مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

ولا يطهر بإتمامه كرا على الأظهر.

______________________________________________________

بالغدير البالغ كرا (١) ، ومقتضى ذلك الاكتفاء في طهارة القليل باتصال الكر به وإن لم يلق كله ، فضلا عن كونه دفعة.

وقد صرح المحقق الشيخ علي (٢) ـ رحمه‌الله ـ وغيره (٣) بطهارته بوصول الماء الجاري اليه ، واتصال المادة المشتملة على الكرية. وهو حسن إلاّ أنّ الاعتبار يقتضي عدم الفرق بين الكر وما زاد عنه ، وتخيّل نجاسة أوله باتصاله بالنجس فاسد ، لأن ذلك ليس أولى من طهارة النجس باتصاله به ، ولأن ذلك آت في صورة الزيادة أيضا.

وبالجملة فكلام الأصحاب في هذه المسألة غير منقح ، وللبحث فيها مجال.

قوله : ولا يطهر بإتمامه كرا على الأظهر.

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخ في الخلاف (٤) ، وابن الجنيد (٥) ، وأكثر المتأخرين (٦) إلى بقائه على النجاسة.

ونقل عن المرتضى (٧) ، وابن إدريس (٨) ، ويحيى بن سعيد (٩) القول بالطهارة. وصرح ابن إدريس على ما نقل عنه بعدم الفرق بين إتمامه بالطاهر والنجس. وحكى‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ( ١ : ٤ ). المنتهى ( ١ : ٩ ).

(٢) كما في جامع المقاصد ( ١ : ١١ ).

(٣) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ( ١ : ٢٦١ ).

(٤) الخلاف ( ١ : ٥٥ ).

(٥) نقله عنه في المختلف : (٣).

(٦) منهم المحقق الحلي في المعتبر ( ١ : ٥١ ) ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ( ١ : ٢٠ ) ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ( ١ : ١٢ ).

(٧) المسائل الرسية ( رسائل الشريف المرتضى : المجموعة الثانية ) : (٣٦١). وقد يظهر منه دعوى الإجماع على ذلك لأنه قال : لأن بلوغ الماء عندنا هذا المبلغ مزيل لحكم النجاسة فتأمل.

(٨) السرائر : (٨).

(٩) الجامع للشرائع : (١٨).

٤١

______________________________________________________

الشهيد ـ رحمه‌الله ـ عن بعض الأصحاب اشتراط الإتمام بالطاهر (١) ، وربما نسب إلى ابن حمزة (٢) والأصح ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله.

لنا : إنه ماء محكوم بنجاسته شرعا ، فلا يرتفع هذا الحكم إلاّ بدليل شرعي ولم يثبت.

احتج المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ بأن البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي ملاقاتها قبل الكثرة وبعدها ، وبأنه لو لا الحكم بالطهارة مع البلوغ لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجد فيه نجاسة ، لإمكان سبقها على كثرته.

واحتج ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ أيضا بعموم قوله عليه‌السلام : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا » فإنّ الماء متناول للطاهر والنجس ، والخبث نكرة في سياق النفي فتعم. ومعنى لم يحمل خبثا : لم يظهر فيه كما صرح به جماعة من أهل اللغة (٣). وقال : إنّ هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف والمؤالف (٤).

والجواب عن الأول : أنّ تسويته بين الأمرين قياس مع الفارق ، بقوة الماء بعد البلوغ وضعفه قبله.

وعن الثاني : بأن إمكان السبق لا يعارض أصالة الطهارة.

وأجاب المصنف في المعتبر عن حجة ابن إدريس بدفع الخبر ، قال : فإنا لم نروه مسندا ، والذي رواه مرسلا : المرتضى ، والشيخ أبو جعفر ، وآحاد ممن جاء بعده ، والخبر المرسل لا يعمل به ، وكتب الحديث عن الأئمة عليهم‌السلام خالية عنه أصلا ، وأما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حي ، وهو زيدي منقطع‌

__________________

(١) الذكرى : (٨).

(٢) وهو كذلك كما في الوسيلة : (٧٣).

(٣) منهم الفيروزآبادي في القاموس ( ٣ : ٣٧٣ ) ( حمل ) ، وابن الأثير في النهاية ( ١ : ٤٤٤ ).

(٤) السرائر : (٨).

٤٢

وما كان منه كرا فصاعدا لا ينجس ، إلا أن تغيّر النجاسة أحد أوصافه.

______________________________________________________

المذهب (١) ، وما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلاّ نادرا ، فإذا الرواية ساقطة (٢). انتهى.

وأجاب المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ عن جميع ذلك : بأن ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ نقل إجماع المخالف والمؤالف على صحتها ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة. وهو ضعيف ، فإن الإجماع إنما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول المعصوم في جملة أقوال المجمعين ، وهذا مما يقطع بتعذره في زمن ابن إدريس وما شاكله ، بل بعد انتشار الإسلام مطلقا. ولو أريد بالإجماع معنى آخر وهو المشهور بين الأصحاب ـ كما ذكره بعضهم (٣) ـ لم يكن حجة ، لانحصار الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة والبراءة الأصلية كما قرر في محله ، وقد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في رسالة مفردة.

قوله : وما كان منه كرا فصاعدا لا ينجس إلا أن تغير النجاسة أحد أوصافه.

أجمع العلماء كافة على أنّ الماء الكثير الواقف لا ينجس بملاقاة النجاسة ، بل بتغيره بها في أحد أوصافه الثلاثة ، حكاه في المنتهى (٤).

والأصل فيه : الأخبار المستفيضة ، كقول الصادق عليه‌السلام في عدة أخبار صحيحة : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (٥) وقوله عليه‌السلام في صحيحة‌

__________________

(١) قال في معجم المؤلفين ( ٣ : ٢٣١ ) : الحسن بن صالح بن حي الشيعي الزيدي ، فقيه متكلم ، من تصانيفه التوحيد ، إمامة ولد علي من فاطمة ، والجامع في الفقه. وعدّه النوبختي في فرق الشيعة (٥٧) من رؤساء البترية ، وهم ضعفاء الزيدية.

(٢) المعتبر ( ١ : ٥٢ ).

(٣) الذكرى : (٤).

(٤) المنتهى ( ١ : ٦ ).

(٥) المتقدمة في ص (٣٢).

٤٣

______________________________________________________

حريز : « كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب ، فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (١) وغير ذلك من الأخبار (٢).

ثم الماء المتغير بعضه إما أن يكون سطوحه مستوية أو مختلفة. فإن كانت مستوية اختص المتغير بالتنجيس إن كان الباقي كرا ، وإلاّ نجس الجميع ، وإن كانت مختلفة لم ينجس ما فوق المتغير مطلقا ، وكذا الأسفل إن بلغ كرا منفردا ، أو كان المجموع كرا ولم تقطع النجاسة عمود الماء ، وإلاّ نجس ما تحت المتغير أيضا.

واعلم أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ صرح في المعتبر بأنّ الغديرين إذا وصل بينهما بساقية صارا كالماء الواحد ، فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس وإن نقص عن الكر إذا بلغ المجموع منهما ومن الساقية كرا (٣). وتبعه في ذلك العلامة في المنتهى (٤).

وإطلاق كلامهما يقتضي عدم الفرق في ذلك بين مساواة السطوح واختلافها ، فيكون كل من الأعلى والأسفل متقويا بالآخر. وينبغي القطع بذلك إذا كان جريان الماء في أرض منحدرة ، لاندراجه تحت عموم قوله عليه‌السلام : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » فإنه شامل لمتساوي السطوح ومختلفها.

وإنما يحصل التردد فيما إذا كان الأعلى متسنما على الأسفل بميزاب ونحوه ، لعدم صدق الوحدة عرفا. ولا يبعد التقوي في ذلك أيضا ، كما اختاره جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد ، عملا بالعموم.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٤ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢١٦ ـ ٦٢٥ ) ، وفيه : أو تغير الطعم. الإستبصار ( ١ : ١٢ ـ ١٩ ) ، الوسائل ( ١ : ١٠٢ ) أبواب الماء المطلق ب (٣) ح (١).

(٢) الوسائل ( ١ : ١٠٢ ) أبواب الماء المطلق ب (٣).

(٣) المعتبر ( ١ : ٥٠ ).

(٤) المنتهى ( ١ : ٩ ).

٤٤

ويطهر بإلقاء كرّ عليه فكرّ حتى يزول التغيّر.

______________________________________________________

وجزم العلامة في التذكرة (١) ، والشهيد في الذكرى (٢) في مسألة الغديرين ، بتقوي الأسفل بالأعلى دون العكس ، ورجحه المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ في بعض فوائده.

واحتج على عدم تقوي الأعلى بالأسفل بأنهما لو اتحدا في الحكم للزم تنجيس كل أعلى متصل بأسفل مع القلة ، وهو معلوم البطلان.

وجوابه : أنّ الحكم بعدم نجاسة الأعلى بوقوع النجاسة فيه مع بلوغ المجموع منه ومن الأسفل الكر إنما كان لاندراجه تحت عموم الخبر ، وليس في هذا ما يستلزم نجاسة الأعلى بنجاسة الأسفل بوجه ، مع أنّ الإجماع منعقد على أنّ النجاسة لا تسري إلى الأعلى مطلقا. ويلزمهم أن ينجس كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر إذا لم يكن فوقه كر ، وإن كان نهرا عظيما ، وهو معلوم البطلان.

وبالجملة : فالمستفاد من إطلاق الأخبار أنه متى كان الماء المتصل قدر كر لم ينفعل بالنجاسة إلاّ مع التغير ، سواء كان متساوي السطوح أم مختلفها (٣) ، والله تعالى أعلم.

قوله : ويطهر بإلقاء كر عليه فكر حتى يزول التغير.

لا يخفى أنه إنما يجب إلقاء كر آخر إذا تغير الكر الأول أو بعضه بالنجاسة ، فلو بقي على حكمه فالمتغير كنجاسة متصلة به ، فإذا امتزج أحدهما بالآخر وزال تغير المتغير حكم بالطهارة ولم يحتج إلى كر آخر ، كما هو الظاهر‌

__________________

(١) التذكرة ( ١ : ٤ ).

(٢) الذكرى : (٩).

(٣) الوسائل ( ١ : ١١٧ ) أبواب الماء المطلق ب (٩).

٤٥

ولا يطهر بزوال التغيّر من نفسه ، ولا بتصفيق الرياح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل عنه التغيّر.

______________________________________________________

قوله : ولا يطهر بزوال التغير من نفسه ، ولا بتصفيق الرياح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل عنه التغير.

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم الاكتفاء في طهارة الكثير من المحقون المتغير بالنجاسة بزوال تغيره بغير المطهر أشهر القولين في المسألة وأظهرهما ، استصحابا لبقاء حكم النجاسة إلى أن يثبت المزيل لها شرعا ، ومرجعه إلى عموم الأدلة الدالة على نجاسته بالتغير ، فإنها شاملة لتلك الحالة وما بعدها ، فيقف زوالها على حصول ما عدّه الشارع مطهرا.

وذهب الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع إلى أنه يطهر بذلك (١) ، بناء على ما ذهب إليه من أنّ الماء النجس يطهر بالإتمام ، وهو في الحقيقة لازم لكل من قال بذلك. وربما صار بعض القائلين بعدم طهارة المتمم إلى الطهارة هنا أيضا ، مستدلا بأن الأصل في الماء الطهارة ، والحكم بالنجاسة للتغير ، فإذا زالت العلة انتفى المعلول. (٢).

وأجيب عنه بأن المعلول هنا هو حدوث النجاسة لا بقاؤها ، وقد تقرر في الأصول أن البقاء لا يحتاج إلى دليل في نفسه ، إذ الأصل أنّ ما ثبت دام إلى وجود قاطع ، وذلك معنى الاستصحاب. وفيه بحث ، فإن كل ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، فلا بد لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت.

والحق أنّ الاستصحاب ليس بحجة إلاّ في ما دل الدليل على ثبوته ودوامه ،

__________________

(١) الجامع للشرائع : (١٨).

(٢) ذهب الى ذلك من العامة ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير على متن المقنع ( ١ : ٥٩ ، ٦٤ ) ، ولم يذهب الى ذلك أحد من الخاصة ، كما هو المستفاد من كلام العلماء ، نعم احتمل العلامة في النهاية ( ١ : ٢٥٨ ) الطهارة هنا مع قوله بعدم طهارة القليل بإتمامه كرا في ص (٢٥٧).

٤٦

والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأظهر.

______________________________________________________

كاستصحاب الملك عند جريان السبب المملك إلى أن يثبت الانتقال ، وكشغل الذمة عند جريان الإتلاف إلى أن تتحقق البراءة ، فإذا الاستصحاب عبارة عن التمسك بدليل عقلي كأصالة البراءة ، أو شرعي كالأمثلة المتقدمة ، فتأمل.

قوله : والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأظهر.

للأصحاب في كمية الكر طريقان :

أحدهما : الوزن ، وقدره : ألف ومائتا رطل ، لمرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الكر ألف ومائتا رطل » (١) قال المصنف في المعتبر : وعلى هذه عمل الأصحاب (٢). وظاهره اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها فيكون الإجماع جابرا لإرسالها.

واختلف الأصحاب في تعيين الأرطال ، فقال الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمبسوط (٣) ، والمفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة (٤) : إنه عراقي ، وقدره : مائة وثلاثون درهما على الأشهر.

وقال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في المصباح (٥) ، وابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه (٦) : أنه مدني ، وقدره : مائة وخمسة وتسعون درهما.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٣ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٤١ ـ ١١٣ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٠ ـ ١٥ ) ، المقنع : (١٠) ، الوسائل ( ١ : ١٢٣ ) أبواب الماء المطلق ب (١١) ح (١).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٧ ).

(٣) النهاية : (٣) ، المبسوط ( ١ : ٦ ).

(٤) المقنعة : (٩).

(٥) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٤٧ ).

(٦) الفقيه ( ١ : ٦ ).

٤٧

______________________________________________________

والأول أقرب ، لعموم قوله عليه‌السلام : « كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر » (١) والعلم لا يتحقق مع الاحتمال ، ولأن الأقل متيقن والزائد مشكوك فيه فيجب نفيه بالأصل ، ولأن ذلك هو المناسب لرواية الأشبار الثلاثة الصحيحة (٢) ، ولما في ذلك من الجمع بين هذه الرواية وبين صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « والكر ستمائة رطل » (٣) بحملها على أرطال مكة ، إذ لا يجوز حملها على غيرها من الأرطال العراقية أو المدنية ، لأن ذلك لم يعتبره أحد من أصحابنا كما ذكره الشيخ في التهذيب (٤).

احتج المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ على ما نقل عنه بالاحتياط ، وبأنهم عليهم‌السلام من أهل المدينة فينبغي حمل كلامهم على عادة بلدهم (٥).

والجواب : أن الاحتياط ليس بدليل شرعي ، مع أنه معارض بمثله. وجوابهم على عادة بلدهم ليس أولى من الإجابة على عادة بلد السائل ، ولا يبعد أن يكون من أهل العراق ، لأن المرسل عراقي (٦).

ويمكن أن يحتج له أيضا بأن بلوغ الكرية شرط لعدم الانفعال فيجب العلم بحصوله ، وهو إنما يعلم بالزائد ، للشك في حصوله بالأقل. وجوابه معلوم مما سبق.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٢١٥ ـ ٦١٩ ) ، الوسائل ( ١ : ١٠٠ ) أبواب الماء المطلق ب (١) ح (٥).

(٢) الكافي ( ٣ : ٣ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٤١ ـ ١١٥ ) ، الوسائل ( ١ : ١١٨ ) أبواب الماء المطلق ب (٩) ح (٧).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤١٤ ـ ١٣٠٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١١ ـ ١٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٤ ) أبواب الماء المطلق ب (١١) ح (٣).

(٤) لم نعثر عليه في التهذيب ، بل وجدناه في الاستبصار ( ١ : ١١ ).

(٥) الانتصار : (٩).

(٦) راجع رجال النجاشي : ( ٣٢٦ ـ ٨٨٧ ).

٤٨

أو ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا.

______________________________________________________

قوله : أو ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا.

هذا هو الطريق الثاني لمعرفة الكر ، وهو اعتباره بالمساحة ، وما اختاره المصنف فيه هنا أشهر الأقوال في المسألة.

ومستنده رواية أبي بصير : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال : « إذا كان الماء قدر ثلاثة أشبار ونصف في مثله ، ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكر من الماء » (١) وهي ضعيفة السند بأحمد بن محمد بن يحيى فإنه مجهول (٢) ، وعثمان بن عيسى فإنه واقفي (٣) ، وأبي بصير وهو مشترك بين الثقة والضعيف (٤) ، وقد اعترف بذلك المصنف في المعتبر ، فإنه قال : عثمان بن عيسى واقفي فروايته ساقطة ولا تصغ إلى من يدعي الإجماع في محل الخلاف (٥).

والثاني : وهو قول القميين (٦) ، واختاره العلامة في المختلف (٧) ، وجدي ـ قدس‌سره ـ في الروضة (٨) ، وشيخنا ـ سلمه الله تعالى (٩) ـ : اعتبار الأشبار الثلاثة في الأبعاد‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٣ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٢ ـ ١١٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠ ـ ١٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٢ ) أبواب الماء المطلق ب (١٠) ح (٦). إلا أن فيها : « في الأرض » بدل « من الأرض ».

(٢) لم ينص عليه الأصحاب بتوثيق ولا تضعيف راجع رجال الطوسي : (٤٤٤) ، ومعجم رجال الحديث ( ٢ : ٣٢٣ ).

(٣) راجع رجال النجاشي : ( ٣٠٠ ـ ٨١٧ ) ، ورجال الطوسي : (٣٥٥). قال النجاشي : كان شيخ الواقفة ووجهها وأحد الوكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٤) راجع هداية المحدثين : (٢٧٢).

(٥) المعتبر ( ١ : ٤٦ ).

(٦) منهم الصدوق في المقنع : (١٠) ، والفقيه ( ١ : ٦ ) ، وحكاه عن القميين في المختلف : (٩).

(٧) المختلف : (٤).

(٨) الروضة البهية ( ١ : ٣٣ ).

(٩) كما في مجمع الفائدة ( ١ : ٢٥٩ ).

٤٩

______________________________________________________

الثلاثة وإسقاط النصف ، لرواية إسماعيل بن جابر : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي‌ء ، قال : « كر » قلت : وما الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » (١).

وضعّفها المصنف في المعتبر بقصورها عن اعتبارهم ، حيث إن فيها إخلالا بذكر البعد الثالث (٢).

ولا يخفى أن ذلك وارد على الرواية السابقة أيضا ، والجواب واحد ، وهو شيوع مثل هذا الإطلاق وإرادة الضرب في الأبعاد الثلاثة.

نعم يمكن المناقشة فيها من حيث السند ، بأن الشيخ رواها في التهذيب بطريقين ، في أحدهما عبد الله بن سنان ، وفي الآخر محمد بن سنان ، والراوي عنهما واحد ، وهو محمد بن خالد البرقي ، والذي يظهر من كتب الرجال وتتبع الأحاديث أنّ ابن سنان الواقع في طريق الرواية واحد وهو محمد (٣) ، وأن ذكر عبد الله وهم ، فتكون الرواية ضعيفة لنص الشيخ ، والنجاشي على تضعيفه (٤).

( مع أنّ في محمد بن خالد توقفا فإن النجاشي قال : إنه كان ضعيفا في الحديث (٥). وإن كان الأقرب قبول قوله لنص الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على تعديله (٦) ، وعدم صراحة كلام النجاشي في الطعن فيه نفسه.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٣ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٤١ ـ ١١٥ ) ، وص ( ٣٧ ـ ١٠١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٠ ـ ١٣ ) ، الوسائل ( ١ : ١١٨ ) أبواب الماء المطلق ب (٩) ح (٧).

(٢) المعتبر ( ١ : ٤٦ ).

(٣) راجع معجم رجال الحديث ( ١٦ : ٥٣ ، ٥٨ ) ، والمنتقى ( ١ : ٥١ ).

(٤) كما في رجال الشيخ : (٣٨٦) ، والفهرست : (١٤٣) ، ورجال النجاشي : ( ٤٢٤ ـ ١١٤٠ ) ، وص ( ٣٢٨ ـ ٨٨٨ ).

(٥) رجال النجاشي : ( ٣٣٥ ـ ٨٩٨ ).

(٦) كما في رجال الشيخ : (٣٨٦).

٥٠

______________________________________________________

ويمكن أن يستشهد لهذا القول أيضا بما رواه زرارة في الصحيح ، قال : « إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي‌ء » (١) وما رواه صفوان بن مهران الجمال في الصحيح أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحياض التي ما بين مكة والمدينة ، تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل منها الجنب ويتوضأ ، فقال : « وكم قدر الماء »؟ فقلت : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال : « توضأ فيه » (٢) وفي هاتين الروايتين إجمال إلاّ أنهما دالتان على اتساع دائرة الكر في الجملة ) (٣).

وأوضح مما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار متنا وسندا ما رواه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الماء الذي لا ينجسه شي‌ء؟ قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » (٤) إذ معنى اعتبار الذراع والشبر في السعة اعتبارهما في كل من البعدين (٥). ويظهر من المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر الميل إلى العمل بهذه الرواية (٦) ، وهو متجه.

ويحكى عن القطب الراوندي ـ رحمه‌الله ـ تحديده بما بلغت أبعاده الثلاثة : عشر أشبار ونصف ، ولم يعتبر التكسير (٧).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٢ ـ ١١٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ٦ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١٠٤ ) أبواب الماء المطلق ب (٣) ح (٩).

(٢) الكافي ( ٣ : ٤ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٤١٧ ـ ١٣١٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٢ ـ ٥٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١١٩ ) أبواب الماء المطلق ب (٩) ح (١٢).

(٣) ما بين القوسين من « ح ».

(٤) التهذيب ( ١ : ٤١ ـ ١١٤ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٠ ـ ١٢ ) ، المقنع : (١٠) ، الوسائل ( ١ : ١٢١ ) أبواب الماء المطلق ب (١٠) ح (١).

(٥) هذه العبارة بتمامها من « ح ».

(٦) المعتبر ( ١ : ٤٦ ).

(٧) حكاه عنه في المختلف : (٤) ، والذكرى : (٩).

٥١

ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني على الأظهر.

وأما ماء البئر: فإنه ينجّس بتغيّره بالنجاسة إجماعا.

______________________________________________________

وعن ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ أنه ما بلغ تكسيره مائة شبر (١). ولم نقف على مأخذهما ، قال في المختلف : وما أشد تنافر ما بين هذين القولين (٢).

ونقل عن السيد المحقق جمال الدين بن طاوس ـ رحمه‌الله ـ الاكتفاء في رفع النجاسة بكل ما روي ، وكأنه يحمل الزائد على الندب ، ( ولا بأس به إذا صح السند ) (٣).

قوله : ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني على الأظهر.

هذا هو المعتمد ، عملا بالعمومات الدالة على عدم انفعال الكثير بالملاقاة مطلقا.

وذهب المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة (٤) ، وسلار (٥) ـ رحمه‌الله ـ على ما نقل عنه إلى نجاسة ماء الحياض والأواني بالملاقاة وإن كان كثيرا ، لإطلاق النهي عن استعمال ماء الأواني مع ملاقاته النجاسة (٦). وهو ضعيف جدا ، بل لا وجه له ، ولذلك قال في المنتهى ـ ونعم ما قال ـ : والحق أنّ مرادهما بالكثرة ها هنا الكثرة العرفية بالنسبة إلى الأواني والحياض التي تسقى منها الدواب ، وهي تقصر عن الكر غالبا (٧). والله أعلم.

قوله : وأما ماء البئر.

عرفه شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في شرح الإرشاد بأنه مجمع ماء نابع من الأرض‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : (٣).

(٢) المختلف : (٤).

(٣) بدل ما بين القوسين في « ح » : وهو في غاية القوة لكن بعد صحة المستند.

(٤) المقنعة : (٩).

(٥) كما في المراسم : (٣٦).

(٦) الوسائل ( ١ : ١١٢ ) أبواب الماء المطلق ب (٨).

(٧) المنتهى ( ١ : ٩ ).

٥٢

وهل ينجّس بالملاقاة؟ فيه تردّد ، والأظهر التنجيس.

______________________________________________________

لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا (١).

قيل : والقيد الأخير موجب لإجمال التعريف ، لأن العرف الواقع لا يظهر أي عرف هو ، أعرف زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم عرف غيره. وعلى الثاني فيراد العرف العام أو الأعم منه ومن الخاص ، مع أنه يشكل إرادة عرف غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلاّ لزم تغيّر الحكم بتغير التسمية فيثبت في العين حكم البئر إذا سميت باسمه ، وبطلانه ظاهر (٢).

قلنا : قد ثبت في الأصول أنّ الواجب حمل الخطاب على الحقيقة الشرعية إن ثبتت ، وإلاّ فعلى عرف زمانهم عليهم‌السلام خاصة إن علم ، وإن لم يعلم فعلى الحقيقة اللغوية إن ثبتت ، وإلاّ فعلى العرف العام ، إذ الأصل عدم تقدم وضع سابق عليه وعدم النقل عنه. ولما لم يثبت في هذه المسألة شي‌ء من الحقائق الثلاثة المتقدمة وجب الحمل على الحقيقة العرفية العامة في غير ما علم عدم إطلاق ذلك اللفظ عليه في عرف زمانهم عليهم‌السلام.

ومنه يعلم عدم تعلق الأحكام بالآبار الغير النابعة كما في بلاد الشام ، والجارية تحت الأرض كما في المشهد المشرف الغروي على ساكنه السلام ، وعدم تغير الحكم بتغير التسمية فتأمل.

قوله : وهل ينجس بالملاقاة؟ فيه تردد ، والأظهر التنجيس.

أجمع علماء الإسلام كافة على نجاسة ماء البئر بتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة. واختلف علماؤنا في نجاسته بالملاقاة على أقوال :

__________________

(١) نقله عنه في روض الجنان : (١٤٣).

(٢) كما في جامع المقاصد ( ١ : ١٠ ).

٥٣

______________________________________________________

أحدها ، وهو المشهور بينهم ـ على ما نقله جماعة (١) ـ : النجاسة مطلقا.

وثانيها : الطهارة واستحباب النزح ، ذهب إليه من المتقدمين الحسن بن أبي عقيل (٢) ، والشيخ رحمه‌الله (٣) ، وشيخه الحسين بن عبيد الله الغضائري ، والعلامة (٤) ، وشيخه مفيد الدين بن جهم (٥) ، وولده فخر المحققين (٦) ، وإليه ذهب عامة المتأخرين (٧).

وثالثها : الطهارة ووجوب النزح تعبدا ، ذهب إليه العلامة في المنتهى صريحا (٨) ، والشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب في ظاهر كلامه ، فإنه قال : لا يجب إعادة ما استعمله فيه من الوضوء والغسل وغسل الثياب وإن كان لا يجوز استعماله إلاّ بعد تطهيره (٩). وحمل كلامه على ما ذكرناه مع تأويل بعضه أولى من إبقائه على ظاهره وحمله على القول بالنجاسة وعدم وجوب الإعادة كما ذكره جدي ـ قدس‌سره ـ في الرسالة (١٠) ، فإنه بعيد جدا.

ورابعها : الطهارة إن بلغ ماؤه كرا والنجاسة بدونه ، ذهب إليه الشيخ أبو الحسن‌

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ( ١ : ١٠ ) ، والشهيد في الذكرى : (٩).

(٢) نقله عنه في المختلف : (٤).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٣٢ ).

(٤) تحرير الأحكام : (٤) ، نهاية الأحكام ( ١ : ٢٣٥ ).

(٥) نقله عنه في روض الجنان : (١٤٤).

(٦) إيضاح الفوائد ( ١ : ١٧ ).

(٧) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ( ١ : ٤٤ ) ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ( ١ : ١٢ ).

(٨) المنتهى ( ١ : ١٢ ).

(٩) التهذيب ( ١ : ٢٣٢ ).

(١٠) رسائل الشهيد الثاني : ( ٢ ، ٥ ).

٥٤

______________________________________________________

محمد بن محمد البصروي من المتقدمين (١) ، وهو لازم للعلامة ـ رحمه‌الله ـ لأنه يعتبر الكرية في مطلق الجاري (٢) ، والبئر من أنواعه.

وأرجح الأقوال عندنا هو القول بالطهارة ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الأصل والعمومات الدالة على عدم انفعال الماء بالملاقاة مطلقا ، أو مع الكرية ـ روايات :

الأولى : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلاّ أن يتغير » (٣).

وجه الاستدلال : إنه عليه‌السلام نفى الإفساد عنه بدون التغير على وجه العموم فتكون النجاسة منتفية ، لأنها أقوى أنواع الإفساد ، بل الظاهر أنّ المراد بالإفساد هنا النجاسة كما يقتضيه المقام والوصف بالسعة.

الثانية : صحيحة أخرى له عنه عليه‌السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء ، إلاّ أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأن له مادة » (٤).

وتقريب الاستدلال ما تقدم ، بل نقول : إنه يكفي في الدلالة على الطهارة ( اكتفاؤه عليه‌السلام في طهارته مع التغير بنزح ما يذهب الريح ويطيب الطعم ) (٥) مطلقا ، فإنه شامل لما يزيد مقدّرة على ذلك (٦) ، بل لما يجب له نزح الجميع ، ولو لا أنه طاهر لوجب‌

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : (٩).

(٢) كما في التذكرة ( ١ : ٣ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٥ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٠٩ ـ ١٢٨٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٥ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (١).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٣٤ ـ ٦٧٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣٣ ـ ٨٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٧ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (٧).

(٥) ما بين القوسين ليس في : « س ، ح ».

(٦) أي : إنه شامل للنجاسات التي قدّر لها نزح ما يزيد مقداره على النزح المذهب للريح المطيب للطعم.

٥٥

______________________________________________________

استيفاء المقدّر ونزح الجميع فيما يجب فيه ذلك قطعا.

وأجاب عنها الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الاستبصار : بأن المعنى أنه لا يفسده شي‌ء إفسادا لا يجوز الانتفاع بشي‌ء منه إلاّ بعد نزح جميعه ، إلاّ ما يغيره ، فأما ما لم يتغير فإنه ينزح منه مقدار وينتفع بالباقي (١). هذا لفظه.

ويرد عليه أنّ عدم جواز الانتفاع بشي‌ء منه يتحقق مع عدم التغير أيضا في كثير من النجاسات عند القائلين بالتنجيس ، كما أنه قد يجوز الانتفاع ( بالبعض ) (٢) مع التغير في بعض آخر ، فإطلاق القول بعدم جواز الانتفاع بشي‌ء منه مع التغير ، وجوازه مطلقا بدونه ، غير مستقيم.

قال بعض الفضلاء : ويتوجه عليه أنّ دلالة هذا الخبر على عدم نجاسته بشي‌ء من قبيل دلالة اللفظ بعمومه ، ودلالة ما دل على نجاسته بأشياء مخصوصة خاص ، والخاص مقدم ، وأيضا فإنّ الحصر المستفاد منه متروك الظاهر ، للقطع بنجاسة الماء مطلقا بتغير لونه (٣).

وأقول : إن ما ادعاه من وجود الأدلة الخاصة على نجاسته بأشياء مخصوصة لم نقف عليه ، ولعله أشار بذلك إلى الروايات المتضمنة للأمر بالنزح لوقوع الأعيان المخصوصة فيه (٤) ، وهو لا يدل على النجاسة بشي‌ء من الدلالات ، لأن النزح لا ينحصر وجهه في ذلك ، بل من الجائز أن يكون لطيبة الماء ، وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلك الأعيان‌

__________________

(١) الاستبصار ( ١ : ٣٣ ) ذ. ح (٨٧).

(٢) ليست في : « س ».

(٣) لعله الحسن في المعالم : (٣٣).

(٤) الوسائل ( ١ : ١٣١ ) أبواب الماء المطلق ب ( ١٥ ـ ٢٢ ).

٥٦

______________________________________________________

فيه ، وعليه يحمل إسناد التطهير إلى النزح في رواية علي بن يقطين ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (١).

وأما ما ذكره من أن ظاهره متروك للقطع بنجاسته بتغير لونه فيمكن الجواب عنه أولا : بأن تغير اللون مقتض لتغير الطعم ، ومع ثبوت الملازمة ينتفي المحذور ، أو يقال : إنه إذا ثبتت نجاسة الماء بتغير طعمه أو ريحه وجب القطع بنجاسته بتغير لونه ، لأنه أظهر في الانفعال.

وثانيا : بأنا لم نقف في روايات الأصحاب على ما يدل على نجاسة الماء بتغير لونه ، وإنما الموجود فيها نجاسته بتغير ريحه أو طعمه ، كما ورد في صحيحتي أبي خالد القماط (٢) ، وحريز بن عبد الله (٣) ، عن الصادق عليه‌السلام ، وما تضمن ذلك عامي مرسل (٤) ، فإن لم يثبت ما ذكرناه من الملازمة أو الأولوية أمكن المناقشة في هذا الحكم ، ومع ذلك كله فغاية الأمر أنه عام مخصوص ، والعام المخصوص حجة في الباقي كما ثبت في الأصول.

الثالثة : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (٥).

__________________

(١) في ص (٦٠).

(٢) التهذيب ( ١ : ٤٠ ـ ١١٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٩ ـ ١٠ ) ، الوسائل ( ١ : ١٠٣ ) أبواب الماء المطلق ب (٣) ح (٤).

(٣) الكافي ( ٣ : ٤ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢١٦ ـ ٦٢٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢ ـ ١٩ ) ، الوسائل ( ١ : ١٠٢ ) أبواب الماء المطلق ب (٣) ح (١).

(٤) غوالي اللآلي ( ٣ : ٩ ـ ٦ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٢٤٦ ـ ٧٠٩ ) ، الاستبصار ( ١ : ٤٢ ـ ١١٨ ) ، قرب الإسناد : (٨٤) ، الوسائل ( ١ : ١٢٧ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (٨).

٥٧

______________________________________________________

وأجاب عنها القائلون بالنجاسة : بأنّ العذرة والسرقين أعم من النجس فلا يدل عليه ، إذ العام لا يدل على الخاص. وبأنّ السؤال وقع عن الزنبيل المشتمل عليهما ، ووقوعه في البئر لا يستلزم إصابتهما الماء ، وإنما المتحقق إصابة الزنبيل خاصة. وبإمكان أن يراد : لا بأس بعد نزح الخمسين.

ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من البعد والمخالفة للظاهر ، لأن العذرة لغة وعرفا : فضلة الإنسان ، والسرقين وإن كان أعم منه إلاّ أنّ المراد به هنا النجس ، لأن الفقيه لا يسأل عن الطاهر. ولأن وقوع الزنبيل في البئر يستلزم وصول ما فيه إليها عادة. ولأن إرادة نفي البأس مع نزح المقدر ممتنع شرعا ، لما فيه من تأخير البيان عن وقت الحاجة بل الألغاز المنافي للحكمة كما هو ظاهر.

الرابعة : صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال ، سمعته يقول : « لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلاّ أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (١).

أجاب عنها المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : بأن في الطريق حمادا وهو مشترك بين الثقة والضعيف. وبأن لفظ البئر يقع على النابعة والغدير فيجوز أن يكون السؤال عن بئر ماؤها محقون (٢).

وهما ضعيفان :

أما الأول : فللقطع بأن حمادا هذا هو ابن عيسى الثقة الصدوق ، لرواية الحسين بن سعيد عنه وروايته عن ابن عمار ، وهذا السند متكرر في كتب الأحاديث مع التصريح‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٣٢ ـ ٦٧٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣٠ ـ ٨٠ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٧ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (١٠).

(٢) المعتبر ( ١ : ٥٧ ).

٥٨

______________________________________________________

بأنه ابن عيسى على وجه ( تسكن النفس إلى تعيّنه ) (١) كما يظهر للمتتبع.

وأما الثاني. فلأن البئر حقيقة في النابعة ولهذا حملت الأحكام كلها عليها ، واللفظ إنما يحمل على حقيقته لا على مجازه.

الخامسة : صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ فقال : « لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه » (٢) والظاهر أنّ المراد بالفأرة الميتة كما يقتضيه التقييد بقوله : وهو لا يعلم.

السادسة : صحيحة أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن عيثم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء » قلنا : فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا؟ فقال : « لا بأس به » (٣).

احتج القائلون بالنجاسة (٤) بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء ، فتقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة كالبعرة ونحوها ، ما الذي يطهّرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع عليه‌السلام بخطه في كتابي : « ينزح منها دلاء » (٥) وهي في قوة قوله : طهرها بأن ينزح منها دلاء ، ليتطابق السؤال‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م ، س » : لا يحصل شك في أنه المراد مع الشك.

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣١ ـ ٨١ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٧ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (٩).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣١ ـ ٨٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١٢٨ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (١٢).

(٤) منهم المحقق في المعتبر ( ١ : ٥٤ ، ٥٥ ) ، والشهيد الأول في الذكرى : (٩).

(٥) الكافي ( ٣ : ٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٤٤ ـ ٧٠٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٤٤ ـ ١٢٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١٣٠ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (٢١).

٥٩

______________________________________________________

والجواب ، وطهرها بالنزح يقتضي نجاستها قبله ، حذرا من لزوم اجتماع الأمثال أو تحصيل الحاصل.

وصحيحة علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : سألته عن البئر يقع فيها الدجاجة ، والحمامة ، أو الفأرة ، أو الكلب ، أو الهرة؟ فقال : « يجزيك أن تنزح منها دلاء ، فإن ذلك يطهرها إن شاء الله تعالى » (١) والتقريب ما تقدم.

وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد ، فإنّ رب الماء رب الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (٢) والاستدلال به من وجهين :

أحدهما : الأمر بالتيمم ، فإنه مشروط بفقد الماء الطاهر ، فلا يكون الماء طاهرا بتقدير وقوعه فيه واغتساله منه.

وثانيهما : النهي عن إفساد الماء والوقوع فيه ، والمفهوم من الإفساد هنا النجاسة كما اعترف به الخصم في أخبار الطهارة.

ويمكن الجواب عن هذه الأخبار من حيث الجملة ومن حيث التفصيل :

أما الأول : فبأنّ هذه الأخبار وإن سلم دلالتها بحسب الظاهر على النجاسة لكنها معارضة بالأخبار المستفيضة الدالة على الطهارة (٣) ، والترجيح في جانبها بالكثرة ، وموافقة الأصل ، وعمومات الكتاب والسنة.

وأما الثاني : فيجوز حمل الطهارة في الخبرين الأولين على المعنى اللغوي ـ وإن سلم‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٣٧ ـ ٦٨٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣٧ ـ ١٠١ ) ، الوسائل ( ١ : ١٣٤ ) أبواب الماء المطلق ب (١٧) ح (٢) بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ( ٣ : ٦٥ ـ ٩ ) ، التهذيب ( ١ : ١٤٩ ـ ٤٢٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٧ ـ ٤٣٥ ) ، الوسائل ( ١ : ١٣٠ ) أبواب الماء المطلق ب (١٤) ح (٢٢) بتفاوت يسير.

(٣) المتقدمة في ص (٥٥).

٦٠