وهي جائزة قبل الدفن وبعده.

التعزية تفعلة من العزاء وهو الصبر ، والمراد به : طلب التسلي عن المصاب بإسناد الأمر إلى الله تعالى ، ونسبته إلى عدله وحكمته ، وذكر ما أوعد الله على الصبر ، مع الدعاء للميت. وأقلّها أن يراه صاحب المصيبة. وقد أجمع العلماء كافة على استحبابها ، وثوابها عظيم ، فعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من عزّى حزينا كسي في الموقف حلة يحبى بها » (٤) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من عزّى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المصاب شي‌ء » (٥).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من عزّى الثكلى أظلّه الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلّه » (٦).

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٥٩ ـ ١٤٩٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٣ ) أبواب الدفن ب (٣٥) ح (٢).

(٢) السرائر : (٣٣).

(٣) أبو الصلاح في الكافي في الفقه : (٢٣٩) ، وابن البراج في المهذب ( ١ : ٦٤ ) ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : (٥٥).

(٤) الكافي ( ٣ : ٢٢٦ ـ ٢ ) ، ثواب الأعمال : ( ٢٣٥ ـ ٢ ) بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٨٧٢ ) أبواب الدفن ب (٤٦) ح (٤).

(٥) الكافي ( ٣ : ٢٠٥ ، ٢٢٧ ـ ٢ ، ٤ ) ، قرب الاسناد : (٧٢) ، ثواب الأعمال : ( ٢٣٦ ـ ٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٧١ ) أبواب الدفن ب (٤٦) ح (٢).

(٦) الكافي ( ٣ : ٢٢٧ ـ ٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٧٢ ) أبواب الدفن ب (٤٦) ح (٥).

١٤٦

ويكره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة ،

______________________________________________________

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « كان فيما ناجى به موسى ربه فقال : يا ربّ ما لمن عزّى الثكلى؟ قال : أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي » (١).

وتجوز قبل الدفن وبعده ، لما رواه هشام بن الحكم في الصحيح ، قال : رأيت موسى بن جعفر عليه‌السلام يعزي قبل الدفن وبعده (٢). والأفضل كونها بعد الدفن عند الشيخ (٣) والمصنف (٤) وأكثر الأصحاب ، لما رواه ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن » (٥).

وذكر الشيخ في المبسوط : أنه يكره الجلوس للتعزية يومين وثلاثة إجماعا (٦). ومنعه ابن إدريس وقال : أيّ كراهة في جلوس الإنسان في داره للقاء إخوانه والتسليم عليهم واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه (٧). وهو حسن ، إلاّ أن يتضمن ذلك الجزع وترك الصبر فيكره لذلك.

قوله : ويكره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة.

أمّا الكراهة مع انتفاء الضرورة فلأنه إتلاف للمال غير مأذون فيه من الشرع فيكون مرجوحا ، وأمّا انتفاء الكراهة مع الضرورة فلما رواه علي بن محمد القاساني قال : كتب‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢٢٦ ـ ١ ) ، ثواب الأعمال : (٢٣١) ، الوسائل ( ٢ : ٨٧١ ) أبواب الدفن ب (٤٦) ح (٣).

(٢) الكافي ( ٣ : ٢٠٥ ـ ٩ ) ، الفقيه ( ١ : ١١٠ ـ ٥٠٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٧٣ ) أبواب الدفن ب (٤٧) ح (١).

(٣) الخلاف ( ١ : ٢٩٧ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٣٤٢ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ٢٠٤ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٧ ـ ٧٧٠ ) ، الوسائل ( ٢ :٨٧٣ ) أبواب الدفن ب (٤٨) ح (١).

(٦) المبسوط ( ١ : ١٨٩ ).

(٧) السرائر : (٣٤).

١٤٧

وأن يهيل ذو الرحم على رحمه ،

______________________________________________________

عليّ بن بلال إلى أبي الحسن عليه‌السلام : أنّه ربما مات الميّت عندنا وتكون الأرض نديّة فنفرش القبر بالساج أو نطبق عليه فهل يجوز ذلك؟ فكتب : « ذلك جائز » (١).

قال في الذكرى (٢) : أمّا وضع الفرش عليه والمخدّة فلا نصّ فيه ، نعم روى ابن عباس من طرقهم أنه جعل في قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطيفة حمراء (٣).

قلت : وقد روى الكليني ـ رحمه‌الله ـ بسنده إلى يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحو ذلك ، فإنه قال : « ألقى شقران مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبره القطيفة » (٤).

قوله : وأن يهيل ذو الرحم على رحمه.

ذكر ذلك الشيخان (٥) وأتباعهما (٦) ، قال في المعتبر : وعليه فتوى الأصحاب (٧). ويدل عليه موثقة عبيد بن زرارة ، قال : مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ولد ، فحضر أبو عبد الله عليه‌السلام فلمّا الحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب فأخذ أبو عبد الله عليه‌السلام بكفّيه وقال : « لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميّته التراب » فقلنا : يا بن رسول الله ، أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : « أنها كم أن‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٩٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٦ ـ ١٤٨٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٣ ) أبواب الدفن ب (٢٧) ح (١).

(٢) الذكرى : (٦٦).

(٣) السيرة النبوية لابن كثير ( ٤ : ٥٣٤ ).

(٤) الكافي ( ٣ : ١٩٧ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٣ ) أبواب الدفن ب (٢٧) ح (٢).

(٥) المفيد في المقنعة : (١٢) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ١٨٧ ) ، والنهاية : (٣٩).

(٦) كالقاضي ابن البراج في المهذب ( ١ : ٦٥ ) ، وسلار في المراسم : (٥١) ، وابن حمزة في الوسيلة : (٦٨).

(٧) المعتبر ( ١ : ٣٠٠ ).

١٤٨

وتجصيص القبور

______________________________________________________

تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم ، فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه » (١).

قوله : وتجصيص القبور.

هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، قاله ( الشيخ في المبسوط (٢) والعلامة ) (٣) في التذكرة (٤) ، ويدل عليه ما رواه علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ فقال : « لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس ، ولا تجصيصه ، ولا تطيينه » (٥).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في كراهة التجصيص بين وقوعه ابتداء أو بعد الاندراس ، وقال الشيخ (٦) ـ رحمه‌الله ـ : لا بأس بالتجصيص ابتداء ، وإنما المكروه إعادتها بعد اندراسها ، لما روي من أنّ الكاظم عليه‌السلام أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له ماتت بفيد وهو قاصد إلى المدينة ، وكتابة اسمها على لوح ، وجعله في القبر (٧). وسند الروايتين قاصر.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٩٩ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٩ ـ ٩٢٨ ) ، علل الشرائع : ( ٣٠٤ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٥ ) أبواب الدفن ب (٣٠) ح (١).

(٢) المبسوط ( ١ : ١٨٧ ).

(٣) ما بين القوسين من « ح ».

(٤) التذكرة ( ١ : ٥٦ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٩ ) أبواب الدفن ب (٤٤) ح (١).

(٦) المبسوط ( ١ : ١٨٧ ) ، والنهاية : (٤٤).

(٧) الكافي ( ٣ : ٢٠٢ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٤ ) أبواب الدفن ب (٣٧) ح (٢). وفيد : منزل بطريق مكة ( الصحاح ٢ : ٥٢١ ).

١٤٩

وتجديدها ،

______________________________________________________

وكيف كان فيستثنى من ذلك قبور الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، لإطباق الناس على البناء على قبورهم من غير نكير ، واستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك ، بل لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أيضا ، استضعافا لخبر المنع ، والتفاتا إلى أنّ في ذلك تعظيما لشعائر الإسلام ، وتحصيلا لكثير من المصالح الدينية كما لا يخفى.

قوله : وتجديدها.

أي بعد اندراسها. والمستند ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام » (١).

وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : واختلف مشايخنا في معنى هذا الخبر فقال محمد بن الحسن الصفّار : هو جدّد بالجيم لا غير ، وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد يحكي عنه أنّه قال : لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيام وبعد ما طيّن في الأوّل ، ولكن إذا مات ميت فطيّن قبره ، فجائز أن يرمّ سائر القبور من غير أن تجدّد. وذكر عن سعد بن عبد الله أنه كان يقول : إنما هو من حدّد قبرا بالحاء غير المعجمة يعني به : من سنّم قبرا. وذكر عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي أنه قال : إنما هو جدّث قبرا ، وتفسير الجدث بالقبر فلا ندري ما عنى به. والذي أذهب إليه أنه جدّد بالجيم ومعناه : نبش قبرا ، لأن من نبش قبرا فقد جدّده ، وأحوج إلى تجديده ، وقد جعله جدثا محفورا.

وأقول : إنّ التجديد على المعنى الذي ذهب إليه محمد بن الحسن الصفّار ، والتحديد بالحاء غير المعجمة الذي ذهب إليه سعد بن عبد الله ، والذي ذهب إليه البرقي كلّه داخل في معنى الحديث ، وإن من خالف الإمام عليه‌السلام في التجديد والتسنيم‌

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ١٢٠ ـ ٥٧٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٩ ـ ١٤٩٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٨ ) أبواب الدفن ب (٤٣) ح (١).

١٥٠

ودفن ميتين في قبر واحد ،

______________________________________________________

والنبش واستحلّ شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله. وفيه نظر من وجوه.

ولقد أحسن المصنف في المعتبر حيث قال : وهذا الخبر رواه محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ عليه‌السلام ، ومحمّد بن سنان ضعيف ، وكذا أبو الجارود فإذا الرواية ساقطة فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق متنها (٢).

قوله : ودفن ميتين في قبر واحد.

لقولهم عليهم‌السلام : « لا يدفن في قبر واحد اثنان » نقله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط مرسلا (٣). ومع الضرورة تزول الكراهة قطعا ، وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للأنصار يوم أحد : « احفروا وأوسعوا وعمّقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد » (٤).

هذا إذا دفنا ابتداء ، أمّا إذا دفن أحدهما ثم أريد نبشه ودفن آخر فيه فقال في المبسوط بكراهته أيضا (٥) ، وقيل بالمنع ، لتحريم النبش ، ولأنّ القبر صار حقا للأول بدفنه فيه فلم يجز مزاحمة الثاني (٦).

ويرد على الأول : أنّ الكلام في إباحة الدفن نفسه لا النبش ، وأحدهما غير الآخر.

وعلى الثاني : أنّا لا نسلّم ثبوت حق للأوّل في ذلك المحل ينافي دفن الثاني فيه.

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ١٢٠ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٣٠٤ ).

(٣) المبسوط ( ١ : ١٨٧ ).

(٤) مسند أحمد بن حنبل ( ٤ : ١٩ ) ، سنن ابن ماجة ( ١ : ٤٩٧ ـ ١٥٦٠ ) ، سنن النسائي ( ٤ : ٨٣ ).

(٥) المبسوط ( ١ : ١٨٧ ).

(٦) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٦٢ ).

١٥١

وأن ينقل الميت من بلد إلى آخر إلا إلى أحد المشاهد ، وأن يستند إلى قبر أو يمشى عليه.

______________________________________________________

هذا كلّه في غير السّرب (١) ، أمّا فيه فيجوز مطلقا ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

قوله : وأن ينقل الميت من بلد إلى آخر إلا إلى أحد المشاهد.

أمّا كراهة نقل الميت إلى غير بلد موته في غير المشاهد المشرفة فقال في المعتبر : إنّ عليه العلماء أجمع ، واستدل عليه بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عجّلوهم إلى مضاجعهم » (٢) وهو دليل على الاقتصار على المواضع القريبة المعهودة بالدفن (٣).

وأما جواز النقل إلى المشاهد المشرفة بل استحبابه ، فقال : إنه مذهب علمائنا خاصة قال : وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة عليهم‌السلام إلى الآن ، وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه ، ولأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة ، وهو حسن في الأحياء توصّلا إلى فوائد الدنيا ، فالتوصل إلى فوائد الآخرة ، أولى. وهو جيّد ، لانتفاء المعارض.

قال في الذكرى : ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحب النقل إليها أيضا ليناله بركتهم (٤). ولا بأس به.

قوله : وأن يستند إلى قبر أو يمشى عليه.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، بل قال الشيخ في الخلاف : إنه قول العلماء أجمع (٥) ، واستدلّ بقوله عليه‌السلام : « لإن يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثيابه‌

__________________

(١) السّرب : بيت في الأرض ( الصحاح ١ : ١٤٧ ).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٣٧ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ٨٥ ـ ٣٨٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٢٧ ـ ١٣٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٧٤ ) أبواب الاحتضار ب (٤٧) ح (١).

(٣) المعتبر ( ١ : ٣٠٧ ).

(٤) الذكرى : (٦٥).

(٥) الخلاف ( ١ : ٢٨٧ ).

١٥٢

الخامس : في اللواحق ، وهي مسائل أربع :

الاولى : لا يجوز نبش القبور ،

______________________________________________________

فتصل النار إلى بدنه أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر » (١) وبقول الكاظم عليه‌السلام : « لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس » (٢).

ويتوجّه عليه أنّ النهي في هاتين الروايتين إنما تعلّق بالجلوس خاصّة فينبغي قصر الكراهة عليه ، مع أن ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ روى في كتابه مرسلا عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال : « إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن كان مؤمنا استراح ومن كان منافقا وجد ألمه » (٣) وحمله الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل إلى قبر إلاّ بالمشي على آخر (٤). وهو يتوقف على المعارض.

قوله : الخامس : في اللواحق ، وهي مسائل أربع ، الاولى : لا يجوز نبش القبور.

لا ريب في تحريم النبش ، لأنه مثلة بالميت وهتك له ، قال في المعتبر : وعلى تحريم نبشه إجماع المسلمين إلاّ في صور نذكرها ، وعدّ أربعا :

الأولى : إذا وقع في القبر ما له قيمة فإنه يجوز نبشه لأخذه صيانة للمال عن الإضاعة.

الثانية : إذا غصبت أرض ودفن فيها فلمالكها قلعه ، لأنه عدوان فيجب إزالته ، وكذا لو كفّن في الثوب المغصوب.

__________________

(١) سنن البيهقي ( ٤ : ٧٩ ) ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ( ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٩ ) أبواب الدفن ب (٤٤) ح (١).

(٣) الفقيه ( ١ : ١١٥ ـ ٥٣٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٨٥ ) أبواب الدفن ب (٦٢) ح (١).

(٤) الذكرى : (٦٩).

١٥٣

ولا نقل الموتى بعد دفنهم ،

______________________________________________________

الثالثة : لو دفن ولم يغسّل ، قال الشافعي : نبش وغسّل وصلي عليه إذا لم يخش فساده في نفسه. وقال الشيخ في الخلاف : لا ينبش ، وهو الوجه ، لأنّ النبش مثلة فلا يستدرك الغسل بالمثلة.

الرابعة : لو دفن ولم يكفّن ولم يصلّ عليه ، فالوجه أنّه لا ينبش ، لأن الصلاة تستدرك بالصلاة على قبره ، والكفن أغنى عنه الدفن ، لحصول الستر به (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله.

والذي يظهر قوّة ما ذهب إليه الشافعي من وجوب النبش لاستدراك الغسل والتكفين إذا لم يخش فساد الميت ، لتوقف الواجب عليه ، والمثلة مع عدم خوف الفساد لم يثبت كونها مسقطة لذلك.

قوله : ولا نقل الموتى بعد دفنهم.

هذا قول الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب ، قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : وقد ورد رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة عليهم‌السلام سمعناها مذاكرة ، والأصل ما ذكرناه (٣). وقال ابن إدريس : لا يجوز نقله ، وهو بدعة في شريعة الإسلام ، سواء كان النقل إلى مشهد أو غيره (٤). وجعله ابن حمزة مكروها (٥) ، وقال ابن الجنيد : لا بأس بتحويل الموتى من الأرض المغصوبة عليها ، ولصلاح يراد بالميت (٦).

ولم أقف للمانعين من النقل على مستند سوى توقفه على النبش المحرّم ، واستدعائه الهتك.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣٠٨ ).

(٢) النهاية : (٤٤).

(٣) النهاية : (٤٤).

(٤) السرائر : (٣٤).

(٥) الوسيلة : (٦٩).

(٦) نقله عنه في المختلف : (١٢٣). وفيه : المغصوب عليها.

١٥٤

ولا شقّ الثوب على غير الأب والأخ.

الثانية : الشهيد يدفن بثيابه ، وينزع عنه الخفّان أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر ، ولا فرق بين أن يقتل بحديد أو بغيره.

______________________________________________________

ويرد على الأول : أنه خروج عن موضع النزاع ، مع أنّ النبش قد يتحقق بغير فعل المكلف ، أو بفعله خطأ أو نسيانا.

وعلى الثاني : إجمال الصغرى وعدم كليّة الكبرى ، والأصل يقتضي الجواز إلى أن يثبت دليل المنع.

قوله : ولا شقّ الثوب على غير الأب والأخ.

أي : ولا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ. أمّا عليهما فيجوز ، وعلى ذلك فتوى الأصحاب. وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين الرجل والمرأة ، وقيل بجواز ذلك للنساء مطلقا (١) ، وهو اختيار العلاّمة في النهاية (٢) ، وفي رواية الحسن الصيقل : « لا ينبغي الصياح على الميت ولا شقّ الثياب » (٣) وهو ظاهر في الكراهة ، ومقتضى الأصل الجواز إن لم يثبت النهي عن إضاعة المال على وجه العموم.

قوله : الثانية ، الشهيد يدفن بثيابه ، وينزع عنه الخفّان ، أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر.

أجمع العلماء كافة على أنّ الشهيد يدفن مع جميع ثيابه أصابها الدم أو لم يصبها ، والأصل فيه قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادفنوهم بثيابهم » (٤) وقول الصادق عليه‌

__________________

(١) كما في الذكرى : (٧٢) ، والبيان : (٣٢).

(٢) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٩٠ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٢٢٥ ـ ٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩١٦ ) أبواب الدفن ب (٨٤) ح (٢) ، وفيهما : عن امرأة الحسن الصيقل. وهو الصحيح ( راجع معجم رجال الحديث ٢٣ : ١٨١ ، وج ٥ : ١٦٤ ).

(٤) دعائم الإسلام ( ١ : ٢٢٩ ـ ٦ ) بتفاوت يسير ، مستدرك الوسائل ( ٢ : ١٧٨ ) أبواب غسل الميت ب (١٤) ح (٢) ، مسند أحمد بن حنبل ( ١ : ٢٤٧ ) ، سنن البيهقي ( ٤ : ١٤ ).

١٥٥

______________________________________________________

السلام في رواية أبان بن تغلب وقد سأله عن الشهيد : « يدفن كما هو في ثيابه » (١).

وما رواه زرارة في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال ، قلت له : كيف رأيت ، الشهيد يدفن بدمائه؟ قال : « نعم في ثيابه بدمائه » ثم قال : « دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها ، وزاده النبيّ بردا فقصر عن رجليه فدعى له بإذخر (٢) فطرحه عليه » (٣).

واختلف الأصحاب فيما يجب نزعه عنه ، فقال الشيخ في الخلاف : لا ينزع عنه إلاّ الجلود (٤). وقال في المبسوط : يدفن معه جميع ما عليه إلاّ الخفّين (٥). وقال المفيد في المقنعة : ينزع عنه السراويل والفرو والقلنسوة إذا لم يصبها دم ، فإن أصابها دم دفنت معه (٦). وهو رواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه عليهم‌السلام (٧).

والمعتمد وجوب نزع ما لم يصدق عليه اسم الثوب ، لأنّ دفن ما عدا الثياب تضييع لم يعتبره الشرع. وإنما يحصل الإشكال في الثوب المعمول من الجلد ، من صدق التسمية ، ومن أنّ المعهود في العرف من الثياب المنسوجة ، فينصرف إليها الإطلاق.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢١٠ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٧ ـ ٤٤٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٣١ ـ ٩٦٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٤ ـ ٧٥٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٠٠ ) أبواب غسل الميت ب (١٤) ح (٧).

(٢) الإذخر : حشيش طيّب الريح أطول من الثيل ( لسان العرب ٤ : ٣٠٣ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٢١١ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٣١ ـ ٩٧٠ ) ، الاستبصار ( ١ : ٢١٤ ـ ٧٥٦ ) ، بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٧٠٠ ) أبواب غسل الميت ب (١٤) ح (٨).

(٤) الخلاف ( ١ : ٢٨٨ ).

(٥) المبسوط ( ١ : ١٨١ ).

(٦) المقنعة : (١٢).

(٧) الكافي ( ٣ : ٢١١ ـ ٤ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٧ ـ ٤٤٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٣٢ ـ ٩٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٠١ ) أبواب غسل الميت ب (١٤) ح (١٠).

١٥٦

الثالثة : حكم الصبيّ والمجنون إذا قتلا شهيدين حكم البالغ العاقل.

الرابعة : إذا مات ولد الحامل قطع واخرج ،

______________________________________________________

قوله : الثالثة ، حكم الصبيّ والمجنون إذا قتلا شهيدين حكم البالغ العاقل.

الوجه في ذلك التمسك بإطلاق اللفظ ، وما روي من أنّه كان في قتلي بدر وأحد أطفال كحارثة بن النعمان وعمر بن أبي وقّاص (١) ، وقتل مع الحسين عليه‌السلام ولده الرضيع ، ولم ينقل في ذلك كلّه غسل.

قوله : الرابعة ، إذا مات ولد الحامل قطّع واخرج.

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل فيه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف الإجماع (٢) ، واستدل عليه برواية وهب بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوّف عليها ، قال : لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه إذا لم ترفق به النساء » (٣).

قال المصنف في المعتبر : ووهب هذا عاميّ ضعيف لا يعمل بما يتفرد به ، والوجه أنه إن أمكن التوصّل إلى إسقاطه صحيحا بشي‌ء من العلاجات ، وإلاّ توصّل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق ، ويتولّى ذلك النساء ، فإن تعذّر النساء فالرجال المحارم ، فإن تعذّر جاز أن يتولاّه غيرهم دفعا عن نفس الحيّ (٤). وهو حسن ، والرواية لا تنافي ذلك (٥).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ( ٢ : ١٨ ) ، أعلام الورى : ( ٧٧ ، ٧٨ ).

(٢) الخلاف ( ١ : ٢٩٧ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٥٥ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٤٤ ـ ١٠٠٨ ) ، قرب الإسناد : (٦٤) ، الوسائل ( ٢ : ٦٧٣ ) أبواب الاحتضار ب (٤٦) ح (٣).

(٤) المعتبر ( ١ : ٣١٦ ).

(٥) دفع بهذا الكلام توهم المصنف في المعتبر منافاة ذلك لإطلاق الرواية ، كما هو مستفاد من كلامه.

١٥٧

وإن ماتت هي شقّ جوفها وانتزع ، وخيط الموضع.

______________________________________________________

قوله : وان ماتت هي شقّ جوفها من الجانب الأيسر وانتزع وخيط الموضع.

إذا ماتت الامّ وبقي الولد في جوفها حيّا على اليقين فالمشهور بين الأصحاب أنه يجب شقّ جوفها وإخراجه ، توصّلا إلى بقاء الحيّ ، ولا عبرة بكونه ممّا يعيش عادة كما نصّ عليه المصنف (١) وغيره (٢) ، تمسكا بالإطلاق. نعم لو علم موته حال القطع انتفى وجوبه.

وقد ورد بذلك روايات ، منها : صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك ، قال : « يشق عن الولد » (٣).

وإطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق في الجانب بين الأيمن والأيسر. وقيّده الشيخان في المقنعة والنهاية وابن بابويه بالأيسر (٤) ، ولا أعرف وجهه. وأمّا خياطة المحل بعد القطع فقد نص عليه المفيد في المقنعة ، والشيخ في المبسوط (٥) ، وأتباعهما (٦) ، وهو رواية ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة (٧) ، وردّها المصنف في المعتبر بالقطع ، وبأنه لا ضرورة إلى ذلك ، فإنّ المصير إلى البلاء (٨). وهو حسن ، لكن الخياطة أولى ، لما فيها من ستر الميت وحفظه عن التبدّد ، وهو أولى من وضع القطن على الدبر.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٣١٦ ).

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ١٥ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٠٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٧٤ ) أبواب الاحتضار ب (٤٦) ح (٦).

(٤) المقنعة : (١٣) ، والنهاية : (٤٢) ، والفقيه ( ١ : ٩٧ ).

(٥) المقنعة : (١٣) ، والمبسوط ( ١ : ١٨٠ ).

(٦) كالقاضي ابن البراج في المهذب ( ١ : ٥٥ ) ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : (٤٩).

(٧) التهذيب ( ١ : ٣٤٤ ـ ١٠٠٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٧٤ ) أبواب الاحتضار ب (٤٦) ح (٧).

(٨) المعتبر ( ١ : ٣١٦ ).

١٥٨

وأما الأغسال المسنونة ، فالمشهور منها ثمانية وعشرون غسلا :

ستة عشر للوقت :

وهي غسل يوم الجمعة ،

______________________________________________________

قوله : وأما الأغسال المسنونة فالمشهور منها ثمانية وعشرون غسلا :

استحباب هذه الأغسال مشهور في الأخبار وكلام الأصحاب ، وقد ورد في بعض الأخبار استحباب الغسل لغير ذلك (١) وذكر الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في النفليّة أنها خمسون (٢).

قوله : وهي : غسل الجمعة.

أجمع العلماء كافة على مشروعية غسل الجمعة ورجحانه ، وإنما الخلاف بينهم في استحبابه ووجوبه ، فذهب الأكثر إلى الاستحباب ، وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : وغسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر والحضر ، إلاّ أنه رخّص للنساء في السفر لقلّة الماء ، ثم قال بعد ذلك : وغسل يوم الجمعة سنة واجبة (٣).

والمعتمد الاستحباب ، لنا : أصالة البراءة ممّا لم يقم دليل على وجوبه ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة ، والأضحى ، والفطر ، قال : « سنّة وليس بفريضة » (٤).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن غسل‌

__________________

(١) الوسائل (٢) أبواب الأغسال المسنونة ب ( ١٩ ، ٢٢ ، ٢٦ ، ٣٠ ).

(٢) النفلية : (٨).

(٣) الفقيه ( ١ : ٦١ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ١١٢ ـ ٢٩٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٢ ـ ٣٣٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٤ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (٩).

١٥٩

______________________________________________________

الجمعة ، فقال : « سنّة في السفر والحضر إلاّ أن يخاف المسافر على نفسه القرّ » (١) والمفهوم في اللغة والعرف من السنّة المستحب ، ومن الفريضة الواجب. وحمل السنّة هنا على ما ثبت بالسنّة بعيد جدّا ، إذ السؤال إنما وقع عن تحتّم فعله وعدمه ، لا عن مأخذ حكمه كما هو ظاهر.

احتج ابن بابويه بحسنة عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرّضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الغسل يوم الجمعة ، فقال : « واجب على كلّ ذكر وأنثى من عبد أو حرّ » (٢).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الغسل واجب يوم الجمعة » (٣).

وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر ، وعلى الرجال في السفر » (٤).

والجواب عن الروايتين الأوليين منع الدلالة ، لعدم ثبوت كون الوجوب حقيقة شرعية في المعنى المصطلح عليه بين الفقهاء والأصوليين ، ولإن سلّمنا ذلك فلا نسلّم إرادته هنا ، لاقتضائه التنافي بين الأخبار ، فيتعيّن حمله على الاستحباب جمعا بين الأدلّة ، وكذا الكلام في الرواية الثالثة.

ومع ذلك فالاحتياط للدين يقتضي المواظبة على هذه السنة الأكيدة وعدم تركها‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١١٢ ـ ٢٩٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٢ ـ ٣٣٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٥ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (١٠).

(٢) الكافي ( ٣ : ٤١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١١١ ـ ٢٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠٣ ـ ٣٣٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٣ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (٣).

(٣) الكافي ( ٣ : ٤١٧ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٣ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (٥).

(٤) الكافي ( ٣ : ٤٢ ـ ٣ ) ، ( ٤١٧ ـ ٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٤٣ ) أبواب الأغسال المسنونة ب (٦) ح (١).

١٦٠