مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

______________________________________________________

والجواب أنّ الرواية الأولى ضعيفة مرسلة. والثانية غير دالة على المطلوب صريحا ، إذ مقتضاها أنّ ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الأولى ، ولا نزاع فيه لكن لا بد من تحقق الحيض أوّلا.

قال في المعتبر بعد أن ذكر نحو ذلك : ونحن لا نسمّي حيضا الا ما كان ثلاثة فصاعدا ، فمن رأت ثلاثة ثم انقطع ثم جاء في العشرة ولم يتجاوز فهو من الحيضة الأولى ، لا أنّه حيض مستأنف ، لأنه لا يكون بين الحيضتين أقل من عشرة (١). وهو حسن.

واعلم أنّ جدي ـ قدس‌سره ـ قال في روض الجنان : وعلى هذا القول ـ يعني عدم اعتبار التوالي ـ لو رأت الأول والخامس والعاشر فالثلاثة حيض لا غير ، فإذا رأت الدم يوما وانقطع فإن كان يغمس القطنة وجب الغسل ، لأنه إن كان حيضا فقد وجب الغسل ، للحكم بأنّ أيام النقاء طهر ، وإن لم يكن حيضا فهو استحاضة ، والغامس منها يوجب الغسل ، وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصة ، لاحتمال كونه استحاضة ، فإن رأته مرة ثانية يوما مثلا وانقطع فكذلك ، فإذا رأته ثالثة في العشرة ثبت أنّ الأول حيض وتبيّن بطلان ما فعلت (٢) بالوضوء ، إذ قد ثبت أنّ الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل ، فلا يجزئ عنه الوضوء. ولو اغتسلت للأولين احتياطا ففي إجزائه نظر (٣) هذا كلامه ـ رحمه‌الله. ومقتضاه أنّ أيام النقاء المتخللة بين أيام رؤية الدم تكون طهرا. وهو مشكل ، لأن الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام إجماعا. وأيضا فقد صرح المصنف في‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٠٣ ).

(٢) في « ح » فعلته.

(٣) روض الجنان : (٦٣).

٣٢١

وما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضا. وتيئس المرأة ببلوغ ستين ، وقيل : في غير القرشيّة والنبطيّة ببلوغ خمسين سنة.

______________________________________________________

المعتبر (١) ، والعلامة في المنتهى (٢) ، وغيرهما من الأصحاب (٣) : بأنها لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر كانت الأيام الأربعة وما بينها من أيام النقاء حيضا. والحكم في المسألتين واحد.

واختلف الأصحاب في المعنى المراد من التوالي ، فظاهر الأكثر الاكتفاء فيه برؤية الدم في كل يوم من الأيام الثلاثة وقتا ما ، عملا بالعموم. وقيل : يشترط اتصاله في مجموع الأيام الثلاثة (٤). ورجّح بعض المتأخرين اعتبار حصوله في أول الأول وآخر الآخر ، وفي أي جزء كان من الوسط. وهو بعيد.

قوله : وما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضا ، وتيئس المرأة ببلوغ ستين ، وقيل : في غير القرشيّة والنبطيّة ببلوغ خمسين سنة.

المراد بالقرشية : من انتسبت الى قريش بأبيها ، كما هو المختار في نظائره. ويحتمل الاكتفاء بالأم هنا ، لأن لها مدخلا في ذلك بسبب تقارب الأمزجة. ومن ثم اعتبرت الخالات وبناتهن في المبتدأة كما سيأتي.

وأما النبطية (٥) فذكرها المفيد ومن تبعه معترفين بعدم النصّ عليها ظاهرا. واختلفوا‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٠٣ ).

(٢) المنتهى ( ١ : ٩٨ ).

(٣) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٣٧ ).

(٤) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٣٧ ).

(٥) النبط : قوم أو جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين. وقد يطلق على غيرهم ( راجع الصحاح ( ٣ : ١١٦٢ ) ، والقاموس ( ٢ : ٤٠٢ ) ، والنهاية ( ٥ : ٩ ) ، ومجمع البحرين ٤ : ٢٧٥ )

٣٢٢

______________________________________________________

في تعيينها. والأجود عدم الفرق بينها وبين غيرها.

وقد أجمع الأصحاب وغيرهم على أنّ ما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضا. وإنما الخلاف فيما يتحقق به اليأس ، وقد اختلف فيه كلام المصنف ، فجزم هنا باعتبار بلوغ ستين مطلقا ، واختار في باب الطلاق من هذا الكتاب اعتبار الخمسين كذلك (١) ، وجعله في النافع أشهر الروايتين (٢).

ورجّح في المعتبر الفرق بين القرشية وغيرها ، واعتبار الستين فيها خاصة ، والاكتفاء في غيرها بالخمسين (٣). واحتج عليه بمرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة ، الا أن تكون امرأة من قريش » (٤) وهي مع قصور سندها لا تدل على المدعى صريحا.

والأجود اعتبار الخمسين مطلقا ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « حدّ التي يئست من المحيض خمسون سنة » (٥).

قال في المعتبر : ورواه أيضا أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) الشرائع ( ٣ : ٣٥ ).

(٢) المختصر النافع : (٢٠٠).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٠٠ ).

(٤) الكافي ( ٣ : ١٠٧ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٠ ) أبواب الحيض ب (٣١) ح (٢).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٠٧ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٠ ) أبواب الحيض ب (٣١) ح (١).

(٦) المعتبر ( ١ : ١٩٩ ).

٣٢٣

وكل دم رأته المرأة دون ثلاثة فليس بحيض ، مبتدئة كانت أو ذات عادة. وما تراه من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، تجانس أو اختلف.

______________________________________________________

وقد ورد بالستين رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الحجاج أيضا عن الصادق عليه‌السلام (١) ، وفي طريقها ضعف (٢) ، فالعمل بالأولى متعيّن.

ثم إن قلنا بالفرق بين القرشية وغيرها ، فكل امرأة علم انتسابها الى قريش ، وهو النضر بن كنانة ، أو انتفاؤها عنه فحكمها واضح. ومن اشتبه نسبها كما هو الأغلب في هذا الزمان من عدم العلم بنسب غير الهاشميين فالأصل يقتضي عدم كونها قرشية ، ويعضده استصحاب التكليف بالعبادة الى أن يتحقق المسقط.

قوله : وما تراه من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، تجانس أو اختلف.

هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك ، وقال في المعتبر : إنه إجماع (٣). وهو مشكل جدا من حيث ترك المعلوم ثبوته في الذمة (٤) تعويلا على مجرد الإمكان. والأظهر أنه إنما يحكم بكونه حيضا إذا كان بصفة دم الحيض ، لقوله (٥) عليه‌السلام : « إذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (٦).

__________________

(١) التهذيب ( ٧ : ٤٦٩ ـ ١٨٨١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨١ ) أبواب الحيض ب (٣١) ح (٨).

(٢) لأن الشيخ رواها عن علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي ، وطريق الشيخ اليه ضعيف بعلي بن محمد ابن الزبير ( راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٣٣٧ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٠٣ ).

(٤) من العبادات التي لا تعملها الحائض كالصلاة.

(٥) في « ح » : لعموم قوله. وما أثبتناه من باقي النسخ أنسب لأن ذلك مستفاد من مفهوم الشرط لا من العموم.

(٦) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٢).

٣٢٤

وتصير المرأة ذات عادة بأن ترى الدم دفعة ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعدا ، ثم تراه ثانيا بمثل تلك العدّة ، ولا عبرة باختلاف لون الدم.

______________________________________________________

أو كان في العادة ، لصحيحة محمد بن مسلم. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلي حتى تنقضي أيامها ، فإذا رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلّت » (١).

وقال الشارح ـ قدس‌سره ـ : المراد بالإمكان هنا معناه العام ، وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم ، فيدخل فيه ما تحقق كونه حيضا ، لاجتماع شرائطه وارتفاع موانعه ، كرؤية ما زاد على الثلاثة في زمن العادة الزائدة عنها بصفة دم الحيض وانقطاعه عليها وما احتمله كرؤيته بعد انقطاعه على العادة ، ومضي أقلّ الطهر متقدما على العادة ، فإنه يحكم بكونه حيضا لإمكانه. ويتحقق عدم الإمكان بقصور السنّ عن تسع ، وزيادته عن الخمسين أو الستين ، وبسبق حيض محقق لم يتخلل بينهما أقلّ الطهر ، أو نفاس كذلك ، وكونها حاملا على مذهب المصنف وغير ذلك (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ، وللتوقف فيه مجال.

قوله : وتصير المرأة ذات عادة بأن ترى الدم دفعة ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعدا ، ثم تراه ثانيا بمثل تلك العدّة.

أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أنّ العادة في الحيض إنما تثبت بالمرتين. وقال بعض العامّة : إنها تثبت بالمرة الواحدة (٣). وهو باطل ، لأن العادة مأخوذة من العود ، وهو لا يتحقق بالمرة الواحدة قطعا. ويدل على ثبوتها بالمرتين مضافا الى الإجماع ما رواه الشيخ‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٧٨ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٠ ) أبواب الحيض ب (٤) ح (١).

(٢) المسالك ( ١ : ٩ ).

(٣) نقله عن الشافعي ابن قدامة في المغني ( ١ : ٣٦٣ ).

٣٢٥

______________________________________________________

عن يونس ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم أنّ ذلك صار لها وقتا وخلقا معروفا » (١).

وعن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها » (٢).

ثم العادة إما أن تكون عددية وقتية ، أو عددية خاصة ، أو وقتية كذلك. فالأقسام ثلاثة :

الأول : أن تتفق وقتا وعددا ، كما لو رأت أول الشهر سبعة وانقطع الى أن دخل الثاني ، ثم رأت سبعة. وهذه أنفع العادات ، فإنها تتحيض برؤية الدم ، وترجع إليها عند التجاوز.

الثاني : أن تتفق عددا لا غير ، كما لو رأت السبعة الأولى من الشهر ، ثم رأت سبعة أخرى من الشهر ، بعد مضي أقل الطهر ، فتستقر عددا ، لكن تكون بحسب الوقت كالمضطربة ، فإذا رأت الدم الثالث بعد مضي أقل الطهر وتجاوز العشرة رجعت الى السبعة. وهذان القسمان داخلان في تعريف المصنف.

الثالث : أن تتفق في الوقت خاصة ، كما لو رأت سبعة من أول الشهر ، ثم ثمانية من أول الآخر. وهذه تتحيض برؤيته بعد ذلك في وقته ، لكن هل يحكم لها بتكرر أقل العددين ، أو تكون مضطربة في العدد؟ قيل بالأول لتكرر الأقل (٣). وقيل بالثاني لعدم‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٨٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٦ ) أبواب الحيض ب (٧) ح (٢).

(٢) الكافي ( ٣ : ٧٩ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨٠ ـ ١١٧٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٩ ) أبواب الحيض ب (١٤) ح (١).

(٣) كما في منتهى المطلب ( ١ : ١٠٣ ) ، والذكرى : (٢٨).

٣٢٦

مسائل خمس :

الأولى : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعا ،

______________________________________________________

صدق الاستواء والاستقامة (١) ، وهو حسن.

قوله : مسائل خمس ، الأولى : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعا.

قال الشارح ـ رحمه‌الله ـ : هذا إنما يتم في القسم الأول من أقسام العادة بالنسبة الى ما يدخل في تعريف المصنف. وفي القسم الثالث بشرط أن تراه فيهما في أيام العادة كما لا يخفى. وأما القسم المتوسط وما تراه متقدما عنها فهو كرؤية المبتدأة والمضطربة (٢) (٣) هذا كلامه ـ قدس‌سره ـ وهو يقتضي ثبوت الاحتياط لذات العادة في أغلب الأحوال ، بناء على وجوبه في المبتدأة ، لندرة الاتفاق في الوقت. وهو مع ما فيه من الحرج مخالف لظاهر الأخبار المستفيضة كما ستقف عليه.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا استقرت العادة ثم تقدمها أو تأخر عنها الدم بيوم أو يومين إلى العشرة حكم بأنه حيض ، وإن زاد على العشرة فلا (٤) (٥) ويلوح من كلام المصنف في كتبه الثلاثة عدم وجوب الاحتياط لذات العادة مطلقا (٦).

والأظهر أنّ ما تجده المعتادة في أيام العادة يحكم بكونه حيضا ، لصحيحة محمد بن‌

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٣٧ ).

(٢) المسالك ( ١ : ٩ ).

(٣) وهما القسم الأول والثاني من أقسام ذوات العادة.

(٤) المبسوط ( ١ : ٤٣ ).

(٥) في « ح » زيادة : وهو غير بعيد الا أن في التحديد بالعشرة نظرا.

(٦) المعتبر ( ١ : ٢١٣ ) ، المختصر النافع : (٩).

٣٢٧

وفي المبتدئة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.

______________________________________________________

مسلم. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، فقال : « لا تصلي حتى تنقضي أيامها ، فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت » (١).

وكذا المتقدم والمتأخر مع كونه بصفة الحيض ، لعموم قوله عليه‌السلام في حسنة حفص بن البختري : « فإذا كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة » (٢).

وتشهد له أيضا صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ذهب طمثها سنين ثم عاد إليها شي‌ء ، قال : « تترك الصلاة حتى تطهر » (٣).

وموثقه سماعة ، قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، قال : « فلتدع الصلاة ، فإنه ربما تعجّل بها الوقت » (٤).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة ترى الصفرة ، فقال : « إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فهو من الحيض » (٥).

قوله : وفي المبتدئة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.

موضع الخلاف ما إذا كان الدم المرئي بصفة دم الحيض ، كما صرح به العلامة في‌

__________________

(١) المتقدمة في ص (٣٢٥).

(٢) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٢).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٠٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٨٢ ) أبواب الحيض ب (٣٢) ح (١).

(٤) الكافي ( ٣ : ٧٧ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٨ ـ ٤٥٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٦ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١).

(٥) الكافي ( ٣ : ٧٨ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٠ ) أبواب الحيض ب (٤) ح (٢). في جميع المصادر : ( وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض ) وهو الصحيح كما هو مستفاد من باقي الروايات والقرائن القطعية. وهذه الجملة بأكملها غير موجودة في « م ».

٣٢٨

______________________________________________________

المختلف (١) وغيره.

والأصح أنها تتحيض برؤيته ، لعموم قوله عليه‌السلام : « فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (٢).

وتشهد له صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة » (٣). وموثقة عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ، ثم تصلي عشرين يوما » (٤).

وقال السيد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في المصباح : والجارية التي يبتدئ بها الحيض لا تترك الصلاة حتى يستمر لها ثلاثة أيام (٥). وهو اختيار ابن الجنيد (٦) ، وأبي الصلاح (٧) ، وسلار ، والمصنف في كتبه الثلاثة (٨).

واحتج عليه في المعتبر بأنّ مقتضى الدليل لزوم العبادة حتى تيقن المسقط ولا تيقن قبل استمراره ثلاثة. ويرد عليه منع اشتراط تيقن المسقط ، بل يكفي ظهوره ، وهو حاصل بما ذكرناه من الأدلة. ثم قال : ولو قيل لو لزم ما ذكرته قبل الثلاثة لزم بعدها ،

__________________

(١) المختلف ( ١ : ٣٧ ).

(٢) تقدم في ص (٣٢٤).

(٣) التهذيب ( ١ : ٣٩٤ ـ ١٢١٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٦ ـ ٤٩٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠١ ) أبواب الحيض ب (٥٠) ح (٣).

(٤) التهذيب ( ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٧ ـ ٤٦٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٩ ) أبواب الحيض ب (٨) ح (٦).

(٥) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٢١٣ ).

(٦) نقله عنه في المختلف : (٣٨).

(٧) الكافي في الفقه : (١٢٨).

(٨) المعتبر ( ١ : ٢١٣ ) ، المختصر النافع : (١٠).

٣٢٩

الثانية : لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع ورأت قبل العاشر كان الكل حيضا. ولو تجاوز العشرة رجعت إلى التفصيل الذي نذكره ، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته كان الأول حيضا منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفا.

______________________________________________________

لجواز أن ترى ما هو أسود ويتجاوز فيكون هو حيضها لا الثلاثة. قلنا : الفرق أنّ اليوم واليومين ليس حيضا حتى تستكمل ثلاثا ، والأصل عدم التتمة حتى يتحقق. أما إذا استمر ثلاثا فقد كمل ما يصلح أن يكون حيضا ، ولا يبطل هذا الا مع التجاوز ، والأصل عدمه ما لم يتحقق (١). وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ جيد الا أنّ أصالة العدم لا تكفي في حصول اليقين الذي قد اعتبره سابقا فتأمل.

قوله : الثانية ، لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع ورأت قبل العاشر كان الكل حيضا.

المراد أنها لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع وعاد قبل تمام العاشر وجب الحكم بكون الدمين مع النقاء حيضا. أما الدمان فظاهر ، وأما النقاء المحفوف بهما ، فلنقصانه عن العشرة ، فلا يمكن أن يكون طهرا. وقد صرح بذلك في المعتبر ، فقال : ولو رأت ثلاثة ثم انقطع ، ثم رأت يوم العاشر أو ما دون كان الدمان وما بينهما من النقاء حيضا كالدم الجاري (٢). واستدل عليه بما رواه محمد بن مسلم في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٣).

قوله : ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته كان الأول حيضا منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفا.

__________________

(١) كما في المعتبر ( ١ : ٢١٣ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٠٣ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٧٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٩ ـ ٤٥٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٤ ) أبواب الحيض ب (١١) ح (٣).

٣٣٠

الثالثة : إذا انقطع لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقيّة اغتسلت ، وإن كانت متلطخة صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضي عشرة. وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين من عادتها ، فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم ، وإن تجاوز كان ما أتت به مجزيا.

______________________________________________________

إنما كان كذلك لمضي أقل الطهر بينهما ، فإن ثبتت الكلية المدعاة في كلامهم‌ تحيضت برؤيته ، والا وجب مراعاة الصفات على ما تقدم من التفصيل.

قوله : الثالثة ، إذا انقطع لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقيّة اغتسلت ، وإن كانت ملطخة صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضي عشرة أيام ، وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين من عادتها ، فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم ، وإن تجاوز كان ما أتت به مجزيا.

البحث في هذه المسألة يقع في مواضع :

الأول : إن الحائض متى انقطع دمها ظاهرا لدون العشرة وجب عليها الاستبراء ، وهو طلب براءة الرحم من الدم بإدخال القطنة والصبر هنيئة ، ثم إخراجها لتعلم النقاء أو عدمه والظاهر حصوله بأي كيفية اتفق ، لإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد ابن مسلم : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئا فلتغتسل » (١).

والأولى أن تعتمد برجلها اليسرى على حائط أو شبهه وتستدخل القطنة بيدها اليمنى ، لرواية شرحبيل ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال ، قلت : كيف تعرف الطامث طهرها ، قال : « تعتمد برجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٨٠ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٦١ ـ ٤٦٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٢ ) أبواب الحيض ب (١٧) ح (١).

٣٣١

______________________________________________________

اليمنى ، فإن كان مثل رأس الذباب خرج على الكرسف » (١).

الثاني : إنه متى حصل النقاء وجب عليها الغسل ، وهو إجماعي منصوص. ولو اعتادت النقاء في أثناء العادة ثم رؤية الدم بعده فالظاهر عدم وجوب الغسل معه ، لاطراد العادة ، واستلزام وجوبه الحرج والضرر بتكرر الغسل مع تكرر النقاء. ويحتمل الوجوب للعموم واحتمال عدم العود.

الثالث : إنّ المبتدئة يجب عليها الصبر مع استمرار الدم الى النقاء ، أو مضي عشرة أيام ، وهو إجماع. وأوجب عليها الشهيد في الذكرى مع رجوعها إلى عادة نسائها الاستظهار بيوم (٢) ، لقوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم وزرارة : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم » (٣) وفي السند ضعف (٤).

الرابع : أجمع علماؤنا على ثبوت (٥) الاستظهار لذات العادة مع استمرار الدم إذا كانت عادتها دون العشرة ، قاله في المعتبر (٦).

والمراد بالاستظهار طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا بترك العبادة بعد العادة يوما أو أكثر ، ثم الغسل بعدها. وقد وقع الخلاف هنا في موضعين :

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٨٠ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٦١ ـ ٤٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٢ ) أبواب الحيض ب (١٧) ح (٣).

(٢) الذكرى : (٢٩).

(٣) التهذيب ( ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٨ ـ ٤٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٦ ) أبواب الحيض ب (٨) ح (١).

(٤) لأن الشيخ رواها عن علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي وطريق الشيخ اليه ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير ( راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٣٣٧ ).

(٥) في « ح » : على أنّ ثبوت.

(٦) المعتبر ( ١ : ٢١٥ ).

٣٣٢

______________________________________________________

أحدهما : إنّ هذا الاستظهار هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر كلام الشيخ في النهاية والجمل (١) ، والمرتضى في المصباح (٢) الوجوب. وقيل بالاستحباب ، وإليه ذهب عامة المتأخرين (٣).

احتج الأولون بورود الأمر به في عدة أخبار ، وهو حقيقة في الوجوب. فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ، ثم تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل » (٤).

وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال : « تستظهر بيوم ، أو يومين ، أو ثلاثة » (٥).

وفي الصحيح عن محمد بن عمرو بن سعيد ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الطامث كم حدّ جلوسها؟ فقال : « تنتظر عدّة ما كانت تحيض ، ثم تستظهر بثلاثة أيام ، ثم هي مستحاضة » (٦).

__________________

(١) النهاية : (٢٤) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٣).

(٢) نقل كلامه في المعتبر ( ١ : ٢١٤ ).

(٣) منهم العلامة في التذكرة ( ١ : ٢٩ ) ، والشهيد الأول في الذكرى : (٢٩) ، والكركي في جامع المقاصد ( ١ : ٤٥ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٢١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٨ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١٥).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٧١ ـ ٤٨٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٩ ـ ٥١٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٧ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (٩).

(٦) التهذيب ( ١ : ١٧٢ ـ ٤٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٩ ـ ٥١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٧ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١٠).

٣٣٣

______________________________________________________

وأجاب المصنف (١) ومن تأخر عنه (٢) عن هذه الروايات بالحمل على الاستحباب ، جمعا بينها وبين قوله عليه‌السلام : « تحيضي أيام أقرائك » (٣) وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « المستحاضة تنتظر أيامها فلا تصل فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيامها ورأت دما يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر » (٤) وفي رواية ابن أبي يعفور : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت » (٥).

ويمكن الجمع بينها أيضا بحمل أخبار الاستظهار على ما إذا كان الدم بصفة دم الحيض ، والأخبار المتضمنة للعدم على ما إذا لم يكن كذلك ، واحتمله المصنف في المعتبر (٦). وكيف كان فالاستظهار أولى.

ثم إن قلنا بالاستحباب واختارت فعل العبادة ففي وصفها بالوجوب نظر ، من حيث جواز تركها لا إلى بدل ، ولا شي‌ء من الواجب كذلك. اللهم إلا أن يلتزم بوجوب العبادة بمجرد الاغتسال ، وفيه ما فيه.

وثانيهما : في قدر زمان الاستظهار. فقال الشيخ في النهاية : تستظهر بعد العادة بيوم أو يومين (٧) ، وهو قول ابن بابويه والمفيد (٨). وقال في الجمل : إن خرجت ملوثة بالدم‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢١٦ ).

(٢) منهم الشهيد الأول في الذكرى : (٢٩) ، والشهيد الثاني في روض الجنان : (٧٣). (٣) الكافي ( ٣ : ٨٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٨ ) أبواب الحيض ب (٨) ح‌

(٣).

(٤) الكافي ( ٣ : ٨٨ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٠٦ ـ ٢٧٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٢ ) أبواب الحيض ب (١٥) ح (٢).

(٥) التهذيب ( ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٠٨ ) أبواب الاستحاضة ب (١) ح (١٣).

(٦) المعتبر ( ١ : ٢٠٧ ).

(٧) النهاية : (٢٤).

(٨) نقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٢١٤ ).

٣٣٤

______________________________________________________

فهي بعد حائض تصبر حتى تنقى (١). وقال المرتضى في المصباح : تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة (٢).

والمعتمد جواز استظهارها بيوم أو يومين أو ثلاثة ، لصحيحتي البزنطي (٣) ومحمد بن عمرو بن سعيد (٤) عن الرضا عليه‌السلام ، وقد سلفتا.

ويشهد لما ذكره المرتضى : رواية عبد الله بن المغيرة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة ترى الدم ، فقال : « إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة » (٥).

ورواية يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الحائض إذا تجاوز دمها الوقت ، قال : « تنتظر (٦) عدتها التي كانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة » (٧).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : معنى قوله : بعشرة أيام : إلى عشرة أيام ، وحروف‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٣).

(٢) نقل كلامه في المعتبر ( ١ : ٢١٤ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٧١ ـ ٤٨٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٩ ـ ٥١٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٧ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (٩).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٧٢ ـ ٤٩١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٩ ـ ٥١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٧ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١٠).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٧٢ ـ ٤٩٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٥٠ ـ ٥١٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٨ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١١).

(٦) في « ق » : تنظر.

(٧) التهذيب ( ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٩ ـ ٥١٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٨ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (١٢).

٣٣٥

الرابعة : إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية.

______________________________________________________

الصفات يقوم بعضها مقام بعض (١). وهو حسن ، لكن في طريق الرواية الأولى ضعف (٢) وإرسال ، وفي يونس بن يعقوب كلام (٣) ، فيشكل الخروج بهما عن مقتضى الأدلة الدالة على لزوم العبادة. ولا ريب أنّ الاقتصار على الثلاثة أحوط.

الخامس : ذكر المصنف (٤) ـ رحمه‌الله ـ وغيره (٥) : أنّ الدم متى انقطع على العاشر تبين كون الجميع حيضا ، فيجب عليها قضاء صوم العشرة ، وإن كانت قد صامت بعد انقضاء العادة ، لتبيّن فساده ، دون الصلاة. وإن تجاوز العشرة تبين أنّ ما زاد عن العادة طهر كله ، فيجب عليها قضاء ما أخلّت به من العبادة في ذلك الزمان ، ويجزئها ما أتت به من الصلاة والصيام ، لتبيّن كونها طاهرا.

وعندي في جميع هذه الأحكام توقف ، لعدم الظفر بما يدل عليها من النصوص.

والمستفاد من الأخبار أن ما بعد أيام الاستظهار استحاضة ، وأنّه لا يجب قضاء ما فاتها في أيام الاستظهار مطلقا (٦) ، والله أعلم.

قوله : الرابعة ، إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهة.

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل الغسل على كراهة هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن الصدوق ـ رحمه‌الله ـ القول بتحريمه قبل‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٤٠٢ ).

(٢) لأن في طريقها أحمد بن هلال وقد قال عنه الشيخ في الفهرست : ( ٣٦ ـ ٩٧ ) انه كان غاليا متهما في دينه.

(٣) راجع رجال النجاشي : ( ٤٤٦ ـ ١٢٠٧ ).

(٤) كما في المعتبر ( ١ : ٢٠٣ ).

(٥) منهم العلامة في المنتهى ( ١ : ١٠٤ ).

(٦) الوسائل ( ٢ : ٥٥٦ ) أبواب الحيض ب (١٣).

٣٣٦

______________________________________________________

الغسل (١) ، وكلامه في كتابه من لا يحضره الفقيه لا يعطي ذلك ، فإنه قال : ولا يجوز مجامعة المرأة في حيضها ، لأن الله عز وجل نهى عن ذلك ، فقال ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٢) يعني بذلك الغسل من الحيض ، فإن كان الرجل شبقا وقد طهرت المرأة وأراد زوجها أن يجامعها قبل الغسل أمرها أن تغسل فرجها ثم يجامعها (٣). هذا كلامه ـ رحمه‌الله. وهو صريح في جواز الوطء قبل الغسل إذا كان الزوج شبقا وغسلت فرجها ، فلا يتم إسناد التحريم إليه مطلقا. والمعتمد الكراهة.

لنا : أصالة الإباحة ، وقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) بالتخفيف ، كما قرأ به السبعة ، أي يخرجن من الحيض. يقال : طهرت المرأة إذا انقطع حيضها. جعل سبحانه وتعالى غاية التحريم انقطاع الدم فيثبت الحل بعده ، عملا بمفهوم الغاية ، لأن الحق أنه حجة ، بل صرّح الأصوليون بأنه أقوى من مفهوم الشرط.

ولا ينافي ذلك قراءة التشديد. أما أولا ، فلأن « تفعل » قد جاء في كلامهم بمعنى « فعل » كقولهم تبيّن ، وتبسّم ، وتطعّم بمعنى : بان ، وبسم ، وطعم. قيل (٤) : ومن هذا الباب المتكبّر في أسماء الله تعالى ، بمعنى الكبير (٥). وإذا ثبت إطلاق هذه البنية (٦) على هذا المعنى كان الحمل عليه أولى ، صونا للقرائتين ( عن التنافي ) (٧).

وأما ثانيا ، فلإمكان حمل النهي في هذه القراءة على الكراهة ، توفيقا بين القراءتين،

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٢٣٥ ).

(٢) البقرة : (٢٢٢).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٣ ).

(٤) ليست في « م ».

(٥) كما في المعتبر ( ١ : ٢٣٦ ) ، وروض الجنان : (٧٩) ، وجامع المقاصد ( ١ : ٤٥ ).

(٦) في « ح » : الهيئة.

(٧) ليست في « س ».

٣٣٧

______________________________________________________

ويكون المنهي عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بتحريمها حالة الحيض من صدر الآية ، أعني قوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (١) وإلى هذا أشار في المعتبر ، حيث قال : ولو قيل : قد قرئ بالتضعيف في يطهرن ، قلنا : فيجب أن يحمل على الاستحباب ، توفيقا بين القراءتين ، ودفعا للتنافي بينهما (٢).

ولا يعارض بمفهوم قوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (٣) حيث شرط في إباحة الوطء التطهر (٤) الذي هو الغسل. لأنا نقول مفهومه انتفاء رجحان الوطء مع عدم التطهر (٥) ، وهو أعم من التحريم ، فيحتمل الإباحة.

سلّمنا أنّ الأمر هنا للإباحة ، لكنا نمنع إرادة الغسل من التطهر (٦) ، لأنه يتوقف على ثبوت وضعه له شرعا ، وهو ممنوع ، بل يتعيّن حمله على الطهر ، لوروده بمعناه لغة كما تقدم ، أو على المعنى اللغوي المتحقق بغسل الفرج خاصة.

سلمنا أنّ المراد بالتطهر الغسل ، لكن نقول مفهومان تعارضا ، فإن لم يرجح (٧) أقواهما تساقطا ويبقى حكم الأصل سالما من المعارض.

ويدل على الجواز أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها ، فقال : « إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل » (٨).

__________________

(١) البقرة : (٢٢٢).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٣٥ ).

(٣) البقرة : (٢٢٢).

(٤) في « م » ، « س » ، « ق » : التطهير.

(٥) في « م » ، « س » ، « ق » : التطهير.

(٦) في « م » ، « س » ، « ق » : التطهير.

(٧) في « ق » ، « س » : نرجح.

(٨) الكافي ( ٥ : ٥٣٩ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٦٦ ـ ٤٧٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٥ ـ ٤٦٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٢ ) أبواب الحيض ب (٢٧) ح (١) ، ( مع اختلاف يسير في التهذيب والاستبصار ).

٣٣٨

______________________________________________________

وفي الموثق عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض ترى الطهر فيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ، قال : « لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ اليّ » (١).

واحتج القائلون بالتحريم بقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٢) بالتشديد. وبما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتى تغتسل » (٣).

وعن عبد الرحمن ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة حاضت ثم طهرت في سفر فلم تجد الماء يومين أو ثلاثة ، هل لزوجها أن يقع عليها؟ قال : « لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتى تغتسل » (٤).

وعن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال ، قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتوضأ من غير أن تغتسل ، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتى تغتسل » (٥).

__________________

(١) الكافي ( ٥ : ٥٣٩ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٦٧ ـ ٤٨١ ) ، ( بتفاوت يسير ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٦ ـ ٤٦٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٣ ) أبواب الحيض ب (٢٧) ح (٥).

(٢) البقرة : (٢٢٢).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٦٦ ـ ٤٧٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٦ ـ ٤٦٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٣ ) أبواب الحيض ب (٢٧) ح (٦).

(٤) التهذيب ( ١ : ٣٩٩ ـ ١٢٤٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٥ ) أبواب الحيض ب (٢١) ح (٣).

(٥) التهذيب ( ١ : ١٦٧ ـ ٤٧٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٦ ـ ٤٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٤ ) أبواب الحيض ب (٢٧) ح (٧).

٣٣٩

الخامسة : إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة وجب عليها القضاء ،

______________________________________________________

والجواب عن الآية ما تقدم (١) ، وعن الروايات أولا بالطعن في السند (٢) ، وثانيا بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان (٣) من قوة ما ذهب إليه الصدوق ـ رحمه‌الله ـ لدلالة ظاهر الآية عليه ، وورود الأخبار الصحيحة به وإن عارضها ما لا يساويها ، محل نظر.

قوله : الخامسة ، إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة وجب عليها القضاء.

هذا مذهب الأصحاب. واحتجوا (٤) عليه بموثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال في امرأة دخل وقت الصلاة وهي طاهر ، فأخرت الصلاة حتى حاضت ، قال : « تقضي إذا طهرت » (٥).

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج : قال : سألته عن المرأة طمثت بعد أن تزول الشمس ولم تصل الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : « نعم » (٦) وفي سند الروايتين‌

__________________

(١) في ص (٣٣٤).

(٢) اما الأولى والثالثة فلأن الشيخ رواهما عن علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي وطريق الشيخ اليه ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير ( راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٣٣٧ ) وأما الثانية فيمكن أن يكون الطعن فيها لكون بعض رواتها فطحيا.

(٣) روض الجنان : (٨٠).

(٤) كما في منتهى المطلب ( ١ : ١١٣ ).

(٥) التهذيب ( ١ : ٣٩٢ ـ ١٢١١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٤ ـ ٤٩٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٩٧ ) أبواب الحيض ب (٤٨) ح (٤).

(٦) التهذيب ( ١ : ٣٩٤ ـ ١٢٢١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٤ ـ ٤٩٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٩٧ ) أبواب الحيض ب (٤٨) ح (٥).

٣٤٠