مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

وغسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ،

______________________________________________________

حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يبول ، قال : « ينتره ثلاثا ، ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي » (١).

وما رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل بال ولم يكن معه ماء قال : « يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ، ولكنه من الحبائل » (٢).

وهذه الرواية بعينها أوردها الشيخ في التهذيب والاستبصار (٣) ، وفيها قال : يعصر أصل ذكره إلى رأس ذكره ثلاث عصرات. وعلى هذا فيمكن الجمع بين الخبرين بالتخيير بين الأمرين ، لورودهما في مقام البيان المنافي للإجمال.

وكيف كان ، فالعمل بما هو المشهور أولى ، لما فيه من المبالغة ، والاستظهار في إزالة النجاسة.

وفي استحباب الاستبراء للمرأة قولان : أظهرهما : العدم ، وما تجده من البلل المشتبه فلا يترتب عليه وضوء ولا غسل ، لأن اليقين لا يرتفع بالشك ، ولاختصاص الروايات المتضمنة لإعادة الغسل أو الوضوء بذلك بالرجل ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.

قوله : وغسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما الإناء.

المستند في ذلك روايات كثيرة :

منها : ما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٧ ـ ٧٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ٤٨ ـ ١٣٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٠٠ ) أبواب نواقض الوضوء ب (١٣) ح (٣).

(٢) الكافي ( ٣ : ١٩ ـ ١ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٢٥ ) أبواب أحكام الخلوة ب (١١) ح (٢).

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٨ ـ ٧١ ) ، الاستبصار ( ١ : ٤٩ ـ ١٣٧ ).

٣٠١

والمضمضة والاستنشاق ، والغسل بصاع.

______________________________________________________

الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ فقال : « واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (١).

وظاهر الرواية اختصاص الحكم بما إذا كان الغسل في القليل ، وصرح العلامة ـ رحمه‌الله ـ في بعض كتبه (٢) بالاستحباب مطلقا وإن كان المغتسل مرتمسا ، أو تحت المطر ، أو يغتسل من إناء يصبه عليه من غير إدخال اليد. وهو غير واضح.

والمشهور استحباب كون الغسل من الزندين ، والأولى غسلهما من المرفقين ، كما تضمنته صحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣).

قوله : والمضمضة والاستنشاق.

استحباب المضمضة والاستنشاق أمام الغسل ثابت بإجماعنا ، ويدل عليه روايات كثيرة ، منها : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تبدأ بغسل كفيك ، ثم تفرغ بيمينك على شمالك وتغسل فرجك ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك » الحديث (٤).

قوله : والغسل بصاع.

أجمع علماؤنا وأكثر علماء العامة (٥) على أنه يستحب في الغسل كونه بقدر صاع من الماء ، والمستند فيه من طريق الأصحاب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ بمد ، ويغتسل‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٢ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٦ ـ ٩٦ ) ، الاستبصار ( ١ : ٥٠ ـ ١٤١ ) ، بتفاوت يسير ، الوسائل ( ١ : ٣٠١ ) أبواب الوضوء ب (٢٧) ح (١).

(٢) نهاية الأحكام ( ١ : ١١٠ ) ، والمنتهى ( ١ : ٨٥ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ١٤٢ ـ ٤٠٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٥ ) أبواب الجنابة ب (٣٤) ح (١).

(٤) التهذيب ( ١ : ١٤٨ ـ ٤٢٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٥٠٣ ) أبواب الجنابة ب (٢٦) ح (٥).

(٥) منهم الشافعي في الأم ( ١ : ٩ ) ، والشربيني في مغني المحتاج ( ١ : ٧٤ ).

٣٠٢

______________________________________________________

بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (١) قال الشيخ : أراد به أرطال المدينة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي (٢).

وروي أيضا في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمد واغتسل بصاع ، ثم قال : اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء (٣) واحد » قال زرارة : فقلت : كيف صنع هو؟ قال : « بدأ هو فضرب بيده في الماء قبلها وأنقى فرجه ، ثم ضربت هي فأنقت فرجها ، ثم أفاض هو وأفاضت هي على نفسها حتى فرغا ، فكان الذي اغتسل به رسول الله ثلاثة أمداد والذي اغتسلت به مدين ، وإنما أجزأ عنهما ، لأنهما اشتركا جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » (٤).

قوله عليه‌السلام : « ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » محمول على الاستحباب ، لما صح عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه » (٥) ويستفاد من صحيحة الفضلاء وغيرها (٦) أن ماء الاستنجاء محسوب من الصاع.

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢١ ـ ٤٠٩ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٣٨ ) أبواب الوضوء ب (٥٠) ح (١).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٣٧ ).

(٣) في « م » « ق » « س » : ماء.

(٤) التهذيب ( ١ : ٣٧٠ ـ ١١٣٠ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٣ ) أبواب الجنابة ب (٣٢) ح (٥).

(٥) الكافي ( ٣ : ٢١ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ١٣٧ ـ ٣٨٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٣ ـ ٤١٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١١ ) أبواب الجنابة ب (٣١) ح (٣).

(٦) الوسائل ( ١ : ٥١٢ ) أبواب الجنابة ب (٣٢).

٣٠٣

مسائل ثلاث :

الأولى : إذا رأى المغتسل بللا مشتبها بعد الغسل ، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد ، وإلا كان عليه الإعادة.

______________________________________________________

قوله : مسائل ثلاث ، الأولى : إذا رأى المغتسل بللا بعد الغسل ، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد ، وإلا كان عليه الإعادة.

إذا رأى المغتسل بللا بعد الغسل ، فإن علمه منيا أو بولا لحقه حكمه إجماعا ، وإن انتفى العلم بذلك فقد قطع الأصحاب بأن المغتسل إن كان قد بال واستبرأ لم يلتفت ، وإن انتفى الأمران وجب عليه إعادة الغسل ، وإن انتفى أحدهما فإن كان هو البول أعاد الغسل أيضا مطلقا ، وقيل : إن الإعادة إنما تثبت إذا أمكنه البول (١). وإن كان هو الاستبراء وجب الوضوء خاصة ، فالصور خمس :

الأولى : بال واستبرأ ، ولا إعادة عليه إجماعا ، وقد تقدم من الأخبار (٢) ما يدل عليه.

الثانية : عكسه ، والأظهر فيه وجوب إعادة الغسل ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل ابن إدريس فيه الإجماع (٣) ، ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء ، قال : « يعيد الغسل » (٤).

__________________

(١) كما في روض الجنان : (٥٥).

(٢) في ص (٣٠١).

(٣) السرائر : (٢٢).

(٤) الكافي ( ٣ : ٤٩ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٤٣ ـ ٤٠٤ ) ، الاستبصار ( ١ : ١١٨ ـ ٣٩٩ ) ، علل الشرائع : ( ٢٨٧ ـ ١ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٩ ) أبواب الجنابة ب (٣٦) ح (١٠).

٣٠٤

______________________________________________________

وصحيحة محمد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء ، قال : « يغتسل ويعيد الصلاة ، إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنه لا يعيد غسله ».

قال محمد ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ، ثم وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء ، لأن البول لم يدع شيئا » (١).

ويظهر من الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه الاكتفاء في هذه الصورة بالوضوء ، فإنه قال بعد أن أورد الخبر المتضمن لإعادة الغسل : وروي في حديث آخر : إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل ، قال مصنف هذا الكتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثاني رخصة (٢). وهو جيد لو صح السند.

الثالثة : انتفى الأول مع إمكانه ، والحكم فيه كما في الثانية ، تمسكا بإطلاق روايتي سليمان بن خالد ، ومحمد بن مسلم ، وما في معناهما ، ويلوح من كلام المصنف هنا وفي النافع (٣) عدم وجوب الإعادة في هذه الصورة ، وهو بعيد.

الرابعة : انتفى مع عدم إمكانه ، وفيه قولان : أظهرهما أنه كالذي قبله ، عملا بالإطلاق ، وقال الشيخ في الاستبصار : لا يجب عليه الإعادة (٤) ، لرواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب ، ثم اغتسل قبل أن يبول ،

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٤٤ ـ ٤٠٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١١٩ ـ ٤٠٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٨ ) أبواب الجنابة ب (٣٦) ح ( ٦ ، ٧ ).

(٢) الفقيه ( ١ : ٤٧ ـ ١٨٦ ).

(٣) المختصر النافع : (٩).

(٤) الاستبصار ( ١ : ١٢٠ ).

٣٠٥

______________________________________________________

ثم رأى شيئا ، قال : « لا يعيد الغسل » (١) وهي مع ضعف سندها بالمفضل بن صالح غير دالة على اعتبار هذا القيد.

ثم احتمل حملها على ناسي البول ، واستدلّ بما رواه عن جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ، ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال : « لا ، قد تعصرت ونزلت من الحبائل » (٢) وهذه الرواية لا تعطي اعتبار قيد النسيان أيضا ، لأن ذلك وقع في كلام السائل. وربما كان في‌ قوله عليه‌السلام : « قد تعصرت ونزلت من الحبائل » دلالة على عدم الفرق بين حالتي النسيان والعمد ، لكنها ضعيفة السند باشتماله على عليّ بن السندي وهو مجهول ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة الدالة على وجوب الإعادة بترك البول مطلقا.

الخامسة : بال ولم يستبرئ ، والظاهر إعادة الوضوء خاصة ، لصحيحة محمد المتقدمة (٣) ، ومفهوم قوله عليه‌السلام في حسنة حفص بن البختري ، في الرجل يبول : « ينتره ثلاثا ، ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي » (٤).

ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله بن أبي يعفور في الصحيح ، إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بال ثم توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا قال : « لا شي‌ء عليه ولا يتوضأ » (٥) لأن هذه الرواية مطلقة ، والرواية السابقة مفصلة ، والمفصل يحكم على‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٤٥ ـ ٤١٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١١٩ ـ ٤٠٥ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٩ ) أبواب الجنابة ب (٣٦) ح (١٤).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٤٥ ـ ٤٠٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٠ ـ ٤٠٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٥١٩ ) أبواب الجنابة ب (٣٦) ح (١١).

(٣) في ص (٣٠٥).

(٤) المتقدمة في ص (٣٠١).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٩ ـ ٢ ) ، الفقيه ( ١ : ٣٨ ـ ١٤٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٠٠ ) أبواب نواقض الوضوء ب (١٣) ح (١) بتفاوت في المتن.

٣٠٦

الثانية : إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث ، قيل : يعيد الغسل من رأس ، وقيل : يقتصر على إتمام الغسل ، وقيل : يتمّه ويتوضأ للصلاة ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

المطلق.

تنبيه : هذا المني أو البول الموجود بعد الغسل حدث جديد ، فالعبادة الواقعة قبله صحيحة ، لاستجماعها للشرائط ، ونقل عن بعض القول بإعادة الصلاة الواقعة بعد الغسل (١) ، ولعل مستنده صحيحة محمد المتقدمة (٢) ، وهي غير صريحة ، لإمكان حملها على من صلى بعد أن وجد البلل.

قوله : الثانية ، إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث ، قيل : يعيد من رأس ، وقيل : يقتصر على إتمام الغسل ، وقيل : يتمّه ويتوضأ للصلاة ، وهو أشبه.

هذا قول السيد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ (٣) ، وهو أمتن الأقوال دليلا ، أما وجوب الإتمام فلأن الحدث الأصغر ليس موجبا للغسل ، ولا لبعضه قطعا ، فيسقط وجوب الإعادة. وأما وجوب الوضوء فلأن الحدث المتخلل لا بد له من رافع ، وهو إما الغسل بتمامه أو الوضوء ، والأول منتف لتقدم بعضه ، فتعين الثاني.

والقول بإتمام الغسل خاصة لابن إدريس (٤) وابن البراج (٥) ، واختاره المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ (٦) ، واحتج عليه بأن الحدث الأصغر غير موجب للغسل فلا معنى للإعادة ، والوضوء منفي مع غسل الجنابة بالنص والإجماع.

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر : (٢٣).

(٢) في ص (٣٠١).

(٣) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ١٩٦ ).

(٤) السرائر : (٢٢).

(٥) جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : (٤٧٣).

(٦) جامع المقاصد ( ١ : ٣٥ ).

٣٠٧

______________________________________________________

وفيه : إنّ الإجماع ممنوع في موضع النزاع ، والأخبار لا عموم لها على وجه يتناول هذه الصورة.

قال المصنف في المعتبر : ويلزمهم أنه لو بقي من الغسل قدر درهم من الجانب الأيسر ثم تغوط أن يكتفي عن وضوئه بغسل موضع الدرهم ، وهو باطل (١).

والقول بالإعادة للشيخ في النهاية والمبسوط (٢) ، وابني بابويه (٣) ، وجماعة (٤) ، ولا وجه له من حيث الاعتبار ، وأما ما استدل به عليه من أن الحدث الأصغر ناقض للطهارة بتمامها فلأبعاضها أولى ، أو أن الحدث المتخلل قد أبطل تأثير ذلك البعض في الرفع ، والباقي من الغسل غير صالح للتأثير ، ففساده ظاهر ، لمنع كونه ناقضا ومبطلا ، وإنما المتحقق وجوب الوضوء به خاصة.

ولعل مستندهم في ذلك ما رواه الصدوق في كتاب عرض المجالس ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك ، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة ، ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك ، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو منيّ بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله » (٥).

ولو صحت هذه الرواية لما كان لنا عنها عدول ، لصراحتها في المطلوب ، إلا أني لم أقف عليها مسندة ، والواجب المصير إلى الأول إلى أن يتضح السند.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ١٩٧ ).

(٢) النهاية : (٢٢) ، المبسوط ( ١ : ٢٩ ).

(٣) الصدوق في الهداية : (٢١) ، ونقله عن والده في المختلف : (٣٣) ، وفي « ق » : وابن بابويه.

(٤) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : (٤٠) ، والعلامة في المختلف : (٣٣) ، والشهيد الأول في اللمعة : (٢٠).

(٥) رواها في الوسائل ( ١ : ٥٠٩ ) أبواب الجنابة ب (٢٩) ح (٤) ، عن المدارك.

٣٠٨

______________________________________________________

وتنقيح المسألة يتم ببيان أمور :

الأول : الظاهر عدم الفرق في غسل الجنابة بين كونه غسل ترتيب أو ارتماس ، ويتصور ذلك في غسل الارتماس بوقوع الحدث بعد النية وقبل إتمام الغسل.

وقال في الذكرى : لو كان الحدث من المرتمس فإن قلنا بسقوط الترتيب حكما ، فإن وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لا غير ، وإلا فليس له أثر (١). وهو مشكل ، لإمكان وقوعه في الأثناء كما صورناه ، فينبغي أن يطّرد فيه الخلاف.

ثم قال : وإن قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي فهو كالمرتب ، وإن قلنا بحصوله في نفسه وفسرناه بتفسير الإستبصار أمكن انسحاب البحث إليه (٢).

قلت : أشار بذلك إلى ما ذكره الشيخ في الاستبصار لما أورد الأخبار المتضمنة لوجوب الترتيب في الغسل ، وأورد إجزاء الارتماس فقال : ولا ينافي ذلك ما قدمناه من وجوب الترتيب ، لأن المرتمس يترتب حكما وإن لم يترتب فعلا ، لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم جانبه الأيسر ، فيكون على هذا التقدير مرتبا (٣). هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ ونحن قد بينا فيما سبق ضعف الترتيب الحكمي بمعانيه ، لانتفاء الدليل عليه ، بل قيام الدليل على خلافه.

الثاني : لو تخلل الحدث لغير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة والمندوبة ، فإن قلنا بإجزائها عن الوضوء اطّرد الخلاف ، وإلا تعين إتمامه والوضوء.

الثالث : استقرب بعض المتأخرين ـ القائلين بوجوب الإتمام والوضوء ـ الاكتفاء باستئناف الغسل إذا نوى قطعه ، لبطلانه بذلك فيصير الحدث متقدما على الغسل ، وفيه‌

__________________

(١) الذكرى : (١٠٦).

(٢) الذكرى : (١٠٦).

(٣) الاستبصار ( ١ : ١٢٥ ).

٣٠٩

الثالثة : لا يجوز أن يغسّله غيره مع الإمكان ، ويكره أن يستعين فيه.

______________________________________________________

نظر ، لأن نية القطع إنما تقتضي بطلان ما يقع بعدها من الأفعال لا ما سبق ، كما صرّح به المصنف (١) وغيره.

قوله : الثالثة ، لا يجوز أن يغسّله غيره مع الإمكان ، ويكره أن يستعين فيه.

الكلام في هاتين المسألتين كما في الوضوء ، وقد تقدم الكلام فيهما هناك مفصلا (٢).

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ١٤٠ ).

(٢) في ص ( ٢٤٠ ، ٢٥١ ).

٣١٠

الفصل الثّاني :

في الحيض

وهو يشتمل على : بيانه ، وما يتعلق به.

أما الأول :

فالحيض : الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدّة ولقليله حدّ ،

______________________________________________________

قوله : الفصل الثّاني : في الحيض ، وهو يشتمل على بيانه ، وما يتعلق به ، أما الأول ، فالحيض هو الدم الذي له تعلق بانقضاء العدّة ولقليله حدّ.

قد اشتهر في كلام الأصحاب أنّ الحيض لغة هو السيل ، من قولهم : حاض الوادي : إذا سال بقوة ، وفي القاموس : حاضت المرأة تحيض حيضا : سال دمها (١). ولا يستبعد كونه حقيقة في هذا المعنى ، للتبادر ، وأصالة عدم النقل.

وعرّفه المصنف اصطلاحا بأنه : الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة ، ولقليله حدّ ، فالدم بمنزلة الجنس ، وتعلقه بانقضاء العدة يخرج ما عدا النفاس من الدماء (٢) ، فإن له تعلقا بانقضاء العدة في الحامل من زنا. وخرج النفاس بالقيد الأخير ، وليس في هذا التعريف كثير فائدة ، وكان يغني عنه ذكر الأوصاف ، لأن بها يتميز عن غيره من الدماء عند الاشتباه كما ذكره المصنف في المعتبر (٣).

__________________

(١) القاموس المحيط ( ٢ : ٣٤١ ).

(٢) في « م » : الدم.

(٣) المعتبر ( ١ : ١٩٧ ).

٣١١

وفي الأغلب يكون أسود غليظا حارا يخرج بحرقة.

______________________________________________________

قوله : وهو في الأغلب يكون أسود عبيطا حارا يخرج بحرقة.

قيد بالأغلب لأن دم الحيض قد يكون بخلاف ذلك ، لأن الحمرة والصفرة في أيام الحيض حيض على ما سيجي‌ء بيانه (١) ، والعبيط بالمهملتين : الطري ، والمراد بالحرقة هنا اللذع الحاصل للمخرج بسبب الدفع والحرارة.

والمستند في هذه الأوصاف : الأخبار الكثيرة ، كحسنة حفص بن البختري ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام امرأة ، فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أم غيره ، قال ، فقال لها : « إنّ دم الحيض حارّ ، عبيط ، أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » قال : فخرجت وهي تقول : والله لو كان امرأة ما زاد على هذا (٢).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الحيض والاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد ، إن دم الاستحاضة بارد وإن دم الحيض حارّ » (٣).

وصحيحة إسحاق بن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهي طويلة قال في آخرها : « دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم‌

__________________

(١) في ص (٣٢٤).

(٢) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٢).

(٣) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (١).

٣١٢

وقد يشتبه بدم العذرة ، فتعتبر بالقطنة ، فإن خرجت مطوّقة فهو العذرة.

______________________________________________________

فاسد بارد » (١).

ويستفاد من هذه الروايات أنّ هذه الأوصاف خاصة مركبة للحيض فمتى وجدت حكم بكون الدم حيضا ، ومتى انتفت انتفى إلا بدليل من خارج ، وإثبات هذا الأصل ينفع في مسائل متعددة من هذا الباب.

قوله : وقد يشتبه بدم العذرة ، فتعتبر بالقطنة ، فإن خرجت القطنة مطوّقة فهو لعذرة.

العذرة بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة : البكارة بفتح الباء. وقد ذكر الشيخ (٢) وغيره (٣) من الأصحاب أنه متى اشتبه دم الحيض بدم العذرة حكم للعذرة بالتطوق وللحيض بغمس القطنة ، واستدلوا عليه بصحيحة زياد بن سوقة ، قال : سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يومها كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي ، وإن خرج الكرسف منغمسا فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض » (٤).

وصحيحة خلف بن حماد ، عن الكاظم عليه‌السلام ، وهي طويلة قال في آخرها :

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٣).

(٢) النهاية : (٢٣).

(٣) منهم العلامة في نهاية الأحكام ( ١ : ١١٦ ).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩٤ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٢ ـ ٤٣٢ ) ، المحاسن : ( ٣٠٧ ـ ٢١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٦ ) أبواب الحيض ب (٢) ح (٢).

٣١٣

______________________________________________________

« تستدخل القطنة ثم تدعها مليّا ثم تخرجها إخراجا رفيقا ، فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض » (١).

ويظهر من المصنف هنا وفي النافع (٢) التوقف في الحكم بكون الدم حيضا مع الاستنقاع ، حيث اقتصر على الحكم به للعذرة مع التطوق ، وبذلك صرح في المعتبر فقال : لا ريب أنها إذا خرجت مطوقة كان من العذرة ، وإن خرجت مستنقعة فهو محتمل ، فإذن يقضي أنه من العذرة مع التطوق قطعا (٣). فلهذا اقتصر في الكتاب على الطرف المتيقن ، وفي هذا الكلام نظر من وجهين.

أحدهما : أنّ المسألة في كلامه ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر مفروضة فيما إذا جاء الدم بصفة دم الحيض ، ومعه لا وجه للتوقف في كونه مع الاستنقاع حيضا ، لاعتبار سند الخبرين ، وصراحتهما في الدلالة على الحكمين ، ومطابقتهما للروايات الدالة على اعتبار الأوصاف (٤).

وثانيهما : أنه صرح بعد ذلك بأنّ ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة يحكم بكونه حيضا ، وأنه لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنه لقرح أو عذرة ونقل عليه الإجماع (٥) ، وهو مناف لما ذكره هنا من التوقف في هذه المسألة ، إذ المفروض فيها انتفاء العلم بكون الدم للعذرة بل انتفاء الظن بذلك باعتبار استنقاعه كما هو واضح ( فتأمل ) (٦).

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٩٢ ـ ١ ) ، المحاسن : ( ٣٠٧ ـ ٢٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٥ ) أبواب الحيض ب (٢) ح (١).

(٢) المختصر النافع : (٩).

(٣) المعتبر ( ١ : ١٩٨ ).

(٤) الوسائل ( ٢ : ٥٣٥ ) أبواب الحيض ب (٢).

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٠٣ ).

(٦) ليست في « س » و « ق ».

٣١٤

وكل ما تراه الصبيّة قبل بلوغها تسعا فليس بحيض ،

______________________________________________________

وذكر الشارح ـ رحمه‌الله ـ في الشرح (١) أن طريق معرفة التطوق وعدمه أن تضع قطنة بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثم تصبر هنيئة ثم تخرج القطنة إخراجا رفيقا (٢). وقال في روض الجنان : إن مستند هذا الحكم روايات عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لكن في بعضها الأمر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء ، وفي بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء ، وطريق الجمع : حمل المطلق على المقيد ، والتخيير بين الإصبع والكرسف ، إلاّ أن الكرسف أظهر في الدلالة (٣).

وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ لم أقف عليه في شي‌ء من الأصول ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال ، والذي وقفت عليه في هذه المسألة روايتا زياد بن سوقة وخلف بن حمّاد المتقدمتان (٤) ، وهما خاليتان عن قيد الاستلقاء وإدخال الإصبع ، فالأظهر الاكتفاء بما تضمنته الرواية الثانية من وضع القطنة والصبر هنيئة ثم إخراجها برفق.

وفي الرواية (٥) : إنه عليه‌السلام التفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد قال : ثم نهد إليّ فقال : « يا خلف سرّ الله سرّ الله فلا تذيعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق أصول دين الله ، بل ارضوا بما رضى الله لهم من ضلال » قلت : هذا الكلام وارد على سبيل المجاز ، والمراد أنه رضي لهم الاختيار الموصل لهم إلى الضلال.

قوله : وكل ما تراه الصبيّة قبل بلوغها تسعا فليس بحيض.

المراد ببلوغ التسع إكمالها ، كما صرح به الأصحاب ونطقت به الأخبار ، الحكم‌

__________________

(١) المسالك ( ١ : ٨ ).

(٢) في « ق » : رقيقا.

(٣) روض الجنان : (٦٠).

(٤) في ص (٣١٣).

(٥) أي الرواية الثانية ، وهي رواية خلف بن حماد.

٣١٥

وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.

______________________________________________________

بانتفاء الحيض عما تراه الصبية قبل إكمال التسع مذهب العلماء (١) كافة حكاه في المنتهى (٢) ، ويدل عليه روايات ، منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ثلاث يتزوجن على كل حال » وعدّ منها التي لم تحض ومثلها لا تحيض قال : قلت : وما حدّها؟ قال : « إذا أتى لها أقل من تسع سنين » (٣) وفي رواية أخرى له عنه عليه‌السلام قال : « إذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها » (٤).

وهنا سؤال مشهور وهو أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ وغيره ذكروا أنّ الحيض للمرأة دليل على بلوغها فكيف يجتمع ذلك مع حكمهم هنا بأنّ ما تراه قبل التسع فليس بحيض!؟ وما الدم الذي يعلم به البلوغ؟.

وأجيب عنه بحمل ما هنا على من علم سنّها فإنه لا يحكم بكون الدم السابق على إكمال التسع حيضا ، وحمل ما سيأتي على من جهل سنّها مع خروج الدم الجامع لأوصاف الحيض فإنه يحكم بكونه حيضا ويعلم به البلوغ ، كما ذكره الأصحاب ونقلوا فيه الإجماع.

قوله : وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.

أي وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن : إنه ليس بحيض ، لأن مجرى الحيض هو الأيسر ، والقائل بذلك هو الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٥) ، والشيخ في‌

__________________

(١) في « ح » : علمائنا.

(٢) المنتهى ( ١ : ٩٥ ).

(٣) الكافي ( ٦ : ٨٥ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ١٥ : ٤٠٦ ) أبواب العدد ب (٢) ح (٤).

(٤) لم نعثر على هذا النص ، ولكن وردت رواية بهذا المضمون في الوسائل ( ١٥ : ٤٠٩ ) أبواب العدد ب (٣) ح (٥).

(٥) الفقيه ( ١ : ٥٤ ).

٣١٦

______________________________________________________

النهاية (١) ، وأتباعه (٢).

وعكس أبو علي ابن الجنيد فقال : دم الحيض أسود عبيط تعلوه حمرة ، يخرج من الجانب الأيمن وتحس المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر (٣).

واختلف كلام الشهيد في هذه المسألة فأفتى في البيان بالأول (٤) ، وفي الذكرى والدروس بالثاني (٥).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف متن الرواية ، فروى شيخنا الجليل محمد بن يعقوب ـ رحمه‌الله ـ في الكافي ، عن محمد بن يحيى ، رفعه عن أبان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فتاة منّا بها قرحة في جوفها والدم سائل ، لا تدري من دم الحيض أم من دم القرحة؟ فقال : « مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها ثم تستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة » (٦).

ونقل الشيخ في التهذيب الرواية بعينها ، وساق الحديث إلى أن قال : « فإن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة » (٧).

__________________

(١) النهاية : (٢٤).

(٢) منهم ابن البراج في المهذب ( ١ : ٣٥ ) ، وابن إدريس في السرائر : (٢٨) ، والعلامة في المختلف : (٣٦).

(٣) نقله عنه في المختلف : (٣٦).

(٤) البيان : (١٦).

(٥) الذكرى : (٢٨) ، الدروس : (٦).

(٦) الكافي ( ٣ : ٩٤ ـ ٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٦٠ ) أبواب الحيض ب (١٦) ح (١).

(٧) التهذيب ( ١ : ٣٨٥ ـ ١١٨٥ ).

٣١٧

______________________________________________________

قيل (١) : ويمكن ترجيح رواية التهذيب بأن الشيخ أعرف بوجوه الحديث وأضبط ، خصوصا مع فتواه بمضمونها في النهاية والمبسوط (٢). وفيهما معاً نظر بيّن يعرفه من يقف على أحوال الشيخ ووجوه فتواه ، نعم يمكن ترجيحها بإفتاء الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في كتابه بمضمونها (٣) ، مع أن عادته فيه نقل متون الأخبار.

ويمكن ترجيح رواية الكليني ـ رحمه‌الله ـ بتقدمه ، وحسن ضبطه كما يعلم من كتابه الذي لا يوجد مثله ، وبأن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ ذكر في الذكرى أنه وجد الرواية في كثير من نسخ التهذيب كما في الكافي ، وظاهر كلام ابن طاوس ـ رحمه‌الله ـ أن نسخ التهذيب القديمة كلها موافقة له أيضا (٤).

وكيف كان : فالأجود اطراح هذه الرواية ـ كما ذكره المصنف في المعتبر (٥) لضعفها ، وإرسالها ، واضطرابها ، ومخالفتها للاعتبار ، لأن القرحة يحتمل كونها في كل من الجانبين ، والأولى الرجوع إلى حكم الأصل واعتبار الأوصاف.

بقي هنا شي‌ء : وهو أنّ الرواية مع تسليم العمل بها إنما تدل على الرجوع إلى الجانب مع اشتباه الدم بالقرحة ، وظاهر كلام المصنف هنا وصريح غيره (٦) يقتضي اعتبار الجانب مطلقا ، وهو غير بعيد ، فإن الجانب إن كان له مدخل في حقيقة الحيض وجب اطّراده ، وإلا فلا.

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٣٦ ).

(٢) النهاية : (٢٤) ، المبسوط ( ١ : ٤٣ ).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٤ ).

(٤) الذكرى : (٢٨).

(٥) المعتبر ( ١ : ١٩٩ ).

(٦) منهم الصدوق في الفقيه ( ١ : ٥٤ ) ، وابن إدريس في السرائر : (٢٨) ، والعلامة في المختلف : (٣٦).

٣١٨

وأقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة ، وكذا أقل الطهر. وهل يشترط التوالي في الثلاثة أم يكفي كونها في جملة عشرة؟ الأظهر الأول.

______________________________________________________

قوله : وأقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة ، وكذا أقل الطهر.

هذه الأحكام عندنا إجماعية ، والنصوص بها مستفيضة ، فروى يعقوب بن يقطين في الصحيح ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « أدنى الحيض ثلاثة ، وأقصاه عشرة » (١).

وروى صفوان بن يحيى في الصحيح أيضا ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أدنى ما يكون من الحيض ، فقال : « أدناه ثلاثة ، وأبعده عشرة » (٢).

وروى محمد بن مسلم في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٣).

قوله : وهل يشترط التوالي في الثلاثة ، أم يكفي كونها في جملة عشرة؟ الأظهر الأول.

اختلف الأصحاب في اشتراط التوالي في الأيام الثلاثة ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الجمل : أقلّه ثلاثة أيام متواليات (٤) ، وهو اختيار المرتضى (٥) وابني بابويه (٦)

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٥٦ ـ ٤٤٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٠ ـ ٤٤٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٢ ) أبواب الحيض ب (١٠) ح (١٠).

(٢) الكافي ( ٣ : ٧٥ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٦ ـ ٤٤٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٠ ـ ٤٤٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥١ ) أبواب الحيض ب (١٠) ح (٢).

(٣) الكافي ( ٣ : ٧٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٩ ـ ٤٥٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٤ ) أبواب الحيض ب (١١) ح (٣).

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٣).

(٥) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٢٠٢ ).

(٦) الفقيه ( ١ : ٥٠ ) ، ونقله عنهما في المعتبر ( ١ : ٢٠٢ ).

٣١٩

______________________________________________________

ـ رحمهم‌الله ـ. وقال في النهاية : إن رأت يوما أو يومين ، ثم رأت قبل انقضاء العشرة ما يتمّ به ثلاثة فهو حيض ، وإن لم تر حتى تمضي عشرة فليس بحيض (١). والمعتمد الأول.

لنا أنّ الصلاة ثابتة في الذمة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها الا مع تيقن السبب ، ولا يقين بثبوته مع انتفاء التوالي. ولنا أيضا أنّ المتبادر من قولهم : أدنى الحيض ثلاثة ، وأقلّه ثلاثة ، كونها متوالية.

احتج الشيخ بما رواه عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ولا يكون أقلّ من ثلاثة أيام ، فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض ، وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى تمّ لها ثلاثة أيام ، فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض ، وإن مرّ بها من يوم رأت عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض إنما كان من علة » (٢) الحديث.

وما رواه في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٣).

__________________

(١) النهاية : (٢٦).

(٢) الكافي ( ٣ : ٧٦ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٥ ) أبواب الحيض ب (١٢) ح (٢).

(٣) الكافي ( ٣ : ٧٧ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥٩ ـ ٤٥٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٤ ) أبواب الحيض ب (١١) ح (٣).

٣٢٠