مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

والسواك ، والاستنجاء باليمين ، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه ، والكلام إلا بذكر الله تعالى ، أو آية الكرسيّ ، أو حاجة يضرّ فوتها.

______________________________________________________

وتعليقه على الخروج يشعر بمرجوحية الأكل في تلك الحال ، وفي هذا الحديث فوائد تظهر لمن تأملها.

قوله : والسواك.

لما رواه ابن بابويه عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال : « السواك على الخلاء يورث البخر » (١).

قوله : والاستنجاء باليمين.

لما رواه ابن بابويه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من الجفاء الاستنجاء باليمين » (٢) وروي أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه » (٣).

قوله : وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه وتعالى.

لما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، ولا يجامع وهو عليه ، ولا يدخل المخرج وهو عليه » (٤).

وألحق به ما كان عليه اسم أحد الأنبياء أو الأئمة عليهم‌السلام ، وهو حسن.

قوله : والكلام إلا بذكر الله تعالى ، أو آية الكرسيّ ، أو حاجة يضرّ فوتها.

أما كراهة الكلام فيدل عليه ما رواه الشيخ عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن‌

__________________

(١) الفقيه ( ١ : ٣٢ ـ ١١٠ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٣٧ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٢١) ح (١).

(٢) الفقيه ( ١ : ١٩ ـ ٥١ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٢٦ ) أبواب أحكام الخلوة ب (١٢) ح (٤).

(٣) الفقيه ( ١ : ١٩ ـ ٥٥ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٢٦ ) أبواب أحكام الخلوة ب (١٢) ح (٦).

(٤) التهذيب ( ١ : ٣١ ـ ٨٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٤٨ ـ ١٣٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٣٣ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٧) ح (٥).

١٨١

______________________________________________________

الرضا عليه‌السلام قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط ، أو يكلمه حتى يفرغ » (١).

وقال ابن بابويه في كتابه : ولا يجوز الكلام على الخلاء لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، وروي أنّ من تكلم على الخلاء لم تقض حاجته (٢).

واستثني من ذلك الذكر ، لقول الصادق عليه‌السلام في رواية الحلبي : « لا بأس بذكر الله وأنت تبول ، فإنّ ذكر الله حسن على كل حال » (٣) وآية الكرسي لقوله عليه‌السلام في صحيحة عمر بن زيد وقد سأله عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن : « لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد الله تعالى وآية ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) » (٤) ، وحالة الضرورة ، لما في الامتناع من الكلام معها من الضرر المنفي بقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٥).

ويستثنى من ذلك أيضا حكاية الأذان ، لما رواه ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في كتاب علل الشرائع والأحكام ، في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « يا محمد لا تدع ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل ، وقل كما يقول » (٦).

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٧ ـ ٦٩ ) ، الوسائل ( ١ : ٢١٨ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٦) ح (١).

(٢) الفقيه ( ١ : ٢١ ).

(٣) أصول الكافي ( ٢ : ٤٩٧ ـ ٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٢١٩ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٧) ح (٢).

(٤) الفقيه ( ١ : ١٩ ـ ٥٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٥٢ ـ ١٠٤٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٢٠ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٧) ح (٧) بتفاوت يسير.

(٥) الحج : (٧٨).

(٦) علل الشرائع : ( ٢٨٤ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٢١ ) أبواب أحكام الخلوة ب (٨) ح (١).

١٨٢

الثالث : في كيفية الوضوء ، وفروضه خمسة :

______________________________________________________

ومن هنا يظهر أنّ ما ذكره جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان (١) من إبدال الحيعلات (٢) بالحوقلة (٣) ، لكونها ليست ذكرا ، وعدم النص على استحباب حكايته على الخصوص غير جيد. ويجب ردّ السلام ، كما صرح به في المنتهى (٤). واستحب الحمد عند العطاس (٥) ، واستحب التسميت أيضا ، ولعل تركه أولى ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : الثالث ، في كيفية الوضوء ، وفروضه خمسة.

الفروض جمع الفرض ، وهو لغة التقدير ، قال الله تعالى ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٦) أي قدرتم. وعرفا : الواجب والمحتوم ، وخصّ الحنفية الفرض بما ثبت بالدليل القطعي ، والواجب بما ثبت بالظني ، ولا مأخذ له. ولكن لا مشاحة في الاصطلاح.

والمراد بالفروض المنحصرة في الخمسة : الفروض الثابتة بنصّ الكتاب (٧) ، لأن وجوب الترتيب والموالاة ونحوهما إنما يستفاد من السنة.

وجعل المصنف في النافع (٨) الفروض سبعة ، بإضافة الترتيب والموالاة الى هذه‌

__________________

(١) روض الجنان : (٢٤٥).

(٢) الحيعلة : حكاية قولك حيّ على الصلاة حي على الفلاح ( القاموس ٣ : ٣٧٦ ).

(٣) الحوقلة : قال في النهاية ( ١ : ٤٦٤ ) : الحوقلة لفظة مبنية من لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال هكذا ذكره الجوهري بتقديم اللام على القاف وغيره يقول : الحوقلة بتقديم القاف على اللام ، والمراد من هذه الكلمة إظهار الفقر الى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور وهو حقيقة العبودية.

(٤) منتهى المطلب ( ١ : ٤١ ).

(٥) في « ق » زيادة : ولا بأس به.

(٦) البقرة : (٢٣٧).

(٧) المائدة : (٦).

(٨) المختصر النافع : (٥).

١٨٣

الأول : النية ،

______________________________________________________

الخمسة. والظاهر أنه أراد بالفرض مطلق الواجب.

وذكر الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى : أنّ الواجبات المستفادة من نص الكتاب العزيز ثمانية : السبعة المذكورة مع المباشرة بنفسه (١) ، وهو غير جيد كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله : الأول ، النية.

مذهب الأصحاب وجوب النية في جميع الطهارات ، وعزاه في المعتبر إلى الثلاثة وأتباعهم ، ثم قال : ولم أعرف لقدمائنا فيه نصا على التعيين (٢). وحكى الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى عن ظاهر ابن الجنيد الاستحباب (٣).

والأصل في وجوب النية في الطهارة وغيرها من العبادات قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٤) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنما الأعمال بالنيات » (٥) وقول علي بن الحسين عليهما‌السلام في حسنة أبي حمزة الثمالي : « لا عمل إلا بنية » (٦) وقول الرضا عليه‌السلام : « لا قول الا بعمل ، ولا عمل إلا بنية » (٧).

واعلم أن الفرق بين ما تجب فيه النية من الطهارة ونحوها ، وما لا تجب من إزالة‌

__________________

(١) الذكرى : (٧٩).

(٢) المعتبر ( ١ : ١٣٨ ).

(٣) الذكرى : (٨٠).

(٤) البينة : (٥).

(٥) أمالي الطوسي : (٦٢٩) ، التهذيب ( ٤ : ١٨٦ ـ ٥١٩ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٤ ) أبواب مقدمة العبادات ب (٥) ح (١٠).

(٦) أصول الكافي ( ٢ : ٨٤ ـ ١ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٣ ) أبواب مقدمة العبادات ب (٥) ح (١).

(٧) التهذيب ( ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢٠ ) ، الوسائل ( ٧ : ٧ ) أبواب وجوب الصوم ونيته ب (٢) ح (١٣).

١٨٤

وهي إرادة تفعل بالقلب. وكيفيتها أن ينوي الوجوب أو الندب والقربة. وهل يجب نية رفع الحدث ، أو استباحة شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة؟ الأظهر أنه لا يجب.

______________________________________________________

النجاسة وما شابهها ملتبس جدا ، لخلو الأخبار ( من هذا البيان ) (١). وما قيل من أنّ النية إنما تجب في الأفعال دون التروك منقوض بالصوم والإحرام (٢) ، والجواب بأنّ الترك فيهما كالفعل تحكم. ولعل ذلك من أقوى الأدلة (٣) على سهولة الخطب في النية ، وأنّ المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجه ، وهذا القدر أمر لا ينفك عنه أحد من العقلاء ، كما يشهد به الوجدان. ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلّف الله تعالى بالصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية كان تكليفا بما لا يطاق. وهو كلام متين لمن تدبره والله الموفق.

قوله : وهي إرادة تفعل بالقلب.

الإرادة بمنزلة الجنس ، والوصف بمنزلة الفصل يخرج به إرادة الله تعالى.

ويعلم من ذلك أنّ النطق لا تعلق له بالنية أصلا ، فإن القصد الى فعل من الأفعال لا يعقل توقفه على اللفظ بوجه من الوجوه. ولا ريب في عدم استحبابه أيضا ، لأن الوظائف الشرعية موقوفة على الشرع ، ومع فقده فلا توظيف ، بل ربما كان فعله على وجه العبادة إدخالا في الدين ما ليس منه ، فيكون تشريعا محرما.

قوله : وكيفيتها أن ينوي الوجوب أو الندب والقربة ، وهل يجب نية رفع الحدث ، أو استباحة شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة؟ الأظهر أنه لا يجب.

اختلف علماؤنا في كيفية النية في الوضوء على أقوال ، فقيل بالاكتفاء بقصد‌

__________________

(١) ما بين القوسين من « ق » ، « ح ».

(٢) كما في جامع المقاصد ( ١ : ٢١ ).

(٣) في « م » دلالة.

١٨٥

______________________________________________________

الفعل للقربة ، وهو مذهب المفيد في المقنعة (١) والشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية (٢) ، والمصنف في بعض رسائله.

وقيل بضم الوجوب أو الندب ، وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذا الكتاب ، والعلامة ـ رحمه‌الله ـ في جملة من كتبه (٣) ، وجمع من المتأخرين (٤).

وقيل بضم الرفع أو الاستباحة إلى القربة ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٥) ، والمصنف في المعتبر (٦).

وقيل بضم الأمرين ، وهو قول أبي الصلاح (٧) ، وابن البراج (٨) ، وابن حمزة (٩).

والبحث في هذه المسألة يقع في مواضع.

الأول : اشتراط القربة ، وهو موضع وفاق. ومما استدل به عليه قوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ) (١٠) أي وما أمروا ( بما أمروا ) (١١) به في التوراة والإنجيل إلا لأجل أن يعبدوا الله على حالة الإخلاص والميل عن الأديان‌

__________________

(١) المقنعة : (٤٨).

(٢) النهاية : (١٥).

(٣) كما في منتهى المطلب ( ١ : ٥٦ ) ، والتذكرة ( ١ : ١٤ ) ، والتحرير ( ١ : ٩ ).

(٤) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ( ١ : ٧٤ ).

(٥) المبسوط ( ١ : ١٩ ).

(٦) المعتبر ( ١ : ١٣٩ ).

(٧) الكافي في الفقه : (١٣٢).

(٨) المهذب ( ١ : ٤٣ ).

(٩) الوسيلة : (٥١).

(١٠) البينة : (٥).

(١١) ليست في « م ».

١٨٦

______________________________________________________

الباطلة. وفي قوله عزّ وجل ( وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) (١) أي دين الملة القيمة ، دلالة على أنّ الأمر المذكور ثابت في شرعنا.

ولا ريب أنه لا يتحقق الإخلاص بالعبادة إلا مع ملاحظة التقرب بها. والمراد بالقربة إما موافقة إرادة الله تعالى ، أو القرب منه المتحقق بحصول (٢) الرفعة عنده ونيل الثواب لديه ، تشبيها بالقرب المكاني ، وكلاهما محصل للامتثال مخرج عن العهدة.

ويدل على الثانية ظواهر الآيات والأخبار كقوله تعالى ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (٣) وما روي عنهم عليهم‌السلام في الصحيح : أنّ من بلغه ثواب من الله على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه (٤).

ونقل الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهذه الغاية (٥) ، وبه قطع السيد رضي الدين بن طاوس (٦) ـ رحمه‌الله ـ وهو ضعيف.

ولو قصد المكلف بفعله طاعة الله تعالى أو موافقة إرادته من دون ملاحظة القربة كان كافيا قطعا ، بل ربما كان أولى ، وإنما آثر الأصحاب هذه الصيغة مع غموض معناها لتكررها في الكتاب والسنة ، مثل قوله تعالى ( وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ ) (٧) وقوله عليه‌السلام : « أقرب ما يكون العبد الى ربه وهو ساجد » (٨).

__________________

(١) البينة : (٥).

(٢) في « ق » و « م » : لحصول.

(٣) السجدة : (١٦) ، الأنبياء : (٩٠).

(٤) أصول الكافي ( ٢ : ٨٧ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٦٠ ) أبواب مقدمة العبادات ب (١٨) ح (٧).

(٥) القواعد والفوائد ( ١ : ٧٧ ).

(٦) نقله عنه في روض الجنان : (٢٧).

(٧) التوبة : (٩٩).

(٨) الكافي ( ٣ : ٢٦٤ ـ ٣ ) ، الفقيه ( ١ : ١٣٤ ـ ٦٢٨ ) ( مرسلا ) ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ( ٢ : ٦ ـ ١٥ ) ، الوسائل ( ٤ : ٩٧٩ ) أبواب السجود ب (٢٣) ح (٥).

١٨٧

______________________________________________________

الثاني : اشتراط الوجوب أو الندب ، واستدل عليه من اعتبره بوجوب إيقاع الفعل على وجهه (١) ، ولا يتم الا بذلك. وبأن الوضوء لما جاز وقوعه على جهة الوجوب تارة وعلى جهة الندب اخرى اشترط تخصيصه بإحداهما حيث يكون ذلك هو المطلوب.

ويرد على الأول أنه إن أريد بوجوب إيقاع الفعل على وجهه إيقاعه على الوجه المأمور به شرعا فمسلّم ولا يستلزم المدعى ، وإن أريد به إيقاعه مع قصد الوجه (٢) الذي هو الوجوب أو الندب كان مصادرة محضة ، وبالجملة فهذا الاستدلال لا محصل له.

وعلى الثاني أنّ الوضوء الواجب والمندوب لا يمكن اجتماعهما في وقت واحد ليعتبر تمييز أحدهما عن الآخر ، لأن المكلف إذا كان مخاطبا بمشروط بالوضوء فليس له الا نيّة الوجوب وإن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب ، والا فليس له الا نية الندب كما ذكره المتأخرون (٣) ، وإن لم يقم على ذلك دليل عندنا. سلّمنا الاجتماع لكن امتثال الأوامر الواردة بالوضوء من الكتاب والسنة يحصل بمجرد إيجاد الفعل طاعة لله تعالى فيجب حصول البراءة به.

والأظهر عدم الاشتراط كما اختاره المصنف في بعض تحقيقاته ، فإنّه قال : الذي ظهر لي أنّ نية الوجوب والندب ليست شرطا في صحة الطهارة ، وإنما يفتقر الوضوء إلى نية القربة ، وهو اختيار الشيخ أبي جعفر الطوسي ـ رحمه‌الله ـ في النهاية ، وأنّ الإخلال بنية الوجوب ليس مؤثرا في بطلانه ، ولا إضافتها مضرّة ، ولو كانت غير مطابقة لحال الوضوء في وجوبه وندبه.

وما يقول المتكلمون من أنّ الإرادة تؤثّر في حسن الفعل وقبحه ، فإذا نوى الوجوب‌

__________________

(١) كما في التذكرة ( ١ : ١٤ ).

(٢) في « ق » وجهه.

(٣) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية ( ١ : ٧١ ).

١٨٨

______________________________________________________

والوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه كلام شعري ، ولو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيّته ، ولم تكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب به (١). هذا كلامه أعلى الله مقامه ، وهو في غاية الجودة.

الثالث : اشتراط نيّة الرفع أو الاستباحة ، واحتج عليه المشترط بقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (٢) الآية فإنّ المفهوم منه كون هذه (٣) الأفعال لأجل الصلاة ، كما أنّ المفهوم من قولهم : إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك ، وإذا لقيت الأسد فخذ سلاحك. كون الأخذ لأجل لقاء الأمير والأسد.

ويرد عليه أنّ كون هذه الأفعال لأجل الصلاة لا يقتضي وجوب إحضار النيّة عند فعلها كما في المثالين المذكورين ، وكما في قولك أعط الحاجب درهما ليأذن لك ، فإنه يكفي إعطاؤه في التوسل الى الإذن ، ولا يشترط إحضار النية وقت العطية قطعا.

وأورد عليه أيضا أنه إن تمّ فإنما يدل على وجوب قصد الاستباحة خاصة ، والمدعى وجوب أحدهما لا على التعيين ، وهو لا يدل عليه.

وأجيب بأنّ وجوب الاستباحة لكونها أحد الأمرين الواجبين لا يخرجه عن الوجوب ، فإن الواجب المخير واجب (٤).

وضعف هذا الجواب ظاهر. ولقد أحسن السيد السعيد جمال الدين بن طاوس ـ رحمه‌الله ـ في البشرى حيث قال : لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي القصد الى رفع الحدث واستباحة الصلاة ، لكن علمنا يقينا أنه لا بد من نية القربة ، ولو لا ذلك‌

__________________

(١) كما في المعتبر ( ١ : ١٣٩ ).

(٢) المائدة : (٦).

(٣) في « م » « س » « ق » ذلك.

(٤) كما في المختلف : (٢٠).

١٨٩

ولا تعتبر النية في طهارة الثياب ، ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث. ولو ضمّ إلى نيّة التقرب إرادة التبرّد ، أو غير ذلك كانت طهارته مجزية.

______________________________________________________

لكان هذا من باب اسكتوا عما سكت الله تعالى عنه (١).

واعلم أنّ المفهوم من معنى الحدث هنا : الحالة التي لا يباح معها الدخول في الصلاة ونحوها مما يتوقف على الطهارة ، فمتى زالت تلك الحالة فقد حصلت الإباحة والرفع ، فيكونان بمعنى واحد.

وذكر جمع من المتأخرين (٢) أن المراد بالرفع إزالة المانع ، وبالاستباحة إزالة المنع ، وأنّ الثاني منفك عن الأول ، لتحقق الاستباحة في دائم الحدث والمتيمم (٣) مع عدم حصول الرفع لهما ، وهو غير جيد وسيجي‌ء تمام تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى.

قوله : ولا تعتبر النية في طهارة الثياب ، ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث.

هذا مذهب العلماء كافة عدا ابن شريح من العامة ، حكاه في المنتهى (٤). والوجه فيه صدق الامتثال بمجرد إيجاد الماهية ، وأصالة البراءة من وجوب النية ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ولو ضمّ إلى نيّة التقرب إرادة التبرّد أو غير ذلك كانت طهارته مجزية.

هذا الإطلاق مشكل ، والتفصيل أن الضميمة إما أن تكون منافية للقربة كالرياء‌

__________________

(١) نقله في روض الجنان : (٢٨).

(٢) منهم العلامة في المنتهى ( ١ : ٥٦ ) ، والمختلف ( ١ : ٤٠ ) ، وولده في الإيضاح ( ١ : ٣٥ ) ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ( ١ : ٢٢ ).

(٣) في « س » والتيمم.

(٤) منتهى المطلب ( ١ : ٥٥ ).

١٩٠

ووقت النيّة عند غسل الكفين ، وتتضيّق عند غسل الوجه ،

______________________________________________________

أو لازمة للفعل كالتبرد والتثخن (١).

والضميمة الأولى مبطلة للعبادة عند أكثر علمائنا ، لأنها منافية للإخلاص ، ويحكى عن المرتضى رضي‌الله‌عنه أنّ عبادة الرياء تسقط الطلب عن المكلف ولا يستحق بها ثوابا (٢) ، وهو بعيد جدا.

وفي الثانية قولان (٣) : أشهرهما الصحة ، لعدم منافاة الضميمة لنية القربة فكان كنيّة الغازي القربة والغنيمة ، ولأن اللازم واجب الحصول فلا تزيد نيته على عدمها. وأحوطهما العدم ، لعدم تحقق معنى الإخلاص المعتبر في العبادة.

واحتمل الشهيد ـ رحمه‌الله ـ الصحة إن كان الباعث هو القربة ثم طرأت النية الأخرى ، والبطلان إن كان الباعث هو مجموع الأمرين ، لعدم الأولوية حينئذ (٤).

هذا كله إذا لم تكن الضميمة راجحة ، والا فالمتجه الصحة مطلقا. ومن هذا الباب قصد الإمام بإظهار تكبيرة الإحرام إعلام القوم ، وضم الصائم إلى نية الصوم قصد الحمية ، وقصد مظهر إخراج الزكاة اقتداء غيره به ، ونحو ذلك.

قوله : ووقت النيّة عند غسل اليدين ، وتتضيّق عند غسل الوجه.

المراد بغسل اليدين : الغسل المستحب للوضوء ، أو الواجب له كما صرح به جماعة من الأصحاب (٥) ، فيخرج من ذلك الواجب والمستحب لغيره والمكروه والمباح. وهذا‌

__________________

(١) التثخّن : استثخن الرجل ثقل من نوم أو إعياء ( لسان العرب ١٣ : ٧٧ ).

(٢) الانتصار : (١٧).

(٣) اختار القول بالصحة المحقق في المعتبر ( ١ : ١٤٠ ) ، والقول بالبطلان الأردبيلي في مجمع الفائدة ( ١ : ٩٩ ).

(٤) كما في القواعد والفوائد ( ١ : ٨٠ ) ، الذكرى : (٨١).

(٥) منهم ابن إدريس في السرائر : (١٧) ، والمحقق في المعتبر ( ١ : ١٤٠ ) ، والعلامة في القواعد ( ١ : ٢٢ ) ، والشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ٥ ).

١٩١

ويجب استدامة حكمها إلى الفراغ.

______________________________________________________

الحكم أعني جواز تقديم النية في هذه الحالة ذكره الشيخ (١) وأكثر الأصحاب (٢) ، ونقل عن السيد السعيد جمال الدين بن طاوس في البشرى التوقف في ذلك (٣) ، وهو في محله ، فإن غسل اليدين خارج عن حقيقة الوضوء وإن استحب فعله قبله كالسواك والتسمية.

والأولى تأخير النية إلى غسل الوجه وإفراد المستحبات المتقدمة عليه بالنية. وأما المستحبات الواقعة في الأثناء فلا يجب التعرّض لها حال النية في جميع العبادات (٤) لجواز تركها ، بل يكفي قصد القربة بها حال فعلها ، والله تعالى أعلم.

قوله : ويجب استدامة حكمها الى الفراغ.

بأن لا ينوي ما ينافي النية الأولى ، ومتى أخلّ بالاستدامة بطل الفعل الواقع بعده قبل استدراك النية ( فإن عاد إلى النية الأولى قبل الإتيان بشي‌ء من أفعال الوضوء أو بعده قبل فوات الموالاة صح الوضوء ، لوقوعه بأسره في حال النية ، وعدم ثبوت تأثير مثل ذلك فيه ) (٥).

وربما بني الحكم بالصحة هنا على جواز تفريق النية على الأعضاء ، وفي البناء نظر ، وإن كان الأظهر جواز التفريق أيضا ( لكن تحققه مشكل ) (٦).

واعلم أنّ شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى فسّر الاستدامة بأمر وجودي ، وهو البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها. قال : وفسّر كثير من الأصحاب الاستمرار على‌

__________________

(١) كما في المبسوط ( ١ : ١٩ ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٥٨).

(٢) منهم المحقق في المعتبر ( ١ : ١٤٠ ) ، والشهيد في الذكرى : (٨٣).

(٣) نقله عنه في التنقيح الرائع ( ١ : ٧٧ ).

(٤) المقصود به : هو عدم وجوب إفراد كل مستحب بنية على حياله.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س » : فإن استدركها قبل فوات الموالاة وإكمال الوضوء صح ، لوقوعه بأسره في حال النية وحالة عدم منافاة ذلك للصحة.

(٦) في « ح » لكن في تحققه بحث.

١٩٢

تفريع :

إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء كفى وضوء واحد بنيّة التقرّب. ولا يفتقر إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه.

______________________________________________________

النية بما قاله في المبسوط ، وهو أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها. وكأنه بناء منهم على أنّ الباقي مستغن عن المؤثر (١) ، وفيه نظر من وجوه :

الأول : أن ما فسر به الاستدامة الحكمية هو بعينه ( معنى ) (٢) الاستدامة الفعلية التي نفاها أولا ، بل نفس النية ، إذ هي عبارة عن العزم على الوجه المخصوص كما تقدم.

الثاني : إن ذلك مقتض لبطلان عبادة الذاهل عن العزم المذكور في أثناء العبادة ، وهو باطل قطعا.

الثالث : إنّ ما ذكره من البناء غير مستقيم ، فإنّ أسباب الشرع علامات ومعرفات لا علل حقيقية ، فيمكن القول بعدم استغناء الباقي عن المؤثر مع عدم اشتراط الاستدامة مطلقا ، فضلا عن الاكتفاء بالحكمية.

وبالجملة فتطبيق المسائل الشرعية على القواعد الحكمية لا يخلو من تعسّف.

قوله : تفريع ، إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء كفى وضوء واحد بنيّة التقرب ، ولا يفتقر إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه.

هذا مذهب العلماء كافة ، والوجه فيه صدق الامتثال وأصالة البراءة من وجوب تعيين الحدث. ثم إن قلنا بالاكتفاء بالقربة وحدها أو مع الوجه فالأمر واضح ، وإن قلنا باشتراط القصد الى رفع الحدث فالواجب أن يقصد رفعه من حيث هو.

__________________

(١) الذكرى : (٨١).

(٢) ليست في « م ».

١٩٣

وكذا لو كان عليه أغسال ، وقيل : إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره ، ولو نوى غيره لم يجز عنه ، وليس بشي‌ء.

______________________________________________________

ولو نوى رفع حدث معين فقد قطع أكثر الأصحاب بارتفاع الجميع ، لوجوب حصول المنوي ، وهو لا يحصل الا برفع الجميع. وفيه إشكال ، لاتحاد معنى الحدث وعدم القصد الى رفعه. ويقوى الإشكال مع قصد النفي عن غير المنوي ، ويتوجه البطلان هنا للتناقض. ويمكن أن يقال بالصحة وإن وقع الخطأ في النية لصدق الامتثال بذلك ، وهو حسن (١).

قوله : وكذا لو كان عليه أغسال ، وقيل : إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره ، ولو نوى غيره لم يجز عنه ، وليس بشي‌ء.

إذا اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا فإما أن يكون كلها واجبة ، أو مستحبة ، أو يجتمع الأمران.

الأول : أن يكون كلها واجبة ، والأظهر التداخل مع الاقتصار على نية القربة كما ذكره المصنف ، وكذا مع ضم الرفع أو الاستباحة مطلقا. ولو عيّن أحد الأحداث فإن كان المعين هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غيره ، بل قيل : إنه متفق عليه (٢) ، وإن كان غيره ففيه قولان : أظهرهما أنه كالأول ، والفرق بينهما بالقوة والضعف ضعيف جدا. نعم قد يتوجه إلى صورتي التعيين الإشكال المتقدم في تعيين الحدث الأصغر.

ويدل على التداخل مضافا الى صدق الامتثال بالفعل الواحد ما رواه الكليني ـ رضوان الله عليه ـ في الحسن عن زرارة ، قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة ، والجمعة ، وعرفة ، والنحر ، والحلق ، والذبح ، والزيارة ، وإذا‌

__________________

(١) ليست في « م » و « س ».

(٢) كما في السرائر : (٢٣) ، والخلاف ( ١ : ٦٧ ).

١٩٤

______________________________________________________

اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد قال ، ثم قال : وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حيضها أو عيدها » (١).

وهذه الرواية وإن كانت مضمرة في الكافي إلا أنّ إسنادها في التهذيب (٢) ، وظهور أنّ هذا الراوي لا يروي عن غير الإمام عليه‌السلام يجعلها في قوة المسندة ، على أنّ ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ أورد في آخر سرائره جملة من الأحاديث المنتزعة من كتب المشيخة المتقدمين ، فنقل هذه الرواية من كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ـ رحمه‌الله ـ ، فقال نقلا من الكتاب المذكور : وقال زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة. ونقل الحديث الى آخره كما في الكافي ثم قال بعد ما نقل ما أراده من الأحاديث المنتزعة من ذلك الكتاب : تمّت الأحاديث المنتزعة من كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ـ رحمه‌الله ـ وكتاب حريز أصل معتمد معمول عليه (٣). وعلى هذا فتكون الرواية صحيحة السند متصلة بالإمام عليه‌السلام وهي نص في المطلوب.

ويشهد لهذا القول أيضا مرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم » (٤).

وصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ميت مات وهو جنب كيف يغسل؟ وما يجزئه من الماء؟ قال : « يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة ولغسل‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٤١ ـ ١ ) بتفاوت يسير ، الوسائل ( ١ : ٥٢٥ ) أبواب الجنابة ب (٤٣) ح (١).

(٢) التهذيب ( ١ : ١٠٧ ـ ٢٧٩ ).

(٣) السرائر : (٤٨٠).

(٤) الكافي ( ٣ : ٤١ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ١ : ٥٢٦ ) أبواب الجنابة ب (٤٣) ح (٢).

١٩٥

______________________________________________________

الميت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة » (١). والتعليل يقتضي العموم.

وروى زرارة أيضا في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد » (٢) ونحوه روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

الثاني : أن تكون كلها مستحبة ، والأظهر التداخل مطلقا مع تعيين الأسباب أو الاقتصار على القربة ، لفحوى الأخبار السابقة ، وصدق الامتثال. ومع تعيين البعض يتوجه الإشكال السابق ، وإن كان القول بالإجزاء غير بعيد أيضا.

الثالث : أن يكون بعضها واجبا وبعضها مستحبا ، والأجود التداخل لما تقدم (٤).

ومعنى تداخل الواجب والمستحب : تأدي المستحب بفعل الواجب (٥) كما تتأدى صلاة التحية بقضاء الفريضة ، وصوم الأيام المسنون صومها بقضاء الواجب ونحو ذلك (٦).

وعلى هذا فلا يرد أنّ ذلك ممتنع لتضاد وجهي الوجوب والندب ( إذ الواقع هو الغسل الواجب خاصة ، لكن الوظيفة المسنونة تأدت به ، لصدق الامتثال ولما تلوناه من الأخبار‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٥٤ ـ ١ ) ( باختلاف يسير ) ، التهذيب ( ١ : ٤٣٢ ـ ١٣٨٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩٤ ـ ٦٨٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٢١ ) أبواب غسل الميت ب (٣١) ح (١).

(٢) التهذيب ( ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٢٥ ) « عن أبي جعفر عليه‌السلام » الاستبصار ( ١ : ١٤٦ ـ ٥٠٢ ) السرائر : (٤٨٥) ، الوسائل ( ١ : ٥٢٦ ) أبواب الجنابة ب (٤٣) ح (٤).

(٣) الكافي ( ٣ : ٨٣ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٢٣ ) ، الوسائل ( ١ : ٥٢٧ ) أبواب الجنابة ب (٤٣) ح (٩).

(٤) في « م » « ق » : والأجود : الاجتزاء بالغسل الواحد أيضا.

(٥) في « م » « ق » « ح » : تأدي إحدى الفريضتين بفعل الأخرى.

(٦) في « م » « ق » « ح » زيادة : لظهور تعلق الغرض بمجرد إيجاد الماهية على أي وجه اتفق ، وأسقطناها لأنها لا محل لها.

١٩٦

الفرض الثاني : غسل الوجه ، وهو ما بين منابت الشعر في مقدّم الرأس إلى طرف الذقن طولا ، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا. وما خرج عن ذلك فليس من الوجه.

______________________________________________________

هذا مع نية الجمع بالمعنى الذي ذكرناه اما بدونها ) (١) ففي إجزاء كل من الواجب والندب عن الآخر وجهان.

ويشهد للإجزاء مضافا الى صدق الامتثال ما رواه الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في كتابه من لا يحضره الفقيه ، في أبواب الصوم : « إنّ من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه الا أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنه يقضي صلاته وصومه الى ذلك اليوم ، ولا يقضي ما بعد ذلك » (٢) وقد ذكر ـ رحمه‌الله ـ في أول الكتاب أنه إنما يورد فيه ما يفتي به ويحكم بصحته ويعتقد أنه حجة فيما بينه وبين ربه عز وجل (٣).

قوله : الفرض الثاني ، غسل الوجه ، وهو ما بين منابت الشعر في مقدّم الرأس إلى طرف الذقن طولا ، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا ، وما خرج عن ذلك فليس من الوجه.

هذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال له : أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله عزّ وجل ، فقال : « الوجه الذي قال الله وأمر الله عز وجل بغسله ، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر ، وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » ، « ق » : ولو لم يلحظ التداخل في النية.

(٢) الفقيه ( ٢ : ٧٤ ـ ٣٢١ ) ، الوسائل ( ٧ : ١٧٠ ) أبواب من يصح منه الصوم ب (٣٠) ح (٢).

(٣) الفقيه ( ١ : ٣ ) المقدمة.

١٩٧

______________________________________________________

مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه » قلت : الصدغ من الوجه؟ قال : « لا » (١) وهي نص في المطلوب.

وربما ظهر من عدم وجوب غسل الصدغ عدم وجوب غسل العذار أيضا ، وهو الشعر النابت على العظم الناتئ الذي يتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض ، مع أنّ الإبهام والوسطى لا يصلان اليه غالبا. وصرح العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى بعدم استحباب غسله أيضا (٢) ، بل قال في التحرير : إنه يحرم إذا اعتقده (٣). وقيل بالوجوب (٤) ، واختاره المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ في حواشي الكتاب ، واستحسنه الشارح ـ رحمه‌الله ـ (٥) ، وهو ضعيف. ومنه يعلم عدم وجوب غسل البياض الذي بين العذار والأذن بطريق أولى.

وأما العارض وهو الشعر المنحط عن القدر المحاذي للأذن ، فقد قطع الشهيدان ـ رحمهما الله ـ بوجوب غسله (٦) ، وظاهر الشارح دعوى الإجماع عليه ، مع أنّ العلامة جزم في المنتهى بعدم وجوب غسله من غير نقل خلاف (٧).

وقد يستدل على الوجوب ببلوغ الإبهام والوسطى لهما ، فيكونان داخلين في تحديد الوجه. وضعفه ظاهر ، فإنّ ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة ، والا‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢٧ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ٢٨ ـ ٨٨ ) ( بزيادة ) التهذيب ( ١ : ٥٤ ـ ١٥٤ ) ( باختلاف في السند ) ، الوسائل ( ١ : ٢٨٣ ) أبواب الوضوء ب (١٧) ح (١).

(٢) منتهى المطلب ( ١ : ٥٧ ).

(٣) تحرير الأحكام ( ١ : ١٠ ).

(٤) كما في الروضة البهية ( ١ : ٧٤ ).

(٥) كما في المسالك ( ١ : ٥ ).

(٦) الأول في الذكرى : (٨٣) ، والدروس : (٤). والثاني في المسالك ( ١ : ٥ ).

(٧) منتهى المطلب ( ١ : ٥٧ ).

١٩٨

ولا عبرة بالأنزع ، ولا بالأغمّ ، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه ، بل يرجع كلّ منهم إلى مستوي الخلقة ، فيغسل ما يغسله. ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن ، ولو غسل منكوسا لم يجزه على الأظهر.

______________________________________________________

لوجب غسل كل ما نالته الإبهام والوسطى وإن تجاوز العارض ، وهو باطل إجماعا.

ويستفاد من تحديد الوجه من أعلاه بمنابت شعر الرأس وجوب غسل مواضع التحذيف بالذال المعجمة ، وهي التي ينبت عليها الشعر الخفيف بين الصدغ بالضم والنزعة محركة ، سميت بذلك لكثرة حذف النساء والمترفين الشعر منها.

أما النزعتان وهما البياضان المحيطان بالناصية فلا يجب غسلهما ، كما لا يجب غسل الناصية.

قوله : ولا عبرة بالأنزع ، ولا بالأغمّ ، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه.

الوجه في ذلك ظاهر فإن الواجب غسل الوجه دون ما زاد عليه أو نقص عنه ، والتحديد مبني على الغالب. والمراد بالأنزع : من انحسر الشعر عن بعض رأسه ، ويقابله الأغم : وهو الذي نبت الشعر على بعض جبهته. وربما كان في هذه العبارة إشعار بوجوب غسل العذار ، وقد عرفت ما فيه.

قوله : ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن ، ولو غسل منكوسا لم يجزئه على الأظهر.

هذا هو المشهور بين الأصحاب. واحتج عليه في المنتهى بصحيحة زرارة ، قال : حكى لنا أبو جعفر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا بقدح من ماء‌

١٩٩

______________________________________________________

فأدخل يده اليمنى فأخذ كفا من ماء فأسدله على وجهه من أعلى الوجه (١). قال : وفعله إذا كان بيانا للمجمل وجب اتباعه فيه ، وأيضا نقل عنه عليه‌السلام حين أكمل وضوءه أنه قال : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » (٢) وأيضا لا شك أنه ـ عليه‌السلام ـ توضأ بيانا ، فإن كان قد ابتدأ بأسفل الوجه لزم وجوبه ولا قائل به ، ويكون قد فعل المكروه ، فإنّ القائل بجواز النكس وافق على الكراهة ، وهو منزه عنه. وإن كان قد غسل من أعلاه وجب اتباعه (٣).

وفي هذا الاستدلال نظر ، إذ من الجائز أن يكون ابتداؤه عليه‌السلام بالأعلى لكونه أحد جزئيات مطلق الغسل المأمور به ، لا لوجوبه بخصوصه ، فإنّ امتثال الأمر الكلي إنما يتحقق بفعل جزئي من جزئياته. وقوله : إنّ فعله إذا وقع بيانا للمجمل يجب اتباعه فيه. مسلم الا انه لا إجمال في غسل الوجه حتى يحتاج الى البيان ، مع أن أكثر الأخبار الواردة في وصف وضوئه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ خالية من ذلك (٤) ، وأما النقل الذي ذكره فمرسل.

ومن ذلك يعلم الجواب عن الثاني أيضا ، مع إمكان التزام جواز كون البدأة في وضوئه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقعت بالأسفل وإن كان مكروها ، لبيان الجواز ، وإنما (٥) لم يتعين للنص والإجماع على جواز البدأة بالأعلى.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٢٤ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٥٥ ـ ١٥٧ ) ( بتفاوت في السند ) ، الإستبصار ( ١ : ٥٨ ـ ١٧١ ) ، الوسائل ( ١ : ٢٧٤ ) أبواب الوضوء ب (١٥) ح (٦).

(٢) الفقيه ( ١ : ٢٥ ـ ٧٦ ) ، الوسائل ( ١ : ٣٠٨ ) أبواب الوضوء ب (٣١) ح (١١).

(٣) منتهى المطلب ( ١ : ٥٨ ).

(٤) الوسائل ( ١ : ٢٧١ ) أبواب الوضوء ب (١٥).

(٥) في « م » وإلا.

٢٠٠