مدارك الأحكام - ج ١

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

______________________________________________________

احتج السيد المرتضى (١) ـ رحمه‌الله ـ على ما نقل عنه بأنا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدّى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلاّ بإيراد كر من الماء عليه ، والتالي باطل بالمشقة المنتفية بالأصل فالمقدم مثله. وبيان الشرطية : أنّ الملاقي للثوب ماء قليل فلو نجس حال الملاقاة لم يطهر الثوب ، لأن النجس لا يطهر غيره.

وأجاب عنه في المختلف بالمنع من الملازمة ، قال : فإنا نحكم بتطهير الثوب ، والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل (٢).

وضعفه ظاهر ، لأن ذلك يقتضي انفكاك المعلول عن العلة التامة ووجوده بدونها ، وهو معلوم البطلان. نعم يمكن أن يقال : إنه لا منافاة بين الحكم بطهارة الثوب المغسول وما يتصل به من البلل ، ونجاسة المنفصل خاصة إذا اقتضته الأدلة ، لكن يبقى الكلام في إثبات ذلك.

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف على نجاسة الغسلة الأولى بأنه ماء قليل لاقى نجاسة فوجب الحكم بنجاسته. وعلى طهارة الثانية بالأصل ، وانتفاء الدليل على النجاسة ، وبالروايات المتضمنة لطهارة ماء الاستنجاء (٣). وعلى طهارة غسالة الإناء مطلقا بأن الحكم بنجاستها يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه ، وبأنه لو كان المنفصل نجسا لما طهر الإناء ، لأنه كان يلزم نجاسة البلّة الباقية بعد المنفصل ثم ينجس الماء الثاني بنجاسة البلة وكذا ما بعده (٤).

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٧٩).

(٢) المختلف : (١٣).

(٣) الوسائل ( ١ : ١٦٠ ) أبواب الماء المضاف ب (١٣).

(٤) الخلاف ( ١ : ٥٠ ).

١٢١

______________________________________________________

ولا يخفى ما في هذه الأدلة من التدافع. والأجود الاستدلال على الطهارة بالأصل السالم عما يصلح للمعارضة ، فإن الروايات المتضمنة لنجاسة القليل بالملاقاة لا تتناول ذلك صريحا ولا ظاهرا ، وتخرج الروايات الدالة على طهارة ماء الاستنجاء شاهدا.

ويظهر من الشهيد في الذكرى الميل إلى ذلك ، فإنه اعترف بأنه لا دليل على النجاسة سوى الاحتياط (١). ويرد عليه : أن الاحتياط ليس بدليل شرعي إلاّ أن المصير إليه أولى.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : ذكر جماعة من الأصحاب أنّ من قال بطهارة الغسالة اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة (٢). وهو الذي صرح به المرتضى في جواب المسائل الناصرية (٣) ولا بأس به ، لأن أقصى ما يستفاد من الروايات انفعال القليل بورود النجاسة عليه (٤) فيكون غيره باقيا على حكم الأصل.

وربما ظهر من كلام الشهيد في الذكرى (٥) عدم اعتبار ذلك ، فإنه مال إلى الطهارة مطلقا ، واستوجه عدم اعتبار الورود في التطهير. وهو مشكل ، لنجاسة الماء بورود النجاسة عليه عنده. اللهم إلاّ أن نقول : إن الروايات إنما تضمنت المنع من استعمال القليل بعد ورود النجاسة عليه وذلك لا ينافي الحكم بطهارة المحل المغسول فيه ، لصدق الغسل مع الورود وعدمه. وسيجي‌ء تمام الكلام في هذه المسألة إن شاء الله تعالى.

الثاني : اختلف القائلون بعدم نجاسة الغسالة في أن ذلك هل هو على سبيل العفو‌

__________________

(١) الذكرى : (٩).

(٢) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : (١٥٩).

(٣) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٧٩).

(٤) الوسائل ( ١ : ١١٢ ) أبواب الماء المطلق ب (٨).

(٥) الذكرى : (٩).

١٢٢

عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج.

______________________________________________________

بمعنى الطهارة دون الطهورية؟ أو تكون باقية على ما كانت عليه من الطهورية؟ أو يكون حكمها حكم رافع الحدث الأكبر؟ فقال بكل قائل. وقال في المعتبر : إنّ ما يزال به النجاسة لا يرفع به الحدث إجماعا (١).

الثالث : حكى شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في بعض ما ينسب إليه قولا لبعض أصحابنا بنجاسة الغسالة مطلقا وإن زاد الغسل على العدد الواجب (٢). وهو باطل ، لمخالفته لأصول المذهب بل لا نعرف القائل به ، وربما نسب إلى المصنف والعلامة (٣) وهو خطأ ، فإن المسألة في كلامهما مفروضة فيما يزال به النجاسة وهو لا يصدق على الماء المنفصل بعد الحكم بالطهارة.

قوله : عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج.

استثنى الأصحاب من غسالة النجاسة ماء الاستنجاء من الحدثين فحكموا بعدم نجاسته. لما في إيجاب التفصي منه من الحرج والعسر المنفيين بالآية والرواية ، ولصحيحة عبد الملك بن عتبة الهاشمي : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه؟ قال : « لا » (٤).

وصحيحة محمد بن النعمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال ، قلت له : استنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب ، قال : « لا بأس به » (٥).

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٩٠ ).

(٢) الدروس : (١٦).

(٣) نسبه إليهما الشهيد في الذكرى : (٩).

(٤) التهذيب ( ١ : ٨٦ ـ ٢٢٨ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦١ ) أبواب الماء المضاف ب (١٣) ح (٥) ، إلاّ أنّ الرواية فيهما عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي.

(٥) التهذيب ( ١ : ٨٦ ـ ٢٢٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦١ ) أبواب الماء المضاف ب (١٣) ح (٤).

١٢٣

______________________________________________________

وحسنة الأحول ـ وهو محمد بن النعمان ـ : قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخرج من الخلاء فأستنجي في الماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، قال : « لا بأس به » (١).

وشرط المصنف وغيره (٢) في الحكم بطهارته عدم تغيره بالنجاسة ، وعدم وقوعه على نجاسة خارجة عن محله. واشتراطهما ظاهر.

واشترط بعض الأصحاب زيادة على ذلك أن لا يخالط نجاسة الحدثين نجاسة أخرى ، وأن لا ينفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متميزة ، لأنها كالنجاسة الخارجة ينجس بها الماء بعد مفارقة المحل. (٣) واشتراطهما أحوط وإن كان للتوقف فيه مجال ، لإطلاق النص.

واعتبر شيخنا الشهيد في الذكرى عدم زيادة وزنه (٤). وتقدمه في ذلك العلامة في النهاية ، فجعل زيادة الوزن في مطلق الغسالة كالتغير (٥). وهو بعيد جدا.

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين المخرجين ، ولا بين الطبيعي وغيره ، ولا بين المتعدي وغيره إلاّ أن يتفاحش على وجه لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء.

وهل هو طاهر أم معفو عنه؟ الأظهر : الأول ، لأنه المستفاد من الأخبار (٦) ، ونقل‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٣ ـ ٥ ) ، الفقيه ( ١ : ٤١ ـ ١٦٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٨٥ ـ ٢٢٣ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٠ ) أبواب الماء المضاف ب (١٣) ح (١) ، بتفاوت يسير.

(٢) منهم العلامة في القواعد ( ١ : ٥ ) ، والتذكرة ( ١ : ٥ ) ، وتحرير الأحكام ( ١ : ٥ ).

(٣) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ( ١ : ١١ ).

(٤) الذكرى : (٩).

(٥) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٤٤ ).

(٦) الوسائل ( ١ : ١٦٠ ) أبواب الماء المطلق ب (١٣).

١٢٤

______________________________________________________

عليه الإجماع.

وحكى الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى عن المصنف في المعتبر أنه قال : ليس في ماء الاستنجاء تصريح بالطهارة وإنما هو بالعفو (١). وتبعه في ذلك المحقق الشيخ علي في شرح القواعد (٢). وقال جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان : وفي المعتبر هو عفو (٣).

ولم أقف على ما نقلوه في الكتاب المذكور ، بل كلامه فيه كالصريح في الطهارة فإنه قال : وأما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين ، وقال علم الهدى في المصباح : لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن. وكلامه صريح في العفو وليس بصريح في الطهارة ، ويدل على الطهارة ما رواه الأحول (٤). ونقل الروايتين المتقدمتين (٥).

واعلم أنّ إطلاق العفو عن ماء الاستنجاء يقتضي جواز مباشرته مطلقا ، وعدم وجوب إزالته عن الثوب والبدن للصلاة وغيرها ، وهذا معنى الطاهر بعينه فلا يستقيم ما نقله المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ في حواشي الكتاب عن المصنف في المعتبر أنه اختار كونه نجسا معفوا عنه. بل ولا جعل القول بالعفو عنه مقابلا للقول بطهارته.

والظاهر : أنّ مرادهم بالعفو هنا عدم الطهورية كما يفهم من كلام شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال بعد نقل القول بالطهارة والعفو : وتظهر الفائدة في استعماله (٦).

__________________

(١) الذكرى : (٩).

(٢) جامع المقاصد ( ١ : ١١ ).

(٣) روض الجنان : (١٦٠).

(٤) المعتبر ( ١ : ٩١ ). لكنه قال بعد نقل الروايتين : ولأن التفصي منه عسر فشرع العفو رفعا للعسر. وهو يفيد العفو ، ولعل هذه العبارة كانت ساقطة من نسخته رحمه‌الله كما يستفاد ذلك من كلامه.

(٥) في ص (١٢٣).

(٦) الذكرى : (٩).

١٢٥

والمستعمل في الوضوء طاهر ومطهّر. وما استعمل في الحدث الأكبر طاهر. وهل يرفع به الحدث ثانيا؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

______________________________________________________

وقد نقل المصنف في المعتبر ، والعلامة في المنتهى الإجماع على عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا (١). فتنحصر فائدة الخلاف في جواز إزالة النجاسة به ثانيا ، والأصح الجواز ، تمسكا بالعموم ، وصدق الامتثال باستعماله.

قوله : والمستعمل في الوضوء طاهر مطهّر.

هذا الحكم إجماعي عندنا ، وخالف فيه أبو حنيفة ـ عليه ما يستحق ـ فحكم بأنه نجس نجاسة مغلظة حتى أنه إذا أصاب الثوب أكثر من درهم منع أداء الصلاة (٢) ـ وهو على إطلاقه باطل ، نعم ـ (٣) وربما كان حقا بالنسبة إليه.

قوله : وما استعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر ، وهل يرفع به الحدث ثانيا؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

اختلف الأصحاب في الماء القليل المستعمل في الطهارة الكبرى بعد اتفاقهم على طهارته ، فقال الشيخان (٤) وابنا بابويه (٥) ـ رحمهم‌الله ـ إنه غير رافع للحدث ، واحتاط به المصنف. وذهب المرتضى (٦) وابن إدريس (٧) ـ رحمهما الله ـ وأكثر‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٩٠ ) ، المنتهى ( ١ : ٢٤ ).

(٢) قال ابن قدامة في المغني ( ١ : ٤٨ ) : قال أبو يوسف هو نجس وهو رواية عن أبي حنيفة. ولم أعثر على من نسب اليه هذا القول سواه. وقال الشيخ في الخلاف ( ١ : ٤٦ ) وقال أبو يوسف الماء المستعمل نجس وكان يحكيه عن أبي حنيفة وأصحابه يدفعونه عنه.

(٣) ما بين القوسين من « ح ».

(٤) المفيد في المقنعة : (٩) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ١١ ).

(٥) كما في الفقيه ( ١ : ١٠ ) ، ونقله عن ابني بابويه في المختلف : (١٢).

(٦) جمل العلم : (٤٩) ، والمسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٧٩).

(٧) السرائر : (٣٢).

١٢٦

______________________________________________________

المتأخرين (١) إلى بقائه على الطهورية. وهو الأظهر ، لصدق الامتثال باستعماله ، ولأن واجده واجد للماء المطلق فلا يسوغ له التيمم أخذا بظاهر قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٢).

ويشهد له أيضا ما رواه الفضيل بن يسار في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء ، فقال : « لا بأس ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) » (٣).

احتج المانع : بأن الماء المستعمل مشكوك فيه فلا يحصل معه تيقن البراءة ، وبقول الصادق عليه‌السلام في رواية ابن سنان : « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه » (٤).

والجواب عن الأول : بمنع الشك مع صدق الإطلاق. وعن الثاني : بالطعن في سند الحديث وقد تقدم (٥).

والمراد بالمستعمل : الماء القليل المنفصل عن أعضاء الطهارة. فعلى هذا لو نوى المرتمس في القليل بعد تمام ارتماسه ارتفع حدثه ، وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى غيره لا بالنسبة إليه.

__________________

(١) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ( ١ : ١٩ ) ، والشهيد الأول في البيان : (٤٧) ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ( ١ : ١١ ).

(٢) المائدة : (٦).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٣ ـ ٧ ) ، التهذيب ( ١ : ٨٦ ـ ٢٢٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١٥٣ ) أبواب الماء المضاف ب (١) ح (٥).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٢١ ـ ٦٣٠ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٧ ـ ٧١ ) ، الوسائل ( ١ : ١٥٥ ) أبواب الماء المضاف ب (٩) ح (١٣).

(٥) في ص (١٢٠).

١٢٧

الثالث في الأسئار :

وهي كلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر.

______________________________________________________

وظاهر العبارة : أنّ الخلاف إنما وقع في رفع الحدث به ثانيا لا في إزالة الخبث. وبه صرح العلامة في المنتهى (١) ، وولده في الشرح (٢) فإنهما نقلا إجماع علمائنا على جواز رفع الخبث به. وربما يظهر من عبارة الذكرى تحقق الخلاف في ذلك أيضا فإنه قال بعد أن نقل عن الشيخ والمصنف الجواز : وقيل : لا ، لأن قوته استوفيت فألحق بالمضاف (٣).

وهو ضعيف جدا. وربما كان القول للعامة كما يشعر به التعليل.

قوله : الثالث ، في الأسئار.

الأسئار : جمع السؤر بالهمزة وهو لغة : الفضلة والبقية قاله في القاموس (٤). وقال في المعتبر : السؤر مهموزا بقية المشروب (٥). والأظهر في تعريفه في هذا الباب : أنه ماء قليل لاقاه فم حيوان.

وعرفه الشهيد (٦) ـ رحمه‌الله ـ ومن تأخر عنه (٧) بأنه ماء قليل باشره جسم حيوان.

وهو غير جيد. أما أولا : فلأنه مخالف لما نصّ عليه أهل اللغة ، ودل عليه العرف العام ، بل والخاص أيضا ، كما يظهر لمن تتبع الأخبار وكلام الأصحاب ، وإن ذكر بعضهم في باب السؤر غيره استطرادا (٨). وكون الغرض هنا بيان الطهارة والنجاسة‌

__________________

(١) المنتهى ( ١ : ٢٣ ).

(٢) إيضاح الفوائد ( ١ : ١٩ ).

(٣) الذكرى : (١٢).

(٤) القاموس المحيط ( ٢ : ٤٤ ).

(٥) المعتبر ( ١ : ٩٣ ).

(٦) البيان : (٤٦).

(٧) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية ( ١ : ٤٦ ).

(٨) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ( ١ : ٢٨٣ ).

١٢٨

وفي سؤر المسوخ تردد ، والطهارة أظهر. ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمين طاهر الجسد والسؤر.

______________________________________________________

لا يقتضي هذا التعميم ، لأن حكم ما عدا السؤر يستفاد من مباحث إزالة النجاسات.

وأما ثانيا : فلأن الوجه الذي جعل لأجله السؤر قسيما للمطلق مع كونه قسما منه بحسب الحقيقة وقوع الخلاف في نجاسة بعضه من طاهر العين وكراهة بعض آخر ، وليس في كلام القائلين بذلك دلالة على اعتبار مطلق المباشرة ، بل كلامهم ودليلهم كالصريح في أنّ مرادهم بالسؤر المعنى الذي ذكرناه خاصة فتأمل.

قوله : وفي سؤر المسوخ تردد ، والطهارة أظهر.

منشأ التردد هنا غير ظاهر ، إذ ليس لأصالة الطهارة معارض يعتد به.

ونقل عن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف أنه حكم بنجاسة المسوخ لتحريم بيعها (١). وهو ضعيف جدا ، لمنع التحريم والملازمة. واستوجه المصنف في المعتبر الكراهة رفعا لشبهة الاختلاف (٢). وهو حسن.

قوله : ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمين طاهر الجسد والسؤر.

المراد بالخوارج : أهل النهروان ومن قال بمقالتهم. وبالغلاة : من قال بإلهية علي عليه‌السلام ، أو أحد من الناس : والحق بهم النواصب ، وهم المبغضون لأهل البيت عليهم‌السلام. وألحق الشيخ ـ رحمه‌الله ـ المجبرة والمجسمة (٣). وابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ كل مخالف للحق (٤). وعندي في جميع ذلك توقف ، وسيأتي تتمة الكلام في ذلك‌

__________________

(١) الخلاف ( ١ : ٥٨٧ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٩٩ ).

(٣) المبسوط ( ١ : ١٤ ).

(٤) السرائر : (٣).

١٢٩

ويكره سؤر الجلاّل ، وما أكل الجيف إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة ،

______________________________________________________

في أحكام النجاسات إن شاء الله تعالى.

قوله : ويكره سؤر الجلاّل وما أكل الجيف إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة.

المراد بالجلال : المتغذي بعذرة الإنسان محضا إلى أن ينبت عليه لحمه واشتد عظمه بحيث يسمى في العرف جلالا قبل أن يستبرأ بما يزيل الجلل. وبما أكل الجيف : ما من شأنه ذلك. وقوله : إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة ، قيد في كل واحد منهما. والحكم بطهارة سؤر هذين النوعين بالقيد المذكور وكراهة مباشرته هو المشهور بين الأصحاب.

ويدل على الطهارة مضافا إلى الأصل روايات كثيرة منها : رواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « فضل الحمامة والدجاجة لا بأس به والطير » (١).

ورواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن ماء يشرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال : « كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب » (٢).

وصحيحة الفضل أبي العباس : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإبل ، والحمار ، والخيل ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٩ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٢٨ ـ ٦٥٩ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٦ ) أبواب الأسئار ب (٤) ح (١).

(٢) الكافي ( ٣ : ٩ ـ ٥ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٦ ) أبواب الأسئار ب (٤) ح (٢).

١٣٠

______________________________________________________

أترك شيئا إلاّ سألته عنه فقال : « لا بأس به ». حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء » (١).

وصحيحة محمد ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء ». وعن السنور قال : « لا بأس أن تتوضأ بفضلها إنما هي من السباع » (٢) وفي التعليل إشعار بطهارة السباع كلها. ومثلها روى معاوية بن شريح في الحسن (٣) ، وزرارة في الصحيح (٤) ، عن الصادق عليه‌السلام.

أما الكراهة : فلم أقف فيها على دليل يعتد به ، نعم روى الحسن الوشاء ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه كان يكره سؤر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه (٥). وضعفها بالإرسال يمنع من العمل بها.

وخالف في ذلك الشيخ فمنع في المبسوط من سؤر آكل الجيف (٦). وفي النهاية من سؤر الجلال (٧). وظاهره في كتابي الأخبار المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه عدا ما لا يمكن التحرز عنه كالهرة ، والفأرة ، والحية (٨).

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٢٥ ـ ٦٤٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩ ـ ٤٠ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٣ ) أبواب الأسئار ب (١) ح (٤).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٢٥ ـ ٦٤٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٨ ـ ٣٩ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٢ ) أبواب الأسئار ب (١) ح (٣) وفي الجميع الرواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) التهذيب ( ١ : ٢٢٥ ـ ٦٤٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٩ ـ ٤١ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٣ ) أبواب الأسئار ب (١) ح (٦).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٢٧ ـ ٦٥٥ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٤ ) أبواب الأسئار ب (٢) ح (٢).

(٥) الكافي ( ٣ : ١٠ ـ ٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٧ ) أبواب الأسئار ب (٥) ح (٢).

(٦) الموجود في المبسوط ( ١ : ١٠ ) هو المنع من سؤر ما يأكل الميتة والجلال من الطير ، وما يمكن التحرز عنه من حيوان الحضر.

(٧) الموجود في النهاية : (٥) هو المنع من سؤر آكل الجيف من الطير.

(٨) التهذيب ( ١ : ٢٢٤ ) ، الاستبصار ( ١ : ٢٦ ).

١٣١

______________________________________________________

واحتج بما رواه عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عما يشرب الحمام منه فقال : « كل ما أكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب » (١) وهو احتجاج ضعيف ، لضعف سند الرواية باشتماله على جماعة من الفطحية ، وقصور متنها عن الدلالة على المطلوب ، ومعارضتها بما هو أصح منها سندا وأوضح دلالة.

والأصح طهارة الأسئار كلها عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر ، وهو اختيار المرتضى في المصباح (٢) ، والشيخ في الخلاف (٣) ، وإليه ذهب عامة المتأخرين.

واعلم ، أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر احتج على الطهارة بروايتي أبي بصير وعمار المتقدمتين ثم قال : لا يقال علي بن أبي حمزة واقفي وعمار فطحي فلا يعمل بروايتهما. لأنا نقول : الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب أو انضمام القرينة ، لأنه لو لا ذلك لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ، إذ لا قطع بقوله ، وهذا المعنى موجود هنا ، فإن الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك (٤). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ولا يخلو من نظر :

أما أولا : فلأنا نمنع كون المقتضي للعمل برواية الثقة ما ذكره ، فإنّ الأدلة على ذلك كثيرة مقررة في محالها ، وأيضا فإن عمل الأصحاب ليس حجة كما قرره في مواضع من كتبه (٥) ، والقرائن إن كانت حجة برأسها فلا حاجة إلى الخبر ، وإلا فلا فائدة في انضمامها إليه.

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٩ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٢٤ ـ ٦٤٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٥ ـ ٦٤ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٦ ) أبواب الأسئار ب (٤) ح (٢) ، بتفاوت يسير.

(٢) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٩٣ ).

(٣) الخلاف ( ١ : ٥٢ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ٩٤ ).

(٥) في « ق » : كتابه.

١٣٢

______________________________________________________

وأما ثانيا : فلأن ما ذكره من منع العقل لو لا ذلك من العمل بخبر الثقة غير مستقيم ، إذ العقل لا يحيل التعبد به ، ولأن اللازم من ذلك امتناع العمل به مطلقا ، وهو معلوم البطلان.

وأما ثالثا : فلأن ما ذكره من عمل الأصحاب برواية هؤلاء مناف لما قرره في الأصول من اشتراط إيمان الراوي ، وما أجاب به عن احتجاج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على عدم اشتراط ذلك بأن الشيعة عملت برواية بني فضال والطاطرية (١) وأضرابهم : من أنه إلى الآن لم يعلم أنّ الشيعة عملت بأخبار هؤلاء (٢).

وبالجملة : فكلام المصنف في هذا المقام لا يخلو من اختلاف. ولتحقيق المسألة موضع آخر.

وهنا شي‌ء ينبغي التنبيه له وهو : إن مقتضى الأخبار المتضمنة لنفي البأس عن سؤر الهرة وغيرها من السباع (٣) طهارتها بمجرد زوال العين ، لأنها لا تكاد تنفك عن النجاسات ، خصوصا الهرة ، فإن العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الأوقات ، ولو لا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر ، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإنه ممتنع عقلا. وبذلك صرح المصنف في المعتبر (٤) ، والعلامة في التذكرة والمنتهى (٥) فإنهما قالا : إنّ الهرة لو أكلت ميتة ثم شربت من الماء القليل لم ينجس بذلك ، سواء غابت أو لم تغب. وقوّى العلامة في النهاية نجاسة الماء حينئذ ، ثم جزم بأنها لو غابت‌

__________________

(١) قال في رجال النجاشي : ( ٢٥٤ ـ ٦٦٧ ) : علي بن الحسن بن محمد المعروف بالطاطري ، وإنما سمي بذلك لبيعه ثيابا يقال لها الطاطرية. وكان من وجوه الواقفة.

(٢) معارج الأصول : (١٤٩).

(٣) الوسائل ( ١ : ١٦٤ ) أبواب الأسئار ب (٢).

(٤) المعتبر ( ١ : ٩٩ ).

(٥) التذكرة ( ١ : ٦ ) ، المنتهى ( ١ : ٢٧ ).

١٣٣

والحائض التي لا تؤمن ،

______________________________________________________

عن العين واحتمل ولوغها في ماء كثير أو جار لم ينجس ، لأن الإناء معلوم الطهارة ولا يحكم بنجاسته بالشك (١). وهو مشكل.

وقد قطع جمع من المتأخرين بطهارة الحيوان غير الآدمي بمجرد زوال العين (٢) ، وهو حسن ، للأصل ، وعدم ثبوت التعبد بغسل النجاسة عنه. ولا يعتبر فيه الغيبة قطعا.

أما الآدمي فقد قيل : إنه يحكم بطهارته بغيبته زمانا يمكن فيه إزالة النجاسة (٣).

وهو مشكل ، والأصح عدم الحكم بطهارته بذلك إلا مع تلبسه بما يشترط فيه الطهارة عنده ، على تردد في ذلك أيضا ، والله أعلم.

قوله : والحائض التي لا تؤمن.

أي لا تؤمن من عدم التحفظ من النجاسة. وأطلق المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في المصباح (٤) ، والشيخ في المبسوط (٥) كراهية سؤر الحائض ، وجمع في كتابي الحديث بين الأخبار تارة بالمنع من الوضوء بسؤر غير المأمونة ، واخرى بالاستحباب (٦). والمعتمد ما اختاره المصنف من التفصيل.

لنا : إن فيه جمعا بين ما تضمن النهي عن الوضوء بسؤر الحائض ، كموثقة عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « اشرب من سؤر الحائض ، ولا تتوضأ منه » (٧).

__________________

(١) نهاية الأحكام ( ١ : ٢٣٩ ).

(٢) منهم ابن فهد في المهذب البارع : (٢٢٤).

(٣) حكاه في مجمع الفائدة ( ١ : ٢٩٧ ).

(٤) نقله عنه في المعتبر ( ١ : ٩٩ ).

(٥) المبسوط ( ١ : ١٠ ).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢٢٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧ ).

(٧) الكافي ( ٣ : ١٠ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٢٢ ـ ٦٣٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧ ـ ٣٢ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٠ ) أبواب الأسئار ب (٨) ح (١).

١٣٤

______________________________________________________

ورواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض يشرب من سؤرها؟ قال : « نعم ، ولا يتوضأ » (١).

وبين ما ورد من الإذن في سؤر المأمونة ، كموثقة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سؤر الحائض ، قال : « توضأ به ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة » (٢).

وهذه الرواية مروية في الكافي بطريق يقرب من الصحيح ، وفيها قال : وسألته عن سؤر الحائض فقال : « لا توضأ منه ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة » (٣) ومقتضاها عموم الكراهة.

ويشهد لما ذكرناه من الجمع : ما رواه علي بن يقطين في الموثق ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحائض فقال : « إذا كانت مأمونة لا بأس » (٤).

واعلم : أنّ المستفاد من الأخبار إنما هو كراهة الوضوء بسؤر الحائض خاصة ، بل روايتا عنبسة والحسين بن أبي العلاء صريحتان في عدم كراهة الشرب منه ، فإطلاق أكثر الأصحاب كراهة سؤرها المؤذن بالتعميم غير جيد ، وكذا تعديته إلى كل متهم.

وينبغي أن يعلم أيضا أن إناطة المصنف الكراهة بغير المأمونة أولى من إناطتها‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ١٠ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٢٢ ـ ٦٣٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧ ـ ٣٣ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٠ ) أبواب الأسئار ب (٨) ح (٢).

(٢) التهذيب ( ١ : ٢٢٢ ـ ٦٣٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٧ ـ ٣١ ) ، الوسائل ( ١ : ١٦٨ ) أبواب الأسئار ب (٧) ح (١).

(٣) الكافي ( ٣ : ١٠ ـ ٢ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٢٢١ ـ ٦٣٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٦ ـ ٣٠ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٠ ) أبواب الأسئار ب (٨) ح (٥).

١٣٥

وسؤر البغال والحمير والفأرة.

______________________________________________________

بالمتهمة كما ذكره غيره ، لأن النص إنما يقتضي انتفاء المرجوحية إذا كانت مأمونة ، وهو أخص من كونها غير متهمة ، لتحقق الثاني في ضمن من لا يعلم حالها دون الأول.

وما ذكره بعض المحققين ـ من أنّ غير المأمونة هي المتهمة ، إذ لا واسطة بين المأمونة ومن لا أمانة لها ، والتي لا أمانة لها هي المتهمة ـ غير جيد ، فإن المتبادر من المأمونة من ظن تحفظها من النجاسات ، ونقيضها من لم يظن بها ذلك ، وهو أعم من المتهمة والمجهولة فتأمل.

قوله : وسؤر البغال والحمير.

المراد بالحمير : الأهلية ، إذ الوحشية لا كراهة في سؤرها. وألحق بهما الدواب ، لكراهة لحم الجميع. ونحن نطالبهم بإثبات الكبرى.

قوله : والفأرة.

اختلف الأصحاب في سؤر الفأرة فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية في باب المياه : وإذا وقعت الفأرة والحية في الآنية وشربتا منها ثم خرجتا منها لم يكن به بأس ، والأفضل ترك استعماله على كل حال. وقال في باب أحكام النجاسات : وإذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وكان رطبا وجب غسل الموضع الذي أصابه (١). وظاهر المصنف في المعتبر عدم الكراهة (٢). والمعتمد الطهارة وإن استحب غسل أثرها من الثوب.

لنا على الطهارة : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت ثم تخرج منه حيا؟ قال :

__________________

(١) النهاية : ( ٦ و ٥٢ ).

(٢) المعتبر ( ١ : ٩٩ ).

١٣٦

والحية ، وما مات فيه الوزغ والعقرب.

______________________________________________________

« لا بأس به » (١).

وفي الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : قال : سألته عن فأرة رطبة قد وقعت في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أنبيعه من مسلم؟ قال : « نعم وتدهن منه » (٢).

ولنا على استحباب غسل أثرها من الثوب ما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : وسألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب ، أيصلى فيها؟ قال : « اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء » (٣).

قوله : والحية.

القول بكراهة سؤر الحية للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية (٤) وأتباعه. والأظهر انتفاء الكراهة كما اختاره في المعتبر (٥) ، لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن العظاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت ، أيتوضأ منه للصلاة؟ فقال : « لا بأس به » (٦).

قوله : وما مات فيه الوزغ والعقرب.

الوزغ بالتحريك جمع وزغة به أيضا : دابة معروفة ، وسام أبرص من أصنافه. والقول‌

__________________

(١) الكافي ( ٦ : ٢٦١ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ٩ : ٨٦ ـ ٣٦٢ ) ، الوسائل ( ١٦ : ٤٦٤ ) أبواب الأطعمة المباحة ب (٤٥) ح (١).

(٢) التهذيب ( ١ : ٤١٩ ـ ١٣٢٦ ) ، الاستبصار ( ١ : ٢٤ ـ ٦١ ) ، قرب الإسناد : (١١٣) ، الوسائل ( ١ : ١٧١ ) أبواب الأسئار ب (٩) ح (١).

(٣) الكافي ( ٣ : ٦٠ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٢٦١ ـ ٧٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ١٠٤٩ ) أبواب النجاسات ب (٣٣) ح (٢).

(٤) النهاية : (٦).

(٥) المعتبر ( ١ : ١٠٠ ).

(٦) التهذيب ( ١ : ٤١٩ ـ ١٣٢٦ ) ، الاستبصار ( ١ : ٢٣ ـ ٥٨ ) ، قرب الإسناد : (٨٤) ، الوسائل ( ١ : ١٧١ ) أبواب الأسئار ب (٩) ح (١).

١٣٧

وينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة دون ما لا نفس له.

______________________________________________________

بكراهة سؤرها وسؤر العقرب هو المشهور بين الأصحاب ، لورود النهي عنه ، وإنما حمل على الكراهة لضعف سنده ، ومعارضته بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة وغيرها من الأخبار (١). وربما قيل بالمنع منه (٢). وهو ضعيف. وقال في التذكرة : إنّ الكراهة من حيث الطب لا لنجاسة الماء (٣). وهو حسن.

قوله : وينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة ، دون ما لا نفس له.

المراد بالنفس السائلة : الدم الذي يخرج من عرق. والحكم بنجاسة الميتة من ذي النفس ونجاسة الماء القليل به موضع وفاق ، وسيجي‌ء الكلام فيه في باب إزالة النجاسات.

أما ما لا نفس له كالذباب والجراد فقال في المعتبر : إنه لا ينجس بالموت عند علمائنا أجمع (٤). ونحوه قال في المنتهى (٥). والمستند فيه أصالة الطهارة السالمة من المعارض ، والأخبار المستفيضة كقوله عليه‌السلام في رواية حفص بن غياث : « لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة » (٦) وفي رواية عمار : « كل ما ليس له دم فلا بأس » (٧) وفي رواية ابن مسكان : « كل شي‌ء يسقط في البئر مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا‌

__________________

(١) الوسائل ( ١ : ١٧١ ) أبواب الأسئار ب (٩).

(٢) كما في المختلف : (٥٨).

(٣) التذكرة ( ١ : ٦ ).

(٤) المعتبر ( ١ : ١٠١ ).

(٥) المنتهى ( ١ : ٢٨ ).

(٦) التهذيب ( ١ : ٢٣١ ـ ٦٦٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٦ ـ ٦٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٣ ) أبواب الأسئار ب (١٠) ح (٢).

(٧) التهذيب ( ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٦ ـ ٦٦ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٣ ) أبواب الأسئار ب (١٠) ح (١).

١٣٨

وما لا يدرك بالطرف من الدم لا ينجّس الماء ، وقيل : ينجّسه ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

بأس » (١).

وهذه الروايات وإن ضعف سندها لكن لا بأس بالعمل بها ، لتأيدها بعمل الأصحاب ، ومطابقتها لمقتضى الأصل. وهو حجة بنفسه إذا خلا عن المعارض.

قوله : وما لا يدركه الطرف من الدم لا ينجّس الماء ، وقيل : ينجسه ، وهو الأحوط.

المراد بما لا يدركه الطرف : الدم القليل الذي لا يكاد يدركه الطرف ، فإن المشتمل على لون متى وقع حس البصر عليه أدركه. والقول بنجاسة الماء بذلك هو المشهور بين الأصحاب ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس وقد تقدم الكلام في ذلك.

والقائل بعدم النجاسة هو الشيخ (٢) ، لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل امتخط فصار الدم قطعا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه؟ فقال : « إن لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه » (٣).

وأورد عليه أنه ليس في الرواية تصريح بإصابة الدم الماء ، وإنما المتحقق إصابته الإناء ، وهو لا يستلزم إصابته الماء ، فيكون باقيا على أصالة الطهارة.

وأجيب عنه بأن السائل هو علي بن جعفر جليل القدر ، عظيم الشأن ، فلا يسأل عن حكم الماء بوصول النجاسة إلى الإناء.

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٢٣٠ ـ ٦٦٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٦ ـ ٦٨ ) ، الوسائل ( ١ : ١٧٣ ) أبواب الأسئار ب (١٠) ح (٣).

(٢) كما في الاستبصار ( ١ : ٢٣ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٧٤ ـ ١٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٤١٢ ـ ١٢٩٩ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢٣ ـ ٥٧ ) ، الوسائل ( ١ : ١١٢ ) أبواب الماء المطلق ب (٨) ح (١).

١٣٩

______________________________________________________

وفيه نظر ، فإن إصابة النجاسة الإناء كما يتحقق مع العلم بوقوعها في الماء أو في خارجه ، كذا يتحقق مع انتفاء العلم بأحد الأمرين ، ومعه يحسن السؤال عن جواز استعمال الماء ، فإن القول بوجوب اجتنابه للقطع بوقوع النجاسة في الإناء إما في نفس الماء أو في خارجه كما في الإناءين المشتبهين محتمل.

فإن قلت : إنّ قوله عليه‌السلام : « إن لم يكن شي‌ء يستبين في الماء » أعم من عدمه في نفسه ، ووجوده مع عدم ظهوره ، فيجب انتفاء البأس على التقديرين عملا بعموم اللفظ إلى أن يظهر المخصص.

قلت : لما لم يكن في السؤال تصريح بوقوع النجاسة في الماء ، وكان مقتضى الأصل عدمه ، صح تعليق الحكم بالطهارة على عدم استبانته فيه ، فإنه إنما يعلم بذلك غالبا ، ومثل هذا الإطلاق متعارف.

ولقائل أن يقول : لما كان وقوع الدم في الإناء يجامع العلم بوقوعه في الماء وخارجه ، والشك بين الأمرين ، كان الحكم بنفي البأس مع عدم استبانته فيه دليلا على تساوي الاحتمالات ، حذرا من لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فيترجح جانب الطهارة ، إلاّ أنّ القول بالنجاسة أحوط.

١٤٠