مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

وإن كان قبل ذلك لم يجب.

______________________________________________________

ضعف (١) إلا أنهما مؤيدتان بعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت (٢).

وروى أبو الورد قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثم ترى الدم ، قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، قال : فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب » (٣) وبمضمون هذه الرواية أفتى الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه (٤). وهي ضعيفة بجهالة الراوي (٥). والمعتمد ما عليه الأصحاب.

قوله : ولو كان قبل ذلك لم يجب.

هذا قول معظم الأصحاب تمسّكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض. واستدل عليه في المنتهى بأنّ وجوب الأداء ساقط ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء (٦). وهو استدلال ضعيف ، أما أولا فلأنه منقوض بوجوب قضاء الصلاة على الساهي والنائم ، وقضاء الصوم على الحائض ، مع سقوط الأداء بالنسبة الى‌

__________________

(١) أما الأولى فلأن الشيخ رواها عن علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي وطريق الشيخ اليه ضعيف ، ومن ثم أن في يونس بن يعقوب كلام ( راجع معجم رجال الحديث ( ١١ : ٣٣٧ ) ، ورجال النجاشي : ٤٤٦ ١٢٠٧ ). وأما الثانية فلأن الشيخ رواها عن أحمد بن محمد بن عيسى وللشيخ اليه طريقان كلاهما ضعيف أحدهما بأحمد بن محمد بن يحيى والآخر بأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ( راجع معجم رجال الحديث ٢ : ٢٩٩ ).

(٢) الوسائل ( ٥ : ٣٤٧ ) أبواب قضاء الفوائت ب (١).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٠٣ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٢ ـ ١٢١٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٤ ـ ٤٩٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٩٧ ) أبواب الحيض ب (٤٨) ح (٣).

(٤) الفقيه ( ١ : ٥٢ ).

(٥) راجع معجم رجال الحديث ( ٢٢ : ٦٦ ـ ١٤٨٧٦ ).

(٦) منتهى المطلب ( ١ : ٢٠٩ ).

٣٤١

وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة وجب عليها الأداء ، ومع الإخلال القضاء.

______________________________________________________

الجميع.

وأما ثانيا فلأن الحق أنّ القضاء إنما يجب بأمر جديد ، فمتى وجد ثبت الوجوب ، ومتى انتفى انتفى ، ولا ارتباط له بوجوب الأداء كما حقّق في محلّه.

ونقل عن ظاهر المرتضى (١) وابن بابويه (٢) الاكتفاء في وجوب القضاء بخلو أول الوقت عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة ، ولم نقف على مأخذه.

قوله : وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة وجب عليها الأداء ، ومع الإخلال القضاء.

هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، بل قال في المنتهى إنه لا خلاف فيه بين أهل العلم (٣). ويدل عليه عموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الكل »(٤).

وروى الشيخ في الصحيح عن معمر بن يحيى ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر ، تصلي الأولى؟ قال : « لا إنما تصلي التي تطهر عندها » (٥) ويمكن حملها على ما إذا لم تدرك من آخر الوقت إلا مقدار أربع ركعات ،

__________________

(١) جمل العلم والعمل : (٦٧).

(٢) لم نعثر عليه بهذه الصراحة : لكن قال في المقنع : (١٧) ، والفقيه ( ١ : ٥٢ ) : وإذا صلّت المرأة من الظهر ركعتين فحاضت قامت من مجلسها ولم يكن عليها إذا طهرت قضاء الركعتين وان كانت في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فحاضت ، قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة.

(٣) منتهى المطلب ( ١ : ٢٠٩ ).

(٤) جامع الأصول ( ٥ : ٢٥١ ـ ٣٣٢٥ ) ، سنن النسائي ( ١ : ٢٧٤ ) ، صحيح البخاري ( ١ : ١٥١ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٠٢ ـ ٢ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٤١ ـ ٤٨٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨٩ ـ ١١٩٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٩٩ ) أبواب الحيض ب (٤٩) ح (٣).

٣٤٢

وأما ما يتعلق به فأشياء :

الأول : يحرم عليها كل ما يشترط فيه الطهارة ، كالصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن. يكره حمل المصحف ولمس هامشه. ولو تطهّرت لم يرتفع حدثها.

______________________________________________________

فإنه يختصّ بالعصر ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله : وأما ما يتعلق به فأشياء ، الأول : يحرم عليها كل ما يشترط فيه الطهارة ، كالصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن.

أما تحريم الصلاة والطواف فموضع وفاق بين العلماء. وأما تحريم المسّ ، فمذهب الأكثر ، بل قيل : إنّه إجماع (١). وقال ابن الجنيد : إنه مكروه (٢) ، ولعله يريد بالكراهة الحرمة. والكلام فيه كما في الجنب.

قوله : ويكره حمل المصحف ولمس هامشه.

لورود النهي عنهما في رواية إبراهيم بن عبد الحميد (٣). ويلوح من كلام المرتضى ـ رحمه‌الله ـ التحريم (٤) ، وهو ضعيف.

قوله : ولو تطهرت لم يرتفع حدثها.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المعتبر (٥) ، واستدل عليه بأنّ الطهارة ضدّ الحيض فلا تتحقق مع وجوده ، وبقوله عليه‌السلام في حسنة ابن مسلم ، وقد سأله عن الحائض تطهّر يوم الجمعة وتذكر الله : « أما الطهر فلا ، ولكن تتوضأ وقت‌

__________________

(١) كما في منتهى المطلب ( ١ : ١١٠ ).

(٢) نقله عنه في المختلف : (٣٦).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٢٧ ـ ٣٤٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١١٣ ـ ٣٧٨ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٦٩ ) أبواب الوضوء ب (١٢) ح (٣).

(٤) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٢٣٤ ).

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٢١ ).

٣٤٣

الثاني : لا يصح منها الصوم.

______________________________________________________

كل صلاة » (١) الحديث.

وما رواه عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل أفلا تغتسل؟ قال : « قد جائها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل » (٢).

قال بعض المحققين : وفي هذا الخبر دلالة على وجوب غسل الجنابة لغيره وإلا لم يكن لتأخير الغسل معنى (٣). وفيه نظر ، لان (٤) طرو المانع من فعل الواجب الموسع في وقت معيّن لا يخرجه عن كونه واجبا.

ويلوح من كلام الشيخ في كتابي الحديث جواز الاغتسال والحال هذه (٥) ، لموثقة عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه سأله عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل : قال : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة » (٦).

قوله : الثاني ، لا يصح منها الصوم.

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، والنصوص به من الطرفين مستفيضة (٧). وفي‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٠٠ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٦ ) أبواب الحيض ب (٢٢) ح (٣).

(٢) الكافي ( ٣ : ٨٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٧٠ ـ ١١٢٨ ) ، وص ( ٣٩٥ ـ ١٢٢٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٥ ) أبواب الحيض ب (٢٢) ح (١). ( مع اختلاف يسير في التهذيب والكافي ).

(٣) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٣٣ ).

(٤) في « ق » « م » « س » : فأن.

(٥) التهذيب ( ١ : ٣٩٦ ) ، والاستبصار ( ١ : ١٤٧ ).

(٦) التهذيب ( ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٢٩ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٤٧ ـ ٥٠٦ ) ( مع اختلاف يسير فيهما ) ، الوسائل ( ١ : ٥٢٧ ) أبواب الجنابة ب (٤٣) ح (٧).

(٧) الوسائل ( ٢ : ٥٨٦ ) أبواب الحيض ب (٣٩) ح ( ٢ ، ٣ ، ٤ ).

٣٤٤

الثالث : لا يجوز لها الجلوس في المسجد ،

______________________________________________________

توقف صومها على الغسل قولان : أشهرهما ذلك ، لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم » (١) وفي الطريق علي بن الحسن وعلي بن أسباط وهما فطحيان (٢). ومن ثم تردد في ذلك المصنف في المعتبر (٣). وجزم العلامة في النهاية بعدم الوجوب (٤) ، ولا يخلو من قوة.

قال الشارح : وإنما غيّر أسلوب العبارة وحكم في الصلاة بالتحريم وفي الصوم بعدم الصحة للتنبيه على اختلاف هذه الغايات بالنسبة إلى الحائض ، فإنّ غاية تحريم الصلاة الطهارة ، وكذا ما أشبهها من الطواف ، ومسّ كتابة القرآن ، ودخول المساجد ، وقراءة العزائم. وغاية تحريم الطلاق انقطاع الدم وإن لم تغتسل. واختلف في غاية الصوم ، فقيل : غايته الأولى ، وقيل : غايته الثانية ، فلذا غاير بينهما (٥) (٦).

قوله : الثالث ، لا يجوز لها الجلوس في المسجد.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه مذهب عامة أهل العلم (٧). وتخصيص المصنف التحريم بالجلوس يؤذن بجواز التردد في ( جوانب ) (٨)

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٣٩٣ ـ ١٢١٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٤ ) أبواب الحيض ب (١) ح (١).

(٢) راجع رجال النجاشي : ( ٢٥٢ ـ ٦٦٣ ) ، ( ٢٥٧ ـ ٦٧٥ ) والفطحية : هم القائلون بأن الإمامة بعد جعفر الصادق ـ عليه‌السلام ـ في ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح وسمّي الأفطح لأنه كان افطح الرأس ( راجع فرق الشيعة للنوبختي : ٧٧ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٢٦ ).

(٤) نهاية الأحكام ( ١ : ١١٩ ).

(٥) المسالك ( ١ : ٩ ).

(٦) في « ح » زيادة : ويمكن المناقشة في ذلك الا أنّ الأمر فيه هيّن.

(٧) منتهى المطلب ( ١ : ١١٠ ).

(٨) ليست في « س ».

٣٤٥

ويكره الجواز فيه.

______________________________________________________

المسجد ، وهو كذلك. والحكم مختص بحالة الاختيار ، فلو اضطرت إلى ذلك لخوف من لصّ أو سبع جاز لها فعله من دون تيمم على الأقوى ، عملا بالأصل ، وظاهر قوله عليه‌السلام في رواية ابن مسلم : « أما الطهر فلا » (١).

وفي الجنب وجهان ، تقدمت الإشارة إليهما. ومتى دخل الجنب المسجد متيمما جاز له اللبث فيه إلى أن ينتقض تيممه. وفي جواز النوم له فيه اختيارا قولان : أظهرهما الجواز ، لأنه قبل النوم متطهّر وبعده غير مكلف. وقيل بالمنع ولا نعلم مأخذه.

ولم يذكر المصنف في هذا الكتاب أنه يحرم على الحائض وضع شي‌ء في المسجد ، وقد قطع به في النافع والمعتبر (٢). وتدل عليه صحيحة ابن سنان الواردة بالمنع من ذلك في الجنب والحائض (٣) ، وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : « لأن الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه » (٤).

قوله : ويكره الجواز فيه.

هذا قول الشيخ في الخلاف (٥) وأتباعه. قال في المنتهى : ولم نقف فيه على حجة ، ثم احتمل كون سبب الكراهة إما جعل المسجد طريقا ، وإما إدخال النجاسة إليه (٦).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٠٠ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٦ ) أبواب الحيض ب (٢٢) ح (٣).

(٢) المختصر النافع : (١٠) ، المعتبر ( ١ : ٢٢٣ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٥١ ـ ٨ ) ، التهذيب ( ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٩ ) ، الوسائل ( ١ : ٤٩٠ ) أبواب الجنابة ب (١٧) ح (١).

(٤) الكافي ( ٣ : ١٠٦ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٣ ) أبواب الحيض ب (٣٥) ح (١).

(٥) الخلاف ( ١ : ١٩٦ ).

(٦) منتهى المطلب ( ١ : ١١٠ ).

٣٤٦

الرابع : لا يجوز لها قراءة شي‌ء من العزائم. ويكره لها ما عدا ذلك.

______________________________________________________

ويرد على الأول أنه لا وجه لتخصيص الكراهة حينئذ بالحائض ، بل يعمّ كل مجتاز. وعلى الثاني أنّ ذلك محرم عنده فكيف يكون سببا في الكراهة.

ونقل عن الشيخ في المبسوط (١) ، والمرتضى في المصباح (٢) أنهما ذكرا إباحة الاجتياز ولم يتعرضا للكراهة. وهو حسن.

هذا كله فيما عدا المسجدين ، أما هما فقد قطع الأصحاب بتحريم الدخول إليهما (٣) مطلقا ، لقوله عليه‌السلام في رواية ابن مسلم : « ولا يقربان المسجدين الحرامين » (٤) (٥).

ويظهر من المصنف في المعتبر التوقف في ذلك ، حيث قال : وأما تحريم المسجدين اجتيازا فقد جرى في كلام الثلاثة وأتباعهم ، ولعله لزيادة حرمتهما على غيرهما من المساجد ، وتشبيها للحائض بالجنب ، فليس حالها بأخفّ من حاله (٦). وهو في محله.

قوله : الرابع : لا يجوز لها قراءة شي‌ء من العزائم ، ويكره لها ما عدا ذلك.

الكلام في هذين الحكمين كما تقدم في الجنب. ويستفاد من العبارة كراهة السبع المستثناة للجنب ، واستحسنه الشارح (٧) ، لانتفاء النصّ المقتضي للتخصيص ، ( وهو غير جيد ، بل المتجه قراءة ما عدا العزائم من غير كراهة بالنسبة إليها مطلقا ، لانتفاء ما يدل على الكراهة بطريق الإطلاق أو التعميم حتى يحتاج استثناء السبع‌

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ٤١ ).

(٢) نقله عنه في المنتهى ( ١ : ١١٠ ) ، والمعتبر ( ١ : ٢٢٢ ).

(٣) كذا ، والأنسب : فيهما.

(٤) في « م » « س » « ق » : الحرمين.

(٥) التهذيب ( ١ : ٣٧١ ـ ١١٣٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٤٨٨ ) أبواب الجنابة ب (١٥) ح (١٧).

(٦) المعتبر ( ١ : ٢٢٢ ).

(٧) المسالك ( ١ : ٩ ).

٣٤٧

وتسجد لو تلت السجدة ، وكذا إن استمعت على الأظهر.

______________________________________________________

إلى المخصص ) (١).

ورواية سماعة (٢) التي هي الأصل في كراهة قراءة ما زاد على السبع مختصة بالجنب ، فتبقى الأخبار الصحيحة المتضمنة لإباحة قراءة الحائض ما شاءت.

قوله : وتسجد لو تلت السجدة ، وكذا لو استمعت على الأظهر.

خالف في ذلك الشيخ فحرم عليها السجود (٣) ، بناء على اشتراط الطهارة فيه ، ونقل عليه في التهذيب الإجماع (٤). والمعتمد عدم الاشتراط ، تمسكا بإطلاق الأمر الخالي من التقييد ، وخصوص صحيحة أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : « إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (٥).

ورواية أبي بصير قال ، قال : « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلي » (٦).

والعجب أنّ الشيخ في التهذيب حمل هذين الخبرين على الاستحباب بعد أن حكم‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « س » و « ح » : وهو غير جيد لانتفاء ما يدل على الكراهة هنا رأسا ، ولإطلاق الإذن لها في قراءة ما شاءت من القرآن. فلو قيل ( بانتفاء ) ما يدل على الكراهة في قراءتها ما عدا العزائم ( من ) القرآن كان قويا. ( ما بين الأقواس من « ح » ).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٢٨ ـ ٣٥٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١١٤ ـ ٣٨٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٤٩٤ ) أبواب الجنابة ب (١٩) ح (٩).

(٣) كما في النهاية : (٢٥).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٢٩ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٠٦ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٢٩ ـ ٣٥٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١١٥ ـ ٣٨٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٤ ) أبواب الحيض ب (٣٦) ح (١).

(٦) الكافي ( ٣ : ٣١٨ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ٢ : ٢٩١ ـ ١١٧١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٤ ) أبواب الحيض ب (٣٦) ح (٢).

٣٤٨

______________________________________________________

بالمنع من السجود ، وقال : إنه لا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف ، واستدل عليه بما رواه في الصحيح ، عن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » (١).

وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الرواية [ بالحمل ] (٢) على المنع من قراءة العزائم ، ثم قال : وكأنه عليه‌السلام قال : « تقرأ القرآن ولا تسجد » أي لا تقرأ العزيمة التي تسجد لها ، وإطلاق المسبب على السبب مجاز جائز (٣). وهو تأويل بعيد.

وأجاب عنها المتأخرون أيضا بالحمل على السجدات المستحبة بدليل قوله : « تقرأ ». والدلالة منتفية.

ويمكن حملها على السماع الذي لا يكون معه استماع ، فإن صحيحة أبي عبيدة (٤) إنما تضمنت وجوب السجود عليها مع الاستماع ، ولعل ذلك هو السرّ في تعبير المصنف بالاستماع. وصرح المصنف في المعتبر بعدم وجوب السجود بالسماع الذي لا يكون معه إصغاء (٥). والمسألة محل تردد.

واعلم أنّ تقييد المصنف السجود بالاستماع الذي يكون معه الإصغاء يفهم منه عدم الوجوب بالسماع ، وبه صرح في المعتبر ، واستدل بما رواه عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع السجدة قال : « لا يسجد إلا أن يكون منصتا‌

__________________

(١) التهذيب ( ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٣٢٠ ـ ١١٩٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٤ ) أبواب الحيض ب (٣٦) ح (٤).

(٢) من المصدر.

(٣) المختلف : (٣٤).

(٤) المتقدمة في ص (٣٤٨).

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٢٩ ).

٣٤٩

الخامس : يحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر ،

______________________________________________________

لقراءة مستمعا لها ، أو يصلي بصلاته ، فأما أن يكون في ناحية وأنت في أخرى فلا تسجد إذا سمعت » (١) وفي الطريق محمد بن عيسى عن يونس وفيه كلام مشهور (٢) ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : الخامس ، يحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر.

أجمع علماء الإسلام على تحريم وطء الحائض قبلا ، بل صرح جمع من الأصحاب بكفر مستحله ما لم يدّع شبهة محتملة ، لإنكاره ما علم من الدين ضرورة.

ولا ريب في فسق الواطئ بذلك ، ووجوب تعزيره بما يراه الحاكم ، مع علمه بالحيض وحكمه. ويحكي عن أبي علي ولد الشيخ تقديره بثمن حدّ الزانيّ (٣) ، ولم نقف على مأخذه. ولو جهل الحيض أو نسيه ، أو جهل الحكم أو نسيه فلا شي‌ء عليه.

ولو اشتبه الحال ، فإن كان لتحيّرها فسيأتي حكمه ، وإن كان لغيره كما في الزائد عن العادة فالأصل الإباحة. وأوجب عليه في المنتهى الامتناع ، قال : لأن الاجتناب حالة الحيض واجب ، والوطء حالة الطهر مباح ، فيحتاط بتغليب الحرام ، لأن الباب باب الفروج (٤). وهو حسن إلا أنه لا يبلغ حدّ الوجوب.

ولو أخبرت المرأة بالحيض فالظاهر وجوب القبول إن لم تتهم بتضييع حقّه ، لقوله‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٣١٨ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ٢ : ٢٩١ ـ ١١٦٩ ) ( بتفاوت يسير ) ، الوسائل ( ٤ : ٨٨٢ ) أبواب قراءة القرآن ب (٤٣) ح (١).

(٢) ما ذكره أبو جعفر بن بابويه ، عن ابن الوليد أنه قال : ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ( راجع رجال النجاشي ٣٣٣ ـ ٨٩٦ ).

(٣) نقله عنه في روض الجنان : (٧٧).

(٤) منتهى المطلب ( ١ : ١١٧ ).

٣٥٠

ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل.

______________________________________________________

تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ) (١) ولو لا وجوب القبول لما حرم الكتمان. ولما رواه زرارة في الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « العدة والحيض إلى النساء ، إذا ادعت صدقت » (٢).

قوله : ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل.

اتفق العلماء كافة على جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة. واختلفوا فيما بينهما خلا موضع الدم ، فذهب الأكثر إلى جواز الاستمتاع به أيضا. وقال السيد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في شرح الرسالة لا يحل الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر (٣) ، ومنه الوطء في الدبر.

احتج المجوزون بأصالة الإباحة ، وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٤) وهو صريح في نفي اللوم عن الاستمتاع كيف كان ، ترك العمل به في موضع الحيض بالإجماع فيبقى ما عداه على الجواز.

ولا ينافيه قوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٥) لأن المراد بالمحيض موضع الحيض كالمبيت والمقيل ، لأنه قياس اللفظ ، ولسلامته من الإضمار والتخصيص اللازمين بحمله على المصدر ، وقد ورد بذلك روايات كثيرة ، كموثقة عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا حاضت المرأة فليأتها‌

__________________

(١) البقرة : (٢٢٨).

(٢) الكافي ( ٦ : ١٠١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ٨ : ١٦٥ ـ ٥٧٣ ) ، الإستبصار ( ٣ : ٣٥٦ ـ ١٢٧٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٩٦ ) أبواب الحيض ب (٤٧) ح (١).

(٣) نقله عنه في المختلف ( ١ : ٣٥ ) ، والمعتبر ( ١ : ٢٢٤ ).

(٤) المؤمنون : (٥).

(٥) البقرة : (٢٢١).

٣٥١

______________________________________________________

زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم » (١).

ورواية عبد الملك بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال : « كل شي‌ء ما عدا القبل بعينه » (٢).

وصحيحة عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : « ما بين إليتيها ولا يوقب » (٣).

احتج المرتضى (٤) ـ رحمه‌الله ـ بإطلاق قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٥) وخصوص صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الحائض ما يحلّ لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلى الركبتين فتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار » (٦).

وأجيب عن الآية بأنّ النهي عن حقيقة القرب غير مراد إجماعا ، وسوق الآية يقتضي أنّ المراد به الوطء في القبل خاصة (٧).

وذكر المفسرون في سبب النزول أنّ اليهود كانوا يعتزلون النساء فلا يؤاكلوهن‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٥٤ ـ ٤٣٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٨ ـ ٤٣٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٠ ) أبواب الحيض ب (٢٥) ح (٥).

(٢) الكافي ( ٥ : ٥٣٨ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٤ ـ ٤٣٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٨ ـ ٤٣٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٠ ) أبواب الحيض ب (٢٥) ح (١).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٥٥ ـ ٤٤٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٩ ـ ٤٤١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧١ ) أبواب الحيض ب (٢٥) ح (٨).

(٤) نقله عن شرح الرسالة للمرتضى في المختلف : (٣٥).

(٥) البقرة : (٢٢٢).

(٦) الفقيه ( ١ : ٥٤ ـ ٢٠٤ ) ، ورواها بسند آخر في التهذيب ( ١ : ١٥٤ ـ ٣٤٩ ) ، والاستبصار ( ١ : ١٢٩ ـ ٤٤٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧١ ) أبواب الحيض ب (٢٦) ح (١).

(٧) المختلف : (٣٥).

٣٥٢

فإن وطئ عامدا عالما وجب عليه الكفارة ، وقيل : لا تجب ، والأول أحوط.

______________________________________________________

ولا يشاربوهن مدة الحيض ، فسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية (١) فقال النبي ( ص ) : « اصنعوا كل شي‌ء إلا النكاح » (٢).

وعن الخبر بأنّ دلالته من باب مفهوم الخطاب ، وهو ضعيف. وفي هذا نظر ، إذ الظاهر أنّ دلالته من باب مفهوم الحصر ، وهو حجة. نعم يمكن حمله على التقية ، لأنه موافق لمذهب العامة ، أو تأويله بحمل الحلال على معناه المتعارف عند الفقهاء والأصوليين ، أعني : المتساوي الطرفين ، ونفيه لا يستلزم الحرمة ، فيحتمل الكراهة.

وهذا وإن كان خلاف الظاهر إلا أنه يمكن المصير اليه ، جمعا بين الأدلة.

قوله : فإن وطئ عامدا عالما وجب عليه الكفارة ، وقيل : لا تجب ، والأول أحوط.

القولان للشيخ ـ رحمه‌الله ـ أولهما في الخلاف والمبسوط (٣) ، وثانيهما في النهاية (٤) ، وبه قطع في المعتبر (٥) ، وهو الأظهر ، لضعف أدلة الوجوب ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله أن يقربها » قلت : فإن فعل أعليه كفارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئا ، يستغفر الله » (٦).

__________________

(١) مجمع البيان ( ١ : ٣١٩ ) ، تفسير القرطبي ( ٣ : ٨١ ) ، التفسير الكبير ( ٥ : ٦٦ ).

(٢) صحيح مسلم ( ١ : ٢٤٦ ـ ٣٠٢ ).

(٣) الخلاف ( ١ : ٦٩ ) ، المبسوط ( ١ : ٤١ ).

(٤) النهاية : (٢٦).

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٣١ ).

(٦) التهذيب ( ١ : ١٦٤ ـ ٤٧٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٤ ـ ٤٦٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٦ ) أبواب الحيض ب (٢٩) ح (١).

٣٥٣

والكفارة في أوّله دينار ، وفي وسطه نصف وفي آخره ربع.

______________________________________________________

قوله : والكفارة في أوّله دينار ، وفي وسطه نصف ، وفي آخره ربع.

هذا التقدير مستفاد من مرسلة داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كفارة الطمث : « أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار ، وفي وسطه بنصف دينار ، وفي آخره ربع دينار » قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفر؟ قال : « فليتصدق على مسكين واحد ، وإلا استغفر الله ولا يعود » (١) وعليه يحمل ما أطلق فيه من الأخبار التصدق بدينار ونصف دينار (٢).

والأخبار الواردة بذلك كلها ضعيفة السند ، لكن قال المصنف في المعتبر : ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها على الاستحباب ، لاتفاق الأصحاب على اختصاصها بالمصلحة الراجحة إما وجوبا أو استحبابا ، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية (٣). وهو حسن.

وأما التفصيل بالمضطر وغيره والشاب وغيره كما قاله الراوندي (٤) فلا عبرة به.

قال السيد المرتضى في الانتصار : ويمكن أن يكون الوجه في ترتيب هذه الكفارة أنّ الواطئ في أول الحيض لا مشقة عليه في ترك الجماع لقرب عهده به فغلظت كفارته ، والواطئ في آخره مشقته شديدة لتطاول عهده فكفارته أنقص ، وكفارة الواطئ في نصف الحيض متوسطة بين الأمرين (٥).

واعلم : أنّ الأول والوسط والآخر يختلف بحسب عادة المرأة ، فالأول لذات الثلاثة‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٦٤ ـ ٤٧١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٤ ـ ٤٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٤ ) أبواب الحيض ب (٢٨) ح (١).

(٢) الوسائل ( ٢ : ٥٧٤ ) أبواب الحيض ب (٢٨).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٣٢ ).

(٤) نقله عنه في الذكرى : (٣٤).

(٥) الانتصار ( ١ : ٣٤ ).

٣٥٤

ولو تكرّر منه الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم تتكرر ، وقيل : بل تتكرر ، والأول أقوى. وإن اختلفت تكررت.

______________________________________________________

اليوم الأول ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستة اليومان الأولان ، وعلى هذا قياس (١) الوسط والآخر.

وقال سلار ـ رحمه‌الله ـ : الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة (٢). واعتبر الراوندي العشرة دون العادة (٣). فعندهما قد يخلو بعض العادات من الوسط والآخر ، وهما ضعيفان.

والمراد بالدينار : المثقال من الذهب الخالص المضروب ، وذكر أن قيمته عشرة دراهم جياد (٤).

وقطع العلامة ـ رحمه‌الله ـ في جملة من كتبه بعدم إجزاء القيمة كما في سائر الكفارات (٥) ، وهو حسن.

ومصرف هذه الكفارة مصرف غيرها من الكفارات ، ولا يشترط التعدد في المعطى لإطلاق النص.

تفريع : قيل : النفساء في ذلك كالحائض. وعليه فيمكن اجتماع زمانين أو ثلاثة في وطء واحد (٦).

قوله : ولو تكرّر منه الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم تتكرر ، وقيل : بل تتكرر ، والأول أقوى ، وإن اختلفت تكررت.

__________________

(١) في « ح » : القياس.

(٢) المراسم : (٤٤).

(٣) فقه القرآن ( ١ : ٥٤ ).

(٤) جياد : جمع جيّد.

(٥) منتهى المطلب ( ١ : ١١٧ ) ، والتحرير ( ١ : ١٥ ).

(٦) روض الجنان : (٧٧).

٣٥٥

السادس : لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.

______________________________________________________

الأصح عدم التكرر مطلقا إلا مع اختلاف الزمان أو سبق التكفير عن الأول ، لأن‌ الوطء يصدق على القليل والكثير ، والامتثال يحصل من إيجاد (١) المأمور به بالفعل الواحد.

قوله : السادس ، لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.

هذا مذهب علمائنا أجمع ، قال في المعتبر : وقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريمه ، وإنما اختلفوا في وقوعه ، فعندنا لا يقع وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ومالك : يقع (٢). وأخبارنا ناطقة بتحريمه وبطلانه (٣).

والحكم مختص بالحاضر ، وفي حكمه الغائب الذي يمكنه استعلام حالها أو لم تبلغ غيبته الحدّ المسوغ للجواز.

وقد اختلف فيه علماؤنا ، فقيل : إنه ثلاثة أشهر ، ذهب إليه ابن الجنيد (٤) ـ رحمه‌الله ـ من المتقدمين ، والعلامة (٥) ـ رحمه‌الله ـ من المتأخرين. وقيل : شهر ، وهو مذهب الشيخ (٦). وقيل : المعتبر أن يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى آخر بحسب عادتها ، وهو خيرة ابن (٧) إدريس (٨) ـ رحمه‌الله ـ وإليه ذهب عامة‌

__________________

(١) في « ق » « م » « س » : اتحاد.

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٢٦ ).

(٣) الوسائل ( ١٥ : ٢٧٦ ) أبواب الطلاق ب (٨).

(٤) نقله عنه في المختلف : (٥٨٧).

(٥) في المختلف : (٥٨٧).

(٦) كما في النهاية : (٥١٧).

(٧) في « م » : خيرة المصنف وابن.

(٨) السرائر : (٣٢٧).

٣٥٦

السابع : إذا طهرت وجب عليها الغسل ، وكيفيته مثل غسل الجنابة ، لكن لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده ،

______________________________________________________

المتأخرين. وسيأتي تحرير الأقوال مع أدلتها في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى.

قوله : السابع ، إذا طهرت وجب عليها الغسل.

قال بعض المحققين : ظاهر أن وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية ، فإنه لا خلاف في أن غير غسل الجنابة لا يجب لنفسه ، وإطلاق المصنف الوجوب اعتمادا على ظهور المراد (١).

وأقول : إنّ مقتضى عبارة الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى (٢) تحقق الخلاف في ذلك كما بيناه فيما سبق. ويظهر من العلامة في المنتهى التوقف في ذلك ، حيث قال في هذه المسألة بعد أن ذكر أن وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية : وإن كان للنظر فيه مجال ، إذ الأمر ورد مطلقا بالوجوب (٣). ( وقوته ظاهرة ) (٤) وقد تقدم الكلام في ذلك. وبالجملة فإيقاع هذه الأغسال الواجبة على وجه الاستحباب مشكل جدا والله أعلم.

قوله : وكيفيته : مثل غسل الجنابة.

هذا مذهب العلماء كافة ، ويدل عليه مضافا إلى الإطلاقات خصوص موثقة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « غسل الجنابة والحيض واحد » (٥).

قوله : لكن لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده.

أجمع علماؤنا على أنّ غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء ، واختلف في غيره من‌

__________________

(١) جامع المقاصد ( ١ : ٤٤ ).

(٢) الذكرى : (٢٤).

(٣) منتهى المطلب ( ١ : ١١٢ ).

(٤) ليست في « ق » « س ».

(٥) التهذيب ( ١ : ١٦٢ ـ ٤٦٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٦ ) أبواب الحيض ب (٢٣) ح (١).

٣٥٧

______________________________________________________

الأغسال ، فالمشهور أنه لا يكفي ، بل يجب معه الوضوء للصلاة ، سواء كان فرضا أو سنة. وقال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : لا يجب الوضوء مع الغسل ، سواء كان فرضا أو نفلاً (١) ، وهو اختيار ابن الجنيد (٢) ، وقواه شيخنا المعاصر (٣) سلّمه الله تعالى.

احتج الأولون (٤) بعموم (٥) قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (٦) فإنه شامل لمن اغتسل وغيره ، خرج منه الجنب بالنصّ والإجماع ، فيبقى الباقي على عمومه. وما رواه ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة » (٧).

وفي الحسن عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة » (٨) كذا استدل في المختلف (٩).

والموجود في التهذيب (١٠) : رواية ابن أبي عمير بطريقين أحدهما عن رجل والآخر عن حماد بن عثمان أو غيره ، فهي في الحقيقة رواية واحدة مرسلة ، فلا ينبغي عدّها روايتين ، ولا جعل الثانية من الحسن كما لا يخفى.

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ١٩٦ ) ، والمختلف : (٣٣) ، والموجود في جمل العلم والعمل : (٥١) ( ويستبيح بالغسل الواجب للصلاة من غير وضوء ، وإنما الوضوء في غير الأغسال الواجبة ).

(٢) نقله عنه في المختلف ( ١ : ٣٣ ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ( ١ : ١٣٢ ).

(٤) كما في المختلف : (٣٣).

(٥) في « ح » : بتعميم.

(٦) المائدة : (٦).

(٧) الكافي ( ٣ : ٤٥ ـ ١٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٣٩ ـ ٣٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٦ ـ ٤٢٨ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٦ ) أبواب الجنابة ب (٣٥) ح (١).

(٨) التهذيب ( ١ : ١٤٣ ـ ٤٠٣ ) ، ( ٣٠٣ ـ ٨٨١ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٦ ) أبواب الجنابة ب (٣٥) ح (٣).

(٩) المختلف : (٣٣).

(١٠) التهذيب ( ١ : ١٣٩ ـ ٣٩١ ).

٣٥٨

______________________________________________________

وأجيب عنه (١) بأن الآية بعد تسليم عمومها مخصوصة بما سيجي‌ء من الأدلة ، والرواية قاصرة السند بالإرسال وإن كان المرسل لها ابن أبي عمير ، كما صرح به المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٢) ، وجدي ـ قدس‌سره ـ في الدراية (٣). ومتنها غير صريح في الوجوب ، كما اعترف به المصنف في مسألة وضوء الميت ، حيث قال : ولا يقال : رواية ابن أبي عمير عن حماد أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة » تدل على الوجوب ، لأنا نقول : لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجبا ، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه ، وغيره يجوز ، ولا يلزم من الجواز الوجوب (٤). وتبعه على ذلك العلامة في المختلف (٥) ، وجدي ـ قدس الله سره ـ في روض الجنان (٦).

احتج القائلون بعدم الوجوب (٧) بالأصل وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأي وضوء أطهر من الغسل » (٨).

والتعريف في الغسل ليس للعهد ، لعدم تقدم معهود ، ولا للعهد الذهني ، إذ لا فائدة فيه ، فيكون للاستغراق. ويؤكده التعليل المستفاد من قوله : « وأي وضوء أطهر من‌

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة والبرهان ( ١ : ١٢٦ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ١٦٥ ).

(٣) الدراية : (٤٩).

(٤) المعتبر ( ١ : ٢٦٧ ).

(٥) المختلف : (٣٤). قال بعد ذكر الحديث : إنه محمول على الاستحباب.

(٦) روض الجنان : (١٠١).

(٧) منهم العلامة في المختلف : (٣٤).

(٨) التهذيب ( ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٦ ـ ٤٢٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٣ ) أبواب الجنابة ب (٣٣) ح (١).

٣٥٩

______________________________________________________

الغسل » فإنه ظاهر في العموم ، إذ لا خصوصية لغسل الجنابة في هذا الوصف بالنسبة إلى غيره من الأغسال. وقد ورد هذا التعليل بعينه في غسل الجمعة في مرسلة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه عن الوضوء؟ فقال : « وأي وضوء أطهر من الغسل » (١).

وفي الصحيح عن حكم بن حكيم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، ثم وصفه. قال ، قلت : إنّ الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : « أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ » (٢) وتقريب الاستدلال ما ذكرناه ، وروى الشيخ في عدة أخبار أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة (٣).

وروي أيضا في الموثق عن عمار الساباطي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابة ، أو في يوم جمعة ، أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال : « لا ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل. والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد ، فقد أجزأها الغسل » (٤).

وحملها الشيخ على ما إذا اجتمعت هذه الأغسال مع غسل الجنابة ، فإنه يسقط الوضوء ، قال : فإذا انفردت هذه الأغسال أو شي‌ء منها عن غسل الجنابة فإنّ الوضوء‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٤١ ـ ٣٩٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٧ ـ ٤٣٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٤ ) أبواب الجنابة ب (٣٣) ح (٤).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٥ ) أبواب الجنابة ب (٣٤) ح (٤).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٤٠ ـ ٣٩٥ ، ٣٩٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٤ ) أبواب الجنابة ب (٣٣) ح ( ٦ ، ٩ ، ١٠ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٤١ ـ ٣٩٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٧ ـ ٤٣٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٤ ) أبواب الجنابة ب (٣٤) ح (٣).

٣٦٠