مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

ويجوز منكوسا ،

______________________________________________________

وعلى هذا فهل يعتبر إدخال الكعبين في المسح ، قيل : نعم (١) ، لما تقدم في المرفقين. وقيل : لا (٢) ، لحديث الأخوين (٣) ، ولما تقدم من عدم وجوب استبطان الشراكين ، وهو خيرة المعتبر (٤) ، ولا بأس به. ومع ذلك فالأولى إيصال المسح الى نفس المفصل ومسحه أيضا.

واعلم أنّ المصنف في المعتبر ، والعلامة في التذكرة ، نقلا إجماع فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام على أنه يكفي في مسح الرجلين مسمّاه ، ولو بإصبع واحدة (٥) ، واستدلا عليه بصحيحة زرارة المتقدمة (٦) ، ولو لا ذلك لأمكن القول بوجوب المسح بالكف كلها ، لصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه‌السلام حيث قال فيها ، فقلت : جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا قال : « لا الا بكفه » (٧) فإنّ المقيّد يحكّم على المطلق ، ومع ذلك فالاحتياط هنا مما لا ينبغي تركه ، لصحة الخبر وصراحته ، وإجمال ما ينافيه.

قوله : ويجوز منكوسا.

هذا هو الأقوى لصحيحة حماد بن عثمان المتقدمة في مسح الرأس (٨) ، وصحيحة أخرى له عنه عليه‌السلام أنه قال : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » (٩) وهو‌

__________________

(١) كما في التحرير ( ١ : ١٠ ).

(٢) كما في الوسيلة : (٥٠).

(٣) المتقدم في ص (٢١٧).

(٤) المعتبر ( ١ : ١٥٢ ).

(٥) المعتبر ( ١ : ١٥٠ ) ، التذكرة ( ١ : ١٨ ).

(٦) في ص (٢١٨).

(٧) المتقدمة في ص (٢١٧).

(٨) في ص (٢١٤).

(٩) التهذيب ( ١ : ٨٣ ـ ٢١٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٨٦ ) أبواب الوضوء ب (٢٠) ح (٢).

٢٢١

وليس بين الرجلين ترتيب ، وإذا قطع بعض موضع المسح مسح على ما بقي ، ولو قطع من الكعب سقط المسح على القدم.

______________________________________________________

نص في الباب.

ونقل عن ظاهر ابن بابويه (١) والمرتضى (٢) وجوب الابتداء من رؤوس الأصابع ، وبه قطع ابن إدريس (٣) جعلا لـ « الى » في الآية الشريفة لانتهاء المسح لا الممسوح ، وهو ضعيف.

قوله : وليس بين الرجلين ترتيب.

هذا هو المشهور بين الأصحاب (٤) ، تمسكا بإطلاق الآية الشريفة. ونقل عن ابن الجنيد (٥) وابني بابويه (٦) وجوب تقديم اليمنى ، للوضوء البياني. وعن آخرين جواز المعية خاصة (٧). والأظهر وجوب الترتيب لا لما ذكروه ، بل لما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه ذكر المسح فقال : « امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن » (٨) والأمر للوجوب.

قوله : وإذا قطع بعض موضع المسح مسح على ما بقي ، ولو قطع من الكعب سقط المسح على القدم.

هذا إذا كان الكعب مقطوعا ، أو قلنا : إن مسحه من باب المقدمة ، وإلا وجب‌

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٢٨ ).

(٢) كما في الانتصار : (٢٧).

(٣) السرائر : (١٧).

(٤) منهم المحقق في المعتبر ( ١ : ١٥٥ ) ، والعلامة في القواعد ( ١ : ١١ ) ، والشهيد الثاني في روض الجنان : (٣٨).

(٥) نقله عنه في المختلف : (٢٥).

(٦) الفقيه ( ١ : ٢٨ ). ونقله عنهما في المختلف : (٢٥).

(٧) منهم المفيد في المقنعة : (٤) ، والعلامة في المختلف : (٢٥).

(٨) الكافي ( ٣ : ٢٩ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٩٤ ) أبواب الوضوء ب (٢٥) ح (١).

٢٢٢

ويجب المسح على بشرة القدم ، ولا يجوز على حائل من خفّ أو غيره ، الا للتقيّة أو الضرورة ،

______________________________________________________

مسحه ، وقد تقدم في الغسل ما يعلم منه هذه الأحكام.

قوله : ويجب المسح على بشرة القدمين ولا يجوز على حائل من خفّ أو غيره ، إلا للتقيّة أو الضرورة.

أجمع علماؤنا على وجوب المسح في الرجلين على بشرة القدم ، وتحريمه على الحائل من خف أو غيره اختيارا ، وأخبارهم ناطقة به تكاد أن تبلغ حد التواتر.

ويستثنى من ذلك الشراك إن أوجبنا المسح إلى المفصل ، قال في التذكرة : وهل ينسحب إلى ما يشبهه كالسير في الخشب إشكال والأقرب العدم (١). وهو جيد ، اقتصارا على موضع النص.

وقد قطع الأصحاب بجواز المسح على الحائل للتقية إذا لم يتأدّ بالغسل (٢) وهو مروي في بعض الأخبار. وروى زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « ثلاث لا أتقي فيهن أحدا » وعدّ منها المسح على الخفين (٣) ، وربما كان الوجه في ذلك أنّ من خلع خفه وغسل رجليه فلا إنكار عليه ، فلهذا أطلق عليه‌السلام عدم التقية فيه.

وهل يشترط في جواز التقية عدم المندوحة؟ قيل : لا ، لإطلاق النص (٤). وقيل : نعم ، لانتفاء الضرر مع وجودها ، فيزول المقتضي. وهو أقرب.

__________________

(١) التذكرة ( ١ : ١٨ ).

(٢) منهم المحقق الحلي في المختصر النافع : (٦) ، والعلامة في المنتهى ( ١ : ٦٦ ) ، والشهيد الأول في الذكرى : (٨٩) ، والشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ٦ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٣٢ ـ ٢ ) ، الفقيه ( ١ : ٣٠ ـ ٩٥ ) ( مرسلا ) ، التهذيب ( ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٦ ـ ٢٣٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٢١ ) أبواب الوضوء ب (٣٨) ح (١).

(٤) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٢٦ ) ، وروض الجنان : (٣٧).

٢٢٣

وإذا زال السبب أعاد الطهارة على قول ، وقيل : لا تجب الا لحدث ، والأول أحوط.

______________________________________________________

وذكر المصنف (١) وجمع من الأصحاب (٢) أنه يجوز المسح على الحائل أيضا مع الضرورة كالبرد وشبهه ، واستدلوا عليه برواية أبي الورد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، حيث قال فيها : « قلت : فهل فيهما ـ يعني المسح على الخفين ـ رخصة؟ فقال : لا ، إلا من عدو تتّقيه ، أو من ثلج تخاف على رجليك » (٣) وأبو الورد مجهول ، والانتقال إلى التيمم والحال هذه محتمل ، لتعذر الوضوء المتحقق بتعذر جزئه ، والمسألة محل تردد.

قوله : وإذا زال السبب أعاد الطهارة على قول ، وقيل : لا تجب إلا لحدث ، والأول أحوط.

الأظهر عدم الوجوب ، لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة على خلاف الأصل فيتوقف على الدليل. والقول بالإعادة للشيخ (٤) وجماعة (٥) ، لأن هذه الطهارة طهارة ضرورية فيتقدر بقدر الضرورة. وهو ضعيف ، لأن تقدير الطهارة بقدر الضرورة إن أريد به عدم جواز الطهارة كذلك بعد زوال الضرورة فحق ، وإن أريد به عدم إباحتها فليس بحق ، فإن ذلك محل النزاع.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ١٥٤ ).

(٢) منهم العلامة في المنتهى ( ١ : ٦٦ ) ، والشهيد الثاني في روض الجنان : (٣٦).

(٣) التهذيب ( ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٦ ـ ٢٣٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٢٢ ) أبواب الوضوء ب (٣٨) ح (٥).

(٤) المبسوط ( ١ : ٢٢ ).

(٥) منهم المحقق الحلي في المعتبر ( ١ : ١٥٤ ) ، والعلامة في التذكرة : ( ١ : ١٨ ) ، وتحرير الأحكام ( ١ : ١٠ ).

٢٢٤

مسائل ثمان :

الأولى : الترتيب واجب في الوضوء : الوجه قبل اليمنى ، واليسرى بعدها ، ومسح الرأس ثالثا ، والرجلين أخيرا. فلو خالف أعاد الوضوء ـ عمدا كان أو نسيانا ـ إن كان قد جف الوضوء ، وإن كان البلل باقيا أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

______________________________________________________

قوله : مسائل ثمان ، الأولى : الترتيب واجب في الوضوء ، الوجه قبل اليمنى ، واليسرى بعدها ، ومسح الرأس ثالثا ، والرجلين أخيرا. فلو خالف أعاد الوضوء ـ عمدا كان أو نسيانا ـ إن كان قد جف الوضوء ، وإن كان البلل باقيا أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

هذا مما لا خلاف فيه بين علمائنا ، والنصوص به مستفيضة ، فروى زرارة في الصحيح قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل ابدأ بالوجه ، ثم باليدين ، ثم امسح الرأس والرجلين ، ولا تقدمنّ شيئا بين يدي شي‌ء تخالف (١) ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فاغسل الوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ، ثم أعد على الرجل ، ابدأ بما بدأ الله عز وجل به » (٢).

وروى منصور بن حازم في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يتوضأ‌

__________________

(١) في « م ، س » : يخالف.

(٢) الكافي ( ٣ : ٣٤ ـ ٥ ) ، الفقيه ( ١ : ٢٨ ـ ٨٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٩٧ ـ ٢٥١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٣ ـ ٢٢٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٣١٥ ) أبواب الوضوء ب (٣٤) ح (١).

٢٢٥

الثانية : الموالاة واجبة ، وهي أن يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه ، وقيل : بل هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

______________________________________________________

فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : « يغسل اليمين ويعيد اليسار » (١) وروى الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك ، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنما نسي شماله فليعد شماله ولا يعيد على ما كان توضّأ ، وقال : اتبع وضوءك بعضه بعضا » (٢).

قوله : الثانية ، الموالاة واجبة ، وهي أن يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه ، وقيل : بل هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

أجمع علماؤنا على وجوب الموالاة في الوضوء ، وإنما اختلفوا في معناها ، فقال الشيخ في الجمل : الموالاة أن توالي بين غسل الأعضاء ولا يؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم (٣). وقريب منه عبارة المرتضى في شرح الرسالة على ما نقله في المعتبر(٤).

ومقتضى كلامهما الجفاف خاصة وهو اختيار أبي الصلاح (٥) وابن‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٩٧ ـ ٢٥٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٣ ـ ٢٢٥ ) ، الوسائل ( ١ : ٣١٧ ) أبواب الوضوء ب (٣٥) ح (٢).

(٢) التهذيب ( ١ : ٩٩ ـ ٢٥٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٤ ـ ٢٢٨ ) ، الوسائل ( ١ : ٣١٨ ) أبواب الوضوء ب (٣٥) ح (٩).

(٣) الجمل والعقود : (١٥٩).

(٤) المعتبر ( ١ : ١٥٧ ).

(٥) الكافي في الفقه : (١٣٣).

٢٢٦

______________________________________________________

البراج (١) ، وابن حمزة (٢) ، والكيدري محمد بن الحسن (٣) ، وابن إدريس (٤) ، والمصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا وفي النافع (٥) ، بل قال في الذكرى : إنّ اعتبار المتابعة منحصر في المفيد ـ رحمه‌الله ـ (٦).

وقال الشيخ في الخلاف : عندنا أنّ الموالاة واجبة ، وهي أن يتابع بين أعضاء الطهارة ولا يفرق بينهما إلا لعذر بانقطاع الماء ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء ، فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء ، وإن بقي في يده نداوة بنى عليه (٧).

وقريب منه كلامه ـ رحمه‌الله ـ في النهاية (٨) ، وليس فيها تصريح بالبطلان مع الإخلال بالمتابعة اختيارا. ويظهر من المبسوط البطلان فإنه قال : الموالاة واجبة في الوضوء ، وهي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار فإن خالف لم يجزه (٩).

وقد ظهر من ذلك أن الأقوال في المسألة ثلاثة وأنها كلها للشيخ ، فما ذكره المحقق‌

__________________

(١) المهذب ( ١ : ٤٥ ).

(٢) الوسيلة : (٥٠).

(٣) نسبة الى جده لأنه أبو الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري صاحب كتاب الإصباح في الفقه وشرح النهج وغير ذلك ، والكيدر : قرية من قرى بيهق. وعدل كاشف اللثام عن ذلك وضبطه بالنون كما في نسخة « ق » ، وهي قرية بنيسابور وقرية قرب قزوين. كذا في الكنى والألقاب ( ٣ : ٦٠ ). ونقله عنه في الذكرى : (٩٢).

(٤) السرائر (١٧).

(٥) المختصر النافع : (٦).

(٦) لم نعثر على هكذا تصريح له ، وإنما نقل عبارات الأصحاب وبيّن المستفاد منها فاستفاد وجوب المتابعة من كلام المفيد فقط من القدماء وقال بعد ذلك. وأما الفاضلان فتبعا الشيخ المفيد في كتبهما ، الذكرى : (٩١).

(٧) الخلاف ( ١ : ١٧ ).

(٨) النهاية : (١٥).

(٩) المبسوط : ( ١ : ٢٣ ).

٢٢٧

______________________________________________________

الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ من إنكار القول الثالث (١) غير جيد. والمعتمد الأول.

لنا : أن إيجاب الموالاة بالمعنى الثاني أعني المتابعة بين الأعضاء يقتضي زيادة تكليف ، والأصل عدمه.

وأما البطلان مع الجفاف فيدل عليه مضافا إلى الإجماع صحيحة معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربما توضّأت ونفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجف وضوئي فقال : « أعده » (٢).

وموثقة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوؤك ، فإن الوضوء لا يتبعض » (٣).

احتج القائلون (٤) بوجوب المتابعة بأنّ الأمر بالغسل والمسح في الآية الشريفة للفور إجماعا ، وبأنه عليه‌السلام تابع في الوضوء البياني ، تفسيرا للأمر الإجمالي فيجب التأسي به ، وبقوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي المتقدمة : « اتبع وضوءك بعضه بعضا » (٥).

والجواب عن الأول : منع الإجماع في موضع النزاع ، فإن القائل بمراعاة الجفاف خاصة لا يقول بثبوت الفورية في الأمر بالغسل والمسح بهذا المعنى.

وعن الثاني : ما عرفته مرارا من عدم ثبوت الوضوء البياني ، وجواز أن يكون المتابعة وقعت فيه اتفاقا لا لأنها واجبة.

__________________

(١) جامع المقاصد ( ١ : ٢٦ ).

(٢) التهذيب ( ١ : ٨٧ ـ ٢٣١ ) ، الاستبصار ( ١ : ٧٢ ـ ٢٢١ ) ، الذكرى : (٩١) ، الوسائل ( ١ : ٣١٤ ) أبواب الوضوء ب (٣٣) ح (٣).

(٣) الكافي ( ٣ : ٣٥ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٩٨ ـ ٢٥٥ ) ، الاستبصار ( ١ : ٧٢ ـ ٢٢٠ ) ، علل الشرائع : ( ٢٨٩ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٣١٤ ) أبواب الوضوء ب (٣٣) ح (٢).

(٤) منهم المفيد في المقنعة : (٥) ، والراوندي في فقه القرآن ( ١ : ٢٩ ) والعلامة في المختلف : (٢٥).

(٥) في ص (٢٢٦).

٢٢٨

______________________________________________________

وعن الثالث : بأن صدر الرواية صريح في أنّ المراد بالاتباع الترتيب.

قال المصنف في المعتبر بعد أن حكم بوجوب المتابعة مع الاختيار ، واحتج عليه بنحو ما ذكرناه : لكن إذا أخلّ بالمتابعة اختيارا لم يبطل الوضوء إلاّ مع جفاف الأعضاء ، لأنه يتحقق الامتثال مع الإخلال بالمتابعة بغسل (١) المغسول ومسح الممسوح فلا يكون قادحا في الصحة (٢). ولقائل أن يقول : لا نسلم تحقق الامتثال بدون المتابعة على تقدير وجوبها ، لأن الامتثال إنما يتحقق إذا أتى بالمأمور به مشتملا على جميع الأمور المعتبرة فيه ، وهو لا يحصل بدون المتابعة. ويمكن دفعه بأن ثبوت الفورية لا ينافي تحقق الامتثال بإيجاد الماهية مع الإخلال بها ، كما في الحج والزكاة وسائر الحقوق المالية الفورية إذا أتى بها على التراخي. وفيه ما فيه.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : صرح ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ على ما نقل عنه باشتراط بقاء البلل على جميع الأعضاء إلى مسح الرجلين (٣). ونقل عن المرتضى (٤) وابن إدريس (٥) اعتبار العضو السابق. وظاهر الباقين أنّ المبطل جفاف الجميع لا جفاف البعض ، وبه صرح في المعتبر (٦) ، وهو الأقوى ، ( لأنه المستفاد من ) (٧) الأخبار الدالة على البطلان بالجفاف.

واحتج عليه في المعتبر أيضا باتفاق الأصحاب على أنّ الناسي للمسح يأخذ من شعر‌

__________________

(١) في المصدر : في غسل.

(٢) المعتبر ( ١ : ١٥٧ ).

(٣) نقله عنه في المختلف : (٢٧).

(٤) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٨٥).

(٥) السرائر : (١٧).

(٦) المعتبر ( ١ : ١٥٧ ).

(٧) بدل ما بين القوسين في « ح » : لأن ذلك هو منطوق.

٢٢٩

______________________________________________________

لحيته وأجفانه إن لم يبق في يده نداوة (١).

ويمكن المناقشة فيه باحتمال اختصاص ذلك بالناسي ، أو أن يكون الجفاف للضرورة غير مبطل.

الثاني : لو والى في وضوئه فاتفق الجفاف أو التجفيف لم يقدح ذلك في صحة الوضوء ، لأن الأخبار الواردة بالبطلان مع الجفاف مفروضة فيما حصل باعتبار التفريق ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « ربما توضأت ونفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجف وضوئي » (٢) وكلام الأصحاب لا ينافي ذلك ، فما ذكره الشهيد رحمه‌الله ـ في الذكرى من أن الأخبار الكثيرة بخلافه (٣) ، غير واضح.

الثالث : لو كان الهواء رطبا بحيث لو اعتدل لجف البلل لم يضر ، لوجود البلل حسا ، وكذا لو أسبغ الوضوء بحيث لو كان معتدلا لجف.

الرابع : لو تعذر بقاء البلل للمسح جاز الاستئناف ، للضرورة ، ونفي الحرج ، وصدق الامتثال ، واختصاص وجوب المسح بالبلل بحالة الإمكان ، ويحتمل الانتقال إلى التيمم ، لتعذر الوضوء.

الخامس : لو نذر المتابعة في الوضوء الواجب أو الندب انعقد نذره قطعا ، لما في ذلك من المسارعة إلى فعل الطاعة ، ومتى أخلّ بها أثم ولزمته الكفارة. والأصح صحة الوضوء ، لأن المنذور هنا أمر خارج عن حقيقته فلا يكون الإخلال به مؤثرا في صحته ، كما لو نذر المكلف القنوت في صلاة الفريضة أو تسبيحا زائدا على القدر الواجب في‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ١٥٧ ).

(٢) المتقدمة في ص (٢٢٨).

(٣) الذكرى : (٩٢).

٢٣٠

الثالثة : الفرض في الغسلات مرة واحدة ، والثانية سنّة ،

______________________________________________________

الركوع والسجود.

وقيل بالبطلان ، لأن المنذور يفسد بالإخلال بشي‌ء من صفاته (١). وهو ضعيف جدا. أما لو كان المنذور هو الوضوء المتتابع اتجه البطلان مع قصد المنذور ، لعدم المطابقة ، ولو نوى غيره أجزأ وكفرّ مع تشخيص الزمان.

قوله : الثالثة ، الفرض في الغسلات مرة واحدة ، والثانية سنّة.

ما اختاره المصنف من أنّ الفرض في غسل الأعضاء المغسولة المرة الواحدة والثانية سنة قول معظم الأصحاب (٢) ، ونقل عليه ابن إدريس الإجماع (٣).

أما الاجتزاء بالمرة فلإطلاق الآية الشريفة ، والأخبار الصحيحة المستفيضة الواردة في صفة وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كصحيحة زرارة بن أعين ، قال : حكى لنا أبو جعفر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بقدح من ماء ، فأدخل يده اليمنى فأخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ، ثم مسح بيده الحاجبين (٤) جميعا ، ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها ، ثمّ أعاد اليمنى في الإناء ثم صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع في اليمنى ، ثم مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه ورجليه (٥).

وصحيحة أبي عبيدة الحذاء ، قال : وضّأت أبا جعفر بجمع وقد بال فناولته ماء‌

__________________

(١) كما في الدروس : (٤).

(٢) منهم السيد المرتضى في جمل العلم والعمل : (٥٠) ، والراوندي في فقه القرآن ( ١ : ٢٤ ) ، والمحقق الحلي في المختصر النافع : (٦).

(٣) السرائر : (١٧).

(٤) في بعض المصادر : الجانبين.

(٥) الكافي ( ٣ : ٢٤ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٥٥ ـ ١٥٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ٥٨ ـ ١٧١ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٧٥ ) أبواب الوضوء ب (١٥) ح (١٠).

٢٣١

______________________________________________________

فاستنجى ، ثم صببت عليه كفّا فغسل به وجهه ، وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر ، ثم مسح بفضلة الندى رأسه ورجليه (١).

وصحيحة حماد بن عثمان ، قال : كنت قاعدا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدعا بماء فملأ به كفّه فعمّ به وجهه ، ثم ملأ كفّه فعمّ به يده اليمنى ، ثم ملأ كفّه فعمّ به يده اليسرى ثم مسح على رأسه ورجليه وقال : « هذا وضوء من لم يحدث حدثا » يعني به التعدي في الوضوء (٢).

وموثقة عبد الكريم : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء فقال : « ما كان وضوء علي عليه‌السلام إلاّ مرة مرة » (٣).

وما رواه ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « والله ما كان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مرة مرة » (٤).

وأما استحباب الثانية فلما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن الوضوء فقال : « مثنى مثنى » (٥) وفي الصحيح عن صفوان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « الوضوء مثنى مثنى » (٦).

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٧٩ ـ ٢٠٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٥٨ ـ ١٧٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٧٥ ) أبواب الوضوء ب (١٥) ح (٨).

(٢) الكافي ( ٣ : ٢٧ ـ ٨ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٠٨ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (٨).

(٣) الكافي ( ٣ : ٢٧ ـ ٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٨٠ ـ ٢٠٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٠ ـ ٢١٢ ) ، السرائر : (٤٧٣) ، الوسائل ( ١ : ٣٠٧ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (٧). بتفاوت يسير.

(٤) الفقيه ( ١ : ٢٥ ـ ٧٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٠٨ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (١٠).

(٥) التهذيب ( ١ : ٨٠ ـ ٢٠٨ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٠ ـ ٢١٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٣١٠ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (٢٨).

(٦) التهذيب ( ١ : ٨٠ ـ ٢٠٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٠ ـ ٢١٤ ) ، الوسائل ( ١ : ٣١٠ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (٢٩).

٢٣٢

______________________________________________________

قال المصنف في المعتبر : ولا يجوز أن يراد بذلك الوجوب ، لما سبق من جواز الاقتصار على المرّة فتعين الاستحباب (١).

وعندي في هذا الجمع نظر ، إذ من المستبعد اقتصار النبي والأئمة عليهم‌السلام على المرّة مع استحباب المرّتين.

ونقل ابن إدريس عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه قال في نوادره : واعلم أن الفضل في واحدة واحدة ومن زاد على اثنين لم يؤجر (٢).

وقال الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافي بعد أن أورد رواية عبد الكريم المتقدمة (٣) : هذا دليل على أنّ الوضوء إنما هو مرة مرة ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله تعالى أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه ، وإن الذي جاء عنهم أنه قال : الوضوء مرتان إنما هو لمن لم يقنعه مرة فاستزاده فقال : مرتان ثم قال : ومن زاد على مرتين لم يؤجر ، وهو أقصى غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء (٤).

وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : الوضوء مرة مرة ، ومن توضأ مرتين مرتين لم يؤجر ، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع (٥).

ومقتضى كلام المشايخ الثلاثة ـ رضوان الله عليهم ـ أفضلية المرّة الواحدة وهو الظاهر من النصوص ، وعلى هذا فيمكن حمل الأخبار المتضمنة للمرتين (٦) على أنّ المراد بها بيان نهاية الجواز ، ويشهد له صحيحة زرارة وبكير المتقدمة ، عن أبي جعفر عليه‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ١٥٩ ).

(٢) السرائر : (٤٧٣).

(٣) في ص (٢٣٢).

(٤) الكافي ( ٣ : ٢٧ ).

(٥) الفقيه ( ١ : ٢٩ ).

(٦) المتقدمة في ص (٢٣٢).

٢٣٣

والثالثة بدعة ،

______________________________________________________

السلام : قالا : قلنا له : أصلحك الله فالغرفة تجزئ للوجه وغرفة للذراع؟ فقال : « نعم إذا بالغت فيها ، والثنتان تأتيان على ذلك كله » (١).

واعلم : أنّ المستفاد من كلام الأصحاب أن المستحب هو الغسل الثاني الواقع بعد إكمال الغسل الواجب ، وأنه لو وقع الغسل الواجب بغرفات متعددة لم يوصف باستحباب ولا تحريم. والأخبار (٢) إنما تدل على مقتضى ما ذكروه من الجمع ، على أنّ المستحب كون الغسل الواجب بغرفتين ، والفرق بين الأمرين ظاهر.

تفريع : من زاد على الواحدة معتقدا وجوبها لم يؤجر ولا يبطل وضوؤه بذلك ، أمّا الثاني فلصدق الامتثال ، وأما الأول فلقوله عليه‌السلام : « من لم يستيقن أنّ واحدة في الوضوء تجزئه لم يؤجر على الثنتين » (٣) وعليه يحمل قوله عليه‌السلام في مرسلة ابن أبي عمير : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لم يؤجر ، والثالثة بدعة » (٤).

قوله : والثالثة بدعة.

المراد بالبدعة : المحرم ، كما نص عليه في المعتبر (٥). ولا ريب في تحريم الغسلة الثالثة ، لأنها ليست مشروعة فيكون فعلها على وجه العبادة تشريعا محرما. وينبغي القطع ببطلان الوضوء إن مسح ببلتها. واستوجه المصنف في المعتبر الجواز ، لأن اليد‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢٥ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٨١ ـ ٢١١ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧١ ـ ٢١٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٧٢ ) أبواب الوضوء ب (١٥) ح (٣).

(٢) الوسائل ( ١ : ٣٠٦ ) أبواب الوضوء ب (٣١).

(٣) التهذيب ( ١ : ٨١ ـ ٢١٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧١ ـ ٢١٨ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٠٧ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (٤).

(٤) التهذيب ( ١ : ٨١ ـ ٢١٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧١ ـ ٢١٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٠٧ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (٣).

(٥) المعتبر ( ١ : ١٥٩ ).

٢٣٤

وليس في المسح تكرار.

الرابعة : يجزي في الغسل ما يسمى به غاسلا ، وإن كان مثل الدهن.

______________________________________________________

لا تنفك من ماء الوضوء الأصلي (١). وهو بعيد. ولو حملت الثالثة على الغرفة الثالثة فالظاهر عدم التحريم ، تمسكا بالإطلاق.

قوله : وليس في المسح تكرار.

هذا مذهب علمائنا أجمع ، والمستند فيه صدق الامتثال بالمرة ، وتوقف التوظيف على ورود الشرع ، ولو كرر مع اعتقاد الشرعية أثم ، ولم يبطل وضوؤه إجماعا ، لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة.

قوله : الرابعة ، يجزي في الغسل ما يسمى به غسلا وإن كان مثل الدهن.

الظاهر أن المرجع في التسمية إلى العرف ، لأنه المحكم في مثل ذلك.

وقيل : إن أقل ما يحصل به المسمى أن يجري جزء من الماء على جزءين من البشرة ولو بمعاون (٢). وفي دلالة العرف على ذلك نظر (٣).

قال الشارح ـ رحمه‌الله ـ : والتشبيه بالدهن مبالغة في الاجتزاء بالجريان القليل على وجه المجاز لا الحقيقة (٤). وقد يقال : إنّه لا مانع من كونه على سبيل الحقيقة ، لوروده في الأخبار المعتمدة كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وإن المؤمن لا ينجسه شي‌ء ، إنما يكفيه مثل الدهن » (٥).

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ١٦٠ ).

(٢) كما في روض الجنان : (٣١).

(٣) ليست في « س » ، « ق ».

(٤) المسالك ( ١ : ٦ ).

(٥) الكافي ( ٣ : ٢١ ـ ٢ ) ، الفقيه ( ١ : ٢٥ ـ ٧٨ ) ، التهذيب ( ١ : ١٣٨ ـ ٣٨٧ ) ، علل الشرائع : ( ٢٧٩ ـ ١ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٤٠ ) أبواب الوضوء ب (٥٢) ح (١).

٢٣٥

ومن في يده خاتم أو سير فعليه إيصال الماء إلى ما تحته ، وإن كان واسعا استحب له تحريكه.

______________________________________________________

ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده ، والماء أوسع من ذلك » (١).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في الوضوء ، قال : « إذا مس جلدك الماء فحسبك » (٢).

وتشهد له أيضا رواية حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « إنّ لله ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه » (٣).

قوله : ومن في يده خاتم أو سير فعليه إيصال الماء إلى ما تحته ، ولو كان واسعا استحب له تحريكه.

أما وجوب إيصال الماء إلى ما تحت الخاتم والسير على وجه يحصل به مسمى الغسل فظاهر ، لعدم تحقق الامتثال بدونه ، ولما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : قال : سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحتهما أم لا ، كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال : « تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه » (٤).

ويعلم من ذلك وجوب إزالة الوسخ الكائن تحت الظفر المانع من وصول الماء إلى ما تحته إذا لم يكن في حد الباطن ، واحتمل في المنتهى عدم وجوب إزالته ، لأنه ساتر‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢٤ ـ ٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٧٤ ) أبواب الوضوء ب (١٥) ح (٧).

(٢) الكافي ( ٣ : ٢٢ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ١ : ١٣٧ ـ ٣٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٢٣ ـ ٤١٧ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٤١ ) أبواب الوضوء ب (٥٢) ح (٣).

(٣) الكافي ( ٣ : ٢٢ ـ ٩ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٤٠ ) أبواب الوضوء ب (٥٢) ح (٢).

(٤) الكافي ( ٣ : ٤٤ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٨٥ ـ ٢٢٢ ) ، قرب الاسناد : (٨٣) ، الوسائل ( ١ : ٣٢٩ ) أبواب الوضوء ب (٤١) ح (١).

٢٣٦

الخامسة : من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر ، فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتى يصل البشرة وجب ، وإلا أجزأه المسح عليها ، سواء كان ما تحتها طاهرا أو نجسا.

______________________________________________________

عادة ، فلو وجب إزالته لبينه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولما لم يبينه دلّ على عدم الوجوب (١). وهو ضعيف.

قال في الذكرى : ولو ثقبت يده وجب إدخال الماء الثقب ، لأنه صار ظاهرا (٢). وهو غير جيد على إطلاقه ، لأن الثقب إذا كان ضيقا لم يعدّ باطنه من الظواهر قطعا.

وأما استحباب التحريك مع السعة ، فاستدل عليه بأنّ فيه استظهارا للعبادة (٣). ولا بأس به.

قوله : الخامسة ، من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر ، فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتى يصل إلى البشرة وجب ، وإلا أجزأه المسح عليها ، سواء كان ما تحتها طاهرا أو نجسا.

الضمير في وجب يعود إلى أحد الأمرين ، والاكتفاء بأحدهما إنما يتم إذا كانت الجبيرة في محل الغسل وكان ما تحتها طاهرا ، أو أمكن إيصال الماء إليه على وجه التطهير ، وإلا تعين النزع مع الإمكان.

واكتفى بالمسح على ظاهرها مع التعذر إن كانت طاهرة ، وإلاّ وضع عليها شيئا طاهرا ومسح عليه ، هذا كله مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وقد ورد بذلك روايات ، منها : ما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه ، أو نحو ذلك في موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضّأ ويمسح‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ٥٩ ).

(٢) الذكرى : (٨٥).

(٣) الذكرى : (٨٥).

٢٣٧

______________________________________________________

عليها إذا توضّأ؟ فقال : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها » قال : وسألته عن الجرح كيف نصنع به في غسله؟ فقال : « اغسل ما حوله » (١).

ولو لا الإجماع المدعى على وجوب المسح على الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب والاكتفاء بغسل ما حولها ، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الكسير يكون عليه الجبائر ، أو يكون به الجراحة ، كيف يصنع بالوضوء وغسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر ، ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ، ولا يعبث بجراحته » (٢).

ورواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال : « يغسل ما حوله » (٣).

وينبغي القطع بالسقوط في غير الجبيرة ، أما فيها فالمسح عليها أحوط.

واعلم : أن في كلام الأصحاب في هذه المسألة إجمالا ، فإنهم صرحوا هنا بإلحاق القرح والجرح بالجبيرة ، سواء كان عليهما خرقة أم لا. ونص جماعة منهم على أنه لا فرق بين أن تكون الجبيرة مختصة بعضو ، أو شاملة للجميع. وفي التيمم جعلوا من أسبابه‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٣٣ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٧ ـ ٢٣٩ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٢٦ ) أبواب الوضوء ب (٣٩) ح (٢).

(٢) التهذيب ( ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٧٧ ـ ٢٣٨ ) ، إلا أن فيه سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، ورواها بهذا النص عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في الكافي ( ٣ : ٣٢ ـ ١ ) ، والوسائل ( ١ : ٣٢٦ ) أبواب الوضوء ب (٣٩) ح (١).

(٣) الكافي ( ٣ : ٣٢ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٢٦ ) أبواب الوضوء ب (٣٩) ح (٣).

٢٣٨

______________________________________________________

الخوف من استعمال الماء بسبب القرح والجرح والشين ، ولم يشترط أكثرهم في ذلك تعذر وضع شي‌ء عليها والمسح عليه.

وأما الأخبار ففي بعضها إن من هذا شأنه يغسل ما حول الجرح وقد تقدم (١) ، وفي كثير منها أنه ينتقل إلى التيمم ، كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن الجنب تكون به القروح ، قال : « لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمّم » (٢).

وصحيحة أخرى له عنه عليه‌السلام : قال : سألته عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : « لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمم » (٣).

وصحيحة داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح ، أو يخاف على نفسه من البرد ، قال : « لا يغتسل ويتيمم » (٤).

ويمكن الجمع بينهما إما بحمل أخبار التيمم على ما إذا تضرر بغسل ما حولها ، أو بالتخيير بين الأمرين.

وكيف كان فينبغي الانتقال إلى التيمم فيما خرج عن مورد النص ، كما في العضو المريض ، وهو خيرة المعتبر (٥) ، تمسكا بعموم قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ـ الى قوله ـ فَتَيَمَّمُوا ) (٦).

__________________

(١) في ص (٢٣٧).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٨٤ ـ ٥٣٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٧ ) أبواب التيمم ب (٥) ح (٥).

(٣) الفقيه ( ١ : ٥٨ ـ ٢١٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٨ ) أبواب التيمم ب (٥) ح (١١) ، بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ( ١ : ١٨٥ ـ ٥٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٩٦٨ ) أبواب التيمم ب (٥) ح (٨).

(٥) المعتبر ( ١ : ٣٦٥ ).

(٦) النساء : (٤٣).

٢٣٩

وإذا زال العذر استأنف الطهارة على تردد فيه.

السادسة : لا يجوز أن يتولّى وضوءه غيره مع الاختيار ، ويجوز عند الاضطرار.

______________________________________________________

قوله : وإذا زال العذر أعاد الطهارة على تردد فيه.

الأظهر عدم وجوب الإعادة.

قوله : السادسة ، لا يجوز أن يتولّى وضوءه غيره مع الاختيار ، ويجوز عند الاضطرار.

أما عدم جواز التولية مع الاختيار ، فقال في المنتهى : إنّه قول علمائنا أجمع (١). وقال المرتضى في الانتصار : إنه مما انفرد به الإمامية (٢). وربما ظهر من كلام ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ الجواز (٣). وهو ضعيف ، لأن الامتثال إنما يتحقق مع المباشرة للقطع بأنّ من وضّأه غيره لا يسمى غاسلا ولا ماسحا على الحقيقة.

وأما جواز التولية مع الاضطرار (٤) فقال في المعتبر : إنه متفق عليه بين الفقهاء ، واحتج عليه بأنه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن ، فيكون واجبا (٥). وفيه نظر.

ويتحقق التولية بمباشرة الغير للغسل أو المسح (٦) ، لا بصب الماء في اليد ليغسل به ، فإن ذلك خارج عن حقيقة العبادة الواجبة.

وتتعلق النية بالمباشر ، لأنه الفاعل للوضوء حقيقة ، ولو نوى المضطر قبول الطهارة وتمكين غيره منها كان أولى.

__________________

(١) المنتهى : ( ١ : ٧٢ ).

(٢) الانتصار : (٢٩).

(٣) نقله عنه في المختلف : (٢٥).

(٤) توجد في « م » : بمعنى وجوبها.

(٥) المعتبر ( ١ : ١٧٥ ).

(٦) في « م » : والمسح.

٢٤٠